دلور ميقري : زمن موناليزا الحزينة: الفصل السابع عشر 3
#الحوار_المتمدن
#دلور_ميقري حدّو، كان قد استأجرَ بيتاً في الصالحية وذلك قبل حصوله على تعويض خدمته في الجيش، الذي أتاح له لاحقاً إكمال بناء بيته في زقاق الحج حسين. بحَسَب رأيه، أنّ التغيير في حياته، الذي جدّ في منتصف عقد الأربعينات، كان إلى الأسوأ. كان يعشق مدينة بيروت، فانتقل إلى دمشق مع معلّمه الفرنسيّ، المعيّن قائداً لمطار المزة العسكريّ. بانسحاب الفرنسيين، طُلبَ من سائق القائد الفرنسيّ الاستقالة أو القبول بالعمل على سيارة إطفاء في نفس المطار. على سبيل المقارنة أيضاً، لعله فكّرَ بعشيقته الجميلة والمرحة، بربارا، في مقابل امرأته، المتوسطة الجمال والكئيبة. أما مشاعر الحب، فلم يكن لها مكانٌ هنا. حدّو كان رجلاً متحرراً، وإن لم ينعكس ذلك على أفكاره السياسية، المقتصرة على تأييد الهيمنة الفرنسية على القرار إن كان في لبنان أو سورية. لكن تحرره لم يقتصر على شخصه، بالظهور بمظهر الإنسان العصريّ ملبساً ومسلكاً. كان يُشفق على نساء العشيرة، اللواتي كنّ ضحية التقاليد، المحرّمة ذهابهن إلى صالات السينما أو حتى النزهات في حدائق المدينة. منذ فترة خطبته لديبا، صار يستأذن والدها في مرافقتها لمشاهدة فيلم من الأفلام. السيّد صالح، كان يرق قلبه أحياناً للابنة الأخرى، بيان، فيوافق على ذهابها في تلك المشاوير مع خالها وأختها. في حالاتٍ أخرى، كانت تتفق معهما على موعد ما، دونَ علم الوالد، ثم تبرر غيابها بالزعم أنها كانت تزور إحدى القريبات. تصوير النساء والفتيات، كان أيضاً من محظورات المجتمع الدمشقيّ، المحافظ. وقد تحدّى حدّو هذا التابو، أيضاً؛ هوَ من امتلك في فترة مبكرة كاميرا شخصية، كان لها الفضل بتخليد صوَر الأهل والأقارب، ذكوراً وإناثاً.***بيت الإيجار في الصالحية، كان مالكوه يقيمون في دوره الأرضيّ. الدور العلويّ، تميّز بالجدّة والأناقة والتنعم بقدر وافر من النور. عقبَ سكنه ببضعة أيام، وكان حدّو يتأهب للمغادرة إلى مقر خدمته، وقف على الشرفة ليستمتع بفيض الشمس في هذا اليوم الشتويّ. إنه كذلك، وإذا بصره يحط على هيئة امرأة، خرجت إلى صحن الدار كي تنشر الغسيلَ. كانت في الثلاثين، مثلما أفصحت عنه ملامحها الفاتنة وأعضاء جسدها الناضجة. حُسنها، ربما تركّز في شعرها، المتهدل على ظهرها كما لو كان شلالاً ذهبياً يغمر صخرة صقيلة. هوَ ذو القلب الجريء مع الجنس الآخر، يعمد إلى إطلاق صفيرٍ للفت نظر المرأة والتعبير لها عن شدّة إعجابه بجمالها. رفعت رأسها إلى الأعلى، ورمقته بنظرة باسمة. عليه كان أن يتحفّظ في مسلكه يومئذٍ، كون المرأة زوجة صاحب البيت. لكن خبرته في النساء، أوحت له أنها خرجت بجسد مكشوف كي تعرضه على الأنظار. في يوم آخر، لما أضحت عشيقته، ألقت الجارةُ وزرَ الخيانة على عاتق رجلها: " إنه يتاجر بالحقائب النسائية، ومحله بمركز المدينة. بذلك يتاح له معاشرة بعض النسوة الفقيرات، السهلات المنال. فيرجع شبعاً بفضل نزواته، بينما أبقى أنا محرومة غالباً ". لكن المرأة المستهترة، تمادت في غيّها حدّ لفت نظر زوجة العشيق. أخذت تزور الدور العلويّ في خلال النهار، متحججةً كل مرةٍ بطلب مساعدة أو استعارة غرضٍ من الأغراض. ديبا، كانت في البدء تنظر ببراءة إلى زيارات مالكة العقار. إلى أن شكّت بكون هذه الأخيرة، عشيقة لرجلها. حَدَسَت ذلك ذات يوم، بطريقة مخاطبة الجارة لحدّو وكان عندئذٍ موجوداً في الدار. طبيعة ديبا، الكتومة والحيية في آنٍ معاً، جعلتها تتحاشى فتح مواجهة مع العشيقين دونما أن تملك دليلاً حسّياً. كانت تتحيّنُ فرصةً، تنتقم فيها لكرامتها المُهانة. ***الفرصة المطلوبة، جاءت في بداية الربيع وكان الوقتُ نهاراً ......
#موناليزا
#الحزينة:
#الفصل
#السابع
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=697641
#الحوار_المتمدن
#دلور_ميقري حدّو، كان قد استأجرَ بيتاً في الصالحية وذلك قبل حصوله على تعويض خدمته في الجيش، الذي أتاح له لاحقاً إكمال بناء بيته في زقاق الحج حسين. بحَسَب رأيه، أنّ التغيير في حياته، الذي جدّ في منتصف عقد الأربعينات، كان إلى الأسوأ. كان يعشق مدينة بيروت، فانتقل إلى دمشق مع معلّمه الفرنسيّ، المعيّن قائداً لمطار المزة العسكريّ. بانسحاب الفرنسيين، طُلبَ من سائق القائد الفرنسيّ الاستقالة أو القبول بالعمل على سيارة إطفاء في نفس المطار. على سبيل المقارنة أيضاً، لعله فكّرَ بعشيقته الجميلة والمرحة، بربارا، في مقابل امرأته، المتوسطة الجمال والكئيبة. أما مشاعر الحب، فلم يكن لها مكانٌ هنا. حدّو كان رجلاً متحرراً، وإن لم ينعكس ذلك على أفكاره السياسية، المقتصرة على تأييد الهيمنة الفرنسية على القرار إن كان في لبنان أو سورية. لكن تحرره لم يقتصر على شخصه، بالظهور بمظهر الإنسان العصريّ ملبساً ومسلكاً. كان يُشفق على نساء العشيرة، اللواتي كنّ ضحية التقاليد، المحرّمة ذهابهن إلى صالات السينما أو حتى النزهات في حدائق المدينة. منذ فترة خطبته لديبا، صار يستأذن والدها في مرافقتها لمشاهدة فيلم من الأفلام. السيّد صالح، كان يرق قلبه أحياناً للابنة الأخرى، بيان، فيوافق على ذهابها في تلك المشاوير مع خالها وأختها. في حالاتٍ أخرى، كانت تتفق معهما على موعد ما، دونَ علم الوالد، ثم تبرر غيابها بالزعم أنها كانت تزور إحدى القريبات. تصوير النساء والفتيات، كان أيضاً من محظورات المجتمع الدمشقيّ، المحافظ. وقد تحدّى حدّو هذا التابو، أيضاً؛ هوَ من امتلك في فترة مبكرة كاميرا شخصية، كان لها الفضل بتخليد صوَر الأهل والأقارب، ذكوراً وإناثاً.***بيت الإيجار في الصالحية، كان مالكوه يقيمون في دوره الأرضيّ. الدور العلويّ، تميّز بالجدّة والأناقة والتنعم بقدر وافر من النور. عقبَ سكنه ببضعة أيام، وكان حدّو يتأهب للمغادرة إلى مقر خدمته، وقف على الشرفة ليستمتع بفيض الشمس في هذا اليوم الشتويّ. إنه كذلك، وإذا بصره يحط على هيئة امرأة، خرجت إلى صحن الدار كي تنشر الغسيلَ. كانت في الثلاثين، مثلما أفصحت عنه ملامحها الفاتنة وأعضاء جسدها الناضجة. حُسنها، ربما تركّز في شعرها، المتهدل على ظهرها كما لو كان شلالاً ذهبياً يغمر صخرة صقيلة. هوَ ذو القلب الجريء مع الجنس الآخر، يعمد إلى إطلاق صفيرٍ للفت نظر المرأة والتعبير لها عن شدّة إعجابه بجمالها. رفعت رأسها إلى الأعلى، ورمقته بنظرة باسمة. عليه كان أن يتحفّظ في مسلكه يومئذٍ، كون المرأة زوجة صاحب البيت. لكن خبرته في النساء، أوحت له أنها خرجت بجسد مكشوف كي تعرضه على الأنظار. في يوم آخر، لما أضحت عشيقته، ألقت الجارةُ وزرَ الخيانة على عاتق رجلها: " إنه يتاجر بالحقائب النسائية، ومحله بمركز المدينة. بذلك يتاح له معاشرة بعض النسوة الفقيرات، السهلات المنال. فيرجع شبعاً بفضل نزواته، بينما أبقى أنا محرومة غالباً ". لكن المرأة المستهترة، تمادت في غيّها حدّ لفت نظر زوجة العشيق. أخذت تزور الدور العلويّ في خلال النهار، متحججةً كل مرةٍ بطلب مساعدة أو استعارة غرضٍ من الأغراض. ديبا، كانت في البدء تنظر ببراءة إلى زيارات مالكة العقار. إلى أن شكّت بكون هذه الأخيرة، عشيقة لرجلها. حَدَسَت ذلك ذات يوم، بطريقة مخاطبة الجارة لحدّو وكان عندئذٍ موجوداً في الدار. طبيعة ديبا، الكتومة والحيية في آنٍ معاً، جعلتها تتحاشى فتح مواجهة مع العشيقين دونما أن تملك دليلاً حسّياً. كانت تتحيّنُ فرصةً، تنتقم فيها لكرامتها المُهانة. ***الفرصة المطلوبة، جاءت في بداية الربيع وكان الوقتُ نهاراً ......
#موناليزا
#الحزينة:
#الفصل
#السابع
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=697641
الحوار المتمدن
دلور ميقري - زمن موناليزا الحزينة: الفصل السابع عشر/ 3
دلور ميقري : زمن موناليزا الحزينة: بقية الفصل السابع عشر
#الحوار_المتمدن
#دلور_ميقري 4أطلت ديبا من الشرفة، لتبصر جارتها والنار تشتعل بشعرها وتنتقل إلى ملابسها. فاتجهت إلى الدرج، لتنزل بسرعة نحو المرأة المسكينة. حاولت إطفاءَ النار، بأن رمت على المرأة بطانيةً سميكة، كانت منشورة على حبل الغسيل. لم تُصب الجارة بحروق خطيرة، مثلما تبيّن في المستشفى؛ لكنها فقدت شَعرها تقريباً. لما حضرَ شرطيٌّ لتسجيل الحادثة، فإن المرأةُ المصابةُ اتهمت المستأجرةَ في منزلها بتعمد إعطائها البنزين وهيَ تعلمُ مسبقاً أنها بطريقها إلى المطبخ لإعداد الطعام على موقد النار. آنذاك، كان والدُ ديبا في الجزيرة، قد استهل باستثمار المزرعة هناك. حدّو، عهد لمحامٍ من الحي بالدفاع عنها في المحكمة. بعد ساعاتٍ طويلة ممضّة من الأسئلة والأجوبة والمرافعات، حكم القاضي ببراءة ديبا. قبل ذلك، كان حدّو قد نقل العفشَ من منزل الإيجار إلى دار أخيه. أشهر قليلة على الأثر، وقررت فرنسا إلغاءَ انتدابها على سورية. بالنتيجة، حصل حدّو على تعويض مُجزٍ من خدمته في جيش الانتداب. فوضع جانباً من المال في إكمال تعمير ذلك المنزل في زقاق الحج حسين، الذي سبقَ أن مُنحَ أرضه من لدُن حميه. عندما رمى صالح ابنته ديبا إلى ابن عمه حدّو، الذي يكبرها بقرابة العشرين عاماً، فعل ذلك غالباً كيداً بوالدتها. الآن، والأب يشعر بدنو أجله، أحسَّ أكثر من أي وقتٍ مضى بفداحة فعله بالابنة العاثرة الفأل. قلة زياراتها له وهوَ على فراش المرض، كانت ولا شك من واردات العلاقة السيئة بينهما. لكن من الصعب القول، أنّ غراميات حدّو أزعجت كثيراً والدَ امرأته؛ بالأخص، ونحن نعرف أن هذا الأخير كان في زمنه زيرَ نساء. كما أن صالح، من ناحية أخرى، تجاهل خبثَ صهره، طالما أنه موجّه ضدّ الآخرين: لما سُدِدَ إلى بيان، فحرمها من منزل أبيها وكان رجلها يود شراءه كما مر معنا، فإن تقدير صالح للرجل الماكر أنحدرَ إلى الحضيض. في حقيقة الحال، أن صالح كان يود قضاء ما بقيَ من عُمره في دار والديه ذاك، الشاهد على معظم فصول حياته. فضيحة أخرى، فاحت من ناحية حدّو، وما أسرعَ أن نمّت لعلم حميه وكان هذا على فراش المرض الأخير. ***منزل صبيح، مثلما علمنا، كان مجاوراً لذلك المنزل، الذي عمّره حدّو. كان الجاران على علاقة سيئة، لا يكاد الواحد منهما يزور الآخر حتى في الأعياد. لكن ديبا، بطبعها المعلوم، كانت تستقبلُ امرأةَ صبيح وابنته البكر. هذه الابنة، واسمها " أصيلة "، نُظِرَ إليها بين نساء العشيرة كفتاة خفيفة العقل؛ بزعم أنها نسخة عن عمّتها وجدّتها لوالدها. لم تحظ قط بفرصة للذهاب إلى المدرسة أو إلى مشغل الخياطة، وقنعت بتأدية واجبات المنزل. هيئتها المُنفّرة، وملامحها غير المتناسقة، أبعدت طالبي القُرب. هذا، برغم ما اتسمت به من بساطة وطيبة وتفانٍ بخدمة الآخرين. كانت أيضاً تتقبّلُ الغمزَ واللمز بصبر وعدم مبالاة، كما لو كانت تقرّ بأنها تستحقُ الإهانات. حدّو، لم يختلف مسلكه مع الفتاة المسكينة، وذلك عندما يلقاها في منزله. إلى أن غيّرَ، على حين فجأة، نظرته لها.ديبا، وقعت وقتئذٍ فريسةً لمرضٍ غامض بعد إنجابها لخامس أطفالها. إذاك، كان زوجها الزيرُ قد قارب عُمره الخمسين؛ فلم يعُد مقبولاً، كعشيقٍ، من لدُن النساء، المُهْمَلات والمهجورات. إذا به يتجه يوماً إلى جاره صبيح، في زيارة نادرة. عقبَ تقديمه تمهيداً عن حالته العائلية المعلومة، ووضعه الميسور مادياً، طلبَ يدَ أصيلة. استمهله الأبُ في الجواب، لكي يُفاتح الابنة المعنية. مع أن صبيح معرّفٌ بدَوره بالسذاجة، لم يشأ جرحَ كرامة قريبته ديبا. قابل على الأثر السيّدة ريما على انفراد، ليبلغها بطلب أخيها، المُفاجئ والمُست ......
#موناليزا
#الحزينة:
#بقية
#الفصل
#السابع
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=697755
#الحوار_المتمدن
#دلور_ميقري 4أطلت ديبا من الشرفة، لتبصر جارتها والنار تشتعل بشعرها وتنتقل إلى ملابسها. فاتجهت إلى الدرج، لتنزل بسرعة نحو المرأة المسكينة. حاولت إطفاءَ النار، بأن رمت على المرأة بطانيةً سميكة، كانت منشورة على حبل الغسيل. لم تُصب الجارة بحروق خطيرة، مثلما تبيّن في المستشفى؛ لكنها فقدت شَعرها تقريباً. لما حضرَ شرطيٌّ لتسجيل الحادثة، فإن المرأةُ المصابةُ اتهمت المستأجرةَ في منزلها بتعمد إعطائها البنزين وهيَ تعلمُ مسبقاً أنها بطريقها إلى المطبخ لإعداد الطعام على موقد النار. آنذاك، كان والدُ ديبا في الجزيرة، قد استهل باستثمار المزرعة هناك. حدّو، عهد لمحامٍ من الحي بالدفاع عنها في المحكمة. بعد ساعاتٍ طويلة ممضّة من الأسئلة والأجوبة والمرافعات، حكم القاضي ببراءة ديبا. قبل ذلك، كان حدّو قد نقل العفشَ من منزل الإيجار إلى دار أخيه. أشهر قليلة على الأثر، وقررت فرنسا إلغاءَ انتدابها على سورية. بالنتيجة، حصل حدّو على تعويض مُجزٍ من خدمته في جيش الانتداب. فوضع جانباً من المال في إكمال تعمير ذلك المنزل في زقاق الحج حسين، الذي سبقَ أن مُنحَ أرضه من لدُن حميه. عندما رمى صالح ابنته ديبا إلى ابن عمه حدّو، الذي يكبرها بقرابة العشرين عاماً، فعل ذلك غالباً كيداً بوالدتها. الآن، والأب يشعر بدنو أجله، أحسَّ أكثر من أي وقتٍ مضى بفداحة فعله بالابنة العاثرة الفأل. قلة زياراتها له وهوَ على فراش المرض، كانت ولا شك من واردات العلاقة السيئة بينهما. لكن من الصعب القول، أنّ غراميات حدّو أزعجت كثيراً والدَ امرأته؛ بالأخص، ونحن نعرف أن هذا الأخير كان في زمنه زيرَ نساء. كما أن صالح، من ناحية أخرى، تجاهل خبثَ صهره، طالما أنه موجّه ضدّ الآخرين: لما سُدِدَ إلى بيان، فحرمها من منزل أبيها وكان رجلها يود شراءه كما مر معنا، فإن تقدير صالح للرجل الماكر أنحدرَ إلى الحضيض. في حقيقة الحال، أن صالح كان يود قضاء ما بقيَ من عُمره في دار والديه ذاك، الشاهد على معظم فصول حياته. فضيحة أخرى، فاحت من ناحية حدّو، وما أسرعَ أن نمّت لعلم حميه وكان هذا على فراش المرض الأخير. ***منزل صبيح، مثلما علمنا، كان مجاوراً لذلك المنزل، الذي عمّره حدّو. كان الجاران على علاقة سيئة، لا يكاد الواحد منهما يزور الآخر حتى في الأعياد. لكن ديبا، بطبعها المعلوم، كانت تستقبلُ امرأةَ صبيح وابنته البكر. هذه الابنة، واسمها " أصيلة "، نُظِرَ إليها بين نساء العشيرة كفتاة خفيفة العقل؛ بزعم أنها نسخة عن عمّتها وجدّتها لوالدها. لم تحظ قط بفرصة للذهاب إلى المدرسة أو إلى مشغل الخياطة، وقنعت بتأدية واجبات المنزل. هيئتها المُنفّرة، وملامحها غير المتناسقة، أبعدت طالبي القُرب. هذا، برغم ما اتسمت به من بساطة وطيبة وتفانٍ بخدمة الآخرين. كانت أيضاً تتقبّلُ الغمزَ واللمز بصبر وعدم مبالاة، كما لو كانت تقرّ بأنها تستحقُ الإهانات. حدّو، لم يختلف مسلكه مع الفتاة المسكينة، وذلك عندما يلقاها في منزله. إلى أن غيّرَ، على حين فجأة، نظرته لها.ديبا، وقعت وقتئذٍ فريسةً لمرضٍ غامض بعد إنجابها لخامس أطفالها. إذاك، كان زوجها الزيرُ قد قارب عُمره الخمسين؛ فلم يعُد مقبولاً، كعشيقٍ، من لدُن النساء، المُهْمَلات والمهجورات. إذا به يتجه يوماً إلى جاره صبيح، في زيارة نادرة. عقبَ تقديمه تمهيداً عن حالته العائلية المعلومة، ووضعه الميسور مادياً، طلبَ يدَ أصيلة. استمهله الأبُ في الجواب، لكي يُفاتح الابنة المعنية. مع أن صبيح معرّفٌ بدَوره بالسذاجة، لم يشأ جرحَ كرامة قريبته ديبا. قابل على الأثر السيّدة ريما على انفراد، ليبلغها بطلب أخيها، المُفاجئ والمُست ......
#موناليزا
#الحزينة:
#بقية
#الفصل
#السابع
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=697755
الحوار المتمدن
دلور ميقري - زمن موناليزا الحزينة: بقية الفصل السابع عشر
دلور ميقري : زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثامن عشر 1
#الحوار_المتمدن
#دلور_ميقري تجددَ الحِدادُ في دار بيان، ولمّا يمضِ سوى أشهر قليلة على رحيل الطفلة شيرين. لكن موت الأب كان متوقعاً، هوَ من كان غالباً طريحَ فراش المرض في الآونة الأخيرة. برغم تجاهل الكثيرين من الأقارب والجيران السابقين للرجل الراحل في آونة مرضه، كانت جنازته مشهودةً بحضور حشدٍ كبير. كذلك الأمر في أيام التعزية الثلاثة، المنعقدة في منزل ابنته. في الأثناء، كانت بيان في مرحلة متقدمة من الحمل، وتجربتها في هذا الخصوص أوحت لها أنها ستنجبُ طفلاً ثانٍ. نفسُ الحَدَس، أحسّت به رودا، وافترضت أيضاً أنها ستضع طفلها قبل أختها بقليل. وكان ثمة طفلان إضافيان، ينتظران الظهور إلى العالم في تلك السنة: أحدهما في بطن زهرة، جارة رودا؛ والآخر حملته أمّو، زوجة خلّو. هذه الأخيرة، كانت تعيش في درعا مع أسرتها وحماتها، وذلك منذ انتقال خدمة الزوج إلى تلك المدينة الجنوبية قبل بضعة أشهر. وإذاً، كان من المؤمل أن يكون عام 1957 الجاري، هوَ " عامُ الصبيان ". في المقابل، كان من المتوقع لطفلةٍ أن ترى نورَ الحياة قريباً. إنها الجارة نجوى، وكانت قد أصبحت صديقة مقربة لبيان، التي كانت في المرحلة الأخيرة من حبلها. زوجُ الجارة، الأرمل، ترك لها عبء أولاده الستة، وكان بينهم طفلة صغيرة. كانوا يعيشون أقرب إلى الخصاصة، مع أن دخل الرجل من الخياطة كان جيداً. لكن امرأته كانت تشكو لجارتها من مثالب أخرى في شخصيته، غير الشح والحرص. علاوة على ما اتصفَ به " بَدو " من خلقٍ عصبيّ ( ربما بسبب فأفأة في لسانه )، فإنه لاحَ غيرَ مكتفٍ بهذه المرأة الفتية وما زالت عينه على مَن تقدّم فيما مضى لخطبتها: الجارة زهرة، المقترنة من أمين ولديهما طفلان والثالث على الطريق. في أيام الجُمع، عندما يتوجّب عليه الراحة من أعباء العمل، كان ذلك المراهق الأربعينيّ يقفُ لساعاتٍ أمام باب البيت ووجه باتجاه باب منزل تلك الجارة، لكي يحظى ولو بلمحة من سحنتها، التي ما فتأت بهية وساحرة مع تجاوز صاحبتها سنّ الثلاثين. ***هذا الفرع من العشيرة الآله رشية، المنتمي إليه بَدو، كانت ظلالٌ من الشك تحوم حوله فيما يتعلق بعقيدة أفراده الدينية. الأقاويل، تحدثت عن جدّهم الأول، الذي أعتنقَ نِحْلةً غريبة، تُدعى البهائية، وذلك عندما كان في تجارةٍ بفلسطين. كذلك عاد منها بامرأة، أنجبت له ولدين، كان من نسليهما الفرعان الأصغر لهذه العائلة، المقيمة في زقاق حج حسين. ما أكّد صحة تلك الأقاويل، أنّ كبيرَ أولاد أحد الفرعين، أُعطيَ اسمَ مؤسس النحلة، بينما أصغر الأخوة الثلاثة في الفرع الآخر، اقترنَ من فتاة إيرانية، سبقَ أن استقرت أسرتها في الشام بحُكم التجارة. بقيَ أن نذكر حقيقة أخيرة، وهيَ أن أياً من أفراد فرعيّ العشيرة لم يسلك الطريقَ، المؤدي إلى بيت الله الحرام.بذرة أخرى، الكراهية، ما لبثت أن نمت في العائلة، وذلك على خلفية الحسد. " أحمي "، الأخ الأصغر، المقترن من تلك الفتاة الإيرانية، كان موفقاً في عمله بالخياطة. أسرته، المكوّنة من ثلاثة صبيان وبنت، كانت تعيش في بحبوحة وسِعَة. كان مستأثراً بالقسم الجنوبيّ من دار والده، الكائن بمقابل دار زعيم الحي السابق. ابن هذا الأخير، جمّو، ارتبط بصداقة وثيقة مع أحمي منذ فترة الصبا، وسبقَ أن جذبه إلى النادي القوميّ في الحي. أحد مؤسسي النادي، كان ابن أخت أحمي؛ وهوَ " عصمت شريف وانلي "، الذي سيُعرف على نطاق واسع فيما بعد عندما حمل لقب بروفيسور من سويسرا، أين أقامَ كلاجئ سياسيّ بعدَ ملاحقته من لدُن السلطات عقبَ إعلان الوحدة مع مصر.***عامٌ قبل نشوء الوحدة، وكانت زوجة بَدو الجديدة تحمل إذاً جنينها الأول. ذات صباح، ......
#موناليزا
#الحزينة:
#الفصل
#الثامن
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=697866
#الحوار_المتمدن
#دلور_ميقري تجددَ الحِدادُ في دار بيان، ولمّا يمضِ سوى أشهر قليلة على رحيل الطفلة شيرين. لكن موت الأب كان متوقعاً، هوَ من كان غالباً طريحَ فراش المرض في الآونة الأخيرة. برغم تجاهل الكثيرين من الأقارب والجيران السابقين للرجل الراحل في آونة مرضه، كانت جنازته مشهودةً بحضور حشدٍ كبير. كذلك الأمر في أيام التعزية الثلاثة، المنعقدة في منزل ابنته. في الأثناء، كانت بيان في مرحلة متقدمة من الحمل، وتجربتها في هذا الخصوص أوحت لها أنها ستنجبُ طفلاً ثانٍ. نفسُ الحَدَس، أحسّت به رودا، وافترضت أيضاً أنها ستضع طفلها قبل أختها بقليل. وكان ثمة طفلان إضافيان، ينتظران الظهور إلى العالم في تلك السنة: أحدهما في بطن زهرة، جارة رودا؛ والآخر حملته أمّو، زوجة خلّو. هذه الأخيرة، كانت تعيش في درعا مع أسرتها وحماتها، وذلك منذ انتقال خدمة الزوج إلى تلك المدينة الجنوبية قبل بضعة أشهر. وإذاً، كان من المؤمل أن يكون عام 1957 الجاري، هوَ " عامُ الصبيان ". في المقابل، كان من المتوقع لطفلةٍ أن ترى نورَ الحياة قريباً. إنها الجارة نجوى، وكانت قد أصبحت صديقة مقربة لبيان، التي كانت في المرحلة الأخيرة من حبلها. زوجُ الجارة، الأرمل، ترك لها عبء أولاده الستة، وكان بينهم طفلة صغيرة. كانوا يعيشون أقرب إلى الخصاصة، مع أن دخل الرجل من الخياطة كان جيداً. لكن امرأته كانت تشكو لجارتها من مثالب أخرى في شخصيته، غير الشح والحرص. علاوة على ما اتصفَ به " بَدو " من خلقٍ عصبيّ ( ربما بسبب فأفأة في لسانه )، فإنه لاحَ غيرَ مكتفٍ بهذه المرأة الفتية وما زالت عينه على مَن تقدّم فيما مضى لخطبتها: الجارة زهرة، المقترنة من أمين ولديهما طفلان والثالث على الطريق. في أيام الجُمع، عندما يتوجّب عليه الراحة من أعباء العمل، كان ذلك المراهق الأربعينيّ يقفُ لساعاتٍ أمام باب البيت ووجه باتجاه باب منزل تلك الجارة، لكي يحظى ولو بلمحة من سحنتها، التي ما فتأت بهية وساحرة مع تجاوز صاحبتها سنّ الثلاثين. ***هذا الفرع من العشيرة الآله رشية، المنتمي إليه بَدو، كانت ظلالٌ من الشك تحوم حوله فيما يتعلق بعقيدة أفراده الدينية. الأقاويل، تحدثت عن جدّهم الأول، الذي أعتنقَ نِحْلةً غريبة، تُدعى البهائية، وذلك عندما كان في تجارةٍ بفلسطين. كذلك عاد منها بامرأة، أنجبت له ولدين، كان من نسليهما الفرعان الأصغر لهذه العائلة، المقيمة في زقاق حج حسين. ما أكّد صحة تلك الأقاويل، أنّ كبيرَ أولاد أحد الفرعين، أُعطيَ اسمَ مؤسس النحلة، بينما أصغر الأخوة الثلاثة في الفرع الآخر، اقترنَ من فتاة إيرانية، سبقَ أن استقرت أسرتها في الشام بحُكم التجارة. بقيَ أن نذكر حقيقة أخيرة، وهيَ أن أياً من أفراد فرعيّ العشيرة لم يسلك الطريقَ، المؤدي إلى بيت الله الحرام.بذرة أخرى، الكراهية، ما لبثت أن نمت في العائلة، وذلك على خلفية الحسد. " أحمي "، الأخ الأصغر، المقترن من تلك الفتاة الإيرانية، كان موفقاً في عمله بالخياطة. أسرته، المكوّنة من ثلاثة صبيان وبنت، كانت تعيش في بحبوحة وسِعَة. كان مستأثراً بالقسم الجنوبيّ من دار والده، الكائن بمقابل دار زعيم الحي السابق. ابن هذا الأخير، جمّو، ارتبط بصداقة وثيقة مع أحمي منذ فترة الصبا، وسبقَ أن جذبه إلى النادي القوميّ في الحي. أحد مؤسسي النادي، كان ابن أخت أحمي؛ وهوَ " عصمت شريف وانلي "، الذي سيُعرف على نطاق واسع فيما بعد عندما حمل لقب بروفيسور من سويسرا، أين أقامَ كلاجئ سياسيّ بعدَ ملاحقته من لدُن السلطات عقبَ إعلان الوحدة مع مصر.***عامٌ قبل نشوء الوحدة، وكانت زوجة بَدو الجديدة تحمل إذاً جنينها الأول. ذات صباح، ......
#موناليزا
#الحزينة:
#الفصل
#الثامن
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=697866
الحوار المتمدن
دلور ميقري - زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثامن عشر/ 1
دلور ميقري : زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثامن عشر 2
#الحوار_المتمدن
#دلور_ميقري في بداية الصيف، وكانت العاصمة تحتفلُ بقرب إعلان الوحدة، عادت رودا من الزبداني وهيَ في غاية الارهاق بسبب تقدّم حملها. بيان، رافقتها مع الأسرة. إنها مَن كانت قد اقترحت على شقيقتها قضاء أسبوعين في بلدة الاصطياف، وذلك لمحاولة تخفيف الاحتقان، المعانية منه على خلفية خلافاتها اليومية مع رجلها. هذا الأخير، وكان غير موافق على مغادرة رودا إلى بلدة جدّته بغيّة الاصطياف، أوغرَ صدرُهُ مجدداً بالحنق والسخط. قالت له بصوتٍ كالصراخ، كي يتمكن من سماعها، بعدما أنصتت لكلماته المضطربة وغير المترابطة: " ماذا؟ هل تعبّأت جيداً في غيابي؟ ". كانت تضع اللائمة على شقيقتيّ الزوج، وأنهما من عمدتا إلى تحريضه ضدها في كل سانحةٍ متاحة. فيّو، عانى مجدداً من البطالة في أحرج وقت من حياة الأسرة. كان لديه ثلاثة أولاد، والرابع في بطن والدته. بطالته جدَّت، نتيجة إغلاق النول اليدويّ، بسبب مرض صاحبه سلو. عمه هذا، المعاني من المرارة، أجرى عملية جراحية وهوَ في عمره المقارب السبعين. العم الآخر، فَدو، دبّرَ لابن أخيه العمل كناطور في البستان، وذلك مقابل إمداده بالمؤونة اللازمة للعيش. الحال العسرة، فاقمت من خلافات الرجل مع امرأته؛ وكانت هذه تلجأ في بعض الأحيان مع أولادها إلى والدتها، المقيمة مع زوجها في ضاحية جوبر. تكرر مرات لجوئها إلى كنف الأم، أشعلت مزيداً من الوساوس في رأس رجلها. ***بغيَة تحسين دخل الأسرة، كان فيّو قد عمدَ إلى عرض إحدى حجرات منزله للإيجار. مثلما ألمعنا في حينه، أن انفتاح أبناء الحي على الحياة العامة في العاصمة، المستهل منذ منتصف القرن، شجّع الأغرابَ على التوطن هناك؛ بالأخص أولئك الريفيين، المتطوعين في الجيش والشرطة والأمن. لقد رأينا حالة مأسوية، ترتبت على هذه البدعة الجديدة، لما دفعت ابنة زينو حياتها ثمناً لشكوكٍ بعلاقة سرية ربطتها مع الشاب، المستأجر في مسكن أسرتها. لكن فيّو، المعاني من وضع شبيهٍ بالعَوَز، اضطرَ أن يغضَّ الطرفَ عن ذلك الاعتبار. المستأجر، كان رجلاً ثلاثينياً، ترك عائلته في أحد أرياف الشمال ريثما تتحسّن أحواله بالعمل في العاصمة. كأغلب الريفيين من تلك المناطق، أظهرَ الرجلُ تقواه وكان لا يقطع فرضَ الصلاة.طبيعة عمل الليليّ، فرضت على فيّو النومَ طوال الصباح إلى ما بعد الظهر. كونه بلا أصدقاء، عقبَ انتقال خدمة خلّو إلى حوران، فإنه أعتاد على التواجد في دار أبيه، لتبادل الحديث مع المقيمة الوحيدة هنالك؛ وهيَ شقيقته الكبيرة. أمّو، من ناحيتها، كانت تشعر أيضاً بالوحشة والوحدة، اللهم إلا عند ذهابها إلى منزل شقيقتها، التي أنجبت صبياً في بداية الصيف. أحياناً، كان فيّو يرافقها في تلك الزيارات ثم يؤوب إلى منزله قبيل موعد العمل، لينفجر مجدداً بوجه امرأته. مع دخول رجل غريب للمنزل، كمستأجر، صارَ من الضروري أن تنام أمّو لديهم. لما أضحت هذه الأخيرة تحت سقفها ليلاً، زادَ توترُ رودا. قالت لشقيقة رجلها ذات مساء: " لقد وجد عملاً أخيراً، ولم يعُد من الضروري تأجير الحجرة "" هناك في الحارة عائلات تحشر نفسها في حجرة واحدة، وتأجّر بقية الحجرات؛ مع أن وضعها المعيشيّ أفضل بكثير من وضعكم "، ردّت أمّو. ثم أضافت، مثبتة عينيها الصغيرتين بعينيّ الأخرى: " وهذا المستأجر، رجلٌ تقيّ لا يكاد يخرج من حجرته إلا لعمله أو قضاء حاجة ملحّة ".*** بعد أيام، استدعيت القابلة بعدما شعرت رودا بآلام الوضع. مثلما كان متوقعاً، أنجبت صبياً. كون والدها قد رحل حديثاً عن الدنيا، شاءت أن تطلق على المولود اسمَ " صالح ". لكن أمّو، وكانت حاضرة كالعادة، أملت على شقيقها أن يمنح الطفل اسم أبي ......
#موناليزا
#الحزينة:
#الفصل
#الثامن
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=697964
#الحوار_المتمدن
#دلور_ميقري في بداية الصيف، وكانت العاصمة تحتفلُ بقرب إعلان الوحدة، عادت رودا من الزبداني وهيَ في غاية الارهاق بسبب تقدّم حملها. بيان، رافقتها مع الأسرة. إنها مَن كانت قد اقترحت على شقيقتها قضاء أسبوعين في بلدة الاصطياف، وذلك لمحاولة تخفيف الاحتقان، المعانية منه على خلفية خلافاتها اليومية مع رجلها. هذا الأخير، وكان غير موافق على مغادرة رودا إلى بلدة جدّته بغيّة الاصطياف، أوغرَ صدرُهُ مجدداً بالحنق والسخط. قالت له بصوتٍ كالصراخ، كي يتمكن من سماعها، بعدما أنصتت لكلماته المضطربة وغير المترابطة: " ماذا؟ هل تعبّأت جيداً في غيابي؟ ". كانت تضع اللائمة على شقيقتيّ الزوج، وأنهما من عمدتا إلى تحريضه ضدها في كل سانحةٍ متاحة. فيّو، عانى مجدداً من البطالة في أحرج وقت من حياة الأسرة. كان لديه ثلاثة أولاد، والرابع في بطن والدته. بطالته جدَّت، نتيجة إغلاق النول اليدويّ، بسبب مرض صاحبه سلو. عمه هذا، المعاني من المرارة، أجرى عملية جراحية وهوَ في عمره المقارب السبعين. العم الآخر، فَدو، دبّرَ لابن أخيه العمل كناطور في البستان، وذلك مقابل إمداده بالمؤونة اللازمة للعيش. الحال العسرة، فاقمت من خلافات الرجل مع امرأته؛ وكانت هذه تلجأ في بعض الأحيان مع أولادها إلى والدتها، المقيمة مع زوجها في ضاحية جوبر. تكرر مرات لجوئها إلى كنف الأم، أشعلت مزيداً من الوساوس في رأس رجلها. ***بغيَة تحسين دخل الأسرة، كان فيّو قد عمدَ إلى عرض إحدى حجرات منزله للإيجار. مثلما ألمعنا في حينه، أن انفتاح أبناء الحي على الحياة العامة في العاصمة، المستهل منذ منتصف القرن، شجّع الأغرابَ على التوطن هناك؛ بالأخص أولئك الريفيين، المتطوعين في الجيش والشرطة والأمن. لقد رأينا حالة مأسوية، ترتبت على هذه البدعة الجديدة، لما دفعت ابنة زينو حياتها ثمناً لشكوكٍ بعلاقة سرية ربطتها مع الشاب، المستأجر في مسكن أسرتها. لكن فيّو، المعاني من وضع شبيهٍ بالعَوَز، اضطرَ أن يغضَّ الطرفَ عن ذلك الاعتبار. المستأجر، كان رجلاً ثلاثينياً، ترك عائلته في أحد أرياف الشمال ريثما تتحسّن أحواله بالعمل في العاصمة. كأغلب الريفيين من تلك المناطق، أظهرَ الرجلُ تقواه وكان لا يقطع فرضَ الصلاة.طبيعة عمل الليليّ، فرضت على فيّو النومَ طوال الصباح إلى ما بعد الظهر. كونه بلا أصدقاء، عقبَ انتقال خدمة خلّو إلى حوران، فإنه أعتاد على التواجد في دار أبيه، لتبادل الحديث مع المقيمة الوحيدة هنالك؛ وهيَ شقيقته الكبيرة. أمّو، من ناحيتها، كانت تشعر أيضاً بالوحشة والوحدة، اللهم إلا عند ذهابها إلى منزل شقيقتها، التي أنجبت صبياً في بداية الصيف. أحياناً، كان فيّو يرافقها في تلك الزيارات ثم يؤوب إلى منزله قبيل موعد العمل، لينفجر مجدداً بوجه امرأته. مع دخول رجل غريب للمنزل، كمستأجر، صارَ من الضروري أن تنام أمّو لديهم. لما أضحت هذه الأخيرة تحت سقفها ليلاً، زادَ توترُ رودا. قالت لشقيقة رجلها ذات مساء: " لقد وجد عملاً أخيراً، ولم يعُد من الضروري تأجير الحجرة "" هناك في الحارة عائلات تحشر نفسها في حجرة واحدة، وتأجّر بقية الحجرات؛ مع أن وضعها المعيشيّ أفضل بكثير من وضعكم "، ردّت أمّو. ثم أضافت، مثبتة عينيها الصغيرتين بعينيّ الأخرى: " وهذا المستأجر، رجلٌ تقيّ لا يكاد يخرج من حجرته إلا لعمله أو قضاء حاجة ملحّة ".*** بعد أيام، استدعيت القابلة بعدما شعرت رودا بآلام الوضع. مثلما كان متوقعاً، أنجبت صبياً. كون والدها قد رحل حديثاً عن الدنيا، شاءت أن تطلق على المولود اسمَ " صالح ". لكن أمّو، وكانت حاضرة كالعادة، أملت على شقيقها أن يمنح الطفل اسم أبي ......
#موناليزا
#الحزينة:
#الفصل
#الثامن
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=697964
الحوار المتمدن
دلور ميقري - زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثامن عشر/ 2
دلور ميقري : زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثامن عشر 3
#الحوار_المتمدن
#دلور_ميقري قرابة عقد من السنين مر على طلاق أمّو، وكانت آنذاك ما تزال في مستهل الثلاثينات. حرمانها الجسديّ والعاطفيّ، المترتب على ذلك، كان على الأرجح من واردات شعورها بالضغينة إزاء الحياة الزوجية لشقيقها. الغريب، أن سلوكها كان مغايراً تماماً فيما يتعلق بشقيقتها، وكانت تقضي وقتها لديها كي تعينها على مشاغل البيت عقبَ إنجابها صبياً آخر. الأوقات تلك، كانت متنفّساً لرودا، تنأى فيها عن المشاحنات والمشادات. مثلما علمنا، أنها ورثت عن الأم ميلها للطرب والموسيقى؛ وهذا حال شقيقها الوحيد. فيّو، كان قد دبّرَ لها في أحد أيام خطبتهما عوداً جميلاً؛ لم تشك أبداً بأنه سرقه من مكان ما. أشهر الحمل، منعتها من العزف على العود، ومن ثم جاءت فترة الحِداد على موت الأب. ذات صباح، وضعت رودا صبيّها الرضيع في رعاية الابنة البكر، ثم تناولت العود لتستهل في العزف مع الغناء بصوتها الرخيم. كان الجو ما فتأ معتدلاً في ذلك اليوم من أواخر الصيف، شجّعها على الجلوس أمام البحرة الصغيرة، التي سبقَ أن أنشأها شقيقُ زوجها، ديبو؛ صاحب المزاج الرائق. كذلك كانت يومئذٍ مطمئنة لجهة الزوج، كونه مستغرقاً في النوم، وفوق ذلك أصم. شقيقته، المعتادة على حشر أنفها في كل شيء، لم تعُد بعدُ من منزل فوزو. لكنها سرعان ما ظهرت، كما لو أنّ الدهليز المظلم قد لفظ إحدى نساء الجن." الله، الله.. تقومين بهذه الخلاعة على مرأى من رجل غريب، لا تبعد حجرتُهُ عن صحن الدار بضعَ خطواتٍ؟ "، بدأت قرينة الجنّ تقول بينما تنزع ملاءتها السوداء. توقفت رودا عن العزف والغناء، لتجيب عدوتها، المتربصة بكل حركة من حركاتها: " إنه في عمله، يا امرأة الفتن، كما أن شقيقك موجودٌ بالبيت ". استمرت أمّو بالسير في اتجاه حجرة النوم، الخاصّة بالزوجين، مدمدمة في حنق واستياء: " تغنّي وتعزفُ ولم يمضِ أشهر قليلة على وفاة والدها، وعلاوة على ذلك لسانها بطول الحيّة! ".*** احتياطاً من ثورة مَن تصفه ب " قليل العقل والحظ "، هُرعت رودا لوضع العود في مخبئه المعتاد. ثم صرخت بصوتٍ عال، لكي تسمعها الأخرى: " أنا ذاهبةٌ مع الأولاد إلى منزل عمّك جمّو، وعندك المطبخ لو أردتِ تحضيرَ الغداء ". خرجت أمّو حالاً من الحجرة، لتطلب منها إبقاء الابنة الكبيرة كي تساعدها. لكن الابنة همست، ممتقعة السحنة خوفاً وفرقاً: " خذيني معك، أماه، لأنها ستصبّ عليّ غضبها كمألوف العادة ". وهكذا كان؛ حملت الابنةُ الكبيرة الطفلَ الرضيع، بينما الأم أمسكت بيديّ الطفلين الآخرين، ثم غادروا المنزل. بيان، أنجبت ابنها الثاني في نهاية شهر آب/ أغسطس؛ أي بعد أختها رودا بنحو شهرين. وهيَ ذي الأختُ تطل من مدخل أرض الديار، برفقة أولادها الأربعة. عقبَ تبادل القبلات، شرعت إحداهما ضاحكةً بقص ما جرى قبل قليل على خلفية العزف والغناء. شاركتها بيان شعورَ المرح، ثم دعتها إلى منظرة الحديقة: " سأعدُّ القهوة ثم ألحق بكِ ". الإيوان، وكان ملاذ الأسرة في الأيام الحارة، جعله جمّو حجرةَ نومٍ ثانية، وذلك غبَّ ازدياد عدد الأولاد. نصف ساعة مرّت، وكانت المرأتان تتبادلان الحديث، عندما صدرَ صوتُ طرقٍ عنيف على باب الدار الخارجيّ. قالت رودا بنبرة مريرة: " إنه فيّو، ولا شك، قد تعبّأ بكلام شقيقته الشريرة ". وضعت بيان يدها برفق على يد أختها، وما أسرع أن نهضت لتلبي نداءَ ذلك الطارق الأخرق. فورَ فتحها الباب على سحنة فيّو، قالت له دونَ تمهيد وبمزيدٍ من إشارات يدها: " رودا والأولاد، سيبقون لدينا إلى ما بعد الغداء. مفهوم؟ ". هزّ رأسه بحركة متتالية، ثم تمتم هذه الجملة غير المترابطة: " حسنٌ، حسنٌ.. ولو شاءت أن تبقى لديكم دائماً ......
#موناليزا
#الحزينة:
#الفصل
#الثامن
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=698048
#الحوار_المتمدن
#دلور_ميقري قرابة عقد من السنين مر على طلاق أمّو، وكانت آنذاك ما تزال في مستهل الثلاثينات. حرمانها الجسديّ والعاطفيّ، المترتب على ذلك، كان على الأرجح من واردات شعورها بالضغينة إزاء الحياة الزوجية لشقيقها. الغريب، أن سلوكها كان مغايراً تماماً فيما يتعلق بشقيقتها، وكانت تقضي وقتها لديها كي تعينها على مشاغل البيت عقبَ إنجابها صبياً آخر. الأوقات تلك، كانت متنفّساً لرودا، تنأى فيها عن المشاحنات والمشادات. مثلما علمنا، أنها ورثت عن الأم ميلها للطرب والموسيقى؛ وهذا حال شقيقها الوحيد. فيّو، كان قد دبّرَ لها في أحد أيام خطبتهما عوداً جميلاً؛ لم تشك أبداً بأنه سرقه من مكان ما. أشهر الحمل، منعتها من العزف على العود، ومن ثم جاءت فترة الحِداد على موت الأب. ذات صباح، وضعت رودا صبيّها الرضيع في رعاية الابنة البكر، ثم تناولت العود لتستهل في العزف مع الغناء بصوتها الرخيم. كان الجو ما فتأ معتدلاً في ذلك اليوم من أواخر الصيف، شجّعها على الجلوس أمام البحرة الصغيرة، التي سبقَ أن أنشأها شقيقُ زوجها، ديبو؛ صاحب المزاج الرائق. كذلك كانت يومئذٍ مطمئنة لجهة الزوج، كونه مستغرقاً في النوم، وفوق ذلك أصم. شقيقته، المعتادة على حشر أنفها في كل شيء، لم تعُد بعدُ من منزل فوزو. لكنها سرعان ما ظهرت، كما لو أنّ الدهليز المظلم قد لفظ إحدى نساء الجن." الله، الله.. تقومين بهذه الخلاعة على مرأى من رجل غريب، لا تبعد حجرتُهُ عن صحن الدار بضعَ خطواتٍ؟ "، بدأت قرينة الجنّ تقول بينما تنزع ملاءتها السوداء. توقفت رودا عن العزف والغناء، لتجيب عدوتها، المتربصة بكل حركة من حركاتها: " إنه في عمله، يا امرأة الفتن، كما أن شقيقك موجودٌ بالبيت ". استمرت أمّو بالسير في اتجاه حجرة النوم، الخاصّة بالزوجين، مدمدمة في حنق واستياء: " تغنّي وتعزفُ ولم يمضِ أشهر قليلة على وفاة والدها، وعلاوة على ذلك لسانها بطول الحيّة! ".*** احتياطاً من ثورة مَن تصفه ب " قليل العقل والحظ "، هُرعت رودا لوضع العود في مخبئه المعتاد. ثم صرخت بصوتٍ عال، لكي تسمعها الأخرى: " أنا ذاهبةٌ مع الأولاد إلى منزل عمّك جمّو، وعندك المطبخ لو أردتِ تحضيرَ الغداء ". خرجت أمّو حالاً من الحجرة، لتطلب منها إبقاء الابنة الكبيرة كي تساعدها. لكن الابنة همست، ممتقعة السحنة خوفاً وفرقاً: " خذيني معك، أماه، لأنها ستصبّ عليّ غضبها كمألوف العادة ". وهكذا كان؛ حملت الابنةُ الكبيرة الطفلَ الرضيع، بينما الأم أمسكت بيديّ الطفلين الآخرين، ثم غادروا المنزل. بيان، أنجبت ابنها الثاني في نهاية شهر آب/ أغسطس؛ أي بعد أختها رودا بنحو شهرين. وهيَ ذي الأختُ تطل من مدخل أرض الديار، برفقة أولادها الأربعة. عقبَ تبادل القبلات، شرعت إحداهما ضاحكةً بقص ما جرى قبل قليل على خلفية العزف والغناء. شاركتها بيان شعورَ المرح، ثم دعتها إلى منظرة الحديقة: " سأعدُّ القهوة ثم ألحق بكِ ". الإيوان، وكان ملاذ الأسرة في الأيام الحارة، جعله جمّو حجرةَ نومٍ ثانية، وذلك غبَّ ازدياد عدد الأولاد. نصف ساعة مرّت، وكانت المرأتان تتبادلان الحديث، عندما صدرَ صوتُ طرقٍ عنيف على باب الدار الخارجيّ. قالت رودا بنبرة مريرة: " إنه فيّو، ولا شك، قد تعبّأ بكلام شقيقته الشريرة ". وضعت بيان يدها برفق على يد أختها، وما أسرع أن نهضت لتلبي نداءَ ذلك الطارق الأخرق. فورَ فتحها الباب على سحنة فيّو، قالت له دونَ تمهيد وبمزيدٍ من إشارات يدها: " رودا والأولاد، سيبقون لدينا إلى ما بعد الغداء. مفهوم؟ ". هزّ رأسه بحركة متتالية، ثم تمتم هذه الجملة غير المترابطة: " حسنٌ، حسنٌ.. ولو شاءت أن تبقى لديكم دائماً ......
#موناليزا
#الحزينة:
#الفصل
#الثامن
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=698048
الحوار المتمدن
دلور ميقري - زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثامن عشر/ 3
دلور ميقري : زمن موناليزا الحزينة: بقية الفصل الثامن عشر
#الحوار_المتمدن
#دلور_ميقري 4في ذلك الوقت من أواخر الصيف، صارت رودا تتغيّب مع أولادها عن البيت؛ تحل ضيفة عند أختها بيان أو تقيم لدى السيّدة مليحة. في هذه الحالة، كانت أمّو بدَورها تتبعد عن بيت شقيقها. هذا الأخير، كونه ينام جل ساعات النهار ثم ينطلق إلى عمله الليلي، فإنه أهمل العناية بحال الدار أو أنه لم ينتبه إلى ذلك أصلاً. كادت طيور الكناري والحسون أن تهلك عطشاً وجوعاً في القفصين، المخصصين لها. وهذا كان أيضاً حال نباتات الحديقة الصغيرة، حيث جفّ الكثير منها. علاوة على تعشش العناكب في زوايا الحجرات، وانتشار الغبار والأوساخ في جميع أركان البيت. هجر رودا لدارها، تبيّنَ أن له هدفاً محدداً: دفع الرجل لحلف اليمين عليها أو الحصول على الطلاق في المحكمة.شهرٌ آخر مضى على هذا الحال، عندما فاتحَ فيّو عمه، الملاحظَ على نواطير البستان، بهمومه العائلية. أنصت فَدو لابن أخيه، ثم علّقَ بالقول: " أنا عشتُ عشرة أعوام عقيمة مع امرأة مثل مزيّن، ونادم الآن لأنني لم أطلقها منذ البداية ". فهمَ فيّو ما يرمي إليه العمُ، وتمتم قائلاً: " لكن رودا لوثت شرفي بالعار؛ فهل أتركها بهذه السهولة؟ "" ماذا تقول، أنتَ؟ امرأتك انسانة شريفة، ومن يقول لك العكس إنما يبتغي شراً لكما كلاكما "، هتفَ العمُ بنبرة تعبّر عن سخطه وذعره في آنٍ معاً. ثم استطرد، مخففاً من اندفاعه: " رب العالمين جعلَ الطلاق حلاً، عندما ينعدم الوفاق بين الرجل والمرأة ". بقيَ فيّو صامتاً، ولم يَعُد إلى المجادلة.***تقرر أخيراً لجوء الزوجين إلى القاضي، لكي يحكم بالطلاق والنفقة. للمصادفة أنه كان يوم خميس، والمحاكم لا تعمل بعد الظهر. هكذا عادا إلى الدار، مؤجلين العودة للمحكمة إلى يوم السبت. في الأشهر الأخيرة، كانا يعيشان منفصلين؛ هيَ في حجرة مع الأولاد، وهوَ في حجرة أخرى تشاركه فيها شقيقته وذلك منذ تدهور حياته الزوجية. لكن في ذلك اليوم لم تحضر أمّو إلى منزله، وأعتقد هوَ أنها ستأتي لاحقاً لمعرفة ما حصل في المحكمة. لما حل الغروب دونَ أن تظهر، ذهب إلى دار والده كي يراها. قالت له بهيئة شاردة: " فوزو شعرت بالمرض، فبقيت عندها لتحضير الطعام ". استفهت منه بعدئذٍ عما جرى في المحكمة، فأبلغها بأنها كانت مغلقة: " غير أنني راجعت نفسي الآنَ، وعزمتُ على ألا أريح ابنة صالح بالطلاق "" يا أخي، أغلق هذا الباب مرةً واحدة ونهائية "، قالتها مكررة نصيحة العم. تساءلَ وكأنما لم يسمع كلامها، ما لو كانت ترغب بالنوم في منزله في هذه الليلة. أومأت بالايجاب، محدقة فيه بنظرة متفحّصة. أقلقها ما أفصحت عنه ملامحه من تصميم خفيّ، ظهرَ جلياً في العروق النافرة بوجهه ورقبته. لكنه ابتسم لها بود، لما انتبه لنظرتها الملية. عادا معاً إلى الدار، فسمعا أنين أوتار العود بين أنامل رودا. كانت جالسة بالقرب من البحرة، فيما الأولاد الثلاثة الكبار يلهون حولها. كونها ليلة خميس، يعطل في خلالها عن العمل، آثرَ فيّو قضاء شطر منها في المقهى. غبَّ ذهابه، قالت أمّو لامرأته متكلّفةً نبرةَ عتاب هادئة: " تعلمين أنه باتَ يتضايق من عزفك على العود، وتزيدين ذلك بالجلوس على مرأى من الجار المستأجر؟ "" لم يعُد له حكمٌ عليّ، لأننا في سبيلنا للطلاق عند القاضي. ثم إن الجارَ سافر إلى أهله "" وكيف عرفتِ أنه سافر إلى أهله؟ "، تساءلت أمّو بطريقة تنم عن الريبة والاتهام. توقفت الأخرى عن اللعب بأوتار العود، لترد بوجه متجهّم: " لأنه غائبٌ عن الأنظار، مثلما أنها ليلة خميس. هل فهمتِ الآنَ كيفية معرفتي للأمر؟ ". ثم عادت للعزف، مطرقة برأسها إلى ناحية العود. ***تلك الليلة، نامت أمّو في الحج ......
#موناليزا
#الحزينة:
#بقية
#الفصل
#الثامن
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=698289
#الحوار_المتمدن
#دلور_ميقري 4في ذلك الوقت من أواخر الصيف، صارت رودا تتغيّب مع أولادها عن البيت؛ تحل ضيفة عند أختها بيان أو تقيم لدى السيّدة مليحة. في هذه الحالة، كانت أمّو بدَورها تتبعد عن بيت شقيقها. هذا الأخير، كونه ينام جل ساعات النهار ثم ينطلق إلى عمله الليلي، فإنه أهمل العناية بحال الدار أو أنه لم ينتبه إلى ذلك أصلاً. كادت طيور الكناري والحسون أن تهلك عطشاً وجوعاً في القفصين، المخصصين لها. وهذا كان أيضاً حال نباتات الحديقة الصغيرة، حيث جفّ الكثير منها. علاوة على تعشش العناكب في زوايا الحجرات، وانتشار الغبار والأوساخ في جميع أركان البيت. هجر رودا لدارها، تبيّنَ أن له هدفاً محدداً: دفع الرجل لحلف اليمين عليها أو الحصول على الطلاق في المحكمة.شهرٌ آخر مضى على هذا الحال، عندما فاتحَ فيّو عمه، الملاحظَ على نواطير البستان، بهمومه العائلية. أنصت فَدو لابن أخيه، ثم علّقَ بالقول: " أنا عشتُ عشرة أعوام عقيمة مع امرأة مثل مزيّن، ونادم الآن لأنني لم أطلقها منذ البداية ". فهمَ فيّو ما يرمي إليه العمُ، وتمتم قائلاً: " لكن رودا لوثت شرفي بالعار؛ فهل أتركها بهذه السهولة؟ "" ماذا تقول، أنتَ؟ امرأتك انسانة شريفة، ومن يقول لك العكس إنما يبتغي شراً لكما كلاكما "، هتفَ العمُ بنبرة تعبّر عن سخطه وذعره في آنٍ معاً. ثم استطرد، مخففاً من اندفاعه: " رب العالمين جعلَ الطلاق حلاً، عندما ينعدم الوفاق بين الرجل والمرأة ". بقيَ فيّو صامتاً، ولم يَعُد إلى المجادلة.***تقرر أخيراً لجوء الزوجين إلى القاضي، لكي يحكم بالطلاق والنفقة. للمصادفة أنه كان يوم خميس، والمحاكم لا تعمل بعد الظهر. هكذا عادا إلى الدار، مؤجلين العودة للمحكمة إلى يوم السبت. في الأشهر الأخيرة، كانا يعيشان منفصلين؛ هيَ في حجرة مع الأولاد، وهوَ في حجرة أخرى تشاركه فيها شقيقته وذلك منذ تدهور حياته الزوجية. لكن في ذلك اليوم لم تحضر أمّو إلى منزله، وأعتقد هوَ أنها ستأتي لاحقاً لمعرفة ما حصل في المحكمة. لما حل الغروب دونَ أن تظهر، ذهب إلى دار والده كي يراها. قالت له بهيئة شاردة: " فوزو شعرت بالمرض، فبقيت عندها لتحضير الطعام ". استفهت منه بعدئذٍ عما جرى في المحكمة، فأبلغها بأنها كانت مغلقة: " غير أنني راجعت نفسي الآنَ، وعزمتُ على ألا أريح ابنة صالح بالطلاق "" يا أخي، أغلق هذا الباب مرةً واحدة ونهائية "، قالتها مكررة نصيحة العم. تساءلَ وكأنما لم يسمع كلامها، ما لو كانت ترغب بالنوم في منزله في هذه الليلة. أومأت بالايجاب، محدقة فيه بنظرة متفحّصة. أقلقها ما أفصحت عنه ملامحه من تصميم خفيّ، ظهرَ جلياً في العروق النافرة بوجهه ورقبته. لكنه ابتسم لها بود، لما انتبه لنظرتها الملية. عادا معاً إلى الدار، فسمعا أنين أوتار العود بين أنامل رودا. كانت جالسة بالقرب من البحرة، فيما الأولاد الثلاثة الكبار يلهون حولها. كونها ليلة خميس، يعطل في خلالها عن العمل، آثرَ فيّو قضاء شطر منها في المقهى. غبَّ ذهابه، قالت أمّو لامرأته متكلّفةً نبرةَ عتاب هادئة: " تعلمين أنه باتَ يتضايق من عزفك على العود، وتزيدين ذلك بالجلوس على مرأى من الجار المستأجر؟ "" لم يعُد له حكمٌ عليّ، لأننا في سبيلنا للطلاق عند القاضي. ثم إن الجارَ سافر إلى أهله "" وكيف عرفتِ أنه سافر إلى أهله؟ "، تساءلت أمّو بطريقة تنم عن الريبة والاتهام. توقفت الأخرى عن اللعب بأوتار العود، لترد بوجه متجهّم: " لأنه غائبٌ عن الأنظار، مثلما أنها ليلة خميس. هل فهمتِ الآنَ كيفية معرفتي للأمر؟ ". ثم عادت للعزف، مطرقة برأسها إلى ناحية العود. ***تلك الليلة، نامت أمّو في الحج ......
#موناليزا
#الحزينة:
#بقية
#الفصل
#الثامن
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=698289
الحوار المتمدن
دلور ميقري - زمن موناليزا الحزينة: بقية الفصل الثامن عشر
دلور ميقري : زمن موناليزا الحزينة: مستهل الفصل التاسع عشر
#الحوار_المتمدن
#دلور_ميقري 1الحياة الزوجية لمزيّن، كانت على الوتيرة نفسها من التوتر والقلق والقنوط. مع أنها استقلت في منزلها منذ ما يزيد عن السبعة أعوام، بقيت تشعر كما لو أن الخصوم يحاصرونها من كل الجهات. علاقاتها كانت سيئة بالجميع، وفي مقدمتهم الزوج. هذا الأخير، تلقاء سلوكها العدوانيّ معه ومع أقاربه، كان يهددها في كل سانحة بالطلاق. في الآونة الأخيرة، عقبَ مقتل رودا، ردت على زوجها ذات مرة بالقول: " لعلك لا تطلقني، بل تعمد إلى خنقي، كما فعل ابن أخيك ". ثم تردد هذه الجملة، ساخرةً: " عائلة مجانين ومعتوهين! ". فَدو، لم يزِد على هزّ رأسه مطلقاً ضحكة مفعمة بالهزء والشفقة في آنٍ معاً. مشروع زواجه من تحيّة، الذي لمّح إليه مع والدتها، أجّل البت فيه احتراماً لمرض صالح الأخير ومن ثم رحيله عن الدنيا. بمجرد انقضاء فترة الحِداد، طلبَ الفتاة من السيّدة ريما. قبل ذلك، واحتياطاً، عمّرَ حجرة نوم جديدة. قال لحماة المستقبل: " ستكون كلاهما بمنأى عن الأخرى، بالنظر أيضاً لوجود المطبخ القديم. أما لو طلبت مزيّن الطلاق، فإن ابنتك ستكون سيّدة المنزل بلا منازع ". عدم رميه اليمين على امرأته، مثلما كان يؤكّد، إنما بسبب صداقته لأخيها غير الشقيق؛ طراد آغا. لكنه واجهها بنيّته جلبَ ضرّةٍ، لما ضمنت السيّدة ريما موافقة الابنة المعنيّة. جواباً، قالت مزيّن راسمةً على فمها ابتسامة مسمومة: " لن أطلب الطلاقَ إلا لو حبلت امرأتك الجديدة. وهذا أمرٌ محال، لأننا لسنا في عصر المعجزات! ". المفردة الأخيرة في جملتها، تُحيل إلى استهلاك صاحبتها للعديد من الحيل طوال عشر سنين من العشرة الزوجية على أمل الإنجاب. قابلة الحارة، غذّت هذا الأمل بوصفات العطارة إضافةً لارشادات معيّنة فيما يتوجب عمله عند ممارسة الحب. لكن ذلك كله، كان عبثاً. عندئذٍ عادت مزيّن إلى نغمتها القديمة، لتؤكّد أن العقمَ سببه الزوج طالما أنه كان أرمل حينما اقترنت به. ***وغدت مزيّن امرأة سوداء السريرة، تكره الأطفال في باطنها، وفي العلن لو كانوا أبناء عشيرة الزوج؛ بالأخص أولاد بيان. وكانت تتحيّن الفرصَ، للكيد لهذه الأخيرة. فلو أن علاقة بيان ساءت بإحدى الجارات، فإن مزيّن كانت تظهر الود لأطفال الجارة وتوزّع عليهم السكاكر. ذات صباح، وكان ابن بيان الكبير قد أضحى في سنّ الخامسة، طلبَ منها أن ترمي إليه بحبّة سكاكر أسوةً ببقية الأطفال. عند ذلك، مدت له يدها بطلبه. لما هم بتناولها، قبضت على يده ثم جرته إلى وراء باب البيت وانهالت عليه ضرباً. بمجرد أن أفلتته وخرجَ باكياً، أمسك حجراً بيده وصوَّب إلى نافذة حجرتها. عقبَ عودة فَدو من الخارج، لفتت نظره إلى النافذة: " لقد كسر زجاجها، ابن أخيك الشيطان ". فيما بعد، عندما علم العم من ابن أخيه بسبب فعلته تلك، قال له ضاحكاً: " في المرة القادمة، أكسر لها رأسها بالحجر! ".ثم أظهرت مزيّن براعتها في دس أنفها بمشاكل الجيران. ابنة حج عبده تلك، التي سبقَ وجعلتها في خدمتها للتجسس على حركات فَدو، كانت ما تفتأ على الود معها عقبَ زواجها من ضابط من أولاد الحارة. لما زارتها هذه وبيدها طفلها الرضيع، لمّحت إلى امرأة أبيها بزعم أنها تُسيء معاملة شقيقتها الصغيرة. في حقيقة الحال، أنّ نجوى كانت صديقة حميمة لبيان؛ وهذا كان سبباً كافياً لمزيّن كي تختلق ذلك الزعم. كانت بمثابة الأم لأولاد رجلها، لكنها اضطرت لتكون حازمة مع الصغار منهم بسبب غيابه؛ هوَ المحكوم بالسجن بسبب قضية مقتل شقيقه أحمي. صغرى أولئك الأبناء، وكانت في عُمر ابنة بيان البكر، هُرعت ذات يوم إلى امرأة أبيها: " ماما، الأولاد قالوا لي أنك لست أمي "، قالتها وهي تبكي بمرا ......
#موناليزا
#الحزينة:
#مستهل
#الفصل
#التاسع
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=698398
#الحوار_المتمدن
#دلور_ميقري 1الحياة الزوجية لمزيّن، كانت على الوتيرة نفسها من التوتر والقلق والقنوط. مع أنها استقلت في منزلها منذ ما يزيد عن السبعة أعوام، بقيت تشعر كما لو أن الخصوم يحاصرونها من كل الجهات. علاقاتها كانت سيئة بالجميع، وفي مقدمتهم الزوج. هذا الأخير، تلقاء سلوكها العدوانيّ معه ومع أقاربه، كان يهددها في كل سانحة بالطلاق. في الآونة الأخيرة، عقبَ مقتل رودا، ردت على زوجها ذات مرة بالقول: " لعلك لا تطلقني، بل تعمد إلى خنقي، كما فعل ابن أخيك ". ثم تردد هذه الجملة، ساخرةً: " عائلة مجانين ومعتوهين! ". فَدو، لم يزِد على هزّ رأسه مطلقاً ضحكة مفعمة بالهزء والشفقة في آنٍ معاً. مشروع زواجه من تحيّة، الذي لمّح إليه مع والدتها، أجّل البت فيه احتراماً لمرض صالح الأخير ومن ثم رحيله عن الدنيا. بمجرد انقضاء فترة الحِداد، طلبَ الفتاة من السيّدة ريما. قبل ذلك، واحتياطاً، عمّرَ حجرة نوم جديدة. قال لحماة المستقبل: " ستكون كلاهما بمنأى عن الأخرى، بالنظر أيضاً لوجود المطبخ القديم. أما لو طلبت مزيّن الطلاق، فإن ابنتك ستكون سيّدة المنزل بلا منازع ". عدم رميه اليمين على امرأته، مثلما كان يؤكّد، إنما بسبب صداقته لأخيها غير الشقيق؛ طراد آغا. لكنه واجهها بنيّته جلبَ ضرّةٍ، لما ضمنت السيّدة ريما موافقة الابنة المعنيّة. جواباً، قالت مزيّن راسمةً على فمها ابتسامة مسمومة: " لن أطلب الطلاقَ إلا لو حبلت امرأتك الجديدة. وهذا أمرٌ محال، لأننا لسنا في عصر المعجزات! ". المفردة الأخيرة في جملتها، تُحيل إلى استهلاك صاحبتها للعديد من الحيل طوال عشر سنين من العشرة الزوجية على أمل الإنجاب. قابلة الحارة، غذّت هذا الأمل بوصفات العطارة إضافةً لارشادات معيّنة فيما يتوجب عمله عند ممارسة الحب. لكن ذلك كله، كان عبثاً. عندئذٍ عادت مزيّن إلى نغمتها القديمة، لتؤكّد أن العقمَ سببه الزوج طالما أنه كان أرمل حينما اقترنت به. ***وغدت مزيّن امرأة سوداء السريرة، تكره الأطفال في باطنها، وفي العلن لو كانوا أبناء عشيرة الزوج؛ بالأخص أولاد بيان. وكانت تتحيّن الفرصَ، للكيد لهذه الأخيرة. فلو أن علاقة بيان ساءت بإحدى الجارات، فإن مزيّن كانت تظهر الود لأطفال الجارة وتوزّع عليهم السكاكر. ذات صباح، وكان ابن بيان الكبير قد أضحى في سنّ الخامسة، طلبَ منها أن ترمي إليه بحبّة سكاكر أسوةً ببقية الأطفال. عند ذلك، مدت له يدها بطلبه. لما هم بتناولها، قبضت على يده ثم جرته إلى وراء باب البيت وانهالت عليه ضرباً. بمجرد أن أفلتته وخرجَ باكياً، أمسك حجراً بيده وصوَّب إلى نافذة حجرتها. عقبَ عودة فَدو من الخارج، لفتت نظره إلى النافذة: " لقد كسر زجاجها، ابن أخيك الشيطان ". فيما بعد، عندما علم العم من ابن أخيه بسبب فعلته تلك، قال له ضاحكاً: " في المرة القادمة، أكسر لها رأسها بالحجر! ".ثم أظهرت مزيّن براعتها في دس أنفها بمشاكل الجيران. ابنة حج عبده تلك، التي سبقَ وجعلتها في خدمتها للتجسس على حركات فَدو، كانت ما تفتأ على الود معها عقبَ زواجها من ضابط من أولاد الحارة. لما زارتها هذه وبيدها طفلها الرضيع، لمّحت إلى امرأة أبيها بزعم أنها تُسيء معاملة شقيقتها الصغيرة. في حقيقة الحال، أنّ نجوى كانت صديقة حميمة لبيان؛ وهذا كان سبباً كافياً لمزيّن كي تختلق ذلك الزعم. كانت بمثابة الأم لأولاد رجلها، لكنها اضطرت لتكون حازمة مع الصغار منهم بسبب غيابه؛ هوَ المحكوم بالسجن بسبب قضية مقتل شقيقه أحمي. صغرى أولئك الأبناء، وكانت في عُمر ابنة بيان البكر، هُرعت ذات يوم إلى امرأة أبيها: " ماما، الأولاد قالوا لي أنك لست أمي "، قالتها وهي تبكي بمرا ......
#موناليزا
#الحزينة:
#مستهل
#الفصل
#التاسع
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=698398
الحوار المتمدن
دلور ميقري - زمن موناليزا الحزينة: مستهل الفصل التاسع عشر
دلور ميقري : زمن موناليزا الحزينة: الفصل التاسع عشر 3
#الحوار_المتمدن
#دلور_ميقري ردة فعل بيان على مقتل أختها، اتَّسمَ بالانفعال الشديد، حيث ملأت جو الدار صراخاً وعويلاً في ذلك اليوم المشئوم. أكثر ما كان يُشعرها بالغضب، فوق هول الجريمة، أنّ مَن عُزيَ إليها التحريض بالقتل، وهيَ أمّو، كانت إلى يوم أمس تُظهر لها صداقتها الحميمة: " ويلاه، لم أرَ مثل هذا المكر والخبث "، كانت تردد في كل حين. لما حضرَ إلى منزلها ديبو، شقيقُ القاتل، بغيَة اقناع رجلها بالشهادة في المحكمة بأن الجريمة كانت غسلاً للعار، اقتحمت عليهما المجلسَ ثم قامت بطرده مع شتائم وأدعية بلعنات الرب في حق شقيقتيه. موقفها هذا، كرره خالُ أمها، حدّو، ما أعاد الدفء للعلاقة بين الأسرتين؛ وكانت باردة عقبَ تدخله في أمر بيع منزل والدها. في المقابل، شعرَ جمّو بالحَرَج البالغ، مع شيءٍ من الخزي، كون القاتل ابن أخيه. لكنه اضطرَ لمسايرة امرأته، لما أعلنت القطيعة مع أقاربه المباشرين. عوَّل على الزمن، وأنه كفيلٌ بوضع البلسم على الجراح. ما لطّفَ من جو الأسرة، المحتقن، كان وجود الوليد الجديد، الذي أتى إلى الدنيا عقبَ رحيل الابنة الأثيرة؛ شيرين. الجريمة، من ناحية أخرى، أكّدت ما يناضل من أجله، جمّو، في سبيل مجتمع عادل يضمن المساواة بين الجنسين ويقضي على الجهل والفقر. كان يُدرك، ولا شك، أنّ تحقيق ذلك يحتاج لوقت طويل وصبر لا محدود. نفس الموقف اتخذه قبلاً، حينَ سقط قتيلاً أمام عينيه، صديقُهُ وجاره، أحمي، بيد شقيقه الكبير. كذلك الأمر في الجرائم الأخرى، التي شهدتها الحارة، بدافع الشرف أو الثأر. ***في تلك الفترة، طغى على كل الأحداث خبرُ إعلان الوحدة السورية المصرية. بعد نحو أربع سنين من طغيان شخصية بكداش على المشهد السياسيّ المحليّ، أزاحه جانباً رجلٌ عسكريّ تميّز بقامة عملاق، خرجَ منتصراً في خلال أزمة السويس وما أعقبها من العدوان الثلاثيّ؛ رجلٌ، كان يخطب بنبرة عدوانية متعالية، أكسبته شعبية كاسحة من المحيط إلى الخليج. مسوّغات الوحدة، عدا الناحية العاطفية، جعلت القوى اليسارية في البلاد تأخذ حذرها: مجموعة من الضباط القوميين، الذين شعروا بخطر يتهددهم من تنامي قوة اليسار في الشارع بشكل خاص، هُرعوا دونَ علم القيادتين العسكرية والمدنية إلى القاهرة كي يحثوا الزعيمَ المنتصر على القبول بالوحدة الاندماجية بين البلدين. لكي تكتمل المسرحية، مثّلوا أمام الصجافة فصلاً دراماتيكياً؛ وذلك عندما أشهروا مسدساتهم وهددوا بالانتحار لو لم يتم تحقيق مطلبهم على الفور. غبَّ إعلان الوحدة، تحركت تركيا مجدداً بحجة تهديد أمنها القوميّ؛ فقامت بحشد قواتها في حركة مسرحية مماثلة. عند ذلك، شاء أنصارُ اليسار إظهار قوتهم عن طريق حشد كتائب المقاومة الشعبية، التي يسيطرون عليها عملياً. لكن السلطات فيما سبق، كانت قد سحبت الذخائر من تلك الكتائب بعدما خفّ التوتر على الحدود الشمالية. أمام إلحاح قيادة المقاومة الشعبية بشأن تأمين الذخيرة لعناصرهم، حضرَ إلى مقرها في حي الأكراد " المشيرُ عامر "؛ الحاكمُ الفعليّ للإقليم الشماليّ في دولة الوحدة. نهضَ عندئذٍ جمّو ليتكلم باسم الحاضرين، مؤكداً عبث وجود الأسلحة دونَ ذخيرة. فأوقفه المشيرُ، ساخراً: " أنتَ ذو الشَعر الأبيض، تبدو خائفاً وكما لو أن الغزاة صاروا على باب بيتك! ". فرد عليه جمّو، بنبرة شديدة: " نحن نخاف على أولادنا وأعراضنا، وليسَ على أنفسنا ". ثم انتهى الاجتماع بوعد من الحاكم، بتأمين الذخيرة في أسرع وقت. هذه الحادثة، وما أعقبها من حشد كتائب المقاومة الشعبية ـ كما أكّد جمّو مراراً بعد أعوام عديدة ـ كانت في صلب تفكير ذلك الحاكم، لما نجحَ بتأليب رئيسه على القوى اليسارية لضرب ......
#موناليزا
#الحزينة:
#الفصل
#التاسع
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=698494
#الحوار_المتمدن
#دلور_ميقري ردة فعل بيان على مقتل أختها، اتَّسمَ بالانفعال الشديد، حيث ملأت جو الدار صراخاً وعويلاً في ذلك اليوم المشئوم. أكثر ما كان يُشعرها بالغضب، فوق هول الجريمة، أنّ مَن عُزيَ إليها التحريض بالقتل، وهيَ أمّو، كانت إلى يوم أمس تُظهر لها صداقتها الحميمة: " ويلاه، لم أرَ مثل هذا المكر والخبث "، كانت تردد في كل حين. لما حضرَ إلى منزلها ديبو، شقيقُ القاتل، بغيَة اقناع رجلها بالشهادة في المحكمة بأن الجريمة كانت غسلاً للعار، اقتحمت عليهما المجلسَ ثم قامت بطرده مع شتائم وأدعية بلعنات الرب في حق شقيقتيه. موقفها هذا، كرره خالُ أمها، حدّو، ما أعاد الدفء للعلاقة بين الأسرتين؛ وكانت باردة عقبَ تدخله في أمر بيع منزل والدها. في المقابل، شعرَ جمّو بالحَرَج البالغ، مع شيءٍ من الخزي، كون القاتل ابن أخيه. لكنه اضطرَ لمسايرة امرأته، لما أعلنت القطيعة مع أقاربه المباشرين. عوَّل على الزمن، وأنه كفيلٌ بوضع البلسم على الجراح. ما لطّفَ من جو الأسرة، المحتقن، كان وجود الوليد الجديد، الذي أتى إلى الدنيا عقبَ رحيل الابنة الأثيرة؛ شيرين. الجريمة، من ناحية أخرى، أكّدت ما يناضل من أجله، جمّو، في سبيل مجتمع عادل يضمن المساواة بين الجنسين ويقضي على الجهل والفقر. كان يُدرك، ولا شك، أنّ تحقيق ذلك يحتاج لوقت طويل وصبر لا محدود. نفس الموقف اتخذه قبلاً، حينَ سقط قتيلاً أمام عينيه، صديقُهُ وجاره، أحمي، بيد شقيقه الكبير. كذلك الأمر في الجرائم الأخرى، التي شهدتها الحارة، بدافع الشرف أو الثأر. ***في تلك الفترة، طغى على كل الأحداث خبرُ إعلان الوحدة السورية المصرية. بعد نحو أربع سنين من طغيان شخصية بكداش على المشهد السياسيّ المحليّ، أزاحه جانباً رجلٌ عسكريّ تميّز بقامة عملاق، خرجَ منتصراً في خلال أزمة السويس وما أعقبها من العدوان الثلاثيّ؛ رجلٌ، كان يخطب بنبرة عدوانية متعالية، أكسبته شعبية كاسحة من المحيط إلى الخليج. مسوّغات الوحدة، عدا الناحية العاطفية، جعلت القوى اليسارية في البلاد تأخذ حذرها: مجموعة من الضباط القوميين، الذين شعروا بخطر يتهددهم من تنامي قوة اليسار في الشارع بشكل خاص، هُرعوا دونَ علم القيادتين العسكرية والمدنية إلى القاهرة كي يحثوا الزعيمَ المنتصر على القبول بالوحدة الاندماجية بين البلدين. لكي تكتمل المسرحية، مثّلوا أمام الصجافة فصلاً دراماتيكياً؛ وذلك عندما أشهروا مسدساتهم وهددوا بالانتحار لو لم يتم تحقيق مطلبهم على الفور. غبَّ إعلان الوحدة، تحركت تركيا مجدداً بحجة تهديد أمنها القوميّ؛ فقامت بحشد قواتها في حركة مسرحية مماثلة. عند ذلك، شاء أنصارُ اليسار إظهار قوتهم عن طريق حشد كتائب المقاومة الشعبية، التي يسيطرون عليها عملياً. لكن السلطات فيما سبق، كانت قد سحبت الذخائر من تلك الكتائب بعدما خفّ التوتر على الحدود الشمالية. أمام إلحاح قيادة المقاومة الشعبية بشأن تأمين الذخيرة لعناصرهم، حضرَ إلى مقرها في حي الأكراد " المشيرُ عامر "؛ الحاكمُ الفعليّ للإقليم الشماليّ في دولة الوحدة. نهضَ عندئذٍ جمّو ليتكلم باسم الحاضرين، مؤكداً عبث وجود الأسلحة دونَ ذخيرة. فأوقفه المشيرُ، ساخراً: " أنتَ ذو الشَعر الأبيض، تبدو خائفاً وكما لو أن الغزاة صاروا على باب بيتك! ". فرد عليه جمّو، بنبرة شديدة: " نحن نخاف على أولادنا وأعراضنا، وليسَ على أنفسنا ". ثم انتهى الاجتماع بوعد من الحاكم، بتأمين الذخيرة في أسرع وقت. هذه الحادثة، وما أعقبها من حشد كتائب المقاومة الشعبية ـ كما أكّد جمّو مراراً بعد أعوام عديدة ـ كانت في صلب تفكير ذلك الحاكم، لما نجحَ بتأليب رئيسه على القوى اليسارية لضرب ......
#موناليزا
#الحزينة:
#الفصل
#التاسع
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=698494
الحوار المتمدن
دلور ميقري - زمن موناليزا الحزينة: الفصل التاسع عشر/ 3
دلور ميقري : زمن موناليزا الحزينة: الفصل التاسع عشر 4
#الحوار_المتمدن
#دلور_ميقري كلّ شيءٍ، كان ينبئ بأنّ عهدَ الملاحقات الأمنية سيعود، ليعاني منه جمّو؛ وهذه المرة مع عائلة كبيرة من سبعة أفراد. العُمر أيضاً، المتجاوز الأربعين، أخذ ينأى عن مرحلة الشباب وذروة النشاط. كذلك تبدلت الأمور، لناحية الكفاح السياسيّ: في زمن الديكتاتوريات العسكرية، المستمر لمدة تقارب الخمس سنوات، كان الشعبُ شبهَ موحدٍ في مطالبه بعودة الحياة الدستورية وإطلاق الحريات العامة. الآن، مع المستبد العسكريّ القادم من مصر، فإن غالبية الناس تجد فيه منقذاً للكرامة الوطنية، التي ديست في حرب فلسطين؛ منتصراً، مرغ بالوحل هيبة الدولتين العظميين، بريطانيا وفرنسا. صوتُ المستبد، صاحبُ الوحدة الصورية بين البلدين، ما لبث أن ارتفع من مدينة بورسعيد في نهاية عام 1958، متهماً اليساريين السوريين بمناوئة أحلام الأمة والتبعية للأجنبيّ. ما أن حل العام الجديد، إلا وقطعان الأمن تنتشر في غالبية الأحياء الدمشقية، لاعتقال أولئك الأعداء، المشار إليهم في خطاب زعيم الأمة. ولأن حي الأكراد كان بؤرة النشاط الشيوعيّ، ومسقط رأس بكداش، لا غرو أن تستهدفه الحملة الأمنية بعنف أشد. الاعتقالات كانت عشوائية، طالت أقارب المطلوبين ممن لم يكن لهم نشاطٌ سياسيّ. حسّو، ابن موسي، وكان يدرس في الكلية الحربية بالقاهرة، تم زجه في السجن هناك، كون شقيقه الأكبر عضواً في الحزب المحظور. عمّهما، جمّو، كان قد احتاط مع غيره من الرفاق مذ سماع ذلك الخطاب المشئوم: أخفاه شقيقه فَدو في بيت صغير بالبستان، تكوّنَ من حجرتين، وما لبثَ أن انضم إليه قريبه حسينو، ابن عليكي عَرَبي، وصديقه العقيد محمد زلفو. انتظروا هناك لفترة، وكان فكرهم يتجه إلى الالتجاء إلى البلد المجاور، لبنان، المتمتع بنظام ديمقراطيّ.***المطر كان يتساقط في تلك الليلة من شهر شباط/ فبراير، لما غادر الرفاق الثلاثة المخبأ. حملتهم باتجاه الحدود اللبنانية، سيارةُ الصديق المقرّب، بديع نورا هلّو، الذي كان بمنأى عن الملاحقة بالنظر لأفكاره الليبرالية ووضع أسرته، المنتمية للطبقة الأرستقراطية. على طول الطريق، المؤدي إلى وادي بردى، كانت سحناتُ المُطاردين صفحاتٍ يُقرأ فيها سطور الحذر والخوف من أية مفاجأة غير محتسبة. الشتاء، كان يزيد من تجهّم الوجوه وارتعاش الأطراف. الوحيد الخالي البال من كل همّ، كان قائد العربة، برغم مخاطر تعاونه مع الملاحقين. الأشد خطراً في المجموعة، العقيد، عليه كان أن يتحمّل أيضاً آلام العمود الفقري بسبب إصابة من جراء حادث سيارة في أثناء خدمته بالقاهرة، طبع أثره على شفته السفلى. لكن من حُسن حظ الجميع، أن الجو البارد دفع أفراد دوريات الأمن إلى ملازمة سياراتهم أو المكوث بالغرف المتنعمة بالدفء. وهكذا كان أيضاً حال طريق وادي بردى، وصولاً إلى بلدة الزبداني. " ستمكثون هنا لحين انتصاف الليل، ثم تنطلقون مشياً على الأقدام باتجاه الحدود اللبنانية "، قال لهم بديع حالما وصلوا للفيلا. كانت الصالة باردة أكثر من الخارج، ما دفعهم للبحث عن الحطب في المستودع كي يشعلوا مدفأة الجدار، المكسوة بقطع القرميد الصقيلة. لما أمكن لهم ذلك، جلسوا على الأرائك يستمتعون بالدفء ويتبادلون الحديث. كذلك عثروا على زجاجات نبيذ في المستودع، ربما تركت لتختمر مع مرور الفصول. جمّو، لم يدعهم يصبون له كأساً، لكراهيته الشراب. في المقابل، شردَ بعيداً في استحضار ذكرياته في هذه البلدة الجبلية، وكان من النادر أن يزورها سوى في الصيف. لقد منحته الصورُ البعيدة، فضلاً عن حرارة المدفأة، فرصةَ ترميم داخله استعداداً لمغامرة اجتياز الحدود. في الأثناء، انتبه لحديث صديقه العقيد، وكان أيضاً يداورُ ......
#موناليزا
#الحزينة:
#الفصل
#التاسع
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=698611
#الحوار_المتمدن
#دلور_ميقري كلّ شيءٍ، كان ينبئ بأنّ عهدَ الملاحقات الأمنية سيعود، ليعاني منه جمّو؛ وهذه المرة مع عائلة كبيرة من سبعة أفراد. العُمر أيضاً، المتجاوز الأربعين، أخذ ينأى عن مرحلة الشباب وذروة النشاط. كذلك تبدلت الأمور، لناحية الكفاح السياسيّ: في زمن الديكتاتوريات العسكرية، المستمر لمدة تقارب الخمس سنوات، كان الشعبُ شبهَ موحدٍ في مطالبه بعودة الحياة الدستورية وإطلاق الحريات العامة. الآن، مع المستبد العسكريّ القادم من مصر، فإن غالبية الناس تجد فيه منقذاً للكرامة الوطنية، التي ديست في حرب فلسطين؛ منتصراً، مرغ بالوحل هيبة الدولتين العظميين، بريطانيا وفرنسا. صوتُ المستبد، صاحبُ الوحدة الصورية بين البلدين، ما لبث أن ارتفع من مدينة بورسعيد في نهاية عام 1958، متهماً اليساريين السوريين بمناوئة أحلام الأمة والتبعية للأجنبيّ. ما أن حل العام الجديد، إلا وقطعان الأمن تنتشر في غالبية الأحياء الدمشقية، لاعتقال أولئك الأعداء، المشار إليهم في خطاب زعيم الأمة. ولأن حي الأكراد كان بؤرة النشاط الشيوعيّ، ومسقط رأس بكداش، لا غرو أن تستهدفه الحملة الأمنية بعنف أشد. الاعتقالات كانت عشوائية، طالت أقارب المطلوبين ممن لم يكن لهم نشاطٌ سياسيّ. حسّو، ابن موسي، وكان يدرس في الكلية الحربية بالقاهرة، تم زجه في السجن هناك، كون شقيقه الأكبر عضواً في الحزب المحظور. عمّهما، جمّو، كان قد احتاط مع غيره من الرفاق مذ سماع ذلك الخطاب المشئوم: أخفاه شقيقه فَدو في بيت صغير بالبستان، تكوّنَ من حجرتين، وما لبثَ أن انضم إليه قريبه حسينو، ابن عليكي عَرَبي، وصديقه العقيد محمد زلفو. انتظروا هناك لفترة، وكان فكرهم يتجه إلى الالتجاء إلى البلد المجاور، لبنان، المتمتع بنظام ديمقراطيّ.***المطر كان يتساقط في تلك الليلة من شهر شباط/ فبراير، لما غادر الرفاق الثلاثة المخبأ. حملتهم باتجاه الحدود اللبنانية، سيارةُ الصديق المقرّب، بديع نورا هلّو، الذي كان بمنأى عن الملاحقة بالنظر لأفكاره الليبرالية ووضع أسرته، المنتمية للطبقة الأرستقراطية. على طول الطريق، المؤدي إلى وادي بردى، كانت سحناتُ المُطاردين صفحاتٍ يُقرأ فيها سطور الحذر والخوف من أية مفاجأة غير محتسبة. الشتاء، كان يزيد من تجهّم الوجوه وارتعاش الأطراف. الوحيد الخالي البال من كل همّ، كان قائد العربة، برغم مخاطر تعاونه مع الملاحقين. الأشد خطراً في المجموعة، العقيد، عليه كان أن يتحمّل أيضاً آلام العمود الفقري بسبب إصابة من جراء حادث سيارة في أثناء خدمته بالقاهرة، طبع أثره على شفته السفلى. لكن من حُسن حظ الجميع، أن الجو البارد دفع أفراد دوريات الأمن إلى ملازمة سياراتهم أو المكوث بالغرف المتنعمة بالدفء. وهكذا كان أيضاً حال طريق وادي بردى، وصولاً إلى بلدة الزبداني. " ستمكثون هنا لحين انتصاف الليل، ثم تنطلقون مشياً على الأقدام باتجاه الحدود اللبنانية "، قال لهم بديع حالما وصلوا للفيلا. كانت الصالة باردة أكثر من الخارج، ما دفعهم للبحث عن الحطب في المستودع كي يشعلوا مدفأة الجدار، المكسوة بقطع القرميد الصقيلة. لما أمكن لهم ذلك، جلسوا على الأرائك يستمتعون بالدفء ويتبادلون الحديث. كذلك عثروا على زجاجات نبيذ في المستودع، ربما تركت لتختمر مع مرور الفصول. جمّو، لم يدعهم يصبون له كأساً، لكراهيته الشراب. في المقابل، شردَ بعيداً في استحضار ذكرياته في هذه البلدة الجبلية، وكان من النادر أن يزورها سوى في الصيف. لقد منحته الصورُ البعيدة، فضلاً عن حرارة المدفأة، فرصةَ ترميم داخله استعداداً لمغامرة اجتياز الحدود. في الأثناء، انتبه لحديث صديقه العقيد، وكان أيضاً يداورُ ......
#موناليزا
#الحزينة:
#الفصل
#التاسع
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=698611
الحوار المتمدن
دلور ميقري - زمن موناليزا الحزينة: الفصل التاسع عشر/ 4
دلور ميقري : زمن موناليزا الحزينة: الفصل التاسع عشر 5
#الحوار_المتمدن
#دلور_ميقري في طريقهم إلى الجبل، الفاصل بين البلدين، لم يحملوا أيّ زاد عدا مطرة عسكرية مملوءة بالماء. كونهم أبناء السفح، المستلقي بحضن قاسيون، لن يجدوا مشقة في تسلق الصخور إلى الأعالي ومن ثم النزول إلى الوادي؛ أين تكمن الحرية. ولعل جمّو تذكّر ما كان يذكُره للرفاق في الحلقة الحزبية، التي كان يقودها، بأن النظام اللبناني فاسدٌ ومرتبط بالامبريالية ومرعى للرجعية العربية. غير أنه بكّرَ في إكتشاف سوءة النظام الشموليّ عندما أفاق، مع غيره من السوريين، ليجدَ أكشاك الصحف خالية إلا من جريدة الأهرام وجريدة محلية تنطق باسم إدارة الاقليم الشمالي لدولة الوحدة. ومنذ شهر شباط/ فبراير المنصرم، بقيَ حزبه هوَ الوحيد على الساحة، الرافض حل نفسه، ليعتبر من لدُن السلطة خارجاً على القانون. ساروا إلى الأعالي، ممتنعين عن الكلام إلا بالهمس في حالات الضرورة القصوى. ذلك أنّ السلطات انتبهت إلى هروب المطلوبين عبرَ الحدود، مستخدمين الشعاب الجبلية، فعززت التواجد الأمنيّ في نقاط معينة. بعد ساعة من المشي، اطمأنوا نوعاً ما لخلو دربهم من المخاطر، ولم يكن يزعجهم سوى البرد والريح المحمّل بنديف الثلج. لكن عائقاً ظهرَ على حين فجأة، عندما لم يعُد العقيد يتحمّل أوجاع ظهره وبات عاجزاً عن مواصلة السير. عند ذلك، بادر جمّو لحمل الرجل دونَ أن يستمع لاعتذاره. كلاهما، العقيد وحسينو، كانا يصغران رفيقهما بخمس سنين على الأقل؛ وهذا كان من أسباب موضع الاحترام، الذي حظيَ به من قبلهما. هكذا تناوب القريبان على حمل صديقهما، لحين أن لاحَ عن بُعد كوخٌ صغير يبدو أنه يخصّ أحد الرعاة بأسفل الوادي. استدلوا على ذلك من صوت نباح الكلب، المرافق عادةً لقطيع الماشية. تنفسوا عندئذٍ الصعداء، كونهم باتوا على الأراضي اللبنانية، كما أن العقيد صار بمقدوره التنقل على قدميه خِلَل المنحدر الوعر.مفاجأة أخرى، جدَّت بعد فترةٍ من المشي على أرض مرتفعة قليلاً، وكانت أضواء القرى اللبنانية متماهية مع نور الفجر. إذ دوى صوتُ صافرة من مكان ما خلف الصخور، وما لبثت أشباحٌ أن تراءت من تلك الناحية مع أوامر بالوقوف. كانت دورية للأمن اللبنانيّ، وربما انتبهت للمتسللين عبرَ الحدود من خلال نباح كلب ذلك الراعي. ما عتم الرفاق الثلاثة أن وقعوا بقبضة رجال الأمن أولئك، ليمضوا بقية الرحلة في سيارة جيب سارت بهم إلى مكان مجهول. وكانوا قد صادروا بطاقات الموقوفين، الذين طلبوا اللجوءَ السياسيّ.***من كلام الشرطيَيْن المرافقين، الجالسين معهم في الصندوق الخلفيّ للسيارة، علم الرفاق أنهم في الطريق إلى بلدة شتورة، القريبة من الحدود السورية. عقبَ الوصول إلى البلدة، تم حجزهم في حجرة بقسم الأمن العام، كان فيها عددٌ من الموقوفين. سرعان ما تبيّنَ أن هؤلاء الأخيرين أيضاً من رفاق الحزب، قبضَ عليهم في وقتٍ سابق بنفس الملابسات عند اجتياز الحدود. غبَّ تناول الموقوفين لطعام الفطور بحوالي ساعتين، قدِمَ ضابطٌ شاب ليسأل عن العقيد محمد زلفو وليقوده إلى خارج الحجرة. بعد سبعة أعوام، عندما عاد العقيد من منفاه، أخبرَ صديقَهُ جمّو ببقية القصة: تم سوقه من شتورة إلى بيروت، وهناك لما تأكدوا من أوراقه الرسمية أطلقوا سراحه بضمان الحق في اللجوء السياسيّ. عن طريق الرفاق اللبنانيين، تم لاحقاً تأمينُ فيزا له من سفارة تشيكوسلوفاكيا ومن ثم ركبَ الطائرة إلى براغ.اكفهرَّ حظُ بقية الموقوفين، وكان بينهم جمّو وقريبه حسينو. إذ عمدت السلطات اللبنانية إلى تسليمهم للأمن السوريّ عند نقطة الحدود المشتركة. من هناك سيقوا مباشرةً إلى سجن المزة، الغاص بالمعتقلين السياسيين وجلّهم من الرفاق. ثمة تم ......
#موناليزا
#الحزينة:
#الفصل
#التاسع
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=698709
#الحوار_المتمدن
#دلور_ميقري في طريقهم إلى الجبل، الفاصل بين البلدين، لم يحملوا أيّ زاد عدا مطرة عسكرية مملوءة بالماء. كونهم أبناء السفح، المستلقي بحضن قاسيون، لن يجدوا مشقة في تسلق الصخور إلى الأعالي ومن ثم النزول إلى الوادي؛ أين تكمن الحرية. ولعل جمّو تذكّر ما كان يذكُره للرفاق في الحلقة الحزبية، التي كان يقودها، بأن النظام اللبناني فاسدٌ ومرتبط بالامبريالية ومرعى للرجعية العربية. غير أنه بكّرَ في إكتشاف سوءة النظام الشموليّ عندما أفاق، مع غيره من السوريين، ليجدَ أكشاك الصحف خالية إلا من جريدة الأهرام وجريدة محلية تنطق باسم إدارة الاقليم الشمالي لدولة الوحدة. ومنذ شهر شباط/ فبراير المنصرم، بقيَ حزبه هوَ الوحيد على الساحة، الرافض حل نفسه، ليعتبر من لدُن السلطة خارجاً على القانون. ساروا إلى الأعالي، ممتنعين عن الكلام إلا بالهمس في حالات الضرورة القصوى. ذلك أنّ السلطات انتبهت إلى هروب المطلوبين عبرَ الحدود، مستخدمين الشعاب الجبلية، فعززت التواجد الأمنيّ في نقاط معينة. بعد ساعة من المشي، اطمأنوا نوعاً ما لخلو دربهم من المخاطر، ولم يكن يزعجهم سوى البرد والريح المحمّل بنديف الثلج. لكن عائقاً ظهرَ على حين فجأة، عندما لم يعُد العقيد يتحمّل أوجاع ظهره وبات عاجزاً عن مواصلة السير. عند ذلك، بادر جمّو لحمل الرجل دونَ أن يستمع لاعتذاره. كلاهما، العقيد وحسينو، كانا يصغران رفيقهما بخمس سنين على الأقل؛ وهذا كان من أسباب موضع الاحترام، الذي حظيَ به من قبلهما. هكذا تناوب القريبان على حمل صديقهما، لحين أن لاحَ عن بُعد كوخٌ صغير يبدو أنه يخصّ أحد الرعاة بأسفل الوادي. استدلوا على ذلك من صوت نباح الكلب، المرافق عادةً لقطيع الماشية. تنفسوا عندئذٍ الصعداء، كونهم باتوا على الأراضي اللبنانية، كما أن العقيد صار بمقدوره التنقل على قدميه خِلَل المنحدر الوعر.مفاجأة أخرى، جدَّت بعد فترةٍ من المشي على أرض مرتفعة قليلاً، وكانت أضواء القرى اللبنانية متماهية مع نور الفجر. إذ دوى صوتُ صافرة من مكان ما خلف الصخور، وما لبثت أشباحٌ أن تراءت من تلك الناحية مع أوامر بالوقوف. كانت دورية للأمن اللبنانيّ، وربما انتبهت للمتسللين عبرَ الحدود من خلال نباح كلب ذلك الراعي. ما عتم الرفاق الثلاثة أن وقعوا بقبضة رجال الأمن أولئك، ليمضوا بقية الرحلة في سيارة جيب سارت بهم إلى مكان مجهول. وكانوا قد صادروا بطاقات الموقوفين، الذين طلبوا اللجوءَ السياسيّ.***من كلام الشرطيَيْن المرافقين، الجالسين معهم في الصندوق الخلفيّ للسيارة، علم الرفاق أنهم في الطريق إلى بلدة شتورة، القريبة من الحدود السورية. عقبَ الوصول إلى البلدة، تم حجزهم في حجرة بقسم الأمن العام، كان فيها عددٌ من الموقوفين. سرعان ما تبيّنَ أن هؤلاء الأخيرين أيضاً من رفاق الحزب، قبضَ عليهم في وقتٍ سابق بنفس الملابسات عند اجتياز الحدود. غبَّ تناول الموقوفين لطعام الفطور بحوالي ساعتين، قدِمَ ضابطٌ شاب ليسأل عن العقيد محمد زلفو وليقوده إلى خارج الحجرة. بعد سبعة أعوام، عندما عاد العقيد من منفاه، أخبرَ صديقَهُ جمّو ببقية القصة: تم سوقه من شتورة إلى بيروت، وهناك لما تأكدوا من أوراقه الرسمية أطلقوا سراحه بضمان الحق في اللجوء السياسيّ. عن طريق الرفاق اللبنانيين، تم لاحقاً تأمينُ فيزا له من سفارة تشيكوسلوفاكيا ومن ثم ركبَ الطائرة إلى براغ.اكفهرَّ حظُ بقية الموقوفين، وكان بينهم جمّو وقريبه حسينو. إذ عمدت السلطات اللبنانية إلى تسليمهم للأمن السوريّ عند نقطة الحدود المشتركة. من هناك سيقوا مباشرةً إلى سجن المزة، الغاص بالمعتقلين السياسيين وجلّهم من الرفاق. ثمة تم ......
#موناليزا
#الحزينة:
#الفصل
#التاسع
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=698709
الحوار المتمدن
دلور ميقري - زمن موناليزا الحزينة: الفصل التاسع عشر/ 5