يوسف سمرين
9.63K subscribers
707 photos
22 videos
11 files
39 links
قناة للمباحثة والفكر والنقد...
Download Telegram
"من الظلم والبغي ما يفعل في زماننا من قهر الفلاحين، وحبسهم بغير حق، وردِّ أحدهم إلى بلده إذا خرج منها، ولا يُترك يذهب كيف يشاء، يعامل معاملة العبيد، وهذا أمرٌ محرَّمٌ لا محالة، فإنَّ الحرَّ لا يُملَك ولا يُقهر على نفسه"

(الكياسة في أحكام السياسة، ابن المبرد الحنبلي، دار الرياحين، ص٥٤.)

هذا النصُّ توفي كاتبه في بداية القرن العاشر، ويظهر أثر وسلوك الإقطاع على طبقة الفلاحين في المناطق الإسلامية، فقد وجد بعض من لهم تصوُّر وردي عن المراحل السَّابقة على الاستعمار، بل قد يرفض أوصافًا مثل الإقطاع في التاريخ الإسلامي بحجة أنَّ ذلك خصوصية أوروبية.
الاختزالية النفسية

نقيض أي تحليل موضوعي رد الواقع إلى الحالة النفسية، فهي التي تلعب الدور الحاسم وفق هذا التصوُّر، فمتى كانت الهمم تعانق السماء، فسيكون الواقع أفضل، هذا التصور عمدت إلى نشره الشركات الرأسمالية الأمريكية في التسعينات، بإقناع موظفيها بأنَّ سقفهم الاقتصادي متعلِّق بتصورهم الإيجابي عن أنفسهم، كلما زاد عطاؤهم وتفاؤلهم، كلما أزاحوا [الأفكار السلبية] فهي غير موجودة، "العالم هو تصوراتك عنه" كما كتب أرسين آر كوفي، وبهذا مولت تلك الشركات مدربين لإقناع طواقم الموظفين بهذا، لكن العالم منفصل عن التصورات، هناك ظروف موضوعية، واجتماعية أشد تأثيرًا من النفسية الفردية، لن يصلح هذا التدريب اقتصاد منهوبًا، وفي الشق السيِّاسي يتعامل كثيرون معه بمنطق (التنمية البشرية)، لذا كانت اليسارية صبيانية دومًا، متى تعالت عن الدولة وظروفها، والعالَم وعلاقاته بملاحظة الشروط والموانع لأي موقف وفعل، لتظن بأنها متى نشرت حالة نفسية متذمرة من الواقع، وحالة نفسية تريد شيئًا، فإنها ستحقق تغييرًا لحظيًا، وفق أي شيء؟ وفق خرافة (قانون الجذب)؟ إنَّ هذا المنطق يتجاوز السياسة نفسها التي ترتبط بفن الممكن، ولكنَّ وفق هذا التصور الشعري فإنَّ المشاعر تصنع المستحيل، فلا حاجة لمراعاة الممكن الموضوعي.
كل تقييم عملي لمختلف التيارات يبقى جهدًا هزيلًا مقارنة بالتركة التنظيرية لها، فما دامت تلك التركة سالمة من كشف الجذور التاريخية، وإخضاعها للفحص العلمي، ستبقى تكرر نتائجها.
Media is too big
VIEW IN TELEGRAM
فيلم السحلية الإيراني صدر عام 2004، نقدي ساخر، يحكي قصة لصٍّ مطلوب لسلطات الدولة، تنكر بمظهر رجل دين، وتظهر فيه الأيقونة المتكررة التي تمثلت بابتذال ما سمي بطلب العلم، فبدل الدراسة والقراءة إذا بشابين يخرجان له في كل وقت ينغصان عليه حياته، يرميان له بالأسئلة شرقًا وغربًا، وهما يتصيدانه لطرح استفتاءاتهما بحجة (طلب العلم)، ويعتقدان فيه أنَّه عالِم فيحمل أحدهما دفترًا يسجل فيه كل كلمة منه، رغم أنَّ ما يقوله لهما كلمات عادية وتهرب وتوبيخ.
كان لنيتشه كلمة يقول فيها بأنَّ الجنون في الأفراد حالة نادرة، لكنه في المجتمعات هو الأصل! وذلك ما يُعرف اليوم بالترند، والشعبوية في محاكاة الرأي العام، حين يضحي هَمُّ الفرد إرضاء الجموع، إرضاء غرور الأكثرين.

وفي القرآن: (قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا)، وتنبه الزمخشري لهذا فقال بأنَّه أمرهم بالتفكر اثنين، ومنفردين لأنَّ (الاجتماع مما يشوش الخواطر، ويعمي البصائر، ويمنع من الروية، ويخلط القول، ومع ذلك يقل الإنصاف، ويكثر الاعتساف، ويثور عجاج التعصب، ولا يسمع إلا نصرة المذهب).
أحد سياسيي الصُّدفة يستعمل أيَّ كلام مرَّ عليه ويدخله في معجمه السِّياسي، من ذلك (عقيدة الصدمة الأمريكية)! وهو عنوان كتاب للباحثة نعوم كلاين، وصدر فيه فيلم وثائقي في 2006، شاركت فيه الباحثة، ومن بعده ذاع ذكره بين اليوتيوبرز والقنوات الإعلامية، وتم تداوله حدَّ الابتذال بقليل أو كثير من التشويه لمضامينه، الكتاب يتحدث عن آليات الإدارة الأمريكية في تطويع الاقتصاد للرأسمالية، وبهذا تسيطر على مقدرات بلاد العالم الثالث، وشواهد الكتاب كثيرة في القرن الماضي مثلًا تعارض حكومة استثمار الشركات الأمريكية في بلدها وتتبنى نظامًا اشتراكيًا، فتدعم الولايات المتحدة انقلابًا داخليًا لتمرير منع القيود على السوق، وفق رؤية فريريك هايك بعدم تدخل الدولة في وضع قيود على التجارة، مثلما حدث في تشيلي، أين هذا مما هو فيه؟ وهو يصور نفسه كأنَّ مشكلته يسارية تتعلق باعتراض على النظام العالمي في الاقتصاد، رغم أنه فاقد لرؤية محلية اقتصادية من الأساس، هذا إن كان للاقصاد وجود في موازينيه التحليلية، فذلك بعدٌ عن الروحانية وميل إلى المادية والعياذ بالله، وتحليل وفق أدبيات البناء التحتي والصراع الطبقي، بمشهد يختصر تحوَّل عناوين الكتب لملء فراغ في الحديث دون أن يكون لمضامينها أثر وفائدة على المتحدث بها.
"معظم الأحزاب في البلدان العربية تربط اسمها وأهدافها بالديموقراطية والليبرالية وبعضها بالإسلامية، والملاحظة أنَّ مؤسسي هذه الأحزاب ليس لهم من الأسماء نصيب"

(الأحزاب السياسية في البلاد العربية، حسين علي الشَّرع، ٢٠٢١، ص١٥٩.)
المعارضة سلطة

إن أردت أن تحجز أفضل المقاعد في المسرح السياسي، ستكون المعارضة في آخر الصف، حيث الأضواء غير مسلَّطة، ولا يلومك أحد، هناك حيث يجلس صف واسع يشمل مختلف الأطياف ففيه النقاد بحق، ولكن فيه كذلك الكسالى الذين يحبون أن يقولوا: لا لأي شيء، ويجلس الفوضويون بجانبهم يصفقون لكل ما قيل فيه: لا، الأمر شبيه بمعارضي نظام التعليم في جامعة، فقد يكونون بحق أذكى من النظام التعليمي القائم ويريدون للناس الأفضل، لكنَّهم كذلك قد يكونون الأشدَّ غباءً من النوع الذي يعترض على التعليم لا جودته!

وأهم ما قد يغفله صف الكسالى أنهم سلطة! لذلك تسعى المعارضة الحقيقية لبلورة رؤيتها السياسية وإنضاج فكرها السياسي، فهي حذرة من الوقوع في شرَك النزعة اليسارية الغبية في شتم كل شيء، بل أن يكون لديها رؤية تختلف عن الوضع القائم، سواء في تشخيصه، أو بيان ثغراته، أو الوصول إلى حلول، دون أن تحول قصائد الهجاء إلى فكرها وسياستها، ليست باكونين الذي كان كما تصوره مسرحية (ماركس في سوهو) حين يُسأل عن نظرته للدولة يقول تبًا للدولة! لا تنظر للفكر السياسي على أنَّه لون من الشعر الحر، بل فكر ينبغي أن يكون مبنيًا على نظرة علمية.

مختلف الأطياف الدكتاتورية في العالَم كانت في المعارضة، ستالين كان معارضًا وسجن، وزعيم ألمانيا في منتصف القرن الماضي كان معارضًا وسجن قبل تعيينه مستشارًا في 1933، صدام حسين كان معارضًا، أنور السادات وجمال عبد الناصر كانا في المعارضة، ومن أخطر ما يمكن أن تبقي المعارضة عليه هو عدم التفريق بين التاريخ، وبين المستقبل، فيتحول الحديث عن نظرتها السياسية وبرنامجها إلى سمفونية طويلة مشبعة بشتائم السابقين، حتى لو أضحوا من الماضي، فلك أن تتصور المالكي في العراق كان وهو في السلطة منهمكًا بمعارضة يزيد بن معاوية!

في هايتي سيطرت عصابات المخدرات والجريمة المنظمة على العاصمة، وحين يسأل أحد قادتهم عما يريدون يطلقون شعارات يسارية ضد الدولة والطبقة الفاسدة من السياسيين، كأنَّ في هذا تسويغًا لممارساتهم من تهجير واغتصاب، وقد يتحول الحديث عن سلطة الماضي رغم أنها تاريخية، كأنها مرشح انتخابي حاضر ينافس المعارض الذي نال السلطة، حتى إن تكلم أحد في وجه تلك المعارضة السلطة قيل له: أنت تحن لأيام القيصر، أو من تلاميذ راسبوتين.

المعارضة قد تكون وجهًا آخر للحكم، وهي التي تعلمت على يديه لكنَّها أطلقت أدواتها الدعائية، وقد تفتقد النظرة المختلفة، فلا يمكن لأي معارضة حقيقية أن تجعل الناس قديسين لمجرد أنهم شاركوا في عمل سياسي، لا يمكن لأي معارضة جادة ألا تخضع نفسها للتقييم، وإلا تعيد سيرة الأولين، بأخذ مطلق السلطات، بحجة إلهاء الجماهير بالتاريخ الدعائي ضد السلطة التاريخية، وتصوير نفسها معيارًا لتجلس آخر الصفوف حيث لا أحد يلومها على شيء.
كل عام وأنتم بخير، مبارك عليكم شهر رمضان.
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
بدل أن يعتذر عما أذاعه في هذا المقطع، يقوم بالتبليغ عن المقطع بحجة (انتحال حقوق الملكية) في ٣٣ ثانية من مقطع طويل مليء بهذا الإسفاف.
في كتاب علي بن معبد بن شدَّاد، توفي سنة (218 هـ)، وهو كتاب (الطاعة والمعصية) مخطوطته في جامعة برينستون، جاريت رقم: 215L.

"قال: حدثنا بشير بن عبد الرحمن، عن عثمان بن عطاء، عن أبيه، قال:

خرج ثلاثة يعني من أهل غزة غزاةً، فقدموا دمشق، فجلسوا إلى أبي الدرداء، فقال: من أين؟ فقالوا: من أهل فلسطين، قال: من أي فلسطين؟ قالوا: من أهل غزة، خرجنا غزاة، قال: يا ليتَ شعري، سَليم، أو مشارك، أو مُعَنَّى [أي: معذَّب]، قالوا: يا أبا الدرداء، ما ندري ما تفسيره؟ قال: سليم، الرجلُ له مال حلالٌ غزا به، ورجل أعطي أو حمُل فغزا فهذا مُشارِك له شريك، ومُعنَّى [معذّب] رجل له مال حرام غزا به".
هناك عبارة تتكرر بأنَّه في الماضي القريب لم نكن نعرف ما معنى الطوائف، ولا ما سبب خلافاتها، ولا ما تقوله كل فئة، ويعتبرون هذا إنجازًا من باب التسامح الاجتماعي، ولا تدري ما العلاقة بين الجهل وبين أي إنجاز سياسي، أو اجتماعي مهما كان، فإن كان حدث ما يستدعي الرثاء بعد تلك المرحلة التي يصورونها بالوردية حين لم تكن تستطيع معرفة مقالة فئة عن أخرى، فهو بسبب الجهل لا المعرفة، فلم يكن أبدًا حل أي مشكلة بالجهل فيها، أو إغماض العيون عنها، والجهل لا ينحصر بالسكوت عن تاريخ المنطقة وطوائفها، بل يشمل كذلك من تكلم بذلك في كثير من الأحيان وزيف الحقائق إن كان شططًا أو تفريطًا، فكل كلمة عن التاريخ هي كلمة للمستقبل، الموقف المضلل تاريخيًا هو ما يعني مستقبلًا مضللًا.
كثيرٌ من التيارات الفاعلة في الحياة السياسية، كانت قبل عقود من حياتها مجرد أفكار، حبرًا على ورق، كانت في عالَم التنظير، ومع هذا تصر كثير من أقلام الثقافة على ترك المشاريع الطويلة، للمكسب الآني، بلغة أخرى يلعبون طريقة السياسيين، في وقت أحوج ما يكونون فيه إلى التلمس الحذر في الكتابة حتى يتفادوا الأخطاء الحالية التي كان كثير منها بسبب ضعف التنظير السابق عليها.
ما ميَّز الكتابة العربية في القرن العشرين بنسبة كبيرة أنها طرقت دومًا سؤال الهوية، من نحن؟ وإلى جانب هذا ميزها أنها كانت ارتجالية إلى حد كبير، عاطفية، أدبية، فالتيارات القومية مثلًا لم تقم بتنظير كبير حتىى يمكنها من رؤية ذاتية، بقدر ما دمجت بين الشعارات الاشتراكية، ونوعًا ما القومية الألمانية التي سمعوا بها في القرن العشرين، كان السادات مثلًا مغرمًا بألمانيا في مرحلة شبابه، وكان عبد الناصر مغرمًا بالشعارات الاشتراكية التي تعرف عليها من كتابات نجيب محفوظ الأدبية، ولن ينجح الزج بأفكار لم تنبت من المنطقة بطريقة لا تتسق مع النسق الثقافي والحضاري العربي والإسلامي، وحتى الكتب السابقة التي ركزت على فكرة العرب كانت أدبية إلى حد كبير مثل سطور الكواكبي.

والشيء نفسه في التيارات الإسلامية، فقد انطلقت من مسحة عاطفية عززها فشل من سبقها في التعبير عن مطالب الناس، وتحقيق طموحاتهم، وتجاهل التيارات السياسية الفاعلة لجانب الدين، وهكذا كانت البدايات عاطفية أدبية، فيؤسس جماعة كبرى شاب في مقتبل العمر، دون خبرة كبيرة في الحياة وتتوسع الجماعة وأفكارها تبعًا للمرحلة، والواقع أنَّ الهالة العلمية والمعرفية تنشأ بعد ذلك من التحاق عدة خبرات إلى الجماعة، مثل التحاق أزهريين بحسن البنا، أو الهضيبي وهو رئيس محكمة استئناف، وهكذا يهدي هؤلاء سمعة ما نالوه خارج الجماعة إلى المجموع دون أي طريقة لنقلها داخلها، وكل هذا لا يغير أساس هويتهم العاطفية والارتجالية بما يكون له آثار على المدى البعيد.

ويبقى تحديد الهوية مرتكزًا على تحقيق كشف أو تجديد في العلوم التي يرتكز عليها التنظير في هذا الجانب، ومن ذلك التاريخ، فهو منطقة لا يكاد يوجد فيها أي تغيير، نظرتنا عن ماضينا-في الوضع الحالي-ليس فيها سوى تفاصيل مع المحافظة على الخط العام المتوارث، ويكفي أن يجمع الباحث نقولاته عن الكتب القديمة حتى يتخرج من الجامعة ببحث يردد سردية متوارثة بزيادة تعقيد أكاديمي وطريقة عرض حديثة، سيما أنَّ التاريخ كان ضمن المواضيع التي لم يقع فيها تجديد أو لم ينظر إليها على أنها مهمة في عملية التحديث التي بدأت في المنطقة قبل قرنين، فتم التركيز على الجغرافيا، والرياضيات وعلوم الفيزياء والكيمياء والطب ونحوها، وبقيت الهوية تعاني من التأسيس العاطفي كونه لم يحدث تجديد علمي في أرضية البحث فيها، ومن ذلك التاريخ.
كل عام وأنتم بخير وصحة وسلامة، عيد مبارك