حسّ سليم
7.07K subscribers
649 photos
64 videos
1 file
32 links
Download Telegram
لا تدع ما يحدث في غزة ينسيك أن جيشهم هو الأكثر نباتية في العالم وعلى رأسه قائد أركان نباتي، والنباتي لا يمكن إلا أن يكون إنسانا طيبا، ومن فرط الطيبة لديه يوزعها على الحيوانات، لهذا فهو بالمنطق "الإنساني" الحديث يتربع على عرش منتهى "الأخلاق" البشرية.
فلا تتعجب من رؤية امرأة تطعم الكلاب الضالة بداعي الإنسانية وبجانبها طفل مشرد يتضور جوعا فهذه هي طبيعة الأخلاق البرجوازية غير المكلفة التي تسود هذا العصر.
بلاز باسكال له مقولة شهيرة عن هذا: «من يريد لعب دور الملاك، يلعب دور الوحش».
Media is too big
VIEW IN TELEGRAM
جون ميرشايمر، أستاذ علوم سياسية ويعتبر أهم منظري الواقعية في العلاقات الدولية، وفي هذا المقطع يشرح لماذا هي النظريات السياسية تبسيط لابد منه للواقع لنستطيع فهم العالم حتى مع وجود أمثلة تنقضها، وبالتالي تكون العبرة بمدى قدرتها على تفسير الواقع لا على كمالها لأنه لا توجد نظرية كاملة يمكنها أن تشرح كل شيء في كل مكان ووقت.
نقيض المعرفة ليس هو الجهل فقط، بل أيضا كثرة المعلومات التي تغرق الإنسان في بحر من المعطيات فلا يدري كيف يخرج منه بنتيجة متسقة وقادرة على منحه أداة لفهم الواقع واتخاذ القرار. هذا ما يفعله بنا العصر الحديث بوسائله التقنية التي تملك قدرة رهيبة على جمع المعلومات عن كل شيء وتقديمها لنا بسهولة إلى أن يتحول الأمر حرفيا إلى بحث عن إبرة في كومة قش، وهذا في كثير من الأحيان أسوأ من الجهل الذي نعرفه، لأن حشو رأس الإنسان بالمعلومات المتناثرة لا يجعل منه جاهلا فقط بل وأيضا متعالم فخور بجهله وضياعه، ومن ذلك تجد أن تعريف الثقافة عند أكثر الناس في أيامنا هي القدرة على الفوز في برنامج من يربح المليون. ولا أجد هنا أكثر بلاغة في وصف حال هذا الإنسان المعاصر الذي يجمع المعلومات يمينا وشمالا مثل قول الآية: كمثل الحمار يحمل أسفارا.
حسّ سليم
Photo
إلى عصور قريبة كان بمقدور الإنسان فهم طريقة عمل كل الأدوات التي من حوله بنظرة واحدة حتى وإن لم يرها من قبل، فيكفي مثلا أن ينظر إلى طاحونة مائية ليفهم طريقة عملها، ويكفي أن ينظر إلى العربة ليفهم كيف تسير.

أما في العصر الحديث فنحن نستطيع استعمال الأدوات الحديثة التي لا يمكننا العيش دونها ببراعة، لكننا لا نستطيع فهم طريقة عملها بسبب تعقيدها الشديد الذي يجعل حتى المهندس الذي يعمل عليها لا يعرف سوى طريقة عمل أجزاءٍ منها بشكل كامل أو كيف يجمع تلك الأجزاء، لأن كمية المعطيات التي تحتاجها تلك الأدوات من الصعب جدا أو ربما من المستحيل على فرد واحد الإلمام بها. وهكذا الأمر في كل المجالات المعرفية، بحيث أصبح من المستحيل أن تجد في عصرنا ما يسمى "العالم الموسوعي" الذي يتخطى علمه المجال الواحد، وأصبح حتى الإلمام بالمجال الواحد غير ممكن ولابد للدارس أن يتخصص في موضوع واحد داخل أي مجال ليكون بالمقدور وصفه بالعالم.

هذا التعقيد في المعارف والتقسيم للعمل وما ينجم عن ذلك من تطبيقات، يمنح الأخيرة قدرا كبيرا من الفعالية التي تسهل على البشر القيام بالكثير من المهام التي كانت تأخذ منهم الكثير من الوقت والجهد مقابل القليل، لكن على قدر هذه الرفاهية تأتي معها القيود والمخاطر التي نتجاهلها استسهالا للأمر (الوعي بها لا يغير من الأمر شيئا)، فهي ترتهن الفرد والمجتمع لغيره كما لم يكن ذلك في تاريخ البشرية، فأصبحت فكرة الاستقلالية مستحيلة وضربا من ضروب الانتحار (من المفارقات أن البشرية لم تدعي الحرية والاستقلالية كما تدعيها اليوم)، لأننا أصبحنا غير قادرين على البقاء من خلال الحد الأدنى من الاعتماد على الناس، بما في ذلك توفير أساسيات الحياة مثل المياه والغذاء والنسيج والتدفئة، ومع ذلك خلق هذا التعقيد المعرفي والتقني نموذجا غير مسبوق في الفردانية وغير ممكن في غيره، جعل من حياة الفرد لوحده وسط حشد من الأفراد ممكنة دون روابط اجتماعية وبالاعتماد الكامل على منظومة شبه آلية، لكن في حالة حدوث أي اضطراب في سلسلة توريد أساسيات الحياة لأي سبب من الأسباب (حروب، كوارث طبيعية، اضطرابات سياسية…) فسيكون مصير أغلبنا هو الهلاك المحتوم، لأننا فقدنا الشبكات الاجتماعية التي كانت في الماضي تقدم المهارات الأساسية للبقاء من خلال توريثها من جيل إلى آخر، وحتى المزارع الذي ينظر إليه كمستقل بذاته لن يجد بذورا يزرعها أو مياه كافية ليسقي بها، من أجل هذا يقال إن الإنسان لم يعد يمتلك التقنية بل التقنية هي من تملكه.
البشر نوعان لا ثالث لهما:

الحاج موسى: نحن ضد التسامح لأنه لا يمكن التسامح مع ما نعتبره شرا

موسى الحاج: نحن مع التسامح، لكن ليس مع ما نعتبره شرا
حسّ سليم
Photo
منذ أيام أقر البرلمان الفرنسي تعديلا دستوريا هو الأول من نوعه في العالم بتضمينه "الإجهاض" في الدستور، وبغض النظر عن المخاوف التي دفعتهم إلى ذلك من انتقال عدوى المحكمة العليا الأمريكية إلى فرنسا، فالمثير للاهتمام في الموضوع هو النقاش الذي الدار حول هذا التعديل وانتهى إلى ما يشبه حلا توافقيا يُضمن الاجهاض في الدستور كحرية وليس كحق، لأن الحق قد يعني أن الدولة ملزمة بتوفير شروط الإجهاض في كل الظروف، وفي خضم هذا النقاش جرى الحديث عن التعارض الذي يمكن أن يقع بين حرية الضمير وحرية الإجهاض، باعتبار أن رفض طبيب ما القيام بالإجهاض الذي هو حق دستوري له باعتباره من حرية الضمير ولا يسأل عنه، هو بالنسبة للبعض تعدي على حرية المرأة في الإجهاض، وبالتالي هو تعدي على حريتها في إمتلاك جسدها. أي أنه لتحقيق حرية تصرف المرأة في جسدها فإنه ينبغي إلغاء حرية الضمير للطبيب وإلغاء حريته في التصرف بجسده (وهذا ما لا يذكره أحد) بما أنه سيكون مكرها على القيام بتلك العملية بجسده.

القول بأن إلزام الطبيب على القيام بفعل ما هو مناف لحريته في التصرف بجسده قد يبدو غريبا، وهذا طبيعي جدا، لأننا تعودنا على أن فكرة "حرية التصرف بالجسد" هي فكرة متعلقة بالمرأة حصرا ولا تشمل الرجل أو المجالات المختلطة (الطبيب مثلا قد يكون طبيبة). واقتصار هذه الفكرة على المرأة لم يأتي من فراغ، بل من فكرة أن جسد المرأة بالنسبة للحركة النسوية، ودون وعي منها، هو شيء مستقل عن الذات وملكية خاصة له قيمة سوقية وتملكها المرأة كما قد تملك سيارة أو سوارا، وهذا ما يتوافق مع الفكرة الليبرالية التي تجعل من الملكية الخاصة والسوق الحر أقدس الأقداس. والمفارقة هنا هي أن من يدعو لذلك هن/هم من يلاحقون غيرهم يتهمة تشييء المرأة في حين أن فكرة الجسد كملكية خاصة ورأس مال يحق للإنسان التصرف فيه كيفما يشاء هي قمة التشييء، وما فعلته النسوية طيلة مسيرتها لم يكن هو محاولة لنزع صفة الشيء عن جسد المرأة بقدر كان محاولة لتأميمه بحيث تستطيع المرأة التصرف فيه كيفما تشاء سواءً بالإجهاض أو الدعارة أو عمليات التجميل ..إلخ، في حين أن فكرة الجسد كملكية وهذا الفصل بين ذات الإنسان وجسده لا تخطر أبدا على بالنا عندما يتعلق الأمر بالرجال أو المجالات المختلطة حتى في المواقف التي تتضمن أقصى درجات الإكراه الجسدي لأنها فكرة متعلقة حصرا بالنشاط الجنسي للأنثى دون أي نشاط آخر، فمثلا لا يستعمل أحد حجة الجسد ضد الخدمة العسكرية التي لا يمكن أن يوجد مثلها من حيث الإكراه الجسدي، فالمجند يؤخذ بالقوة ويرمى بجسده في الثكنة أو على الجبهة لتقطعه القذائف أشلاءا، وحتى في قضايا الش***ذ الجنسي والمتحولين جنسيا وتناول المخدرات لا نجد حجة إمتلاك الجسد ويكتفون بالحديث عن الحرية الصرفة رغم أنها مسألة متعلقة في النهاية بحرية التصرف بالجسد أكثر من الإجهاض.

هناك نظرية تقول إن الكثير من مناهضي العنصرية البيض هم في الحقيقة أشخاص عنصريون في الأساس والكثير من مواقفهم نابعة من منطلقات عنصرية يحولها تأنيب الضمير والرغبة في التكفير عن الذنب إلى شفقة وحساسية مفرطة، كذلك النسوية وربما الكثير من النساء المعاصرات اللاتي لا يرفضن فكرة أن المرأة هي قبل كل شيء جسد بقدر ما يرفضن أن يلاحظ فيهن غيرهن ذلك ويقول صراحة أنه منطق المو**سات مع الجسد.
حسّ سليم
Photo
التنويري أو الملحد الجديد هو الطفل الأوديبي (عقدة أوديب) الذي قتل أباه (الرب) ليخلو له المجال مع أمه (المسيحية)، يعتقد أن أباه لم يقدر أمه كما تستحق لهذا يستحق الموت، وسيفعل ذلك هو جيدا لو أزاحه، وقد صدق في هذا.
المسيحية بالنسبة للتنويري ليست مجرد دين كبقية الأديان، هي سلفه المشترك المباشر، ما يجعلها في نظره هي الدين الأكثر تحضرا ورقيا، وهي المعيار الذي تقاس عليه بقية الأديان لتعرف هل هي حقاً مجرد أديان أم تحمل إضافات أخرى غير دينية وغير مسيحية، فكل ما يتجاوز الحالة الروحية المسيحية فهو ليس ديناً.
نظرة التنويري للحياة كانت دائما مسيحية، وقيمه وتصوراته وأيديولوجياته المعاصرة كذلك، فهو لم يسقط صدفة من السماء على أرض مسيحية بل خرج من تربتها ولا يعرف مجالا آخر سواها فهو فيها مثل السمكة في البحر، وحتى عندما يبدو وكأنه يعاتب المسيحية فهو لا يعاتبها سوى على أنها ليست مسيحية بالقدر الكاف.

ودوكينز هنا لم يقل سوى الحقيقة، يقول أنه مسيحي غير مؤمن بل مسيحي ثقافة. لكن غير مؤمن بماذا؟ هو غير مؤمن بالله فقط، أما من حيث المسيحية فهو لا يقل عن آباء الكنيسة.

أما التنويري العربي فعقدة النقص لديه أمام المسيحية قديمة، فمنذ القرن 19 وهو يتحسر أن أمه لم تكن المسيحية ويحسد أبناءها عليها ويقسم أنها لو كانت أمه لأبرها أكثر منهم. التنويري العربي لم يستيقظ بعد من صدمة تعرفه على الغرب في القرن 19 ومشاعره ما تزال هناك دون تحديث، وما يزال يعتقد أنه من رقي الإنسان أن يكون مسيحيا لأن الأوروبي كان مسيحيا، وعندما يرى الأقليات المسيحية في بلاده يهرع إليهم والدموع تسبقه ليقول: أحبابي أحبابي يا ليتني كنت منكم.
طبعا هو لا يقول هذا صراحة، لكن عيون العاشق تقول أكثر من لسانه، لهذا من الصعب أن تجد تنويري عربي مثل دوكينز يقول باعتزاز: أن مسلم ثقافة، وإن قالها فستكون بنبرة: أنا للأسف مسلم ثقافة. لأن التنويري الأصلي تحركه عقدة أوديب أما النسخة المقلدة فهي مجرد عقدة نقص.
لم تكن الكنيسة يوما مسيحية كما هي اليوم، ولم يكن على رأسها بابا مسيحي كما هو حال البابا فرنسيس، ولا يكره هذا البابا أحد مثل اليمين المسيحي في أوروبا الذي يعتبره يساريا لا لشيء إلا لأنه يحاول أن يكون مسيحيا. وهذه من المفارقات تنفرد بها المسيحية في أوروبا، فأكثر الناس ادعاءً للمسيحية (اليمين) هم أبعد الناس عنها، وأكثر الناس رفضا للمسيحية (اليسار) هم أقرب الناس إليها في الجوهر… كما يقال في العامية: المهم، خالوطة وخلاص.
مهما ضُرب حرسها الثوري في الخارج، ومهما ضُرب حلفاءها ووكلاءها، فإن إيران ليست حمقاء كثور تستفزه بخرقة حمراء للدرجة التي تجعلها تصعد من ردة فعلها إلى مستوى قد يورطها في حرب شاملة حتى لو أبيد حلفاءها وقادة حرسها الثوري الذين يلعبون دور ممتص الصدمات بالنسبة لها، هذا لا يعني أن حلفاءها يفكرون مثلها، لكن من وجهة نظر إيران الخاصة هم من عليهم حمايتها وليس العكس مقابل تمويلهم وتسليحهم، كل هذا من أجل غايتها الكبرى وهدفها الإستراتيجي الأول حاليا الذي هي مستعدة للتضحية بكل شيء من أصل الوصول إليه: القنبلة النووية. وحدها القنبلة النووية مع منظومة صواريخ ذات كفاءة عالية يمكنها أن تمنح إيران أو أي دولة حصانة من التهديدات العسكرية.
في كثير من الأحيان تسيء لنفسك عندما تحاول الحديث بموضوعية وبنوع من التجرد عن جهة ما بغية فهم الواقع على حقيقته أمام الغوغاء دون دفع ثمن الدمغة من السب واللعن لتلك الجهة والاتيان بكل تاريخها أولا، لأن ما ستقوله سيفهم تلقائيا كتجميل أو دعم لتلك الجهة، يجب أن تبدأ حديثك أمامهم بوصفها بأنها بنت كذا وكذا ثم يمكن أن تأخذ راحتك في الحديث.
كمثال على هذا نجد بعض المتحدثين في الإعلام الغربي عندما ينوي أحدهم الحديث عن فلسطين، يجب أولا أن يبدأ حديثه بلعن حركة حماس ووصفها بالإرهابية ووصف 7 أكتوبر بأنه الجريمة البشعة التي لا قبلها ولا بعدها، ثم يمنح تأشيرة العبور نحو محاولة وصف الواقع كما هو.
هذا لا ينفي وجود من يدعي الموضوعية لغرض مخالف، لكن يمكن كشف زيف موضوعيته من خلال انتقائيته وحيده عن تلك الموضوعية عندما يتعلق بمواقف أخرى.
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
الدرس الأول في التنمية البشرية وأشياء أخرى
إيران حاليا مثل لاعب بوكر لا يملك أوراقا قوية بين يديه لكنه وعلى غير عادته تجرأ وقامر بكل شيء دفعة واحدة وأربك بذلك خصمه الذي لم يتوقع ذلك منه ولا يدري هل يتبعه أم ينسحب.
ما فعلته إيران الليلة الماضية من حيث الواقع الملموس هو مشهد استعراضي ضخم (ليس من باب التقليل منه فهو يبقى سابقة) وهو ربما أقصى ما يمكنها فعله بمسيراتها وصواريخها أمام أنظمة الدفاع الإسرائيلية والأمريكية، لكن ورغم ذلك فهي تضع إسرائيل في مأزق، فليس أمام الأخيرة إما أن تقلل من شأن ما حدث وتعلن أنها ردت الهجوم بنجاح وتطوي الملف وكل طرف في زاويته يدعي النصر (الخيار الأكثر أمانا للطرفين)، أو أن تعظم وتهول من شأن ما حدث وعندها سيكون عليها الرد بالمثل وضرب الأراضي الإيرانية مباشرة وهذا قد يورط الولايات المتحدة في مواجهة لا تريدها ولا يدري أحد كيف ومتى ستنتهي.
من يدعون أنها مسرحية صنفين، صنف المطبعين بفخر وهؤلاء لا يمكنك فهم سيكولوجيتهم إلا من خلال مثال العا**ة التي ترمي بقية النساء بالنفاق والعـ** المتخفي (أحيانا هذا صحيح) لتبدو في النهاية هي الصادقة وصاحبة المبدأ، هذا السلوك لا بد منه بالنسبة لهذا الصنف للحفاظ على نوع من الاستقرار النفسي. ونوع ثان ضد التطبيع بصدق وفي نفس الوقت ضد ما فعلته إيران بالمنطقة فاختلطت الأمور عليه لرؤيته العالم على أنه إما أبيض أو أسود.

ندع جانبا الصنف الأول، أنت الذي يعتقد أنها مسرحية ومجرد تمثيلية وضد التطبيع حقا، من تعتقد أنهم يخدعون بهذه التمثيلية، هل يخدعون الصنف الأول أم يحاولون خداعك أنت؟ وإن كنت أنت المستهدف بهذه الخدعة فمن أجل ماذا؟ ما الذي يضيفه موقفك ومعك 200 مليون آخرين في الواقع؟

هذه الحنكة الشعبوية سببها أن الناس لا تستوعب أنه في العلاقات الدولية ليس هناك فريق للخير يضم كل الأخيار مقابل فريق للشر يضم كل الأشرار، وبالتالي يكون الصراع بين شرين أو عدوين لهم هو أمر مستحيل، وإن حدث فهو مجرد خدعة بصرية حتى وإن كان لا يدري أحد ما الجدوى منها. يضاف إلى هذا وهم شعبوي يجعل الناس تعطي نفسها أهمية أكثر مما تستحق، سواءً في المسائل الوطنية أو الدولية يعتقد هؤلاء أن الحكومات الوطنية والأجنبية ترتعد خوفا من موقف الرأي العام وكل ما تفعله هو من أجل إلهائه وخداعه حتى لا يستيقظ ويبطش بها.

هذا لا ينفي أنه قد تجري أحيانا تمثيليات حتى بين أشد الدول عداوة في ما بينها، لكن ليس بمنطق المقاهي بل الذي يحدث هو تنسيق محدود لغاية مشتركة، وإيران بمشروعها التوسعي الحالي في المنطقة لا يسعها إلا أن تصطدم بإسرائيل بغض النظر عن طبيعة النظام، وتركيا كذلك لو فكرت في مد نفوذها مرة أخرى في المنطقة كما حاولت في وقت من الأوقات، ستصطدم بإيران وإسرائيل بلا شك، وكذلك أي دولة ذات طموح إمبراطوري ومهما كان شكل أيديولوجيتها.

خلاصة الكلام، وحتى تريح رأسك من البحث في نوايا الدول، أنظر لما يحدث على أنه دائما رغبة في تحقيق مصالح وطنية، قد لا يكون هذا دقيقا دائما، لكن في غالب الأحيان الأمر كذلك، وما تفعله إيران أو السعودية أو الأردن أو مصر كله بدافع المصلحة الوطنية أولا، قد تختلف في تقدير تلك المصلحة وتعتبر أن السياسة المتبعة خاطئة، لكن ما يحدث ليس من باب الرغبة في العمالة لأحد لدى البعض، وليس من باب الطهارة الثورية لدى البعض الآخر، كلهم على استعداد لفعل أي شيء لتحقيق ما يعتبرونه مصالح وطنية في إطار الممكن والمتاح أمامهم، وقد فعلوا ذلك كلهم في وقت من الأوقات بما في ذلك مدعي الطهارة منهم. هذا لا يعني تبني موقف عدمي تتساوى فيه كل المواقف بل تبني موقف مبني على فهم الواقع كما هو لا على أوهام، فتختار مساندة فريق ما وأنت غير مهتم بصدقه أو كذبه بل تنظر إلى أين توجهه مصالحه.
نفس من يطالبون اليوم غيرهم بتجاوز ما فعلته إيران في المنطقة باسم القضية الفلسطينية وتحرير الأقصى ومناهضة الكيان، هم أنفسهم الذين لم يشفع لصدام عندهم قصفه ومناهضته للكيان وتسليحه للمقاومة بدعوى ما فعله بهم وبإيران.
هناك علاقة غريبة بين انحدار البشر وخروجهم حاسري الرأس، وكأن الإنسان نزع ما على رأسه ومعه الفاصل بين الخاص والعام وإحساسه بالرمزيات والمقدس والشرف.
من العبث ومن الحماقة أحيانا أن تحاول جعل الخنزير يشمئز من التمرغ في الوحل والفضلات، بالنسبة له أنت في عالم وهو في عالم آخر تماما بقوانين أخرى. هو سعيد بتلك الفضلات كسعادتك أنت بالصابون، والوحل بالنسبة له هو حمام أندلسي فاخر.
القصد هو أن محاولة اقناع كل الناس هي قضية خاسرة لا محالة، لأن ما تعتبره أنت انحطاطا سيكون دائما بالنسبة للبعض عين الرقي، فلا جدوى من أن تقول لابن عصره البار أن ما في زمانه من كذا وكذا هو انحطاط لأنه يعشق زمانه بالتحديد بسبب كذا وكذا. الشيء الوحيد عبر التاريخ الذي كان يحسم هذه الجدلية هي القوة، فإما أن تفرض الصابون أو عليك تحمل وجود الفضلات.