#اليمن_تاريخ_وثقافة
قصة انهيار سد مأرب
سد مأرب هو عباره عن كتل صخريه أنشأت علي وادي Adhanah في وادي ضانا في بالق هيلز ، باليمن ، والسد الحالي يقع بالقرب من أنقاض سد مأرب العظيم ، ويرجع تاريخه إلي القرن 8 قبل الميلاد ، حيث أنه كان واحدا من العجائب الهندسية في العالم القديم وجزءا أساسيا من الحضارة العربية الجنوبية حول مأرب .
وهناك أيضا السدود القديمة الهامة الأخرى في اليمن مثل : سد Jufaynah وسد Khārid وسد Aḑra’ah وسد Miqrān وسد Yath’ān ، وقد تم أعتراف اليمن بها للروعة الهندسية ووفرة المياه القديمة ، حيث أنها تمتد من ساحل البحر الأحمر إلى حدود صحراء الربع الخالي مع العديد من أنقاض سدود صغيرة وكبيرة مصنوعة من التراب والحجارة .
معلومات عن سد مأرب
مأرب هي مدينة تحتل موقع أسترانيجي تاريخي ، في شمال ووسط اليمن ، وهي المدينة المشهورة بموقعها المحصن القديم في مأرب والسد المرتبط بها ، وكانت المركز الرئيسي للدولة قبل الإسلام من” ‘950-115 قبل الميلاد” . تقع المدينة القديمة في واحة خصبة مروية من المياه المحتجزة من سد مأرب ، وقد اشتهرت في العالم القديم بإسم ” باريس ” . هناك واحدة من طرق القوافل الرئيسية التي تربط عالم البحر الأبيض المتوسط بشبه الجزيرة العربية ، و التي ازدهرت بسبب احتكارها التجاري بجلب اللبان والمر من اليمن والمنطقة الساحلية الجنوبية من حضرموت .
بني ” سد مأرب العربي” لتنظيم مياه وادي النهر ” المجرى”، الذي دعا باسم وادي Saba’ في العصور القديمة ، وكان أرتفاع السد القديم ، إلى حوالي 550 متر في الطول ليأخذ الشكل الهرمي والمقطع العرضي له البني من الحجر ، وله بوابات التحكم في تدفق المياه ، والتي تروي أكثر من 4000 فدان ، وتدعم المنطقة الزراعية ذات الكثافة السكانية العالية ، حيث أعتمد عليها أجيال متعاقبة من حكام سبأ وتحسنت الأعمال بها ، وعلى الرغم ذلك ، فقد تعرض السد للتدمير النهائي ، عن طريق الزلزال أو الانفجار البركاني الذي وقع في القرن السابع الميلادي باسم “طوفان من أريم ” وهو المذكور في القرآن الكريم ، والذي يترجم أحيانا بإسم “طوفان السد” أو ” انفجار السد” بل هو الموضوع المفضل في الأسطورة الإسلامية .
شيدت بلدة مأرب الصغيرة والمعاصرة من الحجارة من تحت أنقاض السبئية القديمة وبطول ” التلة الأثرية الطبقية”، وهي مركز لرجال القبائل البدو الذين يرعون قطعان من الإبل والأغنام والماعز ، وتربي أجود الخيول في المنطقة . تختزن مدينة القلعة للعديد من النقوش والتماثيل من الفترة السبئية ما قبل الإسلام ، وبها المعبد القديم الذي بني بدقة وبه إله القمر الذي تضرر بشدة في الحرب الأهلية اليمنية 1962-1970 .
والمنطقة المحيطة هي حدود الصحراء العربية جنوباً التي تعرف بـ الربع الخالي ، ومعظمها يقع في المملكة العربية السعودية ، على الرغم من أن هناك العديد من الأودية الجافه مثل حارب والجوف ، وهي منطقة فقيره بالإنتاج الزراعي في البلاد ، ولكن أرض المنحدرات التي تمتد شرقا من 1000 إلى 2000 متر ، والتي تدمج مع Rub’ الربع الخالي ، حيث تربى بها الأغنام والماعز والأبقار والحمير ،
سد مأرب العظيم :
يقع سد مأرب العظيم ، في الجنوب الغربي من اليمن ، والذي يعرف أيضا بإسم السد من ” أريم ” سد العرم ” والذي ينبع من المدينة القديمة من مأرب ، حيث كانت عاصمة المملكة القديمة سبأ ، وكانت مملكة سبأ هي الدولة التجارية المزدهرة ، وتسيطر على طرق في تجارة اللبان والتوابل في شبه الجزيرة العربية والحبشة ، حيث بنا صابئة السد للسيطرة على الأمطار الدورية الموسمية التي تسقط على الجبال القريبة ، وذلك لري الأراضي في جميع أنحاء المدينة .
وتشير الاكتشافات الأثرية الحديثة أن السدود الترابية البسيطة وشبكة القناة التي شيدت تعود إلى 2000 سنه قبل الميلاد ، ويعود سد مأرب العظيم إلى حوالي القرن 8 قبل الميلاد ، ويعتبر أقدم سد معروف في العالم ، ويعد واحدة من أكثر الاعمال البطولية الرائعة للهندسة في العالم القديم . ويصف ذلك ، ياقوت الحموي الجغرافي العربي في القرون الوسطى على النحو التالي :
أن مياه الفيضانات تتدفق من بين ثلاثة جبال ، إلى مكان واحد ، وبسبب تصريف هذه المياه في اتجاه واحد ؛ منع القدماء ذلك بتشييد حاجز من الحجارة الصلبة والرصاص في هذا المكان . وأصبحت مياه الينابيع تتجمع ، فضلا عن مياه الفيضان هناك ، خلف السد مثل البحر ، وبذلك يتمكنوا من ري محاصيلهم من المياه التي يحتاجون إليها بفتح بوابات السد مرة واحدة ، ويستخدمون ما يكفيهم ثم تغلق الأبواب مرة أخرى . وألحقت أضرار بالسد التاريخي بشدة من جراء غارة جوية سعودية في ليلة 31 مايو 2015 .
الإنشاءات
يعود تاريخ بناء أول سد في مأرب الى ما بين 1750 و 1700 قبل الميلاد ، وأقرب نقش على السد وضع هناك في وقت بنائه . وكان المقطع العرضي للسد ، يمتد نحو 580 متر ، و بطول 4 أمتار ، وتجلى ذلك بين مجموعتين من الصخور على جانبي النهر ، حيث كان ذلك مرت
قصة انهيار سد مأرب
سد مأرب هو عباره عن كتل صخريه أنشأت علي وادي Adhanah في وادي ضانا في بالق هيلز ، باليمن ، والسد الحالي يقع بالقرب من أنقاض سد مأرب العظيم ، ويرجع تاريخه إلي القرن 8 قبل الميلاد ، حيث أنه كان واحدا من العجائب الهندسية في العالم القديم وجزءا أساسيا من الحضارة العربية الجنوبية حول مأرب .
وهناك أيضا السدود القديمة الهامة الأخرى في اليمن مثل : سد Jufaynah وسد Khārid وسد Aḑra’ah وسد Miqrān وسد Yath’ān ، وقد تم أعتراف اليمن بها للروعة الهندسية ووفرة المياه القديمة ، حيث أنها تمتد من ساحل البحر الأحمر إلى حدود صحراء الربع الخالي مع العديد من أنقاض سدود صغيرة وكبيرة مصنوعة من التراب والحجارة .
معلومات عن سد مأرب
مأرب هي مدينة تحتل موقع أسترانيجي تاريخي ، في شمال ووسط اليمن ، وهي المدينة المشهورة بموقعها المحصن القديم في مأرب والسد المرتبط بها ، وكانت المركز الرئيسي للدولة قبل الإسلام من” ‘950-115 قبل الميلاد” . تقع المدينة القديمة في واحة خصبة مروية من المياه المحتجزة من سد مأرب ، وقد اشتهرت في العالم القديم بإسم ” باريس ” . هناك واحدة من طرق القوافل الرئيسية التي تربط عالم البحر الأبيض المتوسط بشبه الجزيرة العربية ، و التي ازدهرت بسبب احتكارها التجاري بجلب اللبان والمر من اليمن والمنطقة الساحلية الجنوبية من حضرموت .
بني ” سد مأرب العربي” لتنظيم مياه وادي النهر ” المجرى”، الذي دعا باسم وادي Saba’ في العصور القديمة ، وكان أرتفاع السد القديم ، إلى حوالي 550 متر في الطول ليأخذ الشكل الهرمي والمقطع العرضي له البني من الحجر ، وله بوابات التحكم في تدفق المياه ، والتي تروي أكثر من 4000 فدان ، وتدعم المنطقة الزراعية ذات الكثافة السكانية العالية ، حيث أعتمد عليها أجيال متعاقبة من حكام سبأ وتحسنت الأعمال بها ، وعلى الرغم ذلك ، فقد تعرض السد للتدمير النهائي ، عن طريق الزلزال أو الانفجار البركاني الذي وقع في القرن السابع الميلادي باسم “طوفان من أريم ” وهو المذكور في القرآن الكريم ، والذي يترجم أحيانا بإسم “طوفان السد” أو ” انفجار السد” بل هو الموضوع المفضل في الأسطورة الإسلامية .
شيدت بلدة مأرب الصغيرة والمعاصرة من الحجارة من تحت أنقاض السبئية القديمة وبطول ” التلة الأثرية الطبقية”، وهي مركز لرجال القبائل البدو الذين يرعون قطعان من الإبل والأغنام والماعز ، وتربي أجود الخيول في المنطقة . تختزن مدينة القلعة للعديد من النقوش والتماثيل من الفترة السبئية ما قبل الإسلام ، وبها المعبد القديم الذي بني بدقة وبه إله القمر الذي تضرر بشدة في الحرب الأهلية اليمنية 1962-1970 .
والمنطقة المحيطة هي حدود الصحراء العربية جنوباً التي تعرف بـ الربع الخالي ، ومعظمها يقع في المملكة العربية السعودية ، على الرغم من أن هناك العديد من الأودية الجافه مثل حارب والجوف ، وهي منطقة فقيره بالإنتاج الزراعي في البلاد ، ولكن أرض المنحدرات التي تمتد شرقا من 1000 إلى 2000 متر ، والتي تدمج مع Rub’ الربع الخالي ، حيث تربى بها الأغنام والماعز والأبقار والحمير ،
سد مأرب العظيم :
يقع سد مأرب العظيم ، في الجنوب الغربي من اليمن ، والذي يعرف أيضا بإسم السد من ” أريم ” سد العرم ” والذي ينبع من المدينة القديمة من مأرب ، حيث كانت عاصمة المملكة القديمة سبأ ، وكانت مملكة سبأ هي الدولة التجارية المزدهرة ، وتسيطر على طرق في تجارة اللبان والتوابل في شبه الجزيرة العربية والحبشة ، حيث بنا صابئة السد للسيطرة على الأمطار الدورية الموسمية التي تسقط على الجبال القريبة ، وذلك لري الأراضي في جميع أنحاء المدينة .
وتشير الاكتشافات الأثرية الحديثة أن السدود الترابية البسيطة وشبكة القناة التي شيدت تعود إلى 2000 سنه قبل الميلاد ، ويعود سد مأرب العظيم إلى حوالي القرن 8 قبل الميلاد ، ويعتبر أقدم سد معروف في العالم ، ويعد واحدة من أكثر الاعمال البطولية الرائعة للهندسة في العالم القديم . ويصف ذلك ، ياقوت الحموي الجغرافي العربي في القرون الوسطى على النحو التالي :
أن مياه الفيضانات تتدفق من بين ثلاثة جبال ، إلى مكان واحد ، وبسبب تصريف هذه المياه في اتجاه واحد ؛ منع القدماء ذلك بتشييد حاجز من الحجارة الصلبة والرصاص في هذا المكان . وأصبحت مياه الينابيع تتجمع ، فضلا عن مياه الفيضان هناك ، خلف السد مثل البحر ، وبذلك يتمكنوا من ري محاصيلهم من المياه التي يحتاجون إليها بفتح بوابات السد مرة واحدة ، ويستخدمون ما يكفيهم ثم تغلق الأبواب مرة أخرى . وألحقت أضرار بالسد التاريخي بشدة من جراء غارة جوية سعودية في ليلة 31 مايو 2015 .
الإنشاءات
يعود تاريخ بناء أول سد في مأرب الى ما بين 1750 و 1700 قبل الميلاد ، وأقرب نقش على السد وضع هناك في وقت بنائه . وكان المقطع العرضي للسد ، يمتد نحو 580 متر ، و بطول 4 أمتار ، وتجلى ذلك بين مجموعتين من الصخور على جانبي النهر ، حيث كان ذلك مرت
ت الدولية . شيدت السدود الحديثة في اليمن ، مثل سد Batis ومأرب ، لتستخدم في جمع المياه للسكان .
وقد بني سد مأرب دون دراسة لتقييم الأثر البيئي ، وبعض من آثار السد التي لم تكن متوقعة في عامي 1995 و 1996 ، ولكن تمت دراسة تأثيرها على جودة المياه والزراعة والمياه الجوفية والاوضاع الاقتصادية الاجتماعية ، ويمكن أن تصبح بحيرة للمياه محملة بأكثر من اللازم بالمغذيات النباتية عندما تكون الفيضانات ضعيفة ، ولا يتم التحكم في نمو الطحالب ، ولكن تم إدخال سمك البلطي النيلي للمكافحة البيولوجية لنمو الطحالب ، ويؤثر السد تأثيراً إيجابا على الزراعة والمياه الجوفية ضمن مخطط تصميم الري ، ولكن للسد أيضا تأثراً سلباً علي الأوضاع الصحية في أراضي المصب ، مع زيادة الصراعات حول توزيع المياه ، ولكنها تؤثر بشكل إيجابي علي النساء من خلال السماح لهم بالعمل في الزراعة والمشاركة في صنع القرار ، ويؤثر السد علي مستويات دخل المزارعين وتشجيع السياحة .
في عهد الآشوريين والبابليين والفرس بنيت السدود فيما بين 700 و 250 قبل الميلاد للحصول علي إمدادات مياه الري ، ومن السدود المعاصرة سد مأرب الترابي في جنوب الجزيرة العربية ، الذي بلغ أرتفاعه حوالي 600 متر لفترة طويلة ، ويحيط به مخرات ، وتم تسليم هذا السد إلى نظام من قنوات الري لأكثر من 1000 سنة
وقد بني سد مأرب دون دراسة لتقييم الأثر البيئي ، وبعض من آثار السد التي لم تكن متوقعة في عامي 1995 و 1996 ، ولكن تمت دراسة تأثيرها على جودة المياه والزراعة والمياه الجوفية والاوضاع الاقتصادية الاجتماعية ، ويمكن أن تصبح بحيرة للمياه محملة بأكثر من اللازم بالمغذيات النباتية عندما تكون الفيضانات ضعيفة ، ولا يتم التحكم في نمو الطحالب ، ولكن تم إدخال سمك البلطي النيلي للمكافحة البيولوجية لنمو الطحالب ، ويؤثر السد تأثيراً إيجابا على الزراعة والمياه الجوفية ضمن مخطط تصميم الري ، ولكن للسد أيضا تأثراً سلباً علي الأوضاع الصحية في أراضي المصب ، مع زيادة الصراعات حول توزيع المياه ، ولكنها تؤثر بشكل إيجابي علي النساء من خلال السماح لهم بالعمل في الزراعة والمشاركة في صنع القرار ، ويؤثر السد علي مستويات دخل المزارعين وتشجيع السياحة .
في عهد الآشوريين والبابليين والفرس بنيت السدود فيما بين 700 و 250 قبل الميلاد للحصول علي إمدادات مياه الري ، ومن السدود المعاصرة سد مأرب الترابي في جنوب الجزيرة العربية ، الذي بلغ أرتفاعه حوالي 600 متر لفترة طويلة ، ويحيط به مخرات ، وتم تسليم هذا السد إلى نظام من قنوات الري لأكثر من 1000 سنة
بطا بالأعمال الحجرية الكبيرة ، مما يسمح للمفيض والأقفال بين الطرف الشمالي من السد والمنحدرات إلى الغرب .
وفي حوالي 500 قبل الميلاد تم زيادة ارتفاع السد إلى 7 أمتار ، وتم تعزيز المنحدر المنبع “وجه الماء” بغطاء من الحجارة ، ومدت الري لتشمل الجانب الجنوبي فضلا عن الجانب الشمالي .
وبعد نهاية مملكة سبأ ، تراجع السد تحت سيطرة الحميريون في حوالي 115 قبل الميلاد. وتعهدوا بإعادة بناء المزيد ، وإنشاء بنية عالية في محطات المياه الواسعه التي تبلغ 14 متر في كل من الناحيتين الشمالية والجنوبية ، مع خمس قنوات للمفيض ، واثنين من أقفال البناء المقوى ، وبركة تسوية ، وقناة طولها 1000 متر تصل إلى خزان التوزيع ، وفي الواقع لم يتم الانتهاء من هذه الأعمال الواسعة النطاق حتى عام 325 م ، حيث سمحت بري 25000 فدان .
اعمال الصيانة
أصر المؤرخ المسلم الأصفهاني على أن الاختراق الشهير للسد وقع في نحو أربعة مائة سنة قبل الإسلام ، ولكن ياقوت الحموي يسنده الى وقت حكم الحبشة .
وتفيد المصادر العربية الجنوبية القديمة التي في حوالي 145 قبل الميلاد ، أن السد عانى من خرق كبير خلال الحرب بين شعب ريدان ومملكة سبأ ، ويذكر الكثير من العلماء بأن هذا الاختراق قد تسببت في فيضان كبير من أريم حيث ذكر في القرآن ، كما ذكر أيضا في الأمثال العربية التي تتحدث عن أيدي سبأ حيث حدث في ذلك الوقت ، القتال بين Raydānites والصابئة وتأخر إصلاح السد ، وهذا تسبب في خسائر مدمرة للمحاصيل والفواكه ، مما أدي إلي هجرة أعداد كبيرة من الناس بحثا عن الأرض الجديدة القادرة على دعم الحياة ، وتبع ذلك في الهجرات الضخمة جدا ، ولكنه لا يزال غير مؤكد على الرغم من الانتهاك المعين الذي تسبب في “طوفان من أريم” ، لأن بعض الهجرات قد استغرقت بالتأكيد ذمن من 2 أو 3 قرون م ، وترجع أيضا لكسر ضلع ما من السد ، وبصفة عامة تم إصلاح السد مرتين قبل وقت قصير من ظهور الإسلام .
ويظهر علم آثار سد مأرب لآثر تراكم الطمي وراء السدود في العصور القديمة ، والتدابير الرامية ولتمديد العمر التشغيلي للخزان ، حيث أن سد مأرب قد احتجز مياه الفيضان للتمكين من ري الواحات على مدى عدة قرون ، بينما كان الغرين المتراكم في مياه الري وفي الحقول المروية قد وصل أرتفاعها إلى نحو 15 مترا ، وتسببت هذه الخسارة في المنحدر والنقل ، وأثيرت للتعويض .
وبالإضافة إلى وجود فتحات تشغيلية صغيرة لسحب مياه الري ، وربما كانت تستخدم هذه الفتحات الكبيرة على جانب المنبع من السد خلال البناء عند مرور الماء من النهر ، ولكن يمكن أيضا استخدمه للتنظيف الدوري من الرواسب المتراكمة ، وتظهر هذه الأمثلة بأن المهندسين في ذلك العصر كانوا على علم وإدراك بمشاكل إطماء الخزان وتمكنوا من توسيع عمره التشغيلي بنجاح ، وواجهوا نفس المشاكل من ترسب الطمي التي واجهتها في السد القديم أيضا في بناء السد الجديد .
وعلى الرغم من الزيادة في الطول ، إلا أن السد عانى من العديد من المخالفات ” حيث وقعت حوادث كبيرة سجلت في 449، 450، 542 و 548 ” وأصبحت أعمال الصيانة مرهقة على نحو متزايد .
الخرق النهائي
وجاء في تقرير الحكايات المحلية إلى أن الأختراق النهائي للسد كان متوقعا من قبل ملك يدعى عمران ، والذي كان أيضا كاهن ، وفي وقت لاحق من زوجة الملك ، في أسطورة خرق السد بسبب الفئران الكبيرة التي تلتهم ذلك بأسنانها وتخدشه باظافرها ، في 570 أو 575 ، وفي هذه المرة تركت دون اصلاح ، وكان اختراق وتدمير سد مأرب حدثا تاريخيا ، ذكر في القرآن الكريم .
” لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور ، فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل ” “صدق الله العظيم “
السد الحالي
في الآونة الأخيرة ، تم بناء السد الجديد على مقربة من الموقع القديم ، وكان ذلك على نفقة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ، الحاكم الراحل لدولة الإمارات العربية المتحدة ، حيث أعيد توطينهم من مأرب إلى دولة الإمارات العربية المتحدة الحالية ، وأجرى حفل الافتتاح في عام 1986 بحضور صاحب السموالشيخ زايد .
يمتد السد الجديد إلى نحو 38 مترا إلي 763 مترا ، وهو مبني من الأرض عبر وادي ضانا ، وله القدرة على تخزين 398 مليون متر مكعب ، ويقع السد على بعد 3 كم من منبع أنقاض سد مأرب القديم والسد الجديد ، صمم لتخزين المياه لري سهول مأرب ، ومع ذلك ، فإن قاع الوادي في موقع السد الجديد يتكون من الطمي والحصى والمواد الرماليه التي يبلع سمكها من 30- 50 متر والتسرب ينبثق من هذا السد ليهدد هيكله ، ولكن لا يفقد المياه .
ويجري النظر في إعادة بناء سد مأرب القديم ، على حد سواء باعتباره بنية العمل ، وأيضا بمثابة معلم تاريخي وسياحي ، ويتم تحديد حجم العمل ، والمشاركه في هذا المشروع ممايجعل من الضروري عمل منظمات تعمل معا تحت رعاية اليونسكو ، وذلك باستخدام المساهمات المالية من المنظما
وفي حوالي 500 قبل الميلاد تم زيادة ارتفاع السد إلى 7 أمتار ، وتم تعزيز المنحدر المنبع “وجه الماء” بغطاء من الحجارة ، ومدت الري لتشمل الجانب الجنوبي فضلا عن الجانب الشمالي .
وبعد نهاية مملكة سبأ ، تراجع السد تحت سيطرة الحميريون في حوالي 115 قبل الميلاد. وتعهدوا بإعادة بناء المزيد ، وإنشاء بنية عالية في محطات المياه الواسعه التي تبلغ 14 متر في كل من الناحيتين الشمالية والجنوبية ، مع خمس قنوات للمفيض ، واثنين من أقفال البناء المقوى ، وبركة تسوية ، وقناة طولها 1000 متر تصل إلى خزان التوزيع ، وفي الواقع لم يتم الانتهاء من هذه الأعمال الواسعة النطاق حتى عام 325 م ، حيث سمحت بري 25000 فدان .
اعمال الصيانة
أصر المؤرخ المسلم الأصفهاني على أن الاختراق الشهير للسد وقع في نحو أربعة مائة سنة قبل الإسلام ، ولكن ياقوت الحموي يسنده الى وقت حكم الحبشة .
وتفيد المصادر العربية الجنوبية القديمة التي في حوالي 145 قبل الميلاد ، أن السد عانى من خرق كبير خلال الحرب بين شعب ريدان ومملكة سبأ ، ويذكر الكثير من العلماء بأن هذا الاختراق قد تسببت في فيضان كبير من أريم حيث ذكر في القرآن ، كما ذكر أيضا في الأمثال العربية التي تتحدث عن أيدي سبأ حيث حدث في ذلك الوقت ، القتال بين Raydānites والصابئة وتأخر إصلاح السد ، وهذا تسبب في خسائر مدمرة للمحاصيل والفواكه ، مما أدي إلي هجرة أعداد كبيرة من الناس بحثا عن الأرض الجديدة القادرة على دعم الحياة ، وتبع ذلك في الهجرات الضخمة جدا ، ولكنه لا يزال غير مؤكد على الرغم من الانتهاك المعين الذي تسبب في “طوفان من أريم” ، لأن بعض الهجرات قد استغرقت بالتأكيد ذمن من 2 أو 3 قرون م ، وترجع أيضا لكسر ضلع ما من السد ، وبصفة عامة تم إصلاح السد مرتين قبل وقت قصير من ظهور الإسلام .
ويظهر علم آثار سد مأرب لآثر تراكم الطمي وراء السدود في العصور القديمة ، والتدابير الرامية ولتمديد العمر التشغيلي للخزان ، حيث أن سد مأرب قد احتجز مياه الفيضان للتمكين من ري الواحات على مدى عدة قرون ، بينما كان الغرين المتراكم في مياه الري وفي الحقول المروية قد وصل أرتفاعها إلى نحو 15 مترا ، وتسببت هذه الخسارة في المنحدر والنقل ، وأثيرت للتعويض .
وبالإضافة إلى وجود فتحات تشغيلية صغيرة لسحب مياه الري ، وربما كانت تستخدم هذه الفتحات الكبيرة على جانب المنبع من السد خلال البناء عند مرور الماء من النهر ، ولكن يمكن أيضا استخدمه للتنظيف الدوري من الرواسب المتراكمة ، وتظهر هذه الأمثلة بأن المهندسين في ذلك العصر كانوا على علم وإدراك بمشاكل إطماء الخزان وتمكنوا من توسيع عمره التشغيلي بنجاح ، وواجهوا نفس المشاكل من ترسب الطمي التي واجهتها في السد القديم أيضا في بناء السد الجديد .
وعلى الرغم من الزيادة في الطول ، إلا أن السد عانى من العديد من المخالفات ” حيث وقعت حوادث كبيرة سجلت في 449، 450، 542 و 548 ” وأصبحت أعمال الصيانة مرهقة على نحو متزايد .
الخرق النهائي
وجاء في تقرير الحكايات المحلية إلى أن الأختراق النهائي للسد كان متوقعا من قبل ملك يدعى عمران ، والذي كان أيضا كاهن ، وفي وقت لاحق من زوجة الملك ، في أسطورة خرق السد بسبب الفئران الكبيرة التي تلتهم ذلك بأسنانها وتخدشه باظافرها ، في 570 أو 575 ، وفي هذه المرة تركت دون اصلاح ، وكان اختراق وتدمير سد مأرب حدثا تاريخيا ، ذكر في القرآن الكريم .
” لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور ، فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل ” “صدق الله العظيم “
السد الحالي
في الآونة الأخيرة ، تم بناء السد الجديد على مقربة من الموقع القديم ، وكان ذلك على نفقة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ، الحاكم الراحل لدولة الإمارات العربية المتحدة ، حيث أعيد توطينهم من مأرب إلى دولة الإمارات العربية المتحدة الحالية ، وأجرى حفل الافتتاح في عام 1986 بحضور صاحب السموالشيخ زايد .
يمتد السد الجديد إلى نحو 38 مترا إلي 763 مترا ، وهو مبني من الأرض عبر وادي ضانا ، وله القدرة على تخزين 398 مليون متر مكعب ، ويقع السد على بعد 3 كم من منبع أنقاض سد مأرب القديم والسد الجديد ، صمم لتخزين المياه لري سهول مأرب ، ومع ذلك ، فإن قاع الوادي في موقع السد الجديد يتكون من الطمي والحصى والمواد الرماليه التي يبلع سمكها من 30- 50 متر والتسرب ينبثق من هذا السد ليهدد هيكله ، ولكن لا يفقد المياه .
ويجري النظر في إعادة بناء سد مأرب القديم ، على حد سواء باعتباره بنية العمل ، وأيضا بمثابة معلم تاريخي وسياحي ، ويتم تحديد حجم العمل ، والمشاركه في هذا المشروع ممايجعل من الضروري عمل منظمات تعمل معا تحت رعاية اليونسكو ، وذلك باستخدام المساهمات المالية من المنظما
#اليمن_تاريخ_وثقافة
www.telegram.me/taye5
مأرب وما ادراك ما مأرب
فمنها معجزات الانسان القديم وقوته ومنها التاريخ الحافل
ومنها تاريخ العرب ومنها اصول العرب ايضا فانهيار سد مأرب
خلف الكثير من العوامل والظروف الاجتماعيه والاقتصاديه
منذ قديم الزمان وحتى ايامنا هذه ما زالت رواسبها موجوده
في المجتمعات العربيه
فمعظم العشائر العربيه كانت تقطن بجوار سد مأرب وعند الانهيار والفيضان
تشتتت هذه العشائر وانتشرت في اغلب دول الجزيره العربيه
وفي ما يلي لمحه عن تاريخ مارب المدينه والسد:
مـــأرب
تقع إلى الشرق من العاصمة صنعاء بمسافة ( 173 كم ) ، على ضفّة وادي أذنه الذي بني فيه سد مأرب التاريخي وأعيد بناؤه في ا لثمانينات في عهد الرئيس علي عبدالله صالح،يحدها من الشمال محافظة الجوف وصحراء الربع الخالي ومن الغرب محافظة صنعاء ، ومن الجنوب محافظتي البيضاء وشبوة ، ومن الشرق محافظة شبوة وصحراء الربع الخالي .
تسمية هـذه المدينة قديم جداً تعود إلى مطلع الألف الأول قبل الميلاد ، فـقـد ذكـرت
فــي نقوش من القرن الثامن قبل الميلاد باللفظ ( م ر ي ب ) ، وفي بعض النقوش المتأخرة ظهر اسمها باللفظ ( م ر ب ) .
ويرجح ان التل الذي تقع عليه قرية مأرب اليوم هو مكان قصر سلحين الذي ذكره العلامة الحسن بن احمد الهمداني قبل الف عام، والذي ورد ذكره بالإسم نفسه في النقوش اليمنية القديمة
وتفيد الأبحاث الأثرية الحديثة أن مأرب العاصمة لعبت دورًا كبيرًا في نشوء وارتقاء الحضارة السبئية،
فقد شهدت هذه الأراضي قيام واحدة من أعظم الدول اليمنية القديمة هي دولة سبأ التي بـدأت في الظهور في مطلع الألف الأول قبل الميلاد ، وقد شهدت في القرون الممتدة من القرن التاسع إلى القرن السـابع قبل الميلاد نشاطاً معمارياً واسعاً ، شيدت خلالها المدن والمعابد ، وأعظم منشآتها سد مأرب العظيم الذي وفر للدولة ومنحها صفة الاستقرار والآية الكريمة الدالة على تلك الحضارة قوله تعالى : " لقد كان لسبأ في مسكنهم آية " ..
وقد شهدت مارب ذروة ازدهار الحضارة اليمنية القديمة طوال المرحلة الاولى والثانية للدولة السبئية ويرجح البعض ان مارب لابد ان تكون قد بنيت في وقت ما من الالف الثاني قبل الميلاد ، اذ لايعرف تاريخ نشأت المدينة على وجة الدقة بالرغم من ورود اسماء عدد من الملوك السبئيين الذين اسهموا في بناء المدينة وشيدوا بعض مرافقها خلال العصر السبئي الاول في بداية الالف الاول قبل الميلاد. على ان نشأت المدينة ربما تكون قد بدأت مع بداية ازدهار الحضارة اليمنية القديمة في الالف الثاني قبل الميلاد .
وقد تحكم موقع مأرب في وادي سبأ بطريق التجارة الهام المعروف بطريق اللبان، وكان اللبان من أحب أنواع الطيوب وأغلاها في بلدان الشرق القديم، وحوض البحر المتوسط، وقد تميزت اليمن بانتاجها أجود أنواع اللبان وهو الذي كان ينمو في الجزء الأوسط من ساحله الجنوبي في بلاد المهرة وظفار، وقد أدى ذلك الطلب المتزايد عليه إلى تطوير تجارة واسعة نشطة، تركزت حول هذه السلعة وامتدت إلى سلع أخرى نادرة عبر طريق التجارة المذكور.
ورغم أن مأرب ظل اسمًا يتردد في المصادر التاريخية ،إلا أن دورها في الأحداث بعد الإسلام كان ضئيلا، فقد ذكرت مأرب في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم من بين مخاليف اليمن، ونسب إليها الأبيض بن حمال الماربي الذي وفد على الرسول فكتب له عهدًا وأقطعه ملح مارب.
ومن معالم مدينة مأرب :
- المدينة القديمة :تقع مدينة مأرب القديمة إلى الجنوب من مدينة مأرب الجديدة ، وكانت تشتمل على سور محيط بها يحتوى في داخله منشآتها المختلفة مثل المعابد ، الأسواق ، المنازل السكنية ...
-مسجد سليمان :ارتبطت تسميته بالنبي سليمان الذي زارته الملكة بلقيس في ( أورشليم ) ،وهذا المسجد قد اندثر معظم سقفه وبعض أجزائه خاصة الغربية ، ولم يعد يستخدم للغرض الذي أنشئ من أجله
- سد مأرب العظيم :يعود تاريخ سد مارب القديم كما يستنتج من قراءة النقوش اليمنية القديمة الى القرن الثــامن قبل الميــلاد غير ان نتائج الدراسة التي قامت بها البعثة الالمانية في احد السدود القديمة بوادي "ذنة"المنشأة "أ"ترى ان فكرة انشاء السد قد مرت بمراحل عدة وعبر فترة زمنية طويلة بين بداية الالف الثاني والالف الاول قبل الميلاد واين كانت البداية فان الذي لاخلاف حولة ان ســـد مارب معلـم ثابت لازم الحضارة السبئية منذ البداية مرورا بذروة الازدهار وحتى لحظات الانهيار ثم تصدع على اثرها.وهذا السد اشــهر اثــار اليمـن واعظم بناء هندسي قديم في شبة الجزيرة العربية وقد بني في ضيقــة بين البلــق الشمالي والبلق الجنوبي على وادي ذنة الذي تجري إليه السيول من مساقط المياة في المرتفعات المحاذية له شرقا على امتداد مساحة شاسعه من ذمار ورداع ومراد وخــولان .
- شبكة قنوات الري ( الجنتان ) :التي تقدر مساحتها بأكثر من اثنين وسبعين كم مربع ، تبدأ شبكة الري بالقناة الرئيسية
www.telegram.me/taye5
مأرب وما ادراك ما مأرب
فمنها معجزات الانسان القديم وقوته ومنها التاريخ الحافل
ومنها تاريخ العرب ومنها اصول العرب ايضا فانهيار سد مأرب
خلف الكثير من العوامل والظروف الاجتماعيه والاقتصاديه
منذ قديم الزمان وحتى ايامنا هذه ما زالت رواسبها موجوده
في المجتمعات العربيه
فمعظم العشائر العربيه كانت تقطن بجوار سد مأرب وعند الانهيار والفيضان
تشتتت هذه العشائر وانتشرت في اغلب دول الجزيره العربيه
وفي ما يلي لمحه عن تاريخ مارب المدينه والسد:
مـــأرب
تقع إلى الشرق من العاصمة صنعاء بمسافة ( 173 كم ) ، على ضفّة وادي أذنه الذي بني فيه سد مأرب التاريخي وأعيد بناؤه في ا لثمانينات في عهد الرئيس علي عبدالله صالح،يحدها من الشمال محافظة الجوف وصحراء الربع الخالي ومن الغرب محافظة صنعاء ، ومن الجنوب محافظتي البيضاء وشبوة ، ومن الشرق محافظة شبوة وصحراء الربع الخالي .
تسمية هـذه المدينة قديم جداً تعود إلى مطلع الألف الأول قبل الميلاد ، فـقـد ذكـرت
فــي نقوش من القرن الثامن قبل الميلاد باللفظ ( م ر ي ب ) ، وفي بعض النقوش المتأخرة ظهر اسمها باللفظ ( م ر ب ) .
ويرجح ان التل الذي تقع عليه قرية مأرب اليوم هو مكان قصر سلحين الذي ذكره العلامة الحسن بن احمد الهمداني قبل الف عام، والذي ورد ذكره بالإسم نفسه في النقوش اليمنية القديمة
وتفيد الأبحاث الأثرية الحديثة أن مأرب العاصمة لعبت دورًا كبيرًا في نشوء وارتقاء الحضارة السبئية،
فقد شهدت هذه الأراضي قيام واحدة من أعظم الدول اليمنية القديمة هي دولة سبأ التي بـدأت في الظهور في مطلع الألف الأول قبل الميلاد ، وقد شهدت في القرون الممتدة من القرن التاسع إلى القرن السـابع قبل الميلاد نشاطاً معمارياً واسعاً ، شيدت خلالها المدن والمعابد ، وأعظم منشآتها سد مأرب العظيم الذي وفر للدولة ومنحها صفة الاستقرار والآية الكريمة الدالة على تلك الحضارة قوله تعالى : " لقد كان لسبأ في مسكنهم آية " ..
وقد شهدت مارب ذروة ازدهار الحضارة اليمنية القديمة طوال المرحلة الاولى والثانية للدولة السبئية ويرجح البعض ان مارب لابد ان تكون قد بنيت في وقت ما من الالف الثاني قبل الميلاد ، اذ لايعرف تاريخ نشأت المدينة على وجة الدقة بالرغم من ورود اسماء عدد من الملوك السبئيين الذين اسهموا في بناء المدينة وشيدوا بعض مرافقها خلال العصر السبئي الاول في بداية الالف الاول قبل الميلاد. على ان نشأت المدينة ربما تكون قد بدأت مع بداية ازدهار الحضارة اليمنية القديمة في الالف الثاني قبل الميلاد .
وقد تحكم موقع مأرب في وادي سبأ بطريق التجارة الهام المعروف بطريق اللبان، وكان اللبان من أحب أنواع الطيوب وأغلاها في بلدان الشرق القديم، وحوض البحر المتوسط، وقد تميزت اليمن بانتاجها أجود أنواع اللبان وهو الذي كان ينمو في الجزء الأوسط من ساحله الجنوبي في بلاد المهرة وظفار، وقد أدى ذلك الطلب المتزايد عليه إلى تطوير تجارة واسعة نشطة، تركزت حول هذه السلعة وامتدت إلى سلع أخرى نادرة عبر طريق التجارة المذكور.
ورغم أن مأرب ظل اسمًا يتردد في المصادر التاريخية ،إلا أن دورها في الأحداث بعد الإسلام كان ضئيلا، فقد ذكرت مأرب في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم من بين مخاليف اليمن، ونسب إليها الأبيض بن حمال الماربي الذي وفد على الرسول فكتب له عهدًا وأقطعه ملح مارب.
ومن معالم مدينة مأرب :
- المدينة القديمة :تقع مدينة مأرب القديمة إلى الجنوب من مدينة مأرب الجديدة ، وكانت تشتمل على سور محيط بها يحتوى في داخله منشآتها المختلفة مثل المعابد ، الأسواق ، المنازل السكنية ...
-مسجد سليمان :ارتبطت تسميته بالنبي سليمان الذي زارته الملكة بلقيس في ( أورشليم ) ،وهذا المسجد قد اندثر معظم سقفه وبعض أجزائه خاصة الغربية ، ولم يعد يستخدم للغرض الذي أنشئ من أجله
- سد مأرب العظيم :يعود تاريخ سد مارب القديم كما يستنتج من قراءة النقوش اليمنية القديمة الى القرن الثــامن قبل الميــلاد غير ان نتائج الدراسة التي قامت بها البعثة الالمانية في احد السدود القديمة بوادي "ذنة"المنشأة "أ"ترى ان فكرة انشاء السد قد مرت بمراحل عدة وعبر فترة زمنية طويلة بين بداية الالف الثاني والالف الاول قبل الميلاد واين كانت البداية فان الذي لاخلاف حولة ان ســـد مارب معلـم ثابت لازم الحضارة السبئية منذ البداية مرورا بذروة الازدهار وحتى لحظات الانهيار ثم تصدع على اثرها.وهذا السد اشــهر اثــار اليمـن واعظم بناء هندسي قديم في شبة الجزيرة العربية وقد بني في ضيقــة بين البلــق الشمالي والبلق الجنوبي على وادي ذنة الذي تجري إليه السيول من مساقط المياة في المرتفعات المحاذية له شرقا على امتداد مساحة شاسعه من ذمار ورداع ومراد وخــولان .
- شبكة قنوات الري ( الجنتان ) :التي تقدر مساحتها بأكثر من اثنين وسبعين كم مربع ، تبدأ شبكة الري بالقناة الرئيسية
الخارجة من السد ثم يليها مقسمات المياه الفرعية ، وقد كانت شبكة الري بكاملها مبنية بهيئة جدار تجري المياه في سطحه الذي شكل بهيئة مجرى ، وتصل إلى المقسم الذي بني بشكل إسطواني يقوم بتفريع المياه إلى ثلاثة اتجاهات .
- معبد عرش بلقيس ( برأن ): يقع هذا المعبد إلى الجنوب الغربي من مدينة مأرب القديمة ، ويبعد عنها نحو ( 4 كم ) ، وإلى الشمال الغربي من محرم بلقيس على بعد ( 1 كم ) .
- معبد محرم بلقيس ( أوام ):يقع هذا المعبد إلى الجنوب من مدينة مأرب القديمة على الضفة الجنوبية لوادي أذنة وهو بناء كبير وضخم ، تغطي الرمال معظم المنشأة المعمارية وبشكل كثيف .
يعود تاريخ سد مارب القديم كما يستنتج من قراءة النقوش اليمنية القديمة الىالقرن الثــامن قبل الميــلاد غير ان نتائج الدراسة التي قامت بها البعثة الالمانية في احد السدود القديمة بوادي "ذنة"المنشأة "أ"ترى ان فكرة انشاء السد قد مرت بمراحل عدة وعبر فترة زمنية طويلة بين بداية الالف الثاني والالف الاول قبل الميلاد واين كانت البداية فان الذي لاخلاف حولة ان ســـد مارب معلـم ثابت لازم الحضارة السبئية منذ البداية مرورا بذروة الازدهار وحتى لحظات الانهيار ثم تصدع على اثرها.وهذا السد اشــهر اثــار اليمـن واعظم بناء هندسي قديم في شبة الجزيرة العربية وقد بني في ضيقــة بين البلــق الشمالي والبلق الجنوبي على وادي ذنة الذي تجري الية السيول من مساقط المياة في المرتفعات المحاذية له شرقا على امتداد مساحة شاسعه من ذمار ورداع ومراد وخــولان والتي تهطــل عليهــا الامطــار من ابريــل الـى اغسطس ، ويقوم السد بتصريفها بصورة سريع لتسقي ارض الجنتين التي تقدر مساحتها بأكثر مناثنين وسبعين كم مربع كما يبلغ طول جسم السد720 مترا وارتفاعة حوالي 15مترا وسمك جدار السد عنـدالقاعــدة60متر وكانت اساسات جسم السد من الاحجار الضخمة فوقهــا جــدار ترابي مغطــى بالحجــارة والحصى من الجانبين وعند طرفي السد يقع الصدفان " مصرفان " ينفذ منهما الماء الى شبكات وقنوات الري، ولم يكن الهدف من السد القديم خزن المياة فقط كما هو الحال بالنسبة للسد الجديد بــل كانت مـن مهامه ايضا رفع منسوب المياة حتى تصل الى السهلين الاكثر ارتفاعا " الجنتان اليسرى واليمني" وقد تعرض لانهيارات عدة وشهد ترميمات كان اخرهــا عام 547 م " في عهد ابرهة "ولاتــزال جــدران الصدفين قائمة الى اليوم تماما كما وصفها لسان اليمن "الهمداني " قبل اكثر من الف عام.
واجهة المصرف الجنوبي لسد مارب القديم وفي الصورة نقش يمني قديم بخط المسند
ثانيا : سـد الجفينة
وهو على بعد 8 كم جنوب غرب مركز محافظـــة مارب . مرتبــط بمنظومــة سد مارب العظيم يعود تاريخـــة الى الالف الاول قبـــل الميلاد"العصر السبئي الاول "وهو سد تحويلي لما يفيض من مياة السد العظيم بهدف زيادة مساحة الاراضي للجنة اليسرى، للسد اربع قنوات مبنية بأحجار مهندمة ويتصل بها جدران ساندة يصل ارتفاعها الى 10 امتار ويبلغ طولهـا نحو 300 متر ويصــل عرض اســاس الجدران الى4امتار و 1.50متر الى 1 م اعلى الجدران. وقد اصيب بالتصدع واعيد بناء الجدران بأحجــار بركانيةغيــر مهندمــة غطت بالقضاض الذي يرجع استعمالة الى العصر السبئي الثاني من350 الى 100 قبل الميلاد
مدينة مارب القديمة وفي الصورة الصغيرة صورة لطقوس رحلة الصيد المقدسة
وفي بعض المقالات في الصحف اليمنيه من خبراء التاريخ
ومذا قالو عن مأرب
سد مأرب العظيم يؤكد عظمة وعبقرية الانسان اليمني: بناء السدود.. تناغم جهد اليمنييـن مع عطــــاء الطبيعـــة
ذو القرنين من اليمنيين الذين بنو إرم ذات العماد في صحراء الاحقاف
يرتبط تاريخ اليمن بمجموعة كبيرة وعظيمة من المنجزات الحضارية والتي اسهمت إسهاماً فاعلاً في تطور الحياة الانسانية منذ القدم حيث مثلت إرهاصات هامة للأخذ باسباب الرقي.
وكان لليمنيين الفضل في إختراع الحروف «الحرف المسند» وهم الذين بنو القصور المشيدة وبنو السدود والمصانع والطرق والانفاق وأرسوا انظمة الحكم الديمقراطي وتركوا منجزاتهم آثاراً حية وشامخة في دول الشام والكثير من الدول.
ومن اليمنيين ذا القرنين الذي اعطاه الله من كل شيء سبباً فاتبع سبباً وهم الذين بنو إرم ذات العماد على ارض اليمن في صحراء الاحقاف او«صحراء عدن».
وكان لبناء السدود وتوابعها وما أشتق منها من الصهاريج والبرك والاحواض وكل ماله صلة بعمليات إرواء الارض واهتماماً خاصاً للانسان اليمني حيث قال تعالى في سورة الشعراء« أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون وإذا بطشتم بطشتم جبارين».
ويشير الدكتور عبدالله علي الكميم في كتابه الموسوم «هذا هو تاريخ اليمن» ان قوم عاد هم الذين نالوا شرف السبق في بناء السدود واستمرت التجربة وعمارة اليمن بعد قوم عاد الآفاً من السنين الى ان ازدهرت التجربة في عهد السبأيين في دولة حمير والذين صنعوا المعجزة «الآية» الاخرى والتي اشار اليها القران الكريم «لقد كان لسبأ في
- معبد عرش بلقيس ( برأن ): يقع هذا المعبد إلى الجنوب الغربي من مدينة مأرب القديمة ، ويبعد عنها نحو ( 4 كم ) ، وإلى الشمال الغربي من محرم بلقيس على بعد ( 1 كم ) .
- معبد محرم بلقيس ( أوام ):يقع هذا المعبد إلى الجنوب من مدينة مأرب القديمة على الضفة الجنوبية لوادي أذنة وهو بناء كبير وضخم ، تغطي الرمال معظم المنشأة المعمارية وبشكل كثيف .
يعود تاريخ سد مارب القديم كما يستنتج من قراءة النقوش اليمنية القديمة الىالقرن الثــامن قبل الميــلاد غير ان نتائج الدراسة التي قامت بها البعثة الالمانية في احد السدود القديمة بوادي "ذنة"المنشأة "أ"ترى ان فكرة انشاء السد قد مرت بمراحل عدة وعبر فترة زمنية طويلة بين بداية الالف الثاني والالف الاول قبل الميلاد واين كانت البداية فان الذي لاخلاف حولة ان ســـد مارب معلـم ثابت لازم الحضارة السبئية منذ البداية مرورا بذروة الازدهار وحتى لحظات الانهيار ثم تصدع على اثرها.وهذا السد اشــهر اثــار اليمـن واعظم بناء هندسي قديم في شبة الجزيرة العربية وقد بني في ضيقــة بين البلــق الشمالي والبلق الجنوبي على وادي ذنة الذي تجري الية السيول من مساقط المياة في المرتفعات المحاذية له شرقا على امتداد مساحة شاسعه من ذمار ورداع ومراد وخــولان والتي تهطــل عليهــا الامطــار من ابريــل الـى اغسطس ، ويقوم السد بتصريفها بصورة سريع لتسقي ارض الجنتين التي تقدر مساحتها بأكثر مناثنين وسبعين كم مربع كما يبلغ طول جسم السد720 مترا وارتفاعة حوالي 15مترا وسمك جدار السد عنـدالقاعــدة60متر وكانت اساسات جسم السد من الاحجار الضخمة فوقهــا جــدار ترابي مغطــى بالحجــارة والحصى من الجانبين وعند طرفي السد يقع الصدفان " مصرفان " ينفذ منهما الماء الى شبكات وقنوات الري، ولم يكن الهدف من السد القديم خزن المياة فقط كما هو الحال بالنسبة للسد الجديد بــل كانت مـن مهامه ايضا رفع منسوب المياة حتى تصل الى السهلين الاكثر ارتفاعا " الجنتان اليسرى واليمني" وقد تعرض لانهيارات عدة وشهد ترميمات كان اخرهــا عام 547 م " في عهد ابرهة "ولاتــزال جــدران الصدفين قائمة الى اليوم تماما كما وصفها لسان اليمن "الهمداني " قبل اكثر من الف عام.
واجهة المصرف الجنوبي لسد مارب القديم وفي الصورة نقش يمني قديم بخط المسند
ثانيا : سـد الجفينة
وهو على بعد 8 كم جنوب غرب مركز محافظـــة مارب . مرتبــط بمنظومــة سد مارب العظيم يعود تاريخـــة الى الالف الاول قبـــل الميلاد"العصر السبئي الاول "وهو سد تحويلي لما يفيض من مياة السد العظيم بهدف زيادة مساحة الاراضي للجنة اليسرى، للسد اربع قنوات مبنية بأحجار مهندمة ويتصل بها جدران ساندة يصل ارتفاعها الى 10 امتار ويبلغ طولهـا نحو 300 متر ويصــل عرض اســاس الجدران الى4امتار و 1.50متر الى 1 م اعلى الجدران. وقد اصيب بالتصدع واعيد بناء الجدران بأحجــار بركانيةغيــر مهندمــة غطت بالقضاض الذي يرجع استعمالة الى العصر السبئي الثاني من350 الى 100 قبل الميلاد
مدينة مارب القديمة وفي الصورة الصغيرة صورة لطقوس رحلة الصيد المقدسة
وفي بعض المقالات في الصحف اليمنيه من خبراء التاريخ
ومذا قالو عن مأرب
سد مأرب العظيم يؤكد عظمة وعبقرية الانسان اليمني: بناء السدود.. تناغم جهد اليمنييـن مع عطــــاء الطبيعـــة
ذو القرنين من اليمنيين الذين بنو إرم ذات العماد في صحراء الاحقاف
يرتبط تاريخ اليمن بمجموعة كبيرة وعظيمة من المنجزات الحضارية والتي اسهمت إسهاماً فاعلاً في تطور الحياة الانسانية منذ القدم حيث مثلت إرهاصات هامة للأخذ باسباب الرقي.
وكان لليمنيين الفضل في إختراع الحروف «الحرف المسند» وهم الذين بنو القصور المشيدة وبنو السدود والمصانع والطرق والانفاق وأرسوا انظمة الحكم الديمقراطي وتركوا منجزاتهم آثاراً حية وشامخة في دول الشام والكثير من الدول.
ومن اليمنيين ذا القرنين الذي اعطاه الله من كل شيء سبباً فاتبع سبباً وهم الذين بنو إرم ذات العماد على ارض اليمن في صحراء الاحقاف او«صحراء عدن».
وكان لبناء السدود وتوابعها وما أشتق منها من الصهاريج والبرك والاحواض وكل ماله صلة بعمليات إرواء الارض واهتماماً خاصاً للانسان اليمني حيث قال تعالى في سورة الشعراء« أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون وإذا بطشتم بطشتم جبارين».
ويشير الدكتور عبدالله علي الكميم في كتابه الموسوم «هذا هو تاريخ اليمن» ان قوم عاد هم الذين نالوا شرف السبق في بناء السدود واستمرت التجربة وعمارة اليمن بعد قوم عاد الآفاً من السنين الى ان ازدهرت التجربة في عهد السبأيين في دولة حمير والذين صنعوا المعجزة «الآية» الاخرى والتي اشار اليها القران الكريم «لقد كان لسبأ في
مسكنهم آية» سورة سبأ.
وكان لبناء السدود اهمية كبيرة لليمنين منذ القدم ولما لها من أهمية للاستهلاك الانساني والحيواني بالاضافة إلى التخفيف من خطر السيول والحيلولة بينها وبين الحاق الاضرار بالناس وتجميع المياه للانتفاع بها، وتلطيف الاجواء للمناطق بفعل تبخر المياه من تلك السدودو وتوفير مصادر المياه للمناطق التي تعاني من شح المياه والمرتفعة كما هو الحال بالنسبة لسد شاحك الواقع شرقي صنعاء وسد ريدان الواقع في الغرب.
والسد يعني في اللغة «بفتح السين وضمها» تعني الجبل وتعني الحاجز والمانع والحائل ويرى بعض اللغويين ان السد «بالفتح» ماكان من عمل الانسان اما السد «بالضم» فمن صنع الله.
وتعني كلمة السد «بالفتح الضم» إغلاق الخلل وردم القلم والفعل سدَّ بمعنى اغلق وجأت لفظة «العرم» سد مأرب بان العرم يكون للجرب التي يدخلها السيل الكثير وهي كالحصون وقد ادركوا الاجداد اليمنيين منذ فجر التاريخ مدى أهمية المياه في حياتهم وصنع حضارتهم خاصة بعد الجفاف بعد عشرة الآف سنة وكان نهر «الحفيف» في الاحقاف هو الوحيد الذي استمر في الجريان حتى بعد ذهاب عاد ففكروا في ايجاد وسيلة للتغلب على تلك الظروف القاسية وتوصلوا بذكائهم الى صنع السدود وبناء المصانع« البرك» في البيوت المنتشرة في كل منعرج وواد «أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون».
وتشير النقوش المكتوبة بالمسند أهمية المياه وماتحتلها قضية السدود بالنسبة للاجداد والتي تعكسها ادعيتهم وتوسلاتهم وحتى حروبهم بالاضافة الى تقديم النذور والقرابين والتي كانت تقدم للألهه حمداً لهطول الامطار وطلباً لاستمرارها وتوسلاً واستسقاء في حالة إحتباسها ومن النقوش النقش الذي نص «أن شعب سبأ اقيالاً ورؤساء وكل اصحاب مارب قدموا تقرباً لمعبودهم ثهوان سيد قبيلة اوام «وهي قبيلة مارب» تمثالاً من الذهب لما منَّ عليهم من الامطار في موسمي الرثاء والخريف اروى الارض وليستمر«المقه» وهو إلآههم في حراسة وحماية ذنه «والذي يعتبر سداً مستقلاً بذاته» والعرم« سد مأرب» واهلها الذين هم عبيد الاله وكذا بساتينهم».
وفي نقش آخر «شعب سبأ قدم تقرباً للمقه ثهوان سيد أوام هذا التمثال الذهبي حمداً لما جاء عليهم من السقي الهنيء ببرق الدثاء من عام معدي كرب بن سمهكرب بن مفتاح من المطر الغزير الذي اروى كل منطقة مارب من حقول وحدائق وانعم«ذنة» دون ان يحدث في بنائها أيه اضرار وتصدع».
وهناك نص آخر من ما احتوته نقوش شرف الدين الـ«41» ويتعلق بمسألة الارواء وترميم سد مأرب وتوابعه من السدود الصغيرة والذي يقول «شرحبيل ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنات واعرابهم في الطود وتهامة بن أبي كرب اسعد ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت وأعرابهم في الطور وتهامة قام بترميم العرم «سد مأرب إبتداءً من قرب رحب حتى وضح المقابلة لعبران رحمة مسارة تطهيراً وتشييداً من اسفله الذي يبتدي من وادي طمحان...» الى ان جاء هذا النقش«... كما رمم ردم مذاب من اسفله وردم التي حور مياهها واحكم سد ثغرات السيل التي كان يسبح منها الماء في «تزن» التابعة للنمرين، والعرم قد احكم بناءها من اساسها حتى القمة كما اصلح وادي يسريين عمارة وتطهيراً من اسفله الى قمته وقدام مدرجة التي يصرف منها الماء وكان هذا العمل بايدي قبائل كهلان ودتان في تاريخ شهر«ذو ثبتان سنة 535«420م».
وقام بردم الفلول والفتحات الجبلية بغية حصر المياه في حوض السد وترميم حوض السد وتطهيره واصلاح الارض التي تعتمد على السد كل من قبيلتي« حمير» و«حضرموت» الذين وردوا الى مأرب لهذا الغرض، ولم يعودوا إلا وقد اصبح السد من الصحة كالدرع الصماء وكان في اليوم الثاني بعد الخريف من نفس العام.
وقد بلغ عدد المشتركين في هذا العمل من حمير وحضرموت الذين وردوا من اجله عشرين الف شخص، وبعد ان طهروا« العرم» شرعوا في بنائه حتى بلغ ارتفاع السد 60 باعاً، وبعد الانتهاء من العمل عاد العلمانيوم والنمريون إلى رؤوسائهم وتم للملك « شرحبيل» إعادة بناء السد بحول إله السماء والارض وبجهود الشعوب والقبائل الذين لبوا نداء المشاركة من قبل الملك في هذا المرفق.
وقد كلف هذا المجهود من المؤن والارزاق: «295340» من انواع الحبوب «ولم يتم تحديدها بالوزن» أو بالكليل» و«370» رأساً من الابل، و«1360» رأساً من الضأن والبقر. و«1100» ذبيحة اخرى و«400.030» غرباً من السمن ودبس العنب والتمر وكان تاريخه« دودانم 565«450» «سبأ وكهلان» وقد ورد في تضرع وشكر إله تلك الشعوب« الاقيال اليمنية» حوالى 17 نقشاً يذكر فيه تقديمهم لإلهتهم «المقه ثهوان» بتماثيل من الذهب.
تاريخ بناء سد مأرب
يرجع الدكتور عبدالله علي الكميم في كتابه « هذا هو تاريخ اليمن» ان بناء سد مأرب العظيم كان قد بُنى في غضون الألف الرابع والسادس قبل الميلاد مستنداً على مؤشرات القرآن الكريم والكتب السماوية ونتائج الابحاث والدراسات الميدانية وما ألتقطت من صور من الاقمار الاصطناعية والتي اثبتت ان الجزيرة العربية كانت تسودها اجواء ممطرة
وكان لبناء السدود اهمية كبيرة لليمنين منذ القدم ولما لها من أهمية للاستهلاك الانساني والحيواني بالاضافة إلى التخفيف من خطر السيول والحيلولة بينها وبين الحاق الاضرار بالناس وتجميع المياه للانتفاع بها، وتلطيف الاجواء للمناطق بفعل تبخر المياه من تلك السدودو وتوفير مصادر المياه للمناطق التي تعاني من شح المياه والمرتفعة كما هو الحال بالنسبة لسد شاحك الواقع شرقي صنعاء وسد ريدان الواقع في الغرب.
والسد يعني في اللغة «بفتح السين وضمها» تعني الجبل وتعني الحاجز والمانع والحائل ويرى بعض اللغويين ان السد «بالفتح» ماكان من عمل الانسان اما السد «بالضم» فمن صنع الله.
وتعني كلمة السد «بالفتح الضم» إغلاق الخلل وردم القلم والفعل سدَّ بمعنى اغلق وجأت لفظة «العرم» سد مأرب بان العرم يكون للجرب التي يدخلها السيل الكثير وهي كالحصون وقد ادركوا الاجداد اليمنيين منذ فجر التاريخ مدى أهمية المياه في حياتهم وصنع حضارتهم خاصة بعد الجفاف بعد عشرة الآف سنة وكان نهر «الحفيف» في الاحقاف هو الوحيد الذي استمر في الجريان حتى بعد ذهاب عاد ففكروا في ايجاد وسيلة للتغلب على تلك الظروف القاسية وتوصلوا بذكائهم الى صنع السدود وبناء المصانع« البرك» في البيوت المنتشرة في كل منعرج وواد «أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون».
وتشير النقوش المكتوبة بالمسند أهمية المياه وماتحتلها قضية السدود بالنسبة للاجداد والتي تعكسها ادعيتهم وتوسلاتهم وحتى حروبهم بالاضافة الى تقديم النذور والقرابين والتي كانت تقدم للألهه حمداً لهطول الامطار وطلباً لاستمرارها وتوسلاً واستسقاء في حالة إحتباسها ومن النقوش النقش الذي نص «أن شعب سبأ اقيالاً ورؤساء وكل اصحاب مارب قدموا تقرباً لمعبودهم ثهوان سيد قبيلة اوام «وهي قبيلة مارب» تمثالاً من الذهب لما منَّ عليهم من الامطار في موسمي الرثاء والخريف اروى الارض وليستمر«المقه» وهو إلآههم في حراسة وحماية ذنه «والذي يعتبر سداً مستقلاً بذاته» والعرم« سد مأرب» واهلها الذين هم عبيد الاله وكذا بساتينهم».
وفي نقش آخر «شعب سبأ قدم تقرباً للمقه ثهوان سيد أوام هذا التمثال الذهبي حمداً لما جاء عليهم من السقي الهنيء ببرق الدثاء من عام معدي كرب بن سمهكرب بن مفتاح من المطر الغزير الذي اروى كل منطقة مارب من حقول وحدائق وانعم«ذنة» دون ان يحدث في بنائها أيه اضرار وتصدع».
وهناك نص آخر من ما احتوته نقوش شرف الدين الـ«41» ويتعلق بمسألة الارواء وترميم سد مأرب وتوابعه من السدود الصغيرة والذي يقول «شرحبيل ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنات واعرابهم في الطود وتهامة بن أبي كرب اسعد ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت وأعرابهم في الطور وتهامة قام بترميم العرم «سد مأرب إبتداءً من قرب رحب حتى وضح المقابلة لعبران رحمة مسارة تطهيراً وتشييداً من اسفله الذي يبتدي من وادي طمحان...» الى ان جاء هذا النقش«... كما رمم ردم مذاب من اسفله وردم التي حور مياهها واحكم سد ثغرات السيل التي كان يسبح منها الماء في «تزن» التابعة للنمرين، والعرم قد احكم بناءها من اساسها حتى القمة كما اصلح وادي يسريين عمارة وتطهيراً من اسفله الى قمته وقدام مدرجة التي يصرف منها الماء وكان هذا العمل بايدي قبائل كهلان ودتان في تاريخ شهر«ذو ثبتان سنة 535«420م».
وقام بردم الفلول والفتحات الجبلية بغية حصر المياه في حوض السد وترميم حوض السد وتطهيره واصلاح الارض التي تعتمد على السد كل من قبيلتي« حمير» و«حضرموت» الذين وردوا الى مأرب لهذا الغرض، ولم يعودوا إلا وقد اصبح السد من الصحة كالدرع الصماء وكان في اليوم الثاني بعد الخريف من نفس العام.
وقد بلغ عدد المشتركين في هذا العمل من حمير وحضرموت الذين وردوا من اجله عشرين الف شخص، وبعد ان طهروا« العرم» شرعوا في بنائه حتى بلغ ارتفاع السد 60 باعاً، وبعد الانتهاء من العمل عاد العلمانيوم والنمريون إلى رؤوسائهم وتم للملك « شرحبيل» إعادة بناء السد بحول إله السماء والارض وبجهود الشعوب والقبائل الذين لبوا نداء المشاركة من قبل الملك في هذا المرفق.
وقد كلف هذا المجهود من المؤن والارزاق: «295340» من انواع الحبوب «ولم يتم تحديدها بالوزن» أو بالكليل» و«370» رأساً من الابل، و«1360» رأساً من الضأن والبقر. و«1100» ذبيحة اخرى و«400.030» غرباً من السمن ودبس العنب والتمر وكان تاريخه« دودانم 565«450» «سبأ وكهلان» وقد ورد في تضرع وشكر إله تلك الشعوب« الاقيال اليمنية» حوالى 17 نقشاً يذكر فيه تقديمهم لإلهتهم «المقه ثهوان» بتماثيل من الذهب.
تاريخ بناء سد مأرب
يرجع الدكتور عبدالله علي الكميم في كتابه « هذا هو تاريخ اليمن» ان بناء سد مأرب العظيم كان قد بُنى في غضون الألف الرابع والسادس قبل الميلاد مستنداً على مؤشرات القرآن الكريم والكتب السماوية ونتائج الابحاث والدراسات الميدانية وما ألتقطت من صور من الاقمار الاصطناعية والتي اثبتت ان الجزيرة العربية كانت تسودها اجواء ممطرة
وكانت فائقة الخصوبة في العشر آلاف سنة التي سبقت الألف الخامس قبل الميلاد.
وان السد قد بني في غضون الالف الرابع والسادس ق.م نافياً بذلك ماقاله بعض المؤرخين والمفسرين الذين اعادوا بناء السد الى عهد« سمه على ينوف »بين القرنين الخامس والسابع ق.م وحجتهم بذلك انهم وجدوا نقشاً للملك «سمه علي نيوف» على احد الصدفين يشير الى انه هو الذي بنى السد وان إبنه يتعمر قد اكمل البناء. معيداً بذلك إلا أن ماقام به« سمه علي ينوف» وغيره من الذين جاؤا بعده ماهو الا نوع من الترميم أو الاضافات البسيطة على ان بعض المؤرخين يقولون أن سبأ بن يشجب هو الذي بناه كما اعتقد ابن خلدون والهمداني.
والكثير من المؤرخين يعترفون بان هناك سلسلة من الاصلاحات والترميمات والاضافات لسد مأرب وهو مادلت عليهما بعض الكتابات المحفورة على جدران السد بالمسند وفي اوقات مختلفة قبل الميلاد وبعده وكان آخرها هو إصلاح ابرهة له الذي تم على إثره تصدعه سنة«542»«للميلاد».
وقال الهمداني: «إن بعض العلماء يقولون ان بانيه لقمان بن عاد بن ابكر والبعض يقولون بنته حمير والازد بن الغون من عقب كهلان».
وقال المسعودي في كتابه «مروج الذهب» المجلد الأول: «بلاد سبأ التي ذكرها الله في القرآن انه أرسل على اهلها سيل العرم وهو السد وكان فرسخاً في فرسخ 12000 * 12000 ذراع في مثلها بناه لقمان الاكبر العادي وهو لقمان بن عاد.
ويضيف الكميم في كتابه هذا هو تاريخ اليمن ناقلاً الكثير من اراء المؤرخين حول بناء السد وهنا ينقل عن الدكتور احمد فخري والذي نقل من الدميري قوله المنقول عن السهيلي:« هذا السد بناه سبأ بن يشجب وجعل مياه سبعين نهراً تصب فيه ولكنه مات قبل تشييده فاتمه ملوك حمير واسم سبأ هو عبد شمس بن يشجب بن يعرب بن قحطان.
وكما إن ملكة سبأ - والكلام هنا للكميم- التي ألتقت النبى سليمان في القرن الأول قبل الميلاد فلم تأت من فراغ وإنما كانت تنطلق من أرضية حضارية ضاربة في القدم وفي اعماق التاريخ فقد كانت وقومها يعيشون في رغد من العيش ويتمتعون بنظام حكم بلغ أرقى درجات التطور بمقاييس زمانهم «إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم» «قالت يا أيها الملأ افتوني في أمري ماكنت قاطعة امراً حتى تشهدون قالوا نحن اولوقوة وأولو بأسٍ شديد والامر إليك فانظري ماذا تأمرين قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية افسدوها وجعلوا اعزة اهلها اذلة وكذلك يفعلون- واني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بما يرجع المرسلون» سورة النمل..
وهذه الآيات تؤكد توافر الامكانات التي أشار إليها القرآن وكذا حصافة العقول والتي بلغت مستوىً عال من النضج والكمال وماعكسه من إزدهار للحضارة اليمنية العربية عهود سبأ مأرب العظيم والممتدة من عام «2150» ق.م الى 530 ق.م وينقل الكميم عن الدكتور يوسف محمد عبدالله قوله« ليس بوسع المرء أن يقرر بثبات وبدقة متى نشأت حضارة سبأ فالأخباريون العرب يذكرون ان تلك الحضارة موغلة في القدم ولكنهم لايتفقون في تحديد الأزمنة بل يتجاهل معظمهم تقدير ذلك الايغال في القدم ومجمل قولهم في هذا الصدد، ان قحطان هو اول من ملك ارض اليمن واول من تتوج وهو الذي بني سد مأرب وكان العقب والذكر والملك لولديه حمير وكهلان، أما العلماء المحدثون فيجمعون على أنه كان لسبأ حضارة راقية نشأت قبل الميلاد بقرون، ولكنهم يختلفون في مبدأ نشأتها ومرد ذلك الاختلاف الى كون الدلائل الاثرية المتوفرة على كثرتها مازالت ناقصة وقاصرة وغير كافية الى أن يقول وبالعودة.
الى ما توفر من شواهد اثرية وقرائن دالة ان الحضارة السبئية كانت موجودة في مطلع الالف قبل الميلاد على الاقل وتركزت بداية في المناطق الشرقية من اليمن حيث تلتقي سفوح الجبال والصحراء على ضفاف الوديان التي تسيل من الجبال باتجاه الصحراء من جانب آخر فإن النقش المنسوب الى(سمه علي ينوف) لم ينص اويشير من قريب أو بعيد انه هو الذي بني سد مأرب (العرم)وانما فقط بني احد الاهوسه اوالمقاسم الذي اطلق عليها اسم (ترحب) أو(رِحاب) وهو ما اعتبره الدكتور يوسف محمد عبدالله منسماً وليس سداً حيث يقول: (والارجح ان يكون رحب هو اسم أحد المناسم عبر المعرف واسم السد هو العرم عرمن )
وقد استخلص الدكتور عبدالله علي الكميم في كتابه (هذا هو تاريخ اليمن) ماقيلت من اقوال مختلفة والنصوص المدونة حول بناء السد وتاريخ بنائه الاول: بأنه من المؤكد ان السد كان مبنياً في عهد الدولة السبئية الأولى وقد عاصرت النبي سليمان في النصف الثاني من القرن الاول الالفية الاولى ق.م وقيل ان اول من بناه كان قحطان.
إشتراك عدد من مكارب وملوك سبأ في بناء مصارف جديدة للسد بطرق هندسية ومن المشتركين يثعمر بن سمه على والذي قدرت فترة حكمه مابين (227-507ق.م) والسد كان مبنياً قبل مكارب سبأ ثم جاءوا هؤلاء واكملوا واجروا التحسينات على السد حتى اصبح كالدرع الصماء) كما جاء في كتاب محمود جلال علامات (السبئيون وسد مأرب) وكان هذا في القرن الخامس او السادس قبل الميلاد خاصة بعد أن
وان السد قد بني في غضون الالف الرابع والسادس ق.م نافياً بذلك ماقاله بعض المؤرخين والمفسرين الذين اعادوا بناء السد الى عهد« سمه على ينوف »بين القرنين الخامس والسابع ق.م وحجتهم بذلك انهم وجدوا نقشاً للملك «سمه علي نيوف» على احد الصدفين يشير الى انه هو الذي بنى السد وان إبنه يتعمر قد اكمل البناء. معيداً بذلك إلا أن ماقام به« سمه علي ينوف» وغيره من الذين جاؤا بعده ماهو الا نوع من الترميم أو الاضافات البسيطة على ان بعض المؤرخين يقولون أن سبأ بن يشجب هو الذي بناه كما اعتقد ابن خلدون والهمداني.
والكثير من المؤرخين يعترفون بان هناك سلسلة من الاصلاحات والترميمات والاضافات لسد مأرب وهو مادلت عليهما بعض الكتابات المحفورة على جدران السد بالمسند وفي اوقات مختلفة قبل الميلاد وبعده وكان آخرها هو إصلاح ابرهة له الذي تم على إثره تصدعه سنة«542»«للميلاد».
وقال الهمداني: «إن بعض العلماء يقولون ان بانيه لقمان بن عاد بن ابكر والبعض يقولون بنته حمير والازد بن الغون من عقب كهلان».
وقال المسعودي في كتابه «مروج الذهب» المجلد الأول: «بلاد سبأ التي ذكرها الله في القرآن انه أرسل على اهلها سيل العرم وهو السد وكان فرسخاً في فرسخ 12000 * 12000 ذراع في مثلها بناه لقمان الاكبر العادي وهو لقمان بن عاد.
ويضيف الكميم في كتابه هذا هو تاريخ اليمن ناقلاً الكثير من اراء المؤرخين حول بناء السد وهنا ينقل عن الدكتور احمد فخري والذي نقل من الدميري قوله المنقول عن السهيلي:« هذا السد بناه سبأ بن يشجب وجعل مياه سبعين نهراً تصب فيه ولكنه مات قبل تشييده فاتمه ملوك حمير واسم سبأ هو عبد شمس بن يشجب بن يعرب بن قحطان.
وكما إن ملكة سبأ - والكلام هنا للكميم- التي ألتقت النبى سليمان في القرن الأول قبل الميلاد فلم تأت من فراغ وإنما كانت تنطلق من أرضية حضارية ضاربة في القدم وفي اعماق التاريخ فقد كانت وقومها يعيشون في رغد من العيش ويتمتعون بنظام حكم بلغ أرقى درجات التطور بمقاييس زمانهم «إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم» «قالت يا أيها الملأ افتوني في أمري ماكنت قاطعة امراً حتى تشهدون قالوا نحن اولوقوة وأولو بأسٍ شديد والامر إليك فانظري ماذا تأمرين قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية افسدوها وجعلوا اعزة اهلها اذلة وكذلك يفعلون- واني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بما يرجع المرسلون» سورة النمل..
وهذه الآيات تؤكد توافر الامكانات التي أشار إليها القرآن وكذا حصافة العقول والتي بلغت مستوىً عال من النضج والكمال وماعكسه من إزدهار للحضارة اليمنية العربية عهود سبأ مأرب العظيم والممتدة من عام «2150» ق.م الى 530 ق.م وينقل الكميم عن الدكتور يوسف محمد عبدالله قوله« ليس بوسع المرء أن يقرر بثبات وبدقة متى نشأت حضارة سبأ فالأخباريون العرب يذكرون ان تلك الحضارة موغلة في القدم ولكنهم لايتفقون في تحديد الأزمنة بل يتجاهل معظمهم تقدير ذلك الايغال في القدم ومجمل قولهم في هذا الصدد، ان قحطان هو اول من ملك ارض اليمن واول من تتوج وهو الذي بني سد مأرب وكان العقب والذكر والملك لولديه حمير وكهلان، أما العلماء المحدثون فيجمعون على أنه كان لسبأ حضارة راقية نشأت قبل الميلاد بقرون، ولكنهم يختلفون في مبدأ نشأتها ومرد ذلك الاختلاف الى كون الدلائل الاثرية المتوفرة على كثرتها مازالت ناقصة وقاصرة وغير كافية الى أن يقول وبالعودة.
الى ما توفر من شواهد اثرية وقرائن دالة ان الحضارة السبئية كانت موجودة في مطلع الالف قبل الميلاد على الاقل وتركزت بداية في المناطق الشرقية من اليمن حيث تلتقي سفوح الجبال والصحراء على ضفاف الوديان التي تسيل من الجبال باتجاه الصحراء من جانب آخر فإن النقش المنسوب الى(سمه علي ينوف) لم ينص اويشير من قريب أو بعيد انه هو الذي بني سد مأرب (العرم)وانما فقط بني احد الاهوسه اوالمقاسم الذي اطلق عليها اسم (ترحب) أو(رِحاب) وهو ما اعتبره الدكتور يوسف محمد عبدالله منسماً وليس سداً حيث يقول: (والارجح ان يكون رحب هو اسم أحد المناسم عبر المعرف واسم السد هو العرم عرمن )
وقد استخلص الدكتور عبدالله علي الكميم في كتابه (هذا هو تاريخ اليمن) ماقيلت من اقوال مختلفة والنصوص المدونة حول بناء السد وتاريخ بنائه الاول: بأنه من المؤكد ان السد كان مبنياً في عهد الدولة السبئية الأولى وقد عاصرت النبي سليمان في النصف الثاني من القرن الاول الالفية الاولى ق.م وقيل ان اول من بناه كان قحطان.
إشتراك عدد من مكارب وملوك سبأ في بناء مصارف جديدة للسد بطرق هندسية ومن المشتركين يثعمر بن سمه على والذي قدرت فترة حكمه مابين (227-507ق.م) والسد كان مبنياً قبل مكارب سبأ ثم جاءوا هؤلاء واكملوا واجروا التحسينات على السد حتى اصبح كالدرع الصماء) كما جاء في كتاب محمود جلال علامات (السبئيون وسد مأرب) وكان هذا في القرن الخامس او السادس قبل الميلاد خاصة بعد أن
هيمن السبئيون (حكام مأرب) على ظفار ريدان بيحصب.
المساحة
اما عن حجم السد فيقول الكميم عن الدكتور يوسف محمد عبدالله:تقدر مساحة السد قديماً بحوالى 8 كيلو مترات مربعة وسعته الاجمالية حوالي 55 مليون مترمكعب اما علامات في كتابه السبئيون وسد مأرب) فيقول ان المسافة بين السد والضيقة 4كم ومعدل عرض الوادي 004 متر وارتفاع حافتي الوادي 01 امتار كحد أدنى فتكون مساحة البحيرة 0004*004*01=000،000،61 متر مكعب وهي كميات كبيرة كم جاء في مجلة اليمن الجديد : «تقدر سعة بحيرة السد بحوالي خمسة وخمسين مليون متر مكعب وطول جسم السد حوالي 086 متراً وارتفاعه حوالى ستة عشر متراً وعرض قاعدته حوالي سبعين متراً.
وهكذا تفاوتت التقديرات عن جحم السد القديم وسعته التخزينية ولكنها تتفق تقريباً على ان طاقته كانت تتراوح بين 05،001 مليون متر مكعب من الماء والكلام هنا للدكتور الكميم.
منشآت السد
1- العرم: وهو جسم السد الذي يحتجز المياه المتدفقة اليه عبر وادي (ذنه)أو(أذنه) وكان السد يتحمل ضغوطاً هائلة جراء تدفق السيول الجارفة للاتربة والاحجار والاشجار وغيرها من الرواسب القادمة من منطقة مساقط مياه السد الجبلية ،فلذلك اقام الحميريون والسبئيون القدماء سد مارب لتحويل السيول الى قنوات الري التي تسقي الحقول على جانبي وادي أذنه اطول فترة ممكنة وقد شيدوا السد على قاعدة صخرية في الوادي وفي مضيق ملائم يتيح شق مخارج جانبية واسعة عبر صخور الجبلين.
ويقول د. جواد علي: وقد استخدمت في بناء السد و الحواجز حجارة اقتصت من الصخور وعولجت بمهارة وحذق حتى يوضع بعضها فوق بعض وتثبت وتتماسك وتكون كأنها قطعة صلبة واحدة ،وقد نحتت الصخور بحيث صارت تتداخل مع بعض بأن يدخل رأس من صخرة في فتحة مقابلة لها فتكون كالمفتاح في القفل وبذلك تتماسك هذه الصخور وترتبط ارتباطاً وثيقاً وتكون كأنها صخرة واحدة.
وقد وجد ان بعض الاحجار قد ربطت بعضها ببعض بقطع من قضبان اسطوانية من المعدن المكون من الرصاص والنحاس يبلغ طول الواحد منها 61 سم وقطرها 3.5 وذلك بصب المعدن في ثقب الحجر فإذا إحمر وصار على شكل مسماريوضع الحجر المطابق الذي صمم ليكون فوقه في موضعه بإدخال المسمار في الثقب المعمول في الجهة السفلى في ذلك الحجر ،وبذلك يرتبط الحجران بعضهما ببعض برباط قوي محكم وكان لأختراع هذه الطريقة آية كبيرة لكونها تساعد السد للوقوف امام ضغط الماء وخطر وقوع الزلزال .
اما المادة التي استعملت في البناء لربط الاحجار بعضها ببعض فهي من احسن انواع الجبس والذي تصلب فطليت به واجهات السد ايضاً حتى صار كأصلب انواع الاسمنت وهي مادة «القضاض» وتتكون من مادة (النورة) الجبس واحجار صلبة كانت تدق ثم تخلط وتخمّر بالماء لعدة ايام ثم تستعمل بعد ذلك في البرك والاحواض والحمامات والاسطح.
الصدفان والمصرفان:
يعتبر المصرفان هما المجريان.. والصدف تعني حافة الجبل او الجزء الناتئ منه والمشرف على الواد كما قال تعالى:«حتى اذا ساوى بين الصدفين قال إنفخوا» 96 الكهف.
وكان الهمداني اول من اشارا الى الصدفين والمصارف اذ قال : (واما مقاسم الماء من مذاخر السد فيما بين الضياع فقائمة كان صانعها فرغ من عملها بالامس ورايت بناء احد الصدفين باقياً هو الذي يخرج منه الماء قائماً بحاله على اوثق ما كان ولايتغير الى أن يشاء الله عز وجل وانما وقع الكسر في العرم وقد بقي من العرم شيء يصال إلى الجهة اليسرى لان عرض اسفله خمسة عشر ذراعاً ،اما المصرف الايمن الذي اسماه الهمداني بالصدف لايزال قائماً إلى الآن شاهداً على عظمة البناء وقوة إرادة بنائه
مواد بناء السد
يقول صاحب كتاب -كنوز مدينة بلقيس (ويندل فيلبس): اكثر ما ادهشني كانت الطريقة التي وضعت بها تلك الحجارة الهائلة بعضها فوق بعض وبترتيب دقيق كان الحجر يناسب الآخر فكأنها قطع من الفسيفساء، وقد رأينا قسماً من جدار السد يرتفع خمسين قدماً مازال شامخاً كما كان عندما انشأه فنانو سبأ العظام قبل حوالى 2700 سنة ق.م.
ويقول الدكتور عبدالله علي الكيميم في كتابه «هذا هو تاريخ اليمن» ان مواد البناء المستخدمة في بناء السد هي الاحجار بمختلف انواعها والوانها واشكالها كما استخدمة مهندسو السد العظام اللبن الاسمنتي (الطوب) الذي عثر عليه في القنوات الصغيرة وهو في منتهى القوة وقد اختلف نوع وحجم الحجر ودرجة صقله حسب المكان الذي يوضع فيه، فجسم السد (العرم كان من الاتربة والاحجار بإختلاف الاحجام كما استعملوا الحديد والنحاس والرصاص المذاب في بعض الاماكن لزيادة متانة البناء وتماسكه، اما المصرفان الرئيسيان فقد بنوهما من الاحجار الكبيرة المصقولة صقلاً ممتازاً واستعملوا القضبان من الحديد والنحاس للربط بين الاحجار الكبيرة كما استعملوا الرصاص المذاب كمادة ربط بين الاحجار وبالذات في مناطق الاطراف وكانوا يبنون بالحجار المزدوجة (ذكر وانثى) حيث كانوا يحفرون في الحجر المراد تزويجه بغيره حفرتين او اربع حفر بعمق بضعة سنتيمترات ويضعون في المقابل نتوأين او ا
المساحة
اما عن حجم السد فيقول الكميم عن الدكتور يوسف محمد عبدالله:تقدر مساحة السد قديماً بحوالى 8 كيلو مترات مربعة وسعته الاجمالية حوالي 55 مليون مترمكعب اما علامات في كتابه السبئيون وسد مأرب) فيقول ان المسافة بين السد والضيقة 4كم ومعدل عرض الوادي 004 متر وارتفاع حافتي الوادي 01 امتار كحد أدنى فتكون مساحة البحيرة 0004*004*01=000،000،61 متر مكعب وهي كميات كبيرة كم جاء في مجلة اليمن الجديد : «تقدر سعة بحيرة السد بحوالي خمسة وخمسين مليون متر مكعب وطول جسم السد حوالي 086 متراً وارتفاعه حوالى ستة عشر متراً وعرض قاعدته حوالي سبعين متراً.
وهكذا تفاوتت التقديرات عن جحم السد القديم وسعته التخزينية ولكنها تتفق تقريباً على ان طاقته كانت تتراوح بين 05،001 مليون متر مكعب من الماء والكلام هنا للدكتور الكميم.
منشآت السد
1- العرم: وهو جسم السد الذي يحتجز المياه المتدفقة اليه عبر وادي (ذنه)أو(أذنه) وكان السد يتحمل ضغوطاً هائلة جراء تدفق السيول الجارفة للاتربة والاحجار والاشجار وغيرها من الرواسب القادمة من منطقة مساقط مياه السد الجبلية ،فلذلك اقام الحميريون والسبئيون القدماء سد مارب لتحويل السيول الى قنوات الري التي تسقي الحقول على جانبي وادي أذنه اطول فترة ممكنة وقد شيدوا السد على قاعدة صخرية في الوادي وفي مضيق ملائم يتيح شق مخارج جانبية واسعة عبر صخور الجبلين.
ويقول د. جواد علي: وقد استخدمت في بناء السد و الحواجز حجارة اقتصت من الصخور وعولجت بمهارة وحذق حتى يوضع بعضها فوق بعض وتثبت وتتماسك وتكون كأنها قطعة صلبة واحدة ،وقد نحتت الصخور بحيث صارت تتداخل مع بعض بأن يدخل رأس من صخرة في فتحة مقابلة لها فتكون كالمفتاح في القفل وبذلك تتماسك هذه الصخور وترتبط ارتباطاً وثيقاً وتكون كأنها صخرة واحدة.
وقد وجد ان بعض الاحجار قد ربطت بعضها ببعض بقطع من قضبان اسطوانية من المعدن المكون من الرصاص والنحاس يبلغ طول الواحد منها 61 سم وقطرها 3.5 وذلك بصب المعدن في ثقب الحجر فإذا إحمر وصار على شكل مسماريوضع الحجر المطابق الذي صمم ليكون فوقه في موضعه بإدخال المسمار في الثقب المعمول في الجهة السفلى في ذلك الحجر ،وبذلك يرتبط الحجران بعضهما ببعض برباط قوي محكم وكان لأختراع هذه الطريقة آية كبيرة لكونها تساعد السد للوقوف امام ضغط الماء وخطر وقوع الزلزال .
اما المادة التي استعملت في البناء لربط الاحجار بعضها ببعض فهي من احسن انواع الجبس والذي تصلب فطليت به واجهات السد ايضاً حتى صار كأصلب انواع الاسمنت وهي مادة «القضاض» وتتكون من مادة (النورة) الجبس واحجار صلبة كانت تدق ثم تخلط وتخمّر بالماء لعدة ايام ثم تستعمل بعد ذلك في البرك والاحواض والحمامات والاسطح.
الصدفان والمصرفان:
يعتبر المصرفان هما المجريان.. والصدف تعني حافة الجبل او الجزء الناتئ منه والمشرف على الواد كما قال تعالى:«حتى اذا ساوى بين الصدفين قال إنفخوا» 96 الكهف.
وكان الهمداني اول من اشارا الى الصدفين والمصارف اذ قال : (واما مقاسم الماء من مذاخر السد فيما بين الضياع فقائمة كان صانعها فرغ من عملها بالامس ورايت بناء احد الصدفين باقياً هو الذي يخرج منه الماء قائماً بحاله على اوثق ما كان ولايتغير الى أن يشاء الله عز وجل وانما وقع الكسر في العرم وقد بقي من العرم شيء يصال إلى الجهة اليسرى لان عرض اسفله خمسة عشر ذراعاً ،اما المصرف الايمن الذي اسماه الهمداني بالصدف لايزال قائماً إلى الآن شاهداً على عظمة البناء وقوة إرادة بنائه
مواد بناء السد
يقول صاحب كتاب -كنوز مدينة بلقيس (ويندل فيلبس): اكثر ما ادهشني كانت الطريقة التي وضعت بها تلك الحجارة الهائلة بعضها فوق بعض وبترتيب دقيق كان الحجر يناسب الآخر فكأنها قطع من الفسيفساء، وقد رأينا قسماً من جدار السد يرتفع خمسين قدماً مازال شامخاً كما كان عندما انشأه فنانو سبأ العظام قبل حوالى 2700 سنة ق.م.
ويقول الدكتور عبدالله علي الكيميم في كتابه «هذا هو تاريخ اليمن» ان مواد البناء المستخدمة في بناء السد هي الاحجار بمختلف انواعها والوانها واشكالها كما استخدمة مهندسو السد العظام اللبن الاسمنتي (الطوب) الذي عثر عليه في القنوات الصغيرة وهو في منتهى القوة وقد اختلف نوع وحجم الحجر ودرجة صقله حسب المكان الذي يوضع فيه، فجسم السد (العرم كان من الاتربة والاحجار بإختلاف الاحجام كما استعملوا الحديد والنحاس والرصاص المذاب في بعض الاماكن لزيادة متانة البناء وتماسكه، اما المصرفان الرئيسيان فقد بنوهما من الاحجار الكبيرة المصقولة صقلاً ممتازاً واستعملوا القضبان من الحديد والنحاس للربط بين الاحجار الكبيرة كما استعملوا الرصاص المذاب كمادة ربط بين الاحجار وبالذات في مناطق الاطراف وكانوا يبنون بالحجار المزدوجة (ذكر وانثى) حيث كانوا يحفرون في الحجر المراد تزويجه بغيره حفرتين او اربع حفر بعمق بضعة سنتيمترات ويضعون في المقابل نتوأين او ا
ربعة نتوءات ثم يضعون احدهما فوق الاخر بحيث يتطبقان تماماً .
ويشير جواد علي في كتابه المفصل أن المادة التي استعملت في البناء لربط الاحجار بعضها ببعض فهي من اجود انواع الجبس (القضاض) وقد تصلب هذا الجبس الذي بني به واجهات السد ايضاً حتى صار كأصلب انواع الاسمنت.
الجنتين
يقول تعالى في كتابه الكريم (لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال) وقد تراوحت واختلفت تقديرات المؤرخين في تحديد مساحة الجنتين ومنهم من قدرها بين 03 و003 ميل مربع والبعض الآخر اعتبروها اكبر من هذا بكثير وحددوها بانها تبلغ مسافة ايام وليال حيث تصل الى حضرموت في الجنوب الشرقي والى نجران في الشمال الغربي.
الجنة اليمنية
ويقول الدكتور الكميم عن نزيه العظم في وصفه للجنة اليمنية عند زيارته للسد عام 1936م بقوله تتبعت مجرى المياه الى جانب بلق الايمن الى مسافة يسيره ثم غاب عن نظري مرة واحدة ولكن تبينت الجهة التي كان يسيل في اتجاهها ثم وجدته ثانية بعد أن تقسم الى ستة مجار وهناك مجار سته متوازية تسيل نحو الجنوب الشرقي، ويوجد على مسافة ساعة وربع من مأرب الى الجنوب الغربي آثار خرائب مدينة صغيرة يقولون لها «مرون» وتمتد هذه الخرائب من «مرون» الى مسافة بعيدة في الجهة الجنوبية ويولون: انه كان يوجد بالقرب من هذه المدينة والي جنوبها مدينة يطلق عليها اسم مدينة النحاس وقد طغت عليها الرمال فغطتها وهذا ماتؤكده الآية الكريمة.
ويضيف ان طول هذه الجنة (نسبياً) من الغرب الى الشرق باستقامة مدينة مأرب فتبلغ نحو ساعة وربع الساعةاي ستة كيلو مترات تقريباً وعرضها من الجنوب الى الشمال نحو ساعة اي خمسة كيلومترات فتكون مساحتها نحو 30 كم2 وهذه الجنة تبدو الآن اصغر من الجنة الشمالية بعد ان غطتها الرمال وينقل الدكتور الكيميم عن نزيه العظم حكاية دلالة عن مدى اتساع هذه الجنة وامتدادها ان هناك ما يدعوهم (الحوامي) اي حماة الماء حيث شاهد في سائلة «ذنه» بالجهة الشرقية عن بعد ثلاثمائة متر تقريباً من عبّارة الماء الجنوبية اساساً لبناء قديم بشكل مربع وكان مسكناً للحرس (الحوامي) ويروون عنهم قصصاً غريبة وفي جملتها انهم كانوا ينتشرون من السد الى حضرموت بصورة دوريات وكانوا ينقلون الاخبار بسرعة كبيرة بأن ينادي الحارس الواحد على الآخر ويقول له بلغ فلاناً ما هو كذا وكذا وقيل والله اعلم ان زوج احد الملوك ولدت له مولوداً في المساء بمأرب بينما كان هو بحضرموت فلم يصبح الصباح إلا علم بولادة زوجته وذلك عن طريق حوامي الماء رغم ان المسافة بين مأرب وحضرموت تبلغ خمسة ايام.
اما صاحب كتاب السبئيون فيصل الى استنتاج ان ساحة الجنة اليمنىة 27.5كم2 الجنة اليسرى يشير نفس المصدر السابق الي ان طول الجنة اليسرى يبلغ من (مربط الدم) (عند العرم) اي من السد في الغرب الى مايلي مدينة مأرب بالشرق بنحو عشرة كيلو مترات اي مسافة ساعتين وعرضهامن الجنوب الى الشمال نحو ساعة اي خمسة كيلومترات فتكون منها05كم2.
ويقول: د. الكميم نقلاً عن جورجي زيدان صاحب كتاب العرب قبل الاسلام :«ان بين المضيق والمدينة متسع من الارض تبلغ مساحة ما يحيط به من سفوح الجبال بحوالي (300) ميل مربع كانت قاحله وجرداء فأصبحت بعدتدبير المياه بالسد بساتين على سفحي الجبلين وهي المعبر عنها بالجنتين بالشمال واليمين»
ويذهب ايضاً صاحب كتاب السبئيون الى ان مساحة الجنة اليسرى هي 22.0كم2 وانساحة الجنتين =27.5+22=49.5كم2
ويقدر شرف الدين مساحةالجنتين ان عرضها 61 كم بالسيارة في طول خمس مراحل كما يقدرها المسافرون من اهل مأرب وهذا الرأي يعتبره الدكتور الكميم بأنه الاقرب الي الحقيقة معتمداً على الآية الكريمة التي تقول (وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي واياماً آمنين) «صدرق الله العظيم
ويشير جواد علي في كتابه المفصل أن المادة التي استعملت في البناء لربط الاحجار بعضها ببعض فهي من اجود انواع الجبس (القضاض) وقد تصلب هذا الجبس الذي بني به واجهات السد ايضاً حتى صار كأصلب انواع الاسمنت.
الجنتين
يقول تعالى في كتابه الكريم (لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال) وقد تراوحت واختلفت تقديرات المؤرخين في تحديد مساحة الجنتين ومنهم من قدرها بين 03 و003 ميل مربع والبعض الآخر اعتبروها اكبر من هذا بكثير وحددوها بانها تبلغ مسافة ايام وليال حيث تصل الى حضرموت في الجنوب الشرقي والى نجران في الشمال الغربي.
الجنة اليمنية
ويقول الدكتور الكميم عن نزيه العظم في وصفه للجنة اليمنية عند زيارته للسد عام 1936م بقوله تتبعت مجرى المياه الى جانب بلق الايمن الى مسافة يسيره ثم غاب عن نظري مرة واحدة ولكن تبينت الجهة التي كان يسيل في اتجاهها ثم وجدته ثانية بعد أن تقسم الى ستة مجار وهناك مجار سته متوازية تسيل نحو الجنوب الشرقي، ويوجد على مسافة ساعة وربع من مأرب الى الجنوب الغربي آثار خرائب مدينة صغيرة يقولون لها «مرون» وتمتد هذه الخرائب من «مرون» الى مسافة بعيدة في الجهة الجنوبية ويولون: انه كان يوجد بالقرب من هذه المدينة والي جنوبها مدينة يطلق عليها اسم مدينة النحاس وقد طغت عليها الرمال فغطتها وهذا ماتؤكده الآية الكريمة.
ويضيف ان طول هذه الجنة (نسبياً) من الغرب الى الشرق باستقامة مدينة مأرب فتبلغ نحو ساعة وربع الساعةاي ستة كيلو مترات تقريباً وعرضها من الجنوب الى الشمال نحو ساعة اي خمسة كيلومترات فتكون مساحتها نحو 30 كم2 وهذه الجنة تبدو الآن اصغر من الجنة الشمالية بعد ان غطتها الرمال وينقل الدكتور الكيميم عن نزيه العظم حكاية دلالة عن مدى اتساع هذه الجنة وامتدادها ان هناك ما يدعوهم (الحوامي) اي حماة الماء حيث شاهد في سائلة «ذنه» بالجهة الشرقية عن بعد ثلاثمائة متر تقريباً من عبّارة الماء الجنوبية اساساً لبناء قديم بشكل مربع وكان مسكناً للحرس (الحوامي) ويروون عنهم قصصاً غريبة وفي جملتها انهم كانوا ينتشرون من السد الى حضرموت بصورة دوريات وكانوا ينقلون الاخبار بسرعة كبيرة بأن ينادي الحارس الواحد على الآخر ويقول له بلغ فلاناً ما هو كذا وكذا وقيل والله اعلم ان زوج احد الملوك ولدت له مولوداً في المساء بمأرب بينما كان هو بحضرموت فلم يصبح الصباح إلا علم بولادة زوجته وذلك عن طريق حوامي الماء رغم ان المسافة بين مأرب وحضرموت تبلغ خمسة ايام.
اما صاحب كتاب السبئيون فيصل الى استنتاج ان ساحة الجنة اليمنىة 27.5كم2 الجنة اليسرى يشير نفس المصدر السابق الي ان طول الجنة اليسرى يبلغ من (مربط الدم) (عند العرم) اي من السد في الغرب الى مايلي مدينة مأرب بالشرق بنحو عشرة كيلو مترات اي مسافة ساعتين وعرضهامن الجنوب الى الشمال نحو ساعة اي خمسة كيلومترات فتكون منها05كم2.
ويقول: د. الكميم نقلاً عن جورجي زيدان صاحب كتاب العرب قبل الاسلام :«ان بين المضيق والمدينة متسع من الارض تبلغ مساحة ما يحيط به من سفوح الجبال بحوالي (300) ميل مربع كانت قاحله وجرداء فأصبحت بعدتدبير المياه بالسد بساتين على سفحي الجبلين وهي المعبر عنها بالجنتين بالشمال واليمين»
ويذهب ايضاً صاحب كتاب السبئيون الى ان مساحة الجنة اليسرى هي 22.0كم2 وانساحة الجنتين =27.5+22=49.5كم2
ويقدر شرف الدين مساحةالجنتين ان عرضها 61 كم بالسيارة في طول خمس مراحل كما يقدرها المسافرون من اهل مأرب وهذا الرأي يعتبره الدكتور الكميم بأنه الاقرب الي الحقيقة معتمداً على الآية الكريمة التي تقول (وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي واياماً آمنين) «صدرق الله العظيم
#اليمن_تاريخ_وثقافة
اكتشاف مملكة سبأ في إثيوبيا
منذ نحو 3000 عام، وصلت ملكة سبأ إلى أوراشليم مع كميات هائلة من الذهب والبخور هدية للملك سليمان. حادثة اتت على ذكرها معظم المصادر التاريخية والتوراة والقرآن، وكثيراً ما كتبت المراجع التاريخية عن هذه المرأة التي خرجت عن المألوف بدهائها وحكمتها وغنى مملكتها. وكانت الملكة قد اتت لزيارة الملك سليمان الذي اشتهر بحكمته.
واعتبرت الحادثة، لقرون طويلة، بمثابة اسطورة. ولكن، في القرن الماضي، بدأ بعض علماء الآثار البحث عن مملكة سبأ التي ساد الاعتقاد بأنها تقع بين اليمن واريتريا وتمتد على ضفتي البحر الاحمر. حتى ان اليمن بات يسوق بعضاً من مواقعه الاثرية على انها مملكة سبأ. ولكن، اتى اكتشاف اثري في اثيوبيا ليغيّر هذه المعطيات. ففي الاسبوع الماضي، أعلنت عالمة الآثار البريطانية لويز شوفيلد أنها عثرت على أحد مناجم الذهب، ومعبد وأرض معركة كانت تعود إلى مملكة سبأ في موقع هضبة غرلتا في شمال إثيوبيا التي كانت تمتد بين إثيوبيا واليمن بين القرن الثامن ق.م والقرن الثاني الميلادي.
وتقول شوفيلد، التي رأست عمليات التنقيب وهي عالمة آثار ومديرة سابقة للمتحف البريطاني: «من أحب أوجه علم الآثار إليّ إمكانية ربط الأساطير بالواقع، فامكانية العثور على مناجم ملكة سبأ أمر رائع!». والمعروف عن هذه العالمة انها تبحث عن هذه الاماكن الصعبة، وهي كانت قد اكتشفت سابقاً في تركيا مدينة زوغما الرومانية التي كان يعرف ان جمال أبنيتها يضاهي جمال روما. والدليل على ان هذه المناجم تعود لملكة سبأ لوحة حجرية عليها نقش لهلال وشمس وعليها كتابة بلغة أهل سبأ، لم تتم ترجمتها بعد، وعلى مقربة من المنجم عثر على بقايا معبد وموقع معركة قديمة حيث اكتشفت كميات من العظام البشرية.
عمليات التنقيب في الموقع لم تبدأ بعد، إذ لم تحدد الميزانيات الخاصة بها، وتقول شوفيلد إن العمل سيكون لتحديد ضخامة منجم الذهب الذي حفره البشر قبل آلاف السنين، ومن ثم ستبدأ عملية الكشف على بقية المعالم الاثرية في المنطقة لكشف تاريخ مملكة سبأ. وتجدر الإشارة الى ان شوفيلد لم تأت هذه السنة الى هضبة غرلتا للتنقيب، وإنما لاتمام مشروع يهدف إلى تعزيز قدرات الري والزراعة في هذه المنطقة من إثيوبيا بعدما كانت قد أمنت تمويله من منظمة خيرية اسستها لمساعدة 10.000 شخص من اهالي المنطقة. فكان الاكتشاف بمثابة مفاجأة كبيرة. وتأمل شوفيلد ان يساعد هذا الاكتشاف في إدخال المنطقة في السياحة، خصوصاً ان مملكة سبأ عقدة أساسية في تجارة البخور والبهارات في العالم القديم.
ورغم أن القليل يعرف عن ملكة سبأ التي تنسب اليها اسماء مختلفة بحسب الديانات، إلا نها كانت رمزاً للدهاء والحكمة في العصور الوسيطة في أوروبا كما في التراث الفارسي والتركي. ولا تزال قصص الملكة تروى في البلدان العربية وإثيوبيا. وقصتها مع الملك سليمان تعتبر من اقدم قصص الحب في العالم. فالتوراة تروي فصول زيارتها للملك سليمان وكيف امتحنت حكمته عبر الطلب منه حلّ ألغاز عديدة. أما القصة الإثيوبية، في كتاب «الكبرا ــــ نغسة»، فتروي كيف أصبح ابن سليمان والملكة، منيليك (أي ابن الرجل الحكيم) ملكاً على إثيوبيا
اكتشاف مملكة سبأ في إثيوبيا
منذ نحو 3000 عام، وصلت ملكة سبأ إلى أوراشليم مع كميات هائلة من الذهب والبخور هدية للملك سليمان. حادثة اتت على ذكرها معظم المصادر التاريخية والتوراة والقرآن، وكثيراً ما كتبت المراجع التاريخية عن هذه المرأة التي خرجت عن المألوف بدهائها وحكمتها وغنى مملكتها. وكانت الملكة قد اتت لزيارة الملك سليمان الذي اشتهر بحكمته.
واعتبرت الحادثة، لقرون طويلة، بمثابة اسطورة. ولكن، في القرن الماضي، بدأ بعض علماء الآثار البحث عن مملكة سبأ التي ساد الاعتقاد بأنها تقع بين اليمن واريتريا وتمتد على ضفتي البحر الاحمر. حتى ان اليمن بات يسوق بعضاً من مواقعه الاثرية على انها مملكة سبأ. ولكن، اتى اكتشاف اثري في اثيوبيا ليغيّر هذه المعطيات. ففي الاسبوع الماضي، أعلنت عالمة الآثار البريطانية لويز شوفيلد أنها عثرت على أحد مناجم الذهب، ومعبد وأرض معركة كانت تعود إلى مملكة سبأ في موقع هضبة غرلتا في شمال إثيوبيا التي كانت تمتد بين إثيوبيا واليمن بين القرن الثامن ق.م والقرن الثاني الميلادي.
وتقول شوفيلد، التي رأست عمليات التنقيب وهي عالمة آثار ومديرة سابقة للمتحف البريطاني: «من أحب أوجه علم الآثار إليّ إمكانية ربط الأساطير بالواقع، فامكانية العثور على مناجم ملكة سبأ أمر رائع!». والمعروف عن هذه العالمة انها تبحث عن هذه الاماكن الصعبة، وهي كانت قد اكتشفت سابقاً في تركيا مدينة زوغما الرومانية التي كان يعرف ان جمال أبنيتها يضاهي جمال روما. والدليل على ان هذه المناجم تعود لملكة سبأ لوحة حجرية عليها نقش لهلال وشمس وعليها كتابة بلغة أهل سبأ، لم تتم ترجمتها بعد، وعلى مقربة من المنجم عثر على بقايا معبد وموقع معركة قديمة حيث اكتشفت كميات من العظام البشرية.
عمليات التنقيب في الموقع لم تبدأ بعد، إذ لم تحدد الميزانيات الخاصة بها، وتقول شوفيلد إن العمل سيكون لتحديد ضخامة منجم الذهب الذي حفره البشر قبل آلاف السنين، ومن ثم ستبدأ عملية الكشف على بقية المعالم الاثرية في المنطقة لكشف تاريخ مملكة سبأ. وتجدر الإشارة الى ان شوفيلد لم تأت هذه السنة الى هضبة غرلتا للتنقيب، وإنما لاتمام مشروع يهدف إلى تعزيز قدرات الري والزراعة في هذه المنطقة من إثيوبيا بعدما كانت قد أمنت تمويله من منظمة خيرية اسستها لمساعدة 10.000 شخص من اهالي المنطقة. فكان الاكتشاف بمثابة مفاجأة كبيرة. وتأمل شوفيلد ان يساعد هذا الاكتشاف في إدخال المنطقة في السياحة، خصوصاً ان مملكة سبأ عقدة أساسية في تجارة البخور والبهارات في العالم القديم.
ورغم أن القليل يعرف عن ملكة سبأ التي تنسب اليها اسماء مختلفة بحسب الديانات، إلا نها كانت رمزاً للدهاء والحكمة في العصور الوسيطة في أوروبا كما في التراث الفارسي والتركي. ولا تزال قصص الملكة تروى في البلدان العربية وإثيوبيا. وقصتها مع الملك سليمان تعتبر من اقدم قصص الحب في العالم. فالتوراة تروي فصول زيارتها للملك سليمان وكيف امتحنت حكمته عبر الطلب منه حلّ ألغاز عديدة. أما القصة الإثيوبية، في كتاب «الكبرا ــــ نغسة»، فتروي كيف أصبح ابن سليمان والملكة، منيليك (أي ابن الرجل الحكيم) ملكاً على إثيوبيا
#اليمن_تاريخ_وثقافة
الصراعات على البحر الأحمر
عشية الإسلام
«عرش أدوليس، وحروب البحر الأحمر عشية الإسلام» كتاب1 مشوّق للمؤرخ الأميركي غلين بورسوك يغوص في تاريخ المرفأ الرئيس لمملكة أكسوم (وهي مدينة في إثيوبيا حالياً التي كانت آنذاك تسيطر على إريتريا والصومال حتى بلاد الزنج) ليصوّر الصراعات على ضفّتي البحر الأحمر2 قبل مجيء الإسلام. ومحور الكتاب الحرب التي دارت بين مملكتين: حِمير اليمنية، في جنوب شبه الجزيرة العربية، وأكسوم الحبشية المسيحية، وهي حرب دينية وسياسية وقفت فيها فارس في صف حِمْيَر، فيما استعانت أكسوم ببيزنطة. وتتبيّن من ذلك أهمية المنطقة منذ القدم، وعلاقة المتصارعين بملكة سبأ وملك الحيرة ومصر البيزنطية ومعالم الفترة التي سبقت انهيار الإمبراطورية البيزنطية على يد الفرس قبل نزول الآية القرآنية من سورة الروم:
غُلِبَتِ الرُّومُ2 فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ3 فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ4
أو الآية الأخرى التي أنزلها الله على نبيه العربي تكراراً مع غيرها من الآيات التوحيدية:
اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ
لمن تنصب العروش والمسلات؟
«أدوليس» الآن ميناء إريتري قديم ويعتقد، أن أصل الاسم عدوليس ويعود إلى «عدو لَيْ» أي الماء الأبيض. أطلق عليها الأغريق اسم ميناء أدوليس القديم الذي كان معبراً تجارياً غاية في الأهمية في منتصف القرن الثالث قبل الميلاد وخصوصاً للحضارات المصرية والفارسية وحضارة ما قبل أكسوم ثم استمر بذات الأهمية ما بين القرن الثالث والقرن السادس بعد الميلاد.
أما العرش الضائع فكان صغير الحجم، مصنوعاً من المرمر، يستخدمه ملوك إثيوبيا لعبادة أحد الآلهة قبل اعتناق المسيحية أو للتعبير عن فرحة النصر على ملوك اليمن الحِميريين. كان هذا العرش منتصباً في مدينة أدوليس الإريترية التي تطلّ على البحر الأحمر بالقرب من أسمره اليوم. ومع أن إريتريا لم تتمكن من العثور على العرش أو ترميم آثار مملكة سبأ المتحطمة بسبب حربها مع إثيوبيا في التسعينيات، فقد تمكنت الحبشة - إثيوبيا اليوم - من استرجاع المسلّة التي تحدث عنها كتاب بورسوك والمنصوبة في مدينة أكسوم الحبشية عندما حكمها الملك ذاته الذي أراد نصب عرش أدوليس.
كانت المسلّة التى تعتبر رمزاً لتاريخ مملكة أكسوم وهويتها قد نهبت من إثيوبيا على يد الدكتاتور الإيطالى بينيتو موسولينى ولم تعد من العاصمة الإيطالية إلى أكسوم إلا بعد نزاعات دبلوماسية انتهت بخير سنة ٢٠٠٨. حينها استدرّت العودة دموعاً من الفرح لأن الآثار المادية تساعد على استرجاع الهوية الوطنية، دون أن يترافق ذلك مع الرغبة في إحياء إثيوبيا كمقر لأمبراطورية أفريقيّة صاعدة وإن كانت النقوش التي علّق عليها بورسوك تشير إلى أنّ النجاشي الحبشي واسمه «كاليب»، عابر البحر الأحمر لتدمير المملكة الحميريه المهوّدة، كان يعتبر نفسه ملك الملوك مثله، في مخيلة شعبه، مثل «شاهنشاه» الفرس.
اعتمد بورسوك على كتاب إغريقيٍّ قديم بعنوان «طوبوغرافيا مسيحية» المكتوب عام ٥٥٠م لتاجر مسيحي من الإسكندرية، اسمه كوسماس إنديكوبوستيس، كان يدوّن، خلال رحلاته العديدة بين الأعوام ٥٢٠ و٥٢٥ إلى مدينة أدوليس، النصوص المنقوشة على عرشٍ من الرخام الأبيض، وعمود ضخم من البازلت منتصب خلفه، وذلك بناءً على طلب ملك الحبشة النجاشي كاليب في العاصمة أكسوم. وكان النجاشي على وشك المضي في هجوم جديد، عرمرمٍ هذه المرّة، ضد مملكة حِمْيَر (بعد مجزرة نجران، في ٥٢٣م) ويهمّه ما كان مكتوباً على العرش من سردٍ لانتصارات ملكٍ حبشيٍّ سبقه (في بداية القرن الثالث) احتلّ مملكة حِمْيَر، لتظلّ تحت السيطرة الحبشية حتّى ٢٧٠م. فلم يكتفِ التاجر المسيحي بنقل النصوص المنقوشة، بل أضافَ رسوماً للعرش وخارطةً تعيّن موقعه.
وغلين بوَرسوك هو أول من بحث في هذا النقش وإشكالاته واستحقاقاته التاريخية المتعلّقة بذلك، وقد سبقه إلى ذلك السيد بيستون في بحثه سنة ١٩٨٠، إلا أنّ بوَرسوك هو أول من أفرد لنقش العرش هذا الدرس التاريخي في كتاب مستقلّ عن تلك الفترة التي سبقت وأظلّت ظهور الإسلام في أوائل القرن السابع الميلادي. وهذا ما يؤكده الكاتب السوري حمّود حمّود الذي تنبّه الى أهمية هذا الكتاب وأدلى برأيه على صفحات «نوافذ» لصحيفة «المستقبل» اللبنانية عام ٢٠١٣ قبل أن يكتشف ترجمته إلى الفرنسية عام ٢٠١٤. لكن حمّود يبقي تركيزه على عنوان مقالتة «الصراع اليهودي ـ المسيحي التاريخي من جديد» ويخلص بسرعة إلى القول بأن «بوَرسوك بالأصل ليس مؤرخاً بالمعنى التأريخي التقني الصرف» وبأنه «ذهب في نهاية الكتاب (في الفصل الأخير منه) حتى ليجادل السيدة باتريشا كرون وجيرالد هاوتينغ بما يخص الإشكالات اللاهوتية لمفردة «الحنيفية» وموحّدي جزيرة العرب قبل الإسلام». ليس هذا رأي بيتر براون، أحد أه
الصراعات على البحر الأحمر
عشية الإسلام
«عرش أدوليس، وحروب البحر الأحمر عشية الإسلام» كتاب1 مشوّق للمؤرخ الأميركي غلين بورسوك يغوص في تاريخ المرفأ الرئيس لمملكة أكسوم (وهي مدينة في إثيوبيا حالياً التي كانت آنذاك تسيطر على إريتريا والصومال حتى بلاد الزنج) ليصوّر الصراعات على ضفّتي البحر الأحمر2 قبل مجيء الإسلام. ومحور الكتاب الحرب التي دارت بين مملكتين: حِمير اليمنية، في جنوب شبه الجزيرة العربية، وأكسوم الحبشية المسيحية، وهي حرب دينية وسياسية وقفت فيها فارس في صف حِمْيَر، فيما استعانت أكسوم ببيزنطة. وتتبيّن من ذلك أهمية المنطقة منذ القدم، وعلاقة المتصارعين بملكة سبأ وملك الحيرة ومصر البيزنطية ومعالم الفترة التي سبقت انهيار الإمبراطورية البيزنطية على يد الفرس قبل نزول الآية القرآنية من سورة الروم:
غُلِبَتِ الرُّومُ2 فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ3 فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ4
أو الآية الأخرى التي أنزلها الله على نبيه العربي تكراراً مع غيرها من الآيات التوحيدية:
اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ
لمن تنصب العروش والمسلات؟
«أدوليس» الآن ميناء إريتري قديم ويعتقد، أن أصل الاسم عدوليس ويعود إلى «عدو لَيْ» أي الماء الأبيض. أطلق عليها الأغريق اسم ميناء أدوليس القديم الذي كان معبراً تجارياً غاية في الأهمية في منتصف القرن الثالث قبل الميلاد وخصوصاً للحضارات المصرية والفارسية وحضارة ما قبل أكسوم ثم استمر بذات الأهمية ما بين القرن الثالث والقرن السادس بعد الميلاد.
أما العرش الضائع فكان صغير الحجم، مصنوعاً من المرمر، يستخدمه ملوك إثيوبيا لعبادة أحد الآلهة قبل اعتناق المسيحية أو للتعبير عن فرحة النصر على ملوك اليمن الحِميريين. كان هذا العرش منتصباً في مدينة أدوليس الإريترية التي تطلّ على البحر الأحمر بالقرب من أسمره اليوم. ومع أن إريتريا لم تتمكن من العثور على العرش أو ترميم آثار مملكة سبأ المتحطمة بسبب حربها مع إثيوبيا في التسعينيات، فقد تمكنت الحبشة - إثيوبيا اليوم - من استرجاع المسلّة التي تحدث عنها كتاب بورسوك والمنصوبة في مدينة أكسوم الحبشية عندما حكمها الملك ذاته الذي أراد نصب عرش أدوليس.
كانت المسلّة التى تعتبر رمزاً لتاريخ مملكة أكسوم وهويتها قد نهبت من إثيوبيا على يد الدكتاتور الإيطالى بينيتو موسولينى ولم تعد من العاصمة الإيطالية إلى أكسوم إلا بعد نزاعات دبلوماسية انتهت بخير سنة ٢٠٠٨. حينها استدرّت العودة دموعاً من الفرح لأن الآثار المادية تساعد على استرجاع الهوية الوطنية، دون أن يترافق ذلك مع الرغبة في إحياء إثيوبيا كمقر لأمبراطورية أفريقيّة صاعدة وإن كانت النقوش التي علّق عليها بورسوك تشير إلى أنّ النجاشي الحبشي واسمه «كاليب»، عابر البحر الأحمر لتدمير المملكة الحميريه المهوّدة، كان يعتبر نفسه ملك الملوك مثله، في مخيلة شعبه، مثل «شاهنشاه» الفرس.
اعتمد بورسوك على كتاب إغريقيٍّ قديم بعنوان «طوبوغرافيا مسيحية» المكتوب عام ٥٥٠م لتاجر مسيحي من الإسكندرية، اسمه كوسماس إنديكوبوستيس، كان يدوّن، خلال رحلاته العديدة بين الأعوام ٥٢٠ و٥٢٥ إلى مدينة أدوليس، النصوص المنقوشة على عرشٍ من الرخام الأبيض، وعمود ضخم من البازلت منتصب خلفه، وذلك بناءً على طلب ملك الحبشة النجاشي كاليب في العاصمة أكسوم. وكان النجاشي على وشك المضي في هجوم جديد، عرمرمٍ هذه المرّة، ضد مملكة حِمْيَر (بعد مجزرة نجران، في ٥٢٣م) ويهمّه ما كان مكتوباً على العرش من سردٍ لانتصارات ملكٍ حبشيٍّ سبقه (في بداية القرن الثالث) احتلّ مملكة حِمْيَر، لتظلّ تحت السيطرة الحبشية حتّى ٢٧٠م. فلم يكتفِ التاجر المسيحي بنقل النصوص المنقوشة، بل أضافَ رسوماً للعرش وخارطةً تعيّن موقعه.
وغلين بوَرسوك هو أول من بحث في هذا النقش وإشكالاته واستحقاقاته التاريخية المتعلّقة بذلك، وقد سبقه إلى ذلك السيد بيستون في بحثه سنة ١٩٨٠، إلا أنّ بوَرسوك هو أول من أفرد لنقش العرش هذا الدرس التاريخي في كتاب مستقلّ عن تلك الفترة التي سبقت وأظلّت ظهور الإسلام في أوائل القرن السابع الميلادي. وهذا ما يؤكده الكاتب السوري حمّود حمّود الذي تنبّه الى أهمية هذا الكتاب وأدلى برأيه على صفحات «نوافذ» لصحيفة «المستقبل» اللبنانية عام ٢٠١٣ قبل أن يكتشف ترجمته إلى الفرنسية عام ٢٠١٤. لكن حمّود يبقي تركيزه على عنوان مقالتة «الصراع اليهودي ـ المسيحي التاريخي من جديد» ويخلص بسرعة إلى القول بأن «بوَرسوك بالأصل ليس مؤرخاً بالمعنى التأريخي التقني الصرف» وبأنه «ذهب في نهاية الكتاب (في الفصل الأخير منه) حتى ليجادل السيدة باتريشا كرون وجيرالد هاوتينغ بما يخص الإشكالات اللاهوتية لمفردة «الحنيفية» وموحّدي جزيرة العرب قبل الإسلام». ليس هذا رأي بيتر براون، أحد أه
م المختصين بتلك الفترة التاريخية من أواخر القرن السادس الميلادي، والذي علّق على هذا الأمر عام ٢٠١٣ في مجلة «نيويورك ريفيو أوف بوكس» مؤكداً «أنّ كتاب عرش أدوليس لبورسوك وكتابه الآخر عن «تـنازع الإمبراطوريتين الساسانية والبيزنطية» هما، مع كتاب السيدة باتريشا كرون «عن أنبياء الحقبة الزرادشتية»، من أهم الكتب التاريخية التي تناولت مرحلة ما قبل الإسلام من المركزين المتناحرين للسيطرة على العالم الشرقي حينذاك».
إلّا أنّ فرادة كتاب بروسوك، بالمقارنة مع كتاب باتريشيا كرون، في أنه، بعكسها، ينطلق من الأطراف، أي من اليمن والحبشة، بدل أن ينطلق من المركزين الفارسي والبيزنطي لكي يذهب إلى ما هو أبعد من نقش عرش أدوليس، وليعيد موضعة السياق التاريخي للصراع الديني المسيحي – اليهودي ــ الزرداشتي والوثني ويربطه بتاريخ الممالك الصغيرة من الحيرة إلى اليمن والحبشة وحروب البحر الأحمر وعلاقتها مع الصراع الإمبراطوري لكسب الوثنيين إلى ديانات خاضعة للمركزين الساساني والبيزنطي.
مجزرة نجران
كان الرأي الشائع في الدوائر التاريخية العلمية أن المصادر البيزنطية واليونانية لم تتحدث عن تعرُّض الأحباش للحجاز، ولاعن سفر الفيل. غير أن المباحث الدقيقة التي يعتمد عليها بورسوك تؤكد عكس ذلك. فقد اعتمد في دراستة لمجزرة نجران على المخطوطات والدراسات البيزنطية مستنداً إلى آخر دراسات المتخصّصين بقراءة النقوش وآثار اللغات القديمة: السبئية، والحبشية، والسريانية والإغريقية، من مناطق مختلفة في الجزيرة العربية وشرق إفريقيا، بما فيها كتاب بروكوب المؤرخ الروماني المشهور في التاريخ القديم، وإلى مصادر إغريقية (وثيقة شهادة أريثاس) والمصادر السريانية التي دخلت في تصوير الأحداث العيانية في «كتاب الحِميريين» السرياني، فضلاً عن دراسات فرنسية صادرة سنة٢٠١٠ عن «كوليج دو فرانس» ومركز دراساته البيزنطية تحت إشراف كريستان روبان3.
وتقدم النصوص البيزنطية التي يعتمد عليها بورسوك اسم الملك الحميري الذي ارتكب المجزرة في نجران على أنة «داميانس» و«دونان» وما يقابله في اللغات الحميرية والأمهرية باسم «ذو نواس» واسمه الصغير المهوّد «يوسف أسار» أوعازار. وهناك إشارات إلى مذابح أخرى في حضرموت ومأرب و ظفاراليمنية (تمييزاً لها عن ظفار العُمانية).
وجدير بالذكر أن غلين بورسوك لم يعتمد على المراجع العربية في تحليله لمجزرة ظفار ونجران واكتفي بإشارة سريعة إلى كتاب ابن المهاجر «طريق المستبصر» في قوله إن القرآن الكريم أتى على ذكر ذلك الحدث بعبارة «ٌقتل أهل الأخدود». والنص القرآني موجود فعلاً في سورة البروج:
قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ [البُرُوج: 4-9]
المشهورمن كتب التفسير، ولا سيما الطبري، ومن قصص القرآن (كتب ابن كثير والجزء الثاني من مجلده «البداية والنهاية») أن «الأخدود» هو الشقّ المستطيل في الأرض حيث ارتكبت المجزرة وأودع رماد المحرقة. والتفسير يشار فيه «إلى قصه ذي نواس، وهو آخر ملوك حِميَر في أرض اليمن وكان قد تهوّد، واجتمعت معه حمير على اليهودية، وسمى نفسه يوسف وأقام على ذلك حيناً من الدهر، ثم أُخبر أنّ بنجران شمال اليمن بقايا قوم على دين النصرانية، وكانوا على دين عيسى (ع) وحُكم الإنجيل، فحمله أهل دينه على أن يسير إليهم ويحملهم على اليهودية، ويدخلهم فيها، ثم عرض عليهم دين اليهودية والدخول فيها، فأبوا عليه، واختاروا القتل، فاتخذ لهم أُخدوداً وجمع فيه الحطب، وأشعل فيه النّار فمنهم من أُحرق بالّنار، ومنهم من قُتل بالسيف، ومُثّل بهم كل مثله». وأضاف بعضٌ آخر: إن رجلاً من بني نصارى نجران تمكّن من الهرب، فالتحق بالروم وشكا ما فعل ذو نواس إلى قيصر. «فقال قيصر: إنّ أرضكم بعيدة، ولكنّي سأكتب كتاباً إلى ملك الحبشة النصراني وأطلب منه مساعدتكم. ثمّ كتب رسالته إلى ملك الحبشة، وطلب منه الانتقام لدماء المسيحيين التي أُريقت في نجران، فلمّا قرأ النجاشي الرسالة تأثر جداً، وعقد العزم على الانتقام لدماء شهداء نجران. فأرسل كتائبه إلى اليمن والتقت بجيش (ذي نواس)، فهزمته بعد معركة طاحنه، وأصبحت اليمن ولاية من ولايات الحبشة».
ما يجب ذكره في كل هذه الأخبار، التي دوّنت بعد عدة قرون من الفتح الإسلامي، هو التطابق بين المصادر التي يعتمد عليها غلين بورسوك والمصادر العربية على حدثية وقوع المجزرة، بغضّ النظر عن التفاوت في تحديد عدد القتلى والضحايا ومن أوصل النبأ إلى الحيرة. وما هو أهم في الكتاب، أن بورسوك لا ينظر إلى اعتناق عرب اليمن اليهودية على أنه حدث دخيل نتيجة هجرتهم من أورشليم بعد تدمير الهيكل أو اضطهادهم على يد الرومان إثر اعتناق الإمبراطورية البيزنطية للديانة المسيحية، بل يقر بأنه كان لهم وجود في شبه الجزيرة العربية أصلاً. هذا ما كان كمال الص
إلّا أنّ فرادة كتاب بروسوك، بالمقارنة مع كتاب باتريشيا كرون، في أنه، بعكسها، ينطلق من الأطراف، أي من اليمن والحبشة، بدل أن ينطلق من المركزين الفارسي والبيزنطي لكي يذهب إلى ما هو أبعد من نقش عرش أدوليس، وليعيد موضعة السياق التاريخي للصراع الديني المسيحي – اليهودي ــ الزرداشتي والوثني ويربطه بتاريخ الممالك الصغيرة من الحيرة إلى اليمن والحبشة وحروب البحر الأحمر وعلاقتها مع الصراع الإمبراطوري لكسب الوثنيين إلى ديانات خاضعة للمركزين الساساني والبيزنطي.
مجزرة نجران
كان الرأي الشائع في الدوائر التاريخية العلمية أن المصادر البيزنطية واليونانية لم تتحدث عن تعرُّض الأحباش للحجاز، ولاعن سفر الفيل. غير أن المباحث الدقيقة التي يعتمد عليها بورسوك تؤكد عكس ذلك. فقد اعتمد في دراستة لمجزرة نجران على المخطوطات والدراسات البيزنطية مستنداً إلى آخر دراسات المتخصّصين بقراءة النقوش وآثار اللغات القديمة: السبئية، والحبشية، والسريانية والإغريقية، من مناطق مختلفة في الجزيرة العربية وشرق إفريقيا، بما فيها كتاب بروكوب المؤرخ الروماني المشهور في التاريخ القديم، وإلى مصادر إغريقية (وثيقة شهادة أريثاس) والمصادر السريانية التي دخلت في تصوير الأحداث العيانية في «كتاب الحِميريين» السرياني، فضلاً عن دراسات فرنسية صادرة سنة٢٠١٠ عن «كوليج دو فرانس» ومركز دراساته البيزنطية تحت إشراف كريستان روبان3.
وتقدم النصوص البيزنطية التي يعتمد عليها بورسوك اسم الملك الحميري الذي ارتكب المجزرة في نجران على أنة «داميانس» و«دونان» وما يقابله في اللغات الحميرية والأمهرية باسم «ذو نواس» واسمه الصغير المهوّد «يوسف أسار» أوعازار. وهناك إشارات إلى مذابح أخرى في حضرموت ومأرب و ظفاراليمنية (تمييزاً لها عن ظفار العُمانية).
وجدير بالذكر أن غلين بورسوك لم يعتمد على المراجع العربية في تحليله لمجزرة ظفار ونجران واكتفي بإشارة سريعة إلى كتاب ابن المهاجر «طريق المستبصر» في قوله إن القرآن الكريم أتى على ذكر ذلك الحدث بعبارة «ٌقتل أهل الأخدود». والنص القرآني موجود فعلاً في سورة البروج:
قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ [البُرُوج: 4-9]
المشهورمن كتب التفسير، ولا سيما الطبري، ومن قصص القرآن (كتب ابن كثير والجزء الثاني من مجلده «البداية والنهاية») أن «الأخدود» هو الشقّ المستطيل في الأرض حيث ارتكبت المجزرة وأودع رماد المحرقة. والتفسير يشار فيه «إلى قصه ذي نواس، وهو آخر ملوك حِميَر في أرض اليمن وكان قد تهوّد، واجتمعت معه حمير على اليهودية، وسمى نفسه يوسف وأقام على ذلك حيناً من الدهر، ثم أُخبر أنّ بنجران شمال اليمن بقايا قوم على دين النصرانية، وكانوا على دين عيسى (ع) وحُكم الإنجيل، فحمله أهل دينه على أن يسير إليهم ويحملهم على اليهودية، ويدخلهم فيها، ثم عرض عليهم دين اليهودية والدخول فيها، فأبوا عليه، واختاروا القتل، فاتخذ لهم أُخدوداً وجمع فيه الحطب، وأشعل فيه النّار فمنهم من أُحرق بالّنار، ومنهم من قُتل بالسيف، ومُثّل بهم كل مثله». وأضاف بعضٌ آخر: إن رجلاً من بني نصارى نجران تمكّن من الهرب، فالتحق بالروم وشكا ما فعل ذو نواس إلى قيصر. «فقال قيصر: إنّ أرضكم بعيدة، ولكنّي سأكتب كتاباً إلى ملك الحبشة النصراني وأطلب منه مساعدتكم. ثمّ كتب رسالته إلى ملك الحبشة، وطلب منه الانتقام لدماء المسيحيين التي أُريقت في نجران، فلمّا قرأ النجاشي الرسالة تأثر جداً، وعقد العزم على الانتقام لدماء شهداء نجران. فأرسل كتائبه إلى اليمن والتقت بجيش (ذي نواس)، فهزمته بعد معركة طاحنه، وأصبحت اليمن ولاية من ولايات الحبشة».
ما يجب ذكره في كل هذه الأخبار، التي دوّنت بعد عدة قرون من الفتح الإسلامي، هو التطابق بين المصادر التي يعتمد عليها غلين بورسوك والمصادر العربية على حدثية وقوع المجزرة، بغضّ النظر عن التفاوت في تحديد عدد القتلى والضحايا ومن أوصل النبأ إلى الحيرة. وما هو أهم في الكتاب، أن بورسوك لا ينظر إلى اعتناق عرب اليمن اليهودية على أنه حدث دخيل نتيجة هجرتهم من أورشليم بعد تدمير الهيكل أو اضطهادهم على يد الرومان إثر اعتناق الإمبراطورية البيزنطية للديانة المسيحية، بل يقر بأنه كان لهم وجود في شبه الجزيرة العربية أصلاً. هذا ما كان كمال الص
الذمّة والقبول بعقد العهود معهم.
ثمّ إن هناك أهمية العبرة التاريخية والقانونية، لا سيما أن كتب التفسير تشير إلى أن نصارى نجران وَفدوا المدينة، وذلك بعد عرض الإسلام عليهم ومناقشتهم للرسول العربي الذي خيَّرهم بين الجزية والقتال، فرفضوا القتال، ورفضوا أيضاً (صورة الجزية)، ولكنهم قَبِلُوا أن يَفْرض عليهم شيئاً من المال كلَّ عام، عُرِف بمال الصلح، واشترط عليهم شروطاً أَدْرَج ضمنها يهود نجران.
إن العبرة التاريخية تمتزج أيضاً بعبرة أخلاقية/سياسية هي في صلب مفهوم نبيّ العرب والإسلام للعلاقة مع الآخر المختلف ولاحترام آدمية الإنسان والإعجاب بثبات المؤمن المسيحي على دينه، مما يسمح بربط تلك العبرة بتأويل قوله تعالى في إحدى آيات سورة البقرة «لا إكراه في الدين قد تبيّن الرشد من الغيّ» التي لم تنسخ بهذه السورة أو بغيرها من آيات سورة التوبة وفقاً لآراء يختلف فيها الراسخون في العلم مع بعض السلفيين الجدد الذين ذهبوا إلى جواز حرق حتى من كان من دينهم كما حصل مع الطيار الأردني على يد حركة الدولة الإسلامية الداعشية
تعاظم الصراع على العرب
لا شيء بعد الحدث يعود كما كان عليه. فبعد إطاحة الملك ذي نواس، عيّن النجاشي بالتوافق مع الروم ملكاً مسيحياً على مملكة حمير، اسمه سوميفا ومنهم من يكتبه «سميفع». غير أنّ خطة للروم كانت أوسع من مجرد هذا التغيير الحميري في اليمن، ذلك أن قيصر الروم جوستنيان كان يسعى إلى قطع الطريق التجارية نهائياً على الفرس عبر دعم ممالك للعرب ليس فقط في اليمن ولكن في باقي شبه الجزيرة العربية والحيرة بالتحالف مع القبائل الوثنية. ( ص ١١٥ وما يليها).
ووفقاً لهذه الرواية، أرسل جوستنيان سفيرين ٥٢٧ م إلى كل من الملك الحميري والنجاشي، فطلب أن يساعد ملك حمير رجلاً بعينه ليصبح ملكاً على قبائل معد بن عدنان هو الأمير والشاعر المعروف في المصادر العربية بامرئ القيس بن حجر. وكان جوستنيان يرى في حساباته الإستراتيجية أن قبائل معد بن عدنان وكندة إن توحدت تحت إمرة رجل واحد فإنها قد تسدد للفرس ضربة موجعة. لم تحظ خطة جوستنيان بالقبول عند نجاشي الحبشة كاليب ولا عند سميفع ملك اليمن وعملا وفقاً لمصالحهما.
ربما كان طه حسين محقاً في نقد الشعر المنحول والمنسوب إلى شعراء الجاهلية وأشعار أيام العرب، بما في ذلك الشعر المنسوب إلى الشاعر امرئ القيس والذي يروي فيه مضاجعته المدّعاة لامرأة القيصر. لكن بروكوب يؤكد أنه لما استيأس جوستنيان من مشايعة سميفع ملك اليمن إلى خطته توحيد قبائل معد بن عدنان وكندة تحت إمرة امرئ القيس حاول أن يحقق ذلك بنفسه وسعى لتنصيب امرئ القيس ملكاً من قبل الروم. وهذا ما يصفه بورسوك حرفياً مستنداً في ذلك إلى المؤرخ بروكوب الذي كتب أيضاً عن تعسّف بعض القياصرة بحق شعبهم أيضاً أيام الخلافات اللاهوتية بين الفرق الدينية والتي قامت بتصفية بعضها بعضاً في سورية حيث النسطورية تحاول التأثير على الموقف السياسي للقيصر. وتصديق ذلك في شعر امرئ القيس الذي ينسب إليه وصف رحلته إلى بلاط جوستنيان لتتميم مراسم عقد اتفاق المناصرة مع الروم لا يخالف العقل حين يقول وينشد:
عليها فتى لم تحمل الأرضُ مثلَه أبرّ بميثاق وأوفى وأصبـــرا / ولو شاء كان الغزو من أرض حمير ولكنه عمداً إلى الروم أنفرا
بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه وأيقن أنّا لاحقان بقيصـرا / فقلت له لا تبكِ عينُك إنما نحاول مُلكاً أو نموت فنقبـــرا.
وكذلك الأمر في ما يتعلق بموقف الرسول بشأن الحنيفيين الذين جاء بورسوك على ذكرهم في الفصل الأخير من كتابه، ولا سيما شعر أمية بن أبي الصلت، وهو من الحنفاء الذين ثاروا على عبادة الأصنام وآمنوا بالله الواحد واليوم الآخر، وبعض المؤرخين يربطها بتفسير سورة الأنعام ولا سيما قوله تعالى لنبي الإسلام:
قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
ومن أقوال أمية بن أبي الصلت الأبيات الآتية:
مليكٌ على عرش السماء مهيمنٌ / لعزّته تَعْنُو الجباهُ وتسجدُ
مليك السماوات الشِّدَاد وأرضها / وليس بشيء فوقنا يتأودُ
تسبِّحه الطير الكوامن فى الخفا / وإذ هي فى جو السماء تَصَعَّدُ
لذا فإن التفسير السلفي الراهن لقوله تعالى «والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون»، لا يمكن أن يطغى على التفسير الأشمل للعلاقات بين الشعر والثقافة والمضمون الديني لهما قبل الإسلام وإن كان النبي الأكرم لا يعوّل على كل ما يقوله الشعراء أو على مستوى فهمهم السياسي واللاهوتي للأمور الدينية. وعلى كل، معظم أخبار السيرة النبوية تثبت أن الرسول العربي كان، عبر القصص القرآني، يبحث عمّا يوحّد حينذاك أكثر مما يفرق. والدليل على ذلك هو أهمية من عرفوا لاحقاً باتباع ملّة إبراهيم ــ أي الحنيفيين6 ــ وفقاً للقصص القرآني والحديث الجيد الإسناد إلى الرسول مثلما جاء في موقفه من خطبة قس بن ساعدة النص
ثمّ إن هناك أهمية العبرة التاريخية والقانونية، لا سيما أن كتب التفسير تشير إلى أن نصارى نجران وَفدوا المدينة، وذلك بعد عرض الإسلام عليهم ومناقشتهم للرسول العربي الذي خيَّرهم بين الجزية والقتال، فرفضوا القتال، ورفضوا أيضاً (صورة الجزية)، ولكنهم قَبِلُوا أن يَفْرض عليهم شيئاً من المال كلَّ عام، عُرِف بمال الصلح، واشترط عليهم شروطاً أَدْرَج ضمنها يهود نجران.
إن العبرة التاريخية تمتزج أيضاً بعبرة أخلاقية/سياسية هي في صلب مفهوم نبيّ العرب والإسلام للعلاقة مع الآخر المختلف ولاحترام آدمية الإنسان والإعجاب بثبات المؤمن المسيحي على دينه، مما يسمح بربط تلك العبرة بتأويل قوله تعالى في إحدى آيات سورة البقرة «لا إكراه في الدين قد تبيّن الرشد من الغيّ» التي لم تنسخ بهذه السورة أو بغيرها من آيات سورة التوبة وفقاً لآراء يختلف فيها الراسخون في العلم مع بعض السلفيين الجدد الذين ذهبوا إلى جواز حرق حتى من كان من دينهم كما حصل مع الطيار الأردني على يد حركة الدولة الإسلامية الداعشية
تعاظم الصراع على العرب
لا شيء بعد الحدث يعود كما كان عليه. فبعد إطاحة الملك ذي نواس، عيّن النجاشي بالتوافق مع الروم ملكاً مسيحياً على مملكة حمير، اسمه سوميفا ومنهم من يكتبه «سميفع». غير أنّ خطة للروم كانت أوسع من مجرد هذا التغيير الحميري في اليمن، ذلك أن قيصر الروم جوستنيان كان يسعى إلى قطع الطريق التجارية نهائياً على الفرس عبر دعم ممالك للعرب ليس فقط في اليمن ولكن في باقي شبه الجزيرة العربية والحيرة بالتحالف مع القبائل الوثنية. ( ص ١١٥ وما يليها).
ووفقاً لهذه الرواية، أرسل جوستنيان سفيرين ٥٢٧ م إلى كل من الملك الحميري والنجاشي، فطلب أن يساعد ملك حمير رجلاً بعينه ليصبح ملكاً على قبائل معد بن عدنان هو الأمير والشاعر المعروف في المصادر العربية بامرئ القيس بن حجر. وكان جوستنيان يرى في حساباته الإستراتيجية أن قبائل معد بن عدنان وكندة إن توحدت تحت إمرة رجل واحد فإنها قد تسدد للفرس ضربة موجعة. لم تحظ خطة جوستنيان بالقبول عند نجاشي الحبشة كاليب ولا عند سميفع ملك اليمن وعملا وفقاً لمصالحهما.
ربما كان طه حسين محقاً في نقد الشعر المنحول والمنسوب إلى شعراء الجاهلية وأشعار أيام العرب، بما في ذلك الشعر المنسوب إلى الشاعر امرئ القيس والذي يروي فيه مضاجعته المدّعاة لامرأة القيصر. لكن بروكوب يؤكد أنه لما استيأس جوستنيان من مشايعة سميفع ملك اليمن إلى خطته توحيد قبائل معد بن عدنان وكندة تحت إمرة امرئ القيس حاول أن يحقق ذلك بنفسه وسعى لتنصيب امرئ القيس ملكاً من قبل الروم. وهذا ما يصفه بورسوك حرفياً مستنداً في ذلك إلى المؤرخ بروكوب الذي كتب أيضاً عن تعسّف بعض القياصرة بحق شعبهم أيضاً أيام الخلافات اللاهوتية بين الفرق الدينية والتي قامت بتصفية بعضها بعضاً في سورية حيث النسطورية تحاول التأثير على الموقف السياسي للقيصر. وتصديق ذلك في شعر امرئ القيس الذي ينسب إليه وصف رحلته إلى بلاط جوستنيان لتتميم مراسم عقد اتفاق المناصرة مع الروم لا يخالف العقل حين يقول وينشد:
عليها فتى لم تحمل الأرضُ مثلَه أبرّ بميثاق وأوفى وأصبـــرا / ولو شاء كان الغزو من أرض حمير ولكنه عمداً إلى الروم أنفرا
بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه وأيقن أنّا لاحقان بقيصـرا / فقلت له لا تبكِ عينُك إنما نحاول مُلكاً أو نموت فنقبـــرا.
وكذلك الأمر في ما يتعلق بموقف الرسول بشأن الحنيفيين الذين جاء بورسوك على ذكرهم في الفصل الأخير من كتابه، ولا سيما شعر أمية بن أبي الصلت، وهو من الحنفاء الذين ثاروا على عبادة الأصنام وآمنوا بالله الواحد واليوم الآخر، وبعض المؤرخين يربطها بتفسير سورة الأنعام ولا سيما قوله تعالى لنبي الإسلام:
قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
ومن أقوال أمية بن أبي الصلت الأبيات الآتية:
مليكٌ على عرش السماء مهيمنٌ / لعزّته تَعْنُو الجباهُ وتسجدُ
مليك السماوات الشِّدَاد وأرضها / وليس بشيء فوقنا يتأودُ
تسبِّحه الطير الكوامن فى الخفا / وإذ هي فى جو السماء تَصَعَّدُ
لذا فإن التفسير السلفي الراهن لقوله تعالى «والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون»، لا يمكن أن يطغى على التفسير الأشمل للعلاقات بين الشعر والثقافة والمضمون الديني لهما قبل الإسلام وإن كان النبي الأكرم لا يعوّل على كل ما يقوله الشعراء أو على مستوى فهمهم السياسي واللاهوتي للأمور الدينية. وعلى كل، معظم أخبار السيرة النبوية تثبت أن الرسول العربي كان، عبر القصص القرآني، يبحث عمّا يوحّد حينذاك أكثر مما يفرق. والدليل على ذلك هو أهمية من عرفوا لاحقاً باتباع ملّة إبراهيم ــ أي الحنيفيين6 ــ وفقاً للقصص القرآني والحديث الجيد الإسناد إلى الرسول مثلما جاء في موقفه من خطبة قس بن ساعدة النص
ليبي قد ذكره. إلّا أن بورسوك لا يعتمد على صليبي في ذلك بل يعود إلى مصادر أخرى تشير إلى أنّ يهود يثرب كانوا على علاقة بتهويد اليمن وإلى أن وصول المسيحية إلى نجران وظفار اليمنية لم يكن عن طريق الحبشة دائماً، فيذكر دور «فيليمون» من أبناء صورــ لبنان ــ البيزنطية واعتقاله ودعوته العرب إلى المسيحية قبل اعتناق الحبشة لها. لذا يستعمل المؤلف عبارة «العرب اليهود» و«العرب النصارى». لكنه لا يهمل دور الملوك الحميريين أو الأحباش في التقلب بمعتقداتهم، وهذا ما يبيّن أن القوم كانوا أحياناً على دين ملوكهم أو أعيانهم.
حرب حمير والقبائل
وفي التاريخ الإسلامي ما يؤكد إمكانية تلك الصلة بين السلطة السياسية والدين، إذ إن النص القرآني يذكر أن الرسول كان «على دين قومه» قبل الهداية، أي وثنياً، وكان جبريل يعلّمه أن يبدأ بدعوة أهله قبل غيرهم «وأنذر عشيرتك الأقربين» (الشعراء ٢١٤) وفي الحديث: «ما بعث الله نبياً إلا في منعة من قومه»وفقاً للتفسير الخلدوني وثالوثه في فهم العمران السياسي «ألملك، العصبية والدعوة».
ضمن هذا المنحى العام يمكن القول إن الحرب التي دارت بين المملكة الحميرية والقبائل الأخرى كانت حرباً أهلية ولا سيّما أنّ علاقات هؤلاء كانت تضرب أيضاً جذورها في الصراعات الدائرة مع مملكة الحيرة الخاضعة للنفوذ الفارسي الزرداشتي أو المجوسي الذي كانت له امتدادات في طقوس وعادات الحميريين أو قبائل اليمن الشمالية. وإلّا فما معنى الاجتماع أو المؤتمر الذي يؤكد بورسوك على أهميته سنة ٥٢٤ ميلادي في الرملا أو الرملى – بمملكة الحيرة في العراق الحالي – بين هؤلاء وممثل عن بيزنطة – عبر سفارة لها هناك ــ وممثل عن الملك الحميري ذو نواس الذي أرسل رسالة يبرّر فيها وقوع المجزرة في نجران؟
وينتقد غلين بورسوك صلافة رسالة الملك الحميري إلى نظيره في الحيرة الذي يفاوض بيزنطة لتسليمها عدداً من القادة العسكريين الذين وقعوا في أسره، فيما الواقع هو أن الفرق المسيحية من المناذرة أو الغساسنة كانوا يتعاملون مع الزرداشتيين على أساس عهود تضمن لهم حرية شرائعهم الدينية مقابل دفع الجزية. أما الحميريون فقد كان تحالفهم مع الفرس يتجاوز العلاقة بالدين ويهدف إلى ضمان خط تجارة الحرير والعاج بين بلاد فارس والهند وصولاً إلى أفريقيا.
أمّا العلاقات بين الروم والممالك الصغرى فكانت محكومة باعتبارات الشرع السائدة حينذاك، إذ يُفهم من النقوش أنّ مفهوم الصليب كان مرتبطاً بمفهوم «السلام المسيحي» البيزنطي، وأنّ دفع الجزية كان أمراً معمولاً به في عقود الصلح مع القبائل. والواقع أن الفرس كانوا يتعاملون أيضاً وفق المفهوم ذاته مع ملك الحيرة حامي المسيحيين هناك وحامي اليهود الحميريين في اليمن. لكن أخبار فعلة الملك ذي نواس أحرجت ملك الحيرة، وكان الرد البيزنطي عبر أهل الحبشة بمثابة إعادة صياغة للتحالفات وإن كانت هناك شكوك بيزنطية بشأن أصالة مسيحية الأحباش ويهودية الحميريين. فقد كانت تجارة البحر الأحمر قد تعطلت بفعلة الملك الحميري لأنها كانت تنتهي يومذاك إلى أسواق الروم المسيطرين على مصر وعلى مداخل البحر الأحمر الشمالية في فلسطين، فلحق الضرر الاقتصادي بأسواق الحبشة، وكتب ملك الحبشة إلى ذي نواس محتجاً على سياسته تجاه الرعايا المسيحيين مبيناً ما ترتب عليها من ضرر بتجارة الحبشة في البحر الأحمر ومهدداً بأنه لن يقف مكتوف اليدين إذا استمرّ ذو نواس في اتباع سياسة تلحق الضرر بالمصالح الحبشية. وعندما استمر في مواقفه تجاه الروم وتجاه النصارى ممن كانوا باليمن، لم يجد النجاشي بداً من إعلان الحرب عليه.
وبالفعل، قرّر ملك أكسوم Aksum التي تحولت إلى المسيحية نحو سنة ٣٤٠، قطع البحر الأحمر إلى الضفة الأخرى عند الزاوية الجنوبية ــ الغربية لجزيرة العرب، تمهيداً لشنّ حملة عسكرية ضد مملكة حِمير الواقعة تحت النفوذ الديني اليهودي والنفوذ السياسي الساساني الفارسي. وهدف الحملة على اليهود الردّ بقوة على المذبحة التي ارتكبها الملك اليهودي، حليف المملكة الزرادشتية الفارسية، يوسف ذو نواس، بحق المسيحيين في نجران وظفار وغيرهما من المناطق سنة٥٢٣م حينما أباد رهبانهم ودمّر كنائسهم وأمعن فيهم قتلاً وحرقاً، فانتقم منه النجاشي4 كاليب شرّ انتقام وأقام مسلّة لانتصاره في مأرب، وبنى كنائس في صنعاء ونصب مسلّة أخرى في أكسوم ونقشاً إضافياً في أدوليس. ولدى الانتصار الحبشي على ملك حمير، طُبّق أيضاً مفهوم الجزية.
ولإن كان هناك مبالغة في حقيقة نهايه ذي نواس5 الذي أطاح الملك المسيحي الحميري، وما آل إليه اليمن بعد قتله وتعيين ملك مسيحي جديد على صنعاء ونجران وتهامة وظفار، وفي معرفة هل هم فعلاً هكذا أم أنهم مجرد بعض الحكام الموالين لفارس والحبشة أو من يطلق عليهم العرب لفظة «قيصر أو كسرى»، فهذه الأخبار البيزنطية التي يذكرها بورسوك والأخبار العربية المفسرة للقصص القرآني تحدد صورة العلاقات الدولية كما كان ينظر لها العرب، ويوضح كيفية ولادة مفهوم «أهل الكتاب» وأهل
حرب حمير والقبائل
وفي التاريخ الإسلامي ما يؤكد إمكانية تلك الصلة بين السلطة السياسية والدين، إذ إن النص القرآني يذكر أن الرسول كان «على دين قومه» قبل الهداية، أي وثنياً، وكان جبريل يعلّمه أن يبدأ بدعوة أهله قبل غيرهم «وأنذر عشيرتك الأقربين» (الشعراء ٢١٤) وفي الحديث: «ما بعث الله نبياً إلا في منعة من قومه»وفقاً للتفسير الخلدوني وثالوثه في فهم العمران السياسي «ألملك، العصبية والدعوة».
ضمن هذا المنحى العام يمكن القول إن الحرب التي دارت بين المملكة الحميرية والقبائل الأخرى كانت حرباً أهلية ولا سيّما أنّ علاقات هؤلاء كانت تضرب أيضاً جذورها في الصراعات الدائرة مع مملكة الحيرة الخاضعة للنفوذ الفارسي الزرداشتي أو المجوسي الذي كانت له امتدادات في طقوس وعادات الحميريين أو قبائل اليمن الشمالية. وإلّا فما معنى الاجتماع أو المؤتمر الذي يؤكد بورسوك على أهميته سنة ٥٢٤ ميلادي في الرملا أو الرملى – بمملكة الحيرة في العراق الحالي – بين هؤلاء وممثل عن بيزنطة – عبر سفارة لها هناك ــ وممثل عن الملك الحميري ذو نواس الذي أرسل رسالة يبرّر فيها وقوع المجزرة في نجران؟
وينتقد غلين بورسوك صلافة رسالة الملك الحميري إلى نظيره في الحيرة الذي يفاوض بيزنطة لتسليمها عدداً من القادة العسكريين الذين وقعوا في أسره، فيما الواقع هو أن الفرق المسيحية من المناذرة أو الغساسنة كانوا يتعاملون مع الزرداشتيين على أساس عهود تضمن لهم حرية شرائعهم الدينية مقابل دفع الجزية. أما الحميريون فقد كان تحالفهم مع الفرس يتجاوز العلاقة بالدين ويهدف إلى ضمان خط تجارة الحرير والعاج بين بلاد فارس والهند وصولاً إلى أفريقيا.
أمّا العلاقات بين الروم والممالك الصغرى فكانت محكومة باعتبارات الشرع السائدة حينذاك، إذ يُفهم من النقوش أنّ مفهوم الصليب كان مرتبطاً بمفهوم «السلام المسيحي» البيزنطي، وأنّ دفع الجزية كان أمراً معمولاً به في عقود الصلح مع القبائل. والواقع أن الفرس كانوا يتعاملون أيضاً وفق المفهوم ذاته مع ملك الحيرة حامي المسيحيين هناك وحامي اليهود الحميريين في اليمن. لكن أخبار فعلة الملك ذي نواس أحرجت ملك الحيرة، وكان الرد البيزنطي عبر أهل الحبشة بمثابة إعادة صياغة للتحالفات وإن كانت هناك شكوك بيزنطية بشأن أصالة مسيحية الأحباش ويهودية الحميريين. فقد كانت تجارة البحر الأحمر قد تعطلت بفعلة الملك الحميري لأنها كانت تنتهي يومذاك إلى أسواق الروم المسيطرين على مصر وعلى مداخل البحر الأحمر الشمالية في فلسطين، فلحق الضرر الاقتصادي بأسواق الحبشة، وكتب ملك الحبشة إلى ذي نواس محتجاً على سياسته تجاه الرعايا المسيحيين مبيناً ما ترتب عليها من ضرر بتجارة الحبشة في البحر الأحمر ومهدداً بأنه لن يقف مكتوف اليدين إذا استمرّ ذو نواس في اتباع سياسة تلحق الضرر بالمصالح الحبشية. وعندما استمر في مواقفه تجاه الروم وتجاه النصارى ممن كانوا باليمن، لم يجد النجاشي بداً من إعلان الحرب عليه.
وبالفعل، قرّر ملك أكسوم Aksum التي تحولت إلى المسيحية نحو سنة ٣٤٠، قطع البحر الأحمر إلى الضفة الأخرى عند الزاوية الجنوبية ــ الغربية لجزيرة العرب، تمهيداً لشنّ حملة عسكرية ضد مملكة حِمير الواقعة تحت النفوذ الديني اليهودي والنفوذ السياسي الساساني الفارسي. وهدف الحملة على اليهود الردّ بقوة على المذبحة التي ارتكبها الملك اليهودي، حليف المملكة الزرادشتية الفارسية، يوسف ذو نواس، بحق المسيحيين في نجران وظفار وغيرهما من المناطق سنة٥٢٣م حينما أباد رهبانهم ودمّر كنائسهم وأمعن فيهم قتلاً وحرقاً، فانتقم منه النجاشي4 كاليب شرّ انتقام وأقام مسلّة لانتصاره في مأرب، وبنى كنائس في صنعاء ونصب مسلّة أخرى في أكسوم ونقشاً إضافياً في أدوليس. ولدى الانتصار الحبشي على ملك حمير، طُبّق أيضاً مفهوم الجزية.
ولإن كان هناك مبالغة في حقيقة نهايه ذي نواس5 الذي أطاح الملك المسيحي الحميري، وما آل إليه اليمن بعد قتله وتعيين ملك مسيحي جديد على صنعاء ونجران وتهامة وظفار، وفي معرفة هل هم فعلاً هكذا أم أنهم مجرد بعض الحكام الموالين لفارس والحبشة أو من يطلق عليهم العرب لفظة «قيصر أو كسرى»، فهذه الأخبار البيزنطية التي يذكرها بورسوك والأخبار العربية المفسرة للقصص القرآني تحدد صورة العلاقات الدولية كما كان ينظر لها العرب، ويوضح كيفية ولادة مفهوم «أهل الكتاب» وأهل
راني في سوق عكاظ التي قال فيها:
«أيها الناس، اسمعوا وعوا، إنه من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت آت، يا معشر إياد أين الآباء والأجداد وأين ثمود وعاد وأين الفراعنة الشداد أين من بنى وشيّد وزخرف ونجد وغرّه المال والولد أين من بغى وطغى وجمع فأوعى وقال أنا ربكم الأعلى ألم يكونوا أكثر منكم أموالاً وأطول منكم آجالاً وأبعد منكم آمالاً طحنهم الثرى بكلكله ومزقهم بتطاوله فتلك عظامهم بالية وبيوتهم خاوية عمرتها الذئاب العاوية كلا بل هو الله الواحد المعبود ليس والد ولا مولود».
ثم أنشأ يقول:
في الذاهبين الأولين من القرون لنا بصائر/ ورأيت قومي نحوها تمضي الأصاغر والأكابر
لا يرجع الماضي إلي ولا من الباقين غابر/ أيقنت أني لا محالة حيث صار القوم صائر
بين أبرهة وملك الحيرة
غير أن بورسوك يدقّق في حدثية الوقائع التاريخية المتعلقة بظروف انقلاب أبرهة الأشرم على الملك الحميري سميفع سنة530م ويعتمد على نقوش مأرب السبأية وعلى صحة الوقائع المتعلقة بمفاوضاته مع ملك الحيرة لإقامة حلف مستقل عن النجاشي الحبشي كما يدقق بصحة إنعقاد مؤتمر مأرب الدولي مع ممثلين من الروم والفرس وسفراء الحيرة والحبشة ما عدا الوثنيين العرب سنة ٥٤٧ وعمله لإصلاح سد مأرب وبصحة حروبه مع النجاشي كاليب الذي لم يستسهل انقلاب أبرهة عليه. ولكن ابرهه الاشرم كان يحاول وراثة الدعوى المسيحية ويزيد من محاولاته الدبلوماسية مع الحبشة والروم والفرس ليوطد ملكه. ولذا كان يستقبل لديه سفيرين شبه دائمين للفرس والروم ويتراسل مع النسطوريين الذين لم يكونوا دائماً على اتفاق مع المسيحية البيزنطية كما يذكر بورسوك. ففي الفترة البيزنطية كان دعاة النسطورية يتعاملون أيضاً مع الفرس وينطلقون في طلب الفرس حمايتهم من الروم بشرط نشرهم في الشرق لعقيدة «مختلفة عن عقيدة القيصر الروماني» وإلا فلن يمحضك الرعايا المسيحيون أبداً «حق ولائهم» كما يذكر جورج قرم مثلًا في كتابه المرجعي «تعدد الأديان وأنظمة الحكم» (دار النهار، بيروت، ١٩٧٩).
وكان كل اختلاف ديني يتحوّل إلى اختلاف سياسي لأن إدخال المقدّس إلى السياسة كان أمراً إمبراطورياً ويمثل مثلاً أعلى في الصبوة إلى طمأنينة تنشل الإنسان ومجتمعه من وضعه كملاك ساقط. كان الانتماء إذاً إلى جماعة دينية نبوية معيار ارتفاع الإنسان إلى الإنسانية وتجاوزاً للبربرية. وهذا ما فهمه النبي محمد لاحقاً بدعوته التوحيدية المستقلة وعندما أنزل عليه جبريل كلام الله عن آدم:
وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ
لنعد إلى ما يقوله بورسوك بشأن فشل المفاوضات بين أبرهة وملك الحيرة أو مع الوثنيين العرب الذين غابوا عن ممارسة هذه العلاقات الدبلوماسية، ولذا بقيت العلاقة أمتن بين المملكة الحميرية والأحباش، ولا سيما أن المملكتين كانتا على صلة رحم مع بقايا السبئية منذ دور مملكة سبأ وعلاقتها مع سليمان الحكيم. وحسب ما فهمت من تحليل بورسوك الموجز، فإن العلاقة الغامضة حينذاك بين اليهود والمملكة الحميرية من جهة، وبين المسيحية والحبشة وبيزنطة من جهة أخرى، كانت دائماً قائمة على تفسير علاقة رحم بين نسل أهل الحبشة من ذرية ملكة سبأ بعد «تغرير» سليمان الحكيم بها ــ حسب كتاب الملوك بالأمهرية ــ وبين اعتبار أهل اليمن أنفسهم ورثة ملكة سبأ أيضاً، وفقاً للقصص الذي يبدو أقرب إلى القصص القرآني في سورة النمل التي ورد فيها كيف تلقّت بلقيس الرسالة التي ألقاها الهدهد وذكرت الشورى كمنهج حكم معمول به لدى غير المسلمين وإن كانوا قد غدوا في ما بعد من الموحدين وعبدة «الرحمن الرحيم».
غزوة الفيل وولادة الرسول
وما يلمّح إليه بورسوك عن احترام الأحباش لتاريخ مملكة سبأ اليمنية لا يتناقض مع القصص القرآني حين يلقي الهدهد برسالته إلى بلقيس، ملكة سبأ:
قَالَتْ يَا أَيّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيّ كِتَابٌ كَرِيمٌ {29} إِنّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنّهُ بِسْمِ اللهِ الرّحْمنِ الرّحِيم {30} أَلا تَعْلُوا عَلَيّ وَأتوني مُسْلِمِينَ {31} قَالَتْ يا أَيّهَا المَلأُ أَفتُوني فِي أمْري مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمراً حَتّى تَشْهَدُون {32} قَالُوا نَحْنُ أولُو قُوّةٍ وأولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ والأمرُ إِليكِ فَانظري مَاذَا تَأْمُرينَ {33} قَالَتْ إنّ المُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَريَةً أَفسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلكَ يَفعَلُونَ {34}
وفي حين يعود القصص القرآني إلى صلة الرحم الإبراهيمية وإلى سيرة اليمن السبئية، يحاول بورسوك، عبر مصادره اليونانية والبيزنطية، أن يعقلن الحدث الأسطوري الحبشي وصلة رحمه مع المسيحية الإمبراطورية عبر ذات العلاقة مع سليمان الحكيم. ويستخدم الأسلوب ذاته أيضاً عندما يسبر المخيلة اليمنية الحبشية بشأن عام ا
«أيها الناس، اسمعوا وعوا، إنه من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت آت، يا معشر إياد أين الآباء والأجداد وأين ثمود وعاد وأين الفراعنة الشداد أين من بنى وشيّد وزخرف ونجد وغرّه المال والولد أين من بغى وطغى وجمع فأوعى وقال أنا ربكم الأعلى ألم يكونوا أكثر منكم أموالاً وأطول منكم آجالاً وأبعد منكم آمالاً طحنهم الثرى بكلكله ومزقهم بتطاوله فتلك عظامهم بالية وبيوتهم خاوية عمرتها الذئاب العاوية كلا بل هو الله الواحد المعبود ليس والد ولا مولود».
ثم أنشأ يقول:
في الذاهبين الأولين من القرون لنا بصائر/ ورأيت قومي نحوها تمضي الأصاغر والأكابر
لا يرجع الماضي إلي ولا من الباقين غابر/ أيقنت أني لا محالة حيث صار القوم صائر
بين أبرهة وملك الحيرة
غير أن بورسوك يدقّق في حدثية الوقائع التاريخية المتعلقة بظروف انقلاب أبرهة الأشرم على الملك الحميري سميفع سنة530م ويعتمد على نقوش مأرب السبأية وعلى صحة الوقائع المتعلقة بمفاوضاته مع ملك الحيرة لإقامة حلف مستقل عن النجاشي الحبشي كما يدقق بصحة إنعقاد مؤتمر مأرب الدولي مع ممثلين من الروم والفرس وسفراء الحيرة والحبشة ما عدا الوثنيين العرب سنة ٥٤٧ وعمله لإصلاح سد مأرب وبصحة حروبه مع النجاشي كاليب الذي لم يستسهل انقلاب أبرهة عليه. ولكن ابرهه الاشرم كان يحاول وراثة الدعوى المسيحية ويزيد من محاولاته الدبلوماسية مع الحبشة والروم والفرس ليوطد ملكه. ولذا كان يستقبل لديه سفيرين شبه دائمين للفرس والروم ويتراسل مع النسطوريين الذين لم يكونوا دائماً على اتفاق مع المسيحية البيزنطية كما يذكر بورسوك. ففي الفترة البيزنطية كان دعاة النسطورية يتعاملون أيضاً مع الفرس وينطلقون في طلب الفرس حمايتهم من الروم بشرط نشرهم في الشرق لعقيدة «مختلفة عن عقيدة القيصر الروماني» وإلا فلن يمحضك الرعايا المسيحيون أبداً «حق ولائهم» كما يذكر جورج قرم مثلًا في كتابه المرجعي «تعدد الأديان وأنظمة الحكم» (دار النهار، بيروت، ١٩٧٩).
وكان كل اختلاف ديني يتحوّل إلى اختلاف سياسي لأن إدخال المقدّس إلى السياسة كان أمراً إمبراطورياً ويمثل مثلاً أعلى في الصبوة إلى طمأنينة تنشل الإنسان ومجتمعه من وضعه كملاك ساقط. كان الانتماء إذاً إلى جماعة دينية نبوية معيار ارتفاع الإنسان إلى الإنسانية وتجاوزاً للبربرية. وهذا ما فهمه النبي محمد لاحقاً بدعوته التوحيدية المستقلة وعندما أنزل عليه جبريل كلام الله عن آدم:
وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ
لنعد إلى ما يقوله بورسوك بشأن فشل المفاوضات بين أبرهة وملك الحيرة أو مع الوثنيين العرب الذين غابوا عن ممارسة هذه العلاقات الدبلوماسية، ولذا بقيت العلاقة أمتن بين المملكة الحميرية والأحباش، ولا سيما أن المملكتين كانتا على صلة رحم مع بقايا السبئية منذ دور مملكة سبأ وعلاقتها مع سليمان الحكيم. وحسب ما فهمت من تحليل بورسوك الموجز، فإن العلاقة الغامضة حينذاك بين اليهود والمملكة الحميرية من جهة، وبين المسيحية والحبشة وبيزنطة من جهة أخرى، كانت دائماً قائمة على تفسير علاقة رحم بين نسل أهل الحبشة من ذرية ملكة سبأ بعد «تغرير» سليمان الحكيم بها ــ حسب كتاب الملوك بالأمهرية ــ وبين اعتبار أهل اليمن أنفسهم ورثة ملكة سبأ أيضاً، وفقاً للقصص الذي يبدو أقرب إلى القصص القرآني في سورة النمل التي ورد فيها كيف تلقّت بلقيس الرسالة التي ألقاها الهدهد وذكرت الشورى كمنهج حكم معمول به لدى غير المسلمين وإن كانوا قد غدوا في ما بعد من الموحدين وعبدة «الرحمن الرحيم».
غزوة الفيل وولادة الرسول
وما يلمّح إليه بورسوك عن احترام الأحباش لتاريخ مملكة سبأ اليمنية لا يتناقض مع القصص القرآني حين يلقي الهدهد برسالته إلى بلقيس، ملكة سبأ:
قَالَتْ يَا أَيّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيّ كِتَابٌ كَرِيمٌ {29} إِنّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنّهُ بِسْمِ اللهِ الرّحْمنِ الرّحِيم {30} أَلا تَعْلُوا عَلَيّ وَأتوني مُسْلِمِينَ {31} قَالَتْ يا أَيّهَا المَلأُ أَفتُوني فِي أمْري مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمراً حَتّى تَشْهَدُون {32} قَالُوا نَحْنُ أولُو قُوّةٍ وأولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ والأمرُ إِليكِ فَانظري مَاذَا تَأْمُرينَ {33} قَالَتْ إنّ المُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَريَةً أَفسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلكَ يَفعَلُونَ {34}
وفي حين يعود القصص القرآني إلى صلة الرحم الإبراهيمية وإلى سيرة اليمن السبئية، يحاول بورسوك، عبر مصادره اليونانية والبيزنطية، أن يعقلن الحدث الأسطوري الحبشي وصلة رحمه مع المسيحية الإمبراطورية عبر ذات العلاقة مع سليمان الحكيم. ويستخدم الأسلوب ذاته أيضاً عندما يسبر المخيلة اليمنية الحبشية بشأن عام ا
لفيل وغزوة أبرهة باتجاه مناطق النفوذ الفارسية وفي قلب الجزيرة العربية ضد قبائل معاد. فهو يذكر بانتصار أبرهة في سعيه إلى الاستقلال باليمن وبغزوته ضد حلفاء الفرس، وأيضاً بغزوته باتجاه الحجاز ومكة التي يخمّن وقوعها سنة ٥٥٢ م وفقاً للآثار المؤرخة بالتاريخ الحميري والتي عثر عليها علماء الآثار في اليمن، ولا سيما تعليقات المؤرخ البلجيكي الهولندي جاك ريكمان المتخصص في ذلك. وهناك لغط تاريخي بهذا الشأن.
وهنا يتعرض بورسوك إلى تضارب التاريخ بمعناه التقويمي البيزنطي مع المصادر العربية المتعلقة بواقعة عام الفيل التي يربطها المؤرخون العرب بتاريخ ميلاد الرسول سنة ٥٧٠م. هناك بعض المؤرخين العرب مثل البغوي الذي يقول: «إن سفر الفيل حدث قبل ميلاد الرسول بنحو أربعين سنة وأن خلفاء أبرهة حكموا اليمن ٣١ سنة». لكن ذلك لا يطابق حتى ما يقوله بورسوك لأنه لا يعتقد بأن سفر الفيل وقع سنة ٥٣٠م أو ٥٤٠ م. ذلك أن المؤرخ البيزنطي بروكوب، الذي يعتمد عليه بورسوك، نشر تاريخه سنة ٥٥٥م بعد ذكره لمعارك أبرهة في الحجاز. ويروي أن غزوة الحجاز وقعت بعد فشل مفاوضات سنة ٥٤٧م. ومن يطلع على كتاب البداية والنهاية لابن كثير الذي يعتمد على تقويم ذي القرنين ــ أي التأريخ اليوناني ــ لا يستطيع أن يحسم في مجرى الوقائع وإن كان سردها يتوافق مع أيام صعود أبرهة ثم سقوط خلفه على يد سيف بن ذي يزن الذي حيكت حوله أساطير شخصية وملحمية استوعبها التراث الشعبي العربي والإسلامي، إذ تعلن سيرته بشارة ولادة النبي لجدّه ابن عبد المطلب عندما طالب ذلك الزعيم القرشي الهاشمي بإبله.
لا يتعرض الكتاب إلى ذلك. يشير بورسوك فقط إلى الآية ١٠٥ من سورة الفيل التي يفهم من مفسريها أنّ تهديد أبرهة الأشرم للكعبة بغزوته نحو الحجاز قد وقع في عام ولادة النبي محمد ــ صلعم ــ أي بعد ما كتبه بروكوب عن غزوة الحجاز، ويحاول أن يتفهم مغزاها الديني والسياسي أكثر من عقلنة الحدث نفسه وتأريخه:
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ
وهنا يتعامل بورسوك مع الأساطير على نحو رائع في فهم تأثيرها على المخيلات الاجتماعية للشعبين. فيشير إلى وصف رحلة سفير جوستينيان إلى النجاشي في أكسوم وكيف كان ذلك السفير يرى فيلة الحبشة المروّضة بعد اصطيادها في بلاد الزنج تسير في القوافل، وكيف استقبله النجاشي مكشوف الصدر، وهو على عرش منصوب على ظهر أربعة فيلة. ويذكر بورسوك أيضاً نقوشاً بهذا الشأن ورسماً استوحي منها لوصف استقبال ماركو بولو لاحقاً في بلاد الهند والسند. (انظر الصورة)
وهذا جدير بالبحث الدقيق لدرس التأريخ وفقاً للتقويم الحميري ومقابلته بالبيزنطي واليوناني لأن المتفق عليه هو صحة وجود حملة استهدفت الكعبة دون أن تكون نتائج البحث الأثري في الرسوم الحميرية اليمنية قاطعة في وقوعها في التاريخ الميلادي نفسه للنبي الذي تنسب إليه المعجزة فور ولادته في حين إنه يكفيه معجزة التنزيل لنبوّته ولعظمة الكتاب المرسل بواسطة جبريل الذي لم يحدّد يوماً معيّنا لذلك الحدث في النص القرآني. لذا من الشطط التوقف عند ذلك الأمر كنقطة خلافية لاهوتية أكثر من كونها حدثية، إلا إذا كان الهدف إبراز الأحباش كأعداء أبديين للعرب. وإلا فلماذا أرسل النبي العربي ــ بعد هبوط الوحي عليه ــ في أوائل القرن السابع الميلادي فرقةً من الصحابة الى ما سماه «ملك الحبشة المتسامح والعادل» ودعاهم إلى عبور البحر الأحمر ــ ومنهم جعفر بن عبد المطلب والخليفة عثمان ــ في أول هجرة إلى الحبشة قبل هجرته إلى المدينة إذا كان النجاشي الحبشي عدواً أبدياً؟
تحويل معاني المقدّس القديم
في القسم الأخير من كتابه، يتعرض بورسوك إلى هذه النقطة دون أن يدخل في تفاصيل المصادر العربية التي لم يكتب عنها أكثر مما كتبه جواد علي في مفصله عن تاريخ ما قبل الإسلام. فجلّ ما يرمي إليه بورسوك هو أن يُظهر أن الدعوة المحمدية قد قامت لأنها عاصرت كل الصراعات الإيديولوجية واللاهوتية دون قطيعة نظرية مع الموحّدين وأهل الرحمن، مع أنها تجاوزت التصلب الفكري الذي جعل اليهودية والمسيحية أديان ممالك ضخمة قادرة على فرض فكرها المهيمن عبر مؤسسات إمبراطورية تريد القبض على هذه الأرض التي لم يخلفها الله لأمة واحدة من خلقه كما في قوله تعالى:
قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ» «وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ
لكنّ النقاش الذي فتحه بورسوك بذكاء عن الفرق بين الوثنيين العرب وبعض المشركين هو أيضاً لفْت نظر موضوعي ومعاصر إلى أهمية إعادة قراءة القصص القرآني على نحو أنطروبولوجي وبناءً على العلوم الحديثة لمقارنة الأديان ولا
وهنا يتعرض بورسوك إلى تضارب التاريخ بمعناه التقويمي البيزنطي مع المصادر العربية المتعلقة بواقعة عام الفيل التي يربطها المؤرخون العرب بتاريخ ميلاد الرسول سنة ٥٧٠م. هناك بعض المؤرخين العرب مثل البغوي الذي يقول: «إن سفر الفيل حدث قبل ميلاد الرسول بنحو أربعين سنة وأن خلفاء أبرهة حكموا اليمن ٣١ سنة». لكن ذلك لا يطابق حتى ما يقوله بورسوك لأنه لا يعتقد بأن سفر الفيل وقع سنة ٥٣٠م أو ٥٤٠ م. ذلك أن المؤرخ البيزنطي بروكوب، الذي يعتمد عليه بورسوك، نشر تاريخه سنة ٥٥٥م بعد ذكره لمعارك أبرهة في الحجاز. ويروي أن غزوة الحجاز وقعت بعد فشل مفاوضات سنة ٥٤٧م. ومن يطلع على كتاب البداية والنهاية لابن كثير الذي يعتمد على تقويم ذي القرنين ــ أي التأريخ اليوناني ــ لا يستطيع أن يحسم في مجرى الوقائع وإن كان سردها يتوافق مع أيام صعود أبرهة ثم سقوط خلفه على يد سيف بن ذي يزن الذي حيكت حوله أساطير شخصية وملحمية استوعبها التراث الشعبي العربي والإسلامي، إذ تعلن سيرته بشارة ولادة النبي لجدّه ابن عبد المطلب عندما طالب ذلك الزعيم القرشي الهاشمي بإبله.
لا يتعرض الكتاب إلى ذلك. يشير بورسوك فقط إلى الآية ١٠٥ من سورة الفيل التي يفهم من مفسريها أنّ تهديد أبرهة الأشرم للكعبة بغزوته نحو الحجاز قد وقع في عام ولادة النبي محمد ــ صلعم ــ أي بعد ما كتبه بروكوب عن غزوة الحجاز، ويحاول أن يتفهم مغزاها الديني والسياسي أكثر من عقلنة الحدث نفسه وتأريخه:
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ
وهنا يتعامل بورسوك مع الأساطير على نحو رائع في فهم تأثيرها على المخيلات الاجتماعية للشعبين. فيشير إلى وصف رحلة سفير جوستينيان إلى النجاشي في أكسوم وكيف كان ذلك السفير يرى فيلة الحبشة المروّضة بعد اصطيادها في بلاد الزنج تسير في القوافل، وكيف استقبله النجاشي مكشوف الصدر، وهو على عرش منصوب على ظهر أربعة فيلة. ويذكر بورسوك أيضاً نقوشاً بهذا الشأن ورسماً استوحي منها لوصف استقبال ماركو بولو لاحقاً في بلاد الهند والسند. (انظر الصورة)
وهذا جدير بالبحث الدقيق لدرس التأريخ وفقاً للتقويم الحميري ومقابلته بالبيزنطي واليوناني لأن المتفق عليه هو صحة وجود حملة استهدفت الكعبة دون أن تكون نتائج البحث الأثري في الرسوم الحميرية اليمنية قاطعة في وقوعها في التاريخ الميلادي نفسه للنبي الذي تنسب إليه المعجزة فور ولادته في حين إنه يكفيه معجزة التنزيل لنبوّته ولعظمة الكتاب المرسل بواسطة جبريل الذي لم يحدّد يوماً معيّنا لذلك الحدث في النص القرآني. لذا من الشطط التوقف عند ذلك الأمر كنقطة خلافية لاهوتية أكثر من كونها حدثية، إلا إذا كان الهدف إبراز الأحباش كأعداء أبديين للعرب. وإلا فلماذا أرسل النبي العربي ــ بعد هبوط الوحي عليه ــ في أوائل القرن السابع الميلادي فرقةً من الصحابة الى ما سماه «ملك الحبشة المتسامح والعادل» ودعاهم إلى عبور البحر الأحمر ــ ومنهم جعفر بن عبد المطلب والخليفة عثمان ــ في أول هجرة إلى الحبشة قبل هجرته إلى المدينة إذا كان النجاشي الحبشي عدواً أبدياً؟
تحويل معاني المقدّس القديم
في القسم الأخير من كتابه، يتعرض بورسوك إلى هذه النقطة دون أن يدخل في تفاصيل المصادر العربية التي لم يكتب عنها أكثر مما كتبه جواد علي في مفصله عن تاريخ ما قبل الإسلام. فجلّ ما يرمي إليه بورسوك هو أن يُظهر أن الدعوة المحمدية قد قامت لأنها عاصرت كل الصراعات الإيديولوجية واللاهوتية دون قطيعة نظرية مع الموحّدين وأهل الرحمن، مع أنها تجاوزت التصلب الفكري الذي جعل اليهودية والمسيحية أديان ممالك ضخمة قادرة على فرض فكرها المهيمن عبر مؤسسات إمبراطورية تريد القبض على هذه الأرض التي لم يخلفها الله لأمة واحدة من خلقه كما في قوله تعالى:
قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ» «وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ
لكنّ النقاش الذي فتحه بورسوك بذكاء عن الفرق بين الوثنيين العرب وبعض المشركين هو أيضاً لفْت نظر موضوعي ومعاصر إلى أهمية إعادة قراءة القصص القرآني على نحو أنطروبولوجي وبناءً على العلوم الحديثة لمقارنة الأديان ولا
ما أصبح في ما بعد فقهاً أو قوانين دولية للعلاقات بين الأمم. وكان أيضاً فرصة إعمال العقل في فهم تحوّلات التاريخ وآثاره أو أطلاله التي تفصح عن غنى مناسك العرب وحدّة النقاشات الفقهية واللاهوتية في مجتمعات مدن الجاهلية المتنوعة ثقافة وسياسة وديناً وطوائف عربية مختلطة، فضلاً عن مستوى الثقافة العربية الشفهية والأسطورية ذات المعنى العميق لفهم المخيّلة الاجتماعية العربية. يضاف إلى ذلك دور التجارة المزدهر آنذاك وأهمية طرقها ومعابرها في خلق نزاعات «ترتدي» الطابع الديني لاعتبارات سياسية واقتصادية تفرض على أطرافها أن يبقى السلام أفقاً عقلانياً للحروب، إلا الحروب الأهلية منها التي تنبَّه نبي العرب والمسلمين لها ولخطورتها وعالجها بعبقرية وإلهام خصه الله بهما وختم به سيرة كل الأنبياء.
إلّا أنّ السؤال الذي راودني أيضاً هو أنه إذا سافر سلفي مع كتاب المؤرخ الأميركي إلى ما بين سنة ٥٢٣ ٥٧٠ م فهل يستطيع أن يعود إلّا ومعه الجاهلةه كلّها ليسقطها على كل محطّات التاريخ، وهي كثيرة، كي يعود إلاسلام كما كان يوم أرسله الله إلى نبيه العربي؟ هل يمكنه أن يستعيد التعامل مع تراثه الثقافي في هذه الفترة ويعود من رحلة الاستعادة هذه سالماً دون أن يشهر سيفه ويحطّم كل الأصنام كما فعل الطالبان في أفغانستان بتمثال بوذا أو غيرهم من مسلمي مالي ونيجيريا والصومال؟
يبدو أنه قضي الأمر مع التطور الداعشي وغير الداعشي لأنّ الجاهلية التي يتحدّث عنها سيد قطب في كتابه «في ظلال القرآن» وفي تأويله لقوله تعالى:
أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ
وما يكرره بعده أيمن الظواهري في كتابه «فرسان تحت راية النبي»، أو أبو بكر البغدادي ومرجعه في كتاب داعش8 «إدارة التوحش، أخطر مرحلة ستمر بها الأمة» ليست جاهلية تاريخية وإنما هي حالة أبدية وسرمدية تتكرّر مهما تغيّر التاريخ وتغيّرت علاقات الأمم وتطوّرت أديانها ومعتقداتها ودولها إذا ضاعت حالة الجاهلية ضاع الإسلام. إنّ صنمية هذا النعت لأيّ مجتمع معاصر بالجاهلية وتجميد الاجتهاد إلا في توسيع مفهوم المشركين والمفسدين في الأرض، وتفصيل طقسنة الموت في حروب أهلية متكررة الديمومة هما منهج الخروج من الواقع والقطيعة معه ومع الاجتماع والعلم والعالم والانكفاء، إلى مجتمع مغلق، يستبدّ به علماء أخرجوا أنفسهم من دائرة حكم البشر للبشر نيابة عن كل الخلفاء و«ورثة» الأنبياء، والأئمة والصحابة الغاربين لتوسيع دائرة قدسية أقوالهم وعصمتها. ولهذا عاد أنصار داعش من رحلتهم إلى الجاهلية الأولى ليقْدموا طوعاً على ارتكاب مجازر أشبه بمجزرة نجران، مع العزم على الاستمرار بها سبياً وقتلاً للمسلمين أنفسهم ولأهل الموصل حتى الرقة، من المسيحيين والمشركين وغيرهم من الشيَع التي ذكرها الشهرستاني في كتابه «الملل والنّحَل» حتى يبقى وجه ربهم ويقام حكم الله على أرض خاوية من أهلها إلا الذين خرّوا صاغرين لهم. إنها حرب البسوس مع قدسية مجدّدة:
أنت البسوس التي أفنت بناقتها بكراً وتغلب حتى أقفر البلد.
اعتدنا كثيراً في الكتابات اليسارية استعارة تعليق ماركس الشهير على هيجل «إن التاريخ يعيد نفسه مرتين، لكنه يحدث في الأولى كمأساة وفي الثانية كمهزلة». لكن نسينا قوله أيضاً أن التاريخ لا يصنع شيئاً بحدّ ذاته حين لا يتعلّم الإنسان منه شيئاً ويستعند في إعادة إنتاج عبوديّته وسيره إلى مثواه الأخير كممثّل مسرحيّ في نظام اجتماعيّ قد مات أبطاله الحقيقيّون.
وما أضاف الداعشيون إلى ذلك إلا تلك الحلقة المفرغة التي تدور على نفسها تكراراً للمآسي والمهازل حتى تنقطع سرعة دفعها بإضاعة طاقتها وبأسها في ما بينها. إنّ ما تتميّز به التّجربة الرّوحيّة المذهبية هو هذا الثّابت فيها: القطيعة، وتحديداً ما يطلق عليه ميشال دو سرتو اسم القطيعة المؤسّسة. إلّا أنّ القطيعة المؤسّسة في التّجربة الدّينيّة المذهبية إذا بلغت طورها الكوميديّ والمأساوي الأخير تنقلب إلى قطيعة سياسية مع العالم لا تؤسّس لأيّ شيء سوى دمارها الذّاتيّ ممّا، ينقلها بالضّرورة إلى دائرة المقدّس الموهوم أملاً لحامله أن يغفر الله ذنوبه الإجرامية باسم خالقه. فحامل هذه القداسة المذهبية قد يعتقد صادقاً أنّ تجاربه الأرضية المجهضة ما هي إلا صورة لوجه الإله الغاضب في العالم لخطيئته الجاهلية الأولى وتكرارها في الفتن الكبرى والصغرى على مر التاريخ.
وغضب الله هذا يشير إليه بورسوك عرَضاً وباختصار عندما يتحدث عن تشكك البيزنطيين في أصالة مسيحية الأحباش، أو ما تشير إليه باتريشيا كرون عن الأنبياء الزرداشتيين وعلاقتهم بالانتفاضة الفلاحية على عهد الساسانيين. إنه غضب الله المتكرر وضرورة الردّ عليه بالرجوع إلى أصل لم يستقم إلّا في حروب منهكة لكلا الإمبراطوريتين الفارسية والبيزنطية. ربما استحالة تكرار النفس النبوي الزرداشتي والمسيحي وتحوّلهما إلى أديان إمبراطورية تتحكّم بممالك يهودية حميرية وأخرى حبشية هو ما يفسر جو
إلّا أنّ السؤال الذي راودني أيضاً هو أنه إذا سافر سلفي مع كتاب المؤرخ الأميركي إلى ما بين سنة ٥٢٣ ٥٧٠ م فهل يستطيع أن يعود إلّا ومعه الجاهلةه كلّها ليسقطها على كل محطّات التاريخ، وهي كثيرة، كي يعود إلاسلام كما كان يوم أرسله الله إلى نبيه العربي؟ هل يمكنه أن يستعيد التعامل مع تراثه الثقافي في هذه الفترة ويعود من رحلة الاستعادة هذه سالماً دون أن يشهر سيفه ويحطّم كل الأصنام كما فعل الطالبان في أفغانستان بتمثال بوذا أو غيرهم من مسلمي مالي ونيجيريا والصومال؟
يبدو أنه قضي الأمر مع التطور الداعشي وغير الداعشي لأنّ الجاهلية التي يتحدّث عنها سيد قطب في كتابه «في ظلال القرآن» وفي تأويله لقوله تعالى:
أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ
وما يكرره بعده أيمن الظواهري في كتابه «فرسان تحت راية النبي»، أو أبو بكر البغدادي ومرجعه في كتاب داعش8 «إدارة التوحش، أخطر مرحلة ستمر بها الأمة» ليست جاهلية تاريخية وإنما هي حالة أبدية وسرمدية تتكرّر مهما تغيّر التاريخ وتغيّرت علاقات الأمم وتطوّرت أديانها ومعتقداتها ودولها إذا ضاعت حالة الجاهلية ضاع الإسلام. إنّ صنمية هذا النعت لأيّ مجتمع معاصر بالجاهلية وتجميد الاجتهاد إلا في توسيع مفهوم المشركين والمفسدين في الأرض، وتفصيل طقسنة الموت في حروب أهلية متكررة الديمومة هما منهج الخروج من الواقع والقطيعة معه ومع الاجتماع والعلم والعالم والانكفاء، إلى مجتمع مغلق، يستبدّ به علماء أخرجوا أنفسهم من دائرة حكم البشر للبشر نيابة عن كل الخلفاء و«ورثة» الأنبياء، والأئمة والصحابة الغاربين لتوسيع دائرة قدسية أقوالهم وعصمتها. ولهذا عاد أنصار داعش من رحلتهم إلى الجاهلية الأولى ليقْدموا طوعاً على ارتكاب مجازر أشبه بمجزرة نجران، مع العزم على الاستمرار بها سبياً وقتلاً للمسلمين أنفسهم ولأهل الموصل حتى الرقة، من المسيحيين والمشركين وغيرهم من الشيَع التي ذكرها الشهرستاني في كتابه «الملل والنّحَل» حتى يبقى وجه ربهم ويقام حكم الله على أرض خاوية من أهلها إلا الذين خرّوا صاغرين لهم. إنها حرب البسوس مع قدسية مجدّدة:
أنت البسوس التي أفنت بناقتها بكراً وتغلب حتى أقفر البلد.
اعتدنا كثيراً في الكتابات اليسارية استعارة تعليق ماركس الشهير على هيجل «إن التاريخ يعيد نفسه مرتين، لكنه يحدث في الأولى كمأساة وفي الثانية كمهزلة». لكن نسينا قوله أيضاً أن التاريخ لا يصنع شيئاً بحدّ ذاته حين لا يتعلّم الإنسان منه شيئاً ويستعند في إعادة إنتاج عبوديّته وسيره إلى مثواه الأخير كممثّل مسرحيّ في نظام اجتماعيّ قد مات أبطاله الحقيقيّون.
وما أضاف الداعشيون إلى ذلك إلا تلك الحلقة المفرغة التي تدور على نفسها تكراراً للمآسي والمهازل حتى تنقطع سرعة دفعها بإضاعة طاقتها وبأسها في ما بينها. إنّ ما تتميّز به التّجربة الرّوحيّة المذهبية هو هذا الثّابت فيها: القطيعة، وتحديداً ما يطلق عليه ميشال دو سرتو اسم القطيعة المؤسّسة. إلّا أنّ القطيعة المؤسّسة في التّجربة الدّينيّة المذهبية إذا بلغت طورها الكوميديّ والمأساوي الأخير تنقلب إلى قطيعة سياسية مع العالم لا تؤسّس لأيّ شيء سوى دمارها الذّاتيّ ممّا، ينقلها بالضّرورة إلى دائرة المقدّس الموهوم أملاً لحامله أن يغفر الله ذنوبه الإجرامية باسم خالقه. فحامل هذه القداسة المذهبية قد يعتقد صادقاً أنّ تجاربه الأرضية المجهضة ما هي إلا صورة لوجه الإله الغاضب في العالم لخطيئته الجاهلية الأولى وتكرارها في الفتن الكبرى والصغرى على مر التاريخ.
وغضب الله هذا يشير إليه بورسوك عرَضاً وباختصار عندما يتحدث عن تشكك البيزنطيين في أصالة مسيحية الأحباش، أو ما تشير إليه باتريشيا كرون عن الأنبياء الزرداشتيين وعلاقتهم بالانتفاضة الفلاحية على عهد الساسانيين. إنه غضب الله المتكرر وضرورة الردّ عليه بالرجوع إلى أصل لم يستقم إلّا في حروب منهكة لكلا الإمبراطوريتين الفارسية والبيزنطية. ربما استحالة تكرار النفس النبوي الزرداشتي والمسيحي وتحوّلهما إلى أديان إمبراطورية تتحكّم بممالك يهودية حميرية وأخرى حبشية هو ما يفسر جو
سيما في ما يتعلق بنقطة مهمة في فكر التوحيد المحمدي للقبائل الوثنية العربية هي كيفية حفظ المقدّس القديم ــ الكعبة الإبراهيمية الأصل ــ وتحويل معناها إلى مقدّس جديد إسلامي ينحدر من ملة إبراهيم الذي رفض التضحية بابنه.
كتب المستشرقون الكثير عن الأصنام، وحاول بعضهم تشويه معنى عدم تدمير الكعبة للخلوص بغباء إلى بقائها لعبادة القمر للتشكيك في توحيدية الإسلام، في حين أنّ ما سبق يقدّم تفسيراً أكثر مقاربة لمعنى التحوّل اللاهوتي الذي أنجزه النبي دون قطيعة مع سيرة الأنبياء السابقين عليه. وهذا ما وجدته أيضاً في تفاسير القصص القرآني عن بقاء الحجر الأسود. أهمية بقائه لا تتوقف فقط على نسبة بناء الكعبة إلى إبراهيم ليس كأول بيت على الأرض، بل «كأول بيت وضع فيه البركة»، لصلته مع المقدّس الإلهي الأول (إنزال آدم إلى الأرض) كخليفة لها وعليها بالرغم من احتجاج بعض الملائكة. فالقصص القرآني وأخبار المفسرين، بمن فيهم ابن كثير، تنسب وصول الحجر الأسود إلى الأرض من مادة الجنة نفسها أوصلها جبريل يوم كان إبراهيم يبني الكعبة. وجاء في الحديث المنقول والمسند إلى النبي العربي، أن الحجر الأسود كان «أشد بياضاً من الثلج حتى سوّدته خطايا بني آدم» وأنّ «آدم هو أول من قبّله»، بل إن كتاب «أمالي» لابن دريد يقول «إن آدم أهبط ومعه الحجر الأسود»، ولذا كان النبي العربي يقبّله. وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه كان يُقبِّل الحجر الأسود ويقول: «إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله يُقبِّلك ما قبّلتك».
لذا لا مقام لدعاة الثورية الإسلامية الدائمة التي تدّعي أنّ النبي كان قاطعاً مع كل شيء في مجتمعه، وهو المجتمع الجاهلي. وهذه الملاحظة تتعلّق أيضاً بالأعياد وبعض الطقوس الأخرى، ودرب الفيل الذي لا يزال يطلق على مكان مجاور لمكة. وحتى عندما حاول البعض بعد هزيمة حزيران التذكير بثورة القرامطة المنشقّة عن الشيعة الإثني عشرية والإٍسماعيلية والفاطمية لاعتناق «قدسية جديدة» ثورية، فقد نسوا أن القرامطة فشلوا في تبرير سرقة الحجر الأسود ٩٥١م واضطروا إلى إرجاعه ليظل رمزاً لوحدة لاهوتية لا سياسية، إذ إن القدسية لا يمكن أن تحتكر لأي فرقة إلا على غلالة من دم في حرب أهلية نهاهم النبي العربي عنها عندما احتكم إليه أهل قريش في أمر إعادة تثبيت هذا الحجر قبل الإسلام. لكنّ من المهمّ ذكر ما كتبه ابن كثير في أحداث ٣١٧ هـ ــ ٩٥١م ــ نقلاً عن أبو طاهر القرمطي عندما أمر بأن يقلع الحجر الأسود: «جاءه رجل فضربه بمثقل في يده وقال: أين الطير الأبابيل؟ أين الحجارة من سجّيل؟ ثم قلع الحجر الأسود وأخذوه حين راحوا معهم إلى بلادهم، فمكث عندهم ثنتين وعشرين سنة حتى ردّوه» جلمداً لا تخلل فيه7.
جاهلية الاسطورة و«جاهلية» التاريخ
ربما كان بورسوك يريد في عودته الى تلك الفترة أن يفهم أكثر ما حل بفكر الإمبراطورية البيزنطية وعلاقاتها الدولية آنذاك بعدما تبادلت الانتصارات والهزائم مع الفرس. ففكرة الانحطاط همّ ثقيل للباحث في التاريخ. لكن كتاب بورسوك هوأيضاً بداية لطرح أسئلة معلّقة ليس فقط بشأن سقوط إمبراطوريتين فارسية ورومية بعد انتصار الدعوة، وإنما عن علاقة هذا السقوط بما آلت إليه الخلافة الإسلامية منذ اتساع الشرخ الديمقراطي الموروث قبل وبعد الفتنة الكبرى التي لا يجيد ورثتها وأيتامها إلا رغبتهم في استعادة العهد التأسيسي الأول على جثة الممالك والدول التي لا تزال تتهاوى وتتآكل على يد من ادّعوا بفرقهم المتناحرة حيازة مفتاح باب التأسيس الأول. ولمّا كان الفكر الإسلامي السلفي يعتبر أن انحطاط الأمّة يعود إلى عودتنا إلى جاهلية أبدية لا تستقيم إلا بالعودة إلى الإسلام الأوّل، فربما يكون ما يدعونا إليه بورسوك هو أن نذهب إلى التساؤل: كيف يمكن أن تظهر حضارة غنية وشمولية بكل أنظمتها من ماض جاهل؟
عندما يكتب غلين بورسوك، أستاذ جامعتي برينستون وهارفرد، ضمن تخصّصه وحرصه على أنسنة العلوم التاريخيــة والدينيــة والقانونيــة، فإنه يثير كثيراً من الغبار، العالق في عقولنا ونمط تفكيرنا. فقد تربّينا على أنّ «الجاهلية» لفظة مذمومة جاءت كلها في معرض ذم عادات العرب وسلوكهم السابق على الإسلام كالعنجهيّــة والغطرســة والعصبيــة القبليـــة والثأر والوثنيـــة والسَّفـــه وانتشار العداوات وسفك الدماء، وهذا ما فيه جزء فقط من أجزاء الحقيقــة الاجتماعيــة والسياسيــة التي أصلح بعضها إلإسلام، دون أن يكون ذلك الإسلام قطيعة مطلقة مع المجتمع الحاضن أو مع العالم المحيط به.
ووفق هذا المنطق الأحادي الذي لا يكترث إلا إلى مراجعه واحتكارها للحقيقة المطلقة، فإن معظم الكتّاب العرب اعتبروا الجاهلية مرحلة موحشة تافهة، ضالّة مضلّلة، أو هي، بكلمة، جاهلية جهلاء. فعزلوها تاريخياً، أي عملوا على «تنسيقها» من وعي المرحلة التي بدأت بنشوء الإسلام.
كانت رحلتي مع غلين بورسوك فرصة لاكتشاف أن عصر الجاهلية كان عصراً غنياً بتنوّع لغاته الحضارية وببذور الشرع المؤسسة ل
كتب المستشرقون الكثير عن الأصنام، وحاول بعضهم تشويه معنى عدم تدمير الكعبة للخلوص بغباء إلى بقائها لعبادة القمر للتشكيك في توحيدية الإسلام، في حين أنّ ما سبق يقدّم تفسيراً أكثر مقاربة لمعنى التحوّل اللاهوتي الذي أنجزه النبي دون قطيعة مع سيرة الأنبياء السابقين عليه. وهذا ما وجدته أيضاً في تفاسير القصص القرآني عن بقاء الحجر الأسود. أهمية بقائه لا تتوقف فقط على نسبة بناء الكعبة إلى إبراهيم ليس كأول بيت على الأرض، بل «كأول بيت وضع فيه البركة»، لصلته مع المقدّس الإلهي الأول (إنزال آدم إلى الأرض) كخليفة لها وعليها بالرغم من احتجاج بعض الملائكة. فالقصص القرآني وأخبار المفسرين، بمن فيهم ابن كثير، تنسب وصول الحجر الأسود إلى الأرض من مادة الجنة نفسها أوصلها جبريل يوم كان إبراهيم يبني الكعبة. وجاء في الحديث المنقول والمسند إلى النبي العربي، أن الحجر الأسود كان «أشد بياضاً من الثلج حتى سوّدته خطايا بني آدم» وأنّ «آدم هو أول من قبّله»، بل إن كتاب «أمالي» لابن دريد يقول «إن آدم أهبط ومعه الحجر الأسود»، ولذا كان النبي العربي يقبّله. وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه كان يُقبِّل الحجر الأسود ويقول: «إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله يُقبِّلك ما قبّلتك».
لذا لا مقام لدعاة الثورية الإسلامية الدائمة التي تدّعي أنّ النبي كان قاطعاً مع كل شيء في مجتمعه، وهو المجتمع الجاهلي. وهذه الملاحظة تتعلّق أيضاً بالأعياد وبعض الطقوس الأخرى، ودرب الفيل الذي لا يزال يطلق على مكان مجاور لمكة. وحتى عندما حاول البعض بعد هزيمة حزيران التذكير بثورة القرامطة المنشقّة عن الشيعة الإثني عشرية والإٍسماعيلية والفاطمية لاعتناق «قدسية جديدة» ثورية، فقد نسوا أن القرامطة فشلوا في تبرير سرقة الحجر الأسود ٩٥١م واضطروا إلى إرجاعه ليظل رمزاً لوحدة لاهوتية لا سياسية، إذ إن القدسية لا يمكن أن تحتكر لأي فرقة إلا على غلالة من دم في حرب أهلية نهاهم النبي العربي عنها عندما احتكم إليه أهل قريش في أمر إعادة تثبيت هذا الحجر قبل الإسلام. لكنّ من المهمّ ذكر ما كتبه ابن كثير في أحداث ٣١٧ هـ ــ ٩٥١م ــ نقلاً عن أبو طاهر القرمطي عندما أمر بأن يقلع الحجر الأسود: «جاءه رجل فضربه بمثقل في يده وقال: أين الطير الأبابيل؟ أين الحجارة من سجّيل؟ ثم قلع الحجر الأسود وأخذوه حين راحوا معهم إلى بلادهم، فمكث عندهم ثنتين وعشرين سنة حتى ردّوه» جلمداً لا تخلل فيه7.
جاهلية الاسطورة و«جاهلية» التاريخ
ربما كان بورسوك يريد في عودته الى تلك الفترة أن يفهم أكثر ما حل بفكر الإمبراطورية البيزنطية وعلاقاتها الدولية آنذاك بعدما تبادلت الانتصارات والهزائم مع الفرس. ففكرة الانحطاط همّ ثقيل للباحث في التاريخ. لكن كتاب بورسوك هوأيضاً بداية لطرح أسئلة معلّقة ليس فقط بشأن سقوط إمبراطوريتين فارسية ورومية بعد انتصار الدعوة، وإنما عن علاقة هذا السقوط بما آلت إليه الخلافة الإسلامية منذ اتساع الشرخ الديمقراطي الموروث قبل وبعد الفتنة الكبرى التي لا يجيد ورثتها وأيتامها إلا رغبتهم في استعادة العهد التأسيسي الأول على جثة الممالك والدول التي لا تزال تتهاوى وتتآكل على يد من ادّعوا بفرقهم المتناحرة حيازة مفتاح باب التأسيس الأول. ولمّا كان الفكر الإسلامي السلفي يعتبر أن انحطاط الأمّة يعود إلى عودتنا إلى جاهلية أبدية لا تستقيم إلا بالعودة إلى الإسلام الأوّل، فربما يكون ما يدعونا إليه بورسوك هو أن نذهب إلى التساؤل: كيف يمكن أن تظهر حضارة غنية وشمولية بكل أنظمتها من ماض جاهل؟
عندما يكتب غلين بورسوك، أستاذ جامعتي برينستون وهارفرد، ضمن تخصّصه وحرصه على أنسنة العلوم التاريخيــة والدينيــة والقانونيــة، فإنه يثير كثيراً من الغبار، العالق في عقولنا ونمط تفكيرنا. فقد تربّينا على أنّ «الجاهلية» لفظة مذمومة جاءت كلها في معرض ذم عادات العرب وسلوكهم السابق على الإسلام كالعنجهيّــة والغطرســة والعصبيــة القبليـــة والثأر والوثنيـــة والسَّفـــه وانتشار العداوات وسفك الدماء، وهذا ما فيه جزء فقط من أجزاء الحقيقــة الاجتماعيــة والسياسيــة التي أصلح بعضها إلإسلام، دون أن يكون ذلك الإسلام قطيعة مطلقة مع المجتمع الحاضن أو مع العالم المحيط به.
ووفق هذا المنطق الأحادي الذي لا يكترث إلا إلى مراجعه واحتكارها للحقيقة المطلقة، فإن معظم الكتّاب العرب اعتبروا الجاهلية مرحلة موحشة تافهة، ضالّة مضلّلة، أو هي، بكلمة، جاهلية جهلاء. فعزلوها تاريخياً، أي عملوا على «تنسيقها» من وعي المرحلة التي بدأت بنشوء الإسلام.
كانت رحلتي مع غلين بورسوك فرصة لاكتشاف أن عصر الجاهلية كان عصراً غنياً بتنوّع لغاته الحضارية وببذور الشرع المؤسسة ل
الجمود اللاهوتي الذي حطّمه الإسلام دون أن تكون قطيعة مع التراث الإبراهيمي كله.
القطيعة المعرفية المضادة
استحالة هذا التّكرارعلى الطريقة المسيحية أو اليهودية أو الزرداشتية أو الإسلامية هو ما لم يفهمه العقل السلفي الذي لا يقوم إلا على النقل والعود الأبدي إلى أصل الدولة الأولى التي غدت إمبراطورية بدورها بعد الفتوحات الإسلامية.. وهذا ما يلخّص أزمة المسلم السلفي في هذا الزّمان الذي انتهت فية الإمبراطورية الإسلامية حتى قبل غزو المغول لبغداد.
فالسلفي إنسان «متأزّم». وقد جاء في الّلسان أنّ «المُتَأَزِّم ــ هو ــ المُتَأَلِّم لأَزْمةِ الزّمان» المتمثلة في العيش ضمن أنظمة أنتجت الخوف والرعب والتعذيب وسخّرت أفكار الحداثة لغايات تنافيها، ليلقي بتبعة العنف الأصلي على الآخر الجاهلي من أهل البدع. فكل الحكام المعاصرين من ملوك وعسكريين انقلابيين أو مدنيين الذين يستوردون شرعة الدساتير الحديثة أو شرعة حقوق الإنسان الفردية والجماعية هم فراعنة أو مجوس أو قيصر أو كسرى أو طاغوت قديم قدم هذا العالم السفيل السافل والفاجر.
إنّ القراءة اللاتاريخية للتراث والقطيعة مع كل الفكر والتراث المادي وغير المادي الذي سبق الإسلام وتلاه، ومع ما فات السلطنة العثمانية ودول ما بعد الاستقلال الوطني من تطوّر للعلوم الأنطروبولوجية والفلسفية والاجتماعية والنفسية وغيرها، يستلزمان قطيعة معرفية، مضادة هذه المرّة، مع مجموعة من المفاهيم والمقولات وطرائق التفكير النحوية والفقهيه والتوحيدية المختزلة بالتقليد والنقل بلا عقل.
لا يعني ذلك قذف التراث الإسلامي إلى سلة المهملات التاريخية وإنما التعامل معه كتراث تاريخي حكَمته اعتبارات سياسية واجتماعية غير متكررة في معناها وتاريخها وانقاساماتها وانتصاراتها أو هزائمها. فالقطيعة التي دعا إليها مفكّرون أمثال أبو زيد والجابري ومحمد أركون ليست القطيعة مع التراث بل القطيعة مع نوع من العلاقة مع التراث، القطيعة التي تحوّلنا من كائنات تراثية تكرارية إلى كائنات لها تراث قادرة على أن تهضمه دون إنكار إنسانية الآخرين. وطالما بقي مكان السلطة منفصلاً عن مكان المعرفة الإنسانية وقراءة التراث على نحو تاريخي، لا مناص من الدوران في الحلقات المفرغة المذهبية والسلفية التطهيرية لبعضها البعض وللآخرين الكفرة.
إنّ النبي العربي كان أوّل من مارس هذه القطيعة المعرفية مع الإيديولوجيات المهيمنة حينذاك دون أن ينكر إنسانية الآخرين وأهمية لاهوتهم وأفكارهم والطوباوية. وتكمن ميزة القرآن وفرادته في استرجاعه لقصص الأنبياء ولعلاقة ورثة آدم بالخلافة على الأرض، وأنه يستعصى على الاختزال إلى رأي واحد أو إلى مذهب وحيد، على عكس ما تعامل معه أصحاب الفكر السلفي من العلماء الذين لن يتوقفوا حتى يُكرهوا جميع الفرق المعارضة لهم على احترام صنمية تفسيرهم للنص القرآني وتغليبهم النقل على العقل ورمي كل التاريخ العربي إلى بحر أحمر من دماء العرب والمسلمين وغير المسلمين في عبثية وعدمية تئدُ معنى السياسة والاجتماع والدين في آن معاً كما كان العرب يئدون بناتهم خوفاً من العار والسبي.
والبحر متسع وخاوٍ لا غناء سوى الهدير/ وما يبين سوى شراع رنّحته العاصفات وما يطير
لعلّ السفر في تاريخ ما قبل الإسلام مع بورسوك يساعد على معرفة أنّ أبطال الزمن التأسيسي الأول كانوا أكثر انفتاحاً على العالم وفهماً لصعود وانحلال الحضارات وشروط بناء الدول وإحلال السلام الأهلي، دون ذلك التأزم وإنكار اختلاف الواقع الحالي عمّا سبقه من العصور الجاهلية وغير الجاهلية. لكنه أيضاً قد يزيد حدّة انفصام الشخصيات الجماعية المنقسمة على نفسها لكثرة محطاتها التاريخية المتأزمة وتعدّد أمراء المؤمنين المتضاربين.
1.G.W. Bowersock, The Throne Of Adulis, Red Sea Wars On The Eve Of Islam,
Oxford University Press, Oxford, 2013.2.ذكر المقدسي في كتابه أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم أن العربية تسمي البحرالاحمر «بحر القلزم»، بعكس اليونان الذين أطلقوا على البحر الأحمر تسمية «مار اريتريوس» ومنه اشتق اسم اريتريا التي كانت تحت حكم مملكة سبأ ثم مملكة أكسوم الحبشية المسيحية. إلا أنه يقال ان كلمة «أدام» العبرية تعني الأحمر وهو البحر الذي طرحت فيه أم موسى سلة موسى لما خافت عليه من فرعون. وقد عبر بنو إسرائيل البحر الأحمر برفقة نبي الله موسى كما ورد في القرآن:
(فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيم)
(وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا)3.Beaucamp,.Briquel-Chatonnet et C. Robin
Le Massacre De Najran: Regards Croisés Sur Les Sources
«مجزرة نجران : نظرات متقاطعة الى المصادر» 20104.وقد وجدت في شعر عدي بن زيد العبادي في العصر الجاهلي ما يتعلق بما يرويه بورسوك من نسبة ذلك الحدث إلى ملك اك
القطيعة المعرفية المضادة
استحالة هذا التّكرارعلى الطريقة المسيحية أو اليهودية أو الزرداشتية أو الإسلامية هو ما لم يفهمه العقل السلفي الذي لا يقوم إلا على النقل والعود الأبدي إلى أصل الدولة الأولى التي غدت إمبراطورية بدورها بعد الفتوحات الإسلامية.. وهذا ما يلخّص أزمة المسلم السلفي في هذا الزّمان الذي انتهت فية الإمبراطورية الإسلامية حتى قبل غزو المغول لبغداد.
فالسلفي إنسان «متأزّم». وقد جاء في الّلسان أنّ «المُتَأَزِّم ــ هو ــ المُتَأَلِّم لأَزْمةِ الزّمان» المتمثلة في العيش ضمن أنظمة أنتجت الخوف والرعب والتعذيب وسخّرت أفكار الحداثة لغايات تنافيها، ليلقي بتبعة العنف الأصلي على الآخر الجاهلي من أهل البدع. فكل الحكام المعاصرين من ملوك وعسكريين انقلابيين أو مدنيين الذين يستوردون شرعة الدساتير الحديثة أو شرعة حقوق الإنسان الفردية والجماعية هم فراعنة أو مجوس أو قيصر أو كسرى أو طاغوت قديم قدم هذا العالم السفيل السافل والفاجر.
إنّ القراءة اللاتاريخية للتراث والقطيعة مع كل الفكر والتراث المادي وغير المادي الذي سبق الإسلام وتلاه، ومع ما فات السلطنة العثمانية ودول ما بعد الاستقلال الوطني من تطوّر للعلوم الأنطروبولوجية والفلسفية والاجتماعية والنفسية وغيرها، يستلزمان قطيعة معرفية، مضادة هذه المرّة، مع مجموعة من المفاهيم والمقولات وطرائق التفكير النحوية والفقهيه والتوحيدية المختزلة بالتقليد والنقل بلا عقل.
لا يعني ذلك قذف التراث الإسلامي إلى سلة المهملات التاريخية وإنما التعامل معه كتراث تاريخي حكَمته اعتبارات سياسية واجتماعية غير متكررة في معناها وتاريخها وانقاساماتها وانتصاراتها أو هزائمها. فالقطيعة التي دعا إليها مفكّرون أمثال أبو زيد والجابري ومحمد أركون ليست القطيعة مع التراث بل القطيعة مع نوع من العلاقة مع التراث، القطيعة التي تحوّلنا من كائنات تراثية تكرارية إلى كائنات لها تراث قادرة على أن تهضمه دون إنكار إنسانية الآخرين. وطالما بقي مكان السلطة منفصلاً عن مكان المعرفة الإنسانية وقراءة التراث على نحو تاريخي، لا مناص من الدوران في الحلقات المفرغة المذهبية والسلفية التطهيرية لبعضها البعض وللآخرين الكفرة.
إنّ النبي العربي كان أوّل من مارس هذه القطيعة المعرفية مع الإيديولوجيات المهيمنة حينذاك دون أن ينكر إنسانية الآخرين وأهمية لاهوتهم وأفكارهم والطوباوية. وتكمن ميزة القرآن وفرادته في استرجاعه لقصص الأنبياء ولعلاقة ورثة آدم بالخلافة على الأرض، وأنه يستعصى على الاختزال إلى رأي واحد أو إلى مذهب وحيد، على عكس ما تعامل معه أصحاب الفكر السلفي من العلماء الذين لن يتوقفوا حتى يُكرهوا جميع الفرق المعارضة لهم على احترام صنمية تفسيرهم للنص القرآني وتغليبهم النقل على العقل ورمي كل التاريخ العربي إلى بحر أحمر من دماء العرب والمسلمين وغير المسلمين في عبثية وعدمية تئدُ معنى السياسة والاجتماع والدين في آن معاً كما كان العرب يئدون بناتهم خوفاً من العار والسبي.
والبحر متسع وخاوٍ لا غناء سوى الهدير/ وما يبين سوى شراع رنّحته العاصفات وما يطير
لعلّ السفر في تاريخ ما قبل الإسلام مع بورسوك يساعد على معرفة أنّ أبطال الزمن التأسيسي الأول كانوا أكثر انفتاحاً على العالم وفهماً لصعود وانحلال الحضارات وشروط بناء الدول وإحلال السلام الأهلي، دون ذلك التأزم وإنكار اختلاف الواقع الحالي عمّا سبقه من العصور الجاهلية وغير الجاهلية. لكنه أيضاً قد يزيد حدّة انفصام الشخصيات الجماعية المنقسمة على نفسها لكثرة محطاتها التاريخية المتأزمة وتعدّد أمراء المؤمنين المتضاربين.
1.G.W. Bowersock, The Throne Of Adulis, Red Sea Wars On The Eve Of Islam,
Oxford University Press, Oxford, 2013.2.ذكر المقدسي في كتابه أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم أن العربية تسمي البحرالاحمر «بحر القلزم»، بعكس اليونان الذين أطلقوا على البحر الأحمر تسمية «مار اريتريوس» ومنه اشتق اسم اريتريا التي كانت تحت حكم مملكة سبأ ثم مملكة أكسوم الحبشية المسيحية. إلا أنه يقال ان كلمة «أدام» العبرية تعني الأحمر وهو البحر الذي طرحت فيه أم موسى سلة موسى لما خافت عليه من فرعون. وقد عبر بنو إسرائيل البحر الأحمر برفقة نبي الله موسى كما ورد في القرآن:
(فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيم)
(وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا)3.Beaucamp,.Briquel-Chatonnet et C. Robin
Le Massacre De Najran: Regards Croisés Sur Les Sources
«مجزرة نجران : نظرات متقاطعة الى المصادر» 20104.وقد وجدت في شعر عدي بن زيد العبادي في العصر الجاهلي ما يتعلق بما يرويه بورسوك من نسبة ذلك الحدث إلى ملك اك