الحوار المتمدن
3.18K subscribers
12 photos
94.8K links
الموقع الرسمي لمؤسسة الحوار المتمدن في التلغرام
Download Telegram
فاطمة ناعوت : دقّوا الشماسي
#الحوار_المتمدن
#فاطمة_ناعوت كنتُ، مثل معظم أبناء جيلي، طفلةً بريئة، أُصدّقُ ما يُقال لي لأنني لا أفترضُ في الناس إلا الصدق. كنتُ عنيدةً، متمردةً، شاطرة في المدرسة، وأفكاري تسبق عمري، ورغم كل ما سبق، من السهل جدًّا خداعي. كنتُ في الرابعة من عمري حين شاهدتُ إعلان فيلم "أبي فوق الشجرة" فركضتُ إلى أبي وسألته: لماذا صعد الأبُ فوق الشجرة؟ فأنبأني أبي الشاعرُ: “حتى يكلِّمَ العصافيرَ ويبني معها أعشاشَها.” فقررتُ أن أتسلّق الشجرةَ لأكلم العصافير.وكلّما أطلَّ الصيفُ برأسه من نافذة الحياة، وبدأ الحديثُ عن البحر والشمس والمصايف، أتذكر أغنية "دقوا الشماسي" التي صُوِّرت على بلاج الإسكندرية الساحر في أيام طفولتنا. وأتذكر حكايتي مع فيلم "أبي فوق الشجرة"، الذي قررّ أبي وأمي مشاهدته في السينما. توسّلت لأمي أن أذهب معهما لأنني أريد أن أشاهد "عمو وهو بيطلع فوق الشجرة ليكلّم العصافير"! ورفضت أمي بالقطع لأنه "فيلم للكبار فقط". لكن أبي الطيب أقنعها أنني بالتأكيد سوف أنام مباشرة بعد فقرة "ميكي ماوس"، التي كانت تُعرض في السينمات قبل الأفلام، فلا خوفٌ إذن على طفلة لا تعي من أمرها شيئًا! وهذا ما حدث. استغرقتُ في النوم بعد والت ديزني مباشرة. لكنني كنتُ أصحو من النوم منتفضةً بين الحين والحين لأسأل أمي: “ماما عمو طلع فوق الشجرة واللا لسه؟" تُجيب أمي: “لسه… نامي يا حبيبتي. لما يطلع فوق الشجرة هاصحيكي." وطبعًا صدّقتُ وعد أمي بأنها ستوقظني حين يطلع عمو فوق الشجرة. كنتُ أصغرُ من فهم المجاز الأدبيَّ الذي اختاره "إحسان عبد القدوس" في عنوان الرواية ليشير إلى وقوع الأب في نفس الفخ الذي حاول إنقاذ ابنه منه. كل ما كان يعنيني هو مشهد رجل وسيم وأنيق يشبه أبي، وهو يصعد فوق الشجرة ليلعب مع العصافير ويغني، حتى تعلّمه العصافيرُ الطيرانَ، مثلما كنتُ أحلمُ بتعلّم الطيران. لا أظن أن أطفال اليوم قد يفكرون على هذا النحو الساذج الذي كنتُ عليه في الرابعة من عمري.وتوالتِ العقود وشاهدتُ الفيلم بعين النوستالجيا. زرقة بحر الإسكندرية، والرمال النظيفة والشماسي الملوّنة الجميلة، والبنات الجميلات يرتدين الفساتين، ويلعبن الراكيت والحبل والكرة ويغنين ويرقصن في طفولة وعذوبة دون أن يضايقهن أحدٌ، ودون أن ينظر إليهن أحد باعتبارهن صيدًا سهلا أو طرائد يهربن من عيون القناصين. كان الزمن نظيفًا وكانت العقول نظيفة والقلوب نظيفة. صحيح أنني لم ألحق من ذلك الزمن إلا سنوات قليلة كنتُ فيها طفلة لا تعي الكثير، وأمضيتُ صباي وشبابي في الزمن "نصف النظيف"، لكن ثمة جيلٌ كامل لم ير أصلا ذاك الزمان، إلا في الأفلام "الأبيض والأسود" التي صاروا يشاهدونها بعيون الاغتراب كما يشاهدون الأفلام الأجنبية التي تنتمي لمجتمعات غريبة وأزمنة غريبة، لا تمتُّ لعصرنا ولا لبلادنا بأي صلة. في ذلك الزمن النظيف، كانت أمي تخرج بالكعب العالي والملابس الشانيل، وتضع الفرير حول كتفيها، دون أن تتفرّس العيونُ الجائعةُ في جسدها، ودون أن ترميها الألسنُ الطولى بخادش القول، ودون أن يخشى عليها أبوها أو زوجها أو شقيقها من تحرّش أو اغتصاب أو بذاءة. كانت كعوب الأحذية رفيعة لا تنكسرُ في الطرقات، لأن الطرقات مستوية والأرصفة ممهدة للسير غير مستلبة بالإشغالات وضجيج الباعة. وكانت الأحذية البيضاء لا تتلوث في الشوارع، لأن الشوارع نظيفة. وكانت الأرواحُ لا تتصدع ولا العيونُ تشمئز ولا الآذانُ تنفرُ لأن المجتمع كان نظيف الروح والعقل والبدن. أعرف أن معظم من يقرأون هذا الكلام الآن، سواء كانوا من جيلي أو من جيل أحدث أو أقدم، يفرّون من لحظتنا الحالية إلى الماضي النظيف عبر تلك الأفلام الق ......
#دقّوا
#الشماسي

لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=761368