الحوار المتمدن
3.19K subscribers
12 photos
94.8K links
الموقع الرسمي لمؤسسة الحوار المتمدن في التلغرام
Download Telegram
نضال الربضي : الطَّيِّبون يذهبون
#الحوار_المتمدن
#نضال_الربضي العم مُرقص سلامه، أبو فادي، زوج بنت عمَّة والدتي، قِبطي عاش عمره كُلَّه في الأردن، بدأ حياته يعملُ في تزين الصور بالخرز، فنَّانٌ بحق، حتى افتتح مشغله الخاص، و معرضه، مع شريك أردني، حتى آخر لحظة من حياته، حين ودعنا مُتألِّما ً بعد أن أنهك السرطان اللعين رئتيه و أجبره أن يُغمض عينيه. للعم مُرقص ولدان و ثلاث بنات، كُل ٌّ منهم يحمل ُ من نفسِه صفة ً ما، جميعهم أحبَّاءُ إلى قلبي، و كُلُّهم يصغرني بالسن. أراهم إخوتي و أخواتي، و أُحسُّ تجاههم بشعور ٍ خاص. كان العم مرقص شخصا ً مُتميِّزا ً يحب الحياة، و يؤمن ِ أنَّها في يد ِ من خاض َ صِعابها، و أن الرُّجولة الحقيقية هي أن يعمل المرء ما يستطيع، و أن يستطيع ما أدرك أنَّه موجود و كائن و قابل للفعل. قِبطي من الصعيد، قويٌّ كجبل، و مرن ٌ كجُلمودِ ذهبٍ تمَّ تسخينُه حدَّا ً جعل من صلابته شيئا ً يستجيب بشكل عذب ٍ إلى نار ٍ مُستحقَّة للاستجابة، لا يُهادِن في حق، و لا ينثني لباطل، و لا يبيع ُ مبدأه ُ و لا يقول إلا كلمة ً موزونة ً لها معنى و تأثير يفهمه اللبيب و يستجيب له الكريم.أذكره حين تخرُّجي من المدرسة، حين أقام لي والداي حفلاً متواضعا ً في بيتنا، لم أنتبه إلا و قد رفعني على أكتافه، و هو العملاقُ جسدا ً، و ابتدأ يرقص احتفالا ً بتخرجي، كانت هذه طريقته في التعبير عن نفسه، أصيل ٌ في شعوره، و فخور ٌ بنفسه و بمن يُحب. حين علمتُ بمرضه زرتُه في بيته، مع زوجتي، و تألَّمتُ كثيراً، حاولت ُ أن أخفي ألمي، و جهدتُ ألا يبدر َ مني ما يُنبئه بدُنوِّ الساعة التي سيغمضُ فيها عيناه. كرهتُ أن يرى في عينيَّ اللتين تألقتا فرحا ً يوم حملني على كتفيه، يأساً، و جزعاً، و خوفاً، وودتُ لو استطعت ُ أن أهبهُ الحياة، لكني لستُ إلا بشرا ً، و سأمضي إلى حتميِّة ما مضى إليه هو يوما ً ما.حين أغمض عينيه للمرة الأخيرة، كرهتُ الطبيعة، و نظامها، و الحياة، و كل ما فيها، لكنَّ عقلي الذي يأبى إلا أن يتحكَّم في صبر، و أمسك الدفَّة، و قال لي: انتظر، ما زال أمامك الكثير لتشهده، و حين ثُرتُ في وجهه، و لعنتُه، و لعنت الحياة أجاب بهدوئه المعتاد: معك حق، و لكن الحياة تستمر، و عليك أن تفهم أن وجدانك من حقه أن يثور، و أنا من حقي أن أفكر و أعقل، و من حقك أنت أن تكون لكلينا معا ً الوعاء و الإطار و الوعي و النفس و الهُويَّة، و هذا حقنا عليك.أدركتُ كما أُدرك الآن أن الحياة تستمر، لكني أدرك أكثر من أي وقت مضى أن الطيبين يذهبون، و أن ذكراهم لا يمكن أن تَخلد إلا إذا و فقط إذا اخترنا أن نصنع كلَّ ما هو خير، و جميل، و مفيد، و نافع. فقط عندها، نكون ُ قد أكرمنا ذكرى من نُحب، لأننا عندها نكون عند حسنُ ظنِّهم، الذي ما هو إلا استجابتهم الفطرية لأصالة ما فيهم، و فهمُنا نحنُ لهذه الأصالة التي هي جزء ٌ منا بحكم طبيعتنا المُشتركة، و التي تترسَّخُ فينا أوَّلا ً بقوَّة الوجدان الذي يربطنا بمن نُحبُّ و يدفعنا لتقليدهم، و ثانيا ً بالعقل الذي يُفكِّر و يحلِّل و يخرُجُ بالنتائج.يذهب الطيبون، صحيح، لكن العقل يقول، لا: بما علَّمونا، بقوا، و لم يذهبوا! ......
#الطَّيِّبون
#يذهبون

لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=704586