#إدام_القوت_بلدان_حضرموت
القطيب (١) ـ وهي إحدى المحميّات ـ فألفى هناك ضابطا إنكليزيّا ، فأغرى به بدويّا فقتله بجعل دفعه له ، فطلبته حكومة عدن ، بهذه التّهمة فحماه حسن بن عليّ القطيبيّ ، وأبى أن يخيّس بجواره وذمّته ، وبعد أن أقام لديه مدّة .. خطر له أن يخرج متنكّرا إلى حضرموت ، وكانت الحكومة الإنكليزيّة جعلت أربعة آلاف (٢) ربيّة لمن يلقي القبض عليه ، فلمّا انتهى إلى أرباض الهجرين .. أمسك به عاملها ـ وهو الشّيخ محمّد بن عوض النّقيب ، وكان أحد تلاميذه بمدرسة النّجاح (٣) بالمكلّا ـ وهناك أخذه الضّابط السّياسيّ انجرامس (٤) وهو يصيح ويستثير حفائظ المسلمين ، وقد حضر كثير فلم يتحرّك من أحد عرق.
ولمّا وصلوا به إلى عدن .. طلبه ملك الحجاز (٥) ، وأمر بإنزاله مكرّما في جيزان ، وأعلن له عاملها عفو الملك عنه ، وأنّه حرّ في نفسه تحت حراسة عسكر بمثابة خدم له ، حتّى يعرف سلوكه.
______
يتوغّل في بلاد يافع حتّى وصل إلى حدود مملكة الإمام يحيى ، وكانت معركة بسبب تحرّشات جرت بين الفريقين ، كانت نهايتها هزيمة يافع وفرار حسين الدّبّاغ إلى حضرموت عبر السّواحل كما سيقص المصنف.
(١) قرية تقع بالقرب من بلدة السواط في وادي ميفعة من أعمال محافظة شبوة.
(٢) الّذي يحفظه الشّيخ النّاخبيّ : أنّها خمسة آلاف روبيّة.
(٣) بل هي «مدرسة الفلاح» .. ولعلّ هذا سبق قلم.
(٤) انجرامس ؛ اسمه : هارولد وليم انجرامس ، بريطانيّ ، ولد سنة (١٨٩٧ م) ، شارك كجندي في أحداث الحرب العالميّة الأولى ، نال ترقية إلى رتبة ملازم أوّل عام (١٩١٤ م) ، ابتعثته بريطانيا إلى زنجبار كمساعد لحاكمها سنة (١٩١٩ م) ، زار حضرموت لأوّل مرّة كسائح عام (١٩٣٤ م) ، وكان حينها ضابطا سياسيا في عدن. ثمّ صار مستشارا مقيما في المكلّا سنة (١٩٣٧ م) ، وغادر حضرموت سنة (١٩٤٤ م) ، وخلفه مستشارون آخرون. ومات في بريطانيا ، وكان له ولزوجته (دورين) أعمال خيريّة في حضرموت .. ينظر : «مذكّرات انجرامس» واسمها (Arabic And The Isles).
الصّادرة عن (London ٦٦٩١ ـ John Marry) ، ومذكّرات زوجته دورين المسماة :) A time in Arabia (
الصّادرة عن نفس الدّار سنة (١٩٧٠ م) ، و «حياة السّيّد الزّعيم» ومقدّمة «ديوان شاعر الدّولة» الشّيخ عبد الله النّاخبيّ.
(٥) بل كان يلقّب آنذاك : ملك نجد والحجاز وملحقاتها ، وهو الملك عبد العزيز آل سعود ، رحمه الله ، الّذي صار لقبه فيما بعد : ملك المملكة العربيّة السعوديّة.
القطيب (١) ـ وهي إحدى المحميّات ـ فألفى هناك ضابطا إنكليزيّا ، فأغرى به بدويّا فقتله بجعل دفعه له ، فطلبته حكومة عدن ، بهذه التّهمة فحماه حسن بن عليّ القطيبيّ ، وأبى أن يخيّس بجواره وذمّته ، وبعد أن أقام لديه مدّة .. خطر له أن يخرج متنكّرا إلى حضرموت ، وكانت الحكومة الإنكليزيّة جعلت أربعة آلاف (٢) ربيّة لمن يلقي القبض عليه ، فلمّا انتهى إلى أرباض الهجرين .. أمسك به عاملها ـ وهو الشّيخ محمّد بن عوض النّقيب ، وكان أحد تلاميذه بمدرسة النّجاح (٣) بالمكلّا ـ وهناك أخذه الضّابط السّياسيّ انجرامس (٤) وهو يصيح ويستثير حفائظ المسلمين ، وقد حضر كثير فلم يتحرّك من أحد عرق.
ولمّا وصلوا به إلى عدن .. طلبه ملك الحجاز (٥) ، وأمر بإنزاله مكرّما في جيزان ، وأعلن له عاملها عفو الملك عنه ، وأنّه حرّ في نفسه تحت حراسة عسكر بمثابة خدم له ، حتّى يعرف سلوكه.
______
يتوغّل في بلاد يافع حتّى وصل إلى حدود مملكة الإمام يحيى ، وكانت معركة بسبب تحرّشات جرت بين الفريقين ، كانت نهايتها هزيمة يافع وفرار حسين الدّبّاغ إلى حضرموت عبر السّواحل كما سيقص المصنف.
(١) قرية تقع بالقرب من بلدة السواط في وادي ميفعة من أعمال محافظة شبوة.
(٢) الّذي يحفظه الشّيخ النّاخبيّ : أنّها خمسة آلاف روبيّة.
(٣) بل هي «مدرسة الفلاح» .. ولعلّ هذا سبق قلم.
(٤) انجرامس ؛ اسمه : هارولد وليم انجرامس ، بريطانيّ ، ولد سنة (١٨٩٧ م) ، شارك كجندي في أحداث الحرب العالميّة الأولى ، نال ترقية إلى رتبة ملازم أوّل عام (١٩١٤ م) ، ابتعثته بريطانيا إلى زنجبار كمساعد لحاكمها سنة (١٩١٩ م) ، زار حضرموت لأوّل مرّة كسائح عام (١٩٣٤ م) ، وكان حينها ضابطا سياسيا في عدن. ثمّ صار مستشارا مقيما في المكلّا سنة (١٩٣٧ م) ، وغادر حضرموت سنة (١٩٤٤ م) ، وخلفه مستشارون آخرون. ومات في بريطانيا ، وكان له ولزوجته (دورين) أعمال خيريّة في حضرموت .. ينظر : «مذكّرات انجرامس» واسمها (Arabic And The Isles).
الصّادرة عن (London ٦٦٩١ ـ John Marry) ، ومذكّرات زوجته دورين المسماة :) A time in Arabia (
الصّادرة عن نفس الدّار سنة (١٩٧٠ م) ، و «حياة السّيّد الزّعيم» ومقدّمة «ديوان شاعر الدّولة» الشّيخ عبد الله النّاخبيّ.
(٥) بل كان يلقّب آنذاك : ملك نجد والحجاز وملحقاتها ، وهو الملك عبد العزيز آل سعود ، رحمه الله ، الّذي صار لقبه فيما بعد : ملك المملكة العربيّة السعوديّة.
فلم يزل يخاطب رؤساء العشائر ، ويعمل أعمالا لا تنطبق مع المنطق ، وكان ذلك إثر مرض لم يزل يتزايد به حتّى توفّي وهو مشمول بإكرام الحكومة السّعوديّة وسماحها.
فمن حين فتح آل الدّبّاغ المدارس .. بدأت المعارف تتقدّم بخطى قصيرة ، حتّى لقد عنيت مدارس المكلّا بما ذكرته في مقدّمة كتابي «النّجم المضيّ في نقد عبقريّة الرّضيّ».
إلّا أنّ السّلطان الحاليّ (١) لمّا كان من جملة العلماء .. أخذ يناصر المدارس ، وأغدق عليها الأموال ، حتّى لقد قيل لي : إنّ ما ينفقه عليها سنويّا أكثر من ثلاث مئة ألف ربيّة ، عبارة عمّا يقارب ربع إيراد المكلّا. وقد استجلب لها ناظرا (٢) خبيرا محنّكا من السّودان ، هو الفاضل الشّيخ سعيد القدال (٣) ، فأدارها أحسن إدارة ، وظهر الأثر وينع الثّمر. فالمكلّا بل وسائر الموانىء اليوم في المعارف غيرها بالأمس.
إلّا أنّني اقترحت على السّلطان يوم كان بمنزلي في سنة (١٣٦٥ ه) أن يهتمّ بإيجاد
______
(١) وهو السّلطان العالم الفقيه صالح بن غالب بن عوض القعيطيّ ، المتوفّي سنة (١٣٧٥ ه).
(٢) النّاظر : لغة : الّذي يحفظ الشّيء ، وفي الاصطلاح : وظيفة استحدثت في العصر الأيوبيّ ، واستمرّت بالّذي بعده ، عدّ صاحبها من أرباب الوظائف الدّينيّة ، والنّظّار وفق هذا المعنى كثيرون ، منهم : ناظر الأشراف : وهو عادة ممّن ينتهي نسبه بأهل البيت ، وإليه رئاسة الأشراف. ناظر الحسبة : مهمّته التّحدّث عن أرباب المعاش ، كبيرا أو صغيرا. ناظر الأحباس : مهمّته النّظر بشؤون الأوقاف. وغير ذلك من المسائل الأخرى. ثمّ تطوّر هذا الاصطلاح ليصبح في العصر العثمانيّ إلى زمن المؤلف منسوبا إلى (نظارة) بمعنى (وزارة). والله أعلم.
(٣) اسمه : القدّال سعيد القدّال ، ولد بالسّودان سنة (١٣٢٣ ه) ، كان قدومه إلى المكلّا سنة (١٣٥٩) أو (١٣٦٠ ه) ، مشرفا على معارف الدولة بالمكلّا ، بإيعاز من المستر انجرامس ، وأوّل عمل قام به القدّال هو تأسيس (مكتب إدارة المعارف) ، الّذي عرف فيما بعد ب (نظارة المعارف) ، وعين فيه النّاخبيّ وباعنقود ، وغيرهما ، ثمّ صار القدّال ناظرا لعموم معارف الدّولة ، ثمّ رقّاه السّلطان إلى مرتبة سكرتير الدّولة .. فضجّ عليه الشّعب ، وصار من جرّاء ذلك : (حادثة القصر) الشهيرة سنة (١٣٧٠ ه). ثمّ غادر القدّال البلاد عقب وفاة السّلطان صالح .. وتوفّي في السّودان سنة (١٣٩٥ ه).
كتب عنه كتابا كاملا ابنه د. محمد سعيد ، الأستاذ بجامعة عدن ، صدر من سنوات عن جامعة عدن.
فمن حين فتح آل الدّبّاغ المدارس .. بدأت المعارف تتقدّم بخطى قصيرة ، حتّى لقد عنيت مدارس المكلّا بما ذكرته في مقدّمة كتابي «النّجم المضيّ في نقد عبقريّة الرّضيّ».
إلّا أنّ السّلطان الحاليّ (١) لمّا كان من جملة العلماء .. أخذ يناصر المدارس ، وأغدق عليها الأموال ، حتّى لقد قيل لي : إنّ ما ينفقه عليها سنويّا أكثر من ثلاث مئة ألف ربيّة ، عبارة عمّا يقارب ربع إيراد المكلّا. وقد استجلب لها ناظرا (٢) خبيرا محنّكا من السّودان ، هو الفاضل الشّيخ سعيد القدال (٣) ، فأدارها أحسن إدارة ، وظهر الأثر وينع الثّمر. فالمكلّا بل وسائر الموانىء اليوم في المعارف غيرها بالأمس.
إلّا أنّني اقترحت على السّلطان يوم كان بمنزلي في سنة (١٣٦٥ ه) أن يهتمّ بإيجاد
______
(١) وهو السّلطان العالم الفقيه صالح بن غالب بن عوض القعيطيّ ، المتوفّي سنة (١٣٧٥ ه).
(٢) النّاظر : لغة : الّذي يحفظ الشّيء ، وفي الاصطلاح : وظيفة استحدثت في العصر الأيوبيّ ، واستمرّت بالّذي بعده ، عدّ صاحبها من أرباب الوظائف الدّينيّة ، والنّظّار وفق هذا المعنى كثيرون ، منهم : ناظر الأشراف : وهو عادة ممّن ينتهي نسبه بأهل البيت ، وإليه رئاسة الأشراف. ناظر الحسبة : مهمّته التّحدّث عن أرباب المعاش ، كبيرا أو صغيرا. ناظر الأحباس : مهمّته النّظر بشؤون الأوقاف. وغير ذلك من المسائل الأخرى. ثمّ تطوّر هذا الاصطلاح ليصبح في العصر العثمانيّ إلى زمن المؤلف منسوبا إلى (نظارة) بمعنى (وزارة). والله أعلم.
(٣) اسمه : القدّال سعيد القدّال ، ولد بالسّودان سنة (١٣٢٣ ه) ، كان قدومه إلى المكلّا سنة (١٣٥٩) أو (١٣٦٠ ه) ، مشرفا على معارف الدولة بالمكلّا ، بإيعاز من المستر انجرامس ، وأوّل عمل قام به القدّال هو تأسيس (مكتب إدارة المعارف) ، الّذي عرف فيما بعد ب (نظارة المعارف) ، وعين فيه النّاخبيّ وباعنقود ، وغيرهما ، ثمّ صار القدّال ناظرا لعموم معارف الدّولة ، ثمّ رقّاه السّلطان إلى مرتبة سكرتير الدّولة .. فضجّ عليه الشّعب ، وصار من جرّاء ذلك : (حادثة القصر) الشهيرة سنة (١٣٧٠ ه). ثمّ غادر القدّال البلاد عقب وفاة السّلطان صالح .. وتوفّي في السّودان سنة (١٣٩٥ ه).
كتب عنه كتابا كاملا ابنه د. محمد سعيد ، الأستاذ بجامعة عدن ، صدر من سنوات عن جامعة عدن.
مدرسة تحضيريّة لتربية التّلاميذ على الأخلاق الفاضلة ؛ فإنّ الهمم قد سقطت ، والذّمم قد خربت ، ولن تعود سيرتها الأولى إلّا بمدرسة تأخذ بطريق التّربية الصّوفيّة ، أو قريب منها ، مع الابتعاد عن الخلطة (١) ؛ لأنّ أكبر المؤثّرات على الصّبيان المشاهدة ، فلن ينفعهم ما يسمعون إذا خالفه ما ينظرون ؛ إذ المنظور لا ينمحي من الذّاكرة ، بخلاف المسموع .. فإنّه لا يبقى إلّا عند صدق التّوجّه ، فلا مطمع في إصلاح نشء مع اختلاطه بمن لا تحمد سيرته البتّة ؛ ولذا لم يكن لبني إسرائيل علاج من أمراضهم الأخلاقيّة إلّا بإهلاك الجيل الفاسد في التّيه ، وتكوين ناشئة لم تتأثّر بهم.
وفي «الصّحيح» [خ ١٣١٩] : «كلّ مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهوّدانه ، أو ينصّرانه ، أو يمجّسانه».
فنحن بحاجة ماسّة إلى إيجاد البشريّة الصّحيحة قبل العالميّة ، ومعلوم أنّ التّخلية مقدّمة على التّخلية ، والتّلاميذ ظلّ آبائهم وأمّهاتهم ومعلّميهم ، إن خيرا .. فخير ، وإن شرّا .. فشرّ ، وكثيرا ما أذكّر المعلّمين بخاتمة قصيدة جزلة لي في الموضوع ، وتلك الخاتمة هي قولي [في «ديوان المؤلّف» ٢٠٧ من البسيط] :
وفّوا الكلام وكونوا في الذّمام وفي
خوف الملام على ما كانت العرب
ثمّ إنّه لم يكن عندي تصّور لمناحي التّعليم وأخلاق الطّلّاب والمدرّسين بالسّاحل .. حتّى يسوغ لي الحكم ؛ فإنّما يتناول ثنائي ما ظهر من جمال الأسلوب ، وحركة الانقلاب ، وعموم التّيقّظ والانتباه ، وإجادة بعضهم في الشّعر حتّى يسوغ لي الحكم.
وفي المكلّا : ديوان للحكومة ، وإدارة للكهرباء ووزارة للماليّة ، وليس للسّلطان إلّا مرتّب مخصوص قدره عشرة آلاف ربيّة في الشّهر ، ثمّ رفع إلى خمسة عشر ألف ربيّة ، مع إضافات معيّنة لا يتجاوزها.
______
(١) مراد المصنّف هنا بالخلطة : مخالطة الأضداد ، ويقصد بهم : ذوي الطّباع السيّئة والأخلاق الرّذيلة ، المضادّة للطّباع السّليمة والأخلاق القويمة.
132
وفي «الصّحيح» [خ ١٣١٩] : «كلّ مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهوّدانه ، أو ينصّرانه ، أو يمجّسانه».
فنحن بحاجة ماسّة إلى إيجاد البشريّة الصّحيحة قبل العالميّة ، ومعلوم أنّ التّخلية مقدّمة على التّخلية ، والتّلاميذ ظلّ آبائهم وأمّهاتهم ومعلّميهم ، إن خيرا .. فخير ، وإن شرّا .. فشرّ ، وكثيرا ما أذكّر المعلّمين بخاتمة قصيدة جزلة لي في الموضوع ، وتلك الخاتمة هي قولي [في «ديوان المؤلّف» ٢٠٧ من البسيط] :
وفّوا الكلام وكونوا في الذّمام وفي
خوف الملام على ما كانت العرب
ثمّ إنّه لم يكن عندي تصّور لمناحي التّعليم وأخلاق الطّلّاب والمدرّسين بالسّاحل .. حتّى يسوغ لي الحكم ؛ فإنّما يتناول ثنائي ما ظهر من جمال الأسلوب ، وحركة الانقلاب ، وعموم التّيقّظ والانتباه ، وإجادة بعضهم في الشّعر حتّى يسوغ لي الحكم.
وفي المكلّا : ديوان للحكومة ، وإدارة للكهرباء ووزارة للماليّة ، وليس للسّلطان إلّا مرتّب مخصوص قدره عشرة آلاف ربيّة في الشّهر ، ثمّ رفع إلى خمسة عشر ألف ربيّة ، مع إضافات معيّنة لا يتجاوزها.
______
(١) مراد المصنّف هنا بالخلطة : مخالطة الأضداد ، ويقصد بهم : ذوي الطّباع السيّئة والأخلاق الرّذيلة ، المضادّة للطّباع السّليمة والأخلاق القويمة.
132
#صفة_بلاد_اليمن
بناء المخلاف ونجا
كما يقال : أعمال اليمن ، ويقال : مخلاف تعكر ومخلاف جعفر ، أى من أعمال تعكر ، وأعمال كل حصن بذاته يكون صعودا ، أدخلت تلك الأعمال إلى ذلك الحصن ، فما كان حول كل حصن من القرى والزراعات فهو مخلافة ، والمخلاف عند أهل اليمن عبارة عن قطر واسع ، وليس تعرف المخاليف إلا بجبال اليمن وأما فى التهائم فليس يعرف ، والله أعلم.
ذكر تغلب الفقهاء فى حصن التعكر
ولما خرج المنصور بن ... (١) بن نجاح من زبيد بأخيه عبد العزيز بن جياش هاجر هو وعبيده إلى الملك المفضل بن أبى البركات والتزموا له على النصرة ربع البلاد ، فسار المفضل معهم فأخرج عبد الواحد وملّكهم ، ثم همّ أن يغدر بهم ويملك زبيد.
فحين خلا التعكر وطالت إقامتهم بتهامة وفى التعكر نائب له يسمى الجمل ، وكان هذا الجمل متمسكا بالدين ، فصعد إليه إلى التعكر سبعة من إخوانه الفقهاء ،
منهم : محمد بن قيس الزجاجى ، ومنهم : عبد الله بن يحيى ، ومنهم : إبراهيم بن زيدان ، وكانت له البيعة ، فأخذوا الحصن من الجمل ، وكانت الرعايا قد قالت
______
(١) كلمة مطموسة فى الأصل.
بناء المخلاف ونجا
كما يقال : أعمال اليمن ، ويقال : مخلاف تعكر ومخلاف جعفر ، أى من أعمال تعكر ، وأعمال كل حصن بذاته يكون صعودا ، أدخلت تلك الأعمال إلى ذلك الحصن ، فما كان حول كل حصن من القرى والزراعات فهو مخلافة ، والمخلاف عند أهل اليمن عبارة عن قطر واسع ، وليس تعرف المخاليف إلا بجبال اليمن وأما فى التهائم فليس يعرف ، والله أعلم.
ذكر تغلب الفقهاء فى حصن التعكر
ولما خرج المنصور بن ... (١) بن نجاح من زبيد بأخيه عبد العزيز بن جياش هاجر هو وعبيده إلى الملك المفضل بن أبى البركات والتزموا له على النصرة ربع البلاد ، فسار المفضل معهم فأخرج عبد الواحد وملّكهم ، ثم همّ أن يغدر بهم ويملك زبيد.
فحين خلا التعكر وطالت إقامتهم بتهامة وفى التعكر نائب له يسمى الجمل ، وكان هذا الجمل متمسكا بالدين ، فصعد إليه إلى التعكر سبعة من إخوانه الفقهاء ،
منهم : محمد بن قيس الزجاجى ، ومنهم : عبد الله بن يحيى ، ومنهم : إبراهيم بن زيدان ، وكانت له البيعة ، فأخذوا الحصن من الجمل ، وكانت الرعايا قد قالت
______
(١) كلمة مطموسة فى الأصل.
للفقهاء : إذا حصلتم فى رأس الحصن فأوقدوا النار ، ففعل ذلك ليلا فأصبح عندهم على رأس الحصن عشرون ألفا ، واستولت الفقهاء على ذلك ولم يعهدوه.
ووصل الخبر إلى المفضل بتهامة فسار مسير ظبى لا يلوى على أحد إلى التعكر ، فقامت خولان فى نصرة الفقهاء ، وأقام الحصار عليهم ، فلما طال ذلك قال إبراهيم بن زيدان : لن أموت حتى أقتل المفضل ثم أهلا بالموت ، فعمد إلى حظاياه من السرارى فأخرجهن فى أكمل زى وأحسنه وجعل بأيديهن الطارات وأطلعهن على سقوف القصر بحيث يشاهدهن المفضل ويسمع هو وجميع من معه من تلك الأمم أصواتهن.
وكان المفضل أكثر الناس غيرة وأنفة ، فقيل : إنه مات فى تلك الليلة ، وقال آخرون : امتص خاتما كان معدا عنده فأصبح ميتا والخاتم فى فيه ، وكان موته فى رمضان سنة أربع وخمسمائة.
ولما مات المفضل طلعت الحرة من ذى جبلة وخيمت على باب التعكر ، وكاتبت الفقهاء ولا طفتهم إلى أن كتبت لهم خطها بما اقترحوه من أمان وأموال ، واشترطوا عليها أن ترحل هى وجميع الحشود وتوصل إليهم من ترضاه واليّا ، وولى لها التعكر مولانا القائد فتح ابن القائد فتح.
حدثنى السلطان ناصر بن منصور قال : حدثنى إبراهيم بن زيدان أنه وصل نصيبه من العين خمسة وخمسين ألفا ، يعنى دينارا لمّا تركوه من حصن التعكر.
ووصل الخبر إلى المفضل بتهامة فسار مسير ظبى لا يلوى على أحد إلى التعكر ، فقامت خولان فى نصرة الفقهاء ، وأقام الحصار عليهم ، فلما طال ذلك قال إبراهيم بن زيدان : لن أموت حتى أقتل المفضل ثم أهلا بالموت ، فعمد إلى حظاياه من السرارى فأخرجهن فى أكمل زى وأحسنه وجعل بأيديهن الطارات وأطلعهن على سقوف القصر بحيث يشاهدهن المفضل ويسمع هو وجميع من معه من تلك الأمم أصواتهن.
وكان المفضل أكثر الناس غيرة وأنفة ، فقيل : إنه مات فى تلك الليلة ، وقال آخرون : امتص خاتما كان معدا عنده فأصبح ميتا والخاتم فى فيه ، وكان موته فى رمضان سنة أربع وخمسمائة.
ولما مات المفضل طلعت الحرة من ذى جبلة وخيمت على باب التعكر ، وكاتبت الفقهاء ولا طفتهم إلى أن كتبت لهم خطها بما اقترحوه من أمان وأموال ، واشترطوا عليها أن ترحل هى وجميع الحشود وتوصل إليهم من ترضاه واليّا ، وولى لها التعكر مولانا القائد فتح ابن القائد فتح.
حدثنى السلطان ناصر بن منصور قال : حدثنى إبراهيم بن زيدان أنه وصل نصيبه من العين خمسة وخمسين ألفا ، يعنى دينارا لمّا تركوه من حصن التعكر.
صفة بناء ذى جبلة
بنى بذاك الصليحى فى مخلاف جعفر وحدودها بالطبول من نقيل صيد إلى مصايح (١) وبالعرض من سوق وصفات إلى حصن الطريمة (٢) إلى ذى الأسود من حدود مخلاف حب ، وتسمى قلعة النهرين لأن جبل التعكر ما بين أيمن البلد وشماله ومجمع النهرين فى آخر البلد عند موضع يقال له وادى ميتم ، كما قال المازنى فى بعض قصائده ، حيث يقول :
ما مصر ما بغداد ما الطبرية
كمدينة قد حازها النهران
حدود لها شأم وحبّ مشرق
وكذاك تعكرها المنيف يمانى
وله يقول :
ليس الخورنق والسدير وبارق كطرمحى
كلا ولا النعمان مثل الدنا هطل اليدين
وقال مضطبع الدولة مواهب بن جديد المقرئ يمدح الملك المفضل بن أبى البركات بن علاء الحميرى :
فرفضتها شوقا إلى ذى جبلة
وتركتها لملوك أهل المشرق
______
(١ ، ٢) غير منقوطة فى الأصل.
200
بنى بذاك الصليحى فى مخلاف جعفر وحدودها بالطبول من نقيل صيد إلى مصايح (١) وبالعرض من سوق وصفات إلى حصن الطريمة (٢) إلى ذى الأسود من حدود مخلاف حب ، وتسمى قلعة النهرين لأن جبل التعكر ما بين أيمن البلد وشماله ومجمع النهرين فى آخر البلد عند موضع يقال له وادى ميتم ، كما قال المازنى فى بعض قصائده ، حيث يقول :
ما مصر ما بغداد ما الطبرية
كمدينة قد حازها النهران
حدود لها شأم وحبّ مشرق
وكذاك تعكرها المنيف يمانى
وله يقول :
ليس الخورنق والسدير وبارق كطرمحى
كلا ولا النعمان مثل الدنا هطل اليدين
وقال مضطبع الدولة مواهب بن جديد المقرئ يمدح الملك المفضل بن أبى البركات بن علاء الحميرى :
فرفضتها شوقا إلى ذى جبلة
وتركتها لملوك أهل المشرق
______
(١ ، ٢) غير منقوطة فى الأصل.
200
#ملوك_حمير_بن_هشام
ملك الحارث بن الهمال
حيناً من الدهر ثم مات، وإنما قيل له ذو شدد بلغة حمير كقولك ذو شطط ابن عاد بن مناح أي ذو عطاء. ملك الحارث بن الهمال قال وهب: وولي أمر الملك بعد الهمال بن عاد ابنه الحارث بن الهمال وهو الرائش الأصغر والرائش الأكبر عنه لقمان بن عاد وهو الحارث ذو مراثد بن الهمال ذي شدد بن عاد بن ذي مناخ وكانت تأتي هدايا الهند إلى التبابعة من أصناف الطيب والمسك والعنبر والكافور وحب البان والينجوج والزعفران وغير ذلك من أنواع الطيب ومرافق أرض الهند والفلفل والهليلج وغيره، ويأتي الجوهر والعقيق والدن، فلما أتت الهدية إلى الرائش الحارث ذي مراثد وذو مراثد في لغة حمير ذو أيادي وذو مرثد ذو يد. قال وهب: فلما أتت الهدية من قبل الهند إلى ذي مراثد ورأى ما رأى من عجائب الهند تطلعت نفسه إلى غزوها فعبى الجنود وجمع العساكر وأظهر إنه يريد المغرب في البحر وأعد السفن وكان غزاها قبله ثلاثة من الملوك على البر من جبال حران وأرض التبت حتى وصلوا إليها وهم: عبد شمس ابن * سبأ وبعده ابنه وائل بن حمير وبعده ابنه السكسك بن وائل، فكان خراجهم الذي أجروه على الهند جميع هذه الطرائف يطرفونهم بها. قال وهب: فلما أمكن لذي مراثد الرائش جواز البحر ركب وقدم بين
ملك الحارث بن الهمال
حيناً من الدهر ثم مات، وإنما قيل له ذو شدد بلغة حمير كقولك ذو شطط ابن عاد بن مناح أي ذو عطاء. ملك الحارث بن الهمال قال وهب: وولي أمر الملك بعد الهمال بن عاد ابنه الحارث بن الهمال وهو الرائش الأصغر والرائش الأكبر عنه لقمان بن عاد وهو الحارث ذو مراثد بن الهمال ذي شدد بن عاد بن ذي مناخ وكانت تأتي هدايا الهند إلى التبابعة من أصناف الطيب والمسك والعنبر والكافور وحب البان والينجوج والزعفران وغير ذلك من أنواع الطيب ومرافق أرض الهند والفلفل والهليلج وغيره، ويأتي الجوهر والعقيق والدن، فلما أتت الهدية إلى الرائش الحارث ذي مراثد وذو مراثد في لغة حمير ذو أيادي وذو مرثد ذو يد. قال وهب: فلما أتت الهدية من قبل الهند إلى ذي مراثد ورأى ما رأى من عجائب الهند تطلعت نفسه إلى غزوها فعبى الجنود وجمع العساكر وأظهر إنه يريد المغرب في البحر وأعد السفن وكان غزاها قبله ثلاثة من الملوك على البر من جبال حران وأرض التبت حتى وصلوا إليها وهم: عبد شمس ابن * سبأ وبعده ابنه وائل بن حمير وبعده ابنه السكسك بن وائل، فكان خراجهم الذي أجروه على الهند جميع هذه الطرائف يطرفونهم بها. قال وهب: فلما أمكن لذي مراثد الرائش جواز البحر ركب وقدم بين
يديه رجلاً من حمير يقال له: يعفر بن عمرو. فسار يعفر حتى دخل أرض الهند وتبعه الرائش ذو مرراثد فقاتل أهل الهند يعفر حتى آتاه الرائش فغلب عليهم فقتل المقاتلة له وسبى الذرية وغنم الأموال ورجع إلى اليمن من جهة مطلع الشمس وكان طريقه مدينة الصغد وهي سمرقند وخلف يعفر بن عمرو في اثني عشر ألفاً في مدينة بناها الرائش ذو مراثد وسماها على اسم الرائش. فلم يقدر أهل الهند يقيمون اسمها فسموها الرائد فهي مدينتهم اليوم وبها ملكهم. وقال في ذلك نوفل بن سعد من رؤساء حمير: من ذا من الناس له ما لنا ... من عارب في الناس أو أعجمي سار بنا الرائش في جحفل ... مثل مفيض السيل كالأنجم يوماً لأرض الهند يسمولها ... تجري به الأمواج كالضغيم فأول الغاية قاموا بها ... واستسلموا للفيلق المظلم في بحرها المنشور سام به ... يوم أمام الملك المعلم يغيرها يعفر اذ جاءها ... يا حبذا ذلك من مقدم فصبح الهند له وقعة ... هدت قواه بالقنا الصيلم وانغص الرائش أملاكها ... وآب بالخيرات والأنعم فالدر والياقوت يجبي له ... والخرد الأبكار في الموسم قال وهب: ولما صار الرائش بجبال خراسان أتته هدايا أرمينية اتقوه خوفاً لما وقع في الهند فأرسل ملوك أرمينية ببزاة بيض وديباج وسروج ومتاع عجيب مما يقابل به الملوك فقال للرسل: كل هذا في أرضكم؟ قالوا: نعم أيها الملك. قال: فلم نأخذ شيئاً إذ لم نأخذ أرض أرمينية، فسار يريد أرض
أرمينية فقدم بين يديه شمر بن العطاف الحميري في مائة ألف وسار يتبعه بالجمع فأخذ أرمينية وأخذ في دروب الأرض إلى عجز الأرض ما تحت بنات نعش وأبواب زوايا الأرض، ثم قفل راجعاً حتى بلغ أذربيجان حتى بلغ إلى الصخرتين من أذربيجان وهما صخرتان قد تقابلا جبلان شامخان يحسر الطرف عنهما وليس يأخذ أخذ بأذربيجان إلا بينهما. فكتب في الصخرتين بالحميري المسند وسموا الحميري المسند لأنه على عدده وهو منثور مثله فكتب في الصخرة الواحدة أن الرائش ذا مراثد سيد الأوابد بلغ من الدنيا أمله وبقي ينتظر أجله فمتى ينقض يمض وتحته منقوش: يا جابيا خرج خراسان ... ملججاً في أرض حران فتحت أرض الهند مستأثراً ... يعفر الأول والثاني يتبع قرن الشمس إن أشرقت ... حتى بدا نور الضحى قاني سام على البيت مستعجلاً ... مقتحماً أرض أذربيجان سينقضي الرائش بعد الذي ... نال ويبقى الناس في شان وكتب في الأخرى: إلا أن الزمان أطاع أمري ... وسوف أطيعه قهراً بقسر ركبت الدهر إعصاراً عزيزاً ... سيسأم طول هذا الدهر دهري يخادعني بأيام حسان ... ويقطع دائباً في ذاك عمري لقد صبر الزمان على اعتزامي ... ليعلم أن عصاني كيف صبري له أيد طوال عن قصار ... تناول ذا الورى خسري ويسري
82
82
فولكلور #المطر
في الذاكرة اليمنية
#أروى_عبده_عثمان
كاتبة من اليمن
#الثقافة_الشعبية
يامن الجود جودك
يا محنحن رعودك
ياتواب توب علينا
وارحمنا وانظر إلينا
واسقنا الغيث يا لله
سأورد حدثاً واقعياً من خلال زيارتي الميدانية في بعض أرياف اليمن قبل سنين .. ففي أحد الأيام زرت بعض أرياف محافظة "المحويت» وكانت أيام«جَحر» أي أيام جفاف وقحط ، كانت الأرض جرداء ، بعض الحقول مات الزرع فيها ، وبعضه في طريقه إلى الهلاك .. كانت نفوس الناس ضيقة حد الحزن والموت ، البؤس كان سيد المكان..
وبينما كنتٌ أتبادل الحديث مع الأهالي حول بعض مواضيع التراث.. الزوامل، والمغارد، والأهازيج، وهل ممكن يحدثوني عنها.. استخفوا بما طلبته وسمعت تعبيراً شعبياً ساخراً يستهجن ما أطلبه: (يزكينا عقولنا) كما تقول التعابير الشعبية. فكيف لإنسان عاقل يرى هلاك الزرع، ويطلب من الناس الحديث عن التراث، والغناء ليقوم بالتسجيل.
في أحد أيام الصيف – قبل سنين أيضاً - توجهتُ إلى أرياف محافظة «ريمة « وكانت المنطقة قطعة من الجنة، وأنت تدلف نحو مديرية «الجَبين» تهتز مشاعرك وتخضل وأنت تسمع صوت النساء قبل الرجال تشق الجبال، تغني، تهجل، تضحك ظهور هم قبل وجوههم.
كانت تلك الأيام أيام الغيث، اخضرت الأرض والنفوس في ريمة، وأيبست حد الموت في المحويت.
هذه هي لغة الماء، الغيث، المطر، المورد، المنهل، الكوثر، السلسبيل.. الخ.
حيثما يوجد الماء، توجد الحياة تنتعش النفوس بالخضرة لتكون سيدة الفرح، سيدة الخصب، خضرتها اخضرار الأرض ، وضحك الحقول.
ولأنها كذلك حملت أسماؤنا إناثاً وذكوراً العديد من أسماء الخضرة والماء ك: مزنة، غيث، مطرة، مطر، سلسبيل، كوثر، مُزن، بارق، رعد، ماجل، ثلج، وثلجة..الخ
الماء البداية والنهاية، من أمزان السماء وطين الأرض الندي، نوجد أو لا نوجد. فالأديان السماوية وغير السماوية والفلسفات كلها صبت فلسفتها ومبدأ الوجود، بالماء فالقرآن الكريم يقول «وجعلنا من الماء كل شيء حي»، بل إن المطر كان يعد من بين معبودات الإنسان البدائي(1) ويقال في هذا الصدد إن «قبيلة تشنتشو، هو الإله «بجافنتارو« ويقال أنه يسكن السماء ويتحكم في الرعد والمطر»(2)
وإذا ما عرجنا إلى الفلسفة، نجد الفلاسفة العظام ما قبل سقراط قد حددوا أصل ووجود الأشياء بواحد، هو الماء، فطاليس أبو الفلسفة ومؤسسها قامت فلسفته على أن أصل الأشياء جميعاً هو الماء، وكل شيء يعود إلى الماء.
وكذلك قال الفيلسوف امباذوقليس عندما بنى فلسفته على العناصر الأربعة، فقال: إن تنوع الأشياء في الطبيعة يرجع، إلى هذه العناصر، أحد هذه العناصر هو الماء.
وفي الميثولوجيات و أساطير الشعوب، بالماء تحيا الأكوان، وتهلك بانعدامه، ورأينا الآلهات كيف تتصارع على المحيطات، والأنهار.. كيف تنتصر بامتلاك مفاتيح الماء، وكيف تعاقب بانعدامه أو بإهلاكهم عبر الطوفان.. الخ
وفي الحكايات الشعبية والأساطير، رأينا ماء الحياة التي تعيد الحياة للموتى أو للمرضى، فعبرها تشفى الأمراض والعلل، تعيد الأبصار، وتكسب الإنسان الخلود ولنا في أسطورة «عشتار» خير دليل على ذلك، والحكايات لـ«ماء الحياة»: المنتشرة عند شعوب العالم.
لكل شعب من شعوب الأرض، بحار ومياه، وأنهار، وينابيع قدسية كانت السبب في خلقهم، وخلق عوالمهم وأكوانهم..
قرأنا في كتب التاريخ عن العديد من الحضارات الإنسانية كيف أخصبت وخُلدت، لأن الماء كان أساس وجودها، وكيف انهارت وزالت وكان الماء هو سبب هلاكها وزوالها، ولنا في حضارة سبأ خير دليل، كيف استطاعت هذه الحضارة ببناء السدود أن تعمر حضارة إنسانية مازالت شواهدها قائمة حتى الآن.
الاستسقاء:
في أساطير الخلق ونشوئها كان الماء هو الخالق لعالم السماء والأرض، رأينا كيف ضحكت السماء وسُرت الأرض، فأكرمتها بنعيمها من المطر، وكيف يكون هلاكها بغضب السماء، فأحجمت عن المطر.
في معتقداتنا الشعبية يشتد القحط عندما تغضب السماء، ويكثر شرور البشر في الأرض فيكون العقاب إما بالطوفان، وإما بالجفاف والهلاك فتمحق الأرض والممالك والحضارات.
فكلما وجد الغيث دل ذلك على أن السماء راضية على من في الأرض، أي أن الممالك والبشر يعيشون حياة طبيعية، ينعمون بالخير، ولا يغضبون الإله.
الوعي الشعبي يؤمن ويردد في حياته اليومية أيضاً، أن طغاة السياسة والممالك هم أكثر من يغيثون الأرض خضرة وخصوبة، وهم أكثر الناس إمحاقاً لها، فيقولون في بلادنا:
يا ملك الملك
من تعظم هلك
ياقريب
يا مجيب
سائلك ما يخيب
لذا كان الاستسقاء والعديد من الطقوس فرصة للتخفيف من الذنوب والتقرب إلى الله أو الآلهة، فيسارع الإله بنجدتهم ويسقيهم الغيث.
واليمن مثلها مثل كافة شعوب البشرية عرفت العديد من الطقوس لجلب الماء/المطر وهو الاستسقاء، ويعد أحد الطقوس القديمة التي مازالت كثير من الشعوب تمارسه حتى يومنا هذا، أكانت هذه الممارسة رسمية أو شعبية..
في الذاكرة اليمنية
#أروى_عبده_عثمان
كاتبة من اليمن
#الثقافة_الشعبية
يامن الجود جودك
يا محنحن رعودك
ياتواب توب علينا
وارحمنا وانظر إلينا
واسقنا الغيث يا لله
سأورد حدثاً واقعياً من خلال زيارتي الميدانية في بعض أرياف اليمن قبل سنين .. ففي أحد الأيام زرت بعض أرياف محافظة "المحويت» وكانت أيام«جَحر» أي أيام جفاف وقحط ، كانت الأرض جرداء ، بعض الحقول مات الزرع فيها ، وبعضه في طريقه إلى الهلاك .. كانت نفوس الناس ضيقة حد الحزن والموت ، البؤس كان سيد المكان..
وبينما كنتٌ أتبادل الحديث مع الأهالي حول بعض مواضيع التراث.. الزوامل، والمغارد، والأهازيج، وهل ممكن يحدثوني عنها.. استخفوا بما طلبته وسمعت تعبيراً شعبياً ساخراً يستهجن ما أطلبه: (يزكينا عقولنا) كما تقول التعابير الشعبية. فكيف لإنسان عاقل يرى هلاك الزرع، ويطلب من الناس الحديث عن التراث، والغناء ليقوم بالتسجيل.
في أحد أيام الصيف – قبل سنين أيضاً - توجهتُ إلى أرياف محافظة «ريمة « وكانت المنطقة قطعة من الجنة، وأنت تدلف نحو مديرية «الجَبين» تهتز مشاعرك وتخضل وأنت تسمع صوت النساء قبل الرجال تشق الجبال، تغني، تهجل، تضحك ظهور هم قبل وجوههم.
كانت تلك الأيام أيام الغيث، اخضرت الأرض والنفوس في ريمة، وأيبست حد الموت في المحويت.
هذه هي لغة الماء، الغيث، المطر، المورد، المنهل، الكوثر، السلسبيل.. الخ.
حيثما يوجد الماء، توجد الحياة تنتعش النفوس بالخضرة لتكون سيدة الفرح، سيدة الخصب، خضرتها اخضرار الأرض ، وضحك الحقول.
ولأنها كذلك حملت أسماؤنا إناثاً وذكوراً العديد من أسماء الخضرة والماء ك: مزنة، غيث، مطرة، مطر، سلسبيل، كوثر، مُزن، بارق، رعد، ماجل، ثلج، وثلجة..الخ
الماء البداية والنهاية، من أمزان السماء وطين الأرض الندي، نوجد أو لا نوجد. فالأديان السماوية وغير السماوية والفلسفات كلها صبت فلسفتها ومبدأ الوجود، بالماء فالقرآن الكريم يقول «وجعلنا من الماء كل شيء حي»، بل إن المطر كان يعد من بين معبودات الإنسان البدائي(1) ويقال في هذا الصدد إن «قبيلة تشنتشو، هو الإله «بجافنتارو« ويقال أنه يسكن السماء ويتحكم في الرعد والمطر»(2)
وإذا ما عرجنا إلى الفلسفة، نجد الفلاسفة العظام ما قبل سقراط قد حددوا أصل ووجود الأشياء بواحد، هو الماء، فطاليس أبو الفلسفة ومؤسسها قامت فلسفته على أن أصل الأشياء جميعاً هو الماء، وكل شيء يعود إلى الماء.
وكذلك قال الفيلسوف امباذوقليس عندما بنى فلسفته على العناصر الأربعة، فقال: إن تنوع الأشياء في الطبيعة يرجع، إلى هذه العناصر، أحد هذه العناصر هو الماء.
وفي الميثولوجيات و أساطير الشعوب، بالماء تحيا الأكوان، وتهلك بانعدامه، ورأينا الآلهات كيف تتصارع على المحيطات، والأنهار.. كيف تنتصر بامتلاك مفاتيح الماء، وكيف تعاقب بانعدامه أو بإهلاكهم عبر الطوفان.. الخ
وفي الحكايات الشعبية والأساطير، رأينا ماء الحياة التي تعيد الحياة للموتى أو للمرضى، فعبرها تشفى الأمراض والعلل، تعيد الأبصار، وتكسب الإنسان الخلود ولنا في أسطورة «عشتار» خير دليل على ذلك، والحكايات لـ«ماء الحياة»: المنتشرة عند شعوب العالم.
لكل شعب من شعوب الأرض، بحار ومياه، وأنهار، وينابيع قدسية كانت السبب في خلقهم، وخلق عوالمهم وأكوانهم..
قرأنا في كتب التاريخ عن العديد من الحضارات الإنسانية كيف أخصبت وخُلدت، لأن الماء كان أساس وجودها، وكيف انهارت وزالت وكان الماء هو سبب هلاكها وزوالها، ولنا في حضارة سبأ خير دليل، كيف استطاعت هذه الحضارة ببناء السدود أن تعمر حضارة إنسانية مازالت شواهدها قائمة حتى الآن.
الاستسقاء:
في أساطير الخلق ونشوئها كان الماء هو الخالق لعالم السماء والأرض، رأينا كيف ضحكت السماء وسُرت الأرض، فأكرمتها بنعيمها من المطر، وكيف يكون هلاكها بغضب السماء، فأحجمت عن المطر.
في معتقداتنا الشعبية يشتد القحط عندما تغضب السماء، ويكثر شرور البشر في الأرض فيكون العقاب إما بالطوفان، وإما بالجفاف والهلاك فتمحق الأرض والممالك والحضارات.
فكلما وجد الغيث دل ذلك على أن السماء راضية على من في الأرض، أي أن الممالك والبشر يعيشون حياة طبيعية، ينعمون بالخير، ولا يغضبون الإله.
الوعي الشعبي يؤمن ويردد في حياته اليومية أيضاً، أن طغاة السياسة والممالك هم أكثر من يغيثون الأرض خضرة وخصوبة، وهم أكثر الناس إمحاقاً لها، فيقولون في بلادنا:
يا ملك الملك
من تعظم هلك
ياقريب
يا مجيب
سائلك ما يخيب
لذا كان الاستسقاء والعديد من الطقوس فرصة للتخفيف من الذنوب والتقرب إلى الله أو الآلهة، فيسارع الإله بنجدتهم ويسقيهم الغيث.
واليمن مثلها مثل كافة شعوب البشرية عرفت العديد من الطقوس لجلب الماء/المطر وهو الاستسقاء، ويعد أحد الطقوس القديمة التي مازالت كثير من الشعوب تمارسه حتى يومنا هذا، أكانت هذه الممارسة رسمية أو شعبية..
فمثلاً: جرت العادة أن يدعو أحد كبارات المنطقة المعروف عنهم قوة الإيمان والتقوى والصدق يتقدم الجموع الهلعة،فبعد الصلاة في الجامع أو الجبانة وعادة ما يكون بعد صلاة الجمعة.
في مناطق كصعدة – جبال الأزد – كما رأيت قبل عقدين من الزمن الأطفال هم من يتقدمون الموكب فيخرجون رافعي الأيدي،فترتفع أصوات الجميع مهللين مكبرين خاشعين، باكين، لله سبحانه وتعالى.. لماذا الأطفال، ولماذا الإنسان الولي أو الورع والتقي هم من يتقدمون موكب الاستسقاء ؟ يقال إنهم أقل خطايا، وأكثرهم براءة، وأياديهم بيضاء، لم تتنجس بالشرور.
والاستسقاء نوع من الاستجداء والتذلل لملكوت السماء، طاقات مشحونة بالانفعالات والعواطف للاتحاد بالذات الإلهية، تسبقهم الدموع، بأن تنظر إلى حالهم، فيشملهم الله برحمته ويتوب عليهم، كـ:«يا تواب توب علينا، وانظر إلينا، لا تغفل عين الرحمة، اشملنا بالنظرة الواسعة، والغفران الأكبر.. الخ.
يقوم المستسقون بأخذ حيواناتهم من الأبقار والمواشي، وفي بعض الأحيان الإبل عند البدو، ويقومون بنحرها في أماكن لها طابع القدسية في بعض المناطق، كأضرحة أولياء الله الصالحين، أو أعالي الجبال، أو عند الأشجار المقدسة، فينحرونها، ويتركونها غذاء للحيوانات، ويتضرعون قائلين:
يا رحمن يا رحيم
يارب العالمين
يا الله اسقنا الغيث
جل جلالاك يا مولانا
واحنا(3) عبادك لا تنسانا
يارحمن
أنت الرحيم
هذا الطقس، نجده، ربما آت من طقوس الاستسقاء التي وصفها وهب بن منبه في كتاب الهام التيجان، فمازال معمولا به في كثير من مناطق اليمن بنفس أوصاف ابن منبه، مع التغيير في التعابير بعد الأدعية.
قال وهب: وإن الله تبارك وتعالى رفع عن عاد الغيث عامين العامين اللذين هادنوا فيها هوداً فهلكت زروعهم، وأسرع الهلاك في جناتهم، وهلكت أنعامهم، وأسرع الهلاك في أموالهم، فأتوا إلى ملكهم عاد فشكوا إليه ما نزل بهم فقال:
استسقوا فقصدوا شيخا لهم يقال له قيل بن عنز، كان طلق اللسان خطيباً فقدموه وخرجوا خلفه فأنشأ أبو الهجال يقول:
ألا يا قيل ويحك قم فهيم
لعل الله يسقينا غماماً
فيسقي أرض عاد أن عاداً
قد أمسوا ما يبينون الكلاما
فما ترجو بها غرساً وزرعاً
ولا الشيخ الكبير ولا الغلاما(4)
وربما أتى هذا الطقس من بقايا الميثولوجيات البدائية،فعند عرب الجاهلية نجد طقساً هاماً يسمى بنار الاستمطار، بتقليد (التسليع) كما يوردها د/محمد عجينة في موسوعة أساطير العرب «فإذا أجدبت الأرض وأمسكت السماء وانحبس المطر عمدوا إلى السلع والعشر (نوع من أنواع الأشجار) وربطوها في أذناب البقر وأصعدوها إلى جبل وعر وأشعلوا فيها النيران ضاجين بالدعاء والتضرع»(5).
من خلال النصوص التي قمت بتجميعها على مدى عقدين من الزمن، نجد النص الواحد يحتوي على الكثير من أدوات النداء (يالله، يا سامع دعانا، يا تواب، يا رحمن، يا سريع الغارات، يا مجل الهم.. الخ)، وهذه النداءات هي استغاثات تتكرر داخل النص الواحد، دلالة على حجم الكارثة التي ستنزل بهم إذا أحجم الله عن إنزال الغيث، نتيجة الأسباب التي ذكرناها – آنفاً - في طقوس التسقي. للحيوانات نصيب كبير فهي تحمل الكثير من الدلالات، ليس فقط أنها تقدم كأضحية (لأن الحيوانات وخصوصاً الأبقار تحمل دلالات الخصوبة) بل ولأنها تعبر عن الحالة الإنسانية، باعتبارها كائنا حيا مثلها مثل الإنسان، ولأنها أيضاً حيوانات غير ناطقة (عجماء) فيعبر عنها، أو ينوب عنها بالدعاء ويقول:
اسقي العجماء
عاطشة للماء
جاوعة(6) للمرعى
ويصور المستسقي حالة الحيوانات بطريقة تراجيديا.. حيث الألم والمعاناة، وكأنه يصور حالته أيضاً فتقول النصوص:
نزلت تشرب ( أي العجماء)
وان ما بش(7) ماء
نزلت تبكي
فوق قبر النبي
فهل العجماء هي نفسها شخصية «البهلول» التي ترد الحكايات الشعبية عنه:«أنه دخل مدينة أسلع» فجادتها السحاب بعد جدب سبع سنوات، وكان سبب جدب تلك المنطقة ما رواه أهلها أربعة من قطاع الطرق، وعندما دخل «البهلول«ضعف قطاع الطرق وماتوا فجأة، فنولت الأمطار»(8)
بعد الانتهاء من طقوس التسقي، تلوح في الأفق بشائر «السحاب السود» فيقول شهود أعيان، كبار السن، ممن تسقوا، وقابلتهم في بعض المناطق، ويحلفون بأغلظ الأيمان أن أول ما تنتهي طقوس التسقي، وهم في طريق العودة إلى بيوتهم، إذا بالغمامات السوداء تغطي السماء، و ترعد البروق، وينهمر المطر غزيراً، ويصفون الإعجاز الإلهي، أن سيولا تأتي تروي عطش الأرض والنفوس، وعلى قدر الخشوع، والتوبة، وقلة شرور البشر والنية الصادقة للتوبة، يكون الغيث وحجم السيول.
استجابة السماء دليل على التصالح بين البشر والإله، أي بداية صفحة جديدة من فصول الخصوبة.
في مناطق كصعدة – جبال الأزد – كما رأيت قبل عقدين من الزمن الأطفال هم من يتقدمون الموكب فيخرجون رافعي الأيدي،فترتفع أصوات الجميع مهللين مكبرين خاشعين، باكين، لله سبحانه وتعالى.. لماذا الأطفال، ولماذا الإنسان الولي أو الورع والتقي هم من يتقدمون موكب الاستسقاء ؟ يقال إنهم أقل خطايا، وأكثرهم براءة، وأياديهم بيضاء، لم تتنجس بالشرور.
والاستسقاء نوع من الاستجداء والتذلل لملكوت السماء، طاقات مشحونة بالانفعالات والعواطف للاتحاد بالذات الإلهية، تسبقهم الدموع، بأن تنظر إلى حالهم، فيشملهم الله برحمته ويتوب عليهم، كـ:«يا تواب توب علينا، وانظر إلينا، لا تغفل عين الرحمة، اشملنا بالنظرة الواسعة، والغفران الأكبر.. الخ.
يقوم المستسقون بأخذ حيواناتهم من الأبقار والمواشي، وفي بعض الأحيان الإبل عند البدو، ويقومون بنحرها في أماكن لها طابع القدسية في بعض المناطق، كأضرحة أولياء الله الصالحين، أو أعالي الجبال، أو عند الأشجار المقدسة، فينحرونها، ويتركونها غذاء للحيوانات، ويتضرعون قائلين:
يا رحمن يا رحيم
يارب العالمين
يا الله اسقنا الغيث
جل جلالاك يا مولانا
واحنا(3) عبادك لا تنسانا
يارحمن
أنت الرحيم
هذا الطقس، نجده، ربما آت من طقوس الاستسقاء التي وصفها وهب بن منبه في كتاب الهام التيجان، فمازال معمولا به في كثير من مناطق اليمن بنفس أوصاف ابن منبه، مع التغيير في التعابير بعد الأدعية.
قال وهب: وإن الله تبارك وتعالى رفع عن عاد الغيث عامين العامين اللذين هادنوا فيها هوداً فهلكت زروعهم، وأسرع الهلاك في جناتهم، وهلكت أنعامهم، وأسرع الهلاك في أموالهم، فأتوا إلى ملكهم عاد فشكوا إليه ما نزل بهم فقال:
استسقوا فقصدوا شيخا لهم يقال له قيل بن عنز، كان طلق اللسان خطيباً فقدموه وخرجوا خلفه فأنشأ أبو الهجال يقول:
ألا يا قيل ويحك قم فهيم
لعل الله يسقينا غماماً
فيسقي أرض عاد أن عاداً
قد أمسوا ما يبينون الكلاما
فما ترجو بها غرساً وزرعاً
ولا الشيخ الكبير ولا الغلاما(4)
وربما أتى هذا الطقس من بقايا الميثولوجيات البدائية،فعند عرب الجاهلية نجد طقساً هاماً يسمى بنار الاستمطار، بتقليد (التسليع) كما يوردها د/محمد عجينة في موسوعة أساطير العرب «فإذا أجدبت الأرض وأمسكت السماء وانحبس المطر عمدوا إلى السلع والعشر (نوع من أنواع الأشجار) وربطوها في أذناب البقر وأصعدوها إلى جبل وعر وأشعلوا فيها النيران ضاجين بالدعاء والتضرع»(5).
من خلال النصوص التي قمت بتجميعها على مدى عقدين من الزمن، نجد النص الواحد يحتوي على الكثير من أدوات النداء (يالله، يا سامع دعانا، يا تواب، يا رحمن، يا سريع الغارات، يا مجل الهم.. الخ)، وهذه النداءات هي استغاثات تتكرر داخل النص الواحد، دلالة على حجم الكارثة التي ستنزل بهم إذا أحجم الله عن إنزال الغيث، نتيجة الأسباب التي ذكرناها – آنفاً - في طقوس التسقي. للحيوانات نصيب كبير فهي تحمل الكثير من الدلالات، ليس فقط أنها تقدم كأضحية (لأن الحيوانات وخصوصاً الأبقار تحمل دلالات الخصوبة) بل ولأنها تعبر عن الحالة الإنسانية، باعتبارها كائنا حيا مثلها مثل الإنسان، ولأنها أيضاً حيوانات غير ناطقة (عجماء) فيعبر عنها، أو ينوب عنها بالدعاء ويقول:
اسقي العجماء
عاطشة للماء
جاوعة(6) للمرعى
ويصور المستسقي حالة الحيوانات بطريقة تراجيديا.. حيث الألم والمعاناة، وكأنه يصور حالته أيضاً فتقول النصوص:
نزلت تشرب ( أي العجماء)
وان ما بش(7) ماء
نزلت تبكي
فوق قبر النبي
فهل العجماء هي نفسها شخصية «البهلول» التي ترد الحكايات الشعبية عنه:«أنه دخل مدينة أسلع» فجادتها السحاب بعد جدب سبع سنوات، وكان سبب جدب تلك المنطقة ما رواه أهلها أربعة من قطاع الطرق، وعندما دخل «البهلول«ضعف قطاع الطرق وماتوا فجأة، فنولت الأمطار»(8)
بعد الانتهاء من طقوس التسقي، تلوح في الأفق بشائر «السحاب السود» فيقول شهود أعيان، كبار السن، ممن تسقوا، وقابلتهم في بعض المناطق، ويحلفون بأغلظ الأيمان أن أول ما تنتهي طقوس التسقي، وهم في طريق العودة إلى بيوتهم، إذا بالغمامات السوداء تغطي السماء، و ترعد البروق، وينهمر المطر غزيراً، ويصفون الإعجاز الإلهي، أن سيولا تأتي تروي عطش الأرض والنفوس، وعلى قدر الخشوع، والتوبة، وقلة شرور البشر والنية الصادقة للتوبة، يكون الغيث وحجم السيول.
استجابة السماء دليل على التصالح بين البشر والإله، أي بداية صفحة جديدة من فصول الخصوبة.
الوعي الشعبي الفطري يردد يومياً، كيف كان الله يسرع بالاستجابة لنداءاتهم ودعاهم، ويرجعون السبب في ذلك إلى: أن نفوس الناس زمان، كانت بسيطة، عامرة بالمحبة وخالية من الشرور وآثام هذه الأيام، بل ويقولون عن جفاف وقحط هذه الأيام إن الشرور تضاعفت، والله غاضب وساخط علينا، ولا يلتفت لدعائنا حتى ونحن في قلب المساجد الفارهة، ويضيفون إن المفاسد قد أطبقت على كل تفاصيل الحياة.. بل ويرعدوننا بالخوف، إن هذه البداية، والمحق الأكبر آت لا محالة، فيا:
مولانا.. يا مولانا
يا سامع دعانا
برحماك يا محمد
ما خيب رجانا
مولانا نسأل رضاك
وببابك واقفين
من شيرحمنا(9) سواك
يا أرحم الراحمين
السحائب السود:
للسحاب لغة تعرفها الطبيعة ويعرفها الإنسان، وللسحاب ألوان، يحمل كل لون منها العديد من الدلالات والرموز، فالسحابة البيضاء لها معنى، وللسحابة السوداء، رمزها الخاص بها، تختلف باختلاف ثقافة الشعوب.
للسحابة السوداء – الغمامة السوداء في الحياة اليومية، وفي المخيلة الشعبية معنيان.
المعنى الأول: سحابة سوداء، سحابة خير، تأتي محملة بتباشير الخصوبة.. المطر –أما المعنى الآخر للسحاب، فسنستعرض جزءا منه في حلقة مقبلة.
فحين تلوح في الأفق سحابة سوداء، يعني أن خيراً سيغدق على البشر والأرض:
سحابة الخير خضراء راوية
شا بشر(10) الخلق بالمطر والعافية
أو
ياسحاب يا سوداء
بشرينا بالماء
تسقي العجماء(11)
عاطشة للماء
وفي أحد المهاجل الزراعية لحكيم الشعب، علي ولد زايد، يتحدث، عن الهيج أو الهجوة، وهي الغيوم،الحاجبة للشمس، وهي تباشير هطول المطر، فيقول:
الهيج لا يرمي الشمس
فابشر بغزر المطارة
ويقصد كما يشرح د/حمود العودي.. إذا كانت السحب في الصباح تتحرك بكثافة في الجو نحو قرص الشمس... فذلك بشير شبه مؤكد بهطول الأمطار في هذا اليوم(12)
بجانب السحائب السود المبشرة بالغيث والخير القادم من السماء، هناك أيضاً الراعد، والبارق، كمؤشرات أخرى للغيث، فيقال في بعض المناطق ب: راعد الصيف هل – أي حل «كون الأمطار في اليمن تسقط صيفاً، ولا ننسى قوس قزح علامة للخير أيضاً.
بارق برق من سايلة(13)
والرعد وصل صاهله
على حجار السايلة
أو
يا راعد الصيف
تعال وابصر
ما جرى لنا كيف
أو
أو حين يدكم(14) الرعد والمطر يهمل(15)
من عرض قبلة و«رازح« والجبل(16)
سحائب الخصوبة، أو السحابة السوداء، لا نجد التغني بها فقط في الأهازيج الخاصة بالمطر، لكن قد نجدها في أغاني العرس، وأغاني الختان،..الخ فعلى سبيل المثال القصيدة المشقاصية(17) فتقول:
وأحد يارب، يا طهوب شوير
ويا محول بشارة منها تجاوير
طُهبي اليوم صبح م العين، عامل حيير
الرعود فيهن تردان، إن تقول تعاشير
والسحب كما مصبون، روى في جوبه وزير
قصيدة الختان هذه محملة بدلالة سحابة الخير المحملة بالمطر (طهوب) والـ«الشوير» صفة السحابة الممطرة، كما يشرحها الأستاذ الملاحي.
أشجان السحائب السود:
تلك تباشير سقوط المطر، وبسقوط المطر، هناك العديد من الأعمال الشاقة للفلاح/ اليمني، حيث يسارع إلى النزول إلى مدارب السيل، والحقول، والجرب بكامل عدته: من مفرس، ومجرف.. الخ، فيبدأ عمله وتوجيهه لسير الماء، لتروي الحقول الأخرى.
جو أهل الجرب جو
بالمفارس والمجارف جو(18)
في الأهازيج الخاصة بالمطر أكانت تلك الموثقة منها، أم تلك التي لم توثق بعد، تبدأ أو تُستهل بلفظة «شن».
شن المطر وشنته غزيرة(19)
على حدود الدار والوعيدة
**
شن المطر واسقاش يا بلادي
واسقاش يا صنعاء جربة ووادي(20)
يرتبط شن المطر، ذلك الهثيم بالحالات الوجدانية للإنسان، فبشن المطر، يتذكر المغترب بلاده وأهله واللحظات الحميمة، وكذلك المرأة تتذكر أحباءها، والكثير من تفاصيل حياتها، حيث تهجل، قائلة:
شن المطر واظلم على بلادي
شا موت غريب لا هلي ولا خواتي(21)
**
شن المطر والطل والزنينية(22)
وانا مريع لامي(23) الضنينة
**
شاحن لي مادام قلبي أخضر(24)
ما دام أرض الله تزرع وتمطر
أماني ماطرة:
كثيرة هي الأماني الخيرة التي ترتبط بالمكان كأن تقول:
يالله بالمطر من طالع
يسقي «قعطبة» و«الضالع»(25)
**
أو يالله بالمطر من «ريمة»
يسقي «ذي السفال« و«الحيمة»(26)
هذا في الوعي الشعبي اليومي، لكن للسحابة السوداء نذير شؤم في بعض الكتب، فالحكاية الشعبية الشهيرة الدجرة، السحابة السوداء التي خبرت عنها روح الأم، أثناء زيارتها لإبنيها في الجرف الموحش، فبعد أن أدميت روحها من أشواك الخالة الشريرة، قالت: فاذا رأيتما سحابة بيضاء طلعت منه فانتظرا مجيئي، واذا رأيتما سحابة سوداء طلعت منه فلا تنتظراني، ولا تبقيا في هذا الجرف الموحش»(27)
ثم أن عادا أرسلت هوداَ فشكت إليه مانزل به من القحط، فقال لهم هود أن: الله يرسل عليكم ثلاث سحابات: سحابة صفراء، وسحابة حمراء، وسحابة سوداء، ويخيركم في إحداهن فاختاروا لأنفسكم ماشئتم ؟ فرجعوا إلى قومهم فأعلموهم بقول هود.
مولانا.. يا مولانا
يا سامع دعانا
برحماك يا محمد
ما خيب رجانا
مولانا نسأل رضاك
وببابك واقفين
من شيرحمنا(9) سواك
يا أرحم الراحمين
السحائب السود:
للسحاب لغة تعرفها الطبيعة ويعرفها الإنسان، وللسحاب ألوان، يحمل كل لون منها العديد من الدلالات والرموز، فالسحابة البيضاء لها معنى، وللسحابة السوداء، رمزها الخاص بها، تختلف باختلاف ثقافة الشعوب.
للسحابة السوداء – الغمامة السوداء في الحياة اليومية، وفي المخيلة الشعبية معنيان.
المعنى الأول: سحابة سوداء، سحابة خير، تأتي محملة بتباشير الخصوبة.. المطر –أما المعنى الآخر للسحاب، فسنستعرض جزءا منه في حلقة مقبلة.
فحين تلوح في الأفق سحابة سوداء، يعني أن خيراً سيغدق على البشر والأرض:
سحابة الخير خضراء راوية
شا بشر(10) الخلق بالمطر والعافية
أو
ياسحاب يا سوداء
بشرينا بالماء
تسقي العجماء(11)
عاطشة للماء
وفي أحد المهاجل الزراعية لحكيم الشعب، علي ولد زايد، يتحدث، عن الهيج أو الهجوة، وهي الغيوم،الحاجبة للشمس، وهي تباشير هطول المطر، فيقول:
الهيج لا يرمي الشمس
فابشر بغزر المطارة
ويقصد كما يشرح د/حمود العودي.. إذا كانت السحب في الصباح تتحرك بكثافة في الجو نحو قرص الشمس... فذلك بشير شبه مؤكد بهطول الأمطار في هذا اليوم(12)
بجانب السحائب السود المبشرة بالغيث والخير القادم من السماء، هناك أيضاً الراعد، والبارق، كمؤشرات أخرى للغيث، فيقال في بعض المناطق ب: راعد الصيف هل – أي حل «كون الأمطار في اليمن تسقط صيفاً، ولا ننسى قوس قزح علامة للخير أيضاً.
بارق برق من سايلة(13)
والرعد وصل صاهله
على حجار السايلة
أو
يا راعد الصيف
تعال وابصر
ما جرى لنا كيف
أو
أو حين يدكم(14) الرعد والمطر يهمل(15)
من عرض قبلة و«رازح« والجبل(16)
سحائب الخصوبة، أو السحابة السوداء، لا نجد التغني بها فقط في الأهازيج الخاصة بالمطر، لكن قد نجدها في أغاني العرس، وأغاني الختان،..الخ فعلى سبيل المثال القصيدة المشقاصية(17) فتقول:
وأحد يارب، يا طهوب شوير
ويا محول بشارة منها تجاوير
طُهبي اليوم صبح م العين، عامل حيير
الرعود فيهن تردان، إن تقول تعاشير
والسحب كما مصبون، روى في جوبه وزير
قصيدة الختان هذه محملة بدلالة سحابة الخير المحملة بالمطر (طهوب) والـ«الشوير» صفة السحابة الممطرة، كما يشرحها الأستاذ الملاحي.
أشجان السحائب السود:
تلك تباشير سقوط المطر، وبسقوط المطر، هناك العديد من الأعمال الشاقة للفلاح/ اليمني، حيث يسارع إلى النزول إلى مدارب السيل، والحقول، والجرب بكامل عدته: من مفرس، ومجرف.. الخ، فيبدأ عمله وتوجيهه لسير الماء، لتروي الحقول الأخرى.
جو أهل الجرب جو
بالمفارس والمجارف جو(18)
في الأهازيج الخاصة بالمطر أكانت تلك الموثقة منها، أم تلك التي لم توثق بعد، تبدأ أو تُستهل بلفظة «شن».
شن المطر وشنته غزيرة(19)
على حدود الدار والوعيدة
**
شن المطر واسقاش يا بلادي
واسقاش يا صنعاء جربة ووادي(20)
يرتبط شن المطر، ذلك الهثيم بالحالات الوجدانية للإنسان، فبشن المطر، يتذكر المغترب بلاده وأهله واللحظات الحميمة، وكذلك المرأة تتذكر أحباءها، والكثير من تفاصيل حياتها، حيث تهجل، قائلة:
شن المطر واظلم على بلادي
شا موت غريب لا هلي ولا خواتي(21)
**
شن المطر والطل والزنينية(22)
وانا مريع لامي(23) الضنينة
**
شاحن لي مادام قلبي أخضر(24)
ما دام أرض الله تزرع وتمطر
أماني ماطرة:
كثيرة هي الأماني الخيرة التي ترتبط بالمكان كأن تقول:
يالله بالمطر من طالع
يسقي «قعطبة» و«الضالع»(25)
**
أو يالله بالمطر من «ريمة»
يسقي «ذي السفال« و«الحيمة»(26)
هذا في الوعي الشعبي اليومي، لكن للسحابة السوداء نذير شؤم في بعض الكتب، فالحكاية الشعبية الشهيرة الدجرة، السحابة السوداء التي خبرت عنها روح الأم، أثناء زيارتها لإبنيها في الجرف الموحش، فبعد أن أدميت روحها من أشواك الخالة الشريرة، قالت: فاذا رأيتما سحابة بيضاء طلعت منه فانتظرا مجيئي، واذا رأيتما سحابة سوداء طلعت منه فلا تنتظراني، ولا تبقيا في هذا الجرف الموحش»(27)
ثم أن عادا أرسلت هوداَ فشكت إليه مانزل به من القحط، فقال لهم هود أن: الله يرسل عليكم ثلاث سحابات: سحابة صفراء، وسحابة حمراء، وسحابة سوداء، ويخيركم في إحداهن فاختاروا لأنفسكم ماشئتم ؟ فرجعوا إلى قومهم فأعلموهم بقول هود.