منير المجيد : خميرة الخبز
#الحوار_المتمدن
#منير_المجيد في سنوات الطفولة، كان شراء الخبز من فرن «أبو صباح» ترفاً، لذلك كانت أمّي تلجأ، مثل بقية نسوة الحي، إلى إستعمال تنّور الحاجّة أم سعيد. ولأن الخَبْز يحتاج الخميرة، فإنّ تداول الأخيرة كان عادةً مُتبعة أيضاً. فالتي عملت على تحضيرها لم تبخل على توزيعها، والتي ارتفع عجينها اكتفت بإعطاء قليل منها لتقوم جارتها بإضافتها إلى عجينها، وهكذا. أمّي كانت ترسلني إلى الحاجّة تطلب منها «هڤ-;-يناً». ولا غرابة أن يُقارب الكرد بين كلمتي عجين وخميرة، فالأولى «هڤ-;-ير»، والثانية «هڤ-;-ين».تبدو عملية تحضير الخميرة في منتهى البساطة. كميّة قليلة من الطحين ومقدار مماثل من الماء.لكن هذا التفاعل الكيميائي هو من معجزات الطبيعة. في هذا الخليط مستعمرات من الكائنات الحيّة الدقيقة والخمائر الطبيعية والعصيات اللبنية. الطحين يحتوي بشكل طبيعي على مجموعة من الخمائر الطبيعية والبكتيريات، وحين خلطه بالماء يقوم إنزيم الأميليز بتكسير النشاء إلى غلوكوز السكّر والمالتوز. مع الوقت الكافي ودرجة الحرارة والرطوبة يُطوّر الخليط مُستنبتاً مُستقرّاً يؤدّي بالنتيجة، حين إضافته للعجين، إلى إرتفاعه، بسبب إنتاجه الكثيف لغاز ثاني أوكسيد الكربون.الفارق الأساسي بين خميرة أمّهاتنا وتلك التي نشتريها جاهزة، أنّ حمض اللاكتيك المُنتج من العصيّات اللبنية يضيف مذاقاً حموضياً مُترفاً شهياً للخبز، علاوة على أداء ملحوظ لحفظه.هذا يُفسّر أن أمّهاتنا كنّ يخبزن مرّة أو مرّتين في الشهر، رغم عدم وجود البرّادات والفريزرات. حسناً، بعد يومين كان الخبز يقسى، وبعد أسبوع كان يمكن تحويله إلى سلاح هجومي.لذلك مازلت أتذكّر مروري صباح كل يوم إلى جانب الفرن في طريقي إلى المدرسة ورائحة الخبز الطازج. أحسن بكثير من شعور «فنجان قهوة وفيروز»، الذي يصفعني به العديد من الفيسبوكيين.في الحضارات القديمة، البابلية والسومرية والآشورية والمصرية والإغريقية، ومن ثمّة كل الأديان الإبراهيمية نجد أن الإنسان خُلق من تراب وماء وعُجن ليكتسب هيئتة.هل هناك رابط بين قدسية الخلق والعجن، أي الخبز؟يُقال، دون تأكيد مُطلق، أن الإنسان خبز الخبز قبل ما لا يقل عن ثلاثين ألف سنة. وكانت البداية على شكل خلط الماء ببعض الحبوب وقليها على الصخور الساخنة، وتُعتبر هذه أهم خطوة خطاها الإنسان نحو الحضارة والتحضّر، خاصة ما عنته في الإبقاء على الحياة. بقوّتها وبساطتها. قّوة الخبز كعنصر هام في التغذية ومدّ الجسم بالكاربوهيدرات الحيوية للطاقة، وبساطته التي تتكون من الطحين المخلوط بالماء وقليل من الملح.في دراسةٍ للأكاديمية الوطنية للعلوم في أمريكا عام ٢-;-٠-;-١-;-٠-;- تحدّثت عن إكتشاف بقايا نشاء (من السرخس على الأرجح)، في ملاط عصور ما قبل التاريخ.ربما كان الفراعنة أوّل من خبزَ، أو ربمّا كانت هناك حضارات اخرى سبقتهم، إلا أنه من المؤكد أنّهم أول من إستعمل الخميرة.لقد تمّ تقديس الخبز وقام الأوّلون بتطوير دلالاته ليُصار إلى تجسيد رمزي، ليس فيما يتعلق بمكنونه الغذائي فقط بل مرتبطاً بالتضحية.امي كانت تنصحنا دوماً بعدم رمي كسرات الخبز، بل وضعها على جدار كي تقتات عليها الطيور، وربّما القطط الشاردة التي كانت تضطر إلى ممارسة عادات نباتية تتمثل في تناول الخبز، لعدم توفّر اللحم، حتّى لنا.في كل الحضارات، دون إستثناء، أساطير تتعلق بالقمح والخبز والعجن. وما تسريب هذا، برأيي، إلى سحبه على خلق الإنسان، الذي جاء من الطين (عجن التراب والماء)، إلّا دلالة رمزية بليغة. في النص السومري « بعرق وجهك تأكل خبزاً حتى تع ......
#خميرة
#الخبز
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=735161
#الحوار_المتمدن
#منير_المجيد في سنوات الطفولة، كان شراء الخبز من فرن «أبو صباح» ترفاً، لذلك كانت أمّي تلجأ، مثل بقية نسوة الحي، إلى إستعمال تنّور الحاجّة أم سعيد. ولأن الخَبْز يحتاج الخميرة، فإنّ تداول الأخيرة كان عادةً مُتبعة أيضاً. فالتي عملت على تحضيرها لم تبخل على توزيعها، والتي ارتفع عجينها اكتفت بإعطاء قليل منها لتقوم جارتها بإضافتها إلى عجينها، وهكذا. أمّي كانت ترسلني إلى الحاجّة تطلب منها «هڤ-;-يناً». ولا غرابة أن يُقارب الكرد بين كلمتي عجين وخميرة، فالأولى «هڤ-;-ير»، والثانية «هڤ-;-ين».تبدو عملية تحضير الخميرة في منتهى البساطة. كميّة قليلة من الطحين ومقدار مماثل من الماء.لكن هذا التفاعل الكيميائي هو من معجزات الطبيعة. في هذا الخليط مستعمرات من الكائنات الحيّة الدقيقة والخمائر الطبيعية والعصيات اللبنية. الطحين يحتوي بشكل طبيعي على مجموعة من الخمائر الطبيعية والبكتيريات، وحين خلطه بالماء يقوم إنزيم الأميليز بتكسير النشاء إلى غلوكوز السكّر والمالتوز. مع الوقت الكافي ودرجة الحرارة والرطوبة يُطوّر الخليط مُستنبتاً مُستقرّاً يؤدّي بالنتيجة، حين إضافته للعجين، إلى إرتفاعه، بسبب إنتاجه الكثيف لغاز ثاني أوكسيد الكربون.الفارق الأساسي بين خميرة أمّهاتنا وتلك التي نشتريها جاهزة، أنّ حمض اللاكتيك المُنتج من العصيّات اللبنية يضيف مذاقاً حموضياً مُترفاً شهياً للخبز، علاوة على أداء ملحوظ لحفظه.هذا يُفسّر أن أمّهاتنا كنّ يخبزن مرّة أو مرّتين في الشهر، رغم عدم وجود البرّادات والفريزرات. حسناً، بعد يومين كان الخبز يقسى، وبعد أسبوع كان يمكن تحويله إلى سلاح هجومي.لذلك مازلت أتذكّر مروري صباح كل يوم إلى جانب الفرن في طريقي إلى المدرسة ورائحة الخبز الطازج. أحسن بكثير من شعور «فنجان قهوة وفيروز»، الذي يصفعني به العديد من الفيسبوكيين.في الحضارات القديمة، البابلية والسومرية والآشورية والمصرية والإغريقية، ومن ثمّة كل الأديان الإبراهيمية نجد أن الإنسان خُلق من تراب وماء وعُجن ليكتسب هيئتة.هل هناك رابط بين قدسية الخلق والعجن، أي الخبز؟يُقال، دون تأكيد مُطلق، أن الإنسان خبز الخبز قبل ما لا يقل عن ثلاثين ألف سنة. وكانت البداية على شكل خلط الماء ببعض الحبوب وقليها على الصخور الساخنة، وتُعتبر هذه أهم خطوة خطاها الإنسان نحو الحضارة والتحضّر، خاصة ما عنته في الإبقاء على الحياة. بقوّتها وبساطتها. قّوة الخبز كعنصر هام في التغذية ومدّ الجسم بالكاربوهيدرات الحيوية للطاقة، وبساطته التي تتكون من الطحين المخلوط بالماء وقليل من الملح.في دراسةٍ للأكاديمية الوطنية للعلوم في أمريكا عام ٢-;-٠-;-١-;-٠-;- تحدّثت عن إكتشاف بقايا نشاء (من السرخس على الأرجح)، في ملاط عصور ما قبل التاريخ.ربما كان الفراعنة أوّل من خبزَ، أو ربمّا كانت هناك حضارات اخرى سبقتهم، إلا أنه من المؤكد أنّهم أول من إستعمل الخميرة.لقد تمّ تقديس الخبز وقام الأوّلون بتطوير دلالاته ليُصار إلى تجسيد رمزي، ليس فيما يتعلق بمكنونه الغذائي فقط بل مرتبطاً بالتضحية.امي كانت تنصحنا دوماً بعدم رمي كسرات الخبز، بل وضعها على جدار كي تقتات عليها الطيور، وربّما القطط الشاردة التي كانت تضطر إلى ممارسة عادات نباتية تتمثل في تناول الخبز، لعدم توفّر اللحم، حتّى لنا.في كل الحضارات، دون إستثناء، أساطير تتعلق بالقمح والخبز والعجن. وما تسريب هذا، برأيي، إلى سحبه على خلق الإنسان، الذي جاء من الطين (عجن التراب والماء)، إلّا دلالة رمزية بليغة. في النص السومري « بعرق وجهك تأكل خبزاً حتى تع ......
#خميرة
#الخبز
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=735161
الحوار المتمدن
منير المجيد - خميرة الخبز