حسّ سليم
7.07K subscribers
649 photos
64 videos
1 file
32 links
Download Telegram
حسّ سليم
Photo
الفكرة السائدة عن جيل الشباب الحالي الأقل من 30 سنة، أو بالتحديد ما يعرف بـ Gen Z، هو أنه جيل أكثر يسارية وليبرالية من الأجيال السابقة، وهذا صحيح لو أخذنا هذا الجيل كله ككتلة واحدة. لكن لو دققنا في الأمر، سيظهر لنا مشهد مختلف تماما يتضمن مفارقة غريبة حيث نجد هذا الجيل مفرطا في تقدميته في مسائل معينة ومحافظا جدا في مسائل أخرى.

بحسب دراسة نشرتها صحيفة الفاينانشال تايمز في بداية السنة الجارية شملت الدول الغربية وبعض الدول غير الغربية مثل الصين وكوريا الجنوبية وتونس، يتضح لنا أن تلك المفارقة تعبر في الحقيقة عن توسع الهوة الأيديولوجية بين الذكور والإناث؛ حيث أصبح الذكور أكثر محافظة بالمقارنة مع آبائهم، وأصبحت الإناث أكثر تقدمية من أمهاتهن. وكانت كوريا الجنوبية صاحبة الهوة الأوسع بفارق يتجاوز 50 نقطة بين الذكور والإناث.

نأتي الآن إلى محاولة فهم الأرقام وسبب هذه الهوة بين الجنسين ولدى هذا الجيل بالتحديد. ولفهم هكذا ظاهرة لا بد لنا من محاولة تجنب العامل الواحد الذي يخترل كل شيء (كل الاقتراحات مرحب بها).

1 - الفروق الطبيعية بين الذكور والإناث من حيث الثورة/المحافظة: حيث نلمس لدى الذكور ومنذ الصغر ميولاً- تكاد تكون غريزية- نحو الراديكالية والثورة والتمرد على القوانين والسلطة، لهذا نجد أن الذكور هم قوام الثورات (الثورات الحقيقية وليس ثورات المراهقات) و أنهم أكثر من نجدهم في السجون. في المقابل تميل الإناث نحو المحافظة لكونهن الحلقة الأضعف في حال أي اضطراب سياسي واجتماعي، ولأنهن يبحثن غريزيا عن الاستقرار نظرا لكونهن المكلفات بالحمل والرعاية. والمحافظة هنا تُفهم بالمعنى الحرفي للكلمة وليس بالمعنى الاصطلاحي السائد؛ بمعنى أن النساء يفضلن المحافظة على ما هو سائد، أي الأفكار التقدمية التي تهيمن حاليا على العالم كله تقريبا بدرجات متفاوتة. في حين يفضل الذكور الحركات والأحزاب الرجعية التي تعتبر ثورية في عصر تقدمي. ومن تجليات هذا الفارق التزايد الرهيب في نسبة من يعرفن أنفسهن بالشذوذ مقارنة بالذكور، حيث نجد أن 28,5% من بنات هذا الجيل في الولايات المتحدة يعرفن أنفسهن بالشذوذ مقابل 10,6 للذكور، في حين أن هذه النسبة كانت قبل ثلاثة أجيال (جيل البومرز والثورة الجنسية) 1,9% للإناث و2,7% للذكور (تأثير السائد والموضة واضح جدا)

2 - ميل الإناث نحو التسامح مع الخطأ وتقديم الحجج العاطفية مقابل ميل الذكور نحو النظام والحجج الصارمة: وهذا ما يتجسد في الواقع بعدم اهتمام الأنثى بالشأن العام إلا ضمن ما يؤثر مباشرة على الشأن الخاص، ومن هنا يجد التقدميون صعوبة في دمجها في الحياة السياسية رغم ما يقدمونه من تسهيلات وتمييز إيجابي. وحتى عندما تنخرط الأنثى في الشأن العام فإنها تدخله في غالب الأحيان من باب النسوية (ذاتها)، في حين يفضل الرجل القضايا المجردة التي تتجاوز ذاته كشخص، فنرى لديه تصلبا أقوى في قضايا تتعلق بالمهاجرين أو المتحولين جنسيا ..إلخ (طبعا هذه "الإطلاقات" تثير غيظ المعاصرين، وهذا الممتع فيها)

3 - ميزان الربح والخسارة: ترى الإناث أن الحركات التقدمية تمنحهن مميزات أكثر، في حين أن الذكور يعتبرون أن الحركات التقدمية ذهبت إلى حد أصبحوا معه الخاسرين في اللعبة سواءً في التعليم أو العمل أو الأسرة، وبالتالي أصبحوا يشعرون بالضياع ويبحثون عن طرق لقلب الطاولة بما عليها (هذا لا يشمل الأقلية المهيمنة من الذكور).

ملاحظة: التمرد والمحافظة ليستا فضيلتين في حد ذاتهما دون طرح سؤال: "على ماذا؟". وبالتالي لا يعيب المرأة محافظتها ولا يشرف الذكر تمرده، وإلا فلا معنى لمقولة: "الرجل والمرأة يكملان بعضهما البعض". المراهقون فقط هم من يتحدثون عن تكامل الأدوار بين الجنسين ثم يعيبون على المرأة أدوارها.
الوحيد الذي يقع هنا في أزمة تناقض هو التقدمي الذي لطالما جعل التمرد لمجرد التمرد (التمردقراطية) الفضيلة العظمى ومغادرة القطيع هدفا ساميا في حد ذاته لينتهي به الأمر فردا في أكبر قطيع في التاريخ.
حسّ سليم
Photo
يقال: "لا أسوء من عمى الذي لا يريد أن يرى". فكرة أن لدى الإناث ميل نحو المحافظة والاستقرار ونزوع الذكور نحو الثورة والمغامرة لا ينكرها إلا معاصر أعمت بصيرته دوغمائيات عصره التي لا تريد رؤية الفروق بين الجنسين حتى وهي جلية أمامها كالشمس في كبد السماء.

يمكن لأي شخص أن يلاحظ ميل الإناث نحو المحافظة منذ سنوات الطفولة الأولى: اسأل الآباء والأمهات من أكثر الأبناء طاعة و"سماعا للكلام" وسيقولون لك البنات، واسأل المعلمين من أكثر الطلاب انضباطا والتزاما بتعليمات المدرسة وسيقولون لك الطالبات، واسأل أرباب العمل من أكثر الموظفين التزاما بلوائح الشركة وتعليمات المدراء وسيقولون لك الموظفات، واسأل الشرطة من أكثر المواطنين احتراما للقانون والنظام العام وسيقولون لك المواطنات، واسأل موظفي السجون من أقل النزلاء لديهم وسيقولون لك السجينات، واسأل المسعفين من أقل الناس مخاطرة بحياتهم وسيقولون لك النساء. كل هذه الأمثلة وغيرها كثير تحتم على كل ذي عقل سليم الإقرار بوجود نمطين متباينين بين الإناث والذكور وأن هناك طبيعتين مختلفتين، لكن التقدمي المعاصر قد يفقأ عينيه حتى لا يرى ذلك لأن دوغما عصره أخبرته بانعدام الفروق الطبيعية بين الجنسين التي تتجاوز مجرد الاختلاف الفيزيولوجي لبعض الأعضاء، وإن تبقى القليل من عقله ولم يفقأ كلتا عينيه سيحاول كعادته دحض القاعدة بالاستثناء ويحدثك عن ابنة أخته وحماته وجارة ابن خالة صديقه أو يأتيك بحالة ما في بقعة ما في زمن ما توافق زعمه في نظره، ومشكلته هنا أنه في الأساس لا يفهم فكرة وجود أنماط عامة، ولا يستوعب أن التعميم لا يشمل كل فرد بالضرورة، ولا يدرك أن استثناءاته لا تنفي القاعدة بل تؤكدها.

أما لو ألقينا نظرة على تاريخ الثورات السياسية والأيديولوجية ضد ما هو سائد وضد السلطة السياسية فلن نجد ثورة كان قوامها الرئيسي من النساء أو حتى بمساواة بين النساء والرجال، وحتى الحركة النسوية لم تكن ثورية بالمعنى الحقيقي لا من حيث الوسائل ولا من حيث فلسفتها، بل كانت مجرد حلقة أخرى ضمن سلسلة طويلة بدأها الرجال بالتمرد على ما كان قائما من أجل المساواة ونيل الحقوق للأفراد ثم لحقت بهن النساء بعد عقود طويلة ضمن نفس الاتجاه والنسق عندما أصبحت "الثورة" لا تشكل خطرا حقيقيا على الحياة، وبالتالي لم تكن الحركة النسوية سوى تقليد من النساء لما سبق من ثورات ويكاد يكون الأمر حتمية تاريخية أو كما يقال مجرد تحصيل حاصل.

كمثال على الثورات التي كان فيها صدام مباشر مع السلطة السياسية (حتى وإن كانت ضمن روح العصر) سنأخذ كمثال فقط أخر انتفاضة في أيامنا وهي انتفاضة 2022 في إيران (يبدو أننا لن نرتاح من مواضيع إيران والبعض لن يرى من المنشور سواها) التي قدمها وما يزال يقدمها الإعلام الغربي على أنها انتفاضة النساء ضد حكم الملالي، سنجد فيها أمرين: أولا أنها في الحقيقة انتفاضة طبقة برجوازية (هذا اللفظ لا يعني الثراء الفاحش) من سكان المدن الكبرى التي تعيش في الأساس في بيئة ذات نسق غربي يهيمن على العالم (بهذا المعنى، النظام هو الثوري)، بالإضافة إلى الأقليات على الهامش التي ترى نفسها مضطهدة من قبل النظام (هنا كانت الإنتفاضة أشد والرد عليها أقسى). ثانيا أن إجمالي عدد القتلى في هذه الانتفاضة كان 449 قتيلا منهم 29 امرأة فقط وضعف هذا العدد (60) كانوا من الأطفال، وبالتالي حتى في الثورات التي تصفها بروباغاندا التقدميين بثورات النساء، هي في الواقع بعيدة عن أن تكون ثورة نساء، وما يدعيه التقدميون من رومانسيات ثورية للنساء لا يتجاوز الـ "البرافو" التي نقولها للأطفال عندما نرغب في رفع معنوياتهم أو التحفيزات التي يستخف بها دجالو التنمية البشرية عقول ضحاياهم.

طبعا لا ينبغي أن يُفهم مما سبق أن كل الرجال ثوريون أو ثوريون بنفس الدرجة، بل الفكرة أن سقف تحمل دفع ثمن الثورة لدى عموم الرجال أعلى منه لدى عموم النساء، ولو أخذنا الموضوع من باب الأفراد بغض النظر عن جنسهم فسنجد أن غالبية الناس قادر على الثورة إلى حد معين فقط، فهناك من يترك الثورة خوفا من نظرة، وهناك من تخيفه كلمة، وهناك من يردعه حظر حسابه على مواقع التواصل، وهناك من يتراجع عند دفع غرامة مالية، وهناك من يجب أن تفصله من عمله، وهناك من يجب أن تسجنه، وهناك تحتاج لتعدمه ليتوقف. ومن غير عامل نوع الجنس تتدخل أمور أخرى في مدى ثورية الفرد مثل شجاعته، وشبابه، وحالته العائلية (صاحب العيال جبان)، وحالته الاجتماعية (الغنى/الفقر).
وفي النهاية نذكر أن الثورة أو المحافظة ليستا فضيلتين في حد ذاتهما فترفع الثورة من ذاك وتحط المحافظة من الك كما يفعل التقدميين الذين جعلوا التمرد من أجل التمرد الغاية العظمى ثم انقلب عليهم ذلك عندما وجدوا أنفسهم في أكبر قطيع، العبرة في الثورة على ماذا؟ والمحافظة على ماذا؟
حسّ سليم
Photo
مبدئيا الحزب الديموقراطي والجمهوري قد يختلفان في كل شيء إلا دعم إسرائيل، هذا الثابت الوحيد تقريبا في السياسة الحزبية الأمريكية، لكن قد يتغير هذا في العقود القادمة مع اكتشاف جزء من نخبة الشباب الديموقراطي الذي كان يعتاش الحزب الديموقراطي سياسيا على تغذية أيديولوجيات العدالة الاجتماعية عندهم (مهاجرين، شذوذ، نسوية، مناهضة العنصرية… ) لقضية يجمع عليها النظام الأمريكي ويتعامل مع من يعارضه فيها بخشونة وإقصاء بشكل سيدفع هؤلاء الشباب المتعطشون بطبيعتهم لتبني كل ما يشعرهم بالثورية (الثورة من أجل الثورة) إلى التمسك بها أكثر. هؤلاء الشباب يكتشفون حاليا بذهول تام أن قضايا العدالة الاجتماعية التي كانوا يدافعون عنها هي مجرد لعب أطفال مقابل دعم إسرائيل، وهذا ما سيجعلهم يتشبثون أكثر بالكنز الثوري الذي سقط عليهم من حيث لا يدرون مثل عجوز أمسكت بلص، فلسطين اليوم تكاد تكون قبلة حياة لكل ثوري يساري.

حاليا الحزب الديموقراطي في موقف لا يحسد عليه، فهو بين أن يواجه اللوبي الإسرائيلي ويتخلى عن دعمه لإسرائيل، وهذا مستحيل سياسيا وأيديولوجيا (الصهيونية) بالنسبة للجيل الحاكم اليوم في الحزب، أو عليه أن يتنكر لأيديولوجيات العدالة الاجتماعية والثورية الشبابية التي يقوم عليها الحزب، وهذا انتحار حرفي له لأنه يعني إزالة الفروق الأيديولوجية بينه وبين الحزب الجمهوري، والأصل دائما أفضل من التقليد. ما لم يجد عجائز هذا الحزب حلا مبتكرا يسمح بغسل عقول أولئك الشباب أو عزلهم عن البقية حتى لا تنتقل العدوى فإن النتيجة في الحالتين ستكون مثيرة للاهتمام.

ملاحظة: من الحماقة أن تتخذ من مناهضة اليسار دوغما تمشي خلفها كمشجع كرة تحركه ألوان قمصان اللاعبين، والأحمق من هذا أن تجعل من قضية فلسطين صك غفران فلا ترى شيئا بعد ذلك.
Media is too big
VIEW IN TELEGRAM
إذا أردت رؤية اليمين الأوروبي أو الأمريكي وهو يتبنى كل الأساليب اليسارية التي يندد بها طوال السنة فما عليك سوى الحديث عن أبناء العم، سيتحول إلى يساري خالص: مظلومية ولعب دور الضحية، إبتزاز، إقصاء، وصم (معاداة السامية)، ثقافة الإلغاء، صراخ وسلوك هيستيري، تشويش على المنتديات. في خلال ثانية ستجد بين شابيرو يتحول إلى نسوية كوير نباتية ومدافعة عن البيئة والحيوانات.
حسّ سليم
Photo
الخطاب العام المعاصر يتجنب دائما تحميل الأفراد المسؤولية المباشرة أو وصفهم بالأنانية أو التقصير أو الحماقة، يجب دائما تحميل المسؤولية الكاملة لجهة ما قد تكون الرأسمالية "المتوحشة" أو المجتمع "المتخلف" أو الأهل "Toxic"، المهم أن لا يشعر الفرد بتأنيب الضمير نتيجة خياراته في الحياة، ولتحقيق ذلك يتم توجيهه نحو الشعور بالمظلومية وأنه ضحية قوة أكبر منه. هذا ما يمكنك أن تستشعره بوضوح في هذه الحلقة للمخبر الاقتصادي عن حليب الأطفال، حيث أن كل ما قيل فيها تقريبا يدفعك إلى تصور أن الاستبدال الواسع لحليب الأم بالحليب الصناعي سببه الأول والأهم هو مؤامرة رأسمالية حاكتها شركات صناعة حليب الأطفال من خلال استغفال الأمهات الساذجات والتلاعب بعقولهن. أما السبب الرئيسي والأول حقيقة، والذي لا يحتاج الأمر للكثير من الذكاء لتخمينه فقد تم كنسه تحت البساط بجملتين أو ثلاث لرفع العتب، لأنه ليس من الصائب سياسيا (مرادف "العيب" قديما) أن تقول بوضوح أن خروج النساء بشكل كثيف إلى العمل بعد الحرب العالمية الثانية ولساعات طويلة بعيدا عن المنزل هو سبب التراجع الكبير للرضاعة الطبيعية، قولك هذا سيفهم على أنه وصف للأمهات العاملات بأنهن أمهات سيئات وأنهن لسن Super Mamies يمكنهن القيام بكل ما يلزم وكل الأدوار في وقت واحد كما قيل ذلك لهن في المسلسلات وبرامج الثرثرة التي تقدمها برجوازيات يعملن لتحقيق ذواتهن (الترجمة: ملأ الفراغ).

مهما بلغ مكر الشركات ومستوى دهاءها في ترويج حليبها -وهذا موجود فعلا- فسيبقى الدافع الأول لاستعمال الحليب الصناعي بالنسبة للأم (بغض النظر عن دوافعها للعمل دور الرأسمالية في ذلك) هو الساعات العشر التي تقضيها بعيدا عن رضيعها الذي تركته مع مربيات الحضانة أو مع والدتها العجوز، أما التأثير الأكبر لشركات الحليب فيكون حول اختيار العلامة وليس فكرة الحليب الصناعي في حد ذاتها (طبعا سيوجد دائما من قد يعتقدن أن الحليب الصناعي أفضل للرضيع) كما حاولت أن تقدم ذلك اللجان الحكومية لمناقشة مسؤولية الشركات ثم انتهت إلى لا شيء عمليا لأنها تبحث في المكان الخطأ بسبب العمى الأيديولوجي، لكن لا بد لها في النهاية من مذنب ليصلب.

ومع نهاية الحلقة قد يعود إليك الأمل مع عودة المتحدث إلى السبب الأول، لكنه أمل في غير محله، لأنه عاد إليه ليقول أن المشكلة إما في الشركات غير الصديقة للأمهات لأنها على ما يبدو لا تحول مقراتها إلى حضانات أو في الدولة التي لا تقدم عطل أمومة طويلة ليتبنى بعد ذلك منطق ملكة فرنسا عندما قالت: "لماذا لا يأكلون البسكويت (البريوش) إذا لم يجدوا الخبز؟" بانتقاله إلى مثال النرويج الرائدة في مجال الرضاعة الطبيعية (الأعور يُتوج ملكا في بلد العميان) فقط لأن 78٪؜ من الرضع يحضون برضاعة طبيعية إلى غاية 6 أشهر و48٪؜ إلى 12 شهر (نسبة أعلى من الكثير من الدول العربية وفق المتحدث) وكأن النرويج على ضعف نموذجها بالمقارنة مع الوضع الطبيعي للبشر الذي كان سائدا قبل عقود فقط (100٪؜ رضاعة طبيعية) هو نموذج قابل للاستنساخ أينما تريد وكيفما تريد على كوكب زمردة.

ومن غير الرضاعة الطبيعية يمكنك أن تلاحظ نفس الصوابية السياسية والطابوهات في مجالات أخرى قريبة مثل مسألة ازدياد احتمال أن تلد الأم طفلا مختلا عقليا بعشرات المرات كلما كبرت في السن وخاصة مع تجاوز الأربعين، لن تسمع هنا كثيرا من لا يصدقون إلا "العلم" ولا شيء غير العلم يتحدثون عن هذا ويصدعون رؤوس الناس بحملات التوعية عنها لتشجيع النساء على الانجاب خلال فترة الشباب الأولى لأن ذلك يخالف التصورات النسوية عن تحقيق الذات من خلال العمل وتصورات البرامج الديموغرافية: "سيدتي، أخري الانجاب قدر استطاعتك، في حالة حدوث أي مشكلة نحن هنا لتسميتها متلازمة الحب".

خلاصة الموضوع هي أن المعاصرين يرفضون التصالح مع فكرة أنه ما من نموذج حياة قد يختارونه إلا وله ضريبة يجب دفعها فورا أو بعد حين، وعندما يصل دورهم عند محصل الضرائب يبحثون عن جهة ما يحملونها المسؤولية كما يحمل الإنسان الشيطان رذائله بدعوى أنه هو من زينها له.

ملاحظة: ليس موضوع المنشور هو المخبر الاقتصادي في حد ذاته بل هو مجرد مثال لتوضيح الفكرة، المخبر الاقتصادي ما هو سوى وسيلة إعلامية تتحدث مثل غيرها من إعلام Mainstream وفق روح العصر مع كل طابوهاته وصوابيته السياسية.
حسّ سليم
Photo
خروج النساء الكثيف للعمل ليس له تأثير على رعاية الأطفال فقط، هناك فئة أخرى تحتاج إلى نفس الرعاية في كثير من الأحيان وتأثرت هي كذلك بالابتعاد غير المسبوق في تاريخ البشرية للنساء عن المنزل وتخليهن عن تقديم الرعاية لمن يحتاج إليها فيه، هذه الفئة هم كبار السن.
كثيرا ما نربط بين تزايد عدد دور الحضانة وعمل النساء الكثيف، فالعلاقة السببية بينهما واضحة لمن يريد أن يرى، حيث لا يمكن لأحدهما أن يوجد دون الآخر، فلا حاجة ماسة لدور الحضانة والأم في البيت، وليس بمقدور الأم ترك البيت دون دور الحضانة أو من يمارس دورها. لكننا لا نتوقف كثيرا عند العلاقة بين عمل النساء وتزايد دور العجزة والتزامن الواضح بين تزايدهما، وبدل ذلك نفضل إلقاء اللوم حصرا على عقوق الأبناء وسوء أخلاقهم وأنانيتهم (وهذا صحيح) متجاهلين بذلك حقيقة موضوعية تكمن في صعوبة توفير العناية اللازمة لكبار السن في بيوت خالية من القادرين على تقديمها. لهذا عندما يأخذ الأبناء آباءهم وأمهاتهم إلى دور العجزة، خاصة في الدول المتقدمة، فهم لا يفعلون ذلك فقط بدافع الأنانية والفردانية، لكن أيضا من أجل مصلحة الآباء والأمهات لأنهم فعلا لا يملكون الوقت والمجهود الكاف لرعايتهم، وإذا أضفت إلى ذلك تزايد معدل الأعمار وقلة الانجاب فإن الأمر يكاد يصبح بديهيا.

رعاية العاجزين في الأسرة من أطفال وكبار سن ومعاقين ومرضى كان دائما هو الواجب الأساسي للمرأة في الأسرة، وهي تقوم به بشكل ممتاز لأن طبيعتها كامرأة (الحديث عن طبيعة خاصة بالنساء هي من البذاءة بالنسبة للمعاصرين) تجعلها ميالة نحو التعاطف مع الآخرين وهذا ما يمنحها القدرة على الصبر وتحمل الاعتناء بهم، وحتى عندما تركت المنزل فقد ظلت في غالب الأحيان غير بعيدة عن ذلك الدور، فتجد غالب من يشتغل في مجالات الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية هن من النساء، وحتى في الشركات والإدارات الحكومية تفضل الوظائف الأقرب لدور الإعتناء بالمنزل والأشخاص مثل السكرتارية والتعامل مع الزبائن والمراجعين.


ملاحظة: ليس الهدف من هذا النوع من المنشورات هو تقديم حلول أو بدائل، وإن وجدت فهي للأفراد فقط، الهدف هو فهم تركيبة الحياة المعاصرة التي يتصل كل جزء فيها بالأجزاء أخرى، فلا يمكنك عزل عمل المرأة مثلا عن بقية جوانب هذه الحياة وكأنه مجال منعزل، والأمر أشبه بدخول حلقة مفرغة التي قد يكون دخولها أمرا سهلا، لكن الخروج منها قضية أخرى تماما تتطلب هنا إنهيار كل المنظومة بكل عناصرها، هذا إذا كنت ضد هذا العصر، أما إذا لم كنت كذلك كأغلب الناس فعلى الأقل تصالح مع عيوب من تحب ولا تنكرها، أليس هذا ما تقوله دائما؟
حسّ سليم
Photo
بعكس ما يدعيه الخطاب المعاصر فإن من أسوأ ما قد يورثه جيل ما إلى الذي يليه، من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، هو قلة الإنجاب (الحديث عن الجيل ككتلة واحدة وليس الأفراد والأسر). وصحيح أن ذلك الادعاء قد يبدو منطقيا، لكنه منطقي فقط إذا أخذنا الأمر وكأن هناك عددا من الناس عليهم اقتسام مبلغ محدد لا يتغير، وهذا فعلا هو حال الاقتصادات غير الإنتاجية؛ أي الاقتصادات الريعية أو التي تعتمد على مداخيل شبه ثابتة (رسوم عبور، تأجير قواعد عسكرية، السياحة نوعا ما…). أما الاقتصادات الإنتاجية أو التي تطمح أن تصبح كذلك فتعتمد على فكرة النمو الذي يعتمد بدوره على النمو السكاني أو الثبات في أسوأ الحالات وإلا فإنها تدخل في حالة انكماش سيدفع ثمنه اقتصاديا واجتماعيا لا محالة الجيل القادم. وهذا ما يحدث حاليا في كل الدول الصناعية المتقدمة التي شهدت في السنوات التي تلت الحرب العالمية الثانية طفرة سكانية لا مثيل لها بحيث أصبح الجيل الذي ولد في تلك السنوات يعرف بجيل "طفرة المواليد" Baby- boomers أو البومرز. يوصف هذا الجيل بأنه أكثر الأجيال حظا في تاريخ أوروبا؛ فقد عاش فترة نمو اقتصادي لا مثيل لها ترافقها حالة سلم غير مسبوقة. عدد أفراد هذا الجيل أكثر من سابقيه، الأمر الذي سهل عليه تحمل أعباء الرعاية الاقتصادية والاجتماعية للجيل السابق الذي لم يكن أقل عددا فقط بل وأقصر عمرا. وفي الوقت نفسه هو جيل عدده أكبر من عدد أبنائه، ما يعني أنه لم يتحمل عبء التربية مثل آبائه من جهة، ومن جهة أخرى على أبنائه تحمل مسؤولية أكبر لرعايته.

لفهم كيف يلقي الجيل الأكثر عددا العبء على الجيل اللاحق، سنأخذ مثلا أسرة مكونة من 5 أطفال، هؤلاء الخمسة سيتقاسمون بينهم عبء رعاية الوالدين، لكن كل واحد من هؤلاء الخمسة لم ينجب سوى ولد واحد، هنا سيكون على هذا الابن تحمل عبء والديه وحده. بنفس منطق هذا المثال يمكننا إسقاط الفكرة على المجتمع كله، حيث ينبغي على الجيل الأقل عددا تحمل العبء الاقتصادي بسبب تراجع النمو وبسبب الحاجة إلى العمل أكثر ودفع اشتراكات أعلى لصناديق التقاعد حتى تتمكن من تغطية رواتب الجيل السابق الذي خرج إلى التقاعد. أضف إلى ذلك الاضطرابات السياسية والاجتماعية التي يسببها قلة المواليد والانكماش الاقتصادي.

يمكن الاسترشاد بالفكرة ذاتها بالنسبة للدول العربية ودول العالم الثالث عموما مع فارق أن لحظة البومرز لم تكن بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة بل في السبعينيات والثمانينيات، جيل هذا العقدين يفوق عدده عدد آبائه، وسيكون كذلك أكبر من عدد أبنائه، ما يعني أن أبناء مواليد السبعينيات والثمانيات الذين هم الآن أطفال، سيتحملون هم العبء الأكبر، وستزيد محاولة تقليل الإنجاب الأمر سوءا بالنسبة لهم بعد النضوج والاستقلال عن الأهل. أي أن الدول العربية أيضا بمعدل إنجابها الحالي الدي انخفض كثيرا بالمقارنة مع السابق ستدخل خلال السنوات القادمة في أزمة شيخوخة، طبعا لن تكون مثل أزمة الدول المتقدمة لكنها ستحدث.

كل ما سبق يجعلك تتذكر اللاإنجابيين الذين يحاولون تقديم خيارهم بعدم الإنجاب على أنه فضيلة نبيلة وأنهم أناس آثروا غيرهم على أنفسهم، لكن الحقيقة هي عكس ذلك تماما، وكان يمكن لادعائهم أن يكون صحيحا لو أنهم اعتزلوا المجتمع للعيش في البراري، لكن بما أنهم يفضلون البقاء داخل المجتمع، فإن هذا الأخير سيتحمل عبئهم دون أن يقدموا هم بدورهم شيئا لأن المجتمعات المعاصرة هي في الحقيقة كالشركة التي تقدم خدمات مقابل دفع اشتراكات، ومن بين هذه الاشتراكات هو الإنجاب ليكون بمقدور هذه الشركة أن تعمل وتقدم خدماتها، وعليه فإن اللاإنجابية هي في الحقيقة خيار أناني لأناس يفضلون الحياة السهلة والعيش على حساب غيرهم ثم يقدمون ذلك وكأنه فضيلة.

وفي الختام، تجدر الإشارة إلى أن كل ما سبق هو من وجهة نظر اقتصادية واجتماعية، لكن هناك نظرة أخرى لا تعير الكثير من الاهتمام لما سبق لأنها تنظر للمسألة الديموغرافية من منظور جيوسياسي مرتبط بالصراعات بين الدول حيث يلعب النمو السكاني دورا حاسما أو على الأقل مؤثرا جدا، فلا أحد كان سيهتم بالصين لو أن عدد سكانها بعدد سكان بروناي، ولن يخشى أحد الولايات المتحدة لو أن عدد سكانها بعدد سكان كندا، وحتى مصر لم تكن لتلعب ذلك الدور الذي لعبته خلال القرن 20 لو أن عدد سكانها بعدد سكان قطر...
أغلب الناس يخلطون بين الحلول الفردية (الشخصية) والحلول الجماعية (السياسية)، في حين أن الحل الفردي قد يكون في الغالب مناقضا تماما للحل الجماعي.
على سبيل المثال هناك أزمة مصرفية حادة في البلاد ثم يطلب منك أحدهم نصيحة حول مدخراته في البنك، هنا قد تنصحه بسحب أمواله وستكون محقا في ذلك، لكن لو طلبت منك نفس النصيحة لكن على مستوى سياسي فهنا ستكون نصيحتك مخالفة تماما للأولى لأن السحب الجماعي سيعني إنهيار المنظومة المصرفية ودخول البلاد في أزمة يصعب تجاوزها، وهكذا تقريبا في كل القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، لأن مصالح الفرد تتعارض مع مصالح الجماعة في الغالب، وهنا يأتي دور السياسي لوضع حد للفرد من أجل مصلحة الجماعة.
حسّ سليم
Photo
من مميزات الغرب التي يحسد عليها أحيانا، والتي نقع كثيرا في فخ تصديقها، مبالغته الشديدة في تقدير الواقع الحالي والمخاطر المستقبلية وقوة خصومه، الأمر الذي يمنحه يقظة جيدة أمام ما يحدث أو ما سيحدث. طبعا ينبغي أن لا يؤخذ الغرب هنا ككتلة واحدة لها نفس الاهتمامات بنفس تعريف الخطر والعدو، بل كتيارات مختلفة كل واحدة منها لها تصوراتها، لكن الذي يجمعها كلها، خاصة بعد تراجع الأمال التقدمية، هو أسلوب التخويف والتهويل –هذا أفضل أسلوب لحشد الناس– بحيث يعتقد كل تيار وكأن العدو/الخطر الوجودي (النهاية) على الأبواب وأن المسألة مسألة وقت بتاريخ محدد في كثير من الأحيان، فيقال مثلا بحلول سنة 2050 (مثلا) سيصبح مناخ الأرض غير صالح للحياة أو أن المهاجرين يصبحون هم الأغلبية أو أن الدولة الفلانية غير الغربية ستصبح رقم واحد في العالم …إلخ، مع العلم أنه قد تجد نفس التقديرات قبل 25 أو 50 سنة عن سنة 2025 مثلا أو قبلها سنة 2000. أو تجدهم مثلا يبالغون كثيرا في قوة العدو (قد يكون عدو داخلي مثل الباطرياركية) الذي قد يكون أضعف من أن يشكل خطرا داهما، ومع ذلك يتعاملون معه وكأنه البعبع الذي يوشك أن يلتهمهم. هذا لا يعني أن هذه التقديرات خاطئة تماما، لكنها تحمل دائما جرعة مبالغ في حجمها أو في زمانها.

هذه النزعة نحو نبوءات نهاية العالم بتواريخ محددة ليست جديدة على الغرب بل عمرها ألفين سنة. منذ ميلاد المسيح إلى اليوم يمكنك أن تجد عشرات النبوءات والتواريخ ليوم القيامة، ولأن العلمنة لا تزيل ثقافة عمرها ألفين سنة بجرة قلم فإنها تظل راسخة في اللاوعي، فتجد نفس الأسلوب ما يزال على حاله، صحيح أنه لم يعد يؤمن بيوم القيامة بالمعنى الديني لها لكنه ما يزال دائما يترقب قدومها أو كما قالت إحداهن في إحدى البرامج السياسية: نشعر أن هناك شيئا ما سيقع علينا في أي لحظة، لكننا لا ندري ما هو.

المؤسف بالنسبة لنا هو أننا كثيرا ما نبالغ في تصديق هذه الهيستيريا التي تصيب الغرب في تقديره للواقع والمستقبل ولقوة خصومه (مرة أخرى حسب اختلاف التوجه) لأنها تناسب ما نتمناه ونغفل عن كونها آلية دفاعية لحشد الناس وليست مجرد رأي موضوعي حتى لو كان صحيحا جزئيا.

ملاحظة: إذا كنت تريد أن تقول أن هذا التهويل نجده لدى كل الأمم فأنت لم تكتشف الماء الساخن، طبعا هناك كل شيء ونقيضه لدى الجميع، لكن الحديث هنا عن النسبة والتركيز.
حسّ سليم
Photo
تكملة لمنشور دور المسنين… لفت نظري التعليقات التي في الصورة بين مهاجرين إفريقيين وفرنسيين على بوست فرنسي نشر البارحة عن خبر فتح تحقيق جنائي في وفاة مسنة تبلغ من العمر 94 سنة بسبب العنف في دار للمسنين، وهذه ترجمة الحوار

إفريقي: من المؤسف أن كبار السن في أوروبا غالبًا ما يُتركون لمصيرهم في دور رعاية المسنين، ويمكن أن يموتوا من العطش أو الجوع.

فرنسية 1: عندنا، ولأننا نعمل، نضطر أحيانًا إلى إرسالهم إلى دور رعاية المسنين، الأمر الذي يكلفنا الكثير من المال، ولا نتركهم يموتون من الجوع والعطش تحت أي ظرف من الظروف.

إفريقي: أنا أتفهم الوضع، فالعمل في أوروبا مهم أكثر من كبار السن، وموظفي دور المسنين في أغلب الأحيان لا يعتنون بهم جيدًا، وهذا أمر واقع.

فرنسية 2: من لديه الوقت لإطعام أو سقي من لا يستطيع فعل ذلك؟

إفريقية: الكثير من المال؟ لكن لماذا لا توظفون شخصاً في المنزل لرعاية من أحبوكم وبذلوا الحياة من أجلكم؟

فرنسية 2: نحن نفعل ما في وسعنا بالوسائل المتوفرة لدينا، وأنا لا أتحدث عن نفسي، لأننا تمكنا في بيتنا من رعاية والدتنا حتى النهاية، ولكن فقط لأننا كنا متقاعدين. إذا كان لديك القدرة المالية لتوظيف شخص ما في المنزل ليلاً ونهارًا، فهذا أفضل بكثير بالنسبة لك. إن أجر دار المسنين اللائق يتراوح بين 3500 و4000 يورو شهرياً! ربما في بلدكِ الأمر مختلف، لكن عندنا المرأة الفرنسية متقدمة وتعمل بشكل عام.

إفريقية: رغم أن توظيف شخص ليعتني بكبار السن في المنزل لا يكلف نفس القدر شهريًا. (تعليق: الأمر ليس بهذه السهولة)
بصراحة، يجد البعض أن والديهم مزعجون في سن الشيخوخة ويتخلصون منهم بوضعهم في دار رعاية المسنين.
متجاهلين حقيقة أنهم لا يريدون الذهاب إلى هذه البيوت حيث يواجهون البؤس ويتم تجاهلهم من قبل أسرهم، ولكن ما عساهم يفعلون مع أبناء جاحدين يتظاهرون بأن لديهم عمل.
أعيش وأعمل في فرنسا. أنا أعرف كيف تسير الأمور. في بلدي آباؤنا وأجدادنا لا يشكلون عبئا علينا ونحن أيضا نعمل (تعليق: هنا أيضا الأمر غير دقيق وفيه تجاهل لعدد الأسرة الكبير).