محمود شقير : ظل آخر للمدينة7
#الحوار_المتمدن
#محمود_شقير تركني أبي في متجر العم عايد الذي يبيع فيه القمح والشعير والعدس والأرز واللبن الجميد، في أول طريق الواد. وكان أبناء قريتنا الوافدون إلى المدينة، يتخذون من المتجر مقراً لهم، يكدّسون فيه مشترياتهم، ثم ينطلقون إلى المسجد الأقصى، أو إلى أي مكان آخر، ولا يعودون إليه إلا وقت التأهب لمغادرة المدينة. يتقبل العم عايد على مضض هذا الحضور الكثيف في متجره، ولا يخفف من وطأته على نفسه إلا إقبال أبناء القرية على شراء بعض احتياجاتهم منه.حينما عاد أبي إلى المتجر، وجدني نائماً في الزاوية البعيدة فوق أكياس القمح والشعير. أيقظني إيذاناً بالعودة إلى البيت. مشيت إلى جواره وسط حشد من الناس. انتبهت بعد وقت، ورحت أبحث عنه فلم أجده، ويبدو أنه سار وقتاً دون أن ينتبه لي. أصابني رعب. فها أنذا وحيد داخل بحر متلاطم من البشر الذين لا أعرفهم. تجمّدت في مكاني، وبكيت. ولم يطل بي الوقت حتى رأيت أبي يبحث عني، فمضيت معه وأنا متشبث به لا أفارقه.كدتُ أضيع مرة أخرى في المدينة، حينما أخذنا جدّي لأبي إلى دير للراهبات، يقع خارج باب الخليل، اعتاد الناس في قريتنا اصطحاب أطفالهم إليه، لتلقي العلاج، كلّما ألمت بهم الأمراض. أخذت أمي في ذلك اليوم شقيقتي لمعالجتها عند الراهبات، واصطحبتني معها.ثمة ردهة داخلية في الدير تغصّ بالأطفال والنساء اللواتي انهمكن، وهن ينتظرن أدوارهن، في أحاديث غامضة عن سوء الأحوال في البلاد. كان ثمة قلق يسيطر على النساء. فجأة، دوّى انفجار هائل أثار الرعب في نفوسنا، أغلقت إحدى الراهبات البوابة الحديدية الكبيرة، وفي الداخل اختلط عويل النساء ببكاء الأطفال. بقينا زمناً على هذه الحال، ثم سمعنا طرقات قوية على البوابة ولغط رجال. عرفتْ أمّي صوت جدّي وهو يناديها. جاء جدي وقد استأجر سيارة شحن صغيرة، صعدت نسوة كثيرات ومن بينهن أمي إلى صندوق السيارة الخلفي. اقترحت عليّ أمي في اللحظة الأخيرة أن أهبط من الصندوق الخلفي للجلوس في المقعد الأمامي عند جدي. ابتدأ السائق في تشغيل المحرّك. وقفتُ على الرصيف مرتبكاً. ناديت جدي الذي كان شارد الذهن، فلم يسمعني. كادت السيارة تتحرك. انتبه جدي فرآني على الرصيف. صعدت إلى جواره، وحينما اقتربنا من قصر المندوب السامي، كانت مصفّحة تسدّ الشارع.منعَنا عسكر الإنجليز من المرور. استدارت السيارة، وبعد وقت، انعطفتْ بنا نحو حيّ أبي ثور، ومن هناك هبطنا مشياً على الأقدام إلى بئر أيوب، ثم واصلنا السير إلى جبل المكبر (بوحي من هذه الحادثة كتبت قصة "متى يعود إسماعيل" التي نشرتها في مجلة الأفق الجديد عام 1963). وفيما بعد عرفتُ أن الانفجار الذي وقع ونحن في دير الراهبات، قامت به إحدى المنظمات الصهيونية، مستهدفة نسف فندق الملك داود الذي كان مقراً لإدارة الانتداب البريطاني، للتعجيل في رحيلها عن البلاد بعد أن أصبحت فكرة الوطن القومي لليهود، أمراً واقعاً لا يحتمل التأجيل. يتبع.. ......
#للمدينة7
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
http://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=683585
#الحوار_المتمدن
#محمود_شقير تركني أبي في متجر العم عايد الذي يبيع فيه القمح والشعير والعدس والأرز واللبن الجميد، في أول طريق الواد. وكان أبناء قريتنا الوافدون إلى المدينة، يتخذون من المتجر مقراً لهم، يكدّسون فيه مشترياتهم، ثم ينطلقون إلى المسجد الأقصى، أو إلى أي مكان آخر، ولا يعودون إليه إلا وقت التأهب لمغادرة المدينة. يتقبل العم عايد على مضض هذا الحضور الكثيف في متجره، ولا يخفف من وطأته على نفسه إلا إقبال أبناء القرية على شراء بعض احتياجاتهم منه.حينما عاد أبي إلى المتجر، وجدني نائماً في الزاوية البعيدة فوق أكياس القمح والشعير. أيقظني إيذاناً بالعودة إلى البيت. مشيت إلى جواره وسط حشد من الناس. انتبهت بعد وقت، ورحت أبحث عنه فلم أجده، ويبدو أنه سار وقتاً دون أن ينتبه لي. أصابني رعب. فها أنذا وحيد داخل بحر متلاطم من البشر الذين لا أعرفهم. تجمّدت في مكاني، وبكيت. ولم يطل بي الوقت حتى رأيت أبي يبحث عني، فمضيت معه وأنا متشبث به لا أفارقه.كدتُ أضيع مرة أخرى في المدينة، حينما أخذنا جدّي لأبي إلى دير للراهبات، يقع خارج باب الخليل، اعتاد الناس في قريتنا اصطحاب أطفالهم إليه، لتلقي العلاج، كلّما ألمت بهم الأمراض. أخذت أمي في ذلك اليوم شقيقتي لمعالجتها عند الراهبات، واصطحبتني معها.ثمة ردهة داخلية في الدير تغصّ بالأطفال والنساء اللواتي انهمكن، وهن ينتظرن أدوارهن، في أحاديث غامضة عن سوء الأحوال في البلاد. كان ثمة قلق يسيطر على النساء. فجأة، دوّى انفجار هائل أثار الرعب في نفوسنا، أغلقت إحدى الراهبات البوابة الحديدية الكبيرة، وفي الداخل اختلط عويل النساء ببكاء الأطفال. بقينا زمناً على هذه الحال، ثم سمعنا طرقات قوية على البوابة ولغط رجال. عرفتْ أمّي صوت جدّي وهو يناديها. جاء جدي وقد استأجر سيارة شحن صغيرة، صعدت نسوة كثيرات ومن بينهن أمي إلى صندوق السيارة الخلفي. اقترحت عليّ أمي في اللحظة الأخيرة أن أهبط من الصندوق الخلفي للجلوس في المقعد الأمامي عند جدي. ابتدأ السائق في تشغيل المحرّك. وقفتُ على الرصيف مرتبكاً. ناديت جدي الذي كان شارد الذهن، فلم يسمعني. كادت السيارة تتحرك. انتبه جدي فرآني على الرصيف. صعدت إلى جواره، وحينما اقتربنا من قصر المندوب السامي، كانت مصفّحة تسدّ الشارع.منعَنا عسكر الإنجليز من المرور. استدارت السيارة، وبعد وقت، انعطفتْ بنا نحو حيّ أبي ثور، ومن هناك هبطنا مشياً على الأقدام إلى بئر أيوب، ثم واصلنا السير إلى جبل المكبر (بوحي من هذه الحادثة كتبت قصة "متى يعود إسماعيل" التي نشرتها في مجلة الأفق الجديد عام 1963). وفيما بعد عرفتُ أن الانفجار الذي وقع ونحن في دير الراهبات، قامت به إحدى المنظمات الصهيونية، مستهدفة نسف فندق الملك داود الذي كان مقراً لإدارة الانتداب البريطاني، للتعجيل في رحيلها عن البلاد بعد أن أصبحت فكرة الوطن القومي لليهود، أمراً واقعاً لا يحتمل التأجيل. يتبع.. ......
#للمدينة7
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
http://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=683585
الحوار المتمدن
محمود شقير - ظل آخر للمدينة7