#ملوك_حمير_بن_هشام
وقال في ذلك عبيد بن الأبرص الأسدي بن نعمان بن المنذر وأنشأ يقول: يخبرني نعمان في يوم بؤسه ... خصالاً اتا في كلها الموت قد برق كما خيرت عاد من الجو مزنة ... سحاباً وما فيها لمختارها انق وفي ذلك يقول الأعشى بن نصير أعشى بني وائل وأنشأ يقول: ولو كان حي خالداً ومعمراً ... لكان سليمان البريء من الدهر براه الهي واصطفاه لخيره ... وملكه ما بين درتا إلى مصر وسخر من جن الملائك تسعة ... قياماً عليه يعملون على أجر فأنت الذي ألهيت قيلا بكأسه ... ولقمان إذ خيرت لقمان في العمر فقيل أما والصار تختار في الصفا ... يكر له الابعار في ظلل القطر فيبقى بقا أبعارها في كهوفها ... محصنة من قطر سار إذا يسري لنفسك أن تختار سبعة أنسر ... إذا ما خلا نسر خلوت إلى نسر فقال نسور حين ظن بأنها ... تدوم وهل بقى النسور على الدهر وفي ذلك يقول أسد بن ربيعة الكلابي وهم القرون الأولى فأنشأ يقول: ألم تر إلى حي عاد ... أفناهم الليل والنهار بادوا فلما مضوا ... باد على أثرهم قدرا وبعدهم غالت المنايا ... عاداً فلم ينجهم حذار وأهل جو أتت عليهم ... فانتدبت عليهم وباروا وحل بالحي من جديس ... يوم من الشر مستطار وأهل غمدان قد أبيدوا ... بالدهر ما يجمع الخيار فصحبتهم من الدواهي ... جائحة عقابها الدمار ومر دهر على وبار ... فاضت لها وحشة ونار
وقال في ذلك عبيد بن الأبرص الأسدي بن نعمان بن المنذر وأنشأ يقول: يخبرني نعمان في يوم بؤسه ... خصالاً اتا في كلها الموت قد برق كما خيرت عاد من الجو مزنة ... سحاباً وما فيها لمختارها انق وفي ذلك يقول الأعشى بن نصير أعشى بني وائل وأنشأ يقول: ولو كان حي خالداً ومعمراً ... لكان سليمان البريء من الدهر براه الهي واصطفاه لخيره ... وملكه ما بين درتا إلى مصر وسخر من جن الملائك تسعة ... قياماً عليه يعملون على أجر فأنت الذي ألهيت قيلا بكأسه ... ولقمان إذ خيرت لقمان في العمر فقيل أما والصار تختار في الصفا ... يكر له الابعار في ظلل القطر فيبقى بقا أبعارها في كهوفها ... محصنة من قطر سار إذا يسري لنفسك أن تختار سبعة أنسر ... إذا ما خلا نسر خلوت إلى نسر فقال نسور حين ظن بأنها ... تدوم وهل بقى النسور على الدهر وفي ذلك يقول أسد بن ربيعة الكلابي وهم القرون الأولى فأنشأ يقول: ألم تر إلى حي عاد ... أفناهم الليل والنهار بادوا فلما مضوا ... باد على أثرهم قدرا وبعدهم غالت المنايا ... عاداً فلم ينجهم حذار وأهل جو أتت عليهم ... فانتدبت عليهم وباروا وحل بالحي من جديس ... يوم من الشر مستطار وأهل غمدان قد أبيدوا ... بالدهر ما يجمع الخيار فصحبتهم من الدواهي ... جائحة عقابها الدمار ومر دهر على وبار ... فاضت لها وحشة ونار
يا ليت شعري فأين ليت ... وهل تدوم لي المغار وهل يعودون بعد عسر ... على أخي شدة يسار في ذلك يقول كريم بن معشر التغلبي لبعض قومه في جرهم: لا تكونوا قومي أحدوثة ... كبني طسم أو الحي أرم بعثوا قيلا ووفداً كلهم ... طائش الحلم وبئس المدعم ولقيماً ومرثداً ذا التقى ... وسفار أوان عوف والصنم خرجوا وفداً إلى خالتهم ... حين أبطأ عنهم غيث الديم بعدما ردوا نبياً مرسلاً ... وتتعاطوه بتفخيم الحرم عجلوا حرباً من الله لهم ... لم تدع خفاً ولا ذات قدم قال معاوية: لله درك يا عبيد حدثتنا عجباً من أمر عاد فالحمد لله القادر على ما يشاء من أمره فهات يا ابن شرية فحدثني عن لقمان بن عاد صاحب النسور، وكيف كانت نسوره وكيف يناديه المنادي، وكيف كان يجيبه وما كان عمر نسوره وعمره وما قيل في ذلك من الشعر؟ قال عبيد: يا معاوية. إنه لما وقع من وفد عاد وقتل أصحابه من التشاجر فارقهم مرثد بن سعد المؤمن واعتزلهم لقمان. قال لقمان بن عوص: قال لا يا معاوية، ولكنه لقمان بن عاد بن هزيل بن همل بن صدر بن عاد بن عوص. قال: صدقت فحدثني حديثك عنه. قال: عبيد: وأنه لما توجه لقمان مع الوفد حدثتك بحديثه وأنه اختار طول عمره فكان من دعائه حين سأل طول العمر وترك ما وفد له أن قال فيما دعا: اللهم يا رب البحار الخضر ... والأرض ذات النبت بعد القطر أسألك عمراً فوق كل عمر
النسر الأول
فنودي أن قد أعطيت ما سألت ولا سبيل إلى الخلود فاختر إن شئت سبع بقرات من ظبيات عفر في جبل وعر لا يمسها قطر وإن شئت بقاء سبعة أنسر سحر، كلما هلك نسر أعقب نسر. فكان اختياره بقاء النسور. النسر الأول فبينما لقمان يدور ذات يوم في جبل أبي قبيس بمكة سمع منادياً لا يرى شخصه وهو يقول: يا لقمان بن عاد المغرور ببقاء النسور اطلع رأس ثبير ليس يعد وقدرك المقدور، فطلع رأس ثبير فإذا بوكر نسر فيه بيضتان قد تفلقتا عن فرخيهما فاختار لقمان أحد الفرخين، ثم عقد في رجله سيراً ليعرفه وسماه المصون، ثم قال: المصون الخالص المكنون من بيت المصون ومحذور السنون وغبط العيون والباقي بعد الحصون إلى آخر الدهر الخؤون. قال معاوية: لله أنت يا عبيد كيف كان اختياره وفرقه بينهما، وهما فرخان لنسر واحد؟ قال عبيد: بلغني إنه كان ينظر إلى أعظمهما رأساً وأجلهما عظماً فلا يشك إنه الذكر منهما فيختاره، لأن الذكر أبدى وأقوى وأصلب وأحذر لأن مضغه الطير تشك. قال معاوية: فخذ في حديثك يا ابن شرية. قال عبيد: وكان لا يغفل عن إطعامه حتى تم طائراً مسخراً له يدعوه باسمه للمأكل فيجيبه حتى أدركه الكبر، فضعف فلم يطق أن يطير فبينما لقمان يطعمه لحماً قد بضعه له إذ غص ببضعة منه فخر ميتاً، فجزع لذلك جزعاً شديداً وقال هذا بلاء - وأنشأ يبكي نفسه ويقول شعراً: موت المصون دل على أنا ... نذوق الحمام حقاً يقينا
فنودي أن قد أعطيت ما سألت ولا سبيل إلى الخلود فاختر إن شئت سبع بقرات من ظبيات عفر في جبل وعر لا يمسها قطر وإن شئت بقاء سبعة أنسر سحر، كلما هلك نسر أعقب نسر. فكان اختياره بقاء النسور. النسر الأول فبينما لقمان يدور ذات يوم في جبل أبي قبيس بمكة سمع منادياً لا يرى شخصه وهو يقول: يا لقمان بن عاد المغرور ببقاء النسور اطلع رأس ثبير ليس يعد وقدرك المقدور، فطلع رأس ثبير فإذا بوكر نسر فيه بيضتان قد تفلقتا عن فرخيهما فاختار لقمان أحد الفرخين، ثم عقد في رجله سيراً ليعرفه وسماه المصون، ثم قال: المصون الخالص المكنون من بيت المصون ومحذور السنون وغبط العيون والباقي بعد الحصون إلى آخر الدهر الخؤون. قال معاوية: لله أنت يا عبيد كيف كان اختياره وفرقه بينهما، وهما فرخان لنسر واحد؟ قال عبيد: بلغني إنه كان ينظر إلى أعظمهما رأساً وأجلهما عظماً فلا يشك إنه الذكر منهما فيختاره، لأن الذكر أبدى وأقوى وأصلب وأحذر لأن مضغه الطير تشك. قال معاوية: فخذ في حديثك يا ابن شرية. قال عبيد: وكان لا يغفل عن إطعامه حتى تم طائراً مسخراً له يدعوه باسمه للمأكل فيجيبه حتى أدركه الكبر، فضعف فلم يطق أن يطير فبينما لقمان يطعمه لحماً قد بضعه له إذ غص ببضعة منه فخر ميتاً، فجزع لذلك جزعاً شديداً وقال هذا بلاء - وأنشأ يبكي نفسه ويقول شعراً: موت المصون دل على أنا ... نذوق الحمام حقاً يقينا
#السلوك_طبقات_الجُنْدي_بهاءالدين
وَأما شُيُوخه بِالْمَدِينَةِ فأولهم أَبُو عبد الله مَالك بن أنس وَقد مضى ذكره عقب ذكر أبي حنيفَة وَأبي قُرَّة ثمَّ أَبُو عبد الله عبد الْوَهَّاب بن عبد الْمجِيد الثَّقَفِيّ أَخذ عَن المكيين والمدنيين وَلم أتحقق من نَعته شَيْئا وَأما شُيُوخه بِالْيمن فقد ذكرت مِنْهُم عِنْد ذكره فِيمَا مضى كمحمد بن خَالِد الجندي وَالْقَاضِي هِشَام وَغَيرهمَا وَأما بِمصْر فالست الطاهرة نفيسة بنت الْحسن بن زيد بن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ ابْن خلكان قدمت السِّت مصر مَعَ السَّيِّد إِسْحَاق بن جَعْفَر الصَّادِق وَقيل قدمت مَعَ أَبِيهَا وَلأَهل مصر بهَا اعْتِقَاد عَظِيم وَكَانَت وفاتها بِشَهْر رَمَضَان من سنة ثَمَان ومئتين وَأَرَادَ زَوجهَا أَن ينقلها إِلَى مَدِينَة يثرب فَتعلق بِهِ المصريون وَتَضَرَّعُوا إِلَيْهِ أَن يقبرها مَعَهم للتبرك فأجابهم ودفنها بِالدَّار الَّتِي كَانَت تسكنها عِنْد الْمشَاهد بَين الْقَاهِرَة ومصر وقبرها مَشْهُور يزار كثيرا ويستجاب عِنْده الدُّعَاء انْقَضى ذكر شُيُوخ الإِمَام وَلم يبْق إِلَّا الْبِدَايَة بِذكر التَّارِيخ وَهُوَ الأَصْل أهل المئة الثَّالِثَة بالمتأخرين إِلَى مُضِيّ الْكتاب كَمَا هُوَ شرطنا وَأَجْعَل بدايتهم بأصحاب الإِمَام فأختم بعد مُضِيّ الْفُقَهَاء بِذكر الْوُلَاة إِلَى عصرنا اختصارا وتيسيرا فَاعْلَم أَطَالَ الله بقاك أَن جَمِيع الْيمن قد أسلم أَهله وَهُوَ إِذْ ذَاك على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرْبَعَة مخاليف مخلاف عك وَهِي تهَامَة خَاصَّة ثمَّ الْجند ثمَّ صنعاء ثمَّ حضر موت مَا مخلاف مِنْهُنَّ إِلَّا لم يمت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى قد أسلم أَهله وَقد صَار عَلَيْهِم من قبله وُلَاة وعمالا فَارْتَد بعض أهل حضر موت كَانَ عَلَيْهِم زِيَاد بن لبيد البياضي كَمَا قد مضى بَيَان ذَلِك وَأما سَائِر المخاليف فَلم يذكر عَن أحد مِنْهُم ردة وَكَذَلِكَ أَقَامَ كل وَاحِد من الْعمَّال فِي عمله مَا شَاءَ الله ثمَّ قدم من قدم على أبي بكر اخْتِيَارا كمعاذ بن جبل وَكَانَ ملك صنعاء بيد الْفرس وحمير بن سيف بن ذِي يزن إِذْ
وَأما شُيُوخه بِالْمَدِينَةِ فأولهم أَبُو عبد الله مَالك بن أنس وَقد مضى ذكره عقب ذكر أبي حنيفَة وَأبي قُرَّة ثمَّ أَبُو عبد الله عبد الْوَهَّاب بن عبد الْمجِيد الثَّقَفِيّ أَخذ عَن المكيين والمدنيين وَلم أتحقق من نَعته شَيْئا وَأما شُيُوخه بِالْيمن فقد ذكرت مِنْهُم عِنْد ذكره فِيمَا مضى كمحمد بن خَالِد الجندي وَالْقَاضِي هِشَام وَغَيرهمَا وَأما بِمصْر فالست الطاهرة نفيسة بنت الْحسن بن زيد بن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ ابْن خلكان قدمت السِّت مصر مَعَ السَّيِّد إِسْحَاق بن جَعْفَر الصَّادِق وَقيل قدمت مَعَ أَبِيهَا وَلأَهل مصر بهَا اعْتِقَاد عَظِيم وَكَانَت وفاتها بِشَهْر رَمَضَان من سنة ثَمَان ومئتين وَأَرَادَ زَوجهَا أَن ينقلها إِلَى مَدِينَة يثرب فَتعلق بِهِ المصريون وَتَضَرَّعُوا إِلَيْهِ أَن يقبرها مَعَهم للتبرك فأجابهم ودفنها بِالدَّار الَّتِي كَانَت تسكنها عِنْد الْمشَاهد بَين الْقَاهِرَة ومصر وقبرها مَشْهُور يزار كثيرا ويستجاب عِنْده الدُّعَاء انْقَضى ذكر شُيُوخ الإِمَام وَلم يبْق إِلَّا الْبِدَايَة بِذكر التَّارِيخ وَهُوَ الأَصْل أهل المئة الثَّالِثَة بالمتأخرين إِلَى مُضِيّ الْكتاب كَمَا هُوَ شرطنا وَأَجْعَل بدايتهم بأصحاب الإِمَام فأختم بعد مُضِيّ الْفُقَهَاء بِذكر الْوُلَاة إِلَى عصرنا اختصارا وتيسيرا فَاعْلَم أَطَالَ الله بقاك أَن جَمِيع الْيمن قد أسلم أَهله وَهُوَ إِذْ ذَاك على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرْبَعَة مخاليف مخلاف عك وَهِي تهَامَة خَاصَّة ثمَّ الْجند ثمَّ صنعاء ثمَّ حضر موت مَا مخلاف مِنْهُنَّ إِلَّا لم يمت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى قد أسلم أَهله وَقد صَار عَلَيْهِم من قبله وُلَاة وعمالا فَارْتَد بعض أهل حضر موت كَانَ عَلَيْهِم زِيَاد بن لبيد البياضي كَمَا قد مضى بَيَان ذَلِك وَأما سَائِر المخاليف فَلم يذكر عَن أحد مِنْهُم ردة وَكَذَلِكَ أَقَامَ كل وَاحِد من الْعمَّال فِي عمله مَا شَاءَ الله ثمَّ قدم من قدم على أبي بكر اخْتِيَارا كمعاذ بن جبل وَكَانَ ملك صنعاء بيد الْفرس وحمير بن سيف بن ذِي يزن إِذْ
كَانَ قد هلك فالفرس الْمُلُوك وحمير المدبرون للبلاد والسائقون للخراج والدافعون للْفَسَاد وَكَانَ بَين الْفرس وَبَين هَمدَان عهود ومواثيق وَكَانَ بَينهم فِي ذَلِك مكتب قَالَ الرَّازِيّ كَانَت الْعَرَب تكْتب فِي صدر كتبهَا بِاسْمِك اللَّهُمَّ وتكتب فَارس باسم ولي الرَّحْمَة وَالْهدى فَلَمَّا أَرَادوا كتب كتاب الْحلف جمعُوا فَقَالَ بِاسْمِك اللَّهُمَّ ولي الرَّحْمَة وَالْهدى هَذَا كتاب مَا أَجمعت عَلَيْهِ هَمدَان وَفَارِس بِالْيمن بِمحضر الْمَرْزُبَان باذان بن ساسان ومشاهدة للرئيسين عَمْرو بن الْحَارِث وَعَمْرو بن يزِيد من بكيل وحاشد وَرَضي من حضر وكفالة بَعضهم لبَعض عَمَّن غَابَ من الْحَيَّيْنِ جَمِيعًا إِنَّا تحالفنا جَمِيعًا على عهد الله وميثاقه واجتماع الْهوى واتفاقه وقتال الْمُخَالف وفراقه على أَن كل وَاحِد من الْحَيَّيْنِ جَمِيعًا فِيمَا عقد وحالف إِن نكث أَو خَالف عَمَّا عقد وَشد ووكد فَعَلَيهِ الْعَهْد من الله المكرر الوثيق الْمُؤَكّد الشَّديد أَبَد الْأَبَد لأبد لَا يبيد مَا دَامَ وَالِد وَولد لَا يزَال عهدا مؤكدا مَا أظلت السَّمَاء وأقلت الغبراء وَجرى المَاء وَنزل الْمَطَر وأخضر الشّجر وَأكل الثَّمر وَبَقِي الْبشر وَمَا بَقِي فِي الْبحار رنق وَفِي الْأَشْجَار ورق وَفِي الْأَيَّام رَمق وَمَا ثبتَتْ الرواسِي الشامخات فِي موَاضعهَا وَظَهَرت النُّجُوم السابحات فِي مطالعها عهدا تؤكده العهود بِعقد مُحكم مبرم شَدِيد لَا يضمحل أمره وَلَا ينْبذ خَبره ثمَّ جعل ذَلِك نسختين وَاحِدَة مَعَ هَمدَان وَالْأُخْرَى مَعَ فَارس وَلم تزل الْفرس مؤالفة لهمدان حَتَّى لَو قيل إِن ذَلِك مُسْتَمر إِلَى عصرنا لم يكد الْعقل يُنكره فَلَمَّا قَامَ الْإِسْلَام وَبعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نوابه إِلَى الْيمن فَلم يخْتَلف أَن المعبوث إِلَى مخلاف الْجند هُوَ معَاذ بن جبل الْأنْصَارِيّ وَلم يزل فِي الْجند حَتَّى كَانَت خلَافَة أبي بكر فَكتب إِلَيْهِ يَسْتَأْذِنهُ بالقدوم عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ سَائِر الْعمَّال كتبُوا فَكتب إِلَيْهِم الصّديق أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعثكم لما بعثكم لَهُ من شَأْنه فَمن أحب أَن
يقف فِي عمله فليقف وَمن أحب أَن يعود فليعد بعد أَن يخلف صَالحا فاستخلف معَاذ على الْجند عبد الله بن أبي ربيعَة المَخْزُومِي وَاخْتلف المؤرخون فِيمَن كَانَ نَائِبا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على صنعاء فَالَّذِي ذهب إِلَيْهِ ابْن جرير الصَّنْعَانِيّ أَنه أبان بن سعيد بن الْعَاصِ بن أُميَّة بن عبد شمس وَهُوَ أحد من قيل إِنَّه بنى جَامع صنعاء وَقد قيل أَقْوَال غير ذَلِك فَلَمَّا قدم كتاب الصّديق إِلَى أبان يخيره بَين الْوُقُوف وَبَين الِاسْتِخْلَاف وَالْعود فاستخلف يعلى بن أبي عبيد بن الْحَارِث بن بكر بن زيد التَّمِيمِي وَيُقَال لَهُ يعلى بن منية نِسْبَة إِلَى أمه كَانَ مَعَ أبان فِي ولَايَته وَكَانَ من حلفاء قُرَيْش ثمَّ من حلفاء بني نَوْفَل بن عبد منَاف فَلم يزل يعلى على صنعاء ومخاليفها حَتَّى قتل عُثْمَان وَسَيَأْتِي ذكر مَا كَانَ مِنْهُ فِي خلَافَة عمر وَبعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى خولان خَالِد بن عَامر من بني أُميَّة فَلم يسلمُوا فَقَاتلهُمْ وسبى مِنْهُم ثمَّ سَار إِلَى حُضُور فأسلموا فَبنى لَهُم مَسْجِدا وَهُوَ مَسْجِد مَشْهُور من الْمَسَاجِد المعدودة بِالْيمن وَبعث خَالِد بن الْوَلِيد إِلَى تهَامَة وَبعث إِلَى حَضرمَوْت المُهَاجر بن أبي أُميَّة وَزِيَاد بن لبيد فَارْتَد جمع من أهل تهَامَة وَخرج عَنْهُم خَالِد بن الْوَلِيد بعد أَن
أصلحوا فغزا الْيَمَامَة
105
أصلحوا فغزا الْيَمَامَة
105
#إدام_القوت_بلدان_حضرموت
الحرمين سنتين ، فرأيت من حدّته ما لا مزيد عليه. فقال السّيّد أحمد : ذاك رجل من أهل البادية ، وتلقّى شيئا من العلم ، وقد حجر سلفنا وأشياخنا على المتعلّقين بهم الأخذ عنه ؛ لأنّه ليس بأهل للإلقاء ولا للتّلقّي ، ولا يخفى عليكم ما في طباع البادية من الغلظة والجفاء) اه
وهذا لا يخلو عن حيف كثير على الشّيخ باصبرين ، ويكفي لردّه ما أخرجه الطّبرانيّ عن ابن عبّاس : «تعتري الحدّة خيار أمّتي» ، وكان موسى عليه السّلام حديدا ، وورد : «المؤمن سريع الغضب سريع الفيء» ، وضمّ إليه ما سبق من أخذ سيّدنا عمر بن حسن الحدّاد عنه ، وبإشارته كان تحويط الجمرتين بمنى ، فسلم النّاس ، ولا سيّما الضّعفاء من كثير من أضرار الزّحام ، فلقد كان رأيه موفّقا ، ولهذا بادر الشّريف بتنفيذه ، وطلب منه أن يكثر التّردّد عليه كما أخبرني وجيه جدّة النّبيل محمّد بن حسين بن عمر نصيف عن
فأبى ؛ لأنّه كان شريف النّفس عليّ الهمّة رحمة الله عليه.
وحدّثني الوجيه محمّد نصيف أيضا أنّ أحد الدّلّالين باع له بنّا من يهوديّ ، فدلّس عليه في مئتي رطل ، فأخبر الشّيخ ممتنّا عليه بهذا الصّنيع ، فقال له الشّيخ : لا أرضى ولا أحبّ أن يطلبني اليهوديّ بحقّه في الدّار الآخرة ، وردّ عليه ما اختانه الدّلّال. ومنه تعرف أنّ له تجارة بجدّة ، وكانت دار هجرته ونشر علمه ، وله بها تلاميذ كثيرون.
وقد علمت أنّ السّيّد عمر بن حسن الحدّاد قرأ عليه ، وهو من مراجيح العلويّين.
وحدّثني الشّيخ عبد الله باحشوان ـ أحد قضاة المكلّا السّابقين ـ قال : (كنت مع الشّيخ عليّ باصبرين وأنا صغير ، فسمع مزمارا فسدّ أذنيه بأصبعيه ، وجعل يقول لي : هل تسمع شيئا؟ فأقول : نعم ، حتّى قلت : لا ، فأبعدهما ، يتسمّت بذلك ما فعل عبد الله بن عمر مع مولاه نافع ، ينقل ما صنع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عندما سمع مزمار الرّاعي) [د ٤٩٢٤] ، وقد جوّدت القول على هذه المسألة في كتابي «بلابل التّغريد».
الحرمين سنتين ، فرأيت من حدّته ما لا مزيد عليه. فقال السّيّد أحمد : ذاك رجل من أهل البادية ، وتلقّى شيئا من العلم ، وقد حجر سلفنا وأشياخنا على المتعلّقين بهم الأخذ عنه ؛ لأنّه ليس بأهل للإلقاء ولا للتّلقّي ، ولا يخفى عليكم ما في طباع البادية من الغلظة والجفاء) اه
وهذا لا يخلو عن حيف كثير على الشّيخ باصبرين ، ويكفي لردّه ما أخرجه الطّبرانيّ عن ابن عبّاس : «تعتري الحدّة خيار أمّتي» ، وكان موسى عليه السّلام حديدا ، وورد : «المؤمن سريع الغضب سريع الفيء» ، وضمّ إليه ما سبق من أخذ سيّدنا عمر بن حسن الحدّاد عنه ، وبإشارته كان تحويط الجمرتين بمنى ، فسلم النّاس ، ولا سيّما الضّعفاء من كثير من أضرار الزّحام ، فلقد كان رأيه موفّقا ، ولهذا بادر الشّريف بتنفيذه ، وطلب منه أن يكثر التّردّد عليه كما أخبرني وجيه جدّة النّبيل محمّد بن حسين بن عمر نصيف عن
فأبى ؛ لأنّه كان شريف النّفس عليّ الهمّة رحمة الله عليه.
وحدّثني الوجيه محمّد نصيف أيضا أنّ أحد الدّلّالين باع له بنّا من يهوديّ ، فدلّس عليه في مئتي رطل ، فأخبر الشّيخ ممتنّا عليه بهذا الصّنيع ، فقال له الشّيخ : لا أرضى ولا أحبّ أن يطلبني اليهوديّ بحقّه في الدّار الآخرة ، وردّ عليه ما اختانه الدّلّال. ومنه تعرف أنّ له تجارة بجدّة ، وكانت دار هجرته ونشر علمه ، وله بها تلاميذ كثيرون.
وقد علمت أنّ السّيّد عمر بن حسن الحدّاد قرأ عليه ، وهو من مراجيح العلويّين.
وحدّثني الشّيخ عبد الله باحشوان ـ أحد قضاة المكلّا السّابقين ـ قال : (كنت مع الشّيخ عليّ باصبرين وأنا صغير ، فسمع مزمارا فسدّ أذنيه بأصبعيه ، وجعل يقول لي : هل تسمع شيئا؟ فأقول : نعم ، حتّى قلت : لا ، فأبعدهما ، يتسمّت بذلك ما فعل عبد الله بن عمر مع مولاه نافع ، ينقل ما صنع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عندما سمع مزمار الرّاعي) [د ٤٩٢٤] ، وقد جوّدت القول على هذه المسألة في كتابي «بلابل التّغريد».
وجرت بينه وبين علماء تريم منازعات في عدّة مسائل :
منها : التّوسّل والاستغاثة. ومنها : ثبوت النّسب بمشجّرات العلويّين المحرّرة ، وكان الشّيخ يبالغ في إنكار ذلك ، وألّفت رسائل من الطّرفين.
ففي سنة (١٢٩٨ ه) فرغ الشّيخ عليّ باصبرين من رسالته الّتي سمّاها : «حدائق البواسق المثمرة في بيان صواب أحكام الشّجرة» ، وقد علّق عليها السّيّد سالم بن محمّد الحبشيّ بما يشبه الرّدّ ، وبعد اطّلاع باصبرين عليه كتب : (أمّا التّهاميش : فأمعنّا النّظر في جميعها .. فما وجدنا فيها زيادة فائدة عمّا في الأصل ، فما زاد إلّا إتلاف ورق لم يؤذن له في إتلافه بتسويده بما لا يجدي فائدة جديدة).
وللحبيب أحمد بن محمّد المحضار شبه ردّ على باصبرين في «الحدائق» المذكورة ، قال فيه : (وبعض النّاس قوله وبوله سواء).
ثمّ إنّ الشّيخ باصبرين كتب رسالة أخرى في نقض تعليقات السّيّد سالم الحبشيّ ، سمّاها : «إنسان العين» ، فكتب عليها الإمام المحضار كتابة طويلة ، جاء فيها : (وما أوضحه الشّيخ عليّ في هذه الجملة .. فذاك شفاء الصّدور ، تبرأ به العلّة ، وهو مجرّب في تجربته ، وحريص في أجوبته ، وبالله الّذي فرض الصّلاة والوضوء ما أردته بسوء).
ثمّ إنّ الشّيخ عليّا سيّر كتابا للسّيّد محمّد بن عليّ ، والسّيّد صافي بن شيخ آل السّقّاف ، وسيّدي الأستاذ الأبرّ عيدروس بن عمر ، والسّيّد عليّ بن محمّد ، والسّيّد شيخان بن محمّد آل الحبشيّ.
فأمّا الأوّلان : فصرّحا بمخالفة باصبرين ، وأمّا الآخرون .. فلم أر لهم كلاما بخلاف ولا وفاق. وكان كتابه إليهم في سنة (١٢٩٩ ه).
وكثيرا ما ينشب الخلاف بين الشّيخ عليّ باصبرين وبين علماء العلويّين كآل يحيى بالمسيلة وغيرهم ، وتؤلّف الرّسائل في الجانبين وتعرض على سيّدنا الإمام أحمد بن محمّد المحضار ـ صاحب القويرة ـ فيقرّظ عليهما ، إلّا أنّه بأسلوبه العجيب وترسّله
منها : التّوسّل والاستغاثة. ومنها : ثبوت النّسب بمشجّرات العلويّين المحرّرة ، وكان الشّيخ يبالغ في إنكار ذلك ، وألّفت رسائل من الطّرفين.
ففي سنة (١٢٩٨ ه) فرغ الشّيخ عليّ باصبرين من رسالته الّتي سمّاها : «حدائق البواسق المثمرة في بيان صواب أحكام الشّجرة» ، وقد علّق عليها السّيّد سالم بن محمّد الحبشيّ بما يشبه الرّدّ ، وبعد اطّلاع باصبرين عليه كتب : (أمّا التّهاميش : فأمعنّا النّظر في جميعها .. فما وجدنا فيها زيادة فائدة عمّا في الأصل ، فما زاد إلّا إتلاف ورق لم يؤذن له في إتلافه بتسويده بما لا يجدي فائدة جديدة).
وللحبيب أحمد بن محمّد المحضار شبه ردّ على باصبرين في «الحدائق» المذكورة ، قال فيه : (وبعض النّاس قوله وبوله سواء).
ثمّ إنّ الشّيخ باصبرين كتب رسالة أخرى في نقض تعليقات السّيّد سالم الحبشيّ ، سمّاها : «إنسان العين» ، فكتب عليها الإمام المحضار كتابة طويلة ، جاء فيها : (وما أوضحه الشّيخ عليّ في هذه الجملة .. فذاك شفاء الصّدور ، تبرأ به العلّة ، وهو مجرّب في تجربته ، وحريص في أجوبته ، وبالله الّذي فرض الصّلاة والوضوء ما أردته بسوء).
ثمّ إنّ الشّيخ عليّا سيّر كتابا للسّيّد محمّد بن عليّ ، والسّيّد صافي بن شيخ آل السّقّاف ، وسيّدي الأستاذ الأبرّ عيدروس بن عمر ، والسّيّد عليّ بن محمّد ، والسّيّد شيخان بن محمّد آل الحبشيّ.
فأمّا الأوّلان : فصرّحا بمخالفة باصبرين ، وأمّا الآخرون .. فلم أر لهم كلاما بخلاف ولا وفاق. وكان كتابه إليهم في سنة (١٢٩٩ ه).
وكثيرا ما ينشب الخلاف بين الشّيخ عليّ باصبرين وبين علماء العلويّين كآل يحيى بالمسيلة وغيرهم ، وتؤلّف الرّسائل في الجانبين وتعرض على سيّدنا الإمام أحمد بن محمّد المحضار ـ صاحب القويرة ـ فيقرّظ عليهما ، إلّا أنّه بأسلوبه العجيب وترسّله
العذب ، وعارضته القويّة ، وسيره بسوق الطّبيعة ، يتخلّص من المآزق بما يذكّرني بما قاله ابن الجوزيّ ، لمّا تواضع أهل السّنّة والشّيعة على ما يقوله ، فسألوه وهو على المنبر عن عليّ وأبي بكر. أيّهما الأفضل؟ فأجاب بما لو روّى فيه عالم دهرا .. لم يوفّق إليه ؛ إذ قال : (أفضلهما وأحبّهما إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من بنته في بيته) أو ما هذا معناه ، فحملها كلّ على ما يريد.
وقال الإمام المحضار في بعض كتاباته بتلك المناسبة : (والاعتماد على ما قاله الجمهور ، لا ما قاله عبد الرّحمن مشهور) ؛ يعني مفتي حضرموت لذلك العهد ، صاحب «بغية المسترشدين» ، وهو لا يقصد خلافه ولا إدخال المساءة عليه ، ولكنّه قام في طريق الفاصلة (١) وهو لا يبالي بشيء من أجلها ؛ لأنّه يمرّ مع خاطره بلا تكلّف ولا تنطّع.
ولا غرو ؛ فقد طلّق بعضهم امرأته من أجلها ، وتكلّف الصّاحب بن عبّاد السّفر إلى قندهار ليقول :
في ضحوة النّهار
وعند ما زار المحضار حضرموت وذهب لزيارة هود عليه السلام .. اتّفق حلول الجمعة بفغمة ، فجمّع بها المحضار وتبعه كثير من النّاس ، ولكنّ السّيّد المشهور لم يوافقه ، بل انعزل بآل تريم وكثير من غيرهم ، لا أدري ألشيء من أمثال ذلك أم للتّشدّد بما قال الشّافعيّة من شروط الجمعة.
ومن إهداء السّلام في كتب الشّيخ عليّ باصبرين للإمام المحضار .. يفهم أنّ له أولادا يهدي سلامهم إليه ، ومنهم حسن بن عليّ باصبرين ، قتله أحد آل ضروس غيلة بالقرحة في رمضان ، ولا يزال بها أحفاده وعشائر آل باحميش إلى الآن ، ومن وجهائهم أحمد بن يسلم باحميش وإخوانه.
______
(١) الفاصلة : في النّثر كالقافية في الشّعر ، وهي المقطع الصوتيّ الّذي ينتهي عنده الكلام.
311
وقال الإمام المحضار في بعض كتاباته بتلك المناسبة : (والاعتماد على ما قاله الجمهور ، لا ما قاله عبد الرّحمن مشهور) ؛ يعني مفتي حضرموت لذلك العهد ، صاحب «بغية المسترشدين» ، وهو لا يقصد خلافه ولا إدخال المساءة عليه ، ولكنّه قام في طريق الفاصلة (١) وهو لا يبالي بشيء من أجلها ؛ لأنّه يمرّ مع خاطره بلا تكلّف ولا تنطّع.
ولا غرو ؛ فقد طلّق بعضهم امرأته من أجلها ، وتكلّف الصّاحب بن عبّاد السّفر إلى قندهار ليقول :
في ضحوة النّهار
وعند ما زار المحضار حضرموت وذهب لزيارة هود عليه السلام .. اتّفق حلول الجمعة بفغمة ، فجمّع بها المحضار وتبعه كثير من النّاس ، ولكنّ السّيّد المشهور لم يوافقه ، بل انعزل بآل تريم وكثير من غيرهم ، لا أدري ألشيء من أمثال ذلك أم للتّشدّد بما قال الشّافعيّة من شروط الجمعة.
ومن إهداء السّلام في كتب الشّيخ عليّ باصبرين للإمام المحضار .. يفهم أنّ له أولادا يهدي سلامهم إليه ، ومنهم حسن بن عليّ باصبرين ، قتله أحد آل ضروس غيلة بالقرحة في رمضان ، ولا يزال بها أحفاده وعشائر آل باحميش إلى الآن ، ومن وجهائهم أحمد بن يسلم باحميش وإخوانه.
______
(١) الفاصلة : في النّثر كالقافية في الشّعر ، وهي المقطع الصوتيّ الّذي ينتهي عنده الكلام.
311
9⃣
الغزو الحبشي لليمن
وهنا بدأ الرومان يفكرون في استغلال الدين لضم بلاد العرب الجنوبية إلى إمبراطوريتهم، فعمدوا إلى إرسال البعثات التبشيرية لتلك البلاد، لنشر المسيحية بين الحضر والبادية من جهة، ولتهيئة الأفكار والنفوس لقبول النفوذ الروماني من جهة أخرى. ومن ثم فلم يكن تعذيب ذي نواس للنصارى في بلاده، هو السبب الحقيقي للغزو الحبشي في اليمن، ودليلنا على ذلك أن المصادر الإغريقية -بل والحبشية نفسها- إنما تذهب إلى أن الأحباش قد أغاروا على اليمن قبل قصة التعذيب هذه بسنين، وأنهم قد انتصروا على "ذي نواس" واضطروه إلى الالتجاء إلى الجبال إلا أنه استطاع بعد فترة أن ينجح في لم شمل جنده، وأن يهاجم الأحباش وينتصر عليهم، وأن يغير على "نجران" ويتمكن من الاستيلاء عليها، بعد حصار دام سبعة أشهر، ثم ينتقم من أهلها شر انتقام، بل إن تدخل الأحباش في شئون اليمن ومحاولة غزوها، قد بدأ -كما أشرنا من قبل- منذ القرن الرابع الميلادي، وبعد وفاة "شمر يهرعش" وقبله.
الغزو الحبشي لليمن
وهنا بدأ الرومان يفكرون في استغلال الدين لضم بلاد العرب الجنوبية إلى إمبراطوريتهم، فعمدوا إلى إرسال البعثات التبشيرية لتلك البلاد، لنشر المسيحية بين الحضر والبادية من جهة، ولتهيئة الأفكار والنفوس لقبول النفوذ الروماني من جهة أخرى. ومن ثم فلم يكن تعذيب ذي نواس للنصارى في بلاده، هو السبب الحقيقي للغزو الحبشي في اليمن، ودليلنا على ذلك أن المصادر الإغريقية -بل والحبشية نفسها- إنما تذهب إلى أن الأحباش قد أغاروا على اليمن قبل قصة التعذيب هذه بسنين، وأنهم قد انتصروا على "ذي نواس" واضطروه إلى الالتجاء إلى الجبال إلا أنه استطاع بعد فترة أن ينجح في لم شمل جنده، وأن يهاجم الأحباش وينتصر عليهم، وأن يغير على "نجران" ويتمكن من الاستيلاء عليها، بعد حصار دام سبعة أشهر، ثم ينتقم من أهلها شر انتقام، بل إن تدخل الأحباش في شئون اليمن ومحاولة غزوها، قد بدأ -كما أشرنا من قبل- منذ القرن الرابع الميلادي، وبعد وفاة "شمر يهرعش" وقبله.
وهكذا اتفقت مصالح الأحباش والرومان في السيطرة على بلاد العرب الجنوبية، وكانت سياسية "ذي نواس" التي تربط بين انتشار المسيحية في اليمن، وبين ازدياد نفوذ الأحباش في البلاد، سببًا في أن يتخذ من نصارى اليمن موقفًا عدائيًّا، وكان ذلك ذريعة وجدها الرومان للقضاء على استقلال اليمن، ولكن دون التدخل المباشر، وإنما بتحريض الأحباش على غزوها، بل إن هناك من يذهب إلى أن الروم قد اشتركوا بطريقة فعلية في غزو اليمن عن طريق إرسال أسطولهم من مصر، محملا بالأسلحة والمؤن إلى الثغور اليمنية، ولعل الأمبرطور "جستين الأول" "518-527م" قد اتخذ هذه الخطوات نتيجة لأطماع الفرس التي ازدادت في بلاد العرب حتى أنهم استقروا في سواحل الخليج العربي كالبحرين.
وهناك رواية تذهب إلى أن السبب المباشر لغزو الحبشة لليمن، إنما كان لأن الملك الحميري "دميون" "دميانوس"، كان قد أمر بقتل التجار الروم الذين كانوا في بلاده، وبنهب أموالهم، وذلك بسبب اضطهاد اليهود وإساءة معاملتهم في بلاد الروم، مما أدى إلى أن يتجنب تجار الروم الذهاب إلى الحبشة واليمن، أو حتى المناطق القريبة من "حمير"، ومن هنا رأى البعض أن بعثة "ثيوفيلوس" التبشيرية إنما كانت لضمان حسن نية الأمراء اليمنيين إزاء تجار الروم، غير أن تلك البعثة قد فشلت في تحقيق أهدافها بسبب نفوذ الفرس في اليمن وقت ذاك، وقد أثر ذلك كله في التجارة مع
وهناك رواية تذهب إلى أن السبب المباشر لغزو الحبشة لليمن، إنما كان لأن الملك الحميري "دميون" "دميانوس"، كان قد أمر بقتل التجار الروم الذين كانوا في بلاده، وبنهب أموالهم، وذلك بسبب اضطهاد اليهود وإساءة معاملتهم في بلاد الروم، مما أدى إلى أن يتجنب تجار الروم الذهاب إلى الحبشة واليمن، أو حتى المناطق القريبة من "حمير"، ومن هنا رأى البعض أن بعثة "ثيوفيلوس" التبشيرية إنما كانت لضمان حسن نية الأمراء اليمنيين إزاء تجار الروم، غير أن تلك البعثة قد فشلت في تحقيق أهدافها بسبب نفوذ الفرس في اليمن وقت ذاك، وقد أثر ذلك كله في التجارة مع