اللهم ارضَ عن جباليا وأهل جباليا، كما رضيت عن بدر وأهل بدر.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم".
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم".
هو ابن ذلك الجدار
هو ذلك المرسوم صغيرًا على الحائط، ربما كان يلعب "الغميضة" عليه قبل سنوات، كبر قليلًا حتى نبت شاربه، وما زال يلعب الغميضة أيضًا، ولكن مع آخرين إن عثروا عليه سيقتلونه، لذا فهو يطاردهم بدلًا من أن يطاردوه!
كبر الفتى، وصار الذي كان يجمع حقّ تزيين الشارع يؤدي له حق الحماية، دون "إتاوة" ولا "فتونة"؛ وإنما بمروءة صاحب الأرض، ورب البيت، وابن الحارة والمخيم؛ وهو الصغير الذي كان واقعًا في حب ابنة الجيران، لكن ربما اليوم هي شهيدة، أو شاهدة، على رجلٍ يمهر فلسطين بدمه، ويقدم بدلًا من العقد عمرًا، وبدلًا من الأسورة كفًّا، وبدلًا من الحلق تكبيرة ورصاصتين.
كبر الولد، دون أن تراه أمه بقدر ما رآه النفق، ولم يلبث بحضنها بقدر ما لبث في رحم الأرض، ولم ينظر في عيني فتاةٍ أحبها، أو صديق عمره، أو أعزّ أهله، قبل أن يلفظوا نفسهم الأخير، بينما يربط هو جراحه بضمادة من شال أمه، وبعصابةٍ من خزانة خطيبته، ماضيًا بحذاء استعاره ليلة السابع من أكتوبر من أخٍ يحبه، وهو واقفٌ في المكان نفسه، عابرًا من الجدار إلى الجدار، كأن غزة كلها بيت واحد، وهذا البيت هو بيته!
كبر الولد، وما زال قلبه الكبير رقيقًا كما عرفه أحبابه، كبر الولد واشتد عوده وساعده، وما زال منذ عشرين عامًا يلعب الغميضة نفسها، يغمس رأسه في الجدار، وتتسلل من صوته حمم بكاء مكتومة، ينادي في الحارة الفارغة "خلاويص"، يرد عليه الفراغ "لسة"!
هو ذلك المرسوم صغيرًا على الحائط، ربما كان يلعب "الغميضة" عليه قبل سنوات، كبر قليلًا حتى نبت شاربه، وما زال يلعب الغميضة أيضًا، ولكن مع آخرين إن عثروا عليه سيقتلونه، لذا فهو يطاردهم بدلًا من أن يطاردوه!
كبر الفتى، وصار الذي كان يجمع حقّ تزيين الشارع يؤدي له حق الحماية، دون "إتاوة" ولا "فتونة"؛ وإنما بمروءة صاحب الأرض، ورب البيت، وابن الحارة والمخيم؛ وهو الصغير الذي كان واقعًا في حب ابنة الجيران، لكن ربما اليوم هي شهيدة، أو شاهدة، على رجلٍ يمهر فلسطين بدمه، ويقدم بدلًا من العقد عمرًا، وبدلًا من الأسورة كفًّا، وبدلًا من الحلق تكبيرة ورصاصتين.
كبر الولد، دون أن تراه أمه بقدر ما رآه النفق، ولم يلبث بحضنها بقدر ما لبث في رحم الأرض، ولم ينظر في عيني فتاةٍ أحبها، أو صديق عمره، أو أعزّ أهله، قبل أن يلفظوا نفسهم الأخير، بينما يربط هو جراحه بضمادة من شال أمه، وبعصابةٍ من خزانة خطيبته، ماضيًا بحذاء استعاره ليلة السابع من أكتوبر من أخٍ يحبه، وهو واقفٌ في المكان نفسه، عابرًا من الجدار إلى الجدار، كأن غزة كلها بيت واحد، وهذا البيت هو بيته!
كبر الولد، وما زال قلبه الكبير رقيقًا كما عرفه أحبابه، كبر الولد واشتد عوده وساعده، وما زال منذ عشرين عامًا يلعب الغميضة نفسها، يغمس رأسه في الجدار، وتتسلل من صوته حمم بكاء مكتومة، ينادي في الحارة الفارغة "خلاويص"، يرد عليه الفراغ "لسة"!
ومن يدري؟ لعلهما كانا في الحياة كما كانا في الممات، كانا أبناء مسجد واحد، ومن المسجد في غزة يبدأ كل شيء، ثم أبناء منطقة واحدة، ومن المنطقة في غزة يتكثف كل شيء، وأبناء معسكر واحد، ومن المعسكر في غزة يتوحد كل شيء، وأبناء كتيبة واحدة، ومن الكتيبة في غزة ينصهر كل شيء، وأبناء مصير واحد، وإلى المصير في غزة ينتهي كل شيء.
لعل كلًّا منهما كان الخزنة حين يحمل صاحبه البندقية، وكان الطلقة حين يضغط صاحبه الزناد، وكان القذيفة حين ينصب صاحبه الراجمة، وكان المكبس حين يؤقّت صاحبه اللغم، وكان المعول حين يحفر صاحبه النفق، وكان السند حين يطوي صاحبه الأرض، وكان الوافد التالي حين يضع صاحبه أولى قدميه في الفردوس!
ومن يدري؟ لعل ذلك كان العهد بينهما، لعله كان السر الذي احتفظا به في صدريهما طوال الليالي الثقال، بأن يترافقا على خطوتين مترادفتين، نحو الحياة والموت معًا، في الكفاح والرباط معًا، وألّا يقف أحدهما وصاحبه مسجى أمامه، وإنما أن يصليا بثماني تكبيرات معًا إذا جاء نصر الله والفتح، أو أن يُصلى عليهما معًا بتكبيرات أربع، في جنازة واحدة!
لعل كلًّا منهما كان الخزنة حين يحمل صاحبه البندقية، وكان الطلقة حين يضغط صاحبه الزناد، وكان القذيفة حين ينصب صاحبه الراجمة، وكان المكبس حين يؤقّت صاحبه اللغم، وكان المعول حين يحفر صاحبه النفق، وكان السند حين يطوي صاحبه الأرض، وكان الوافد التالي حين يضع صاحبه أولى قدميه في الفردوس!
ومن يدري؟ لعل ذلك كان العهد بينهما، لعله كان السر الذي احتفظا به في صدريهما طوال الليالي الثقال، بأن يترافقا على خطوتين مترادفتين، نحو الحياة والموت معًا، في الكفاح والرباط معًا، وألّا يقف أحدهما وصاحبه مسجى أمامه، وإنما أن يصليا بثماني تكبيرات معًا إذا جاء نصر الله والفتح، أو أن يُصلى عليهما معًا بتكبيرات أربع، في جنازة واحدة!
يظنّ الأسافل أنهم سيطمسون "الشمال" من الخريطة، سيمحون الاتجاهات والمواقع والمدن، ولا يعلمون أن لدينا "بوصلة" تعيد تعريف الأماكن كلما تاه الطريق.
البعض يأخذ تقارير الصحف الغربية أنها رسالات منزّلة من السماء ومنزهة عن الزيف؛ والحقيقة أن كل عمالقة الصحافة العالمية الذين ترونهم ما هم إلا نعال الآن في بروباجاندا الكيان المدلل.. وبالتالي التعامل معها للتحامل على مصر والتقاط الطعم بالهنا والشفا مجرد حماقة وسذاجة وتفكير صبياني.
وول ستريت جورنال تتهم مصر بعرقلة المفاوضات؛ وتصور ردود الفعل بشكل درامي يجعلك تصدّق بالفعل أن "إسرائيل" تمام، وأن نتنياهو الذي يقيّد صلاحيات وفوده نفسها كل يومين، ويرفض صفقات يوافق عليها جميع من حوله، هو مجرد ضحية لتلك "الخديعة" المصرية.
والحقيقة أنه لو حدث حتى تغيير نسبي في الملف المتفق عليه بما يلائم شروط المقاومة ويضع الاحتلال في حرج، فهو ليس تصرف وساطة محايدة، ولكنه ينتقل إلى فعل "دعم" للمقاومة بشهامة مصرية يُشكر صانعها عليها، في أي موقع حساسٍ كان.
تلك التقارير تخرج الآن بتوجيه إسرائيلي أمريكي خالص، ولوول ستريت جورنال سوابق في ذلك، مثل تقريرها عن طرد الحركة من الدوحة للضغط على قطر؛ فذلك يأتي في سياق الضغط نفسه من الأداة نفسها على الوسطاء لإمالة الكفة لصالح المحتل المتأزم الغارق في وحل رفح وجباليا اليوم؛ فلا يكن بعضنا حمقى بعد ثمانية أشهر من انكشاف "دكاكين" الصحافة العالمية.
وول ستريت جورنال تتهم مصر بعرقلة المفاوضات؛ وتصور ردود الفعل بشكل درامي يجعلك تصدّق بالفعل أن "إسرائيل" تمام، وأن نتنياهو الذي يقيّد صلاحيات وفوده نفسها كل يومين، ويرفض صفقات يوافق عليها جميع من حوله، هو مجرد ضحية لتلك "الخديعة" المصرية.
والحقيقة أنه لو حدث حتى تغيير نسبي في الملف المتفق عليه بما يلائم شروط المقاومة ويضع الاحتلال في حرج، فهو ليس تصرف وساطة محايدة، ولكنه ينتقل إلى فعل "دعم" للمقاومة بشهامة مصرية يُشكر صانعها عليها، في أي موقع حساسٍ كان.
تلك التقارير تخرج الآن بتوجيه إسرائيلي أمريكي خالص، ولوول ستريت جورنال سوابق في ذلك، مثل تقريرها عن طرد الحركة من الدوحة للضغط على قطر؛ فذلك يأتي في سياق الضغط نفسه من الأداة نفسها على الوسطاء لإمالة الكفة لصالح المحتل المتأزم الغارق في وحل رفح وجباليا اليوم؛ فلا يكن بعضنا حمقى بعد ثمانية أشهر من انكشاف "دكاكين" الصحافة العالمية.
فارق كبيرٌ بين أن تكتفي بدور الضحية وأن تحولك التضحية إلى مقاوم، أحدهما يجلب الشفقة، والآخر يفرض الهيبة.
هل باتت غزة بخير؟ غزة كما هي، وزد عليها جنين وطولكرم وغيرهما، كلها تحت القصف والعدوان الإسرائيلي، وما زالت محاولة الإبادة مستمرة.. هم فقط يحاولون إغراقنا بمحتوى فكاهي بديل، حتى يبهت وميض غزة؛ عد للكلمة، عد لأضعف الإيمان بقوة، لأنك إن تخليت عنه؛ فماذا سيبقى لك؟!
في النهاية تبقى الحقيقة واضحة وجليةً ولا نزاع فيها؛ لن يبقى ميناء عائم ولا غائص في غزة، ولن تبقى دبابةٌ ولا جرافة داخل حدودها، ولن يبقى جنديّ ولا طيار في أرضها وسمائها، ولن يكون عليها إلا ما أراد الله لها، ولن يُقبل فيها إلا ما قرره السلاح والكفاح والمنافحة، ولن تعيش إلا واقفةً وقد أدَّت ما عليها من الرقود شهيدةً في كنَف عيالها الشهداء.
كان الموساد غبياً جداً حين اغتال غسان في سيارة مفخخة؛ كان بإمكانهم قتله برصاصة مكتومة كصديقه ناجي العلي، فنرفع جسده ونواري جثته التراب في بلدٍ معين، في بيروت مثلاً، لكنهم يالَغبائهم قتلوه في سيارة مفخخة؛ فتبعثرت أشلاؤه في كل مكان، وما زالت تتبعثر حتى اليوم، أمانةً فوق رؤوسنا، حتى إذا اجتمعنا ذات يومٍ في فلسطين، وجئنا من كل بلدٍ طارت فيها قطَعه وذراته، التقينا، فتجمّع غسانُ من جديد، ثم وقف صُلباً في مكانه، وسار في هدوء وهو يقول: "لقد حاولوا أن يذوّبوني كقطعة سكر في فنجان شاي ساخن، وبذلوا -يشهد الله- جهداً عجيباً من أجل ذلك، ولكنني مازلت موجوداً رغم كل شيء"!
من مقال كتبته قبل 4 أعوام، بعنوان "هل مات غسان كنفاني؟".
من مقال كتبته قبل 4 أعوام، بعنوان "هل مات غسان كنفاني؟".
بينما نحن مشغولون في غزة، ذلك الجرح الغائر فينا بعمق؛ ثمة "نطفة نجسةٌ" من بني جلدتنا، مشغولة بصنع جراح أخرى في جسمنا الذبيح؛ بتمزيق السودان، وتدمير أرضه، وتجويع شعبه، وتعذيب أهله، مقابل ذهَبه الذي يقبضونه في بطونهم، والمفارقة أن تلك النطفة نفسها هي من توفر لمصاصي الدماء من سفاحي الأرض رحلات مجانية في عاصمتها الزجاجية، ليرتاحوا قليلًا من مضغ أشلاء أطفالنا؛ والسؤال ما زال: في أي بيت دعارة نشأ هؤلاء؟
عينه الطوفان، وصوته الزلزال، وإصبعه البركان، وطلته الكون، و"إسرائيل" كلها في حضرته غمامة عابرة!