مد (ت808هـ) العبر، وديوان المبتدأ والخبر 6 أجزاء منشورات الأعلمي بيروت 1971م.
7 - ابن خلكان: أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد (ت681هـ) وفيات الأعيان 6 أجزاء – مطبعة السعادة – ط1 القاهرة 1948م.
8 - الزبيدي: أبو ضياء عبدالرحمن بن علي (ت943هـ) قرة العيون بأخبار اليمن الميمون – تحقيق محمد بن علي الأكوع الحوالي. المطبعة السلفية – القاهرة 1971م.
9 - سبط بن الجوزي شمس الدولة بن قزاوغلي التركي (ت654هـ) مرآة الزمان في تاريخ الأعيان – جزءان – حيدر أباد – الدكن – 1951م.
10 - السبكي: تاج الدين عبدالوهاب بن تقي الدين (ت771هـ) طبقات الشافعية الكبرى – 6 أجزاء – المطبعة الحسينية القاهرة – 19.
11 - أبو شامة: شهاب الدين عبدالرحمن اسماعيل المقدسي (ت665هـ) الروضتين في أخبار الدولتين – تحقيق د. حلمي محمد أحمد جـ1 القاهرة – 1956م، جـ1 ق2 1962م. وكذلك الاعتماد على النسخة المصورة – عن دار الجيل ط2 بيروت 1972م.
12 - ابن شداد: أبو المحاسن بهاء الدين يوسف بن رافع الأسدي (ت632هـ) النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية (سيرة صلاح الدين). القاهرة – 1964م.
13 - الصفدي: صلاح الدين خليل بن أيبك (ت764هـ) الوافي بالوفيات الجزء التاسع باعتناء يوسف فان ريس. دار صادر – بيروت 1974م.
14 - ابن العبري: غريغوريوس هرون المالطي (ت685هـ) تأريخ مختصر الدول – المطبعة الكاثوليكية – بيروت 1968م.
15 - ابن العماد: أبو الفلاح عبدالحي الجنبيلي (ت1089هـ). شذرات الذهب في أخبار من ذهب 8 أجزاء – مكتبة القدس القاهرة – 1350هـ.
16 - العمري: مسالك الأبصار في ممالك الأمصار (القسم الخاص باليمن) تحقيق اليمن فؤاد السيد – مطبعة دار الاعتصام القاهرة – 1972م.
17 - الغساني: أبو العباس اسماعيل بن العباس (ت803هـ) العسجد المسبوك والجوهر المحكوك. جزءان في مجلد واحد – تحقيق شاكر محمود – دار التراث الاسلامي – بيروت – 1975م.
18 - أبو الفداء: عماد الدين بن محمد (ت732هـ) المختصر في أخبار البشر – المطبعة الحسينية – القاهرة – 1325هـ.
19 - ابن الفرات: ناصر الدين محمد بن عبدالرحمن (ت807هـ) تأريخ بن الفرات مجلدان – تحقيق حسن الشماع – دار الطباعة الحديثة – البصرة – 1969/1970م.
20 - القلقشندي: أبو العباس أحمد بن علي (ت821هـ) مأثرة الأناقة في معالم الخلافة – الجزء الثاني.
21 - أبو محزمة: أبو محمد عبدالله الطيب بن عبدالله بن أحمد تأريخ ثغر عدن – جزءان/ مجلد واحد – بريل – ليدن – 1936م.
22 - المقريزي: تقي الدين أحمد بن علي (ت845هـ) السلوك لمعرفة دول الملوك – 6 أجزاء تحقيق – مصطفى زيادة – مطبعة دار الكتب المصرية – القاهرة 1936م.
23 - ابن المجاور: جمال الدين أبو الفتح يوسف بن يعقوب بن حمد، صفة بلاد اليمن ومكة وبعض من الحجاز المسماة – تأريخ المستبصر – مطبعة – بريل – ليدن – 1951م.
24 - ابن منقذ: أسامة بن مرشد الكناني الشيزري (ت584هـ) الاعتبار. تحقيق (حرره) فليب متي.
25 - الهمداني: أبو محمد الحسن بن أحمد بن يعقوب (ت334هـ) صفة جزيرة العرب – طبعة ليدن – 1884م.
26 - ابن واصل: جمال الدين محمد بن سالم (ت697هـ) مفرج الكروب في أخبار بني أيوب 4 أجزاء جـ1 تحقيق جمال الدين الشيال مطبعة جامعة فؤاد الأول – القاهرة 1953م. جـ2، المطبعة الأميرية القاهرة 1957م، جـ3 مطابع دار التعليم – القاهرة – 1960م. جـ4 تحقيق د. حسنين محمد ربيع – دار الكتب المصرية – 1972م.
27 - اليافعي: عبدالله بن أسعد عفيف الدين اليمني المكي (ت768هـ) مرآة الجنان وعبرة اليقظان 4 أجزاء – دائرة المعارف حيدر آباد – الدكن – الهند 1338هـ.
28 - ياقوت الحموي: شهاب الدين بن عبدالله الحموي الرومي (ت626هـ) معجم البلدان 5 أجزاء – دار صادر – بيروت – 1975م.
29 - يحيى بن الحسين: بن الامام القاسم بن محمد (ت1100هـ) غاية الأماني في أخبار القطر اليماني – جزءان – تحقيق سعيد عاشور – دار الكتاب العربي للطباعة والنشر القاهرة 1968م.
30 - اليمني: نجم الدين محمد العلمي اليمني (ت569هـ) النكت العصرية في أخبار الوزراء المصرية تحقيق – ديريتورغ – باريس – 1897م.
المراجع:
31 - بيومي: علي، قيام الدولة الأيوبية في مصر ط1 دار الفكر الحديث – القاهرة 1952م.
32 - زامباور: أدواردفون. معجم الأنساب والأسرات الحاكمة في التاريخ – ترجمة زكي محمد وجماعته – مطبعة جامعة فؤاد الأول – القاهرة – 1951م.
33 - سليمان: أحمد السعيد. تأريخ الدول والأسرات الحاكمة – جزءان – دار المعارف – القاهرة 1969م.
34 - العرشي: حسين بن أحمد. بلوغ المرام في شرح مسك الختام من تولى اليمن من ملوك وإمام عني بنشره – الأب أنستاس الكرملي. مطبعة برتيري – القاهرة 1931م.
35 - محمود: حسن سليمان، تأريخ اليمن السياسي في العصر الاسلامي – مطبعة دار الجاحظ/ بغداد 1969م
7 - ابن خلكان: أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد (ت681هـ) وفيات الأعيان 6 أجزاء – مطبعة السعادة – ط1 القاهرة 1948م.
8 - الزبيدي: أبو ضياء عبدالرحمن بن علي (ت943هـ) قرة العيون بأخبار اليمن الميمون – تحقيق محمد بن علي الأكوع الحوالي. المطبعة السلفية – القاهرة 1971م.
9 - سبط بن الجوزي شمس الدولة بن قزاوغلي التركي (ت654هـ) مرآة الزمان في تاريخ الأعيان – جزءان – حيدر أباد – الدكن – 1951م.
10 - السبكي: تاج الدين عبدالوهاب بن تقي الدين (ت771هـ) طبقات الشافعية الكبرى – 6 أجزاء – المطبعة الحسينية القاهرة – 19.
11 - أبو شامة: شهاب الدين عبدالرحمن اسماعيل المقدسي (ت665هـ) الروضتين في أخبار الدولتين – تحقيق د. حلمي محمد أحمد جـ1 القاهرة – 1956م، جـ1 ق2 1962م. وكذلك الاعتماد على النسخة المصورة – عن دار الجيل ط2 بيروت 1972م.
12 - ابن شداد: أبو المحاسن بهاء الدين يوسف بن رافع الأسدي (ت632هـ) النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية (سيرة صلاح الدين). القاهرة – 1964م.
13 - الصفدي: صلاح الدين خليل بن أيبك (ت764هـ) الوافي بالوفيات الجزء التاسع باعتناء يوسف فان ريس. دار صادر – بيروت 1974م.
14 - ابن العبري: غريغوريوس هرون المالطي (ت685هـ) تأريخ مختصر الدول – المطبعة الكاثوليكية – بيروت 1968م.
15 - ابن العماد: أبو الفلاح عبدالحي الجنبيلي (ت1089هـ). شذرات الذهب في أخبار من ذهب 8 أجزاء – مكتبة القدس القاهرة – 1350هـ.
16 - العمري: مسالك الأبصار في ممالك الأمصار (القسم الخاص باليمن) تحقيق اليمن فؤاد السيد – مطبعة دار الاعتصام القاهرة – 1972م.
17 - الغساني: أبو العباس اسماعيل بن العباس (ت803هـ) العسجد المسبوك والجوهر المحكوك. جزءان في مجلد واحد – تحقيق شاكر محمود – دار التراث الاسلامي – بيروت – 1975م.
18 - أبو الفداء: عماد الدين بن محمد (ت732هـ) المختصر في أخبار البشر – المطبعة الحسينية – القاهرة – 1325هـ.
19 - ابن الفرات: ناصر الدين محمد بن عبدالرحمن (ت807هـ) تأريخ بن الفرات مجلدان – تحقيق حسن الشماع – دار الطباعة الحديثة – البصرة – 1969/1970م.
20 - القلقشندي: أبو العباس أحمد بن علي (ت821هـ) مأثرة الأناقة في معالم الخلافة – الجزء الثاني.
21 - أبو محزمة: أبو محمد عبدالله الطيب بن عبدالله بن أحمد تأريخ ثغر عدن – جزءان/ مجلد واحد – بريل – ليدن – 1936م.
22 - المقريزي: تقي الدين أحمد بن علي (ت845هـ) السلوك لمعرفة دول الملوك – 6 أجزاء تحقيق – مصطفى زيادة – مطبعة دار الكتب المصرية – القاهرة 1936م.
23 - ابن المجاور: جمال الدين أبو الفتح يوسف بن يعقوب بن حمد، صفة بلاد اليمن ومكة وبعض من الحجاز المسماة – تأريخ المستبصر – مطبعة – بريل – ليدن – 1951م.
24 - ابن منقذ: أسامة بن مرشد الكناني الشيزري (ت584هـ) الاعتبار. تحقيق (حرره) فليب متي.
25 - الهمداني: أبو محمد الحسن بن أحمد بن يعقوب (ت334هـ) صفة جزيرة العرب – طبعة ليدن – 1884م.
26 - ابن واصل: جمال الدين محمد بن سالم (ت697هـ) مفرج الكروب في أخبار بني أيوب 4 أجزاء جـ1 تحقيق جمال الدين الشيال مطبعة جامعة فؤاد الأول – القاهرة 1953م. جـ2، المطبعة الأميرية القاهرة 1957م، جـ3 مطابع دار التعليم – القاهرة – 1960م. جـ4 تحقيق د. حسنين محمد ربيع – دار الكتب المصرية – 1972م.
27 - اليافعي: عبدالله بن أسعد عفيف الدين اليمني المكي (ت768هـ) مرآة الجنان وعبرة اليقظان 4 أجزاء – دائرة المعارف حيدر آباد – الدكن – الهند 1338هـ.
28 - ياقوت الحموي: شهاب الدين بن عبدالله الحموي الرومي (ت626هـ) معجم البلدان 5 أجزاء – دار صادر – بيروت – 1975م.
29 - يحيى بن الحسين: بن الامام القاسم بن محمد (ت1100هـ) غاية الأماني في أخبار القطر اليماني – جزءان – تحقيق سعيد عاشور – دار الكتاب العربي للطباعة والنشر القاهرة 1968م.
30 - اليمني: نجم الدين محمد العلمي اليمني (ت569هـ) النكت العصرية في أخبار الوزراء المصرية تحقيق – ديريتورغ – باريس – 1897م.
المراجع:
31 - بيومي: علي، قيام الدولة الأيوبية في مصر ط1 دار الفكر الحديث – القاهرة 1952م.
32 - زامباور: أدواردفون. معجم الأنساب والأسرات الحاكمة في التاريخ – ترجمة زكي محمد وجماعته – مطبعة جامعة فؤاد الأول – القاهرة – 1951م.
33 - سليمان: أحمد السعيد. تأريخ الدول والأسرات الحاكمة – جزءان – دار المعارف – القاهرة 1969م.
34 - العرشي: حسين بن أحمد. بلوغ المرام في شرح مسك الختام من تولى اليمن من ملوك وإمام عني بنشره – الأب أنستاس الكرملي. مطبعة برتيري – القاهرة 1931م.
35 - محمود: حسن سليمان، تأريخ اليمن السياسي في العصر الاسلامي – مطبعة دار الجاحظ/ بغداد 1969م
#اليمن_تاريخ_وثقافة
#الحدود_اليمنية_السعودية 1
المتزحزح والثابت
بعد القضاء على الدولة الطاهرية تغيرت الأحلاف وموازين القوى وأخذ الإمام شرف الدين يقاتل حلفاء الأمس من المماليك الذين اسماهم قبلا " غزاة كرماء " وبتحالف مع والي الدولة الطاهرين في ثلا، في حين تحالف الأشراف الحمزات مع المماليك نكاية بالإمام شرف الدين، وقد ضعفت معنويات الجند المماليك كثيرا بسبب سقوط دولتهم في مصر على يد الأتراك العثمانيين بعد قليل من القضاء على الدولة الطاهرية في نفس العام 923 هـ/1517م ، مما اضطر المماليك في اليمن إلى الاعتراف بالسيادة العثمانية، وهكذا دخلت اليمن تحت السيادة العثمانية عبر تبعيتها السابقة للمماليك، لكن العثمانيون أنفسهم لم يصلوا اليمن إلا عام 945 هـ/ 1538 م وهي حملتهم الأولى إلى اليمن بعد أن وضحت لهم أهمية موقع اليمن الإستراتيجي المطل على البحر الأحمر وبحر العرب، في إطار صراعهم كقوة دولية مع القوة البرتغالية البحرية المتنامية في المحيط الهندي وبحر العرب ،والتي أخذت تحول الطريق التجاري من البحر الأحمر عبر رأس الرجاء الصالح مع ما يتبع ذلك من خسائر في عائدات الموانئ الخاضعة لسيطرة العثمانيين،
أما مصير المماليك في اليمن قبل قدوم العثمانيين فقد آل إلى قوة صغيرة منحصرة في زبيد بعد أن تمكن الإمام شرف الدين بمعارك طاحنة مع المماليك من مطاردتهم مهزومين حتى زبيد، وقد تولى قيادة الحملات الحربية المطهر ابن الإمام شرف الدين، أحد فرسان الحرب المرموقين في هذه الفترة ،والمتصف مع ذلك بالقسوة والجبروت إلى حد أن أباه الإمام شرف الدين برأ إلى الله أمام الملأ من بعض أفعاله، لقد حصر نفوذ المماليك في زبيد، لتقضي عليهم بعدئذ القوة التركية الغازية، وليجد الإمام شرف الدين، الذي كان قد ضم معظم اليمن من عدن إلى صعدة تحت حكمه ، نفسه وجها لوجه مع العثمانيين ،
وابتداء من هذه الفترة التي تولى قيادتها الإمام شرف الدين وحتى قيام الثورة في 26 سبتمبر 1962 م تنسحب الأحداث التاريخية الكبرى وزمام المبادرة من المناطق الجنوبية السهلية لليمن لتتركز في الجهات الجبلية الشمالية بزعامة الأئمة الزيدين واتباعهم في اليمن الأعلى ، وإلى جانب عدد كبير من الأئمة الطامحين تمكنت فقط أسرتان من الأسر الهاشمية من تحقيق السيادة والنفوذ ، وإن بشكل متقطع ، وبين وهن وقوة ، هما أسرة شرف الدين وأسرة آل القاسم، وفي فترة الوجود العثماني الأول في اليمن كان الإمام شرف الدين وابنه المطهر رجلا المرحلة ، فخاضا حربا ضروسا ضد العثمانيين ، كان يمكن أن تكلل بالنجاح سريعا لولا التنافس على النفوذ داخل أسرة شرف الدين الذي اسهم في طول هذه الحرب وبقاء الأتراك في اليمن ، إذ قامت المنافسات بين الإمام شرف الدين وابنه المطهر وفيما بعد بين المطهر واخوته لينقسم معسكرهم بين مؤيد لهذا ومؤيد لذاك ، وأخذت القوى القبلية تحاول الحصول على مساحة نفوذ تتحكم فيها، إلى جانب منافسات أئمة آخرين لآل شرف الدين، وقد أدت هذه المنافسات والحروب إلى الاستعانة بالعثمانيين لترجيح الكفة ضد المنافسين، ومع ذلك فقد كان الأئمة الزيديون في هذه الفترة إجمالا هم القوة المهيمنة والمتصدرة لعظائم الأمور ضد هيمنة الأتراك العثمانيين، وكان آل كثير في حضرموت قد استغلوا الفراغ السياسي في جهاتهم وكونوا الدولة الكثيرية بزعامة السلطان بوطويرق 844 ? 915 هـ /1438- 1510 م ، وهكذا كانت اليمن في هذه الفترة موزعة بين ثلاث قوى ، الأتراك في الجهات الغربية والأئمة من بيت شرف الدين في الجهات الشمالية وآل كثير في حضرموت،
وبوفاة المطهر بن شرف الدين زعيم الجبهة الزيدية وقائد المقاومة عام 980 هـ / 1572 م ينتهي دور آل شرف الدين لتعقبهم فترة تدهور للمقاومة ضد الأتراك تستمر ربع القرن ليظهر الإمام القاسم بن محمد ، قائدا لثورة عارمة ضد العثمانيين وليؤسس لجيل جديد آخر من الأئمة الزيدين سيستمر في الحكم بين مد وجزر حتى زمن الثورة الجمهورية عام 1962م، وقد تميز تاريخ الفترة اللاحقة بالنضال الدؤوب من قبل اليمنيين جميعا بزعامة الأئمة من بيت الإمام القاسم بن محمد الذي تمكن من فرض صلح مع الوالي العثماني محمد باشا يحق للإمام بمقتضاه من حكم المناطق الشمالية لصنعاء على المذهب الزيدي المخالف لمذهب العثمانيين السني الحنفي ، وبعد وفاة الإمام القاسم عام 1029هـ/ 1620 م يخلفه ابنه محمد الملقب بالمؤيد وهو الذي تمكن بعد انتقاض الصلح بين الطرفين من مقارعة الأتراك ليتم طردهم نهائيا من اليمن عام 1045هـ/ 1635 م ولتكون بذلك اليمن أول ولاية عربية تخرج عن فلك الدولة العثمانية ، والتي ستعود إلى اليمن ثانية عام 1266 هـ / 1848 م أي بعد أكثر من قرنين من الزمان،
وبخروج الأتراك تمهد الطريق لتوحيد اليمن للمرة الثالثة في الزمن الإسلامي ، وكان الموحد هذه المرة المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم أخو المؤيد السالف الذكر، إذ قام بتجهيز الحملات على المناطق الشرقية من اليمن والتي خرجت قبل ذلك مستغلة حالة
#الحدود_اليمنية_السعودية 1
المتزحزح والثابت
بعد القضاء على الدولة الطاهرية تغيرت الأحلاف وموازين القوى وأخذ الإمام شرف الدين يقاتل حلفاء الأمس من المماليك الذين اسماهم قبلا " غزاة كرماء " وبتحالف مع والي الدولة الطاهرين في ثلا، في حين تحالف الأشراف الحمزات مع المماليك نكاية بالإمام شرف الدين، وقد ضعفت معنويات الجند المماليك كثيرا بسبب سقوط دولتهم في مصر على يد الأتراك العثمانيين بعد قليل من القضاء على الدولة الطاهرية في نفس العام 923 هـ/1517م ، مما اضطر المماليك في اليمن إلى الاعتراف بالسيادة العثمانية، وهكذا دخلت اليمن تحت السيادة العثمانية عبر تبعيتها السابقة للمماليك، لكن العثمانيون أنفسهم لم يصلوا اليمن إلا عام 945 هـ/ 1538 م وهي حملتهم الأولى إلى اليمن بعد أن وضحت لهم أهمية موقع اليمن الإستراتيجي المطل على البحر الأحمر وبحر العرب، في إطار صراعهم كقوة دولية مع القوة البرتغالية البحرية المتنامية في المحيط الهندي وبحر العرب ،والتي أخذت تحول الطريق التجاري من البحر الأحمر عبر رأس الرجاء الصالح مع ما يتبع ذلك من خسائر في عائدات الموانئ الخاضعة لسيطرة العثمانيين،
أما مصير المماليك في اليمن قبل قدوم العثمانيين فقد آل إلى قوة صغيرة منحصرة في زبيد بعد أن تمكن الإمام شرف الدين بمعارك طاحنة مع المماليك من مطاردتهم مهزومين حتى زبيد، وقد تولى قيادة الحملات الحربية المطهر ابن الإمام شرف الدين، أحد فرسان الحرب المرموقين في هذه الفترة ،والمتصف مع ذلك بالقسوة والجبروت إلى حد أن أباه الإمام شرف الدين برأ إلى الله أمام الملأ من بعض أفعاله، لقد حصر نفوذ المماليك في زبيد، لتقضي عليهم بعدئذ القوة التركية الغازية، وليجد الإمام شرف الدين، الذي كان قد ضم معظم اليمن من عدن إلى صعدة تحت حكمه ، نفسه وجها لوجه مع العثمانيين ،
وابتداء من هذه الفترة التي تولى قيادتها الإمام شرف الدين وحتى قيام الثورة في 26 سبتمبر 1962 م تنسحب الأحداث التاريخية الكبرى وزمام المبادرة من المناطق الجنوبية السهلية لليمن لتتركز في الجهات الجبلية الشمالية بزعامة الأئمة الزيدين واتباعهم في اليمن الأعلى ، وإلى جانب عدد كبير من الأئمة الطامحين تمكنت فقط أسرتان من الأسر الهاشمية من تحقيق السيادة والنفوذ ، وإن بشكل متقطع ، وبين وهن وقوة ، هما أسرة شرف الدين وأسرة آل القاسم، وفي فترة الوجود العثماني الأول في اليمن كان الإمام شرف الدين وابنه المطهر رجلا المرحلة ، فخاضا حربا ضروسا ضد العثمانيين ، كان يمكن أن تكلل بالنجاح سريعا لولا التنافس على النفوذ داخل أسرة شرف الدين الذي اسهم في طول هذه الحرب وبقاء الأتراك في اليمن ، إذ قامت المنافسات بين الإمام شرف الدين وابنه المطهر وفيما بعد بين المطهر واخوته لينقسم معسكرهم بين مؤيد لهذا ومؤيد لذاك ، وأخذت القوى القبلية تحاول الحصول على مساحة نفوذ تتحكم فيها، إلى جانب منافسات أئمة آخرين لآل شرف الدين، وقد أدت هذه المنافسات والحروب إلى الاستعانة بالعثمانيين لترجيح الكفة ضد المنافسين، ومع ذلك فقد كان الأئمة الزيديون في هذه الفترة إجمالا هم القوة المهيمنة والمتصدرة لعظائم الأمور ضد هيمنة الأتراك العثمانيين، وكان آل كثير في حضرموت قد استغلوا الفراغ السياسي في جهاتهم وكونوا الدولة الكثيرية بزعامة السلطان بوطويرق 844 ? 915 هـ /1438- 1510 م ، وهكذا كانت اليمن في هذه الفترة موزعة بين ثلاث قوى ، الأتراك في الجهات الغربية والأئمة من بيت شرف الدين في الجهات الشمالية وآل كثير في حضرموت،
وبوفاة المطهر بن شرف الدين زعيم الجبهة الزيدية وقائد المقاومة عام 980 هـ / 1572 م ينتهي دور آل شرف الدين لتعقبهم فترة تدهور للمقاومة ضد الأتراك تستمر ربع القرن ليظهر الإمام القاسم بن محمد ، قائدا لثورة عارمة ضد العثمانيين وليؤسس لجيل جديد آخر من الأئمة الزيدين سيستمر في الحكم بين مد وجزر حتى زمن الثورة الجمهورية عام 1962م، وقد تميز تاريخ الفترة اللاحقة بالنضال الدؤوب من قبل اليمنيين جميعا بزعامة الأئمة من بيت الإمام القاسم بن محمد الذي تمكن من فرض صلح مع الوالي العثماني محمد باشا يحق للإمام بمقتضاه من حكم المناطق الشمالية لصنعاء على المذهب الزيدي المخالف لمذهب العثمانيين السني الحنفي ، وبعد وفاة الإمام القاسم عام 1029هـ/ 1620 م يخلفه ابنه محمد الملقب بالمؤيد وهو الذي تمكن بعد انتقاض الصلح بين الطرفين من مقارعة الأتراك ليتم طردهم نهائيا من اليمن عام 1045هـ/ 1635 م ولتكون بذلك اليمن أول ولاية عربية تخرج عن فلك الدولة العثمانية ، والتي ستعود إلى اليمن ثانية عام 1266 هـ / 1848 م أي بعد أكثر من قرنين من الزمان،
وبخروج الأتراك تمهد الطريق لتوحيد اليمن للمرة الثالثة في الزمن الإسلامي ، وكان الموحد هذه المرة المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم أخو المؤيد السالف الذكر، إذ قام بتجهيز الحملات على المناطق الشرقية من اليمن والتي خرجت قبل ذلك مستغلة حالة
الضعف والاقتتال بين الأئمة، كما وصلت قوات الإمام إلى يافع لإخضاعها ثانية، وعندما علم الكثيري سلطان حضرموت بما حل بأهل يافع راسل الإمام معلنا الدخول في طاعته، كما دخلت في طاعته جهات ظفار الحضوري الواقعة اليوم في بلاد عمان، وبهذا الامتداد باستثناء مكة يكون اليمن قد توحد من أقاصي الجنوب والشرق إلى أقاصي الشمال، كما كان الحال أيام الرسوليين الصليحيين ، ونلفت الانتباه إلى ان سبب غياب ذكر بلاد المهرة في الشرق وبلاد عسير بمدنها في الشمال راجع إلى أن بلاد المهرة كانت جزءا من حضرموت، مثلما كنت بلاد عسير ومدنها تابعة لصعدة كمركز ديني وإداري،
وقد شهد حكم المتوكل على الله إسماعيل الممتد لثلاثين عاما في معظمه قدرا من الاستقرار السياسي مكن من ازدهار الزراعة والتجارة والفكر والثقافة ليستحق بعدئذ وصف المؤرخين له وبأنه افضل عصور اليمن الحديثة على الإطلاق،
وخلف المتوكل إسماعيل في سدة الإمامة اثنين من أسرة آل القاسم هما احمد بن الحسن الملقب بسيل الليل، ومحمد بن المتوكل والتي امتد حكمهما لعشر سنوات، ثم اعتلى الحكم طامح جديد من أبناء الجيل الثالث هو محمد بن أحمد بن الحسن المعروف بصاحب المواهب، نسبة إلى قرية قرب ذمار كان قد اتخذها مقرا لحكمه، وفي زمن صاحب المواهب هذا شهدت اليمن حالات متتابعة من الحروب والانقسامات داخل بيت القاسم لأكثر من ثلاثين عاما سببها الطموح إلى السلطة والنفوذ وخيراتهما، وقد شكل مبدأ الخروج على الظلم كما يرى المذهب الزيدي غطاء شرعيا لتحقيق تلك الطموحات في النفوذ والسلطة، وقد أراقت تلك الحروب كما أسلفنا كثيرا من الدماء وأهلكت كثيرا من الزرع والضرع ، وبعد صاحب المواهب عرفت اليمن سلسلة من الأئمة من بيت القاسم وشهد هؤلاء طموحات أئمة آخرين تفاوتوا في القوة والضعف وإحراز المكاسب، بالإضافة إلى تمردات القبائل ، ثم أعتلي عرش السلطة المهدي عباس بن المنصور 1161?1189م الموافق 1748? 1775م وهو الإمام العاشر، وقد تميز المهدي بكفاءات وقدرات أهلته لإعادة مركزية الدولة وحكم معظم مناطق اليمن من صنعاء العاصمة كل الربع الثالث من القرن الثالث عشر الهجري ،الثامن عشرالميلادي، ولا يعني هذا ان أحدا لم يخرج عليه، ففي تاريخ الأئمة كان هناك على الدوام من لا يعترف بحكم الإمام المبايع فيدعوا لنفسه ، بل هناك أئمة يدعون لأنفسهم ، وإلى جانب طموحات الأئمة ، شهد حكمه غارات القبائل على أنحاء من تهامة واليمن الأسفل بقصد السلب والنهب، فعاثت فسادا في الديار الآمنة، لكن الإمام المهدي تمكن بالسياسة حينا وبالقوة أخرى وبمعاونة أهل العلم وابرزهم في زمانه وأكثرهم نشاطا علميا وسياسيا في سبيل العلم والناس العلامة ابن الأمير المتوفى 1182هـ/1768م والإمام المهدي هذا هو الذي زاره الرحالة الألماني كارستن نيبور عام 1177 هـ/ 1763 م ووصف هيئته ومجلسه الفخم وحاشيته، والمهدي أيضا هو الإمام الذي وصفه الشوكاني رغم إعجابه به، بالفردية والاستبداد، كما اشتهر بنهمه للأرض حتى سطا على أملاك الأوقاف وصير غيولاً تاريخية كالغيل الأسود وغيل البرمكي ملكا خالصا له،
وتكاد الفترة الباقية من تاريخ اليمن ، أي من وفاة المهدي حتى قدوم الأتراك للمرة الثانية لا تختلف عن سابقتها لا في طبيعة الحكم فيها ولا في طبيعة الأحداث ، فبينما استمر الانقسام والاقتتال بين الطامحين في السلطة من الأئمة، استمرت القبائل كذلك في نصرة من تأنس فيه السيادة لتفوز معه بخيرات السلطة والحكم ، وفي حالات كثيرة كانت القبائل تستقل بتمرداتها لنفسها متى ما آنست ضعفا في السلطة المركزية إلى حد محاصرتها للعاصمة صنعاء ، كما أفسح المجال لطامحين آخرين باسم الصوفية أو إقامة الشرع للحصول على مناطق نفوذ تتسع وتنكمش حسب علاقات القوة المتغيرة باستمرار،
وبسبب الضعف الذي آلت إليه الأمور فقد الأئمة كثيرا من المناطق في المخلاف السليماني بعاصمته أبى عريش وبعض تهامة اليمن لصالح الدولة الوهابية السعودية الأولى ، ثم فقدت بعدئذ لصالح محمد على باشا في مصر، وهو الذي جاء بقواته إلى الجزيرة للقضاء على دولة الوهابيين السعودية وليوحدها تحت حكمه فوصلت قواته إلى تهامة في اليمن 1220 ?1265 هـ/ 1805- 1848 م ، وقد دفع توسع محمد علي وطموحه في التوحيد بريطانيا إلى احتلال عدن لصد طموحات محمد علي ولتأمين الطرق البحرية إلى الهند ، درة التاج البريطاني كما كانت تسمى ، وقد سلم محمد علي ـ بعد تكالب الأوربيين عليه وهزيمته ـ جميع ذلك بعد انسحابه 1256 هـ/ 1840 م لحلفائه أشراف المخلاف السليماني بزعامة الشريف حسين بن علي حيدر وحلفائهم في عسير من آل عائض ، وقد عاصرت هذه الأوضاع طموح آخر الأئمة الذي سيفقد اليمن في عهده استقلاله لصالح بريطانيا والأتراك العثمانيين وهو محمد بن يحيى الملقب بالمتوكل، فقد أقام علاقات طيبة أول الأمر مع القوات المصرية في تهامة ، وبعد رحيلها ذهب إلى مصر باحثا عن عون عسكري يدخل به صنعاء، ولما كانت الأمور قد تغيرت في غير صالح محمد علي عاد الطامح محمد ب
وقد شهد حكم المتوكل على الله إسماعيل الممتد لثلاثين عاما في معظمه قدرا من الاستقرار السياسي مكن من ازدهار الزراعة والتجارة والفكر والثقافة ليستحق بعدئذ وصف المؤرخين له وبأنه افضل عصور اليمن الحديثة على الإطلاق،
وخلف المتوكل إسماعيل في سدة الإمامة اثنين من أسرة آل القاسم هما احمد بن الحسن الملقب بسيل الليل، ومحمد بن المتوكل والتي امتد حكمهما لعشر سنوات، ثم اعتلى الحكم طامح جديد من أبناء الجيل الثالث هو محمد بن أحمد بن الحسن المعروف بصاحب المواهب، نسبة إلى قرية قرب ذمار كان قد اتخذها مقرا لحكمه، وفي زمن صاحب المواهب هذا شهدت اليمن حالات متتابعة من الحروب والانقسامات داخل بيت القاسم لأكثر من ثلاثين عاما سببها الطموح إلى السلطة والنفوذ وخيراتهما، وقد شكل مبدأ الخروج على الظلم كما يرى المذهب الزيدي غطاء شرعيا لتحقيق تلك الطموحات في النفوذ والسلطة، وقد أراقت تلك الحروب كما أسلفنا كثيرا من الدماء وأهلكت كثيرا من الزرع والضرع ، وبعد صاحب المواهب عرفت اليمن سلسلة من الأئمة من بيت القاسم وشهد هؤلاء طموحات أئمة آخرين تفاوتوا في القوة والضعف وإحراز المكاسب، بالإضافة إلى تمردات القبائل ، ثم أعتلي عرش السلطة المهدي عباس بن المنصور 1161?1189م الموافق 1748? 1775م وهو الإمام العاشر، وقد تميز المهدي بكفاءات وقدرات أهلته لإعادة مركزية الدولة وحكم معظم مناطق اليمن من صنعاء العاصمة كل الربع الثالث من القرن الثالث عشر الهجري ،الثامن عشرالميلادي، ولا يعني هذا ان أحدا لم يخرج عليه، ففي تاريخ الأئمة كان هناك على الدوام من لا يعترف بحكم الإمام المبايع فيدعوا لنفسه ، بل هناك أئمة يدعون لأنفسهم ، وإلى جانب طموحات الأئمة ، شهد حكمه غارات القبائل على أنحاء من تهامة واليمن الأسفل بقصد السلب والنهب، فعاثت فسادا في الديار الآمنة، لكن الإمام المهدي تمكن بالسياسة حينا وبالقوة أخرى وبمعاونة أهل العلم وابرزهم في زمانه وأكثرهم نشاطا علميا وسياسيا في سبيل العلم والناس العلامة ابن الأمير المتوفى 1182هـ/1768م والإمام المهدي هذا هو الذي زاره الرحالة الألماني كارستن نيبور عام 1177 هـ/ 1763 م ووصف هيئته ومجلسه الفخم وحاشيته، والمهدي أيضا هو الإمام الذي وصفه الشوكاني رغم إعجابه به، بالفردية والاستبداد، كما اشتهر بنهمه للأرض حتى سطا على أملاك الأوقاف وصير غيولاً تاريخية كالغيل الأسود وغيل البرمكي ملكا خالصا له،
وتكاد الفترة الباقية من تاريخ اليمن ، أي من وفاة المهدي حتى قدوم الأتراك للمرة الثانية لا تختلف عن سابقتها لا في طبيعة الحكم فيها ولا في طبيعة الأحداث ، فبينما استمر الانقسام والاقتتال بين الطامحين في السلطة من الأئمة، استمرت القبائل كذلك في نصرة من تأنس فيه السيادة لتفوز معه بخيرات السلطة والحكم ، وفي حالات كثيرة كانت القبائل تستقل بتمرداتها لنفسها متى ما آنست ضعفا في السلطة المركزية إلى حد محاصرتها للعاصمة صنعاء ، كما أفسح المجال لطامحين آخرين باسم الصوفية أو إقامة الشرع للحصول على مناطق نفوذ تتسع وتنكمش حسب علاقات القوة المتغيرة باستمرار،
وبسبب الضعف الذي آلت إليه الأمور فقد الأئمة كثيرا من المناطق في المخلاف السليماني بعاصمته أبى عريش وبعض تهامة اليمن لصالح الدولة الوهابية السعودية الأولى ، ثم فقدت بعدئذ لصالح محمد على باشا في مصر، وهو الذي جاء بقواته إلى الجزيرة للقضاء على دولة الوهابيين السعودية وليوحدها تحت حكمه فوصلت قواته إلى تهامة في اليمن 1220 ?1265 هـ/ 1805- 1848 م ، وقد دفع توسع محمد علي وطموحه في التوحيد بريطانيا إلى احتلال عدن لصد طموحات محمد علي ولتأمين الطرق البحرية إلى الهند ، درة التاج البريطاني كما كانت تسمى ، وقد سلم محمد علي ـ بعد تكالب الأوربيين عليه وهزيمته ـ جميع ذلك بعد انسحابه 1256 هـ/ 1840 م لحلفائه أشراف المخلاف السليماني بزعامة الشريف حسين بن علي حيدر وحلفائهم في عسير من آل عائض ، وقد عاصرت هذه الأوضاع طموح آخر الأئمة الذي سيفقد اليمن في عهده استقلاله لصالح بريطانيا والأتراك العثمانيين وهو محمد بن يحيى الملقب بالمتوكل، فقد أقام علاقات طيبة أول الأمر مع القوات المصرية في تهامة ، وبعد رحيلها ذهب إلى مصر باحثا عن عون عسكري يدخل به صنعاء، ولما كانت الأمور قد تغيرت في غير صالح محمد علي عاد الطامح محمد ب
ن يحيى خاليالوفاض ، لكنه يمم وجهه شطر أشراف المخلاف السليماني الذين كانوا قد استقروا بجهاتهم ضد رغبة السلطة في صنعاء، بل وتحدوا سلطتها بتوسيع أملاكهم في كل تهامة اليمن حتى ان الميناء الحيوي المخا كان واقعا تحت سيطرتهم ، وفي وقت لاحق حاولوا الوثوب على عدن لطرد الإنجليز منها، وقد قام الشريف حسين بن علي حيدرة بدعم طموحات محمد بن يحيى المتوكل كي يخلق لنفسه شرعية في السيطرة على المناطق التي تحت يده وليتمكن من التوسع في إقليم اليمن في كل الجهات لو قدر على ذلك مثله مثل أي قوة يمنية أخرى مرت بنا قبلا، أمد الشريف حسين الطامح محمد بن يحيى المتوكل بالأموال والعتاد مما مكن المتوكل فعلا من هزيمة الإمام المهدي ودخول صنعاء إماما جديدا ، لكن هذا الحلف مع أشراف المخلاف السليماني لم يلبث إن انهار لتصادم مصالح الطرفين خاصة وخزانة الإمام المتوكل خاوية بفعل سيطرة الشريف حسين على الموانئ المدرة للمال، فقامت لذلك حرب بين الطرفين اشتركت فيه القبائل اليمنية في عسير ويام وهمدان وباجل وغيرها مدفوعة في الغالب برغبات في الحصول على الأموال، وبعضها ليحمي استقلاله ومنطقته من أطماع هذا فيحتمي بذاك كما فعلت قبائل باجل مثلا، وقد كانت وعود الحصول على الأموال وتوزيع الموجود منها على القبائل في الطرفين عاملا حاسما في مواقف القبائل من الفريقين، وقد دارت الدائرة أول الأمر على الشريف حسين وأسر، لكن فُك أسره بعد ذلك فيما الإمام المتوكل يحاول الخروج من تطورات الوضع العسكري في تهامة والذي أدى إلى حصره هناك، لكنه تمكن بالحيلة والوعود الكاذبة من الوصول إلى صنعاء تاركا تهامة ثانية في يد الشريف حسين ، ثم واجهته صعوبات القضاء على طامحين جديدين في صعدة وذمار ادعيا الإمامة مسنودين من قبائل غاضبة على الإمام المتوكل، وهكذا يبدأ فصل جديد من فصول التنافس الدموي بين الأئمة على السيادة والنفوذ والأحقية، كل هذا يحدث والأتراك العثمانيون في الحجاز على مقربة منه يسمعون ويتابعون، وقد دفعت المصالح المتضاربة والمواجهات الأولى بين الإمام المتوكل والشريف حسين من جهة وبين الأخير وجاره أمير عسير محمد بن عائض المتحالف مع المتوكل، دفعت الشريف حسين إلى دعوة السلطات العثمانية لتدخل تهامة، فصدرت الأوامر لوالي الحجاز بقيادة جيش لدخول تهامة، فدخل الجيش الحديدة عام 1265 هـ/1849 م بالتعاون مع الشريف حسين، وقد رأى الإمام المتوكل أن من الحكمة أن لا يترك خصمه يستأثر وحده بعلاقات ودية مع الأتراك، فقرر هو الأخر ان يظهر حسن نواياه تجاههم، وقد ذهب في ذلك إلى حد انه دعاهم لدخول صنعاء ثانية، وقنع بمرتب شهري يؤدوه له وأعلن في الناس ان أمرهم قد صار إلى الأتراك العثمانيين، وأمام هذا الوضع الجديد والغريب في آن يرسم اليمنيون نقطة مضيئة في تاريخهم ، فقد وقفت القبائل اليمنية موقفا وطنيا وأظهرت غيرتها على الأرض والعرض ، خاصة وأن الأجيال كانت ما تزال تروي فضائع العثمانيين في حملتهم الأولى وبطولات الأسلاف في مقارعتهم الطعان وطردهم من اليمن التي انتزعت بجدارة لقبها المعروف " مقبرة الأناضول "، تصدى سكان صنعاء وكافة القبائل المجاورة والقادمة للأتراك فضيقوا عليهم الخناق وقتلوهم في الأسواق حتى انهم لم يتمكنوا من الخروج لشراء حاجياتهم وظلوا محصورين في ثكنتهم ينتظرون الفرج، ومن جانب آخر كان الناس يطاردون الإمام المتوكل لقتله وينعتوه بالخيانة وقد خلعوه وبرئوا منه وعينوا مكانه الإمام المهدي ، وهو نفس الإمام الذي انهزم أمام المتوكل قبل ما يزيد قليلا عن الأربع سنوات، ويقوم الإمام الجديد بالقبض على المتوكل وقطع رأسه ثم فاوض الأتراك في كيفية الخروج من صنعاء إلى الحديدة بأمان ليستقروا هناك، فخرجوا خاسئين منكسي الرؤوس يوم عيد الفطر ، الأول من شهر شوال 1256هـ/18 أغسطس 1849م، فكان هذا الخروج الذليل للأتراك للناس عيدا فوق عيد، ومع ذلك فلا بد من القول انهم خرجوا فقط من صنعاء ولم يخرجوا من اليمن كله،
ولم يعمر الإمام المهدي في السلطة طويلا فقد خلع بعد عدة اشهر ليأتي إمام جديد ولتدخل صنعاء وما حولها في فترة فوضى واضطراب يتنازع السلطة فيها أئمة صغار ولتعم فوضى القبائل وهو ما مهد الطريق لعودة الأتراك العثمانيين ثانية إلى صنعاء،
وهكذا تفقد اليمن رسميا استقلالها بوجود قوتين أجنبيتين هما بريطانيا في عدن والعثمانيين في صنعاء وبحكم العداء بين هاتين القوتين فقد رسمت العلاقات بينهما خريطة اليمن السياسية ، ووقع الجانبان معاهدة في العام 1914 م رسمت فيها حدود نفوذ بين القوتين الأجنبيتين، وهكذا ينشطر اليمن لأول مرة في التاريخ ، وتنشأ تسمية الجنوب العربي التي ابتدعها الإنجليز لإعطاء الجزء الذي يسيطرون عليه شخصية اعتبارية مستقلة وتابعة لهم، واخذ الإنجليز يشجعون في الجهات الجنوبية والغربية من اليمن الاتجاهات القبلية والعشائرية وينشئون السلطنات ويسمحون لها بقدر من الاستقلال الذاتي تحت مظلتهم ،أما الأتراك فلم يستفيدوا لا من تجربتهم السابقة ولا من تجارب
ولم يعمر الإمام المهدي في السلطة طويلا فقد خلع بعد عدة اشهر ليأتي إمام جديد ولتدخل صنعاء وما حولها في فترة فوضى واضطراب يتنازع السلطة فيها أئمة صغار ولتعم فوضى القبائل وهو ما مهد الطريق لعودة الأتراك العثمانيين ثانية إلى صنعاء،
وهكذا تفقد اليمن رسميا استقلالها بوجود قوتين أجنبيتين هما بريطانيا في عدن والعثمانيين في صنعاء وبحكم العداء بين هاتين القوتين فقد رسمت العلاقات بينهما خريطة اليمن السياسية ، ووقع الجانبان معاهدة في العام 1914 م رسمت فيها حدود نفوذ بين القوتين الأجنبيتين، وهكذا ينشطر اليمن لأول مرة في التاريخ ، وتنشأ تسمية الجنوب العربي التي ابتدعها الإنجليز لإعطاء الجزء الذي يسيطرون عليه شخصية اعتبارية مستقلة وتابعة لهم، واخذ الإنجليز يشجعون في الجهات الجنوبية والغربية من اليمن الاتجاهات القبلية والعشائرية وينشئون السلطنات ويسمحون لها بقدر من الاستقلال الذاتي تحت مظلتهم ،أما الأتراك فلم يستفيدوا لا من تجربتهم السابقة ولا من تجارب
الإنجليز في كيفية التعامل مع الجزء الشمالي الذي يخضع لسيطرتهم فطفقوا ثانية يحاولون إرساء حكم مركزي تتريكي، خاصة بعد وصول القوميين الأتراك جمعية الاتحاد والترقي إلى السلطة في استنبول عام 1908م، سبب لهم المتاعب وأثار في وجوههم الثورات في مختلف مناطق البلاد تارة بقيادة القبائل وأخرى بقيادة جيل جديد طامح من الأئمة الزيدين الذين برز منهم في الفترة بين الاحتلال العثماني الثاني ونهاية الحرب العالمية الأولى الإمام المتوكل محسن والإمام الهادي شرف الدين والإمام المنصور محمد بن حميد الدين وابنه المتوكل يحيى ، الذي تزعم اليمنيين لمقارعة الأتراك ، بل وتمكن من حصار صنعاء وأجبر الأتراك أخيرا في الصلح المشهور بصلح دعّان عام 1329 هـ/ 1911 م ، ضمن بنود كثيرة على الاعتراف به حاكما وحيدا للطائفة الزيدية في اليمن مقابل اعتراف الإمام بالسيادة العثمانية على اليمن، وهو ما جعل حرب الإمام للأتراك تبدو وكأنها فقط لنيل الاعتراف بسلطته الدينية والسياسية على المناطق التي ينتشر فيها المذهب الزيدي ، وقد نفرت إثر ذلك قبائل يمنية عن الإمام متهمة إياه بأنه صار حليفا للأتراك واتجهت إلى منافسه محمد الإدريسي في صبيا بعسير، حيث كان محمد الإدريسي قد استثمر مكانة أسرته الدينية ليؤسس دولة الأدارسة في أعالي الشمال الغربي لليمن ، وليبدأ بلعب دور في أحداث التاريخ اليمني، ملفتا بطموحه السياسي الوثاب نظر كل من الإمام يحيى والأتراك والشريف حسين أمير مكة،
#اليمن_تاريخ_وثقافة
#الحدود_اليمنية_السعودية 2
المتزحزح و الثابت
أسفرت هزيمة تركيا في الحرب العالمية الأولى وانسحابها من جنوب غرب شبه الجزيرة العربية ـ عسير واليمن، عن وجود منطقة فراغ سياسي في عسير على وجه الخصوص. أدّى ذلك إلى انتعاش أنظمة حكم محلية في كل من صنعاء في الجنوب، وأبها في الشمال، وصبيا الممتد عبر السهل الساحلي بينها. كان وضع إمارتي أبها وصبيا حرجاً نظراً إلى عدم قدرة أي منهما على ملء فراغ القوة في منطقة وقعت بين فكي كماشة جيران أقوياء في الشمال والجنوب. فبالنسبة إلى إمارة صبيا، زاد موقعها الجغرافي من حراجة موقفها، حيث كان جارها الجنوبي، اليمن، لا يكل من التوسع شمالاً، الأمر الذي هدّد وجود تلك الإمارة الإدريسية. كان التهديد اليمني جاداً، بالنظر إلى أن صنعاء اعتبرت عسير جزءاً من مفهومها لـ"اليمن الكبرى". وبالتطلع شمالاً، عصفت خلافات سابقة بعلاقات صبيا بجيرانها في مكة وأبها ().
في تلك الفترة العصبية، تنصلت بريطانيا، غداة الحرب العالمية الأولى، من التزاماتها التعاقدية مع صبيا، لم تمنع معاهدة نيسان /أبريل 1915 واتفاقية 1917 التكميلية ـ اللتان عقدتهما بريطانيا مع تلك الإمارة لتطويق الأتراك في اليمن ـ من إعادة تقييم لندن لسياستها في ذلك الجزء من شبه الجزيرة العربية بعد الحرب العالمية الأولى. كان تفسير لندن الجديد لارتباطاتها السياسية والعسكرية مع صبيا، في ضوء المعطيات السياسية المستجدة، يتمثل في أن تعهدها بالدفاع عن إمارة الإدريسي ضد " قوة أجنبية " (بحسب نص معاهدة 1915) كان ينصرف إلى تركيا؛ وفي ضوء انحسار النفوذ التركي عن شبه الجزيرة، اعتبرت لندن نفسها غير ملزمة بذلك التعهد، بل وبمجمل المعاهدة([ii]).
اقتراحات التسوية وإجراءاتها
اتفاقية 1920
في تلك الأثناء، عقدت اتفاقية 1920 بين الرياض وصبيا([iii]), اعترفت الأولى بموجبها بسلطة الأخيرة على قبائل وأراضي جنوبي عسير، استناداً إلى توزيع القبائل ذات العلاقة بينهما، كان يمكن للأمر أن يبدو عابراً لولا أن الرياض حرصت على الإشارة إلى وجود حقوق تاريخية لها في تلك المنطقة ([iv]). شكلت اتفاقية 1920الخطوة الأولى على طريق فقدت صبيا في نهايته وجودها السياسي.
معاهدة مكة (خريف 1926)
على الرغم من اهتمام الرياض بالوضع السياسي لإمارة صبيا، لم يكن من الصعب على صنعاء تحقيق بعض المكاسب الإقليمية المهمة، على حساب صبيا، خلال النصف الأول من العشرينات، في وقت انغمست الرياض في نزاعات عسكرية وسياسية خطرة على تخومها الشمالية والغربية، وعلى الرغم من ذلك، وجهت الرياض ـ في غمرة انشغالها بصراعها العسكري ضد الحكومة الشريفية في مكة ـ إلى صنعاء إنذاراً للحد من نشاطاتها التوسعية على حساب صبيا ([v]). غير أنه بعد خروج الرياض منتصرة في صراعها مع الهاشميين في الحجاز والإخوان بد ذلك، التفتت نحو تخومها الجنوبية الغربية، استهلالاً لنزاع حدودي مع اليمين لم تنته فصوله حتى كتابة هذه السطور.
بعيد ضم السعوديين للحجاز، وقّع السعوديون والأدارسة معاهدة مكة (1926)، التي أعطت الرياض إدارة الشؤون الخارجية والعسكرية والأمنية لصبيا، تاركة الشؤون الداخلية للأدارسة. وهكذا، أعلنت معاهدة مكة السيادة السعودية صراحة على مجمل إمارة صبيا، بحدودها السابقة، الأمر الذي وضع الرياض في مواجهة صنعاء بصورة مباشرة([vi]). غني عن الذكر انه لم تكن هناك لإمارة صبيا حدود، بالمعنى العصري للكلمة؛ فقد تمثلت سلطة الإدرايسي ـ كما هي الحال في عموم شبه الجزيرة العربية ـ في تعيين قبلي وإقليمي فضفاض لها. وكانت معاهدة مكة تعني ـ ضمناً ـ عدم اعتراف الرياض بالمكاسب الإقليمية اليمنية الأخيرة في الجزء الجنوني من إمارة صبيا، غير أنها كانت مستعدة ـ فيما يبدو ـ لغض النظر عن ذلك الأمر، لعدم رغبتها في مواجهة صنعاء في ذلك الوقت الحرج. وعلى الرغم من ذلك، أدى التوسع اليمني شمالاً إلى استيلاء صنعاء على جزء كبير من الأراضي التي خضعت لصبيا لبعض الوقت ومن ضمنها الحديدة "آذار /مارس 1925"ـ التي سبق لبريطانيا أن سلّمتها للأدارسة عشية الحرب العالمية الأولى ـ وميدي وحرض "1926". بعد ذلك، واصل اليمنيون توسعهم شمالاً حتى شرعوا في قضم بعض الأطراف الجنوبية لتلك الإمارة ([vii]).
الاقتراح الإيطالي باقتسام إمارة صبيا بين الطرفين
تبنت بريطانيا سياسة استرضائية لصنعاء لصرفها ـ فيما يبدو ـ عن الاهتمام بالتخوم اليمنية الشمالية ـ العدنية، والتي كانت محل نزاع مرير بين الجانبين([viii]). على الرغم من ذلك. ظلت لندن مهتمة بالتراشق الدبلوماسي والعسكري السعودي ـ اليمني لأسباب عدة، منها اهتمامها بمصير جزر فرسان ذات الأهمية الاستراتيجية البارزة في حوض البحر الأحمر الجنوبي. وفي المقابل، كانت إيطاليا تبحث عن دور سياسي لها في جنوب غرب شبه الجزيرة، فوطدت علاقتها باليمن التي أملت في توظيف الدعم السياسي والعسكري الإيطالي في مواجهة بريطانيا. وجدير بالذكر أن الإيطاليين اهتموا بالحصول على موط
#الحدود_اليمنية_السعودية 2
المتزحزح و الثابت
أسفرت هزيمة تركيا في الحرب العالمية الأولى وانسحابها من جنوب غرب شبه الجزيرة العربية ـ عسير واليمن، عن وجود منطقة فراغ سياسي في عسير على وجه الخصوص. أدّى ذلك إلى انتعاش أنظمة حكم محلية في كل من صنعاء في الجنوب، وأبها في الشمال، وصبيا الممتد عبر السهل الساحلي بينها. كان وضع إمارتي أبها وصبيا حرجاً نظراً إلى عدم قدرة أي منهما على ملء فراغ القوة في منطقة وقعت بين فكي كماشة جيران أقوياء في الشمال والجنوب. فبالنسبة إلى إمارة صبيا، زاد موقعها الجغرافي من حراجة موقفها، حيث كان جارها الجنوبي، اليمن، لا يكل من التوسع شمالاً، الأمر الذي هدّد وجود تلك الإمارة الإدريسية. كان التهديد اليمني جاداً، بالنظر إلى أن صنعاء اعتبرت عسير جزءاً من مفهومها لـ"اليمن الكبرى". وبالتطلع شمالاً، عصفت خلافات سابقة بعلاقات صبيا بجيرانها في مكة وأبها ().
في تلك الفترة العصبية، تنصلت بريطانيا، غداة الحرب العالمية الأولى، من التزاماتها التعاقدية مع صبيا، لم تمنع معاهدة نيسان /أبريل 1915 واتفاقية 1917 التكميلية ـ اللتان عقدتهما بريطانيا مع تلك الإمارة لتطويق الأتراك في اليمن ـ من إعادة تقييم لندن لسياستها في ذلك الجزء من شبه الجزيرة العربية بعد الحرب العالمية الأولى. كان تفسير لندن الجديد لارتباطاتها السياسية والعسكرية مع صبيا، في ضوء المعطيات السياسية المستجدة، يتمثل في أن تعهدها بالدفاع عن إمارة الإدريسي ضد " قوة أجنبية " (بحسب نص معاهدة 1915) كان ينصرف إلى تركيا؛ وفي ضوء انحسار النفوذ التركي عن شبه الجزيرة، اعتبرت لندن نفسها غير ملزمة بذلك التعهد، بل وبمجمل المعاهدة([ii]).
اقتراحات التسوية وإجراءاتها
اتفاقية 1920
في تلك الأثناء، عقدت اتفاقية 1920 بين الرياض وصبيا([iii]), اعترفت الأولى بموجبها بسلطة الأخيرة على قبائل وأراضي جنوبي عسير، استناداً إلى توزيع القبائل ذات العلاقة بينهما، كان يمكن للأمر أن يبدو عابراً لولا أن الرياض حرصت على الإشارة إلى وجود حقوق تاريخية لها في تلك المنطقة ([iv]). شكلت اتفاقية 1920الخطوة الأولى على طريق فقدت صبيا في نهايته وجودها السياسي.
معاهدة مكة (خريف 1926)
على الرغم من اهتمام الرياض بالوضع السياسي لإمارة صبيا، لم يكن من الصعب على صنعاء تحقيق بعض المكاسب الإقليمية المهمة، على حساب صبيا، خلال النصف الأول من العشرينات، في وقت انغمست الرياض في نزاعات عسكرية وسياسية خطرة على تخومها الشمالية والغربية، وعلى الرغم من ذلك، وجهت الرياض ـ في غمرة انشغالها بصراعها العسكري ضد الحكومة الشريفية في مكة ـ إلى صنعاء إنذاراً للحد من نشاطاتها التوسعية على حساب صبيا ([v]). غير أنه بعد خروج الرياض منتصرة في صراعها مع الهاشميين في الحجاز والإخوان بد ذلك، التفتت نحو تخومها الجنوبية الغربية، استهلالاً لنزاع حدودي مع اليمين لم تنته فصوله حتى كتابة هذه السطور.
بعيد ضم السعوديين للحجاز، وقّع السعوديون والأدارسة معاهدة مكة (1926)، التي أعطت الرياض إدارة الشؤون الخارجية والعسكرية والأمنية لصبيا، تاركة الشؤون الداخلية للأدارسة. وهكذا، أعلنت معاهدة مكة السيادة السعودية صراحة على مجمل إمارة صبيا، بحدودها السابقة، الأمر الذي وضع الرياض في مواجهة صنعاء بصورة مباشرة([vi]). غني عن الذكر انه لم تكن هناك لإمارة صبيا حدود، بالمعنى العصري للكلمة؛ فقد تمثلت سلطة الإدرايسي ـ كما هي الحال في عموم شبه الجزيرة العربية ـ في تعيين قبلي وإقليمي فضفاض لها. وكانت معاهدة مكة تعني ـ ضمناً ـ عدم اعتراف الرياض بالمكاسب الإقليمية اليمنية الأخيرة في الجزء الجنوني من إمارة صبيا، غير أنها كانت مستعدة ـ فيما يبدو ـ لغض النظر عن ذلك الأمر، لعدم رغبتها في مواجهة صنعاء في ذلك الوقت الحرج. وعلى الرغم من ذلك، أدى التوسع اليمني شمالاً إلى استيلاء صنعاء على جزء كبير من الأراضي التي خضعت لصبيا لبعض الوقت ومن ضمنها الحديدة "آذار /مارس 1925"ـ التي سبق لبريطانيا أن سلّمتها للأدارسة عشية الحرب العالمية الأولى ـ وميدي وحرض "1926". بعد ذلك، واصل اليمنيون توسعهم شمالاً حتى شرعوا في قضم بعض الأطراف الجنوبية لتلك الإمارة ([vii]).
الاقتراح الإيطالي باقتسام إمارة صبيا بين الطرفين
تبنت بريطانيا سياسة استرضائية لصنعاء لصرفها ـ فيما يبدو ـ عن الاهتمام بالتخوم اليمنية الشمالية ـ العدنية، والتي كانت محل نزاع مرير بين الجانبين([viii]). على الرغم من ذلك. ظلت لندن مهتمة بالتراشق الدبلوماسي والعسكري السعودي ـ اليمني لأسباب عدة، منها اهتمامها بمصير جزر فرسان ذات الأهمية الاستراتيجية البارزة في حوض البحر الأحمر الجنوبي. وفي المقابل، كانت إيطاليا تبحث عن دور سياسي لها في جنوب غرب شبه الجزيرة، فوطدت علاقتها باليمن التي أملت في توظيف الدعم السياسي والعسكري الإيطالي في مواجهة بريطانيا. وجدير بالذكر أن الإيطاليين اهتموا بالحصول على موط
ئ قدم في جزر فرسان, ولذلك كانوا تواقين إلى رؤيتها في أيدي اليمنيين. وهكذا، عقد الطرفان معاهدة في أيلول / سبتمبر 1926واتفاقية سرية في 1927 سرعان ما انكشف أمرها.
أدى وقوف كل من إيطاليا وبريطانيا على خط المواجهة الدبلوماسية في جنوب غرب شبه الجزيرة العربية إلى توتر علاقاتهما. ولما كانتا غير راغبتين في تحول تنافسهما إلى نزاع مكشوف. فقد دشنتا مفاوضات روما "شتاء 1927" التي نجحت في احتواء تنافسهما في تلك المنطقة من العالم. تعهدت الدولتان بممارسة نفوذهما على حليفيهما العربيين للحفاظ على الوضع الراهن والوصول إلى تسوية سلمية مرضية للأطراف المعنية؛ كما تعهدتا عدم التدخل في أي نزاع محلي مسلح ([ix]). ضمن هذا الإطار، قدمت إيطاليا اقتراحاً بتقسيم إمارة الإدريسي بين الرياض وصنعاء، على أن تأخذ الأخيرة نصيب الأسد. ولعله من نافلة القول أن ذلك الاقتراح ـ الذي لم يقدم رسمياً للأطراف المعنيين ـ لم يلق قبول بريطانيا، وهي التي كانت لا تزال مهيمنة على البحر الأحمر وصاحبة النفوذ السياسي الأقوى في شبة الجزيرة العربية.
الاقتراح الإيطالي بالإبقاء على صبيا كدويلة عازلة بين الطرفين
قدمت إيطاليا في أثناء مفاوضات روما أيضاً اقتراحاً آخر بالإبقاء على إمارة صبيا كدويلة حاجزة بين جاريها الطموحين ([x])، غير أن مصيره لم يكن أفضل من سابقه. في تلك الأثناء، ذاع خبر معاهدة مكة، فأثار ذلك حفيظة الإيطاليين الذين حثوا بريطانيا على عدم الاعتراف بالواقع الجديد. لم يجد هذا الاقتراح الإيطالي أذناً صاغية لدى البريطانيين، غير أن لندن ـ التزاماً منها بروح محادثات روما ـ وافقت على عدم إظهار تأييد علني لمعاهدة مكة، تحاشياً لاستثارة نزاع مسلح بين الأطراف العربية المعنية؛ بل إن معاهدة جدة "1927 " أغفلت الإشارة من قريب أو بعيد إلى الوضع السياسي المستجد في جنوب غرب شبه الجزيرة العربية. على الرغم من هذا التحفظ البريطاني، استمرت العلاقات البريطانية ـ السعودية على وتيرتها السابقة ,ومع أن لندن دأبت على نصح الطرفين المحليين المتنافسين باللجوء إلى وسائل سلمية لحل نزاعهما، فقد نظرت بعين الرضا إلى امتداد السيطرة السعودية على جزر فرسان([xi]).
وضع أراضي صبيا تحت الإدارة السعودية المباشرة
كان التناوش بين الجارين الجديدين يتصاعد، في الوقت الذي لم تكن الإدارة الإدريسية تتسم بالكفاءة، ولذلك تولت الرياض إدارة أراضي تلك الإمارة المتهالكة بصورة مباشرة "1930"، ثم اتبعت ذلك بإلغاء معاهدة مكة وضمها رسمياً إليها "1932"([xii]). في أعقاب ذلك، أضحى شريط عرضه إثناء عشر ميلاً يمتد من الساحل حتى منطقة نجران، ميدان التسابق على بسط السيطرة بينهما([xiii]).
الاقتراح السعودي برسم حدود سياسية
لجأ الطرفان إلى مفاوضات مباشرة شملت أربع جولات عقدت في أبها وصنعاء بالتناوب، لحل خلافهما بشأن ذلك الشريط ([xiv]). ظلت الرياض مصرّة خلال تلك المفاوضات على مبدأ رسم حدود دولية سياسية تعين المجال السيادي لكلا البلدين. فعلى سبيل المثال، شدّدت التعليمات الملكية للوفد السعودي على رغبة الرياض في تثبيت الحدود مع اليمن في معاهدة جديدة "عصرية.... كالتي تسير عليها الحكومات الأوروبية في عقد المعاهدات ". وفي محاولة للجم التوسع اليمني المستمر فيما غدا تخوماً مشتركة؛ اقترحت الرياض تقسيم مناطق النزاع بين الطرفين برسم خط حدودي يتطابق مع خطوط التماس العسكري القائمة آنذاك. وقد ذكر الملك عبد العزيز أعضاء وفده أن بلاده لا تطالب بأن يتنازل الإمام "عما كان تابعاً للأدارسة قبل دخول الإمام نجران " الحديدة وميدي بصورة خاصة "؛ فالأساس هو بقاء كل جانب فيما تحت يده من البلاد ([xv]). طبعاً، لم يقبل اليمنيون ذلك الاقتراح؛ وواصلوا سياسة التسويف بغية توسيع نطاق سيطرتهم في منطقة التخوم المشتركة.
الاقتراح اليمني بجعل نجران يمنية
حتى ذلك الوقت، كانت نجران، بحكم موقعها الداخلي وعزلتها الاجتماعية نسبياً، خارج نطاق اهتمام كل من صنعاء والرياض، غير أن هذا الوضع ما لبث أن تحول في غمرة تسابقهما نحو توسيع سلطتيهما وإغلاق الجيوب السياسية القليلة المتبقية على خطوط التماس العسكرية. في هذا الإطار، دخلت نجران ـ ذات الموقع الاستراتيجي المهم ـ دائرة التنافس، باستيلاء اليمنيين عليها في حزيران/يونيو1933([xvi]). فما ظنوا أنهم أمنوا على كسبهم المفاجئ، قبلوا بالاقتراح السعودي السابق، بحيث تترك نجران إلى الجنوب من الخط الحدودي المستهدف. كان ذلك يعني عرضاً يميناً بإبقاء نجران تحت السيادة اليمنية ,وهو الأمر الذي رفضته الرياض بشدة([xvii]).
الاقتراح السعودي بجعل نجران منطقة محايدة
وهكذا، دخلت نجران دائرة الضوء بعد أن ظل وضعها السياسي مبهماً لفترة غير يسيرة. رفضت الرياض انفراد صنعاء بالسيطرة على تلك المنطقة الداخلية ,وقدمت في مقابل ذلك اقتراحاً بإنشاء منطقة محايدة تضم نجران كلها. يتعهد الطرفان ـ بحسب الاقتراح السعودي ـ بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لهذه المنطقة ا
أدى وقوف كل من إيطاليا وبريطانيا على خط المواجهة الدبلوماسية في جنوب غرب شبه الجزيرة العربية إلى توتر علاقاتهما. ولما كانتا غير راغبتين في تحول تنافسهما إلى نزاع مكشوف. فقد دشنتا مفاوضات روما "شتاء 1927" التي نجحت في احتواء تنافسهما في تلك المنطقة من العالم. تعهدت الدولتان بممارسة نفوذهما على حليفيهما العربيين للحفاظ على الوضع الراهن والوصول إلى تسوية سلمية مرضية للأطراف المعنية؛ كما تعهدتا عدم التدخل في أي نزاع محلي مسلح ([ix]). ضمن هذا الإطار، قدمت إيطاليا اقتراحاً بتقسيم إمارة الإدريسي بين الرياض وصنعاء، على أن تأخذ الأخيرة نصيب الأسد. ولعله من نافلة القول أن ذلك الاقتراح ـ الذي لم يقدم رسمياً للأطراف المعنيين ـ لم يلق قبول بريطانيا، وهي التي كانت لا تزال مهيمنة على البحر الأحمر وصاحبة النفوذ السياسي الأقوى في شبة الجزيرة العربية.
الاقتراح الإيطالي بالإبقاء على صبيا كدويلة عازلة بين الطرفين
قدمت إيطاليا في أثناء مفاوضات روما أيضاً اقتراحاً آخر بالإبقاء على إمارة صبيا كدويلة حاجزة بين جاريها الطموحين ([x])، غير أن مصيره لم يكن أفضل من سابقه. في تلك الأثناء، ذاع خبر معاهدة مكة، فأثار ذلك حفيظة الإيطاليين الذين حثوا بريطانيا على عدم الاعتراف بالواقع الجديد. لم يجد هذا الاقتراح الإيطالي أذناً صاغية لدى البريطانيين، غير أن لندن ـ التزاماً منها بروح محادثات روما ـ وافقت على عدم إظهار تأييد علني لمعاهدة مكة، تحاشياً لاستثارة نزاع مسلح بين الأطراف العربية المعنية؛ بل إن معاهدة جدة "1927 " أغفلت الإشارة من قريب أو بعيد إلى الوضع السياسي المستجد في جنوب غرب شبه الجزيرة العربية. على الرغم من هذا التحفظ البريطاني، استمرت العلاقات البريطانية ـ السعودية على وتيرتها السابقة ,ومع أن لندن دأبت على نصح الطرفين المحليين المتنافسين باللجوء إلى وسائل سلمية لحل نزاعهما، فقد نظرت بعين الرضا إلى امتداد السيطرة السعودية على جزر فرسان([xi]).
وضع أراضي صبيا تحت الإدارة السعودية المباشرة
كان التناوش بين الجارين الجديدين يتصاعد، في الوقت الذي لم تكن الإدارة الإدريسية تتسم بالكفاءة، ولذلك تولت الرياض إدارة أراضي تلك الإمارة المتهالكة بصورة مباشرة "1930"، ثم اتبعت ذلك بإلغاء معاهدة مكة وضمها رسمياً إليها "1932"([xii]). في أعقاب ذلك، أضحى شريط عرضه إثناء عشر ميلاً يمتد من الساحل حتى منطقة نجران، ميدان التسابق على بسط السيطرة بينهما([xiii]).
الاقتراح السعودي برسم حدود سياسية
لجأ الطرفان إلى مفاوضات مباشرة شملت أربع جولات عقدت في أبها وصنعاء بالتناوب، لحل خلافهما بشأن ذلك الشريط ([xiv]). ظلت الرياض مصرّة خلال تلك المفاوضات على مبدأ رسم حدود دولية سياسية تعين المجال السيادي لكلا البلدين. فعلى سبيل المثال، شدّدت التعليمات الملكية للوفد السعودي على رغبة الرياض في تثبيت الحدود مع اليمن في معاهدة جديدة "عصرية.... كالتي تسير عليها الحكومات الأوروبية في عقد المعاهدات ". وفي محاولة للجم التوسع اليمني المستمر فيما غدا تخوماً مشتركة؛ اقترحت الرياض تقسيم مناطق النزاع بين الطرفين برسم خط حدودي يتطابق مع خطوط التماس العسكري القائمة آنذاك. وقد ذكر الملك عبد العزيز أعضاء وفده أن بلاده لا تطالب بأن يتنازل الإمام "عما كان تابعاً للأدارسة قبل دخول الإمام نجران " الحديدة وميدي بصورة خاصة "؛ فالأساس هو بقاء كل جانب فيما تحت يده من البلاد ([xv]). طبعاً، لم يقبل اليمنيون ذلك الاقتراح؛ وواصلوا سياسة التسويف بغية توسيع نطاق سيطرتهم في منطقة التخوم المشتركة.
الاقتراح اليمني بجعل نجران يمنية
حتى ذلك الوقت، كانت نجران، بحكم موقعها الداخلي وعزلتها الاجتماعية نسبياً، خارج نطاق اهتمام كل من صنعاء والرياض، غير أن هذا الوضع ما لبث أن تحول في غمرة تسابقهما نحو توسيع سلطتيهما وإغلاق الجيوب السياسية القليلة المتبقية على خطوط التماس العسكرية. في هذا الإطار، دخلت نجران ـ ذات الموقع الاستراتيجي المهم ـ دائرة التنافس، باستيلاء اليمنيين عليها في حزيران/يونيو1933([xvi]). فما ظنوا أنهم أمنوا على كسبهم المفاجئ، قبلوا بالاقتراح السعودي السابق، بحيث تترك نجران إلى الجنوب من الخط الحدودي المستهدف. كان ذلك يعني عرضاً يميناً بإبقاء نجران تحت السيادة اليمنية ,وهو الأمر الذي رفضته الرياض بشدة([xvii]).
الاقتراح السعودي بجعل نجران منطقة محايدة
وهكذا، دخلت نجران دائرة الضوء بعد أن ظل وضعها السياسي مبهماً لفترة غير يسيرة. رفضت الرياض انفراد صنعاء بالسيطرة على تلك المنطقة الداخلية ,وقدمت في مقابل ذلك اقتراحاً بإنشاء منطقة محايدة تضم نجران كلها. يتعهد الطرفان ـ بحسب الاقتراح السعودي ـ بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لهذه المنطقة ا
لمحايدة لتي يفترض أن تحتفظ بكيان متميز سياسياً واقتصادياً وإدارياً واجتماعياً. فتكون بذلك أشبه بمنطقة عازلة بين الطرفين. رفضت صنعاء اقتراح الرياض المعتدل وتمسكت بإبقاء نجران تحت سيطرتها العسكرية والسياسية.
الاقتراح السعودي باقتسام منطقة نجران
قدمت الرياض اقتراحاً آخر على طاولة المفاوضات يقضي باقتسام منطقة نجران على أساس من " المساواة والتكافؤ". لقي هذا الاقتراح مصير سابقه، فانهارت اخر فرصة لحل دبلوماسي. وفي ظل ما اعتبرته الرياض نمطاً سياسياً يمنياً من التسويف والمماطلة، ضربت موعداً لانسحاب القوات اليمنية من نجران لتفادي لجوئها إلى عمل عسكري في تلك المنطقة. شهدت تلك الفترة مراسلات دبلوماسية مكثفة على أعلى المستويات، غير أنها لم تفلح في حل النزاع سليماً([xviii]).
خط الطائف (أيار /مايو1934)
وهكذا، أدى بلوغ الخلاف بشأن نجران طريقاً مسدوداً إلى نشوب حرب نيسان / أبريل ـ أيار / مايو1934، التي حققت فيها الرياض مكاسب إقليمية ذات شأن، من أبرزها السيطرة على تلك الواحة. أما في تهامة، فقد تقدمت القوات السعودية جنوبا ً حتى دخلت الحديدة، غير أنها سرعان ما انسحبت منها. لم يكن لصنعاء بدّ، في ظل نتائج الحرب، من العودة إلى طاولة المفاوضات، التي التأمت في الطائف، والقبول برسم خط حدودي معتدل حافظ على الوضع الراهن عشية اندلاع العمليات العسكري، غير أنه ترك نجران إلى الشمال منه.
يلاحظ هنا أن منطقة التخوم السعودية ـ اليمنية المشتركة "وفي مفارقة مع مثيلاتها الأخريات " انفردت بكثافة سكانية عالية. أدى ذلك إلى تشكيل عدة لجان وقفت على أرض الواقع بتفصيلاته الدقيقة. وقد تضمنت المادة الرابعة من اتفاقية الطائف وصفاً تفصيلياً لتوزيع القرى والأودية والبقاع على جانبي الخط الحدودي الجديد. وتبعاً لذلك، تولت لجنة فنية مشتركة وضع عد كبير من العلامات الحدودية على الأرض غطت المنطقة الممتدة من الساحل حتى جبل ثار شرقي نجران. وبذلك تنفرد التسوية الحدودية السعودية ـ اليمنية بكونها الحالة الأولى ـ وربما الوحيدة لوقت طويل ـ التي تضمنت، ليس فقط رسماً لخط حدودي على خريطة مرفقة كما في الحالات الأخرى، بل وتثبيته على الأرض أيضاً بعلامات حدودية([xix]). وجدير بالذكر أنه على الرغم من الملاحظات التي أثارتها الأطراف المحلية في مناسبات عدة سابقة على مبدأ الحدود السياسية الغربية، قامت تسوية الطائف على المبدأ ذاته، وهو ما يعني أنه كان حلاً عملياً وضرورياً صاحب ظهور نظام الدول القومية وتقسيم السيادات الوطنية على الأرض. وهكذا، وضع الجاران العتيدان نهاية للفصل الأول من ملفهما الحدودي الشائك.
اقتراح تشرين الأول /أكتوبر 1955السعودي
ترك خط 1934 المنطقة الممتدة من جبل ثار حتى جبل الريان، إلى الجنوب الشرقي منه، معلقة منذ ذلك الوقت. دخلت تلك المنطقة دائرة الضوء عندما زار فلبي philby))، في أثناء تجواله في التخوم السعودية الجنوبية، الجوف الواقعة في تلك المنطقة، الأمر الذي أثار شكوى يمنية بالنظر إلى أنه كان برفقة مجموعة حراسة وأمن سعودية. وقد نفى الملك عبد العزيز آنذاك علمه بذهاب فلبي إلى أبعد من نجران.
في تشرين الأول /أكتوبر 1955، اقترحت الرياض خطاً حدودياً يمتد من النهاية الطرفية لخط 1934 حتى جنوب جبل الريان، بحيث يتركه ضمن الأراضي السعودية، بينما يترك مأرب لليمن وظل الخلاف بشأن هذه المنطقة خامداً حتى التسعينات، عندما أثار منح صنعاء امتيازات نفطية لعدة شركات غربية في تلك الأرجاء وغيرها، احتجاجات سعودية. فلقد أرسلت الرياض خطابات رسمية إلى الشركات المعنية في مناسبتين "آذار /مارس 1992 وآب /أغسطس 1992" تعتبر فيها أن هذه الشركات تعمل في أراض سعودية. وفي الوقت ذاته، اعتبرت صنعاء أن مطالبها الحدودية في هذه الأرجاء ليست مقتصرة على مناطق الامتياز المعنية ([xx]).
مذكرة التفاهم السعودية ـ اليمنية (شباط / فبراير 1995)
كانت المادة الثانية والعشرون من اتفاقية الطائف قد نصت على أن مدتها عشرون سنة، فتم تمديد العمل بها عشرين سنة أخرى في 1954. وقد دأبت الرياض على محاولة الحصول على موافقة صنعاء على إلغاء المادة السابقة وتحويل خط الطائف إلى خط حدودي دائم دون نجاح كبير، نظراً إلى الحساسية المفرطة التي تثيرها هذه القضية لدى أطراف سياسية يمنية. ففي آذار /مارس 1973، أصدر رئيس الوزراء اليمني آنذاك عبد الله الحجري بياناً اعتبر خط 1934 دائماً ونهائياً، غير أنه اغتيل بعد فترة وجيزة ([xxi]). والحق أنه مع مرور الزمن، اكتسب الواقع السياسي الذي أطّرته تسوية الطائف صدقية جعلت المادة المذكورة أمراً غير ذي بال؛ غير أن استمرار الشد والجذب منذ 1954، أبقى الملف الحدودي بي البلدين عرضه للمزايدات.
لقد كان لكارثة آب/أغسطس 1990وحرب الخليج الثانية التي تلتها وقع مدو زاد في اهتمام دول المنطقة بإغلاق ملفاتها الحدودية العالقة. كما أضافت الوحدة اليمنية زخماً لتسوية جميع القضايا الحدودية العالقة بين البلدين، بما فيها ال
الاقتراح السعودي باقتسام منطقة نجران
قدمت الرياض اقتراحاً آخر على طاولة المفاوضات يقضي باقتسام منطقة نجران على أساس من " المساواة والتكافؤ". لقي هذا الاقتراح مصير سابقه، فانهارت اخر فرصة لحل دبلوماسي. وفي ظل ما اعتبرته الرياض نمطاً سياسياً يمنياً من التسويف والمماطلة، ضربت موعداً لانسحاب القوات اليمنية من نجران لتفادي لجوئها إلى عمل عسكري في تلك المنطقة. شهدت تلك الفترة مراسلات دبلوماسية مكثفة على أعلى المستويات، غير أنها لم تفلح في حل النزاع سليماً([xviii]).
خط الطائف (أيار /مايو1934)
وهكذا، أدى بلوغ الخلاف بشأن نجران طريقاً مسدوداً إلى نشوب حرب نيسان / أبريل ـ أيار / مايو1934، التي حققت فيها الرياض مكاسب إقليمية ذات شأن، من أبرزها السيطرة على تلك الواحة. أما في تهامة، فقد تقدمت القوات السعودية جنوبا ً حتى دخلت الحديدة، غير أنها سرعان ما انسحبت منها. لم يكن لصنعاء بدّ، في ظل نتائج الحرب، من العودة إلى طاولة المفاوضات، التي التأمت في الطائف، والقبول برسم خط حدودي معتدل حافظ على الوضع الراهن عشية اندلاع العمليات العسكري، غير أنه ترك نجران إلى الشمال منه.
يلاحظ هنا أن منطقة التخوم السعودية ـ اليمنية المشتركة "وفي مفارقة مع مثيلاتها الأخريات " انفردت بكثافة سكانية عالية. أدى ذلك إلى تشكيل عدة لجان وقفت على أرض الواقع بتفصيلاته الدقيقة. وقد تضمنت المادة الرابعة من اتفاقية الطائف وصفاً تفصيلياً لتوزيع القرى والأودية والبقاع على جانبي الخط الحدودي الجديد. وتبعاً لذلك، تولت لجنة فنية مشتركة وضع عد كبير من العلامات الحدودية على الأرض غطت المنطقة الممتدة من الساحل حتى جبل ثار شرقي نجران. وبذلك تنفرد التسوية الحدودية السعودية ـ اليمنية بكونها الحالة الأولى ـ وربما الوحيدة لوقت طويل ـ التي تضمنت، ليس فقط رسماً لخط حدودي على خريطة مرفقة كما في الحالات الأخرى، بل وتثبيته على الأرض أيضاً بعلامات حدودية([xix]). وجدير بالذكر أنه على الرغم من الملاحظات التي أثارتها الأطراف المحلية في مناسبات عدة سابقة على مبدأ الحدود السياسية الغربية، قامت تسوية الطائف على المبدأ ذاته، وهو ما يعني أنه كان حلاً عملياً وضرورياً صاحب ظهور نظام الدول القومية وتقسيم السيادات الوطنية على الأرض. وهكذا، وضع الجاران العتيدان نهاية للفصل الأول من ملفهما الحدودي الشائك.
اقتراح تشرين الأول /أكتوبر 1955السعودي
ترك خط 1934 المنطقة الممتدة من جبل ثار حتى جبل الريان، إلى الجنوب الشرقي منه، معلقة منذ ذلك الوقت. دخلت تلك المنطقة دائرة الضوء عندما زار فلبي philby))، في أثناء تجواله في التخوم السعودية الجنوبية، الجوف الواقعة في تلك المنطقة، الأمر الذي أثار شكوى يمنية بالنظر إلى أنه كان برفقة مجموعة حراسة وأمن سعودية. وقد نفى الملك عبد العزيز آنذاك علمه بذهاب فلبي إلى أبعد من نجران.
في تشرين الأول /أكتوبر 1955، اقترحت الرياض خطاً حدودياً يمتد من النهاية الطرفية لخط 1934 حتى جنوب جبل الريان، بحيث يتركه ضمن الأراضي السعودية، بينما يترك مأرب لليمن وظل الخلاف بشأن هذه المنطقة خامداً حتى التسعينات، عندما أثار منح صنعاء امتيازات نفطية لعدة شركات غربية في تلك الأرجاء وغيرها، احتجاجات سعودية. فلقد أرسلت الرياض خطابات رسمية إلى الشركات المعنية في مناسبتين "آذار /مارس 1992 وآب /أغسطس 1992" تعتبر فيها أن هذه الشركات تعمل في أراض سعودية. وفي الوقت ذاته، اعتبرت صنعاء أن مطالبها الحدودية في هذه الأرجاء ليست مقتصرة على مناطق الامتياز المعنية ([xx]).
مذكرة التفاهم السعودية ـ اليمنية (شباط / فبراير 1995)
كانت المادة الثانية والعشرون من اتفاقية الطائف قد نصت على أن مدتها عشرون سنة، فتم تمديد العمل بها عشرين سنة أخرى في 1954. وقد دأبت الرياض على محاولة الحصول على موافقة صنعاء على إلغاء المادة السابقة وتحويل خط الطائف إلى خط حدودي دائم دون نجاح كبير، نظراً إلى الحساسية المفرطة التي تثيرها هذه القضية لدى أطراف سياسية يمنية. ففي آذار /مارس 1973، أصدر رئيس الوزراء اليمني آنذاك عبد الله الحجري بياناً اعتبر خط 1934 دائماً ونهائياً، غير أنه اغتيل بعد فترة وجيزة ([xxi]). والحق أنه مع مرور الزمن، اكتسب الواقع السياسي الذي أطّرته تسوية الطائف صدقية جعلت المادة المذكورة أمراً غير ذي بال؛ غير أن استمرار الشد والجذب منذ 1954، أبقى الملف الحدودي بي البلدين عرضه للمزايدات.
لقد كان لكارثة آب/أغسطس 1990وحرب الخليج الثانية التي تلتها وقع مدو زاد في اهتمام دول المنطقة بإغلاق ملفاتها الحدودية العالقة. كما أضافت الوحدة اليمنية زخماً لتسوية جميع القضايا الحدودية العالقة بين البلدين، بما فيها ال
مساحة الشاسعة الممتدة من الطرف الشرقي لخط 1934حتى منطقة المهرة في أقصى شرق اليمن. في هذه الظروف، استهل البلدان مفاوضات في جنيف تميزت بطابع انفراجي، إذ أعلن وزير الخارجية اليمني في مستهلها اعتراف حكومته باتفاقية الطائف. لم يمض وقت طويل حتى وقع البلدان مذكرة تفاهم في شباط / فبراير 1995، كانت في حد ذاتها نقلة مهمة في علاقات الطرفين بصورة عامة، وملفهما الحدودي الشائك بصورة خاصة. فقد وضعت مذكرة 1995نهاية للتشوش المحيط بهذا الوضع بتأكيدها أن خط الطائف دائم ونهائي، الأمر الذي شكل مكسباً ملحوظاً للرياض. وقد كلفت إحدى اللجان بإعادة نصب العلامات الحدودية لخط 1934([xxii]). بقى بعد ذلك بعض القضايا الحدودية "البحرية " والأمنية، التي لا تزال موضوعاً لمفاوضات مستمرة حتى كتابة هذه السطور([xxiii]).
------------------------------------------------------
() اعتبر العائض الأدارسة مغتصبين للجزء الجنوبي من عسير، حيث أن الأوائل كانوا قد حكموا عسيراً من أبو عريش قبل فترة الحكم التركي للمنطقة، ومن ناحية أخرى، ساءت العلاقات بين الملك حسين والأدارسة في أثناء الحرب العالمية الأولى بسبب خلاف على القنفذة, ولذلك وجدت أبها في مكة عوناً لها ضد صبيا.
([ii]) AB, op. Cit., vol. 13, pp. 639 -642.
([iii]) محمد أحمد العقيلي، تاريخ المخلاف السليماني، الجزء الثاني، ص 760، 825، 913ـ 915.
([iv]) جاء في الاتفاقية أنه يوجد " في مملكة الإمام محمد بن علي من القبائل والبلدان.. ما هو في ملك آل سعود سابقاً تركه الإمام عبد العزيز له لأجل محبته للخير ومعاونته عليه وحسن سيرته". أنظر نص الاتفاقية في: الكتاب الأخضر السعودي، إصدار وزارة الخارجية السعودية، ص177ـ 178.
([v]) عصام الدين الريس، عسير في العلاقات السعودية اليمنية، ص 61، 88 ـ 96.
([vi]) راجع نص المعاهدة في: مجموعة المعاهدات، مصدر سابق، الجزء الأول، ص 23ـ 24.
([vii]) المصدر نفسه، ص 57ـ 58، 171ـ 172. أنظر نص التعليمات الملكية في العقيلي، مصدر سابق، الجزء الثاني، ص 1308 ـ 1042.
([viii]) أنظر تفصيلات المواجهات الدبلوماسية والعسكرية ببين بريطانيا والإمام يحيى في تلك المناطق في: فاروق عثمان أباظة، عدن والسياسة البريطانية في البحر الأحمر؛ جاد طه، سياسة بريطانيا في جنوب اليمن.
([ix]) Leathertdale, pp. cit., pp. 143-146, 148-150.
([x]) Ibid., p. 265.
([xi]) والحق أن بريطانيا كانت لها حسابات أخرى لا تقل أهمية عن ضمان استمرار علاقاتها الحسنة مع الرياض. فبريطانيا كانت مهتمة أيضاً بأن يتوفر لصنعاء قدر ـ ولو محدود ـ من الاستقرار والسيطرة على الكيانات القبلية اليمنية، والتي كانت تتمتع بقدر واسع من الاستقلال الذاتي؛ فالوجود السياسي والعسكري البريطاني في عدن كان يستلزم التعامل مع سلطة مركزية واحدة في صنعاء بدلاً من عدة كيانات قبلية غير منضبطة. وبالإضافة إلى ذلك. عقدت بريطانيا معاهدة مع اليمن (شباط / فبراير 1934) رأت فيها صنعاء حافزاً لعدم تدخل بريطانيا مباشرة في النزاع السعودي ـ اليمني المحتدم آنذاك. وكانت إيطاليا قد عقدت معاهدتي صداقة وتجارة مع مملكة نجد والحجاز (1932) لم تنجحا تماماً في إزالة الشكوك من علاقات الطرفين. والمعروف أن الأولى لم تعترف بضم الأخيرة لعسير Leatherdale. op. cit., p. 267. أنظر كذلك: مجموعة المعاهدات، مصدر سابق، الجزء الأول، ص 103ـ 105ـ 111ـ 113.
([xii]) مجموعة المعاهدات، مصدر سابق، الجزء الأول، ص 63ـ 67.
([xiii]) الريس، مصدر سابق، ص 199ـ 200، 295.
([xiv]) العقيلي، مصدر سابق، الجزء الثاني، ص 1039.
([xv]) الريس، مصدر سابق، ص 182 ـ 252.
([xvi]) العقيلي، مصدر سابق، ص 1111ـ 1113.
([xvii]) أنظر برقية للإمام اليمني إلى الملك عبد العزيز في 1/9/ 1952 يطالب فيها بعقد معاهدة حدودية على أن "يثبت فيها كل من الطرفين على ما بيده فعلاً من البلاد " في: المصدر نفسه، الجزء الثاني، ص 925، 1075.
([xviii]) أنظر برقيات للعاهل السعودي إلى نظيره اليمني في 16/4، 8/8، 15/8، 27/1، 6/ 12، 10/ 12، 11/ 12، 17/ 12/1952(1922ـ 1934) في: المصدر نفسه، الجزء الثاني، ص 1051ـ 1054، 1063ـ 1065، 1068ـ 1070، 1103ـ 1105، 1108ـ 1110.
([xix]) أنظر: المانع، مصدر سابق، ص 195ـ 211. أنظر كذلك تفصيلات اتفاقية الطائف في: مجموعة المعاهدات، مصدر سابق، الجزء الأول، ص 152 ـ 160. راجع كذلك ملحق تشكيل لجان تخطيط الحدود، ومجموعة من الاتفاقات والمراسلات الملحقة بالاتفاقية أو المرافقة لها في: المصدر نفسه، الجزء الأول، 161ـ 198. أنظر أيضاً فتوح الخترش، تاريخ العلاقات السعودية ـ اليمنية، ص 255ـ 266. راجع كذلك عبد الله سعود القباع، العلاقات السعودية ـ اليمنية.
وقد أحصى فلبي العلامات الحدودية التي نصبتها اللجنة المختصة عبر المنطقة الحدودية، والتي يبلغ طولها نحواً من أربعمئة ميل، بمئتين وأربعين علامة. راجع: H. St. G. B. Philby, Arabi
------------------------------------------------------
() اعتبر العائض الأدارسة مغتصبين للجزء الجنوبي من عسير، حيث أن الأوائل كانوا قد حكموا عسيراً من أبو عريش قبل فترة الحكم التركي للمنطقة، ومن ناحية أخرى، ساءت العلاقات بين الملك حسين والأدارسة في أثناء الحرب العالمية الأولى بسبب خلاف على القنفذة, ولذلك وجدت أبها في مكة عوناً لها ضد صبيا.
([ii]) AB, op. Cit., vol. 13, pp. 639 -642.
([iii]) محمد أحمد العقيلي، تاريخ المخلاف السليماني، الجزء الثاني، ص 760، 825، 913ـ 915.
([iv]) جاء في الاتفاقية أنه يوجد " في مملكة الإمام محمد بن علي من القبائل والبلدان.. ما هو في ملك آل سعود سابقاً تركه الإمام عبد العزيز له لأجل محبته للخير ومعاونته عليه وحسن سيرته". أنظر نص الاتفاقية في: الكتاب الأخضر السعودي، إصدار وزارة الخارجية السعودية، ص177ـ 178.
([v]) عصام الدين الريس، عسير في العلاقات السعودية اليمنية، ص 61، 88 ـ 96.
([vi]) راجع نص المعاهدة في: مجموعة المعاهدات، مصدر سابق، الجزء الأول، ص 23ـ 24.
([vii]) المصدر نفسه، ص 57ـ 58، 171ـ 172. أنظر نص التعليمات الملكية في العقيلي، مصدر سابق، الجزء الثاني، ص 1308 ـ 1042.
([viii]) أنظر تفصيلات المواجهات الدبلوماسية والعسكرية ببين بريطانيا والإمام يحيى في تلك المناطق في: فاروق عثمان أباظة، عدن والسياسة البريطانية في البحر الأحمر؛ جاد طه، سياسة بريطانيا في جنوب اليمن.
([ix]) Leathertdale, pp. cit., pp. 143-146, 148-150.
([x]) Ibid., p. 265.
([xi]) والحق أن بريطانيا كانت لها حسابات أخرى لا تقل أهمية عن ضمان استمرار علاقاتها الحسنة مع الرياض. فبريطانيا كانت مهتمة أيضاً بأن يتوفر لصنعاء قدر ـ ولو محدود ـ من الاستقرار والسيطرة على الكيانات القبلية اليمنية، والتي كانت تتمتع بقدر واسع من الاستقلال الذاتي؛ فالوجود السياسي والعسكري البريطاني في عدن كان يستلزم التعامل مع سلطة مركزية واحدة في صنعاء بدلاً من عدة كيانات قبلية غير منضبطة. وبالإضافة إلى ذلك. عقدت بريطانيا معاهدة مع اليمن (شباط / فبراير 1934) رأت فيها صنعاء حافزاً لعدم تدخل بريطانيا مباشرة في النزاع السعودي ـ اليمني المحتدم آنذاك. وكانت إيطاليا قد عقدت معاهدتي صداقة وتجارة مع مملكة نجد والحجاز (1932) لم تنجحا تماماً في إزالة الشكوك من علاقات الطرفين. والمعروف أن الأولى لم تعترف بضم الأخيرة لعسير Leatherdale. op. cit., p. 267. أنظر كذلك: مجموعة المعاهدات، مصدر سابق، الجزء الأول، ص 103ـ 105ـ 111ـ 113.
([xii]) مجموعة المعاهدات، مصدر سابق، الجزء الأول، ص 63ـ 67.
([xiii]) الريس، مصدر سابق، ص 199ـ 200، 295.
([xiv]) العقيلي، مصدر سابق، الجزء الثاني، ص 1039.
([xv]) الريس، مصدر سابق، ص 182 ـ 252.
([xvi]) العقيلي، مصدر سابق، ص 1111ـ 1113.
([xvii]) أنظر برقية للإمام اليمني إلى الملك عبد العزيز في 1/9/ 1952 يطالب فيها بعقد معاهدة حدودية على أن "يثبت فيها كل من الطرفين على ما بيده فعلاً من البلاد " في: المصدر نفسه، الجزء الثاني، ص 925، 1075.
([xviii]) أنظر برقيات للعاهل السعودي إلى نظيره اليمني في 16/4، 8/8، 15/8، 27/1، 6/ 12، 10/ 12، 11/ 12، 17/ 12/1952(1922ـ 1934) في: المصدر نفسه، الجزء الثاني، ص 1051ـ 1054، 1063ـ 1065، 1068ـ 1070، 1103ـ 1105، 1108ـ 1110.
([xix]) أنظر: المانع، مصدر سابق، ص 195ـ 211. أنظر كذلك تفصيلات اتفاقية الطائف في: مجموعة المعاهدات، مصدر سابق، الجزء الأول، ص 152 ـ 160. راجع كذلك ملحق تشكيل لجان تخطيط الحدود، ومجموعة من الاتفاقات والمراسلات الملحقة بالاتفاقية أو المرافقة لها في: المصدر نفسه، الجزء الأول، 161ـ 198. أنظر أيضاً فتوح الخترش، تاريخ العلاقات السعودية ـ اليمنية، ص 255ـ 266. راجع كذلك عبد الله سعود القباع، العلاقات السعودية ـ اليمنية.
وقد أحصى فلبي العلامات الحدودية التي نصبتها اللجنة المختصة عبر المنطقة الحدودية، والتي يبلغ طولها نحواً من أربعمئة ميل، بمئتين وأربعين علامة. راجع: H. St. G. B. Philby, Arabi
an Highlands, and his Arabian Jubile ومن الجدير بالذكر، أن بعثة رسمية من الممثلية البريطانية في جدة جالت المنطقة نفسها خلال آذار / مارس ـ نيسان / أبريل 1934.
([xx]) David Pike, (Cross – border Hydrocarbon Resers), in Schofield. Territorial Foundations of the Gulf States, op. cit., pp. 193- 195; Schofield, (Borders and TERRITORIALITY in the Gulf....), in Ibid., pp 22-24 ; Schofield, Border Disputes in the Gulf, op. cit., p. 6; ABD, op. cit., vol. 20, pp. 241-246. See also Robert L. Jarman, ed., The Jedda Diaries: op. cit., reports of November 1935, December 1936, February 1937, March 1937 and October 1938, pp. 135-141, 143-149, 163-169, 171-178 and 353 – 363 respectively.
(([xxi] جريجوري جويس، العلاقات اليمنية ـ السعودية بين الماضي والمستقبل، ص 166ـ 167.
([xxii]) MEES, 10August 1992, A10, reffered to in Schofield, Border Disputes in the Gulf..., op cit, p. 7; BBC Summary of World Broadcst: ME/2238, MED/15-16, 27 Febrauary 1995, refered to in Ibid., p. 1.
(([xxiii] يتوفر مزيد من التفصيلات في الجزء الذي يعالج النزاع الحدودي السعودي ـ اليمني (الربع الخالي).
(الربع الخالي)
ينفرد هذا النزاع السعودي ـ البريطاني بشأن التخوم السعودية الجنوبية عن غيره من النزاعات بكونه النزاع البري الوحيد الذي لم يشهد تسوية كلية أو جزئية حتى كتابة هذه السطور. فقد ثارت الخلافات حول تلك التخوم في أواسط الثلاثينات، في معرض تقديم الطرفين السعودي والبريطاني لاقتراحات حدودية متضادة لفصل المملكة العربية السعودية عن مناطق النفوذ البريطاني في شرق شبه الجزيرة العربية وجنوبها وجنوبها الشرقي. وفي أواسط التسعينات، استأنفت المملكة العربية السعودية والجمهورية اليمنية مفاوضات شاقة لتسوية القضايا الحدودية العالقة بينهما، وعلى رأسها حدودهما البرية الممتدة من جبل ثار حتى منطقة المهرة. ولذلك، فإن المفاوضات الجارية حالياً تمثل المرة الأولى التي يجرى فيها التعامل مع هذا النزاع بين طرفيه العربيين بعد خموده فترة طويلة.
يرجع النفوذ البريطاني في جنوب شبه الجزيرة العربية إلى 1839 بالسيطرة على عدن، التي شكلت محطة مهمة على طريق المواصلات العالمية البريطانية. ولئن ظل الاهتمام البريطاني محصوراً في عدن طوال قرن ونيفاً، فقد استلزم ذلك تأمين اتصال هذا المرفأ مع محيطه المباشر، الأمر الذي جر السلطات البريطانية في عدن إلى إقامة نوع من النظام التعاهدي مع سبع مشيخات خلقية. ظلت قبائل حضرموت غير مشمولة بالنظام التعاهدي البريطاني حتى أواسط القرن الحالي، نظراً إلى بعدها النسبي عن عدن؛ غير أن الاهتمام البريطاني بتلك المنطقة تصاعد في أواسط الثلاثينات، عقب تقديم الرياض لخط حمزة، الذي أكدت فيه حقها في أراض واسعة تمتد ـ فيما يخص حضرموت ـ إلى دائرة عرض 17شمالاً. وفي الوقت ذاته، شمل الخط السعودي الشهير منطقة واسعة إلى الجنوب الشرقي من نجران، وهي النقطة التي وقف عندها خط الطائف.
في صيف 1935، عقدت اللجنة الفرعية للشرق الأوسط، وهي لجنة كانت تابعة للجنة الدفاع الإمبريالي، اجتماعاً خرج بتقرير في غاية الأهمية؛ إذ وصفت اللجنة في تقريرها وضع حضرموت والأراضي الواقعة شمال عدن بأنه غير محدد وغير سوي. ولاحظت اللجنة أن الحكومة البريطانية لم تبسط سيطرتها عليها، في الوقت الذي تمنع الدول المجاورة " السعودية، اليمن " من مد سيادتها عليها. وبناء على ذلك، اتخذت اللجنة، بالإجماع، توصية بضرورة مد السيطرة البريطانية المباشرة على تلك المناطق. ()
توافقت الإدارات المعنية في لندن على تلك التوصية، ولذلك وجه وزير المستعمرات المعتمد البريطاني في عدن للعمل على مد سلطته بطريقة واضحة وفعالة إلى التخوم الشمالية لحضرموت وعدن " من أجل الحصول على حقوق تقادمية عليها ([ii]). ولهذا، عملت سلطات عدن على التمدد نحو تلك الأراضي الداخلية في عملية استغرقت وقتاً طويلاً وتطلبت إجراءات سياسية وإدارية وعسكرية. فعلى الجانب العملي، كان الأمر يتطلب إنشاء بعض الطرق والنقاط العسكرية، مثل المخافر الأمنية ومهابط الطائرات ([iii]). وعلى الجانب السياسي اتخذت لندن عدداً من الإجراءات لتعزيز سيطرتها على المنطقة الممتدة من عدن غرباً إلى أراضي ظفار شرقاً. فقد اقتراح المعتمد البريطاني في عدن اعتبار محمية عدن شاملة لحضرموت والتي أصبحت تشمل، بحسب مراسلات سابقة، أراضي قبائل المهرة والقعيطي والكثيري. وقد وافقت الحكومة البريطانية على ذلك رسمياً في شباط/ فبراير1933.
في آذار /مارس1937، أصدر الملك قانون محمية عدن ([iv])، الذي يشكل البداية السياسية لظهور دولية اليمن الجنوبي لاحقاً. فقد أكد قانون 1937 القرار السابق، الذي وسع أراضي محمية عدن لتشمل حضرموت وجزيرة سقطرى، كما وضع البداية العملية لظهور مؤسسات جديدة للمحمية في إطار شبه عصري تحت الإشراف المباشر
([xx]) David Pike, (Cross – border Hydrocarbon Resers), in Schofield. Territorial Foundations of the Gulf States, op. cit., pp. 193- 195; Schofield, (Borders and TERRITORIALITY in the Gulf....), in Ibid., pp 22-24 ; Schofield, Border Disputes in the Gulf, op. cit., p. 6; ABD, op. cit., vol. 20, pp. 241-246. See also Robert L. Jarman, ed., The Jedda Diaries: op. cit., reports of November 1935, December 1936, February 1937, March 1937 and October 1938, pp. 135-141, 143-149, 163-169, 171-178 and 353 – 363 respectively.
(([xxi] جريجوري جويس، العلاقات اليمنية ـ السعودية بين الماضي والمستقبل، ص 166ـ 167.
([xxii]) MEES, 10August 1992, A10, reffered to in Schofield, Border Disputes in the Gulf..., op cit, p. 7; BBC Summary of World Broadcst: ME/2238, MED/15-16, 27 Febrauary 1995, refered to in Ibid., p. 1.
(([xxiii] يتوفر مزيد من التفصيلات في الجزء الذي يعالج النزاع الحدودي السعودي ـ اليمني (الربع الخالي).
(الربع الخالي)
ينفرد هذا النزاع السعودي ـ البريطاني بشأن التخوم السعودية الجنوبية عن غيره من النزاعات بكونه النزاع البري الوحيد الذي لم يشهد تسوية كلية أو جزئية حتى كتابة هذه السطور. فقد ثارت الخلافات حول تلك التخوم في أواسط الثلاثينات، في معرض تقديم الطرفين السعودي والبريطاني لاقتراحات حدودية متضادة لفصل المملكة العربية السعودية عن مناطق النفوذ البريطاني في شرق شبه الجزيرة العربية وجنوبها وجنوبها الشرقي. وفي أواسط التسعينات، استأنفت المملكة العربية السعودية والجمهورية اليمنية مفاوضات شاقة لتسوية القضايا الحدودية العالقة بينهما، وعلى رأسها حدودهما البرية الممتدة من جبل ثار حتى منطقة المهرة. ولذلك، فإن المفاوضات الجارية حالياً تمثل المرة الأولى التي يجرى فيها التعامل مع هذا النزاع بين طرفيه العربيين بعد خموده فترة طويلة.
يرجع النفوذ البريطاني في جنوب شبه الجزيرة العربية إلى 1839 بالسيطرة على عدن، التي شكلت محطة مهمة على طريق المواصلات العالمية البريطانية. ولئن ظل الاهتمام البريطاني محصوراً في عدن طوال قرن ونيفاً، فقد استلزم ذلك تأمين اتصال هذا المرفأ مع محيطه المباشر، الأمر الذي جر السلطات البريطانية في عدن إلى إقامة نوع من النظام التعاهدي مع سبع مشيخات خلقية. ظلت قبائل حضرموت غير مشمولة بالنظام التعاهدي البريطاني حتى أواسط القرن الحالي، نظراً إلى بعدها النسبي عن عدن؛ غير أن الاهتمام البريطاني بتلك المنطقة تصاعد في أواسط الثلاثينات، عقب تقديم الرياض لخط حمزة، الذي أكدت فيه حقها في أراض واسعة تمتد ـ فيما يخص حضرموت ـ إلى دائرة عرض 17شمالاً. وفي الوقت ذاته، شمل الخط السعودي الشهير منطقة واسعة إلى الجنوب الشرقي من نجران، وهي النقطة التي وقف عندها خط الطائف.
في صيف 1935، عقدت اللجنة الفرعية للشرق الأوسط، وهي لجنة كانت تابعة للجنة الدفاع الإمبريالي، اجتماعاً خرج بتقرير في غاية الأهمية؛ إذ وصفت اللجنة في تقريرها وضع حضرموت والأراضي الواقعة شمال عدن بأنه غير محدد وغير سوي. ولاحظت اللجنة أن الحكومة البريطانية لم تبسط سيطرتها عليها، في الوقت الذي تمنع الدول المجاورة " السعودية، اليمن " من مد سيادتها عليها. وبناء على ذلك، اتخذت اللجنة، بالإجماع، توصية بضرورة مد السيطرة البريطانية المباشرة على تلك المناطق. ()
توافقت الإدارات المعنية في لندن على تلك التوصية، ولذلك وجه وزير المستعمرات المعتمد البريطاني في عدن للعمل على مد سلطته بطريقة واضحة وفعالة إلى التخوم الشمالية لحضرموت وعدن " من أجل الحصول على حقوق تقادمية عليها ([ii]). ولهذا، عملت سلطات عدن على التمدد نحو تلك الأراضي الداخلية في عملية استغرقت وقتاً طويلاً وتطلبت إجراءات سياسية وإدارية وعسكرية. فعلى الجانب العملي، كان الأمر يتطلب إنشاء بعض الطرق والنقاط العسكرية، مثل المخافر الأمنية ومهابط الطائرات ([iii]). وعلى الجانب السياسي اتخذت لندن عدداً من الإجراءات لتعزيز سيطرتها على المنطقة الممتدة من عدن غرباً إلى أراضي ظفار شرقاً. فقد اقتراح المعتمد البريطاني في عدن اعتبار محمية عدن شاملة لحضرموت والتي أصبحت تشمل، بحسب مراسلات سابقة، أراضي قبائل المهرة والقعيطي والكثيري. وقد وافقت الحكومة البريطانية على ذلك رسمياً في شباط/ فبراير1933.
في آذار /مارس1937، أصدر الملك قانون محمية عدن ([iv])، الذي يشكل البداية السياسية لظهور دولية اليمن الجنوبي لاحقاً. فقد أكد قانون 1937 القرار السابق، الذي وسع أراضي محمية عدن لتشمل حضرموت وجزيرة سقطرى، كما وضع البداية العملية لظهور مؤسسات جديدة للمحمية في إطار شبه عصري تحت الإشراف المباشر
لوزارة المستعمرات. وهكذا تحولت عدن إلى محمية تحت التاج البريطاني، الأمر الذي نقلها من اختصاص حكومة الهند([v]).
ومن ناحية أخرى، تم توسيع النظام التعاهدي ليشمل جميع شيوخ وسلاطين تلك المناطق. ووصل عدد اتفاقيات الحماية وغيرها إلى اكثر من مئة وعشرين اتفاقية. وبالإضافة إلى ذلك، أعلن إنشاء محميتين تشملان الأراضي الداخلية لعدن؛ احداهما غربية تضم ثماني عشرة سلطنة ومشيخة وقبيلة تحت إدارة حاكم عدن وأخرى شرقية تضم سبع سلطنات ومشيخات تحت إدارة موظف سياسي بريطاني يعينه الحاكم نفسه. في 1959، بدأت عملية الدمج الفعلي لهذه الكيانات شبه المستقلة بإنشاء اتحاد إمارات الجنوب العربي، الذي ضم في عضويته ستة كيانات قبلية عربية، لتعاد تسميته اتحاد العربي في 1962، بانضمام عدد من الكيانات الصغيرة؛ كما شهد نقلة حاسمة بانضمام عدن إليه بعد شد وجذب ([vi]).
الخصائص العامة للنزاع
مشكلة النقص في المعلومات
على الرغم مما يبدو من إطار عصري لتزايد القبضة البريطانية على تلك الأراضي، فإن ذلك الأمر حدث بالتدريج وبصعوبة بالغة في مناطق لم يكن البريطانيون يعرفون عنها إلاّ اقل القليل. والحق أن جميع الأطراف كانوا يعانون مشكلة نقص في المعلومات " أو انعدامها في بعض الأحيان " عن مظاهر الحياة كافة في تلك المناطق الداخلية. أمام ذلك الوضع، عكست الاقتراحات المتضادة تشدداً عاماً أساسه المطالبة بأكثر مما يعتقد كل طرف انه راغب في ـ أو قادر على ـ الحصول عليه فعلاً، بغية كسب الوقت لمحاولة جمع المعلومات وممارسة مظاهر السيادة على أراض جديدة لتقوية مواقفهما التفاوضية ولفرض أمر واقع جديد. ومع ذلك فإن الاقتراحات السعودية استندت بصورة عامة إلى قدر اكبر نسبياً من الحقائق الموضوعية. فعلى سبيل المثال، كان التقرير الذي قدمه فؤاد حمزة عن ديرة المرة والآبار التابعة لها "161بئراً "، أول محاولة جادة لتقدم أساس موضوعي للتعامل مع ذلك النزاع المطول. لم يكن لدى البريطانيين اعتراضات جوهرية على قائمة الآبار الطويلة تلك، غير أنهم لم يتمكنوا من تحديد بعضها على الخريطة، كما شددوا على اشتراك بعض القبائل التي يطالبون بتبعيتها لعدن في الاستفادة من تلك الآبار ([vii]).
مشكلة الربع الخالي
كانت الرمال " أو الربع الحالي كما عرفت فيما بعد " تكويناً جغرافياً لا يمكن تجاهله، فكان على جميع الاقتراحات المتضادة أن تتعامل معه بشكل أو بآخر. كانت الرمال مسرحاً لقبائل لم يشك أحد في هويتها السعودية، مثل المرة وقحطان والدواسر؛ إلاّ أن سلطات عدن جادلت بأن قبائل تابعة لها تجول في قطاعها الجنوبي، وتشترك بالتالي مع قبائل سعودية في الاستفادة من بعض الآبار في تلك النواحي. وقد ذكرت وزارة الخارجية أن قبائل تابعة للسلطان القعيطي والسلطان الكثيري والسلطان المهري تصل في تجوالها شمالاً بحثاً عن أماكن الرعي إلى منطقة حدها الشمالي يصل بين نقطتي تقاطع: إحدهما تقاطع خط طول 55شرقاً مع دائرة عرض 20شمالاً، والأخرى تقاطع الخط البنفسجي مع دائرة عرض 18شمالاً. وكان المندوب السامي في عدن في منتصف الثلاثينات قد أرسل إلى وزارة المستعمرات في لندن برقية يقر فيها بعدم معرفته بطبيعة المنطقة المحيطة بتقاطع خط طول 52شرقاً ودائرة عرض 18شمالاً ولا قبائلها؛ إلاّ أن خريطة لـ" المجلة الجغرافية " "أيلول/سبتمبر1931" تظهر أن قبائل حضرمية " العوامر والمناهل " كانت تصل في تجوالها شمال دائرة عرض 18شمالاً في تلك الأرجاء ([viii]). لم يكن من الصعب على السعوديين دحض ذلك الادعاء الذي يخلط بين مفهوم الديرة القبلية ـ وهو المفهوم الذي استندت عليه المطالبة السعودية ـ ونمط التجوال القبلي؛ فمن المعلوم أن الربع الخالي جزء من ديرة المرة، وبالتالي فإن تجول قبائل حضرمية تابعة لعدن في حافاته الجنوبية لا يشكل انتقاصاً من مفهوم الديرة القبلية، كما هو مألوف في الحياة الاجتماعية القبلية.
مشكلة الولاءات القبلية
بتشابه هذا النزاع مع غيره من النزاعات بشأن التخوم الشرقية والجنوبية الشرقية من شبه الجزيرة في أن جزءاً واسعاً منه كان يدور حول أراض ومجموعات بشرية لم يكن بعضها ـ في حقيقة الأمر ـ خاضعاً للمجال السيادي لأي من طرفي النزاع. فعلى طول الحواف الجنوبية لتلك الكثبان الرملية، يمتد شريط بري يختلف عرضه من مكان إلى آخر، ظل محلاً لمطالب متعارضة من قبل طرفي النزاع. ويمتد ذلك الحزام ـ الذي يفصل بين الأراضي السعودية وأراضي إمارة القعيطي في المكلا والشحر ـ من وادي مقشن في ظفار حتى الريان إلى الشرق من نجران. وقد اعتبر فلبي أن ذلك الحزام هو الحد الجنوبي للسلطة السعودية([ix]). والحق انه قبل أن يثور النزاع، لم يكن كثير من أراضي الكيانات القبلية الداخلية ـ ولا سيما في التخوم الشمالية لحضرموت ـ تابعاً لأحد من الناحية القانونية res nullius))؛ ولذلك تسابق طرفا النزاع على كسب ولاءات تلك القبائل سعياً لنشر علامات سياداتهما في تلك التخوم. غير أن ذلك السباق لم يكن متكافئاً؛ فقد أقر البريطاني
ومن ناحية أخرى، تم توسيع النظام التعاهدي ليشمل جميع شيوخ وسلاطين تلك المناطق. ووصل عدد اتفاقيات الحماية وغيرها إلى اكثر من مئة وعشرين اتفاقية. وبالإضافة إلى ذلك، أعلن إنشاء محميتين تشملان الأراضي الداخلية لعدن؛ احداهما غربية تضم ثماني عشرة سلطنة ومشيخة وقبيلة تحت إدارة حاكم عدن وأخرى شرقية تضم سبع سلطنات ومشيخات تحت إدارة موظف سياسي بريطاني يعينه الحاكم نفسه. في 1959، بدأت عملية الدمج الفعلي لهذه الكيانات شبه المستقلة بإنشاء اتحاد إمارات الجنوب العربي، الذي ضم في عضويته ستة كيانات قبلية عربية، لتعاد تسميته اتحاد العربي في 1962، بانضمام عدد من الكيانات الصغيرة؛ كما شهد نقلة حاسمة بانضمام عدن إليه بعد شد وجذب ([vi]).
الخصائص العامة للنزاع
مشكلة النقص في المعلومات
على الرغم مما يبدو من إطار عصري لتزايد القبضة البريطانية على تلك الأراضي، فإن ذلك الأمر حدث بالتدريج وبصعوبة بالغة في مناطق لم يكن البريطانيون يعرفون عنها إلاّ اقل القليل. والحق أن جميع الأطراف كانوا يعانون مشكلة نقص في المعلومات " أو انعدامها في بعض الأحيان " عن مظاهر الحياة كافة في تلك المناطق الداخلية. أمام ذلك الوضع، عكست الاقتراحات المتضادة تشدداً عاماً أساسه المطالبة بأكثر مما يعتقد كل طرف انه راغب في ـ أو قادر على ـ الحصول عليه فعلاً، بغية كسب الوقت لمحاولة جمع المعلومات وممارسة مظاهر السيادة على أراض جديدة لتقوية مواقفهما التفاوضية ولفرض أمر واقع جديد. ومع ذلك فإن الاقتراحات السعودية استندت بصورة عامة إلى قدر اكبر نسبياً من الحقائق الموضوعية. فعلى سبيل المثال، كان التقرير الذي قدمه فؤاد حمزة عن ديرة المرة والآبار التابعة لها "161بئراً "، أول محاولة جادة لتقدم أساس موضوعي للتعامل مع ذلك النزاع المطول. لم يكن لدى البريطانيين اعتراضات جوهرية على قائمة الآبار الطويلة تلك، غير أنهم لم يتمكنوا من تحديد بعضها على الخريطة، كما شددوا على اشتراك بعض القبائل التي يطالبون بتبعيتها لعدن في الاستفادة من تلك الآبار ([vii]).
مشكلة الربع الخالي
كانت الرمال " أو الربع الحالي كما عرفت فيما بعد " تكويناً جغرافياً لا يمكن تجاهله، فكان على جميع الاقتراحات المتضادة أن تتعامل معه بشكل أو بآخر. كانت الرمال مسرحاً لقبائل لم يشك أحد في هويتها السعودية، مثل المرة وقحطان والدواسر؛ إلاّ أن سلطات عدن جادلت بأن قبائل تابعة لها تجول في قطاعها الجنوبي، وتشترك بالتالي مع قبائل سعودية في الاستفادة من بعض الآبار في تلك النواحي. وقد ذكرت وزارة الخارجية أن قبائل تابعة للسلطان القعيطي والسلطان الكثيري والسلطان المهري تصل في تجوالها شمالاً بحثاً عن أماكن الرعي إلى منطقة حدها الشمالي يصل بين نقطتي تقاطع: إحدهما تقاطع خط طول 55شرقاً مع دائرة عرض 20شمالاً، والأخرى تقاطع الخط البنفسجي مع دائرة عرض 18شمالاً. وكان المندوب السامي في عدن في منتصف الثلاثينات قد أرسل إلى وزارة المستعمرات في لندن برقية يقر فيها بعدم معرفته بطبيعة المنطقة المحيطة بتقاطع خط طول 52شرقاً ودائرة عرض 18شمالاً ولا قبائلها؛ إلاّ أن خريطة لـ" المجلة الجغرافية " "أيلول/سبتمبر1931" تظهر أن قبائل حضرمية " العوامر والمناهل " كانت تصل في تجوالها شمال دائرة عرض 18شمالاً في تلك الأرجاء ([viii]). لم يكن من الصعب على السعوديين دحض ذلك الادعاء الذي يخلط بين مفهوم الديرة القبلية ـ وهو المفهوم الذي استندت عليه المطالبة السعودية ـ ونمط التجوال القبلي؛ فمن المعلوم أن الربع الخالي جزء من ديرة المرة، وبالتالي فإن تجول قبائل حضرمية تابعة لعدن في حافاته الجنوبية لا يشكل انتقاصاً من مفهوم الديرة القبلية، كما هو مألوف في الحياة الاجتماعية القبلية.
مشكلة الولاءات القبلية
بتشابه هذا النزاع مع غيره من النزاعات بشأن التخوم الشرقية والجنوبية الشرقية من شبه الجزيرة في أن جزءاً واسعاً منه كان يدور حول أراض ومجموعات بشرية لم يكن بعضها ـ في حقيقة الأمر ـ خاضعاً للمجال السيادي لأي من طرفي النزاع. فعلى طول الحواف الجنوبية لتلك الكثبان الرملية، يمتد شريط بري يختلف عرضه من مكان إلى آخر، ظل محلاً لمطالب متعارضة من قبل طرفي النزاع. ويمتد ذلك الحزام ـ الذي يفصل بين الأراضي السعودية وأراضي إمارة القعيطي في المكلا والشحر ـ من وادي مقشن في ظفار حتى الريان إلى الشرق من نجران. وقد اعتبر فلبي أن ذلك الحزام هو الحد الجنوبي للسلطة السعودية([ix]). والحق انه قبل أن يثور النزاع، لم يكن كثير من أراضي الكيانات القبلية الداخلية ـ ولا سيما في التخوم الشمالية لحضرموت ـ تابعاً لأحد من الناحية القانونية res nullius))؛ ولذلك تسابق طرفا النزاع على كسب ولاءات تلك القبائل سعياً لنشر علامات سياداتهما في تلك التخوم. غير أن ذلك السباق لم يكن متكافئاً؛ فقد أقر البريطاني
ون أن المرة لم تكن قبيلة الوحيدة التي أعلنت ولاءها للرياض، التي كسبت إلى جانبها أيضاً المناهل والكثير والعوامر وبني معروف وبيت إيماني والرواشد. كانت النتيجة التي استخلصوا وأبقوها سراً هي إقرارهم بإنه " يبدو أن النفوذ السعودي يمتد بين خطي 51شرقاً و53شرقاً لمسافة ستين ميلاً جنوب الرمال". طبعاً لم يكن ذلك يروق لهم، ولذلك قلبوا النظر في اعتبار الحافات الجنوبية للكثبان الرملية خطاً حدودياً عملياً.
لقد أدركوا، وقد تعلموا درساً مريراً في أثناء تجربتهم المريرة على التخوم السعودية ـ الظبيانية " انظر المبحث السابع"، أن ترك الوضع على ما هو عليه سيكون لمصلحة الرياض الأقدر على إدارة سياسة قبلية تكسب من جرائها ولاءات قبائل التخوم الواحدة تلو الأخرى. فعلى سبيل المثال، أثمرت زيارة قام بها فلبي، وطاف في أثنائها جزءاً واسعاً من التخوم السعودية الجنوبية آنذاك، عن استمالة شيخ شبوة إلى الرياض، الأمر الذي أثار غضباً شديداً في كل من عدن وصنعاء. ولهذا صمموا على أن يضعوا ـ بطريقة تعسفية ـ حداً لوضع وجدوا أنفسهم الخاسرين فيه لامحالة.
كانت التخوم السعودية الجنوبية كلها اذاً مفتوحة للنزاع والتسابق، غير أن معظم الخلاف تركز على ثلاث مناطق؛ تقع الأولى إلى الجنوب الشرقي من نجران وتضم العبر التابعة للصيعر، وهي منطقة تطلعت إليها صنعاء أيضاً. أما الثانية فكانت الحزام البري الذي يفصل حضرموت عن كثبان الربع الخالي، والذي يمتد بين خطي طول 48شرقاً و53شرقاً. أما الثالثة، فهي منطقة المهرة الواقعة في أقصى شرق المحمية. وقد أدرك البريطانيون حراجة موقفهم في تلك المناطق، فتنادوا لمد سيطرتهم عليها أو " الاعتراف " بكونها تابعة، بشكل أو بآخر، لإحدى قبائل نظامهم التعاهدي. وهكذا تضمنت سياسة التمدد البريطاني عدة محاولات لقطع الطريق على الرياض، التي كانت قد سبقت بالفعل إلى ممارسة قدر من النفوذ في أجزاء عدة من تلك المناطق([x]).
مسألة النفط
في أواسط الثلاثينات، توفرت أسباب جديدة كلياً لمزيد من اهتمام كلا الجانبيين بمنطقة التخوم المشتركة؛ فقد بدأت شركتان عاملتان في أراضي طرفي النزاع، كاسوكCasoc)) وشركة نفط العراق ـ آي بي سي ipc))، التطلع للتنقيب عن النفط في مساحات واسعة من تلك التخوم، وظهرت تبعاً لذلك فرق مسح وتنقيب في عدة مواقع. كانت عمليات المسح والاستكشاف في بدايتها، وكان من المتوقع أن تستغرق وقتاً طويلاً وان تتطلب مبالغ غير قليلة في ظل ظروف عدم التيقن من الخروج بنتائج واعدة. والحق أن المصالح النفطية كانت محركاً أساسياً للنزاع ـ في أثناء تلك الفترة على الأقل ـ بشأن مناطق التخوم المشتركة. فلقد دعا وزير الدولة البريطاني للمستعمرات، وبناء على اتفاق الإدارات المعنية، إلى إقامة السلطة البريطانية ومدها بطريقة أكثر وضوحاً وفعالية في التخوم الشمالية من أجل الحصول على حقوق تقادمية، بالنظر إلى احتمال وجود نفط في المحمية ([xi]).
وقد أدى انهماك الشركات النفطية العاملة في أراضي الطرفين منذ أواسط الثلاثينات في سباق محموم للتنقيب عن النفط في أنحاء واسعة من شرق شبه الجزيرة العربية وجنوبها إلى شد انتباههما إلى كثير من تلك القفار ,فعلى سبيل المثال، ظهرت فرق تابعة لشركة كاسوك في ثمود، كما ظهرت فرق نفطية متعددة تابعة لآي بي سي شمال الخط البنفسجي وجنوبه في أراض ادعت بريطانيا تبعيتها لعدن ولمسقط، مع إنها لم تتخط دائرة عرض 20شمالاً؛ وقد تبادل الطرفان الاحتجاجات أو الإعراب عن القلق حيال تلك النشاطات. والتزمت السفارة البريطانية في رسالة إلى الخارجية السعودية بموقف يعتبر أن هذه المناطق محل نزاع بين الطرفين، بينما اعتبرت الأخيرة أن المناطق التي حدثت فيها المواجهات بين أرامكو وقوات الأمن العدنية ليست محل نزاع بين الطرفين، مؤكدة عدم أحقية دخول السلطات البريطانية الرسمية لها ([xii]). في هذا الإطار، نصحت لندن لشركة آي بي سي بضرورة الالتزام بخط الرياض في عملياتها المسحية والاستكشافية. وبالتحديد، كان على هذه الشركة أن تحصر نشاطاتها ضمن خط يمتد من تقاطع دائرة عرض18 شمالاً مع الخط البنفسجي، حتى تقاطع دائرة عرض 20شمالاً مع خط طول 55 شرقاً. كان ذلك يتماثل مع خط الرياض لا خط أم الصميم الأكثر تشدداً " انظر الصفحات اللاحقة ". في الوقت نفسه، تلقت الشركة الأمريكية " نصيحة " بتجنب تخطي دائرة عرض 20شمالاً وخط طول 55 شرقاً.
لم يكن من المتوقع أن تلتزم الشركات المعنية بتلك التعليمات ـ التي كانت محابية للشركة البريطانية بصورة جلية ـ حرفياً، غير أن الهدف منها كان التقليل من، أو منع، أي مواجهات بين الفرق النفطية والممثلين الرسميين لطرفي النزاع، كما حدث فعلاً في بعض المناسبات([xiii]). أدى ذلك ـ على الرغم من بعض الاقتراحات والبدائل التي قدمت أو فكر فيها لأغراض تكتيكية ـ إلى أتباع الطرفين بصورة عامة، وحكومة عدن بصورة خاصة، سياسة التسويف أملاً في كسب الوقت لإتاحة المجال للفرق النفطية التابعة لكل منهما لمسح أكبر جزء
لقد أدركوا، وقد تعلموا درساً مريراً في أثناء تجربتهم المريرة على التخوم السعودية ـ الظبيانية " انظر المبحث السابع"، أن ترك الوضع على ما هو عليه سيكون لمصلحة الرياض الأقدر على إدارة سياسة قبلية تكسب من جرائها ولاءات قبائل التخوم الواحدة تلو الأخرى. فعلى سبيل المثال، أثمرت زيارة قام بها فلبي، وطاف في أثنائها جزءاً واسعاً من التخوم السعودية الجنوبية آنذاك، عن استمالة شيخ شبوة إلى الرياض، الأمر الذي أثار غضباً شديداً في كل من عدن وصنعاء. ولهذا صمموا على أن يضعوا ـ بطريقة تعسفية ـ حداً لوضع وجدوا أنفسهم الخاسرين فيه لامحالة.
كانت التخوم السعودية الجنوبية كلها اذاً مفتوحة للنزاع والتسابق، غير أن معظم الخلاف تركز على ثلاث مناطق؛ تقع الأولى إلى الجنوب الشرقي من نجران وتضم العبر التابعة للصيعر، وهي منطقة تطلعت إليها صنعاء أيضاً. أما الثانية فكانت الحزام البري الذي يفصل حضرموت عن كثبان الربع الخالي، والذي يمتد بين خطي طول 48شرقاً و53شرقاً. أما الثالثة، فهي منطقة المهرة الواقعة في أقصى شرق المحمية. وقد أدرك البريطانيون حراجة موقفهم في تلك المناطق، فتنادوا لمد سيطرتهم عليها أو " الاعتراف " بكونها تابعة، بشكل أو بآخر، لإحدى قبائل نظامهم التعاهدي. وهكذا تضمنت سياسة التمدد البريطاني عدة محاولات لقطع الطريق على الرياض، التي كانت قد سبقت بالفعل إلى ممارسة قدر من النفوذ في أجزاء عدة من تلك المناطق([x]).
مسألة النفط
في أواسط الثلاثينات، توفرت أسباب جديدة كلياً لمزيد من اهتمام كلا الجانبيين بمنطقة التخوم المشتركة؛ فقد بدأت شركتان عاملتان في أراضي طرفي النزاع، كاسوكCasoc)) وشركة نفط العراق ـ آي بي سي ipc))، التطلع للتنقيب عن النفط في مساحات واسعة من تلك التخوم، وظهرت تبعاً لذلك فرق مسح وتنقيب في عدة مواقع. كانت عمليات المسح والاستكشاف في بدايتها، وكان من المتوقع أن تستغرق وقتاً طويلاً وان تتطلب مبالغ غير قليلة في ظل ظروف عدم التيقن من الخروج بنتائج واعدة. والحق أن المصالح النفطية كانت محركاً أساسياً للنزاع ـ في أثناء تلك الفترة على الأقل ـ بشأن مناطق التخوم المشتركة. فلقد دعا وزير الدولة البريطاني للمستعمرات، وبناء على اتفاق الإدارات المعنية، إلى إقامة السلطة البريطانية ومدها بطريقة أكثر وضوحاً وفعالية في التخوم الشمالية من أجل الحصول على حقوق تقادمية، بالنظر إلى احتمال وجود نفط في المحمية ([xi]).
وقد أدى انهماك الشركات النفطية العاملة في أراضي الطرفين منذ أواسط الثلاثينات في سباق محموم للتنقيب عن النفط في أنحاء واسعة من شرق شبه الجزيرة العربية وجنوبها إلى شد انتباههما إلى كثير من تلك القفار ,فعلى سبيل المثال، ظهرت فرق تابعة لشركة كاسوك في ثمود، كما ظهرت فرق نفطية متعددة تابعة لآي بي سي شمال الخط البنفسجي وجنوبه في أراض ادعت بريطانيا تبعيتها لعدن ولمسقط، مع إنها لم تتخط دائرة عرض 20شمالاً؛ وقد تبادل الطرفان الاحتجاجات أو الإعراب عن القلق حيال تلك النشاطات. والتزمت السفارة البريطانية في رسالة إلى الخارجية السعودية بموقف يعتبر أن هذه المناطق محل نزاع بين الطرفين، بينما اعتبرت الأخيرة أن المناطق التي حدثت فيها المواجهات بين أرامكو وقوات الأمن العدنية ليست محل نزاع بين الطرفين، مؤكدة عدم أحقية دخول السلطات البريطانية الرسمية لها ([xii]). في هذا الإطار، نصحت لندن لشركة آي بي سي بضرورة الالتزام بخط الرياض في عملياتها المسحية والاستكشافية. وبالتحديد، كان على هذه الشركة أن تحصر نشاطاتها ضمن خط يمتد من تقاطع دائرة عرض18 شمالاً مع الخط البنفسجي، حتى تقاطع دائرة عرض 20شمالاً مع خط طول 55 شرقاً. كان ذلك يتماثل مع خط الرياض لا خط أم الصميم الأكثر تشدداً " انظر الصفحات اللاحقة ". في الوقت نفسه، تلقت الشركة الأمريكية " نصيحة " بتجنب تخطي دائرة عرض 20شمالاً وخط طول 55 شرقاً.
لم يكن من المتوقع أن تلتزم الشركات المعنية بتلك التعليمات ـ التي كانت محابية للشركة البريطانية بصورة جلية ـ حرفياً، غير أن الهدف منها كان التقليل من، أو منع، أي مواجهات بين الفرق النفطية والممثلين الرسميين لطرفي النزاع، كما حدث فعلاً في بعض المناسبات([xiii]). أدى ذلك ـ على الرغم من بعض الاقتراحات والبدائل التي قدمت أو فكر فيها لأغراض تكتيكية ـ إلى أتباع الطرفين بصورة عامة، وحكومة عدن بصورة خاصة، سياسة التسويف أملاً في كسب الوقت لإتاحة المجال للفرق النفطية التابعة لكل منهما لمسح أكبر جزء
ممكن، وممارسة ـ بالتالي ـ أعمال السيادة في كثير من مناطق النزاع بغية تقوية مواقفهما التفاوضية.
اقتراحات التسوية وإجراءاتها
الخط البنفسجي (1913ـ1934)
يعود الخط البنفسجي إلى اتفاق أنجلوـ تركي "آذار/مارس1914" نحت منطقتي نفوذ لكل منهما في الجزء الجنوبي من شبه الجزيرة العربية. يبدأ هذا الخط من الطرف الجنوبي للخط الأزرق، ثم يتجه باستقامة إلى الجنوب الغربي باتجاه اليمن. وهكذا، "منح " الخط البنفسجي البريطانيين مساحة شاسعة من الربع الخالي تصل إلى دائرة عرض 20 شمالاً. لم يكن هذا الخط يخلو من خلل فاضح؛ فعلاوة على عدم إلزاميته القانونية نتيجة عدم إقراره من قبل السلطات العثمانية الزائلة، أكدت مذكرة للمستشار القانوني للخارجية البريطانية انه ـ نظيره الأزرق ـ لا يقومان على أساس صلب وفقاً للقانون الدولي، وقد اعترف أحد كبار المسؤولين البريطانيين بأن الخط البنفسجي خط اعتباطي رسم... في وقت لم تتوفر لدى السلطات البريطانية والتركية على حد سواء معلومات ذات شأن بخصوص تلك التخوم، بالرغم من ذلك لم يفتأ البريطانيون يعودون إلى ذلك الخط كلما احسوا بضعف موقفهم، الذي ثبت لديهم تهاوي أسسه القانونية والعملية، لمحاولة التقليل من خسارتهم في أي حل وسط قد تعتمده تسوية حدودية مقبلة([xiv]).
وفي خضم ذلك الوضع العائم نوعاً ما، كانت الرياض تحتفظ في جعبتها بورقة الحق التاريخي. فبين الحين والأخر، كانت تلوّح بالحد الأقصى من مطالبها الذي يستند إلى حقوقها لتاريخية التي تسبق الوجود البريطاني نفسه في معظم تلك النواحي. كان ذلك يعني، بحسب وجهة نظر الرياض، أن أجزاءً واسعة من الأراضي الداخلية في حضرموت وظفار ومسقط تابعة لها. والحق أن كون هذه الأراضي غير خاضعة لأحد خلال المراحل الأولى للنزاع، فتح المجال واسعاً أمام عودة النفوذ السعودي إليها؛ فقد كانت الرياض ـ كما شهد البريطانيون أنفسهم ـ الأقدر على إدارة السياسة القبلية بنجاح يجعل السكان المحليين، الذين يعانون من تردي أوضاعهم المعيشية، يتطلعون في كثير من الأحيان إلى انضوائهم تحت السيادة السعودية([xv]).
اقتراح عدن الأول (آذار/مارس1935)
كانت الدلائل تشير إلى أن الطرفين يتجهان نحو نزاع طويل الأمد على التخوم السعودية الجنوبية، فاتجه التفكير البريطاني إلى محاولة إبعاد السعوديين قدر الأمكان إلى داخل الصحراء الرملية الواسعة لإتاحة مجال واسع لترسيخ المصالح البريطانية الاقتصادية والسياسية. ومن تلك المحاولات اقتراح تقدمت به عدن في ربيع 1935في ظل وضع قبلي وجغرافي مشوب بالغموض. كان هذا الاقتراح يقضي برسم خط مستقيم يصل بين تقاطع دائرة عرض 18شمالاً مع الخط البنفسجي، وتقاطع دائرة عرض 20شمالاً، مع خط طول 52شرقاً. بررت عدن اقتراحها بأن قبائل العوامر والمناهل الحضرمية تصل في تجوالها شمال دائرة عرض 18في الطرف الشرقي من خطها المقترح. وعلى كل حال، كان هدف سلطات عدن هو أن تعطي نفسها مجالاً رحباً لتوسيع نفوذها في تلك الأرجاء ([xvi]).
خط حمزة (الخط الأحمر، نيسان /أبريل 1935)
كان ذلك الخط هو الاقتراح الوحيد الذي تقدمت به الرياض بصفة رسمية لرسم حدودها الجنوبية. يتماش الاقتراح السعودي مع دائرة عرض 17شمالاً في المنطقة الواقعة بين خطي طول 48و25 شرقاً حتى تلتقي بالخط البنفسجي الذي ينحدر في اتجاه جنوبي غربي. وهكذا، كان خط حمزة يترك في طرفه الشرقي شريطاً واسعاً جنوب الكثبان الرملية يصل عرضه إلى مئة وستين ميلاً تقريباً ـ ضمن الأراضي السعودية، غير أنه يضيق بالتدريج مع انحدار الخط البنفسجي في الاتجاه الجنوبي الغربي ([xvii]).
اتسم خط حمزة، بصورة عامة، بالاعتدال، مقارنة بالاقتراحين البريطانيين السابقين. ففي حين ترك آبار سناو وثمود إلى الشمال منه، بقيت معظم أراضي الكثيري والقعيطي والمهرة داخل المحمية. وكان هذا الاقتراح مبنياً على عاملين: الأول القائمة المفصلة التي سبق أن قدمها فؤاد حمزة والمتضمنة حصراً للآبار التابعة لقبيلة المرة السعودية عبر منطقة واسعة من الربع الخالي وجنوبه على وجه الخصوص؛ والآخر تبعية بعض الأفخاذ والعشائر الحضرمية للرياض. وقد اعترف تقرير أعدّه قسم الأبحاث في الخارجية البريطانية بأن النفوذ السعودي يمتد فعلاً جنوب كثبان الربع الخالي في المنطقة الممتدة بين خطي طول 51و53 شرقاً. كان ذلك مرتبطاً بالاعتراف بتبعية بيت إيماني والرواشد للرياض، وهي القبائل التي تمتد منازلها جنوب الرمال بين الخطين المذكورين. وما دام برترام توماس B. Thomas)) ـ وهو أحد الرحالة البريطانيين والذي كان بعيداً عن أن يتصف بالود تجاه الرياض ـ هو الذي أكد هذه المعلومات، فقد اكتسبت اعترافاً بريطانياً شبه رسمي. وجدير بالذكر أن التقرير نفسه ذكر أن سناو تملكها قبيلة المناهل، والتي تشترك مع بيت إيماني في ملكية ثمود. وبالنظر إلى أن لندن شككت في تبعية المناهل، في الوقت الذي أكدت عدم تبعية الصيعر التي تقع إلى الغرب منها، للرياض، فإن مطالبة الأخيرة بتلك المنطقتين ظلت محل مع
اقتراحات التسوية وإجراءاتها
الخط البنفسجي (1913ـ1934)
يعود الخط البنفسجي إلى اتفاق أنجلوـ تركي "آذار/مارس1914" نحت منطقتي نفوذ لكل منهما في الجزء الجنوبي من شبه الجزيرة العربية. يبدأ هذا الخط من الطرف الجنوبي للخط الأزرق، ثم يتجه باستقامة إلى الجنوب الغربي باتجاه اليمن. وهكذا، "منح " الخط البنفسجي البريطانيين مساحة شاسعة من الربع الخالي تصل إلى دائرة عرض 20 شمالاً. لم يكن هذا الخط يخلو من خلل فاضح؛ فعلاوة على عدم إلزاميته القانونية نتيجة عدم إقراره من قبل السلطات العثمانية الزائلة، أكدت مذكرة للمستشار القانوني للخارجية البريطانية انه ـ نظيره الأزرق ـ لا يقومان على أساس صلب وفقاً للقانون الدولي، وقد اعترف أحد كبار المسؤولين البريطانيين بأن الخط البنفسجي خط اعتباطي رسم... في وقت لم تتوفر لدى السلطات البريطانية والتركية على حد سواء معلومات ذات شأن بخصوص تلك التخوم، بالرغم من ذلك لم يفتأ البريطانيون يعودون إلى ذلك الخط كلما احسوا بضعف موقفهم، الذي ثبت لديهم تهاوي أسسه القانونية والعملية، لمحاولة التقليل من خسارتهم في أي حل وسط قد تعتمده تسوية حدودية مقبلة([xiv]).
وفي خضم ذلك الوضع العائم نوعاً ما، كانت الرياض تحتفظ في جعبتها بورقة الحق التاريخي. فبين الحين والأخر، كانت تلوّح بالحد الأقصى من مطالبها الذي يستند إلى حقوقها لتاريخية التي تسبق الوجود البريطاني نفسه في معظم تلك النواحي. كان ذلك يعني، بحسب وجهة نظر الرياض، أن أجزاءً واسعة من الأراضي الداخلية في حضرموت وظفار ومسقط تابعة لها. والحق أن كون هذه الأراضي غير خاضعة لأحد خلال المراحل الأولى للنزاع، فتح المجال واسعاً أمام عودة النفوذ السعودي إليها؛ فقد كانت الرياض ـ كما شهد البريطانيون أنفسهم ـ الأقدر على إدارة السياسة القبلية بنجاح يجعل السكان المحليين، الذين يعانون من تردي أوضاعهم المعيشية، يتطلعون في كثير من الأحيان إلى انضوائهم تحت السيادة السعودية([xv]).
اقتراح عدن الأول (آذار/مارس1935)
كانت الدلائل تشير إلى أن الطرفين يتجهان نحو نزاع طويل الأمد على التخوم السعودية الجنوبية، فاتجه التفكير البريطاني إلى محاولة إبعاد السعوديين قدر الأمكان إلى داخل الصحراء الرملية الواسعة لإتاحة مجال واسع لترسيخ المصالح البريطانية الاقتصادية والسياسية. ومن تلك المحاولات اقتراح تقدمت به عدن في ربيع 1935في ظل وضع قبلي وجغرافي مشوب بالغموض. كان هذا الاقتراح يقضي برسم خط مستقيم يصل بين تقاطع دائرة عرض 18شمالاً مع الخط البنفسجي، وتقاطع دائرة عرض 20شمالاً، مع خط طول 52شرقاً. بررت عدن اقتراحها بأن قبائل العوامر والمناهل الحضرمية تصل في تجوالها شمال دائرة عرض 18في الطرف الشرقي من خطها المقترح. وعلى كل حال، كان هدف سلطات عدن هو أن تعطي نفسها مجالاً رحباً لتوسيع نفوذها في تلك الأرجاء ([xvi]).
خط حمزة (الخط الأحمر، نيسان /أبريل 1935)
كان ذلك الخط هو الاقتراح الوحيد الذي تقدمت به الرياض بصفة رسمية لرسم حدودها الجنوبية. يتماش الاقتراح السعودي مع دائرة عرض 17شمالاً في المنطقة الواقعة بين خطي طول 48و25 شرقاً حتى تلتقي بالخط البنفسجي الذي ينحدر في اتجاه جنوبي غربي. وهكذا، كان خط حمزة يترك في طرفه الشرقي شريطاً واسعاً جنوب الكثبان الرملية يصل عرضه إلى مئة وستين ميلاً تقريباً ـ ضمن الأراضي السعودية، غير أنه يضيق بالتدريج مع انحدار الخط البنفسجي في الاتجاه الجنوبي الغربي ([xvii]).
اتسم خط حمزة، بصورة عامة، بالاعتدال، مقارنة بالاقتراحين البريطانيين السابقين. ففي حين ترك آبار سناو وثمود إلى الشمال منه، بقيت معظم أراضي الكثيري والقعيطي والمهرة داخل المحمية. وكان هذا الاقتراح مبنياً على عاملين: الأول القائمة المفصلة التي سبق أن قدمها فؤاد حمزة والمتضمنة حصراً للآبار التابعة لقبيلة المرة السعودية عبر منطقة واسعة من الربع الخالي وجنوبه على وجه الخصوص؛ والآخر تبعية بعض الأفخاذ والعشائر الحضرمية للرياض. وقد اعترف تقرير أعدّه قسم الأبحاث في الخارجية البريطانية بأن النفوذ السعودي يمتد فعلاً جنوب كثبان الربع الخالي في المنطقة الممتدة بين خطي طول 51و53 شرقاً. كان ذلك مرتبطاً بالاعتراف بتبعية بيت إيماني والرواشد للرياض، وهي القبائل التي تمتد منازلها جنوب الرمال بين الخطين المذكورين. وما دام برترام توماس B. Thomas)) ـ وهو أحد الرحالة البريطانيين والذي كان بعيداً عن أن يتصف بالود تجاه الرياض ـ هو الذي أكد هذه المعلومات، فقد اكتسبت اعترافاً بريطانياً شبه رسمي. وجدير بالذكر أن التقرير نفسه ذكر أن سناو تملكها قبيلة المناهل، والتي تشترك مع بيت إيماني في ملكية ثمود. وبالنظر إلى أن لندن شككت في تبعية المناهل، في الوقت الذي أكدت عدم تبعية الصيعر التي تقع إلى الغرب منها، للرياض، فإن مطالبة الأخيرة بتلك المنطقتين ظلت محل مع
ارضة بريطانية ([xviii]).
الرياض تلمّح إلى إمكانية تعديل خط حمزة
كان ذلك الخط يمثل بالنسبة إلى الرياض الحد الأدنى من مطالبها المعقولة، التي كانت تستند إلى انفرادها بممارسة بعض مظاهر السيادة على بعض قبائل وعشائر تخومها الجنوبية. والحق أن الرياض كانت ميالة إلى الوصول إلى حل منصف، في حين أن الطرف الأخر لم يكن يشاطرها ـ فيما يبدو ـ الاهتمام نفسه. فعلى سبيل المثال، لمح فؤاد حمزة بعد فترة قصيرة من تقديم اقتراحه إلى موافقة حكومته على حل وسط بين اقتراحها والاقتراح البريطاني الأخير، غير أن لندن تجاهلت ذلك. وكما كانت الحال في التخوم السعودية الشرقية، أسف البريطانيون فيما بعد لتجاهلهم ذلك الموفق السعودي المرن. والحق أن عدم اضطرارهم إلى اللجوء إلى الخيار التحكيمي أو القضائي على التخوم السعودية الجنوبية أخفى موقفهم الحرج لفترة ليست بالقصيرة([xix]).
اقتراح الخارجية (تموز /يوليو1935)
شرعت الخارجية البريطانية في إعادة تقييم الموقف البريطاني بخصوص ذلك النزاع، في ضوء الأدلة التفصيلية التي قدمتها الرياض والتي دعمتها جزئياً شهادات بعض الرحالة واعترافات بعض مسؤولي حكومة عدن نفسها، الأمر الذي أدى إلى إضعاف موقف لندن بصورة سافرة. وعلى صعيد آخر، كانت الخارجية البريطانية مهتمة بالحفاظ على صداقة العاهل السعودي في وقت تزايدت خلاله النشاطات الإيطالية في اليمن ومنطقة جنوب حوض البحر الأحمر.
في تموز /يوليو1935، اقترحت الخارجية خطاً مستقيماً يمتد من تقاطع دائرة عرض 18شمالاً مع الخط البنفسجي، حتى تقاطع دائرة عرض 20شمالاً مع خط طول 55شرقاً([xx]). والحق انه على الرغم من أن هذا الاقتراح كان أكثر واقعية من مواقف حكومة عدن المتصلبة، فقد ظل بعيداً عن تلبية الحد الأدنى من المطالب السعودية بسبب اقتطاعه جزءاً لا بأس فيه من الحواف الجنوبية لكثبان الربع الخالي ليبقيه ضمن محمية عدن.
اقتراح عدن الثاني (آب /أغسطس1935)
تدخلت عدن، مرة أخرى، في الحوار الذي كان يدور بين عدن إدارات بريطانية حول تخومها الشمالية. فلقد تقدمت في صيف 1935باقتراح وتوصية. كان الاقتراح هو إلاّ يقل الخط المقترح عن دائرة عرض 18شمالاً؛ أما التوصية فقد ذهبت أبعد من ذلك بالتمني على أن يتضمن الخط المقترح الشريط الصحراوي الذي يقع جنوب كثبان الربع الخالي، والذي يشكل ـ بحسب وجهة نظرها ـ جزءاً من دير قبائل " تابعة " لها مثل المناهل والصيعر. بل أن عدن فضلت أن يتضمن مثل هذا الخط ما عرضه عشرون ميلاً من تلك الكثبان.
بررت حكومة عدن مطلبها بالإعراب من اقتناعها بأن دير قبائل " تابعة " لها، مثل الصيعر والعوامر والمناهل والمهرة، تشمل السهوب التي تفصل الربع الخالي عن عمق الأراضي الحضرمية. بل أن الحواف الجنوبية للربع الخالي نفسه تنتمي ـ بحسب وجهة نظر حكومة عدن ـ إلى بعض تلك القبائل " المناهل والصعير على وجه التحديد "أكثر من انتهائها إلى غيرها من القبائل التي طالب السعوديون بها، مثل يام والمرة والرواشد. وبالتوغل في عمق الصحراء الرملية، كان لحكومة عدن رأي ـ يعوزه الكثير من الدقة ـ يتمثّل في اعتبار عدد من الآبار الجنوبية التي ادعاها فؤاد حمزة لقبيلة المرة منطقة مشتركة لجميع القبائل المعنية، بزعم أن القبائل التابعة لعدن ترتادها بالقدر الذي ترتادها به القبائل السعودية. كان تكتيك سلطات عدن، كما هو واضح. يتمثل ف تمييع مفهوم الديرة القبلي ـ والذي قام على أساسه الاقتراح السعودي الأخير ـ بهدف تثبيت سيطرة حكومة عدن على الحواف الجنوبية لتلك الصحراء، وإبعاد السعوديين إلى الشمال قدر المستطاع ([xxi]).
اقتراح وزارة المستعمرات (تشرين الأول /أكتوبر 1935)
في ضوء اعتراف لندن بأن أغلبية الآبار التي تضمنتها القائمة السعودية السالفة الذكر تابعة للمرة فعلاً، سعت لرسم إطار عام لديرة هذه القبيلة، " منحتها " بموجبه سبخة مجورة، على التخوم السعودية ـ العمانية، وآبار الشنا. وعلى الرغم من إقرار وزارة المستعمرات بذلك، فقد نادت بخط يقارب ديرة تلك القبيلة من دون أن يطابقها تماماً. كان هذا الاقتراح يقضي بأن يمتد الخط الحدودي المستهدف من تقاطع الخط البنفسجي مع دائرة عرض 18شمالاً، حتى تقاطع خط طول 52 شرقاً مع دائرة عرض19شمالاً؛ ومن ثم إلى تقاطع خط طول 54شرقاً مع دائرة عرض 20 شمالاً. وقد وصف وزير الدولة للمستعمرات هذا العرض بأنه نهائي ومعقول ويتسم بالكرم !وفي الوقت ذاته، اقترح تقديم مطالب توسعية لمصلحة الشيوخ المرتبطين ببريطانيا باتفاقيات حمائية كي تمثل عوائق " صلبة " أمام المطالب السعودية القائمة أو أي مطالب أخرى مستجدة ([xxii]). وفي حين أن الخط الجديد " تخلى " عن شريط أرضي ضيق جنوب خط الخارجية السابق، فانه كان لا يزال يترك الحواف الجنوبية للكثبان الرملية العظيمة إلى الجنوب منه. ومن الواضح هنا أن مثل هذه المرونة التكتيكية تجسد اهتمام لندن المستمر بإبقاء مساحات شاسعة ضمن محمية عدن، سعياً وراء مكاسب نفطية محتملة.
خط الرياض (خط رايان، تشري
الرياض تلمّح إلى إمكانية تعديل خط حمزة
كان ذلك الخط يمثل بالنسبة إلى الرياض الحد الأدنى من مطالبها المعقولة، التي كانت تستند إلى انفرادها بممارسة بعض مظاهر السيادة على بعض قبائل وعشائر تخومها الجنوبية. والحق أن الرياض كانت ميالة إلى الوصول إلى حل منصف، في حين أن الطرف الأخر لم يكن يشاطرها ـ فيما يبدو ـ الاهتمام نفسه. فعلى سبيل المثال، لمح فؤاد حمزة بعد فترة قصيرة من تقديم اقتراحه إلى موافقة حكومته على حل وسط بين اقتراحها والاقتراح البريطاني الأخير، غير أن لندن تجاهلت ذلك. وكما كانت الحال في التخوم السعودية الشرقية، أسف البريطانيون فيما بعد لتجاهلهم ذلك الموفق السعودي المرن. والحق أن عدم اضطرارهم إلى اللجوء إلى الخيار التحكيمي أو القضائي على التخوم السعودية الجنوبية أخفى موقفهم الحرج لفترة ليست بالقصيرة([xix]).
اقتراح الخارجية (تموز /يوليو1935)
شرعت الخارجية البريطانية في إعادة تقييم الموقف البريطاني بخصوص ذلك النزاع، في ضوء الأدلة التفصيلية التي قدمتها الرياض والتي دعمتها جزئياً شهادات بعض الرحالة واعترافات بعض مسؤولي حكومة عدن نفسها، الأمر الذي أدى إلى إضعاف موقف لندن بصورة سافرة. وعلى صعيد آخر، كانت الخارجية البريطانية مهتمة بالحفاظ على صداقة العاهل السعودي في وقت تزايدت خلاله النشاطات الإيطالية في اليمن ومنطقة جنوب حوض البحر الأحمر.
في تموز /يوليو1935، اقترحت الخارجية خطاً مستقيماً يمتد من تقاطع دائرة عرض 18شمالاً مع الخط البنفسجي، حتى تقاطع دائرة عرض 20شمالاً مع خط طول 55شرقاً([xx]). والحق انه على الرغم من أن هذا الاقتراح كان أكثر واقعية من مواقف حكومة عدن المتصلبة، فقد ظل بعيداً عن تلبية الحد الأدنى من المطالب السعودية بسبب اقتطاعه جزءاً لا بأس فيه من الحواف الجنوبية لكثبان الربع الخالي ليبقيه ضمن محمية عدن.
اقتراح عدن الثاني (آب /أغسطس1935)
تدخلت عدن، مرة أخرى، في الحوار الذي كان يدور بين عدن إدارات بريطانية حول تخومها الشمالية. فلقد تقدمت في صيف 1935باقتراح وتوصية. كان الاقتراح هو إلاّ يقل الخط المقترح عن دائرة عرض 18شمالاً؛ أما التوصية فقد ذهبت أبعد من ذلك بالتمني على أن يتضمن الخط المقترح الشريط الصحراوي الذي يقع جنوب كثبان الربع الخالي، والذي يشكل ـ بحسب وجهة نظرها ـ جزءاً من دير قبائل " تابعة " لها مثل المناهل والصيعر. بل أن عدن فضلت أن يتضمن مثل هذا الخط ما عرضه عشرون ميلاً من تلك الكثبان.
بررت حكومة عدن مطلبها بالإعراب من اقتناعها بأن دير قبائل " تابعة " لها، مثل الصيعر والعوامر والمناهل والمهرة، تشمل السهوب التي تفصل الربع الخالي عن عمق الأراضي الحضرمية. بل أن الحواف الجنوبية للربع الخالي نفسه تنتمي ـ بحسب وجهة نظر حكومة عدن ـ إلى بعض تلك القبائل " المناهل والصعير على وجه التحديد "أكثر من انتهائها إلى غيرها من القبائل التي طالب السعوديون بها، مثل يام والمرة والرواشد. وبالتوغل في عمق الصحراء الرملية، كان لحكومة عدن رأي ـ يعوزه الكثير من الدقة ـ يتمثّل في اعتبار عدد من الآبار الجنوبية التي ادعاها فؤاد حمزة لقبيلة المرة منطقة مشتركة لجميع القبائل المعنية، بزعم أن القبائل التابعة لعدن ترتادها بالقدر الذي ترتادها به القبائل السعودية. كان تكتيك سلطات عدن، كما هو واضح. يتمثل ف تمييع مفهوم الديرة القبلي ـ والذي قام على أساسه الاقتراح السعودي الأخير ـ بهدف تثبيت سيطرة حكومة عدن على الحواف الجنوبية لتلك الصحراء، وإبعاد السعوديين إلى الشمال قدر المستطاع ([xxi]).
اقتراح وزارة المستعمرات (تشرين الأول /أكتوبر 1935)
في ضوء اعتراف لندن بأن أغلبية الآبار التي تضمنتها القائمة السعودية السالفة الذكر تابعة للمرة فعلاً، سعت لرسم إطار عام لديرة هذه القبيلة، " منحتها " بموجبه سبخة مجورة، على التخوم السعودية ـ العمانية، وآبار الشنا. وعلى الرغم من إقرار وزارة المستعمرات بذلك، فقد نادت بخط يقارب ديرة تلك القبيلة من دون أن يطابقها تماماً. كان هذا الاقتراح يقضي بأن يمتد الخط الحدودي المستهدف من تقاطع الخط البنفسجي مع دائرة عرض 18شمالاً، حتى تقاطع خط طول 52 شرقاً مع دائرة عرض19شمالاً؛ ومن ثم إلى تقاطع خط طول 54شرقاً مع دائرة عرض 20 شمالاً. وقد وصف وزير الدولة للمستعمرات هذا العرض بأنه نهائي ومعقول ويتسم بالكرم !وفي الوقت ذاته، اقترح تقديم مطالب توسعية لمصلحة الشيوخ المرتبطين ببريطانيا باتفاقيات حمائية كي تمثل عوائق " صلبة " أمام المطالب السعودية القائمة أو أي مطالب أخرى مستجدة ([xxii]). وفي حين أن الخط الجديد " تخلى " عن شريط أرضي ضيق جنوب خط الخارجية السابق، فانه كان لا يزال يترك الحواف الجنوبية للكثبان الرملية العظيمة إلى الجنوب منه. ومن الواضح هنا أن مثل هذه المرونة التكتيكية تجسد اهتمام لندن المستمر بإبقاء مساحات شاسعة ضمن محمية عدن، سعياً وراء مكاسب نفطية محتملة.
خط الرياض (خط رايان، تشري
ن الثاني / نوفمبر 1935)
كان واضحاً أن قوة خط حمزة تفرض على بريطانيا التقدم باقتراح مضاد بصورة رسمية لتحسين موقفها التفاوضي الذي كان لا يزال ضعيفاً من الناحية القانونية، وذلك باعتماده رسمياً على الخطين البنفسجي والأزرق. كانت بعثة رايان إلى الرياض محاولة لتقديم اقتراح جديد يتسم بالجدية. وقد امتد خط رايان ـ فيما يتعلق بالتخوم السعودية الجنوبية ـ من نقطة تقاطع دائرة عرض 18 شمالاً مع الخط البنفسجي، حتى نقطة تقاطع دائرة 19شمالاً مع خط طول 53شرقاً؛ ومن هناك إلى تقاطع دائرة عرض 20 شمالاً مع خط طول 55شرقاً، ومع أن خط رايان Ryan))"ترك " شريطاً ضيقاً من الأرض إلى الجنوب من اقتراح وزارة المستعمرات السابق الاشارة اليه، فانه لم يخرج عن الإطار العام لمجمل الاقتراحات البريطانية السابقة، وهو الإطار الذي قضى بإبقاء الحواف الجنوبية لكثبان الرملية العظمية ضمن محمية عدن. وبالتحديد، ترك خط الرياض شريطاً يتراوح عرضه بين عشرين إلى ثلاثين ميلاً من تلك الكثبان ضمن المحمية([xxiii]).
في عمق الأراضي الحضرمية، كان الطرفان جادين لتثبت من دعاواهما بناء على معلومات ميدانية. ففي كانون الثاني /يناير 1937، عرض البريطانيون أمام فؤاد حمزة خريطة قبلية لمناطق النزاع المشتركة في التخوم الحضرمية ـ السعودية. كانت وجهة النظر البريطانية تقوم على أن خط حمزة، حيث يقترب كثيراً من البحر في منطقة المهرة، يقتطع أراضي ومجموعات سكانية تابعة لقبائل عدنية. وبصورة تفصيلية، تم البحث في أربعة مواقع آبار إلى الشمال من ذلك الخط، هي تضو وشيصور وسناو وثمود، بهدف التحقق من تبعيتها القبلية. كان ذلك الأمر ـ كما أقرّت الرياض ـ خاضعاً للبحث الميداني، الأمر الذي كان يتيح إمكانيات أخرى، من بينها استفتاء السكان المعنيين ([xxiv]).
اقتراح عدن الثالث (صيف 1937)
اتجهت لندن في تلك الفترة إلى قصر مطالباتها على الأراضي التي ترتكز دعاوى القبائل الحضرمية بشأنها على أسس راسخة. كان ذلك يعني التخلي عن أحد أهم العوامل التي أدّت إلى تشدّد ـ واعتباطية إلى حد ما ـ المطالب والاقتراحات البريطانية السابقة ,ووفق النهج الجديد، كان الاتجاه هو نحو التخلي عن فكرة إبعاد السلطة السعودية عن مناطق لم تتقرر ملكيتها بشكل واضح؛ ولذلك طلبت وزارة المستعمرات من حكومة عدن التفكر في إمكانية " التخلي " عن مزيد من الأراضي بين دائرتي عرض 17و18شمالاً، وخصوصاً غرب خط طول 51شرقاً. جسد ذلك التوجه الجديد اقتراب لندن أكثر قليلاً من تصور حل أكثر واقعية، يترك الكثبان الرملية العظيمة إلى الشمال من الخط المستهدف.
وكما يحدث بين الإدارات البيروقراطية، التي ينظر كل منها إلى أي موضوع من زاويته الخاصة، أفرغت حكومة عدن حماسة وزارة المستعمرات من محتواها باقتراح جديد لم يتضمن إلاّ تنازلاً محدوداً، مقارنة بالاقتراحات البريطانية السابقة. وقد تخلى الاقتراح الجديد عن قطاع أرضي عرضه عشرون إلى ثلاثين ميلاً على امتداد جبهة يصل طولها إلى ثلاثمئة ميل. كان هذا يعيني أن يمتد الخط الحدودي المقترح من تقاطع الخط البنفسجي مع خط طول 48شرقاً إلى نقطة ما على خط الطول 2و52 شرقاً جنوب دائرة عرض 19شمالاً. لم يكن وزير المستعمرات متحمساً لهذا " التنازل " المحدود في منطقة مقفرة لن يرى العاهل السعودي ـ في تقدير الوزير ـ فيها قيمة تذكر. والحق أن الاقتراح الجديد لم يمس السهوب الممتدة بين خطي طول 25و48شرقاً، بما فيها آبار سناو وثمود، والتي كانت أكثر المناطق إثارة للنزاع. وعلى أي حال، لم يقدَّم هذا الاقتراح إلى الرياض، مثله مثل أغلب الاقتراحات السابقة، حيث أن وزارة الخارجية البريطانية فضلت عدم إثارة موضوع الحدود الجنوبية السعودية في وقت كان البلدان قد وجّها جل اهتمامهما نحو التخوم السعودية الشرقية ([xxv]).
والحق أن هذا الاقتراح كان أبعد كثيراً مما كان نطاق السيادة البريطانية قد وصل إليه فعلاً؛ ولذلك شددت وزارة المستعمرات على ضرورة جمع معلومات مفصلة عن منطقة التخوم وممارسة السلطة البريطانية عليها بطريقة أكثر ثباتاً من أجل تقوية موقف لندن في أي مطالبات لاحقة. وهكذا ظلت السلطة البريطانية تنتشر ببطء في قفار لم تكن قد أعطتها كثير اهتمام من قبل. وعلى الرغم من ذلك، ومع تجمع سحب الحرب العالمية الثانية، دخل هذا النزاع مرحلة سكون، فتوقفت المفاوضات والاقتراحات المتضادة.
اتفاق التوزيع السياسي للقبائل (آب/أغسطس1948)
يبدو من عرض الاقتراحات السابقة أن الاقتراب من حل وسط لذلك النزاع المطول لم يكن أمراً بعيد المنال. ففي الوقت الذي اتجهت مطالب الطرفين بخصوص التخوم السعودي الشرقية إلى التباعد في نهاية عقد الأربعينات، كان نزاعهما الحدودي الجنوبي يجري على وتيرة مختلفة نوعاًً ما. ففي خطوة مهمة على طريق حلحلة النزاع الأخير، عقد الطرفان اتفاقية في العبر لتسوية مسائل الغارات والتعويضات القبلية. وكان أبرز ما تمخضت عنه تلك الاتفاقية هو توزيع الولاءات السياسية لقبائل التخوم بينهما. فلقد ع
كان واضحاً أن قوة خط حمزة تفرض على بريطانيا التقدم باقتراح مضاد بصورة رسمية لتحسين موقفها التفاوضي الذي كان لا يزال ضعيفاً من الناحية القانونية، وذلك باعتماده رسمياً على الخطين البنفسجي والأزرق. كانت بعثة رايان إلى الرياض محاولة لتقديم اقتراح جديد يتسم بالجدية. وقد امتد خط رايان ـ فيما يتعلق بالتخوم السعودية الجنوبية ـ من نقطة تقاطع دائرة عرض 18 شمالاً مع الخط البنفسجي، حتى نقطة تقاطع دائرة 19شمالاً مع خط طول 53شرقاً؛ ومن هناك إلى تقاطع دائرة عرض 20 شمالاً مع خط طول 55شرقاً، ومع أن خط رايان Ryan))"ترك " شريطاً ضيقاً من الأرض إلى الجنوب من اقتراح وزارة المستعمرات السابق الاشارة اليه، فانه لم يخرج عن الإطار العام لمجمل الاقتراحات البريطانية السابقة، وهو الإطار الذي قضى بإبقاء الحواف الجنوبية لكثبان الرملية العظمية ضمن محمية عدن. وبالتحديد، ترك خط الرياض شريطاً يتراوح عرضه بين عشرين إلى ثلاثين ميلاً من تلك الكثبان ضمن المحمية([xxiii]).
في عمق الأراضي الحضرمية، كان الطرفان جادين لتثبت من دعاواهما بناء على معلومات ميدانية. ففي كانون الثاني /يناير 1937، عرض البريطانيون أمام فؤاد حمزة خريطة قبلية لمناطق النزاع المشتركة في التخوم الحضرمية ـ السعودية. كانت وجهة النظر البريطانية تقوم على أن خط حمزة، حيث يقترب كثيراً من البحر في منطقة المهرة، يقتطع أراضي ومجموعات سكانية تابعة لقبائل عدنية. وبصورة تفصيلية، تم البحث في أربعة مواقع آبار إلى الشمال من ذلك الخط، هي تضو وشيصور وسناو وثمود، بهدف التحقق من تبعيتها القبلية. كان ذلك الأمر ـ كما أقرّت الرياض ـ خاضعاً للبحث الميداني، الأمر الذي كان يتيح إمكانيات أخرى، من بينها استفتاء السكان المعنيين ([xxiv]).
اقتراح عدن الثالث (صيف 1937)
اتجهت لندن في تلك الفترة إلى قصر مطالباتها على الأراضي التي ترتكز دعاوى القبائل الحضرمية بشأنها على أسس راسخة. كان ذلك يعني التخلي عن أحد أهم العوامل التي أدّت إلى تشدّد ـ واعتباطية إلى حد ما ـ المطالب والاقتراحات البريطانية السابقة ,ووفق النهج الجديد، كان الاتجاه هو نحو التخلي عن فكرة إبعاد السلطة السعودية عن مناطق لم تتقرر ملكيتها بشكل واضح؛ ولذلك طلبت وزارة المستعمرات من حكومة عدن التفكر في إمكانية " التخلي " عن مزيد من الأراضي بين دائرتي عرض 17و18شمالاً، وخصوصاً غرب خط طول 51شرقاً. جسد ذلك التوجه الجديد اقتراب لندن أكثر قليلاً من تصور حل أكثر واقعية، يترك الكثبان الرملية العظيمة إلى الشمال من الخط المستهدف.
وكما يحدث بين الإدارات البيروقراطية، التي ينظر كل منها إلى أي موضوع من زاويته الخاصة، أفرغت حكومة عدن حماسة وزارة المستعمرات من محتواها باقتراح جديد لم يتضمن إلاّ تنازلاً محدوداً، مقارنة بالاقتراحات البريطانية السابقة. وقد تخلى الاقتراح الجديد عن قطاع أرضي عرضه عشرون إلى ثلاثين ميلاً على امتداد جبهة يصل طولها إلى ثلاثمئة ميل. كان هذا يعيني أن يمتد الخط الحدودي المقترح من تقاطع الخط البنفسجي مع خط طول 48شرقاً إلى نقطة ما على خط الطول 2و52 شرقاً جنوب دائرة عرض 19شمالاً. لم يكن وزير المستعمرات متحمساً لهذا " التنازل " المحدود في منطقة مقفرة لن يرى العاهل السعودي ـ في تقدير الوزير ـ فيها قيمة تذكر. والحق أن الاقتراح الجديد لم يمس السهوب الممتدة بين خطي طول 25و48شرقاً، بما فيها آبار سناو وثمود، والتي كانت أكثر المناطق إثارة للنزاع. وعلى أي حال، لم يقدَّم هذا الاقتراح إلى الرياض، مثله مثل أغلب الاقتراحات السابقة، حيث أن وزارة الخارجية البريطانية فضلت عدم إثارة موضوع الحدود الجنوبية السعودية في وقت كان البلدان قد وجّها جل اهتمامهما نحو التخوم السعودية الشرقية ([xxv]).
والحق أن هذا الاقتراح كان أبعد كثيراً مما كان نطاق السيادة البريطانية قد وصل إليه فعلاً؛ ولذلك شددت وزارة المستعمرات على ضرورة جمع معلومات مفصلة عن منطقة التخوم وممارسة السلطة البريطانية عليها بطريقة أكثر ثباتاً من أجل تقوية موقف لندن في أي مطالبات لاحقة. وهكذا ظلت السلطة البريطانية تنتشر ببطء في قفار لم تكن قد أعطتها كثير اهتمام من قبل. وعلى الرغم من ذلك، ومع تجمع سحب الحرب العالمية الثانية، دخل هذا النزاع مرحلة سكون، فتوقفت المفاوضات والاقتراحات المتضادة.
اتفاق التوزيع السياسي للقبائل (آب/أغسطس1948)
يبدو من عرض الاقتراحات السابقة أن الاقتراب من حل وسط لذلك النزاع المطول لم يكن أمراً بعيد المنال. ففي الوقت الذي اتجهت مطالب الطرفين بخصوص التخوم السعودي الشرقية إلى التباعد في نهاية عقد الأربعينات، كان نزاعهما الحدودي الجنوبي يجري على وتيرة مختلفة نوعاًً ما. ففي خطوة مهمة على طريق حلحلة النزاع الأخير، عقد الطرفان اتفاقية في العبر لتسوية مسائل الغارات والتعويضات القبلية. وكان أبرز ما تمخضت عنه تلك الاتفاقية هو توزيع الولاءات السياسية لقبائل التخوم بينهما. فلقد ع
ُرفت قبائل كرب والصيعر ونهد والكثيري " بني بدر " والعوامر والمناهل والمهرة وشيوخ البريك على إنها قبائل حضرمية؛ بينما سميت قبائل يام والدواسر وقحطان على إنها قبائل سعودية([xxvi]). ترجع أهمية تلك الاتفاقية إلى كونها وضعت إطاراً عاماً للتسوية يحاكي إطار اتفاقية المحمرة التي مهدت للتسوية الحدودية السعودية ـ العراقية؛ غير إنها لم تكن كافية بحد ذاتها للوصول إلى حل نهائي؛ فقد كان الأمر يحتاج إلى التوافق على عدة مفاهيم جوهرية وخطوات إجرائية محددة.
كان من الضروري تحديد معنى الديرة القبلية، وهو أمر لم يكن البريطانيون قد استوعبوه تماماً، أو أنهم فضلوا تمييعه عن طريق الخلط بين مفهوم الديرة القبلية وأنماط تنقلات القبائل عبر دير بعضها، وكان هناك غموض ـ وخصوصاً على الجانب البريطاني ـ بشأن تبعية بعض الآبار والمراعي الواقعة في جنوب الربع الخالي. ففي حين حصرتها المذكرة السعودية المقدمة في 1935في قبيلة المرة، أشركت تقارير بريطانية فيها قبائل حضرمية. وكانت محصلة ذلك أن الطرفين كانا لا يزالان مختلفين حول التبعية القبيلة، ومن ثم السياسية، لمنطقة صحراوية تمتد إلى دائرة عرض 20شمالاً.
ومن الناحية أخرى، كان من المحتم القبول بأن يكون مفهوم الديرة القبيلة أساساً رئيسياً، أو أحد الأسس الرئيسية، للخط الحدودي المستهدف. ففي حين يعد هذا المفهوم الركيزة الأساسية للموقف السعودي، فإن البريطانيين اتجهوا ـ مضطرين ـ نحو القبول به إطاراً عاماً، دون التقيد الحرفي به؛ بمعنى أنهم لم يروا ضرورة لتطابق الخط الحدودي المستهدف مع دير القبائل المعنية.
الرياض تطرح الحد الأقصى لمطالبها الحدودية
في أعقاب الحرب العالمية الثانية، طرحت الرياض الحد الأقصى لمطالبها على تخومها الشرقية، وأعلنت أنها في صدد مراجعة مطالبها الحدودية في تخومها الجنوبية. وفي السياق نفسه، رفض أحد كبار المسؤولين السعوديين الدخول مع السفير البريطاني في نقاش بشأن النزاع الحدودي السعودي ـ العدني، متحاشياً إعطاء أي انطباع بان حكومته تشك للحظة في سيادتها على كامل المنطقة محل النزاع. وبدا المسؤول السعودي واثقاً بأن سيادة بلاده على تلك المنطقة، التي شهدت مواجهات عدة بين ممثلي الشركات والحكومات المعنية، أمر واقع يمارس ومقبول ولا يمكن تحديه. وهكذا، واعتماداً ـ فيما يبدو ـ على ترجبتها على تخومها الشرقية، تبنّت الرياض موقفاً مؤداه التقليل من أهمية النزاع على تخومها الجنوبية. لا بد أن الموقف السعودي آنذاك قد أثار حيرة حكومتي عدن ولندن أكثر من ذي قبل، لأنه كان يرسم ملامح خيار سعودي جديد حده الأدنى خط حمزة، بينما يصل حده الأعلى إلى ما هو أبعد من ذلك كثيراً، أخذاً في الاعتبار مذكرة سعودية تعود إلى 1934، اعتبرت فيها الرياض إنها تمارس سيادتها فعلاً على قبائل حضرموت بعدة أوجه، مثل دفعها للزكاة وخضوعها للقوانين السعودية وتلبيتها نداء الجهاد([xxvii]).
خط أم الصميم ـ الريان (1949)
كانت لندن ـ التي ألفت نفسها منجرة، في خضم نزاعها الحدودي مع الرياض على التخوم السعودية الشرقية، نحو خطوات دبلوماسية وتحكيمية لم تكن تجري لمصلحتها ـ قد وجدت في سياسية التسويف أسلوباً لتحاشي وضع النزاع بشأن التخوم السعودية الجنوبية على طريق مماثل. لكن الحقائق على الأرض كانت تكشف باطراد أن السباق على نشر علامات السيادة على البشر والأرض بين الرياض وعدن لم يكن يجري لمصلحة الأخيرة. ولذلك بدأت السلطات البريطانية المختصة الاستعداد لمرحلة صعبة قادمة. في هذا السياق، تمنى أحد كبار مسؤولي حكومة عدن في 1954على لندن التراجع عن خط التحول البطيء في سياستها والتي كانت تستهدف البحث عن حل دبلوماسي لحدود المحمية الشمالية، والتي تمثلت أساساً في خط الرياض، وهو الاقتراح الوحيد الذي سبق أن قدم إلى الجانب السعودي بصورة رسمية.
وفي الوقت نفسه، شرعت عدن في التفكر في اقتراح جديد يمثل الحد الأقصى من مطالبها بخصوص تخومها الشمالية كلها. كانت النتيجة رسم خط يبدأ من نقطة تقاطع طول 56شرقاً مع دائرة عرض 30و21 شمالاً ليمتد غرباً في اتجاه جبل الريان حتى يتقاطع مع الخط البنفسجي([xxviii]). بررت حكومة عدن مطالبها الجديدة المتشددة، التي كانت أكثر تصلباً من معظم الاقتراحات السابقة "وخصوصاً خط الرياض، بل والخط البنفسجي في الأرجاء الغربية من التخوم المشتركة "، بزعم أن أدلة جديدة توفرت لديها تثبت أن جميع الأراضي الواقعة جنوب خطها الجديد تعود لقبائل موالية لها. والحق أن خط أم الصميم ـ الريان، الذي لم يقم على أساس صلب قبلياً وقانونياً، لم يكن ـ فيما يبدو ـ أكثر من خطوة تكتيكية لتعزيز الموقف البريطاني التفاوضي، في ضوء عزم الرياض توسيع مطالبها.
العودة إلى الخط البنفسجي
عادت لندن بعد ذلك إلى التمسك بالخط البنفسجي كخط دفاع أخير، في محاولة يائسة لتقوية موقفها في أي مفاوضات لاحقة، على الرغم من إقرار مسؤولين بريطانيين معنيين بحراجة موقفهم الجديد، الذي وجدوا فيه أنفسهم يطالبون في منتصف
كان من الضروري تحديد معنى الديرة القبلية، وهو أمر لم يكن البريطانيون قد استوعبوه تماماً، أو أنهم فضلوا تمييعه عن طريق الخلط بين مفهوم الديرة القبلية وأنماط تنقلات القبائل عبر دير بعضها، وكان هناك غموض ـ وخصوصاً على الجانب البريطاني ـ بشأن تبعية بعض الآبار والمراعي الواقعة في جنوب الربع الخالي. ففي حين حصرتها المذكرة السعودية المقدمة في 1935في قبيلة المرة، أشركت تقارير بريطانية فيها قبائل حضرمية. وكانت محصلة ذلك أن الطرفين كانا لا يزالان مختلفين حول التبعية القبيلة، ومن ثم السياسية، لمنطقة صحراوية تمتد إلى دائرة عرض 20شمالاً.
ومن الناحية أخرى، كان من المحتم القبول بأن يكون مفهوم الديرة القبيلة أساساً رئيسياً، أو أحد الأسس الرئيسية، للخط الحدودي المستهدف. ففي حين يعد هذا المفهوم الركيزة الأساسية للموقف السعودي، فإن البريطانيين اتجهوا ـ مضطرين ـ نحو القبول به إطاراً عاماً، دون التقيد الحرفي به؛ بمعنى أنهم لم يروا ضرورة لتطابق الخط الحدودي المستهدف مع دير القبائل المعنية.
الرياض تطرح الحد الأقصى لمطالبها الحدودية
في أعقاب الحرب العالمية الثانية، طرحت الرياض الحد الأقصى لمطالبها على تخومها الشرقية، وأعلنت أنها في صدد مراجعة مطالبها الحدودية في تخومها الجنوبية. وفي السياق نفسه، رفض أحد كبار المسؤولين السعوديين الدخول مع السفير البريطاني في نقاش بشأن النزاع الحدودي السعودي ـ العدني، متحاشياً إعطاء أي انطباع بان حكومته تشك للحظة في سيادتها على كامل المنطقة محل النزاع. وبدا المسؤول السعودي واثقاً بأن سيادة بلاده على تلك المنطقة، التي شهدت مواجهات عدة بين ممثلي الشركات والحكومات المعنية، أمر واقع يمارس ومقبول ولا يمكن تحديه. وهكذا، واعتماداً ـ فيما يبدو ـ على ترجبتها على تخومها الشرقية، تبنّت الرياض موقفاً مؤداه التقليل من أهمية النزاع على تخومها الجنوبية. لا بد أن الموقف السعودي آنذاك قد أثار حيرة حكومتي عدن ولندن أكثر من ذي قبل، لأنه كان يرسم ملامح خيار سعودي جديد حده الأدنى خط حمزة، بينما يصل حده الأعلى إلى ما هو أبعد من ذلك كثيراً، أخذاً في الاعتبار مذكرة سعودية تعود إلى 1934، اعتبرت فيها الرياض إنها تمارس سيادتها فعلاً على قبائل حضرموت بعدة أوجه، مثل دفعها للزكاة وخضوعها للقوانين السعودية وتلبيتها نداء الجهاد([xxvii]).
خط أم الصميم ـ الريان (1949)
كانت لندن ـ التي ألفت نفسها منجرة، في خضم نزاعها الحدودي مع الرياض على التخوم السعودية الشرقية، نحو خطوات دبلوماسية وتحكيمية لم تكن تجري لمصلحتها ـ قد وجدت في سياسية التسويف أسلوباً لتحاشي وضع النزاع بشأن التخوم السعودية الجنوبية على طريق مماثل. لكن الحقائق على الأرض كانت تكشف باطراد أن السباق على نشر علامات السيادة على البشر والأرض بين الرياض وعدن لم يكن يجري لمصلحة الأخيرة. ولذلك بدأت السلطات البريطانية المختصة الاستعداد لمرحلة صعبة قادمة. في هذا السياق، تمنى أحد كبار مسؤولي حكومة عدن في 1954على لندن التراجع عن خط التحول البطيء في سياستها والتي كانت تستهدف البحث عن حل دبلوماسي لحدود المحمية الشمالية، والتي تمثلت أساساً في خط الرياض، وهو الاقتراح الوحيد الذي سبق أن قدم إلى الجانب السعودي بصورة رسمية.
وفي الوقت نفسه، شرعت عدن في التفكر في اقتراح جديد يمثل الحد الأقصى من مطالبها بخصوص تخومها الشمالية كلها. كانت النتيجة رسم خط يبدأ من نقطة تقاطع طول 56شرقاً مع دائرة عرض 30و21 شمالاً ليمتد غرباً في اتجاه جبل الريان حتى يتقاطع مع الخط البنفسجي([xxviii]). بررت حكومة عدن مطالبها الجديدة المتشددة، التي كانت أكثر تصلباً من معظم الاقتراحات السابقة "وخصوصاً خط الرياض، بل والخط البنفسجي في الأرجاء الغربية من التخوم المشتركة "، بزعم أن أدلة جديدة توفرت لديها تثبت أن جميع الأراضي الواقعة جنوب خطها الجديد تعود لقبائل موالية لها. والحق أن خط أم الصميم ـ الريان، الذي لم يقم على أساس صلب قبلياً وقانونياً، لم يكن ـ فيما يبدو ـ أكثر من خطوة تكتيكية لتعزيز الموقف البريطاني التفاوضي، في ضوء عزم الرياض توسيع مطالبها.
العودة إلى الخط البنفسجي
عادت لندن بعد ذلك إلى التمسك بالخط البنفسجي كخط دفاع أخير، في محاولة يائسة لتقوية موقفها في أي مفاوضات لاحقة، على الرغم من إقرار مسؤولين بريطانيين معنيين بحراجة موقفهم الجديد، الذي وجدوا فيه أنفسهم يطالبون في منتصف
الخمسينات بأراض سبق أن " تركوها " للرياض قبل عشرين سنة خلت. ولهذا ترددت لندن بين ذلك الخط العتيق وبين تعديلات تأخذ في الحسبان مفاهيم أخرى، مثل الولاءات القبلية، التي وصفها المسؤول نفسها بأنها أقوى نقطة للسعوديين ([xxix]).
الخط البريطاني المنفرد (1955)
في إثر انسحاب بريطانيا من عملية التحكيم الخاصة بنزاعها مع الرياض حول تخومها الشرقية " انظر المبحث السابع"، لجأت إلى فرض خط أمر واقع شمل التخوم الشرقية والجنوبية السعودية على حد سواء. امتد الجزء الجنوبي من خط 1955من نقطة تقاطع دائرة عرض 19شمالاً مع خط طول 52شرقاً وعلى امتداد الأطراف الجنوبية للكثبان الرملية، إلى تقاطع دائرة عرض 48و18 شمالاً مع خط طول 03و51شرقاً، ومن ثم إلى تقاطع دائرة عرض 10و18شمالاً مع خط طول 20و48شرقاً. يمتد خط 1955بعد ذلك في اتجاه جنوبي غربي حتى يلتقي مع الخط البنفسجي. غني عن الذكر ان الحكومة السعودية ـ التي أبلغت بهذا الخط رسمياً ـ رفضت الاعتراف به وبأية إجراءات ناجمة عنه ([xxx]). وضع ذلك الإجراء التحكيمي نهاية للتواصل الدبلوماسي السعودي ـ البريطاني حول التخوم السعودية الجنوبية، ولهذا ظل ذلك النزاع خامداً حتى انسحاب بريطانيا من جنوب شبه الجزيرة العربية.
الرياض تعيد التمسك بخط حمزة
غلبت الصبغة الدبلوماسية على هذا النزاع لثلاثة عقود ونيف؛ غير انه مع نشأة دولة اليمن الجنوبية الجديدة في 1968، أضيف بعدُ أيديولوجي إلى ذلك النزاع الخامد، الأمر الذي نقله إلى طور جديد عكس التوتر المتصاعد الذي شاب علاقة الرياض بجارها الجنوبي الجديد. فبعد وقت قصير من نشأة اليمن الجنوبي، وعلى الرغم من حداثة مؤسساته السياسية والعسكرية، اشتعلت أحداث الوديعة " تشرين الثاني /نوفمبرـ كانون الأول / ديسمبر 1969". وقد اعتبرت حكومة عدن خلال تلك الأحداث أن الكرب والصيعر تابعتان لها، الأمر الذي يجعل الوديعة ضمن أراضيها. وجدير بالذكر أن سكان الوديعة ـ التي ربما جاز لنا أن نعتبرها أقصى موقع سعودي في منطقة التخوم الجنوبية وتبعد عن نجران نحو 370كيلاًـأفراد من قبيلة الصيعر التي عمرتها خلال 1954، بينما عمرت الكرب شرورة التي يفصلها عن الوديعة نحو 50كيلاً. والقبيلتان اختارتا الرعوية السعودية وخضعتا للسلطات السعودية في شرورة، وهما تدافعان عن هذه المنطقة. وقد استنتج أحد ابرز المختصين بالنزاعات الحدودية العربية من إشارة بيان سعودي إلى كون الوديعة تقع شمال الخط البنفسجي، أن الرياض تعترف واقعياً بذلك الخط في تلك المنطقة بالتحديد. والحق أن محاولة الربط بين تحركات القبائل المعنية وخط وهمي عفا عليه الزمن قد تبدو متعجلة ([xxxi]).
على الرغم من أن تلك الأحداث كانت استثناء لم يعكر الطابع السلمي العام لذلك النزاع الحدودي، فإن علاقة الرياض بعدن لم تكن تسمح باستئناف المفاوضات التي انقطعت منذ منتصف الخمسينات، فظل ذلك النزاع خامداً. خلال السنين اللاحقة، عكست خرائط أصدرها الطرفان موقفيهما الرسميين الأخيرين. فعلى سبيل المثال، أظهرت خريطة سعودية تعود إلى 1986تمسك الرياض رسمياً بخط حمزة الذي سبق أن أكدته مذكرة وزارة الخارجية السعودية "تشرين الأول/ أكتوبر 1955".
مذكرة التفاهم السعودية ـ اليمنية (1994)
كانت إعادة فتح هذا الملف الحدودي تنتظر حدوث تغير سياسي حاسم يتيح التعامل مع قضاياه المعقدة بأسلوب إيجابي. شكلت الوحدة اليمنية خطوة مهمة على هذا الطريق بالنظر إلى تولي صنعاء، وهي التي تربطها بالرياض علاقة جيدة، هذا الملف، في غمرة أوضاع سياسية اقتصادية مستجدة خلّفتها الحرب الانفصالية وتداعياتها. فقد أدت المشكلات التنموية التي تفاقمت بعد الحرب إلى اقتناع النخبة السياسية اليمنية بصورة خاصة، والرأي العام اليمني بصورة عامة ـ كما يبدو ـ بإقفال الملف الحدودي مع جارتهم الكبرى. وفي هذه الظروف، وقعت الرياض وصنعاء في شباط /فبراير 1995مذكرة تفاهم كرست خط 1934الحدودي ودشنت ست لجان لحل جميع القضايا الحدودية والسياسية العالقة. لا تزال التخوم البرية الطويلة الممتدة من النقطة التي وقف عندها خط 1934حتى عقدة التقاء الحدود المستهدفة لليمن والسعودية وعمان هي الموضوع الأبرز للمفاوضات الدائرة حالياً.
ظل المسؤولون في البلدين يحيطون مفاوضاتهم الثنائية بقدر كبير من التعتيم الإعلامي وسط جو تفاؤلي عام، غير أن المفاوضات التي دارت على مستوى اللجان واجهت صعوبات وتباينات ما لبثت أن طفت على السطح منذ أواخر 1994. وأدى ذلك إلى اتخاذ قرار برفع مستوى التفاوض. ففي آب / أغسطس 1997، اتفق الطرفان في أثناء زيارة للأمير سلطان بن عبد العزيز لصنعاء، على "التعجيل بحل قضية الحدود عبر المفاوضات الثنائية على أعلى المستويات ". غير أن ذلك لم يحل دون استمرار التباينات في مواقف الطرفين. فعلى سبيل المثال، نصت المادة الخامسة من مذكرة التفاهم على عدم جواز قيام الطرفين باستحداث أي منشآت في منطقة التخوم. وقد أكد اجتماع الجولة الأولى للجنة العليا المشتركة واجتماع الجولة
الخط البريطاني المنفرد (1955)
في إثر انسحاب بريطانيا من عملية التحكيم الخاصة بنزاعها مع الرياض حول تخومها الشرقية " انظر المبحث السابع"، لجأت إلى فرض خط أمر واقع شمل التخوم الشرقية والجنوبية السعودية على حد سواء. امتد الجزء الجنوبي من خط 1955من نقطة تقاطع دائرة عرض 19شمالاً مع خط طول 52شرقاً وعلى امتداد الأطراف الجنوبية للكثبان الرملية، إلى تقاطع دائرة عرض 48و18 شمالاً مع خط طول 03و51شرقاً، ومن ثم إلى تقاطع دائرة عرض 10و18شمالاً مع خط طول 20و48شرقاً. يمتد خط 1955بعد ذلك في اتجاه جنوبي غربي حتى يلتقي مع الخط البنفسجي. غني عن الذكر ان الحكومة السعودية ـ التي أبلغت بهذا الخط رسمياً ـ رفضت الاعتراف به وبأية إجراءات ناجمة عنه ([xxx]). وضع ذلك الإجراء التحكيمي نهاية للتواصل الدبلوماسي السعودي ـ البريطاني حول التخوم السعودية الجنوبية، ولهذا ظل ذلك النزاع خامداً حتى انسحاب بريطانيا من جنوب شبه الجزيرة العربية.
الرياض تعيد التمسك بخط حمزة
غلبت الصبغة الدبلوماسية على هذا النزاع لثلاثة عقود ونيف؛ غير انه مع نشأة دولة اليمن الجنوبية الجديدة في 1968، أضيف بعدُ أيديولوجي إلى ذلك النزاع الخامد، الأمر الذي نقله إلى طور جديد عكس التوتر المتصاعد الذي شاب علاقة الرياض بجارها الجنوبي الجديد. فبعد وقت قصير من نشأة اليمن الجنوبي، وعلى الرغم من حداثة مؤسساته السياسية والعسكرية، اشتعلت أحداث الوديعة " تشرين الثاني /نوفمبرـ كانون الأول / ديسمبر 1969". وقد اعتبرت حكومة عدن خلال تلك الأحداث أن الكرب والصيعر تابعتان لها، الأمر الذي يجعل الوديعة ضمن أراضيها. وجدير بالذكر أن سكان الوديعة ـ التي ربما جاز لنا أن نعتبرها أقصى موقع سعودي في منطقة التخوم الجنوبية وتبعد عن نجران نحو 370كيلاًـأفراد من قبيلة الصيعر التي عمرتها خلال 1954، بينما عمرت الكرب شرورة التي يفصلها عن الوديعة نحو 50كيلاً. والقبيلتان اختارتا الرعوية السعودية وخضعتا للسلطات السعودية في شرورة، وهما تدافعان عن هذه المنطقة. وقد استنتج أحد ابرز المختصين بالنزاعات الحدودية العربية من إشارة بيان سعودي إلى كون الوديعة تقع شمال الخط البنفسجي، أن الرياض تعترف واقعياً بذلك الخط في تلك المنطقة بالتحديد. والحق أن محاولة الربط بين تحركات القبائل المعنية وخط وهمي عفا عليه الزمن قد تبدو متعجلة ([xxxi]).
على الرغم من أن تلك الأحداث كانت استثناء لم يعكر الطابع السلمي العام لذلك النزاع الحدودي، فإن علاقة الرياض بعدن لم تكن تسمح باستئناف المفاوضات التي انقطعت منذ منتصف الخمسينات، فظل ذلك النزاع خامداً. خلال السنين اللاحقة، عكست خرائط أصدرها الطرفان موقفيهما الرسميين الأخيرين. فعلى سبيل المثال، أظهرت خريطة سعودية تعود إلى 1986تمسك الرياض رسمياً بخط حمزة الذي سبق أن أكدته مذكرة وزارة الخارجية السعودية "تشرين الأول/ أكتوبر 1955".
مذكرة التفاهم السعودية ـ اليمنية (1994)
كانت إعادة فتح هذا الملف الحدودي تنتظر حدوث تغير سياسي حاسم يتيح التعامل مع قضاياه المعقدة بأسلوب إيجابي. شكلت الوحدة اليمنية خطوة مهمة على هذا الطريق بالنظر إلى تولي صنعاء، وهي التي تربطها بالرياض علاقة جيدة، هذا الملف، في غمرة أوضاع سياسية اقتصادية مستجدة خلّفتها الحرب الانفصالية وتداعياتها. فقد أدت المشكلات التنموية التي تفاقمت بعد الحرب إلى اقتناع النخبة السياسية اليمنية بصورة خاصة، والرأي العام اليمني بصورة عامة ـ كما يبدو ـ بإقفال الملف الحدودي مع جارتهم الكبرى. وفي هذه الظروف، وقعت الرياض وصنعاء في شباط /فبراير 1995مذكرة تفاهم كرست خط 1934الحدودي ودشنت ست لجان لحل جميع القضايا الحدودية والسياسية العالقة. لا تزال التخوم البرية الطويلة الممتدة من النقطة التي وقف عندها خط 1934حتى عقدة التقاء الحدود المستهدفة لليمن والسعودية وعمان هي الموضوع الأبرز للمفاوضات الدائرة حالياً.
ظل المسؤولون في البلدين يحيطون مفاوضاتهم الثنائية بقدر كبير من التعتيم الإعلامي وسط جو تفاؤلي عام، غير أن المفاوضات التي دارت على مستوى اللجان واجهت صعوبات وتباينات ما لبثت أن طفت على السطح منذ أواخر 1994. وأدى ذلك إلى اتخاذ قرار برفع مستوى التفاوض. ففي آب / أغسطس 1997، اتفق الطرفان في أثناء زيارة للأمير سلطان بن عبد العزيز لصنعاء، على "التعجيل بحل قضية الحدود عبر المفاوضات الثنائية على أعلى المستويات ". غير أن ذلك لم يحل دون استمرار التباينات في مواقف الطرفين. فعلى سبيل المثال، نصت المادة الخامسة من مذكرة التفاهم على عدم جواز قيام الطرفين باستحداث أي منشآت في منطقة التخوم. وقد أكد اجتماع الجولة الأولى للجنة العليا المشتركة واجتماع الجولة
السابعة للجنة العسكرية المشتركة هذا الأمر، وكذلك ـ في إشارة فيما يبدو إلى عدم الالتزام به ـ إزالة " أي استحداثات تمت من أي من الطرفين في المناطق الحدودية بعد توقيع مذكرة التفاهم "؛ غير أن هذه القضية ظلت ـ فيما يبدو ـ عالقة بحيث أن اللجنة العسكرية المشتركة اضطرت في جولتها التاسعة إلى إعادة تأكيدها، بل وزادت على ذلك ـ في دلالة مهمة على توتر الأوضاع في المناطق الحدودية ـ بالنص على " عدم استخدام القوة أو التهديد بها لحل أي خلاف ينشأ"([xxxii]).
وعلى صعيد الخط الحدودي المستهدف، أكمل الطرفان "مشواراً جيداً "رسماً" خلاله مسافة طويلة من الحدود "، غير أن خلافاتهما ثارت بشأن منطقة المهرة في أقصى الطرف الشرقي من تخومهما المشتركة ([xxxiii]). وقد لوح نائب الرئيس اليمني ـ في إطار ما يبدو انه مناورة للضغط على الرياض باللجوء إلى التحكيم ـ في حالة عدم قبول الأخيرة "بالتصور النهائي " فيما يتعلق بقضية الحدود المشتركة، والذي قدمه الرئيس اليمني للأمير سلطان بن عبد العزيز. وفي السياق نفسه، اقترح الرئيس اليمني تأجيل المفاوضات الحدودية " لفترة غير محددة "، متهماً الرياض بعدم توفر الرغبة والقناعة التامة بذلك. وردّت الرياض بتصريح هادئ أكدت فيه حرصها "على حل ما تبقى من خط الحدود مع الجمهورية اليمنية الشقيقة دون تأخير، خاصة أن المملكة العربية السعودية توصلت إلى حل معظم مواضيع الحدود مع الدول المجاورة لها بأسلوب ودي وأخوي"([xxxiv]). وعلى الرغم من توقف المفاوضات الحدودية بين الجانبين، فإن من المستبعد إلاّ يعودا إلى إكمال العمل المضني الذي أنجزاه في ظل توفر رغبة مشتركة في إقفال الملف الحدود بينهما بصورة نهائية. لقد ساد مبدأ الصفقات المتبادلة والمتوازنة التسويات التي أبرمتها الرياض مع جيرانها خلال الأعوام الثلاثين الماضية " الأردن وقطر 1965، عمان 1971، أبو ظبي 1974". ولهذا، فانه من المتوقع ألاّ تخرج التسوية الجديدة المنتظرة لهذا النزاع عن هذا النمط المتوازن.
يبدو أن مجموعة من العوامل ستؤثر على شكل التسوية القادمة. فقد مرت عدة عقود منذ بروز هذا النزاع إلى السطح ثم كمونه مرة أخرى، في وقت كانت الأطراف المعنية تواصل بناء وترسيخ وتوسيع المدى الإقليمي لمؤسساتها السياسية والإدارية والاقتصادية. ولقد شهدت السنوات اللاحقة تغيرات اجتماعية ـ سياسية مهمة فرضت واقعاً جديداً يستبعد أن تتجاهله أي تسوية لاحقة. ومن ذلك أن بعضاً من قبائل الصيعر والكرب التي اتفق الطرفان في 1949على اعتبارها تابعة لعدن، اختارت الرعوية السعودية استقرت في أراض سعودية " شرورة والوديعة "، وخضعت بالتالي للسيادة السعودية فترة طويلة ومتواصلة. ويفرض الواقع الجديد بعض التعقيدات التي من المفترض أن تكون ضمن جدول أعمال المفاوضات الحالية. فمثلاً، للصيعر والكرب آبار مشهورة "زمخ، منوخ " في الجانب اليمني من الحدود القائمة من الناحية الواقعية. وبالإضافة إلى ذلك، من المعروف أن كثيراً من أفراد قبيلة المهرة في أقصى شرق التخوم المشتركة يحملون هويات سعودية ([xxxv]).
ومن الناحية أخرى، زادت ضغوط المطالب التنموية من قبل قطاعات واسعة من المجتمع اليمني على النخبة السياسية الحاكمة. ولقد تأججت تلك المطالب بعد الوحدة اليمنية وما تلاها من حرب أهلية. في هذه الأجواء، تبدي صنعاء ـ كما يظهر ـ اهتماماً واضحاً بإيجاد صبغة ما لاستيعاب اليمن اقتصادياً وسياسياً ضمن المنظومة الخليجية ,وفي حين أن قضايا عدة لا تزال تحول دون تحقيق هذه الرغبة اليمنية فيما يبدو، فإن تسوية هذا النزاع الحدودي، وما سيفضي إليه من تمتين للعلاقات السعودية ـ اليمنية، سيؤدي إلى مزيد من التقارب بين اليمن الموحد والمنظومة الخليجية.
وعلى الصعيد نفسه، دار لفترة من الوقت، في غمرة المفاوضات الحدودية بين الطرفين، حديث هامس عن محاولة صنعاء ربط التسوية الحدودية المستهدفة بصفقة تتضمن إعادة منح الرياض العمالة اليمنية وضعاً مميزاً. ولقد لمحت مصادر سعودية قريبة من المفاوضات إلى ذلك، حيث أرجعت التعقيدات التي تواجهها المفاوضات الحدودية بين البلدين إلى " تدخل بعض الأطراف الخارجية وسعي اليمن إلى تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية في مقابل تسوية الجزء الباقي من الحدود ([xxxvi]
وعلى صعيد الخط الحدودي المستهدف، أكمل الطرفان "مشواراً جيداً "رسماً" خلاله مسافة طويلة من الحدود "، غير أن خلافاتهما ثارت بشأن منطقة المهرة في أقصى الطرف الشرقي من تخومهما المشتركة ([xxxiii]). وقد لوح نائب الرئيس اليمني ـ في إطار ما يبدو انه مناورة للضغط على الرياض باللجوء إلى التحكيم ـ في حالة عدم قبول الأخيرة "بالتصور النهائي " فيما يتعلق بقضية الحدود المشتركة، والذي قدمه الرئيس اليمني للأمير سلطان بن عبد العزيز. وفي السياق نفسه، اقترح الرئيس اليمني تأجيل المفاوضات الحدودية " لفترة غير محددة "، متهماً الرياض بعدم توفر الرغبة والقناعة التامة بذلك. وردّت الرياض بتصريح هادئ أكدت فيه حرصها "على حل ما تبقى من خط الحدود مع الجمهورية اليمنية الشقيقة دون تأخير، خاصة أن المملكة العربية السعودية توصلت إلى حل معظم مواضيع الحدود مع الدول المجاورة لها بأسلوب ودي وأخوي"([xxxiv]). وعلى الرغم من توقف المفاوضات الحدودية بين الجانبين، فإن من المستبعد إلاّ يعودا إلى إكمال العمل المضني الذي أنجزاه في ظل توفر رغبة مشتركة في إقفال الملف الحدود بينهما بصورة نهائية. لقد ساد مبدأ الصفقات المتبادلة والمتوازنة التسويات التي أبرمتها الرياض مع جيرانها خلال الأعوام الثلاثين الماضية " الأردن وقطر 1965، عمان 1971، أبو ظبي 1974". ولهذا، فانه من المتوقع ألاّ تخرج التسوية الجديدة المنتظرة لهذا النزاع عن هذا النمط المتوازن.
يبدو أن مجموعة من العوامل ستؤثر على شكل التسوية القادمة. فقد مرت عدة عقود منذ بروز هذا النزاع إلى السطح ثم كمونه مرة أخرى، في وقت كانت الأطراف المعنية تواصل بناء وترسيخ وتوسيع المدى الإقليمي لمؤسساتها السياسية والإدارية والاقتصادية. ولقد شهدت السنوات اللاحقة تغيرات اجتماعية ـ سياسية مهمة فرضت واقعاً جديداً يستبعد أن تتجاهله أي تسوية لاحقة. ومن ذلك أن بعضاً من قبائل الصيعر والكرب التي اتفق الطرفان في 1949على اعتبارها تابعة لعدن، اختارت الرعوية السعودية استقرت في أراض سعودية " شرورة والوديعة "، وخضعت بالتالي للسيادة السعودية فترة طويلة ومتواصلة. ويفرض الواقع الجديد بعض التعقيدات التي من المفترض أن تكون ضمن جدول أعمال المفاوضات الحالية. فمثلاً، للصيعر والكرب آبار مشهورة "زمخ، منوخ " في الجانب اليمني من الحدود القائمة من الناحية الواقعية. وبالإضافة إلى ذلك، من المعروف أن كثيراً من أفراد قبيلة المهرة في أقصى شرق التخوم المشتركة يحملون هويات سعودية ([xxxv]).
ومن الناحية أخرى، زادت ضغوط المطالب التنموية من قبل قطاعات واسعة من المجتمع اليمني على النخبة السياسية الحاكمة. ولقد تأججت تلك المطالب بعد الوحدة اليمنية وما تلاها من حرب أهلية. في هذه الأجواء، تبدي صنعاء ـ كما يظهر ـ اهتماماً واضحاً بإيجاد صبغة ما لاستيعاب اليمن اقتصادياً وسياسياً ضمن المنظومة الخليجية ,وفي حين أن قضايا عدة لا تزال تحول دون تحقيق هذه الرغبة اليمنية فيما يبدو، فإن تسوية هذا النزاع الحدودي، وما سيفضي إليه من تمتين للعلاقات السعودية ـ اليمنية، سيؤدي إلى مزيد من التقارب بين اليمن الموحد والمنظومة الخليجية.
وعلى الصعيد نفسه، دار لفترة من الوقت، في غمرة المفاوضات الحدودية بين الطرفين، حديث هامس عن محاولة صنعاء ربط التسوية الحدودية المستهدفة بصفقة تتضمن إعادة منح الرياض العمالة اليمنية وضعاً مميزاً. ولقد لمحت مصادر سعودية قريبة من المفاوضات إلى ذلك، حيث أرجعت التعقيدات التي تواجهها المفاوضات الحدودية بين البلدين إلى " تدخل بعض الأطراف الخارجية وسعي اليمن إلى تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية في مقابل تسوية الجزء الباقي من الحدود ([xxxvi]