الحوار المتمدن
3.07K subscribers
12 photos
94.8K links
الموقع الرسمي لمؤسسة الحوار المتمدن في التلغرام
Download Telegram
ناصر بن رجب : كتاب صُنِع في الجحيم 1
#الحوار_المتمدن
#ناصر_بن_رجب رسالة سبينوزا الفاضِحة ونشأة العَصر العَلمانيA Book Forged in HellSpinoza’s Scandalous Treatise and the Birth of the Secular AgeSteven Nadlerمقدِّمة قصيرة جدّا للمترجِمهذا كتاب مهمّ جدّا، ارتأيتُ أن أقدِّم ترجمة له إلى قرّاء الحوار ومن ورائهم إلى كلّ قرّاء العربيّة، في حلقات متتالية. هذا الكتاب هو من تأليف ستيفن نيدلر(Steven Nadler)، أستاذ فلسفة في جامعة ويسكنسن، الذي نشره تحت عنوان (A Book Forged in Hell) أي "كتاب صُنِع في الجحيم". يتناول نيدلر في كتابه هذا بالتّحليل والدّرس مؤلَّف سبينوزا "رسالة في اللاّهوت والسياسة" الذي شكلّ عند صدوره صدمة صاعقة للنّخب المثقّفة الأوروبيّة بشكل خاصّ والغربيّة بشكل عام، ومثّل صدمة ارتجَّت لها أركان التّفكير التّقليدي السّائد في القرن السّابع عشر في تلك المجتمعات، وصفعة مدوّية ترنّحت تحت وقعها كلّ شرائح الطّواقم الدينيّة بمختلف انتماءاتها الكَنَسيّة. وحتّى "الجمهوريّة الهولنديّة"، التي عاش في كنفها سبينوزا، والتي كانت تمثّل، نتيجة للإصلاحات الدينيّة الكبرى للتيّارات البروتستانتينيّة التي ثارت على الكنيسة الرّومانيّة والمؤسَّسة الباباويّة، فضاءً فريدا من نوعه يسود فيه نوع من حريّة التّفكير فصار ملاذا للمفكّرين الفارّين من ظلم الكنيسة واستبداد الملوك والأمراء وتعسّفهم، مثل ديكارت وغيره، لم تسطع تقبُّل هذا العمل الجريء والسّاحِق بصدر رحب.لقد كانت الفلسفة، وخاصّة حريّة التّفلسُف خارج الأطر الكلاسيكيّة، تُعتبر زندقة ما فوقها زندقة. والمتفلسِف، أي مَن تسوِّل له نفسه الخروج عن نهج الكنيسة ومحاولة مناقشة نصوصها القانونيّة المقدّسة بمناهج التّفكير المنعتِق من قيود الغيبيّات والخوارق وهيمنتها المطلقة على العقل البشري، كان يُعدُّ مارقا عن الملّة وزنديقا يجب إقصاؤه من "الجماعة المؤمِنة" ومعاقبته أشدّ عقاب.ألا يذكِّركم هذا الوضع بوضع مشابه اليوم في بلداننا العربيّة-الإسلاميّة؟ ألا يذكِّركم هذا بما تقوم به قطعان التّكفيريّين المُلتَحين في يوم النّاس هذا من تحريض على ذبح وصلب المفكّرين الذين يرومون الاجتهاد خارج أنماط التّفكير القروسطيّة حتّى يكونوا عبرة لغيرهم؟ بمعنى كلّ المفكّرين الذين يطمحون لتجاوز أنماط تفكير "شيوخ الإسلام" التي صدِئَت، ابتداءً من الأجيال الأولى التي أسّست المذاهب الفقهيّة وأصّلت الأصول إلى دُعاة الظّلاميّة المعاصرة، الجديدة المتجدِّدة، التي تزعّمها محمّد بن عبد الوهّاب، وحسن البنّا، وتمتدّ اليوم في الحركات الجهاديّة المُعْلَنة والمتخفيّة في شتّى أنحاء العالم ... إلخ؟كيف لنا ألاّ نلاحظ أنّه إذا لم تعد "حريّة التّفلسُف" ممنوعة في الدّول الديمقراطيّة المتقدِّمة، فإنّها للأسف الشّديد ظلّت في بلداننا حظرا محظورا، تُفهَم باستمرار على أنّها أداة شيطانيّة تُستَعمل للطّعن في المقدّسات ونسف أسس العقيدة الإسلاميّة برمَّتها وخاصّة المساس بنبيّ الإسلام وقدسيّته. إذ كيف لنا أن نفسِّر أنّنا لم نشاهِد أيّ نظام عربيّ حتّى في فترة ما بعد الاستعمار وبناء الدّولة الوطنيّة الحديثة إلى يومنا هذا لم يتجرّأ أبدا على الخروج، عدا نظام بورقيبة في تونس بشكل جدّ محتَشم، على المرجعيّة الدينيّة الإسلاميّة. إنّ جلّ دساتير هذه البلدان، إن لم نقل كلّها، تُشير من قريب أو بعيد إلى الدّين؛ فحتّى الدّستور اللّبناني الذي يكتفي في مقدّمته (الفقرة ب) بالإشارة إلى أنّ "لبنان عربيّ الهويّة والانتماء"، دون الإشارة إلى مرجعيّة دينيّة مُعيَّنة بحكم نظامه الطّائفي، إلاّ أنّه في مادّته التّاسعة بعد أن يؤك ......
#كتاب
ُنِع
#الجحيم

لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=744024
ناصر بن رجب : كتاب صُنِع في الجحيم 2
#الحوار_المتمدن
#ناصر_بن_رجب محنة سبينوزا ونشأة العَصر العَلمانييشكِّك بعض الباحثين في مصداقيّة شهادة لوكس (Lucas)، غير أنّ العرض الذي يقدِّمه يصبّ في نفس المنحى الذي تذهب إليه وثيقة أقدَم، حُرِّرت بعد قليل من إصدار الحِرْم، والتي لم يُعثَر عليها في الارشيفات إلاّ في منتصف الخمسينات من القرن الماضي. كان الأخ توماس صولانو إي روبلاس (Tomas Solano y Robles)، وهو راهب أغوسطيني، متواجدا في مدريد عام 1659، بعد عودته بقليل من رحلة قادته إلى آمستردام في أواخر عام 1658. لقد كان رجال محاكم التّفتيش الإسبان يُتابعون عن كثب ما كان يجري عند قدماء المسيحيّين الجدد الذين أصبحوا يعيشون الآن في شماليّ أوروبا؛ وكان معظم هؤلاء قد سكنوا في أراض كانت تحت قضاء هؤلاء المفتِّشين ولا زال لهم فيها أهل أو صلات تجاريّة في شبه الجزيرة الإيبيريّة. قام المفتّشون باستجواب الأخ الرّاهب ورجل آخر سافر هو أيضا إلى الأراضي المنخفضة، وهو الكبتن ميغال بيريس دي ملترانية (Miguel Perez de Maltranilla)، والذي أقام في آمستردام في نفس المنزل الذي أقام فيه الأخ توماس وفي نفس الفترة أيضا. أكّد الرّجلان أنّهما التقيا في آمستردام بسبينوزا ورجلٍ آخر يدعى خوان دي برادو (Juan de Prado) الذي أُقصِي هو أيضا من الطّائفة اليهوديّة بعد مدّة قصيرة من الإقصاء الذي تعرّض له سبينوزا. لقد روى هذان المارقان للأخ توماس أنّهما كانا يتّبعان الشّريعة اليهوديّة ولكنّهما "غيَّرا رأييْهما" فوقع طردهما من الكنيس بسبب تصوّراتهما عن الرّب، وعن الرّوح والشّريعة. فقد كانا، حسب المجمع الدّيني، قد "بلغا حدّ الإلحاد". وحسب شهادة توماس، صرّح الرّجلان أنّ الرّوح ليست خالدة، وأنّ شريعة موسى لم تكن "حقيقيّة" وأنّه لا وجود للرّب إلاّ "فلسفيًّا". أكّد الرّاهب ملترانيا أن سبينوزا وبرادو صرّحا أنّ "الشّريعة [...] كانت مزيَّفة".آخر شاهد في هذا الموضوع هو دفيد فرانكو منديس (David Franco Mendes)، الشّاعر المؤرِّخ للجالية اليهوديّة البرتغاليّة في آمستردام. فبالرّغم من أنّه كتب شهادته بعد شهادة لوكس بسنوات عديدة فإنّ نصّه يشكِّل خلاصة موثوقا فيها لما جمّعَه من أرشيفات الجالية اليهوديّة وذاكرتها. فهو يؤكِّد، في تقريره المقتضب للقضيّة أن سبينوزا لم يكن فقط قد انتهك حرمة السّبْت (Shabbat) وخرَق الشرّائع التي تنظِّم الشّعائر الدينيّة ولكنّه أيضا كان مليئا بالأفكار "الإلحاديّة" ولذك فقد وقعت معاقبته بناء على ذلك."لا وجود للرّب إلاّ فلسفيّا"، "الشّريعة مزيّفة"، "الرّوح غير خالدة". هذه المقولات هي بالأحرى مقولات فضفاضة وغير دقيقة ولا تستوجِب عادة أكثر من مجرّد التّهمة المعروفة والغامضة، تهمة "الإلحاد". غير أنّنا في حالة سبينوزا لدينا، من مصادر أخرى، ما يكفي من المعلومات لكي نفهم ما كان يَقصِد به من وراء هذه التّعابير التي تنمّ بالتّأكيد عن المفاهيم التي على الأقل يكون قد شرع في بلورتها في كتاباته بعد خمسة أعوام من الحِرْم الذي سُلِّط عليه. ليس من المؤكّد على الإطلاق أن نجد في هذه النّصوص ما كان يقوله سبينوزا بالضّبط داخل الجالية اليهوديّة، غير أنّ تقرير لوكس وشهادة الأخ توماس يشيران أنّ سبينوزا، في أواسط خمسينات القرن، كانت تراود ذهنَه ويكاد ينطِق بها لسانُه منذ ذلك الوقت، العقائد الميتافيزيقيّة والأخلاقيّة والدينيّة التي سنجدها لاحقا في أعماله الفلسفيّة التي كتبها زمن نضجه الفكري.لقد تقبّل سبينوزا، حسب ما رواه لوقس، قرار إقصائه دون أن تطرف له عين. فقد قال سبينوزا حسب كاتب سيرته: "عظيم جدّا، لا يمكن أن أجْبَر على شيء لم أكن قد قمت بفعله من تلقاء نفسي، ......
#كتاب
ُنِع
#الجحيم

لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=744331
ناصر بن رجب : كتاب صُنِع في الجحيم 3
#الحوار_المتمدن
#ناصر_بن_رجب كتاب صُنِع في الجحيممحنة سبينوزا ونشأة العَصر العَلمانيالفصل الثانيالمشكلة اللاّهوتيّة-السياسيّةفي بداية ربيع عام 1661، كان هنري أولدنبورغ (Henry Oldenburg)، مراسل روايال سوسايتي (Royal Society) في إنجلترا، يقوم بواحدة من زياراته الدّوريّة إلى القّارة. عند مروره بآمستردام وليدن قام بزيارةٍ لأصدقاء قدامى، كما قام بربط علالقات جديدة بهدف توسيع دائرته من معارف ومشتَغِلين في المجال العلمي. وخلال مدّة إقامته في جمهوريّة المقاطعات المتّحدة [وهي سبع مقاطعات، أكبرها مقاطعة هولندة]، وصل إلى مسامعه حديث عن فيلسوف شابّ ذي موهبة كبيرة كان يعيش من صَقْل العدسات البلّوريّة وعن إقصائه من الجالية اليهوديّة. كما قيل له أنّ هذا الفيلسوف الشّاب كان يسكن في آمستردام إلاّ أنّه غادرها وهو يقيم الآن في قرية صغيرة قرب ليدن. أثار ذلك فضول أولدنبورغ، لأنّه من ناحية أخرى كان قد سمِع بعمل هذا الشّاب على العدسات وانعكاس الضّوء، فغيّر مسار رحلته وقام بزيارة سبينوزا الذي كان يقطن منذ فترة قصيرة يقطن قرية رنسبورغ. تجاذب الرّجلان أطراف الحديث حول عديد المسائل المتعلِّقة بالفلسفة والعلوم بما في ذلك التطوّرات الأخيرة في الكيمياء وعلم البصريّات (ناقشا، من بين موضوعات أخرى، تجارب روبرت بويل Robert Boyle)؛ ثمّ سيُسفِر هذا اللّقاء عمّا قريب عن مراسلة مثمِرة بين الرّجليِن، أولى رسائل سبينوزا التي بحوزتنا هي سلسلة طويلة من الحوارات مع أولدنبورغ في خريف عام 1661. في إحدى هاته الرّسائل، يخاطب هذا الأخير سبينوزا قائلا: "أرجو أن تجمعني بك صداقة خالصة، وأن نرعاها معاً بعناية فائقة من خلال دراسات مشتركة وكلّ شكل من أشكال التّآزُر والتّعاون".ولكن بالرّغم من هذا الشّغف المبدئي لم يتبادَل الرّجلان، في السّنوات اللاّحقة، إلاّ مراسلة عرضيّة واحدة. كما أنّ الحرب الإنجليزيّة-النّييرلنديّة، التي اندلعت في مارس/آذار 1665، لم تساعد على تمتين أواصر هذه الصّداقة. مهما كان من أمر، وبالرّغم من صعوبة التّواصل بين لندن وفوربورغ أين يعيش سبينوزا، أخذ أولدنبورغ زمام المبادرة مرّة أخرى، في أفريل/نيسان من نفس السّنة، واستطاع أن يبعَث رسالة إلى الضفّة المقابلة من بحر الشّمال على أمل أن يستأنِف المراسلة من جديد مع سبينوزا والتحرّي فيما إذا كان سبينوزا "على قيد الحياة وفي صحّة جيّدة وإذا كان قد نسي أم لا صديقه القديم أولدنبورغ". لقد كان أولدنبورغ متعطِّشا لمعرفة مدى تقدّم عمل سبينوزا في كتاب "الأخلاق"، وغير أنّه بالتّأكيد يكون قد تفاجأ عندما علم أنّ صديقه كان قد تخلّى عن مواصلة الكتاب وترَكه جانبا لكي يجنِّد نفسه لمشروع يختلف تماما عن مشروع "الأخلاق"(1). في رسالة من لندن مؤرّخة في سبتمبر/أيلول 1665، يأخذنا الشّعور بأنّ لدى ألدنبورغ نوعا من التوجُّس والحذر وذلك من خلال طريقة ممازحته لسبينوزا بسبب قراره التطرّق لمواضيع جديدة وربّما تكون أكثر خطورة؛ إذ يقول له "أرى أنّك الآن لم تعد تتفلسف بقدر ما أصبحت، إن صحّ التّعبير، تتكلّم(2) لأنّك بصدد تحرير أفكارك عن الملائكة، والنبوّة، والمعجزات". يشرح سبينوزا في ردّه على أولدنبورغ الأسباب التي دفعته إلى تغيير مشاريعه:"إنّني أؤلِّف الآن رسالة في الطّريقة التي أفهم بها الكتابات المقدّسة؛ أمّا الأسباب التي أدّت بي إلى القيام بذلك فهي: 1) أحكامُ اللاّهوتيّين المُسبَقة، إذ أعتقد أنّ هذا هو الذي يشكّل العوائق الأساسيّة التي تمنع النّاس من الإنشغال بالفلسفة؛ ولهذا فإنّني أخذت على عاتقي عرض هذه الأحكام المسبَقة واجتثاثها من عقول العقلاء [prudentioru ......
#كتاب
ُنِع
#الجحيم

لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=744731
ناصر بن رجب : كتاب صُنِع في الجحيم 4
#الحوار_المتمدن
#ناصر_بن_رجب كتاب صُنِع في الجحيممحنة سبينوزا ونشأة العَصر العَلمانيالفصل الثاني (تتمّة)المشكلة اللاّهوتيّة-السياسيّةرسالة في اللاّهوت والسّياسة، مثل رسالة سبينوزا، هي، على عدّة أصعدة، نتاج محض لبداية العصر الحديث (أي الفترة التي تلت مباشرة العصر الوسيط). ذلك لأنّ الموضوع الذي تتناوله-المسألة اللاّهوتيّة السياسيّة- قد برز في أوروبا وأصبح مُلحّا في فترة سياسيّة ودينيّة مفصليّة في مجتمع القرن السّابع عشر. لقد كان قادة تلك الفترة يسعون إلى استخدام الدّين في شكل كنيسة رسميّة بغية توطيد دعائم أنظمتهم وتمتين الرّوابط بين رعاياهم من خلال معتَقد طائفي. ولكنّ استراتيجيا كهذه لم تكن حتما جديدة في حدّ ذاتها، إذ أنّها كانت جزءًا من السّلطة الملكيّة والامبراطوريّة طيلة أواخر العصر القديم والعصر الوسيط، غير أنّ القرنيْن الخامس والسّادس عشر كانا مسرحا لتحوُّل الممالك الصّغيرة والإمارات تدريجيّا إلى الدُّول القوميّة، وإلى تمركُز السّلطة السياسيّة على أراضٍ أوسع في حين أنّ الإصلاح الأوروبيّ كان قد أدخل تنوّعا دينيّا كبيرا (وانشقاقا) داخل الشّعوب. وقد حثّ هذا الوضع الجديد أكثر فأكثر الحكَّامَ على توظيف الدّين لخدمة الوحدة الوطنيّة والولاء السياسيّ. وكما قال أحد المؤرِّخين: "الدّين المشترك كان يُفتَرض فيه أن يُوثِّق الرّابط بين الحكّام والمحكومين في كنف العناية الرّبّانيّة التي تتوقّف على حياة دينيّة منظَّمة تحكمها عقيدة صحيحة من خلال تنظيم كنسيّ مُحكَم التّنظُّم، وشعائر عامّة صحيحة وتَقْوى الشّعب"(1).كان من الواجب، مع ذلك، الاضطلاع بهذه الاستراتيجيا بعناية فائقة وتوازن لا اختلال فيه. فمهما بلغت درجة فائدة الدّين لغايات سياسيّة فإنّ وجود كنيسة لها سلطة طاغية كان من شأنه أن يشكِّل عقبة وحتّى خطرا بالنّسبة لنظام لائكي، أي سلطة بديلة داخل سلطة أخرى. بالفعل، وفي أواسط القرن السّابع عشر تقريبا، وبالخصوص في جمهوريّة مثل جمهوريّة المقاطعات المتّحدة أو في كيان دستوري مثل انجلترة، كانت المؤسّسات اللاّئكيّة قد بدأت تنظر بعين الرّيبة والحذر إلى تجاوزات الكنيسة لبسط نفوذها على الحياة المدنيّة. فاللّيبراليون النييرلنديّون مثلا، مع بقائهم أعضاء موالين بإخلاص للكنيسة الإصلاحيّة، فإنّهم ظلّوا دائما على يقظة وفي حيطة من منافسيهم الأشدّ أرثوذكسيّة ومُحافظةً والذين كانوا يسعون ليجعلوا من الجمهوريّة دولة كلفينيّة بأتمّ معنى الكلمة. وفي ذات الوقت، كانت السّلطة الدينيّة، التي بلغت أوجه تأثيرها السياسيّ والإجتماعي في أوربا القرون الوسطى، تخشى من الآن فصاعدا أن يقع تهميشها من طرف سلطة سياسيّة مستقلّة أكثر فأكثر. كان قادة الكنيسة يَعُون جيّدا أنّهم بدأوا يفقدون شيئا فشيئا سيطرتهم على حياة المواطنين العاديّين.بطبيعة الحال، كانت المساندة والرّعاية اللّتان يتمتّع بهما الدّين الرّسميّ في ظلّ دولة طائفيّة مُرحَّباً بهما، إلاّ أنّ رجال الدّين، المتعطِّشين دوما لممارسة تأثير سياسي وأخلاقي أكبر، كانوا لا يكتفون بذلك بل كانوا أيضا يصارعون من أجل استعادة هذا التّأثير بشتّى الطّرق.كلّ هذه التطوّرات التّاريخيّة هي التي حفزت ظهور تحليلات نظريّة أكثر إسهابا حول دور الدّين داخل الدّولة. ففي التّنافس بين السّلطات المدنيّة والدّينيّة للاستيلاء على سلطة الدّولة، مثل السّيطرة على قلوب وعقول (وأيضاد أجساد) المواطنين، قام مفكِّرون من الجانبيْن بإثارة مسألة ما يجب أن تكون عليه العلاقة الملائمة بين اللاّهوتي والسياسيّ. فهل يجب على السياسي أن يكون خاضعا للّاهوت، ممّا يتمخّض عنه أمّة ......
#كتاب
ُنِع
#الجحيم

لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=745025
ناصر بن رجب : كتاب صُنِع في الجحيم 5
#الحوار_المتمدن
#ناصر_بن_رجب محنة سبينوزا ونشأة العَصر العَلمانيالفصل الثالثرسفيّيس [Rasphaïs]في القرون الوسطى، كان جزء من سور آمستردام الخارجي تُحيط به قناة، أُطلِق عليها اسم "سينغل" [Singel]، أي الحزام، كانت عبارة على خندق عريض يحمي المدينة من الغرب، والجنوب والشّرق. في أواسط القرن السّابع عشر، أهّلت البلديّة مناطق المستنقعات المحيطة بالمدينة حتّى يمكن لها توطين سكّان ما انفكّ عددهم يتزايد باستمرار؛ وبهذا تكون قناة سينغل أوّل قناة من عدّة قنوات دائريّة متتالية مشكِّلة سلسلة طويلة من الأحزمة المائيّة حول الأحياء الغنيّة.تنطلق قناة سينغل من خليج نهر هاي، وهي تجري اليوم على امتداد نصف دائرة مارّة بمحاذاة سوق الزّهور في آمستردام والحيّ الأحمر الشّهير. قبل أن تجتاز حيّ مونتبليْن بقليل والارتماء في نهر آمستيل، تمرّ على طول شارع ضيّق يُسمّى هايليغويع (Heiligeweg). هذا الشّارع، من سنة 1596 إلى منتصف القرن التّاسع عشر، عرف نوعا مّا بعضا من الشهرة من حيث أنّه كان يَأوي إصلاحيّة آمستردام (سجن الأحداث). هذه الإصلاحيّة، التي حلّت محلّ الدِّير القديم لراهبات أخوات كلاريس الفقيرة الذي طهَّره الكلفانيّون، المعادون للأيقونات في القرن السّادس عشر من كلّ آثار الكاثوليكيّة، وهو عبارة على مبنى كبير ومستطيل له باحة داخليّة كانت تشرِف على كلّ المنازل المحيطة به، هذا إذا صدّقنا ما تُظهِره خرائط تلك الفترة.للوصول إلى الباحة الدّاخليّة لهذا السّجن كان من الضّروري العبور من مدخليْن. المدخل الخارجي كان مغطّى بنقوش من القرن السّادس عشر نحتها الفنّان هيندريك كيزر الذي كان يُكنّى بـ"ميكيل-أنجيلو آمستردام"، وهذه النّقوش كانت تمثّل سائق عربة ممتلئة بالحطب شاهرا سوطه على أُسود وحيوانات برّية أخرى كانت تجرّ المَوكِب. نُحِتَت على الرّخام فوق هذه اللّوحة عبارة للفيلسوف لوكيوس سينيكا (Seneca) باللّغة اللاّتينيّة: "جوهر الفضيلة هو ترويض تلك الأشياء التي يخافها الجميع" (Virtutis est domare quae cuncti pavent). في نهاية القرن السّابع عشر وفوق هذه العبارة وُضِع مجموع ضخم من النّحوت يمثِّل "عذراء آمستردام" حاملة درعها المزخرف بشعار المدينة وهي تكبح جماح سجينيْن مُكَبّليْن بالسّلاسل، وتحتها مباشرة كُتِب الشّار "عقوبة تأديبيّة" (Castigatio).في الواقع، لم تكن الإصلاحيّة قد صُمِّمت في الأصل كسجن تُطبَّق فيه العقوبات التّأديبيّة ولكن كمأوى للإصلاح الأخلاقي وتربية روحانيّة ثانية. فالوثيقة التّأسيسيّة لهذه المُنشَأة تنصّ على أنّ الغاية هي: "عدم تسليط عقاب مؤلِم ولكن تحسين وضعيّة أولئك الذين لا يفهمون فائدة مثل هذا التّحوّل ويسعون لتفاديه، وإعادة تأهيلهم". كان القصد من ذلك تلقين الفضيلة للحَضَريّين الذين يحيدون عن الصّراط المستقيم وبالخصوص منهم: "الشّباب الذين يختارون طريق الضّلال ويمدّون رقابهم لحبل المشنقة، وذلك لإنقاذهم والسّير بهم نحو عمل شريف، ممارسين مهنتهم في كنف خشية الرّب". في أواسط القرن السّابع عشر، تغيّر الوضع وأصبحت الإصلاحيّة صراحة مجرّد سجن مخصّص للمجرمين والمنحرفين من جميع الأصناف المحكوم عليهم بالأشغال الشاقّة. فقد حُشِر بين جدرانها اللّصوص، والشحّاذون، ومدمِنو الكحول، والأزواج العنيفون والقَتَلة. لم تكن إدارة السّجن تفرّق أبدا بين أعمار المحكوم عليهم ولا بين طبيعة الجرم الذي اقترفوه. في عام 1650 كان السّجن يحتوي على أكثر من مائة سجين، نجد من بينهم المجرمين العنيفين إلى جانب آخرين غير عنيفين، ولصوصا نشّالين من الأطفال والشّباب وأيضا أشخاصا لم يسدّدوا ديونهم، وبعض هؤل ......
#كتاب
ُنِع
#الجحيم

لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=745341
ناصر بن رجب : كتاب صُنِع في الجحيم 6
#الحوار_المتمدن
#ناصر_بن_رجب كتاب صُنِع في الجحيممحنة سبينوزا ونشأة العَصر العَلمانيالفصل الثالث (تتمّة)رسفيّيس [Rasphaïs]أثّر موت أدريان كورباخ في سبينوزا تأثيرا بالغا. لقد كان الأخوان كورباخ يتردّدان على الحلقة الفلسفيّة في آمستردام التي كان الفيلسوف باتّصال دائم بها، حتّى عندما كان يسكن قرية فوربورغ، وكان أعضاء هذه الحلقة التقدّميّون يناقشون فيما بينهم عدّة قضايا من بينها كُتَبه (ومنها مخطوطة كتاب الأخلاق). ليس من المستبعد أن يكون الأخوان كورباخ من بين أكثر أعضاء المجموعة راديكاليّة فيما يتعلّق بالمسائل الدّينيّة والسّياسيّة. بالإضافة إلى ذلك، كان سبينوزا وأدريان صديقيْن حميميْن. ومن المُرجّح أن يكونا قد التقيا في ليدن في نهاية سنوات 1650 أو سنوات 1660 عندما كان أدريان يدرُس الطبّ في الجامعة، في حين كان سبينوزا يعيش في قرية رينسبورغ المجاورة. بل من الممكن أن يكون كلاهما قد حضر الدّروس حول ديكارت التي كان يلقيها يوهنّس دي راي (Johannes de Raey) الإستاذ في كليّة الطّب. كما كانت لهما علاقات جيّدة بعديد الأشخاص من بينهم فرنسيسكوس فان دان آندن (Franciscus van den Enden) الذي كان أوّلَ مَن درّس سبينوزا الّلغة اللّاتينيّة والفلسفة.يبدو إذاً أن سبينوزا وكورباخ كانا قد ربطا، في أواسط سنوات الستّينات تقريبا، علاقة فكريّة وثيقة جدّا ومُثمِرة لكلا الطّرفيْن. لقد كان سبينوزا يُشاطِر أفكار أدريان السّياسيّة وموقفه من الأديان المنظَّمَة، في حين انّنا نعثُر في تصوّرات أدريان حول الرّب والطّبيعة على العناصر المميِّزة لنظريات سبينوزا الميتافيزيقيّة التي عبّر عنها في رسالته اللّاهوتيّة-السّياسيّة. وكما سنرى لاحقا، يمكننا أن نلاحظ أنّ رسالة سبينوزا تقدِّم من جانبها كثيرا من العناصر المشترَكة مع آراء كورباخ بخصوص الدّولة والكتب المقدّسة، أي بمعنى آخر تلك المواضيع التي كان الشّابّان، في مناسبات عدّة، قد ناقشاها مطوَّلا(1). لا مجال للشّك في أنّه كان بين كورباخ وسبينوزا تقاربات روحانيّة حقيقيّة حول المسائل الفلسفيّة، واللّاهوتيّة والدّينيّة.وهذا هو الشّيء الذي كانت السّلطات قد أدركته تماما، إذ أنّ فكر سبينوزا الرّاديكالي بما في ذلك أفكاره بخصوص البيْبل، كانت في عام 1668 معروفة إلى حدّ مّا وبدأت تشكّل بعض التّخوّفات، حتّى وإن لم يكن قد نَشر إلى حدّ تلك السّاعة غير عرْضه النّقدي لمبادئ ديكارت، إلى درجة أنّ مُستَجوِبيّ كورباخ كانوا طيلة استنطاقه يبحثون عن وجود علاقات ممكِنة يكون قد وطَّدها مع اليهوديّ المُقصى من طائفته. وفي ما يتعلّق بالسّؤال الذي طُرِح على أدريان بخصوص مَن هم الأشخاص الذين كان يشاطرهم أفكاره، كان ردُّه يبدو غير مقنِع تماما:"لا أحد، حسب علْمي. ثم أضاف بأنّه لم يتكلّم في ذلك مع أبرهام فان بيركِل (Van Berckel) [وهو صديق آخر لسبينوزا كان قد ترجم كتاب هوبز "الّليفياثان" إلى اللّغة النييرلنديّة]، ولا مع أيّ شخص آخر، ولا حتّى مع سبينوزا أو مع أخيه [يوهنِّس]. أقرَّ أنّه أمضى بعض الوقت مع سبينوزا، وأنّه زاره في منزله في مناسبات عدّة، ولكنّه لم يتحدّث معه في هذا الموضوع على الإطلاق [...]. كما اعتَرف المتَّهَم بأنه كان باتّصال مع فان بيركِل وآخرين، ولكنّه أكّد أنّه لم يتحدّث أبدا مع سبينوزا حول هذه الأطروحات"(2).فَقدَ سبينوزا، بموت كورباخ في أواخر عام 1669 صديقا عزيزا، ورفيقَ درب في عالَم الفلسفة والسّياسة، وحليفا شُجاعا في حمْلَته ضدّ التعصُّب والخرافة. لم تكن بالنّسبة له تراجيديا شخصيّة، بل كان أيضا يعتبِر أنّ إيقاف كورباخ وإدانته يُمثِّلان خ ......
#كتاب
ُنِع
#الجحيم

لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=745614
ناصر بن رجب : كتاب صُنِع في الجحيم 7
#الحوار_المتمدن
#ناصر_بن_رجب محنة سبينوزا ونشأة العَصر العَلمانيالفصل الرّابعآلهة وأنبياءفي أواسط القرن السّابع عشر، يبدو أنّ الحروب الدّينيّة التي عصفت بأوروبا على إثر الإصلاح الدّيني كانت قد وضعت أوزارها، على الأقلّ إذا اقتصرنا على المعاهدات المبرَمة والإتّفاقيات السوسيو-سياسيّة المختلفة. في الواقع، ظلّت تداعياتها ملومسة طيلة عقود عديدة. اختلافات دينيّة كانت تؤجِّج تناحرات سياسيّة بين القوى العظمي في تلك الفترة، وبالخصوص فرنسا، وانكلترا، وإسبانيا والأراضي المنخفضة، وبارتداد عكسي كانت هذه البلدان تُهيِّج الخلافات اللّاهوتيّة. إنّ نقطة الاتّفاق الوحيدة بين الكاثوليك، والإنجليكان، واللّوثريّين، والكلفانيّين كانت تتمثّل في تشخيص الخطر الحقيقي على المجتمع وعلى أرواح أعضاء هذه الكنائس في أعمالٍ "كافِرة" على غرار رسالة سبينوزا في اللّاهوت والسّياسة وكتاب اللّيفياثان لتوماس هوبز.كان سبينوزا يعتقد أنّه يمتلك الجواب الفلسفي المقنِع على الإتّهام الذي وُجِّه له باعتباره رجلا معاديا للدّين وملحدا غايته تقويض التّقوى والأخلاق. الرّسالة، مثل كتاب الأخلاق، هي دفاع عمّا كان سبينوزا يعتبره "الدّين الحقّ"، والذي يعرِّفه، كما سنرى لاحقا، على أنّه مجموعة مبادئ بسيطة تحدّد السّلوك الأخلاقي مصحوبة بمعرفةِ ما يمثّل أفضل شروط العيش لكائن بشريّ والوسيلة التي تؤدّي إلى بلوغها. فعِوَض أن يحدِّد الأسباب المعرفيّة والأخلاقيّة للتّقوى الحقيقيّة (محبّة الرّب) من خلال البرهَنة الهندسيّة الصّارمة كما فعل ذلك في كتاب الأخلاق، تعرّض سبينوزا لهذه المسألة في الرّسالة بواسطة تحليل نقديّ لما كان معاصروه يسمّونه "الدّين". فهو يركِّز اهتمامه بالخصوص على التّقاليد الدّينيّة الكبرى المُنظَّمة التي يبدو أنّها لم تكن مصدرا للسّلام والسّعادة بل بالأحرى مَعيناً لا يَنضَب للصّراعات والبؤس على مسار التّاريخ (بالخصوص في أوروبا بداية العصر الحديث). وبناء على ذلك، تبدو الرّسالة، أكثر بكثير من كتاب الأخلاق، عبارة على عمل جداليّ يناقش الأسس التّاريخيّة، والبسيكولوجيّة، النصيّة والسّياسيّة للدّين التّقليدي أو الشّعبي.قبل كلّ شيء، يصبّ سبينوزا اهتمامه ويركِّزه على اليهوديّة والمسيحيّة، أي ديانتيّن من بين التّقاليد الإبراهيميّة الثّلاث الكُبرى. فمنذ الطّرد النّهائي للمسلمين من إسبانيا في القرن الخامس عشر، والدّين المسيحي هو الذي يحكم الحياة الرّوحيّة (ناهيك عن حكمِه للحياة الدّنيا) في أوروبا الغربيّة. بالرّغم من أنّ اليهود لا زالوا رسميّا، خلال الجزء الأكبر من القرن السّابع عشر، منبوذين من عدّة دول أوروبيّة كإنكلترا وفرنسا وإسبانيا، فإنّنا نجد مجموعات يهوديّة هامّة كانت تقطن في إيطاليا والأراضي المنخفضة ومختلف المناطق الجرمانيّة وكذلك في عدّة جهات من أوروبا الوسطى والشّرقيّة. في مقدّمة الرّسالة، التي يبسط فيها لمحة عن التّاريخ الطّبيعي للدّين، يُعرِّف سبينوزا التّقاليد الثّلاثة الكبرى على أنّها جوهريّا ليست إلّا أشكالا من الخرافات المنظَّمة لا غير لا ترتكز على العقل بل على الجهل والإنفعلات وبالخصوص الرّجاء والخوف(1).هناك بُعْد خاصّ في حياة الكائنات البشريّة في هذا العالَم شغل على الدّوام الفلاسفة والشّعراء منذ ما قبل التّاريخ ألا وهو الدّور الذي يلعبه القدَر (القسمة والنّصيب) في سعادتنا. فنحن لا نملك إلاّ سيطرَة محدودة على ظروف وجودنا وبصفة خاصّة على ما يُصيبُنا من خيْر وشرّ على امتداد مسيرتنا على وجه البسيطة. كما أنّنا لا نملك على العموم القدرة على معرفة المدّة التي سنسعَد فيها بصحبة أشخاص ......
#كتاب
ُنِع
#الجحيم

لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=746172
ناصر بن رجب : كتاب صُنِع في الجحيم 8
#الحوار_المتمدن
#ناصر_بن_رجب كتاب صُنِع في الجحيممحنة سبينوزا ونشأة العَصر العَلمانيالفصل الرّابع (تتمّة 1)آلهة وأنبياءإنّ الأديان المنظَّمة التي تسبّبت، في نظر سبينوزا، في الكثير من النّزاعات على مستوى المجتمَع وصيّرت العقول البشريّة إلى حالة من العبوديّة، هي أيضا مبنيّة على رؤية متفرِّدة حول أصل المعرفة الدّينيّة والطّريقة التي يتمّ بها إيصال الحقائق الإلهيّة إلى البشر. ففي قلب كلّ الأديان والتّقاليد الإبراهيميّة نجد "النّبوّة"، بمعنى آخر فكرةٌ مفادها أنّ بعض الأشخاص يتمتّعون بموهبة خاصّة يستطيعون بها تلقّي كلام الرّب وتبليغه للنّاس. وعلى غرار القدرة التي كانت تُنسَب في العصر الوثني ما قبل التّاريخ للكهَنَة والعرّافين فإنّ هذه المَلَكة تُقدَّم عامّة على أنّها القدرة على النّفاذ إلى معلومات ليست في متناول الآخرين وغير متاحة لهم ولا يمكن الحصول عليها بالوسائل العاديّة. فالنّبيّ إمّا أن يكون ذاك المُتلقِّي للوحي الإلهي مباشرة أو عبر وساطة ملائكيّة، أو أن يكن مجرّد مُترجِمٍ مُلْهَمٍ للآيات التي بعث بها الرّب إلى الجنس البشري. يمكن أن يكون له كذلك علْم حقيقي بالغيب أو يمتلك المؤهِّلات، وهي أقلّ عِصمَة ولكنّها مع ذلك تبقى جديرة بالثّقة، ليتكهّن بما ستتمخّض عنه أحداث المستقبل، مستندا ربّما على قدرة خاصّة على قراءة وتفسير معنى ظواهر ووقائع ماضية وحاضرة. يمكن اعتبار القدرة النبويّة في بعض الجوانب بمثابة هِبَة خارقة للطّبيعة أو كنيتجة لمدارِك طبيعيّة(1). يمكن أن تصل الأخبار إلى النبيّ عبر رؤى أو أحلام أو، وهو شيء نادر، نتيجةَ لقاء مباشر مع الرّب نفسه.من بين أنبياء الدّين اليهودي، نجد أنّ موسى هو النبيّ الوحيد الذي يُفتَرَض أنّه كلّم الرّب مباشرة، وجها لوجه؛ أمّا الآخرون فقد تلقّوا نبوءاتهم من خلال رؤى أو أحلام، عبر صُوَر أو أصوات. ويقول لنا المأثور الإسلامي إنّ أوّل الوحي نزل على محمّد بواسطة الملاك جبريل. في المسيحيّة، تُعتَبر قدرات يسوع النبويّة على أنّها قدرات فريدة من نوعها على الإطلاق، إذ يجب أن يكون، بصفته كإنسان، متماهيا مع الرّب. فموسى، وعيسى، ومحمّد كان كلّ واحد منهم مكلَّفا بإيصال شريعة الرّب السّامية للشّعب، في حين أوكِلت لأنبياء آخرين مهمّة تفسير هذه الشّريعة، يُبشِّرون أولئك الذين يؤمنون بها ويتّبعونها بثواب ونِعَم الآخرة، وينذِرون الكافرين بها مغبّة عقاب يوم عظيم.ولنا مثل على ذلك، عندما تكلّم حزقيال باسم الرّب مُعلِناً أنّ مملكة يهوذا "المتمرِّدة" سينالها العذاب بسبب "القبائح العظيمة" التي ترتكبها، وبالخصوص عبادة الأصنام التي كان شعبها ما انفكّ يمارسها حسب عادة آبائه وأجداده. وهو يتنبَّأ بسقوط أورشليم الحتميّ وإجلاء بني إسرائيل من أرضهم، وهما الشّيئان اللّذان قام بهما البابليّون عام 586 قبل الميلاد:"هكذا قال السَّيِّد الرّب: أتكونون تتنجّسون في طريق آبائكم وتزْنَوْن بالسَّير وراء أقْذارِكم، وبتقديم عطاياكم وتَمْريِر أَبْنائِكم في النّار؟ [...]وأُمرِّركم تحت العصا، وأُدْخِلكم في رباط العهْد، وأَفرِز عنكم المتمرِّدين والعاصين عليّ وأخرِجهم من أرض غربتهم، لكنّهم لا يدخلون أرضَ إسرائيل، فتعلَمون أنِّي أنا الرّب" (حزقيال، 20، 30-31، 37-38).يُعلِن النبيّ حزقيال للشّعب غضب الرّب والعقاب الشّديد الذي يوشِك أن يسلِّطه عليه:"وقُلْ لأرضِ إسرائيلَ: هكذا قال الرّب: هاءَنَذا عليْكِ فأُجرِّد سيفي من غمده وأَقرِضُ منكِ البارَّ الشِّرِّير. لأنّه لأَقرِضَ منكِ البارَّ والشِّرِّيرَ يَتجرَّدُ سيفي من غمده على كلِّ بَشَر مِنَ النَّقَب ......
#كتاب
ُنِع
#الجحيم

لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=746360
ناصر بن رجب : كتاب صُنِع في الجحيم 9
#الحوار_المتمدن
#ناصر_بن_رجب محنة سبينوزا ونشأة العَصر العَلمانيالفصل الرّابع(نهاية الفصل)آلهة وأنبياءيُجنِّد سبينوزا، في رسالة اللّاهوت والسّياسيّة، كلّ ما أوتي من قوّة لدحض مفهوم "النّبيّ-الفيلسوف" هذا الذي رأينا أعلاه كيف أنّ ابن ميمون دافع عنه بكلّ حماسة. إنّ إحدى غايات الرّسالة هي التّأكيد على ضرورة الفصل بين حقل الدّين وحقل الفلسفة حتّى يتسنّى للفلاسفة أن يكونوا أحرارا في المضيّ قدما في ممارسة المعرِفة الدّنيويّة دون أن تُكبِّلهم أغلال السّلطة الكنسيّة. ولهذا، فبين الحقيقة الفلسفيّة والعقيدة الدّينيّة، في مفهوم سبينوزا،لا يوجد أيّ شيء مشترك، فلا يجب أن تُستَخدَم إحداهما كأنموذج للأخرى. فلا الفلسفة عليها أن تَكفَل الدّين، ولا الدّينُ أن يتوافَق مع أيّ نظام فلسفيّ مهما كان.على أيّة حال، ومن حيث أنّ ابن ميمون مُصيب في وصف النبوّة، وأنّ تحليله لدور العقل والمخيَّلة موجود عند فلاسفة آخرين في العصر الوسيط، فإنّ محتوى النبوّة يكون، على الأقل في جانب منه، محتوى فلسفيّاً. فالفيلسوف والنبيّ، في نظر ابن ميمون، ينقلان سويّةً وبنفس القدر حقائقَ، وهي فعليّا، نفس الحقائق. وبما أنّ حقيقة مّا تكون بالضّرورة متَّسِقة مع حقائق أخرى، يجب إذاً على الفلسفة والنّبوّة، عندما يتمّ إدراكهما إدراكا جيّداً، أن تكونا دائما متوافقتيْن. ولذلك نرى ابن ميمون يتصوّر أنّ الحقيقة الفلسفيّة والحقيقة المنزَّلة لا يدخلان مطلقا في صراع فيما بينهما. وبناء على ذلك، يجب أن تُقرَأ النّصوص النبويّة على نحوٍ لا يتعارض مع مبدإ فلسفيّ مُبرهَن. وبنفس الصّورة، يجب على الفيلسوف أن يحترِم دائما كلّ ما يجود به الوحي حتّى ولو أنّ أقوال الأنبياء يجب تأويلها أحيانا في معناها المجازي عندما تكون قراءتها الحرفيّة قد تتعارض مع حقيقة فلسفيّة مُثْبَتة.لكي يبلُغ غايته، كان على سبينوزا إذاً أن يبيِّن وجود فارق جوهريّ (وليس فقط من حيث الطّرح) بين الأخبار التي ينقلها الوحي أو التكهّن والمعرِفة التي هي نتاج الفلسفة.تظلّ هناك نقطة مهمّة كان سبينوزا متّفقا فيها مع ابن ميمون، نقطة يسوِّغها لصالحه الخاصّ في الجدل. صحيح أنّ أنبياء البيْبل العبري، حسب برهَنة سبينوزا، كانوا بالفعل، كما يُقِرّ بذلك ابن ميمون، رجالا وُهِبوا خيالا واسعاً، وذلك بدون أن يتلقّوا تعلُّما في العلوم النّظريّة، بل نرى الكثير منهم لم يتلقّوا أيّ بصيص من التّعليم. ولذلك، لا يجب اعتبار بياناتهم على أنّها مصادرُ لحقيقة لاهوتيّة، فلسفيّة، علْميّة أو تاريخيّة. إنّ غاية سبينوزا من وراء مناقشته للنّبوّة هي إذاً الحطّ من قيمتها المعرفيّة، وبالخصوص فيما يتعلّق بالفلسفة والعِلْم. وعليه، فإنّ الوحي كما يقدِّمه البيْبل، حتّى وإن كانت له وظيفة اجتماعيّة وسياسيّة في غاية الأهميّة، فهو لا يمكن أن يكون مصدرا للحقيقة.يُعرِّف سبينوزا "النبوّة أو الوحي"، على أنّها "المعرفة اليقينية التي يُوحي الله بها إلى البشَر عن شيءٍ مّا"(1). من الوهلة الأولى، يبدو لنا هذا التّعريف تقليديّا جدّا بالرّغم من أنّه يبدو مُحيِّرا نوعا مّا بالنّسبة لمَن أَلِف مشروع سبينوزا الفلسفي والدّيني. فمنهجه الطّبْعي (naturalisme) الصّارم لا يعطي أيّ حظّ لأيّ ظاهرة خارقة للطّبيعة مهما كان نوعها. فكلّ ما يحدث إنّما يحدث في الطّبيعة الطّابعة وبها. وهكذا فإنّ أيّ معرِفة تَرِد إلى شخص مّا تكون متأتّية بالضّرورة من مادّةٍ طبيعيّة بشكل تامّ، لذلك ليس هناك أيّ استثناء ولا يجب له أن يكون. لا يوجد، في نظام سبينوزا، إلهٌ مفارِق يُخاطِب بطريقة خارقة للطّبيعة ووفقا للظّروف. مع ذلك، ......
#كتاب
ُنِع
#الجحيم

لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=746668
ناصر بن رجب : كتاب صُنِع في الجحيم 10
#الحوار_المتمدن
#ناصر_بن_رجب محنة سبينوزا ونشأة العَصر العَلمانيالمعجزاتعندما عُيِّن يوهان هاينريش مولّر (Jahann Heinrich Müller) أستاذا للفلسفة الطّبيعيّة والرّياضيات في جامعة آلتدورف، عنوَن درسَه الإفتتاحي "المعجزات" (De Miraculis)؛ وعرَّف فيه المعجزة كما يلي:"[...] هي عمليّة مّا غير عاديّة [...] تُحدِث أثَراً يستحيل تفسير عِلَّته (ratio) بأيّ حال من الأحوال بواسطة القوانين العاديّة للطّبيعة، وهذا الأثر يكون حتّى مخالفا لها على الإطلاق ويستلزِم جرّاء ذلك أن تكون هذه القوانين بالضّرورة مُعطَّلة بعض الوقت لتحلّ محلّها قوانين أخرى"(1).ويواصل مولّر درسه باحثا عن تحديد ما إذا كانت المعجزات ممكِنة من خلال هذا التّعريف الذي أوردناه أعلاه، ويهتمّ خاصّة بالكيفيّة التي يمكن بها لقوانين الحَرَكة أن تتعطّل. ثمّ يخرج في نهاية الأمر بنتيجة مفادها أنّ مثل هذا التّعطيل "ليس مستحيلا أبداً"، وذلك بما أنّ قوانين الطّبيعة هي نفسها وضعها الرّب وفرضها بصفة حرّة، وأنّها هي نفسها ضروريّة لِنُورِ قدرةِ الرّب المطلَقة، ناهيك عن الحديث عن حرّية الرّب وحكمته. وهو يؤكِّد أنّه "لا يمكن لأحد أن تُخالجه شكوك بخصوص امكانيّة حدوث المعجزات"(2). أَيُّ شخص! باستثناء سبينوزا، حيث يصفه بأنّه "أشهَر مُصلِحٍ ومروِّجٍ للأسطورة التي مفادها أنّ الرّب ليس مفصولا عن الكون"، وأنّه صاحب "فرضيّة فظيعة" في موضوع المعجزات"(3).هناك العديد من الأقوال الموجودة في "رسالة سبينوزا في اللّاهوت والسّياسة" كانت قد صَدمَت المشاعر الدّينيّة في عصره، ولكن ليس هناك ما هو أشدّ منها وقعاً من حيث تداعياته العميقة في عيون معاصريه، وأيضا في خُبثِة وأذاه (من وجهة نظر دينيّة)، أكثر من دراسته للمعجزات التي يتناولها في الفصل السّادس من كتابه. وكما لاحظ المؤرِّخ جوناثان إسرائيل: "لا يوجد أيّ عنصر آخر في فلسفة سبينوزا كان قد أثار مثل ذلك الإستياء والسّخط في عصره أكثر من إنكاره الرّاديكالي للمعجزات والماورائي"(4). فبما أنّه لم تحدث أيّة معجزة على الإطلاق، كما يدّعي سبينوزا، تُفهم على أنّها تدخّلات إلهيّة في مجرى الطّبيعة والتّاريخ البشري، فهذا من شأنه أن يُقوِّض أسُس مقولة العناية الإلهيّة نفسها، وأمّا القصص التي تروي الأحداث المُعجِزة في الكتب المقدّسة فهي ليست سوى حكايات خرافيّة. فعندما يصرِّح توماس هوبز، بعد أن قرأ الرّسالة، بأنّ كاتِب هذا العمل "كان قد ذهب أبعد منه بأشواط كبيرة لأنّه [أي هوبز] لم يتجرّأ على الكتابة بكلّ هذه الجرأة"، فإنّ ما أذهل أكثر هذا الأنكليزي الذي عادة ما يكون هادئا لا يتزعزع له بال، هو بالتّأكيد التّفسير الذي كان سبينوزا قد قدّمه عن المعجزات.****لقد كان الفلاسفة ذوو المنحى التّقدّمي في القرن السّابع عشر منخرطين في علْم الطّبيعة الجديد. فتفسيرات الظّواهر الطّبيعيّة في ميدان الفيزياء كانت بالنّسبة لمفكّرين أمثال غاليلي، ديكارت، هويغنس، بويلي، نيوتن وغيرهم، يُفتَرَض فيها أن تُصاغ فقط من حيث تحرّك المادّة. لقد تركوا وراء ظهورهم القدرات "الخفيّة" التي كان يعتمدها المنهج السكولاستي الأرسطي في العصر الوسيط والذي كان يفسِّر الظّواهر بالّلجوء إلى أشكال أو صفات غير مادّية تسكُن أجساما أو تحرّكها، وهي، كـ"أرواح صغيرة" (كما يقول ديكارت، وهو ناقد قاسٍ للنّظام السكولاستي)، كان من المفروض أنّها تحرِّك هذه الأجسام مثلها مثل الرّوح البشريّة التي يُفتَرض فيها أنّها تحرّك الجسم البشري وتسيِّره. من منظور الفلسفة الجديدة [الفلسفة الآليّة]، كلّ شيء يجب تفسيره في إطار الآليّات [قوانين السّببيّة]: إذ ......
#كتاب
ُنِع
#الجحيم

لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=747120