الحديث عن حقوق الإنسان وازدواجية الغرب في التعامل معها لا ينبغي أن يكون هدفه النهائي هو إثبات نفاق الغرب بل استحالة وعبثية هذه الحقوق. الغرب لا يرغب في نقض ما يدعيه من حقوق الإنسان بقدر ما هو براغماتي أمام الواقع الذي يفرض عليه تجاوزها للحفاظ على مصالحه، وإلا فهو يتمنى لو كان بمقدوره فرض هيمنته على العالم فقط من خلال خطاب الحقوق، لكن هذا مستحيل، لأن مصالح الدول والشعوب لا بد من أن تتعارض، وإذا بدت لك غير متعارضة فلأنك قد دخلت عالم ديزني الخيالي ولم تعد تعيش في العالم الحقيقي القائم على الصراع الذي سيبقى دائما أفضل من جحيم مثالية ديزني.
ملحوظة: عند الحديث عن الغرب فالمقصود بذلك هو السلطة والنخب الحاكمة وليس عوام الغربيين الذين قد يعتنقون دين الإنسانية بصدق ويعتقدون أنه حقيقة ممكنة مثلما يعتنق أي فرد في العالم دينا ما.
ملحوظة: عند الحديث عن الغرب فالمقصود بذلك هو السلطة والنخب الحاكمة وليس عوام الغربيين الذين قد يعتنقون دين الإنسانية بصدق ويعتقدون أنه حقيقة ممكنة مثلما يعتنق أي فرد في العالم دينا ما.
مجرد تخمينات…
حزب الله ليس أمامه خيار آخر سوى دخول الحرب، ليس من أجل غزة، بل لأنه هو التالي في القائمة إذا تُمكن من حماس، وإذا لم يفعل سيقال له أكلت يوم أكل الثور الأبيض، لكن حزب الله حاليا متردد ويماطل في دخول الحرب لأنه يطمع في أن تصمد حماس وتجنبه بذلك الخسائر الفادحة التي ستلحق بالحزب وبلبنان.
أما الولايات المتحدة، فإن انتهت هذه الحرب دون تهجير كامل نحو سيناء فإنه ليس أمامها سوى إيجاد حل حقيقي لبناء دولة فلسطينية بشكل يرضي نوعا ما الفلسطينيين ومنهم حماس حتى لو تطلب ذلك تفكيك كل المستوطنات في الضفة مقابل أن ينسى الفلسطينيون قضية عودة اللاجئين لأن تلك الدولة يستحيل أن توافق على ذلك لأنه يعني زوالها فور حدوث ذلك بالضرورة.
وإذا لم تفعل الولايات المتحدة هذا فسيكون عليها تحمل تبعات انكشاف نقطة ضعفها أمام خصومها الحقيقيين (الصين أولا ثم روسيا) الذين ترى لعابهم منذ الآن وهو يسيل تلهفا لما يمكنهم فعله بها من خلالها.
أما تلك الدويلات الاقتصادية التي تريد أن تصنع مجدا لها بالمال (غريب كيف أنها تشابه في هذا شعب تلك الدولة) فهي الأخرى ليس أمامها سوى الدفع نحو إيجاد حل نهائي للقضية الفلسطينية، إما بالتهجير أو قيام الدولة، لتتفرغ بعدها دولتهم الصديقة لردع إيران بعد أن تخلت الإمبراطورية عنهم.
أما إيران فلا أظنها سعيدة بطوفان الأقصى من حيث التوقيت، ولا أظنها كانت على علم مسبق به، لأن عملية بهذا الحجم كانت ستفضل أن تكون في حالة هجوم تلك الدولة على أراضيها وعلى برنامجها النووي، وتردد حزب الله في دخول الحرب دليل على أن التدبير لم يأتي من إيران. ومهما كانت نتيجة هذه الحرب لن تكون إيران سعيدة بها، فإذا كانت نهايتها دولة فلسطينية، فهذا يعني خروج قضية فلسطين من يدها، ولا يمكنها عندها أن تكون ملكية أكثر من الملك، خاصة إذا وافقت حماس، وغالبا ستوافق. وإذا انهزمت حماس تماما، وهذا الأسوء بالنسبة لها، فهذا يعني فقدانها إحدى أوراقها وبداية العد التنازلي لفقدان بقية الأوراق.
حزب الله ليس أمامه خيار آخر سوى دخول الحرب، ليس من أجل غزة، بل لأنه هو التالي في القائمة إذا تُمكن من حماس، وإذا لم يفعل سيقال له أكلت يوم أكل الثور الأبيض، لكن حزب الله حاليا متردد ويماطل في دخول الحرب لأنه يطمع في أن تصمد حماس وتجنبه بذلك الخسائر الفادحة التي ستلحق بالحزب وبلبنان.
أما الولايات المتحدة، فإن انتهت هذه الحرب دون تهجير كامل نحو سيناء فإنه ليس أمامها سوى إيجاد حل حقيقي لبناء دولة فلسطينية بشكل يرضي نوعا ما الفلسطينيين ومنهم حماس حتى لو تطلب ذلك تفكيك كل المستوطنات في الضفة مقابل أن ينسى الفلسطينيون قضية عودة اللاجئين لأن تلك الدولة يستحيل أن توافق على ذلك لأنه يعني زوالها فور حدوث ذلك بالضرورة.
وإذا لم تفعل الولايات المتحدة هذا فسيكون عليها تحمل تبعات انكشاف نقطة ضعفها أمام خصومها الحقيقيين (الصين أولا ثم روسيا) الذين ترى لعابهم منذ الآن وهو يسيل تلهفا لما يمكنهم فعله بها من خلالها.
أما تلك الدويلات الاقتصادية التي تريد أن تصنع مجدا لها بالمال (غريب كيف أنها تشابه في هذا شعب تلك الدولة) فهي الأخرى ليس أمامها سوى الدفع نحو إيجاد حل نهائي للقضية الفلسطينية، إما بالتهجير أو قيام الدولة، لتتفرغ بعدها دولتهم الصديقة لردع إيران بعد أن تخلت الإمبراطورية عنهم.
أما إيران فلا أظنها سعيدة بطوفان الأقصى من حيث التوقيت، ولا أظنها كانت على علم مسبق به، لأن عملية بهذا الحجم كانت ستفضل أن تكون في حالة هجوم تلك الدولة على أراضيها وعلى برنامجها النووي، وتردد حزب الله في دخول الحرب دليل على أن التدبير لم يأتي من إيران. ومهما كانت نتيجة هذه الحرب لن تكون إيران سعيدة بها، فإذا كانت نهايتها دولة فلسطينية، فهذا يعني خروج قضية فلسطين من يدها، ولا يمكنها عندها أن تكون ملكية أكثر من الملك، خاصة إذا وافقت حماس، وغالبا ستوافق. وإذا انهزمت حماس تماما، وهذا الأسوء بالنسبة لها، فهذا يعني فقدانها إحدى أوراقها وبداية العد التنازلي لفقدان بقية الأوراق.
كوريا الشمالية هي حزب الله أو proxy بالنسبة للصين، عندما ترغب الصين في القيام بحركة ما دون أن تكون هي في الواجهة تستعين بكوريا الشمالية.
وهذا الخبر الذي في الصورة حتى لو لم يكن صحيحا الآن، فهو سيصبح صحيحا بعد فترة، والولايات المتحدة تعلم ذلك بعدما أصبحت المنطقة الرخوة في بناءها الإمبراطوري مكشوفة ورأى العالم كله كيف هرعت لنجدتها مثل المجنونة بشكل غير مسبوق.
لهذا ستفعل الولايات المتحدة كل شيء لتصفية القضية الفلسطينية سواءً من خلال حل الدولتين أو التهجير (هذا الأصعب) وسواء مع وجود حماس أو دونها، المهم بالنسبة لها أن لا يبقى بالها مشغولا بالعيال وهي مشغولة بحربها الأهم في بحر الصين، وأن لا تبتزها الصين بالعيال كمان تبتز هي الصين بتايوان.
وهذا الخبر الذي في الصورة حتى لو لم يكن صحيحا الآن، فهو سيصبح صحيحا بعد فترة، والولايات المتحدة تعلم ذلك بعدما أصبحت المنطقة الرخوة في بناءها الإمبراطوري مكشوفة ورأى العالم كله كيف هرعت لنجدتها مثل المجنونة بشكل غير مسبوق.
لهذا ستفعل الولايات المتحدة كل شيء لتصفية القضية الفلسطينية سواءً من خلال حل الدولتين أو التهجير (هذا الأصعب) وسواء مع وجود حماس أو دونها، المهم بالنسبة لها أن لا يبقى بالها مشغولا بالعيال وهي مشغولة بحربها الأهم في بحر الصين، وأن لا تبتزها الصين بالعيال كمان تبتز هي الصين بتايوان.
حسّ سليم
Photo
إلى غاية حرب 1967 كانت فرنسا هي الداعم الأول لتلك الدولة بالسلاح والتكنولوجيا النووية عندما قرر الرئيس ديغول حظر السلاح* عن منطقة الشرق الأوسط وألقى خطابه الذي أعتبر فيه تلك الدولة هي المعتدي والبادئ بالحرب، ووصف شعبها بأنه شعب نخبة واثق من نفسه ومهيمن (في أيامنا كان سيعتبر هذا معاداة للسامية)، ومنذ ذلك الوقت أخذت فرنسا نهجا سياسيا يعرف باسم "السياسة العربية" la politique arabe فيه نوع من الميل نحو العرب ومخالف للسياسة الأمريكية بشكل عام. ثم استمر الحال على هذا مع كل الرؤساء المتعاقبين إلى غاية جاك شيراك الذي عرف بمعارضته القوية لغزو العراق.
لكن بعد شيراك جاء ساركوزي الذي غير كل السياسة الخارجية لفرنسا وليس السياسة العربية فقط، وأعاد بلاده إلى القيادة المركزية للناتو وأصبحت تسير خلف ما تقوله الولايات المتحدة وكأنها بريطانيا.
هذا التحول الذي جاء به ساركوزي ذو الأصول *** ترافق مع تحول في اليمين "المتطرف" من معاداته للسامية إلى التصهين، إلى درجة أصبحت فيه رموز هذا اليمين من ذلك الشعب، ووضع هذا اليمين يده على كل الإعلام تقريبا وأصبح مصير أي سياسي متعلق بموقفه من تلك الدولة.
وكما هو متوقع في هذه الحرب على غزة، كان الإعلام الفرنسي لا يختلف كثيرا عن إعلام تلك الدولة وكل السياسيين تقريبا حجوا إليها للتضامن وإعلان المساندة، وكذلك فعل الرئيس الماكرون البراغماتي جدا والضعيف عادة أمام الإعلام، لكنه أمام ضغط السلك الديبلوماسي الذي ما يزال محافظا نوعا ما على تقاليد "السياسة العربية" تراجع قليلا في دعمه لها وأبدى نوعا من التوازن في الخطاب رغم ضغط الإعلام.
في هذا الإعلام الذي لا تكاد تجد فيه صوتا معارضا إلا من حزب "فرنسا الأبية" اليساري الذي يتعرض منذ سنوات للشيطنة لا لأنه "يساري" بل لأنه لم ينسق خلف قافلة التصهين الجديد، هناك رجل واحد فقط تجرأ على إعادة موقف فرنسا التقليدي إلى الواجهة هو دومينيك دو فيلبان الوزير الأول السابق في حكومة جاك شيراك، وهو رجل ديغولي له مكانته ومعروف بخبرته الديبلوماسية وفصاحته النادرة بين السياسيين المعاصرين وليس من السهل شيطنته كاليسار إلى أن قال منذ يومين في أحد البرامج ما لا يجرؤ عليه أي سياسي فرنسي أو غربي وهو يشرح أسباب صعوبة الحل السياسي في فلسطين ومن بينها "هيمنة المال على مجالات الإعلام والفن والموسيقى في الولايات المتحدة" ثم أضاف إلى ذلك فرنسا، ولك أن تتخيل كيف فهمت هذه العبارة وفسرت على أنها معاداة صريحة للسامية رغم أن تفسير كلامه بهذه الطريقة يؤكدها أكثر على طريقة المثل الشعبي: "اللي تحته شوكة تنخزه".
*حظر السلاح لم يكن كاملا، فقد التف صانع الأسلحة الفرنسي الكبير Dassault ذو الأصول ** على الحظر وصدر أسلحته دون علم الرئيس ديغول.
لكن بعد شيراك جاء ساركوزي الذي غير كل السياسة الخارجية لفرنسا وليس السياسة العربية فقط، وأعاد بلاده إلى القيادة المركزية للناتو وأصبحت تسير خلف ما تقوله الولايات المتحدة وكأنها بريطانيا.
هذا التحول الذي جاء به ساركوزي ذو الأصول *** ترافق مع تحول في اليمين "المتطرف" من معاداته للسامية إلى التصهين، إلى درجة أصبحت فيه رموز هذا اليمين من ذلك الشعب، ووضع هذا اليمين يده على كل الإعلام تقريبا وأصبح مصير أي سياسي متعلق بموقفه من تلك الدولة.
وكما هو متوقع في هذه الحرب على غزة، كان الإعلام الفرنسي لا يختلف كثيرا عن إعلام تلك الدولة وكل السياسيين تقريبا حجوا إليها للتضامن وإعلان المساندة، وكذلك فعل الرئيس الماكرون البراغماتي جدا والضعيف عادة أمام الإعلام، لكنه أمام ضغط السلك الديبلوماسي الذي ما يزال محافظا نوعا ما على تقاليد "السياسة العربية" تراجع قليلا في دعمه لها وأبدى نوعا من التوازن في الخطاب رغم ضغط الإعلام.
في هذا الإعلام الذي لا تكاد تجد فيه صوتا معارضا إلا من حزب "فرنسا الأبية" اليساري الذي يتعرض منذ سنوات للشيطنة لا لأنه "يساري" بل لأنه لم ينسق خلف قافلة التصهين الجديد، هناك رجل واحد فقط تجرأ على إعادة موقف فرنسا التقليدي إلى الواجهة هو دومينيك دو فيلبان الوزير الأول السابق في حكومة جاك شيراك، وهو رجل ديغولي له مكانته ومعروف بخبرته الديبلوماسية وفصاحته النادرة بين السياسيين المعاصرين وليس من السهل شيطنته كاليسار إلى أن قال منذ يومين في أحد البرامج ما لا يجرؤ عليه أي سياسي فرنسي أو غربي وهو يشرح أسباب صعوبة الحل السياسي في فلسطين ومن بينها "هيمنة المال على مجالات الإعلام والفن والموسيقى في الولايات المتحدة" ثم أضاف إلى ذلك فرنسا، ولك أن تتخيل كيف فهمت هذه العبارة وفسرت على أنها معاداة صريحة للسامية رغم أن تفسير كلامه بهذه الطريقة يؤكدها أكثر على طريقة المثل الشعبي: "اللي تحته شوكة تنخزه".
*حظر السلاح لم يكن كاملا، فقد التف صانع الأسلحة الفرنسي الكبير Dassault ذو الأصول ** على الحظر وصدر أسلحته دون علم الرئيس ديغول.
حسّ سليم
Photo
حالة نواح هيستيرية تمر بها أوروبا من أجل معاداة السامية، ولا حديث للإعلام تقريبا سوى عن ازدياد حوادث معاداة السامية، خاصة في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، وإذا كنت تعتقد أنها مجرد بروباغندا لإبعاد الأنظار عما يصل من غزة من أخبار وصور فأنت لم تجانب الصواب. في فرنسا مثلا تم تسجيل 1200 بلاغ بمعاداة السامية منذ السابع من أكتوبر، وعندما نقول "بلاغ" فنحن لا نتحدث عن وقائع تم إثباتها بل مجرد ادعاءات لم يتم التحقيق فيها وقد يكون الكثير منها لواقعة واحدة، ومع ذلك يتم التعامل معها وكأنها حقائق من قبل الحكومة والطبقة السياسية والإعلام. فقط إمام مسجد باريس تجرأ وطلب بحسن نية توضيحات حول هذه البلاغات لتكون الناس على علم بطبيعتها لتستطيع حسبه مواجهتها. قال ذلك في الصباح ولم يصل المساء إلا وهو يطلب الصفح لتجرؤه على طرح ذلك التساؤل بعد أن أتهم طيلة اليوم بالتشكيك في الأرقام وأنه revisionist، المسكين نسي أن أعظم المحرمات هي التشكيك أو حتى مجرد مناقشة الأرقام التي تقدم حولهم (6)، رغم أن أغلب المؤشرات تدعو إلى التكذيب وليس التشكيك فقط، فمن بين 1200 بلاغ مزعوم انتشر في الإعلام بلاغان فقط، تم الردح من أجلهما لعدة أيام، ووجهت أصابع الاتهام فيها إلى المسلمين بالاسم.
أحد البلاغين كان حول انتشار الكثير من رسوم نجمة داوود زرقاء اللون في عدة أحياء، ومع أنه من الواضح أن تلك الرسوم غير مسيئة وتبدو
أقرب لدعم تلك الدولة، إلا أن ذلك لم يمنع البكاء حولها طويلا، وتم سؤال بعض ** وهم يقفون أمامها والدمع على الخد (حرفيا) عن شعورهم اتجاها وكيف تذكرهم بالأربعينيات، لكن تبين أن من يقف وراءها هما زوجان من مولدوفا (دولة جنوب أوكرانيا)، هنا بدأت قصة أصابيع بوتين التي تريد زعزعة البلاد، ثم اتضح في النهاية أن من دفع للزوجين هي مجموعة دعم لتلك الدولة، وبالكاد ذكر هذا في الإعلام. وقبل أن تُعرف هوية الفاعلين إعلاميا خرج وزير الداخلية ليتهم المسلمين صراحة وهو يعلم يقينا ما هي هوية الفاعلين اللذين كانا في التوقيف قبل ترحيلهما لاحقا إلى مولدوفا بشكل سريع وغريب.
البلاغ الثاني كان حول امرأة تم طعنها وشتمها لكونها ******، وتم رسم الصليب المعقوف على باب بيتها، ليتبين في الأخير أنها هي من طعنت نفسها وألفت القصة، ومرة أخرى ذكر هذا على استحياء.
أحد البلاغين كان حول انتشار الكثير من رسوم نجمة داوود زرقاء اللون في عدة أحياء، ومع أنه من الواضح أن تلك الرسوم غير مسيئة وتبدو
أقرب لدعم تلك الدولة، إلا أن ذلك لم يمنع البكاء حولها طويلا، وتم سؤال بعض ** وهم يقفون أمامها والدمع على الخد (حرفيا) عن شعورهم اتجاها وكيف تذكرهم بالأربعينيات، لكن تبين أن من يقف وراءها هما زوجان من مولدوفا (دولة جنوب أوكرانيا)، هنا بدأت قصة أصابيع بوتين التي تريد زعزعة البلاد، ثم اتضح في النهاية أن من دفع للزوجين هي مجموعة دعم لتلك الدولة، وبالكاد ذكر هذا في الإعلام. وقبل أن تُعرف هوية الفاعلين إعلاميا خرج وزير الداخلية ليتهم المسلمين صراحة وهو يعلم يقينا ما هي هوية الفاعلين اللذين كانا في التوقيف قبل ترحيلهما لاحقا إلى مولدوفا بشكل سريع وغريب.
البلاغ الثاني كان حول امرأة تم طعنها وشتمها لكونها ******، وتم رسم الصليب المعقوف على باب بيتها، ليتبين في الأخير أنها هي من طعنت نفسها وألفت القصة، ومرة أخرى ذكر هذا على استحياء.
حسّ سليم
Photo
في كتابه «صدام الحضارات» قسم صامويل هنتنغتون العالم إلى مجموعة كتل حضارية أهمها:
- الحضارة الصينية الكونفوشيوسية
- الحضارة الهندوسية
- الحضارة الأرثوذكسية
- الحضارة الإسلامية
- الحضارة الغربية البروتستانية/الكاثوليكية (لم يذكر هذه المذاهب رغم وضوحها فمن عادة الغربيين التحدث عن الشيء دون ذكره)
كما هو واضح، فإن تقسيم الحضارات في العالم بالدرجة الأولى له أساس ديني حتى وإن كانت بعض هذه الحضارات تحاول أن تقدم نفسها على أنها ليست كذلك، لأنه كما يقول أندريه مالرو: «إن طبيعة حضارة ما هو ما يتراكم حول دين معين». إذن مهما كانت طبيعة النظام الحاكم أو توجهات السياسي في السلطة فإن هذا الواقع الحضاري والتاريخي والثقافي سيسحبه إليه حتى لو حاول التجرد منه، لأنه مهما حاول تجاهله فإن واقع الصراع في العالم سيذكره به دائما ولن يترك له الخيار لو كانت له رغبة حقيقية في أن يكون له اعتبار في هذا العالم، وبالتالي حتى لو كانت دولة ما علمانية مقتنعة أو تدعي العلمانية في شؤونها الداخلية فإنها في النهاية لا بد من أن تأخذ في الاعتبار إرثها التاريخي والديني في حساباتها الدولية، وما لم تأخذ ذلك في الحسبان فإن غيرها سيفعل ذلك بدلاً عنها (مثل محاولة تركيا دخول الاتحاد الأوروبي).
بغض النظر عما سلف فإن ما يهمنا هنا هو التفكر في هذه الحضارات ومحاولة تقييم أوضاعها من بعيد، سنجد عندها أن كل تلك الحضارات إما أنها محصورة في دولة واحدة كبرى مثل الصين والهند، أو أن لها مركز تحوم حوله بقية دول الحضارة مثل حال الولايات المتحدة مع الحضارة الغربية، باستثناء الحضارة الإسلامية التي تعيش في حالة فوضى ولا تجمعها دولة واحدة ضمن سلطة سياسية موحدة، وليس لها مركز ثقل لتحوم حوله بقية دولها… لكن لماذا؟
أما الوحدة السياسية الكاملة للعالم الإسلامي فهي ضرب من ضروب الطوباوية التي يمكنك أن تحلم بها كما تشاء قبل نومك أو أثناءه، لكن ما لم تملك معجزة سماوية تخرق بها قوانين الحياة فإنه من المستحيل أن تجمع كل تلك الحضارة المترامية الأطراف وذات التنوع الثقافي والحجم الديموغرافي الكبير في كيان سياسي واحد، وأي محاولة لفعل ذلك لن تكون نتيجتها سوى سفك أنهار من الدماء دون جدوى. بالتأكيد لن تنجح في ما فشل فيه الأولون وهم خير القرون ضمن مساحة أقل بكثير وديموغرافيا لا تكاد تذكر مع ما هو موجود اليوم.
وأما غياب المركز فسببه عدم وجود دولة إسلامية لها من القدرات العسكرية والاقتصادية والنووية التي تسمح لها بفرض نفسها بالقوة كمركز على بقية أقرانها كما تفعل الولايات المتحدة مع بقية دول الغرب، فتكون هي الحامي لها والمنظم لشؤونها لتشكل حلفا يمكنه مواجهة بقية الكتل الحضارية.
وإذا دققنا أكثر في هذه الحضارة الإسلامية فسنجد أن هذه الأزمة ليست عامة بالمطلق بل سنجد فيها جمهورية إيران التي وإن فشلت في أن تكون مركزا للعالم الإسلامي (أو على الأقل هكذا يقال عن مشروع تصدير الثورة الإسلامية) بسبب مذهبها الشيعي من جهة الذي يمثل أقلية في العالم الإسلامي، ومن جهة أخرى لم تصل قوتها إلى الدرجة التي تسمح لها بتجاوز مذهبها، إلا أنها على الأقل استطاعت فرض نفسها في النهاية كمركز قوة للمذهب الشيعي أو من يقتربون منه وأصبح كل الشيعة في العالم يدينون لها بالولاء بوصفها الحامية لهم، وساعد في ذلك نظام المرجعية الدينية وقرب مناطق الشيعة من إيران.
وبالتالي فإن الأزمة الحقيقية نجدها لدى السنة، الذين لم تستطع أي دولة من دولهم من فرض نفسها، هذا لا يعني أنه لم توجد دول سنية تطمح إلى ذلك مثل تركيا أو مصر أو حتى السعودية، لكنها ما تزال بعيدة جدا عن ذلك بسبب ضعفها ولأن الزعامة لا تؤخذ برفع الأيدي بل بفرض الذات، وإلى أن تتمكن إحدى هذه الدول أو غيرها من تحقيق ذلك سيظل العالم الإسلامي وبالتحديد السني في حالة فوضى واضطراب، وسيظل وصم "الإرهاب" ملتصق به، لأن هذا الوصم (ولا يشمل هذا حركات المقاومة مثل حماس) ما هو سوى تعبير طبيعي عن الضياع وافتقاد مركز سياسي وعسكري يستطيع معه السني الركون تحت حمايته والشعور بأن هناك جهة ما رسمية ترعى مصالحه حتى وإن لم تنجح في ذلك تماما أمام الكتل الحضارية الأخرى بحيث يستغني عن اللجوء إلى الحماقات التي لا طائل منها وقد تضره أكثر مما تنفعه.
ملاحظة: هذا البوست هو مجرد تلخيص لفكرة عامة دون الدخول في تفاصيل كل جانب منها لتوضيحها خاصة للمتابع الجديد، لهذا ستجد من يقرأ فيه ما هو غير مكتوب وكل أنواع سوء الفهم الذي يطلقه البعض ما إن تمر على ذهنه كلمات مفتاحية فيفعل ردود تلقائية وجاهزة مسبقا بغض النظر عن السياق.
- الحضارة الصينية الكونفوشيوسية
- الحضارة الهندوسية
- الحضارة الأرثوذكسية
- الحضارة الإسلامية
- الحضارة الغربية البروتستانية/الكاثوليكية (لم يذكر هذه المذاهب رغم وضوحها فمن عادة الغربيين التحدث عن الشيء دون ذكره)
كما هو واضح، فإن تقسيم الحضارات في العالم بالدرجة الأولى له أساس ديني حتى وإن كانت بعض هذه الحضارات تحاول أن تقدم نفسها على أنها ليست كذلك، لأنه كما يقول أندريه مالرو: «إن طبيعة حضارة ما هو ما يتراكم حول دين معين». إذن مهما كانت طبيعة النظام الحاكم أو توجهات السياسي في السلطة فإن هذا الواقع الحضاري والتاريخي والثقافي سيسحبه إليه حتى لو حاول التجرد منه، لأنه مهما حاول تجاهله فإن واقع الصراع في العالم سيذكره به دائما ولن يترك له الخيار لو كانت له رغبة حقيقية في أن يكون له اعتبار في هذا العالم، وبالتالي حتى لو كانت دولة ما علمانية مقتنعة أو تدعي العلمانية في شؤونها الداخلية فإنها في النهاية لا بد من أن تأخذ في الاعتبار إرثها التاريخي والديني في حساباتها الدولية، وما لم تأخذ ذلك في الحسبان فإن غيرها سيفعل ذلك بدلاً عنها (مثل محاولة تركيا دخول الاتحاد الأوروبي).
بغض النظر عما سلف فإن ما يهمنا هنا هو التفكر في هذه الحضارات ومحاولة تقييم أوضاعها من بعيد، سنجد عندها أن كل تلك الحضارات إما أنها محصورة في دولة واحدة كبرى مثل الصين والهند، أو أن لها مركز تحوم حوله بقية دول الحضارة مثل حال الولايات المتحدة مع الحضارة الغربية، باستثناء الحضارة الإسلامية التي تعيش في حالة فوضى ولا تجمعها دولة واحدة ضمن سلطة سياسية موحدة، وليس لها مركز ثقل لتحوم حوله بقية دولها… لكن لماذا؟
أما الوحدة السياسية الكاملة للعالم الإسلامي فهي ضرب من ضروب الطوباوية التي يمكنك أن تحلم بها كما تشاء قبل نومك أو أثناءه، لكن ما لم تملك معجزة سماوية تخرق بها قوانين الحياة فإنه من المستحيل أن تجمع كل تلك الحضارة المترامية الأطراف وذات التنوع الثقافي والحجم الديموغرافي الكبير في كيان سياسي واحد، وأي محاولة لفعل ذلك لن تكون نتيجتها سوى سفك أنهار من الدماء دون جدوى. بالتأكيد لن تنجح في ما فشل فيه الأولون وهم خير القرون ضمن مساحة أقل بكثير وديموغرافيا لا تكاد تذكر مع ما هو موجود اليوم.
وأما غياب المركز فسببه عدم وجود دولة إسلامية لها من القدرات العسكرية والاقتصادية والنووية التي تسمح لها بفرض نفسها بالقوة كمركز على بقية أقرانها كما تفعل الولايات المتحدة مع بقية دول الغرب، فتكون هي الحامي لها والمنظم لشؤونها لتشكل حلفا يمكنه مواجهة بقية الكتل الحضارية.
وإذا دققنا أكثر في هذه الحضارة الإسلامية فسنجد أن هذه الأزمة ليست عامة بالمطلق بل سنجد فيها جمهورية إيران التي وإن فشلت في أن تكون مركزا للعالم الإسلامي (أو على الأقل هكذا يقال عن مشروع تصدير الثورة الإسلامية) بسبب مذهبها الشيعي من جهة الذي يمثل أقلية في العالم الإسلامي، ومن جهة أخرى لم تصل قوتها إلى الدرجة التي تسمح لها بتجاوز مذهبها، إلا أنها على الأقل استطاعت فرض نفسها في النهاية كمركز قوة للمذهب الشيعي أو من يقتربون منه وأصبح كل الشيعة في العالم يدينون لها بالولاء بوصفها الحامية لهم، وساعد في ذلك نظام المرجعية الدينية وقرب مناطق الشيعة من إيران.
وبالتالي فإن الأزمة الحقيقية نجدها لدى السنة، الذين لم تستطع أي دولة من دولهم من فرض نفسها، هذا لا يعني أنه لم توجد دول سنية تطمح إلى ذلك مثل تركيا أو مصر أو حتى السعودية، لكنها ما تزال بعيدة جدا عن ذلك بسبب ضعفها ولأن الزعامة لا تؤخذ برفع الأيدي بل بفرض الذات، وإلى أن تتمكن إحدى هذه الدول أو غيرها من تحقيق ذلك سيظل العالم الإسلامي وبالتحديد السني في حالة فوضى واضطراب، وسيظل وصم "الإرهاب" ملتصق به، لأن هذا الوصم (ولا يشمل هذا حركات المقاومة مثل حماس) ما هو سوى تعبير طبيعي عن الضياع وافتقاد مركز سياسي وعسكري يستطيع معه السني الركون تحت حمايته والشعور بأن هناك جهة ما رسمية ترعى مصالحه حتى وإن لم تنجح في ذلك تماما أمام الكتل الحضارية الأخرى بحيث يستغني عن اللجوء إلى الحماقات التي لا طائل منها وقد تضره أكثر مما تنفعه.
ملاحظة: هذا البوست هو مجرد تلخيص لفكرة عامة دون الدخول في تفاصيل كل جانب منها لتوضيحها خاصة للمتابع الجديد، لهذا ستجد من يقرأ فيه ما هو غير مكتوب وكل أنواع سوء الفهم الذي يطلقه البعض ما إن تمر على ذهنه كلمات مفتاحية فيفعل ردود تلقائية وجاهزة مسبقا بغض النظر عن السياق.
حسّ سليم
Photo
بمناسبة الحديث عن ستيفن هوكينغ هناك ملحوظة كنت دائما أود الإشارة إليها وهي أن هوكينغ لم يشتهر بين الناس لتميزه في مجاله بين أقرانه بل لمجرد أنه معاق، ولو لم يكن كذلك لما سمع عنه أكثر الناس مثله كمثل المئات من الفيزيائيين. والدليل على هذا هو أن أهم إنجاز له والذي يذكر في كل مرة أثناء الحديث عن مسيرته العلمية ما يعرف بـ "إشعاع هوكينغ" الذي برهن هوكينغ على انبعاثه من الثقوب السوداء. بغض النظر عن كون البرهنة على هذا الشعاع لا تمثل ثورة في الفيزياء مثل نسبية آينشتاين أو قوانين نيوتن ولا تغير شيئا في حياة الناس كاختراع المحرك أو البطارية بحيث تضع صاحبها مع "العظماء" كما يفعل البعض مع هوكينغ، إلا أن هذا الشعاع، وبخلاف ما هو شائع بين الناس، لا يحمل اسم هوكينغ فقط؛ فاسمه الكامل هو "إشعاع بيكشتاين-هاوكينغ". ومع ذلك اشتهر هوكينغ ولا تكاد تجد من يعرف بيكشتاين، لأن العصر الحديث يميل دائما نحو التعظيم من الشخصيات التي تبدو من فئة مستضعفة أو تقدم كضحية لتكون نموذجا ملهما ودليلا على الإرادة القوية والتغلب على الظروف وأن كل شيء ممكن مع العزيمة رغم المعاناة أو الاضطهاد [على طريقة سخروا منه ثم فاجأهم]. فيقدم مثلا معاق أو أسود البشرة أو امرأة أو مشرد بطريقة قد تتجاوز بكثير حقيقة إنجازاتهم بالمقارنة مع أقرانهم لمجرد أنهم يصنفون أيديولوجيا ضمن فئة مهمشة ومضطهدة وأبناء حياة صالحة لأن تكون قصة رومنسية كما يحب ذلك الإعلام، فتكون بذلك ماهية الشخص أهم من فعله. ولأن الناس بطبعها تظن أن المشهور هو الأفضل بالضرورة فسيكون من الصعب إقناعها أن الأفضل ليس هو بالضرورة من يظهر أكثر على الشاشة.
أما صدمتهم مما قيل عن هوكينغ ضمن ما يعرف بفضيحة" جيفري إبستاين" فمرده ولو جزئيا إلى فكرة غرسها فيهم العصر الحديث تزعم أنه كلما كنت ضعيفا ومضطهدا كنت أكثر أخلاقية، لأن الضعف في حد ذاته فضيلة أما القوة فهي الرذيلة بعينها.
أما صدمتهم مما قيل عن هوكينغ ضمن ما يعرف بفضيحة" جيفري إبستاين" فمرده ولو جزئيا إلى فكرة غرسها فيهم العصر الحديث تزعم أنه كلما كنت ضعيفا ومضطهدا كنت أكثر أخلاقية، لأن الضعف في حد ذاته فضيلة أما القوة فهي الرذيلة بعينها.
حسّ سليم
Photo
لنزيد الطين بلة.. عند مناقشة شهرة بعض العلماء يجب النظر إلى الموضوع بعين نتفلكس التي تبحث عن الدراما والتنوع لفهم الأسباب الأيديولوجية لتلك الشهرة. عندئذ لن نجد هوكينغ فقط هو من اشتهر اسمه بسبب حالته الشخصية بل غيره كثير، مثل نيل تايسون الذي يقدم حاليا وكأنه عالم عصره في حين أنه واقعيا ليس أكثر من إعلامي ذي بشرة سوداء (مناهضة العنصرية) يقدم عروضا مبهرة/مبسطة للمشاهدين.
ماري كوري أيضا التي وإن كانت لا تقارن بمهرجي البوب ساينس وتعد من علماء الصف الأول إلا أنها هي الأخرى لم تشتهر بين الناس كل تلك الشهرة إلا لأنها امرأة ولأن الخطاب النسوي كان بحاجة لها، والدليل على ذلك زوجها بيير الذي يقاسمها أعمالها ومع ذلك لا يُذكر اسمه منفردا أبدا بعكس ماري، وإذا ذكر يكون ذلك ضمن سياق الحديث عن زوجته، والزوجان اشتهرا بسبب اكتشاف الراديوم (قلة من الناس تعرفه) بعد أن قاما بفصله عن اليورانيوم (من لا يعرف اليورانيوم؟)، لكن من من عامة الناس يعرف اسم مكتشفه الألماني مارتن كلابروت؟ لا أحد يهتم.
كذلك بالنسبة لآينشتاين الذي وإن حق له أن يكون أهم فيزيائي في القرن العشرين إلا أن سبب شهرته ليس مرتبطا بأعماله، لأن الناس تريد سماع القصص الدرامية والملهمة وآخر ما يهمها فهم المعادلات الفيزيائية المعقدة. وفي حالة آينشتاين فقد مثل في فترة الحرب العالمية وبعدها اليهودي المضطهد الذي قمعه الألمان وجعلوه مشردا ومع ذلك تفوقت عبقريته وأنتج نظرية يثير اسمها خيال الجماهير.
نفس الأمر بالنسبة للمخترع نيكولا تسلا، وهو فعلا مخترع عظيم، لكن الذي جعل اسمه يتردد كثيرا مؤخرا بين الناس هو المظلومية التي أصابته وسرقت مجهودات عمره، فكان بذلك مادة درامية دسمة عن ضحية سلب منها حقها وماتت مهمشة.
وبالعودة في الزمن سنجد فلكيا عظيما لا جدال فيه هو غاليليو، لكن سبب شهرته الكبيرة بين الناس هو توظيفه في صراع أيديولوجي ضد الكنيسة إلى درجة أن أغلب الناس تعتقد أنه قد أعدم على يدها. في حين من يعرف مؤسس الكيمياء الحديثة لافوازيه الذي أعدمته الثورة الفرنسية وقيل أن القاضي الذي حكم عليه بالاعدام قد قال عندما قيل له أنه عالم لا نظير له: «إن الثورة لا تحتاج إلى عباقرة»؟ قلة يعرفونه لأنه لم يوظف أيديولوجيا.
هنا تفهم لمَ لا تعرف الناس أسماءً مثل ماكس بلانك و نيلز بور وبوانكاريه وبول دايفس وماكس بورن وغيرهم؛ لأن حياتهم لا يمكن توظيفها أيديولوجيا ولا تقدم تشويقا مثل قصة دافينشي الرومنسية مع صاحبة أشهر لوحة في العالم: موناليزا.
ماري كوري أيضا التي وإن كانت لا تقارن بمهرجي البوب ساينس وتعد من علماء الصف الأول إلا أنها هي الأخرى لم تشتهر بين الناس كل تلك الشهرة إلا لأنها امرأة ولأن الخطاب النسوي كان بحاجة لها، والدليل على ذلك زوجها بيير الذي يقاسمها أعمالها ومع ذلك لا يُذكر اسمه منفردا أبدا بعكس ماري، وإذا ذكر يكون ذلك ضمن سياق الحديث عن زوجته، والزوجان اشتهرا بسبب اكتشاف الراديوم (قلة من الناس تعرفه) بعد أن قاما بفصله عن اليورانيوم (من لا يعرف اليورانيوم؟)، لكن من من عامة الناس يعرف اسم مكتشفه الألماني مارتن كلابروت؟ لا أحد يهتم.
كذلك بالنسبة لآينشتاين الذي وإن حق له أن يكون أهم فيزيائي في القرن العشرين إلا أن سبب شهرته ليس مرتبطا بأعماله، لأن الناس تريد سماع القصص الدرامية والملهمة وآخر ما يهمها فهم المعادلات الفيزيائية المعقدة. وفي حالة آينشتاين فقد مثل في فترة الحرب العالمية وبعدها اليهودي المضطهد الذي قمعه الألمان وجعلوه مشردا ومع ذلك تفوقت عبقريته وأنتج نظرية يثير اسمها خيال الجماهير.
نفس الأمر بالنسبة للمخترع نيكولا تسلا، وهو فعلا مخترع عظيم، لكن الذي جعل اسمه يتردد كثيرا مؤخرا بين الناس هو المظلومية التي أصابته وسرقت مجهودات عمره، فكان بذلك مادة درامية دسمة عن ضحية سلب منها حقها وماتت مهمشة.
وبالعودة في الزمن سنجد فلكيا عظيما لا جدال فيه هو غاليليو، لكن سبب شهرته الكبيرة بين الناس هو توظيفه في صراع أيديولوجي ضد الكنيسة إلى درجة أن أغلب الناس تعتقد أنه قد أعدم على يدها. في حين من يعرف مؤسس الكيمياء الحديثة لافوازيه الذي أعدمته الثورة الفرنسية وقيل أن القاضي الذي حكم عليه بالاعدام قد قال عندما قيل له أنه عالم لا نظير له: «إن الثورة لا تحتاج إلى عباقرة»؟ قلة يعرفونه لأنه لم يوظف أيديولوجيا.
هنا تفهم لمَ لا تعرف الناس أسماءً مثل ماكس بلانك و نيلز بور وبوانكاريه وبول دايفس وماكس بورن وغيرهم؛ لأن حياتهم لا يمكن توظيفها أيديولوجيا ولا تقدم تشويقا مثل قصة دافينشي الرومنسية مع صاحبة أشهر لوحة في العالم: موناليزا.
حسّ سليم
Photo
ما تفعله جنوب إفريقيا في محكمة العدل الدولية ليس عديم الفائدة تماما، ليس من باب انتفاع غزة بذلك بشكل مباشر نظرا لأن قرار هذه المحكمة وإن صدر لصالح غزة فلن يكون حكما ملزما يجب تنفيذه إلا بعد عرضه على مجلس الأمن، وكما نعلم ستتصدى له الولايات المتحدة من خلال حق النقض، وهنا تكمن فائدة حكم محكمة العدل الدولية.
لدى نهاية الحرب العالمية الثانية، تشكل نظام سياسي واقتصادي عالمي جديد جعل من العالم دولة واحدة لها برلمانها (الجمعية العامة) وسلطتها التنفيذية (مجلس الأمن) وسلطتها القضائية (محكمة العدل الدولية)، بالاضافة إلى مؤسساتها المالية والاجتماعية. ولهذه الدولة جهة تعمل عمل الرئيس هي الولايات المتحدة التي تتزعم كل هذه المؤسسات وتعمل كشرطي ومراقب على العالم، وقد تولى هذا الرئيس تولى المنصب دون غيره باعتباره يمثل القوة العسكرية والاقتصادية الأولى في العالم دون منازع (خاصة بعد سقوط الاتحاد السوفييتي).
مما يعني أن شرعية الولايات المتحدة هي بالدرجة الأولى شرعية القوة، لكن في الحقيقة هذه الأخيرة وحدها غير كافية مثلما أنها غير كافية لأن يحكم أي نظام سياسي دولة ما أو زعيم عصابة عصابته أو ربما حتى الذئب ألفا لقطيعه؛ إذ لا بد من وجود نوع من القبول والرضا عند المحكومين أو جزء كبير منهم، لأن القوة وحدها يصعب عليها وقف تمرد شامل ومتراكم عبر الزمن، ومن أجل هذا ينبغي عليها تقديم شيء ما للمحكومين لقاء طاعتهم وهو ما يكون في الغالب الأمن والاستقرار وقانونا ينظم الحياة بين الأفراد (في حالتنا هنا الأفراد هم الدول).
إذن كان لا بد للولايات المتحدة من أن تضع قيما عليا تحمل اسم "حقوق الإنسان" لتحكم من خلالها، وهي ذاتها ما انبثق عنها القانون الدولي. ومثل كل صاحب سلطة وقوة يضع القانون، فإن الولايات المتحدة تتمتع بالحصانة أمامه، والعالم راضٍ بذلك إلى حد كبير مقابل الهدوء النسبي الذي شهدته البشرية بعد الحرب العالمية الثانية.
لكن المشكلة تبدأ عندما تصبح القوة المهيمنة مصدر عدم الاستقرار والأمان، وهذا ما فعلته الولايات المتحدة في غزوها للعراق عندما قفزت على المؤسسات الدولية التي أنشأتها لضمان الاستقرار (ضمن هيمنتها)، وبفعلتها تلك ظهر صدع في جدار النظام الدولي. صحيح أن هذا الصدع غير كافٍ لهدم الجدار، لكن تراكم التصدعات مثل قصف ليبيا وتوسع الناتو سيؤدي حتما إلى انهياره في النهاية. وفي كل مرة تقوم الولايات المتحدة بتجاوز المؤسسات الدولية أو تسيء استعمالها يزداد ذلك الصدع اتساعا، الأمر الذي أصبح واضحا بعد الحرب الروسية الأوكرانية عندما فضلت أغلب الدول أخذ موقف محايد وعدم اللحاق بركب الولايات المتحدة والغرب واتهمتهما بالنفاق في التعامل مع القانون الدولي، وهذا ما أصبح يعرف اليوم بـ "الجنوب العالمي" Global South.
لهذا قد يبدو ما تفعله جنوب إفريقيا في محكمة العدل الدولية غير مجد حاليا، لكن إذا قررت المحكمة إدانة تلك الدولة فإنها ستدفع بذلك الولايات المتحدة لتفعيل حق النقض الذي لن تستعمله هذه المرة ضد مقترح روسي أو عربي بل ضد إحدى أهم المؤسسات الدولية التي أسستها الولايات المتحدة نفسها وجعلتها من ركائز شرعيتها، وستكون المرة الأولى التي تقف فيها الولايات المتحدة ومعها الغرب بشكل صريح ورسمي ضد المثل العليا التي وضعتها واتخذتها منبرا للتفوق الأخلاقي على العالم (كما يقال: سيقفون في الجانب الخطأ من التاريخ). هذا لا يعني بالضرورة الانهيار الكامل فورا، لكنه سيسبب صدعا جديدا ومهما في الجدار. وفي حال تجاهلت المحكمة كل ما شاهده العالم في غزة على الشاشات وحكمت لصالح تلك الدولة فسيكون هذا أيضا صدعا آخر يهدد كل المنظومة.
الخبر السيء هنا سيكون لمن لا يسعون إلا وراء الاستقرار والأمن بأي ثمن وتحت هيمنة أي كان، لأن انهيار أي منظومة دولية كانت أو وطنية أو من أي نوع كانت يعني الفوضى ونشوب النزاعات والحروب، وكذلك الأمر مع سقوط الشرعية الأمريكية. ومن يلاحظ العالم في الفترة الأخيرة سيجد اندلاع نزاعات أو عودة أخرى كانت خامدة بين الدول في كل القارات تقريبا (أذربيجان/أرمينيا، روسيا/أوكرانيا، غزة/******، أثيوبيا/الصومال، فنزويلا/غويانا، توتر في البلقان، الصين تجهز لغزو تايوان…)، هذه كلها مؤشرات على أن الأمور بدأت تفلت من قبضة الولايات المتحدة تدريجيا وأن رقعة التمرد على المركز تزداد أكثر إلى أن ينهار ويظهر نظام دولي جديد يقدم الاستقرار مقابل الطاعة، لكن هل سيكون نظاما أحاديا أو متعددا؟ هل سيحتفظ بنفس المثل العليا أو بعضها أم سيغيرها تماما؟ هذا ما لن يستطيع أحد الجزم به.
لدى نهاية الحرب العالمية الثانية، تشكل نظام سياسي واقتصادي عالمي جديد جعل من العالم دولة واحدة لها برلمانها (الجمعية العامة) وسلطتها التنفيذية (مجلس الأمن) وسلطتها القضائية (محكمة العدل الدولية)، بالاضافة إلى مؤسساتها المالية والاجتماعية. ولهذه الدولة جهة تعمل عمل الرئيس هي الولايات المتحدة التي تتزعم كل هذه المؤسسات وتعمل كشرطي ومراقب على العالم، وقد تولى هذا الرئيس تولى المنصب دون غيره باعتباره يمثل القوة العسكرية والاقتصادية الأولى في العالم دون منازع (خاصة بعد سقوط الاتحاد السوفييتي).
مما يعني أن شرعية الولايات المتحدة هي بالدرجة الأولى شرعية القوة، لكن في الحقيقة هذه الأخيرة وحدها غير كافية مثلما أنها غير كافية لأن يحكم أي نظام سياسي دولة ما أو زعيم عصابة عصابته أو ربما حتى الذئب ألفا لقطيعه؛ إذ لا بد من وجود نوع من القبول والرضا عند المحكومين أو جزء كبير منهم، لأن القوة وحدها يصعب عليها وقف تمرد شامل ومتراكم عبر الزمن، ومن أجل هذا ينبغي عليها تقديم شيء ما للمحكومين لقاء طاعتهم وهو ما يكون في الغالب الأمن والاستقرار وقانونا ينظم الحياة بين الأفراد (في حالتنا هنا الأفراد هم الدول).
إذن كان لا بد للولايات المتحدة من أن تضع قيما عليا تحمل اسم "حقوق الإنسان" لتحكم من خلالها، وهي ذاتها ما انبثق عنها القانون الدولي. ومثل كل صاحب سلطة وقوة يضع القانون، فإن الولايات المتحدة تتمتع بالحصانة أمامه، والعالم راضٍ بذلك إلى حد كبير مقابل الهدوء النسبي الذي شهدته البشرية بعد الحرب العالمية الثانية.
لكن المشكلة تبدأ عندما تصبح القوة المهيمنة مصدر عدم الاستقرار والأمان، وهذا ما فعلته الولايات المتحدة في غزوها للعراق عندما قفزت على المؤسسات الدولية التي أنشأتها لضمان الاستقرار (ضمن هيمنتها)، وبفعلتها تلك ظهر صدع في جدار النظام الدولي. صحيح أن هذا الصدع غير كافٍ لهدم الجدار، لكن تراكم التصدعات مثل قصف ليبيا وتوسع الناتو سيؤدي حتما إلى انهياره في النهاية. وفي كل مرة تقوم الولايات المتحدة بتجاوز المؤسسات الدولية أو تسيء استعمالها يزداد ذلك الصدع اتساعا، الأمر الذي أصبح واضحا بعد الحرب الروسية الأوكرانية عندما فضلت أغلب الدول أخذ موقف محايد وعدم اللحاق بركب الولايات المتحدة والغرب واتهمتهما بالنفاق في التعامل مع القانون الدولي، وهذا ما أصبح يعرف اليوم بـ "الجنوب العالمي" Global South.
لهذا قد يبدو ما تفعله جنوب إفريقيا في محكمة العدل الدولية غير مجد حاليا، لكن إذا قررت المحكمة إدانة تلك الدولة فإنها ستدفع بذلك الولايات المتحدة لتفعيل حق النقض الذي لن تستعمله هذه المرة ضد مقترح روسي أو عربي بل ضد إحدى أهم المؤسسات الدولية التي أسستها الولايات المتحدة نفسها وجعلتها من ركائز شرعيتها، وستكون المرة الأولى التي تقف فيها الولايات المتحدة ومعها الغرب بشكل صريح ورسمي ضد المثل العليا التي وضعتها واتخذتها منبرا للتفوق الأخلاقي على العالم (كما يقال: سيقفون في الجانب الخطأ من التاريخ). هذا لا يعني بالضرورة الانهيار الكامل فورا، لكنه سيسبب صدعا جديدا ومهما في الجدار. وفي حال تجاهلت المحكمة كل ما شاهده العالم في غزة على الشاشات وحكمت لصالح تلك الدولة فسيكون هذا أيضا صدعا آخر يهدد كل المنظومة.
الخبر السيء هنا سيكون لمن لا يسعون إلا وراء الاستقرار والأمن بأي ثمن وتحت هيمنة أي كان، لأن انهيار أي منظومة دولية كانت أو وطنية أو من أي نوع كانت يعني الفوضى ونشوب النزاعات والحروب، وكذلك الأمر مع سقوط الشرعية الأمريكية. ومن يلاحظ العالم في الفترة الأخيرة سيجد اندلاع نزاعات أو عودة أخرى كانت خامدة بين الدول في كل القارات تقريبا (أذربيجان/أرمينيا، روسيا/أوكرانيا، غزة/******، أثيوبيا/الصومال، فنزويلا/غويانا، توتر في البلقان، الصين تجهز لغزو تايوان…)، هذه كلها مؤشرات على أن الأمور بدأت تفلت من قبضة الولايات المتحدة تدريجيا وأن رقعة التمرد على المركز تزداد أكثر إلى أن ينهار ويظهر نظام دولي جديد يقدم الاستقرار مقابل الطاعة، لكن هل سيكون نظاما أحاديا أو متعددا؟ هل سيحتفظ بنفس المثل العليا أو بعضها أم سيغيرها تماما؟ هذا ما لن يستطيع أحد الجزم به.
حسّ سليم
Photo
يجري الحديث كثيرا عن ظاهرة الصـHيونية الدينية بوصفها ظاهرة غريبة تجمع ما بين الدين والوطنية في تلك الدولة، وهذا صحيح إذا عدنا إلى العقود الأولى لتأسيسها حيث كان هناك نوع من التناقض بين التدين والوطنية. أما اليوم فإن ما يحدث في تلك الدولة ليس حكرا عليها، فهناك صعود واضح لتيارات عديدة في كل أنحاء العالم تجمع بين الهوية الدينية والهوية الوطنية وتُصالح بينهما في أيديولوجية واحدة.
من الحزب الحاكم في الهند "بهاراتيا جاناتا" إلى حركة Ma Ba Tha البوذية في ميانمار إلى الإنجيليين خلف شعار MAGA وترامب في الولايات المتحدة إلى إخوة إيطاليا بزعامة جورجيا ميلوني وحركة الصعود اليميني في فرنسا (إمبراطورية بولوري الإعلامية)، مرورا بالصـHيونية الدينية والعدالة والتنمية في تركيا إلى النظام الإيراني والروسي وغيرهم من الحركات والدول، كلها تمثل تيارات ذات هوية دينية في قالب وطني.
هذه العصبية الوطنية المدفوعة بهوية دينية تقليدية كان تصور وجودها صعبا خلال منتصف القرن 20 وضربا من الجنون خلال القرن 19، لأن فكرة الوطنية كانت لزمن طويل عملة يسارية خالصة، وظل اليسار في أوروبا لعقود هو من يملأ الوعاء الوطني بقيمه لنقل الناس من الولاء للكنيسة والملك إلى الدولة، ولأن اليسار منذ نشأته هو قبل كل شيء حركة مناهضة للدين تسبق كل تنويعاته التي ظهرت لاحقا من اشتراكية وليبرالية حديثة، فإنه كان من المنطقي أن تبتعد النزعة الدينية عن الوطنية.
لكن اليسار تغير، وأصبح هو نفسه من يشيطن النزعة الوطنية بوصفها مناقضة للنزعة الإنسانوية بعد أن كانت وسام يعلق على الصدور بالنسبة له، وهو في هذا وفي لطبيعته الحقيقية، لأن الوطنية لم تكن يوما بالنسبة له سوى أداة لتحطيم الكنيسة والملكية.
وكما يقال: الطبيعة لا تحب الفراغ. فإن كان اليسار قد تخلى عن البناء الوطني من أجل أحلام إنسانوية (فتح أبواب الهجرة) فإن البناء الوطني ما يزال قائما ولا وجود لبديل سياسي لشكل الدولة يمكنه تجاوزه، وبالتدريج بدأت الحركات الدينية تدخل هذا البناء لتقدم قيما تعوض انهيار جل السرديات اليسارية التي كانت تقدم للناس الأمل في العدالة الاجتماعية والتقدم ولم يبقى لها سوى سردية الألوان وتحقيق السعادة من خلال الهويات الجنسية.
من الحزب الحاكم في الهند "بهاراتيا جاناتا" إلى حركة Ma Ba Tha البوذية في ميانمار إلى الإنجيليين خلف شعار MAGA وترامب في الولايات المتحدة إلى إخوة إيطاليا بزعامة جورجيا ميلوني وحركة الصعود اليميني في فرنسا (إمبراطورية بولوري الإعلامية)، مرورا بالصـHيونية الدينية والعدالة والتنمية في تركيا إلى النظام الإيراني والروسي وغيرهم من الحركات والدول، كلها تمثل تيارات ذات هوية دينية في قالب وطني.
هذه العصبية الوطنية المدفوعة بهوية دينية تقليدية كان تصور وجودها صعبا خلال منتصف القرن 20 وضربا من الجنون خلال القرن 19، لأن فكرة الوطنية كانت لزمن طويل عملة يسارية خالصة، وظل اليسار في أوروبا لعقود هو من يملأ الوعاء الوطني بقيمه لنقل الناس من الولاء للكنيسة والملك إلى الدولة، ولأن اليسار منذ نشأته هو قبل كل شيء حركة مناهضة للدين تسبق كل تنويعاته التي ظهرت لاحقا من اشتراكية وليبرالية حديثة، فإنه كان من المنطقي أن تبتعد النزعة الدينية عن الوطنية.
لكن اليسار تغير، وأصبح هو نفسه من يشيطن النزعة الوطنية بوصفها مناقضة للنزعة الإنسانوية بعد أن كانت وسام يعلق على الصدور بالنسبة له، وهو في هذا وفي لطبيعته الحقيقية، لأن الوطنية لم تكن يوما بالنسبة له سوى أداة لتحطيم الكنيسة والملكية.
وكما يقال: الطبيعة لا تحب الفراغ. فإن كان اليسار قد تخلى عن البناء الوطني من أجل أحلام إنسانوية (فتح أبواب الهجرة) فإن البناء الوطني ما يزال قائما ولا وجود لبديل سياسي لشكل الدولة يمكنه تجاوزه، وبالتدريج بدأت الحركات الدينية تدخل هذا البناء لتقدم قيما تعوض انهيار جل السرديات اليسارية التي كانت تقدم للناس الأمل في العدالة الاجتماعية والتقدم ولم يبقى لها سوى سردية الألوان وتحقيق السعادة من خلال الهويات الجنسية.
حسّ سليم
Photo
وصم تلك الدولة بالإبادة ليس بالأمر الهين على الغرب عموما، لأنه يضرب خطابه الأيديولوجي التبشيري الذي نشأ بعد 1945 في قلب مقدساته وأسطورته المؤسسة التي يقدم نفسه من خلالها كمخلص للبشرية وخلفه حاملات الطائرات، مثل كاهن يسوعي يتجول بين القبائل الأمريكية ليدعوها إلى الإيمان بيسوع المخلص قبل أن تلحق به الجيوش الإسبانية.
الغرب كان وسيبقى مسيحيا [سبق وشرحت الصفحة هذا كثيرا ومن عدة جوانب] حتى لو هرطق وألحد ورمى بالإنجيل وراء ظهره، لأنه محافظ دائما على نفس النسق المسيحي والتبشيري. وإن كان قد ترك المسيح فإنه لم يترك مفهوم الصلب والمصلوب الذي تُشعل من أجله الشموع. هناك دائما صلب لكن اسمه أصبح الإبادة الجماعية [إنكار الصلب أو التقليل منه هرطقة]، وأما المصلوب فاسمه بعد 1945 الشعب *** [المسيح أيضا من نفس الشعب]، وهناك دين يبشر بخلاص البشرية كلها من خلاله هو حقوق الإنسان [نفس التعظيم المسيحي للإنسان] ما دمت تؤمن بالصلب والمصلوب.
لكن عندما تأتي أنت وتتهم ذلك المصلوب نفسه وهو الضحية المطلقة التي يُسجد أمام عذاباتها، بأنه قد صلب غيره، فأنت هنا تدوس بقدميك على أقدس الأقداس، وكأنك تحاول أن تثبت لمسيحي بأن المسيح ليس هو الحب والتسامح ولم يأتي من أجل خلاص البشرية بل من أجل الكراهية والحقد، سيدخل حتما إما في حالة إنكار شديد أو في أزمة وجودية لا يعرف كيف يتصرف معها.
الغرب كان وسيبقى مسيحيا [سبق وشرحت الصفحة هذا كثيرا ومن عدة جوانب] حتى لو هرطق وألحد ورمى بالإنجيل وراء ظهره، لأنه محافظ دائما على نفس النسق المسيحي والتبشيري. وإن كان قد ترك المسيح فإنه لم يترك مفهوم الصلب والمصلوب الذي تُشعل من أجله الشموع. هناك دائما صلب لكن اسمه أصبح الإبادة الجماعية [إنكار الصلب أو التقليل منه هرطقة]، وأما المصلوب فاسمه بعد 1945 الشعب *** [المسيح أيضا من نفس الشعب]، وهناك دين يبشر بخلاص البشرية كلها من خلاله هو حقوق الإنسان [نفس التعظيم المسيحي للإنسان] ما دمت تؤمن بالصلب والمصلوب.
لكن عندما تأتي أنت وتتهم ذلك المصلوب نفسه وهو الضحية المطلقة التي يُسجد أمام عذاباتها، بأنه قد صلب غيره، فأنت هنا تدوس بقدميك على أقدس الأقداس، وكأنك تحاول أن تثبت لمسيحي بأن المسيح ليس هو الحب والتسامح ولم يأتي من أجل خلاص البشرية بل من أجل الكراهية والحقد، سيدخل حتما إما في حالة إنكار شديد أو في أزمة وجودية لا يعرف كيف يتصرف معها.