الحوار المتمدن
3.07K subscribers
12 photos
94.8K links
الموقع الرسمي لمؤسسة الحوار المتمدن في التلغرام
Download Telegram
جلال الاسدي : شحاذ .. رغماً عنه … قصة قصيرة
#الحوار_المتمدن
#جلال_الاسدي منذ أن تفتح وعي ( رجب ) على الدنيا ، وهو يعيش مع أم وأب شحاذين ، توارثوا المهنة أب عن جد ، ورغم انهم شحاذون فان الجوع لم يكن يطرأ على حياتهم ابداً . لقد كان ما يكسبونه من مال كافياً ليسد عنهم غائلة الجوع .. بل يفيض منه الكثير .. عشرات أو مئات أو ربما ألوف من الدنانير - في وقت كان فيه للدينار رنةٌ تُسمع - جمعها أبوه على امتداد سنين عمره ، ويحتفظ بها في أحشاء فراشه ( الدوشگ ) الذي ينام عليه ، ولا يسمح لأحد كائن من يكون أن يقترب منه .كان رجب يصحو من النوم على تردد اسمه على لسان أمه العجوز كل صباح .. صارخةً به تدعوه للنهوض .. تستقبله بوجه عابس عندما تراه يتململ ليكسب دقائق اضافية ليتنعم بإغفاءة الفجر اللذيذة .. يظل اسمه ملتصقاً بلسانها .. يطارده حتى ينهض .يتثائب .. يمد ذراعاه في الهواء ويتمطى .. تشير له باصبعها أن يقف .. تسير أمامه محنية الظهر .. تبربش بعينيها المريضتين ، ثم تذهب لايقاظ ألاب ، وهو شيخ يعرج في مشيته تحت ثقل جسمه المكتنز .ليجتمع الثلاثة حول الطعام ، وهم في صمت ثقيل لا تسمع منهم سوى صوت مضغ الطعام وبلعه .. يأكل الاب والام من البيض والخبز وغيرهما ما يأكله أثنين أو أكثر .أما رجب فحصته نصف حصتهم أو أقل .. لأن الام والاب لا يريدون لرجب أن يشبع حتى لا يبدو عليه أثر النعمة ، ولكي يبقى شاحبا هزيلا ممصوص الجسد ، ليزداد تعاطف الناس معه وتزداد الغلة ، فيضطر المسكين أن يقوم وهو نصف شبعان .وعندما ينتهون من الطعام .. تتركهم الأم .. وتذهب لبعض شأنها .. يشد الأب بسرعة دشداشتة التي تآكلت اطرافها بفعل الأيام ، ويسقطها على جسده الممتلئ ، ويتمنطق بحزام عسكري عتيق من فضلات الجيش البريطاني !يخرج الاب والابن للطواف في الشوارع والازقة والجوامع والدوائر الحكومية .. يخبئ الأب عينيه خلف نظارة سوداء سميكة مدعياً العمى ، ويرفع رأسه الى أعلى كما يفعل العميان الحقيقيون .يسير بقدمه العرجاء على مهل كأنه يزحف بأقدامه ، وهو يردد كلاماً يبدو كأنه كلام محفوظ .. منمنم بآيات من القرآن ، وأدعية يرددها ، ولا يعنيها ، ولا يحس بها ، ولا تخرج من القلب ، ورجب يسحبه من يده ببطء كأنه يقوده .يرتدي رجب أسمالاً قذرة وممزقة .. لا يكاد الشتاء يأتي عليها حتى يظل يرتعش من تحتها كالسعفة ، وترتجف شفتاه ، وتصطك أسنانه من شدة البرد ، ويظل يسعل حتى يكاد يختنق بسعاله ، وهو منظر كان يسر الأب كثيراً لان ذلك يزيد من شفقة الناس على رجب خاصة النساء منهم .. المؤلم أن الآهات التي تخرج من صدره لا تجد لها صدى في قلوب الام والاب المتحجرة !وكان رجب يرى الطلبة الصغار ، وهم يسيرون الى مدارسهم .. يتدافعون ويتضاحكون ، فيقف أمامهم مأخوذاً بما يرى ، ويتمنى أن يكون معهم ، ويتسائل مع نفسه : ما ذنبه اذا كان ابن شحاذ حتى يُحرم من أن يكون مثلهم ؟ انه يريد ان يتعلم كما يتعلمون ، ويعيش كما يعيشون ، فلا يجد المسكين منفذاً لأحلامه وحسراته سوى أن يفر الى دموعه ، فيبكي بصمت ! ثم يتقهقرون عائدين الى البيت في آخر النهار .. منهكين .. يدخلون الكوخ يسبقهم سعال رجب .. تفوح منهم رائحة الطرقات ، والشمس قد دبغت جلودهم بلون الغروب .. يكتفون بما تناولوه من صدقات الطعام ، وينامون جميعاً مع نيام الشمس .كانت ولا تزال مهنة الشحاذة تعتمد على الفن والذكاء ، وعلى موهبة التمثيل .. الفرق أن الشحاذ يقوم بدور واحد مكرر لا ينتهي ابداً ، وهي مهنة متعبة تتطلب صبراً طويلاً ، والبقاء على حالة واحدة من التوسل والتظاهر بالذل والهوان يمثلها الشحاذ طوال النهار ، ويبقى محنطاً داخلها لا يغادرها حتى ينتهي يوم ......
#شحاذ
#رغماً
#قصيرة

لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=760252