#بهجة_الزمن_بتاريخ_اليمن
وكان من جملة كتب محمد صاحب المنصورة إلى المؤيد: إنك إن كنت باني على المعونة، وإلا ترفعنا عن هذه[115/أ] البلاد، فكان حاله فيها كحال مجير أم عامر ، فإنه كان في تلك الفتنة الأولة التي جرت في يافع معيناً ليافع على الدفع والإمداد لهم، كما تواترت به الأخبار عنه معهم، ثم هاهم رجعوا على بلاده ومحاربته.
وفي نصف صفر وصل الزوار فأخبروا أن الخير بالمدينة والحجاز كثير، سعر الكيلة أربعة كبار، وأن عند أحمد بن زيد جمع كثير من الخيل والرجل............. وأن الخيل وجدها تأتي قريب الألفين.
وفي هذه الأيام بشهر ربيع الأول عادت جوابات كتب صاحب المنصورة عليه من القبائل ومن بني أعمامه، فذكر الأهنوم في جوابهم أنهم لما نزلوا المرة الأولى مع أحمد بن المؤيد وأنقذوا محمد بن أحمد صاحب المنصورة من الغرق لم ير لذلك منهم مروة، ولا جازى أحداً منهم من المصروف والكسوة. وهذا المخرج المطلوب إن كان فيه ما يحملهم من المصروف والزاد، ويكون لهم أمير يسير معهم بخزانة كاملة لما احتاجوه فهم يسيرون، وإن كان غير ذلك فهم باقون، فأرسل به القاسم صاحب شهارة إليه بجوابهم. وكان جواب قبائل بني الحارث وهمدان أن قد خرجوا الخرجة الأولة واحتاجوا حاجة شديدة ولهم جوامك مقطوعة، فإذا أرسلوا لهم بالجامكية إلى عندهم ساروا. وكذلك مثله جواب أهل الحيمة. وأما جواب صاحب صعدة فأجاب بأنه مشغول ببلاده والعسكر الذي عنده يحتاجهم للمحافظة عليها، مع أن قد تغلب عليه بلاد نجران ولم يتمكن من أخذ شيء من واجباتهم في هذا الزمان، وأنهم منعوا بلادهم بالرتب[115/ب] ولم يصل شيء منها. ومع اشتجار بلاد خولان واختلافهم فيما بينهم وهم العمدة معه وأكثر عسكره منهم، فلم يبق له يد عليهم نافذة، ثم ذكر أشياء من المطاعن في سيرة المؤيد من نحو ما كان يطعن به على والده المتوكل آخر مدته، كما سبق ذكره. ولكنه قدم كتاباً إلى المؤيد يذكر أنه إذا هو باني على الحركة فقد اجتمع له طائفة كثيرة، وشرط أن يعوضه في بلاد اليمن لأجل ما يحتاجه ومن معه، فتغافل عن جوابه للنظر كيف يكون خطابه، وما تمس إليه حاجته.
وكان من جملة كتب محمد صاحب المنصورة إلى المؤيد: إنك إن كنت باني على المعونة، وإلا ترفعنا عن هذه[115/أ] البلاد، فكان حاله فيها كحال مجير أم عامر ، فإنه كان في تلك الفتنة الأولة التي جرت في يافع معيناً ليافع على الدفع والإمداد لهم، كما تواترت به الأخبار عنه معهم، ثم هاهم رجعوا على بلاده ومحاربته.
وفي نصف صفر وصل الزوار فأخبروا أن الخير بالمدينة والحجاز كثير، سعر الكيلة أربعة كبار، وأن عند أحمد بن زيد جمع كثير من الخيل والرجل............. وأن الخيل وجدها تأتي قريب الألفين.
وفي هذه الأيام بشهر ربيع الأول عادت جوابات كتب صاحب المنصورة عليه من القبائل ومن بني أعمامه، فذكر الأهنوم في جوابهم أنهم لما نزلوا المرة الأولى مع أحمد بن المؤيد وأنقذوا محمد بن أحمد صاحب المنصورة من الغرق لم ير لذلك منهم مروة، ولا جازى أحداً منهم من المصروف والكسوة. وهذا المخرج المطلوب إن كان فيه ما يحملهم من المصروف والزاد، ويكون لهم أمير يسير معهم بخزانة كاملة لما احتاجوه فهم يسيرون، وإن كان غير ذلك فهم باقون، فأرسل به القاسم صاحب شهارة إليه بجوابهم. وكان جواب قبائل بني الحارث وهمدان أن قد خرجوا الخرجة الأولة واحتاجوا حاجة شديدة ولهم جوامك مقطوعة، فإذا أرسلوا لهم بالجامكية إلى عندهم ساروا. وكذلك مثله جواب أهل الحيمة. وأما جواب صاحب صعدة فأجاب بأنه مشغول ببلاده والعسكر الذي عنده يحتاجهم للمحافظة عليها، مع أن قد تغلب عليه بلاد نجران ولم يتمكن من أخذ شيء من واجباتهم في هذا الزمان، وأنهم منعوا بلادهم بالرتب[115/ب] ولم يصل شيء منها. ومع اشتجار بلاد خولان واختلافهم فيما بينهم وهم العمدة معه وأكثر عسكره منهم، فلم يبق له يد عليهم نافذة، ثم ذكر أشياء من المطاعن في سيرة المؤيد من نحو ما كان يطعن به على والده المتوكل آخر مدته، كما سبق ذكره. ولكنه قدم كتاباً إلى المؤيد يذكر أنه إذا هو باني على الحركة فقد اجتمع له طائفة كثيرة، وشرط أن يعوضه في بلاد اليمن لأجل ما يحتاجه ومن معه، فتغافل عن جوابه للنظر كيف يكون خطابه، وما تمس إليه حاجته.
وبسبب هذه الأحوال واختلاف الأنظار والتنازع حصلت الضعف في هذه الدولة، واستولى اليافعي على سوق بقار بحدود الدمنة وقعطبة، واصطلح هو وابن شعفل، وكانت أيديهما واحدة، وأمنوا طريقهم إلى جهات عدن، وأخذوا المجابي التي كانت بقعطبة على العادة السابقة.
وحسين بن محمد بن أحمد بن القاسم أبو طالب صاحب عمران لما سار من عمران إلى حجة، كما سبق ذكره، وكانت رسل المؤيد عنده، فلما تم عمله من استقراره المدة التي طلب لحنان أولاده، ذكر الرسل ما يكون الجواب وأنه يأذن لهم في العود، فأجاب بأنه يثقل عليه الارتحال، ويتعذر عليه الإجابة إلى دخول الحجرية وحدود يافع على كل حال وأنه باقٍ بين أهله ولا يتعرض في شيء، بل العهدة على السادة من بني جحاف في الولاية على العادة. ثم لما بلغه تحرك عمه من صعدة طلع وخرج من مبين وعاد إلى عمران، فعاد الرسل، وهو وقف في حصن مبين[116/أ] وأراد التباعد عن المؤيد وحفظ الحصن لأمل معه يريده من الدنيا والاستيلاء على تلك الجهة عند التمكن منها، كما قال تعالى: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا } . وصار كالمستجير في الحصن، لما قد أصابه من الهزيمة في البلاد اليافعية، وتلك القضية، وأنه إذا تمكن فهو يطلع من بعد إلى عند المؤيد، وتقاعد عن الحركة وحط رجله في العقبة، وظهر من حاله أنه في هذه الساعة راضٍ بما تيسر له، ولا يعرج على ما قطعه المؤيد إن قطع من معتاده من حجة إلى وقت تنزيعه إذا أمكنه آمال معه مبسوطة، والحكم لله العزيز في جميع الأعمال المقدرة.
فلما بلغه تحرك عمه من صعدة بجيوشه فتحرك حينئذٍ واستأنس وقوى جأشه، وقال: أما مع الإجتماع فتتوجه المسارعة إليه من غير نزاع، فطلع من حصن مبين وخرج عنه إلى عمران وبنى على السير مع الطلب، لكنه تثاقل كأنه ينتظر وصول عمه إن تم وصوله، وهو أقرب إلى العجز والملل. وعند أن عرف المؤيد أحواله أمر بقطع نصف دفعة حجة عنه، ولما تأهب الناس وخرج يحيى بن محمد من البستان، وكان قد تقدمه النقيب فرحان إلى جهات ذمار، وبلغ ابن العفيف ذلك ترجح لأن يبعث كتاباً إلى المؤيد، وإرسال دراهم من الواجبات، وقال: هو مطيع ومسلم للواجبات، ويعتذر مما جرى في أطراف الدمنة من قبله، والتعرض في ذلك إنما كان على وجه[116/ب] أنه وصل جماعة كالمستجيرين إليه وأنه بعث معهم من بعث، وليس قصده بذلك الخلاف مما فيه في الظاهر المخادعة. فحصل الشك مع المؤيد وقال: إذا الأمر هكذا فلا وجه حينئذٍ لقصده، وقال حسين بن حسن وغيره كيف الرجوع وقد تعبت في الكتب إلى كثير من الجهات؟ وقد ارتحل أولهم، هذا لا يصلح. وتقدم حسين بن حسن إلى رداع، ولما تحقق يافع هذا الاجتماع رفعوا رتبهم من سوق بقار وقعطبة، ولم يبق إلا جحاف، وكتب إلى المؤيد أنه قد كان وضع له تلك البلاد وغيرها محمد بن أحمد بن الحسن الأيام السابقة، وأما جحاف فاستبقاه، وقال إنه في الأصل من حدود بلاده. وكان قد أول العسكر وصلوا إلى يريم، فلما بلغ صاحب المنصورة بالإمداد جهز إلى جحاف جماعة من العسكر رئيسهم ولده إسماعيل وابن مغلس الحجري وغيره، فلما قاربوه هربت يافع إلى بلادهم، ودخل أصحاب محمد بن أحمد بن الحسن إلى جحاف، وكان هذا آخر شهر ربيع الأول.
وفي غرة شهر ربيع الثاني اتفق قران الزهرة والمريخ في برج الحوت.
وحسين بن محمد بن أحمد بن القاسم أبو طالب صاحب عمران لما سار من عمران إلى حجة، كما سبق ذكره، وكانت رسل المؤيد عنده، فلما تم عمله من استقراره المدة التي طلب لحنان أولاده، ذكر الرسل ما يكون الجواب وأنه يأذن لهم في العود، فأجاب بأنه يثقل عليه الارتحال، ويتعذر عليه الإجابة إلى دخول الحجرية وحدود يافع على كل حال وأنه باقٍ بين أهله ولا يتعرض في شيء، بل العهدة على السادة من بني جحاف في الولاية على العادة. ثم لما بلغه تحرك عمه من صعدة طلع وخرج من مبين وعاد إلى عمران، فعاد الرسل، وهو وقف في حصن مبين[116/أ] وأراد التباعد عن المؤيد وحفظ الحصن لأمل معه يريده من الدنيا والاستيلاء على تلك الجهة عند التمكن منها، كما قال تعالى: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا } . وصار كالمستجير في الحصن، لما قد أصابه من الهزيمة في البلاد اليافعية، وتلك القضية، وأنه إذا تمكن فهو يطلع من بعد إلى عند المؤيد، وتقاعد عن الحركة وحط رجله في العقبة، وظهر من حاله أنه في هذه الساعة راضٍ بما تيسر له، ولا يعرج على ما قطعه المؤيد إن قطع من معتاده من حجة إلى وقت تنزيعه إذا أمكنه آمال معه مبسوطة، والحكم لله العزيز في جميع الأعمال المقدرة.
فلما بلغه تحرك عمه من صعدة بجيوشه فتحرك حينئذٍ واستأنس وقوى جأشه، وقال: أما مع الإجتماع فتتوجه المسارعة إليه من غير نزاع، فطلع من حصن مبين وخرج عنه إلى عمران وبنى على السير مع الطلب، لكنه تثاقل كأنه ينتظر وصول عمه إن تم وصوله، وهو أقرب إلى العجز والملل. وعند أن عرف المؤيد أحواله أمر بقطع نصف دفعة حجة عنه، ولما تأهب الناس وخرج يحيى بن محمد من البستان، وكان قد تقدمه النقيب فرحان إلى جهات ذمار، وبلغ ابن العفيف ذلك ترجح لأن يبعث كتاباً إلى المؤيد، وإرسال دراهم من الواجبات، وقال: هو مطيع ومسلم للواجبات، ويعتذر مما جرى في أطراف الدمنة من قبله، والتعرض في ذلك إنما كان على وجه[116/ب] أنه وصل جماعة كالمستجيرين إليه وأنه بعث معهم من بعث، وليس قصده بذلك الخلاف مما فيه في الظاهر المخادعة. فحصل الشك مع المؤيد وقال: إذا الأمر هكذا فلا وجه حينئذٍ لقصده، وقال حسين بن حسن وغيره كيف الرجوع وقد تعبت في الكتب إلى كثير من الجهات؟ وقد ارتحل أولهم، هذا لا يصلح. وتقدم حسين بن حسن إلى رداع، ولما تحقق يافع هذا الاجتماع رفعوا رتبهم من سوق بقار وقعطبة، ولم يبق إلا جحاف، وكتب إلى المؤيد أنه قد كان وضع له تلك البلاد وغيرها محمد بن أحمد بن الحسن الأيام السابقة، وأما جحاف فاستبقاه، وقال إنه في الأصل من حدود بلاده. وكان قد أول العسكر وصلوا إلى يريم، فلما بلغ صاحب المنصورة بالإمداد جهز إلى جحاف جماعة من العسكر رئيسهم ولده إسماعيل وابن مغلس الحجري وغيره، فلما قاربوه هربت يافع إلى بلادهم، ودخل أصحاب محمد بن أحمد بن الحسن إلى جحاف، وكان هذا آخر شهر ربيع الأول.
وفي غرة شهر ربيع الثاني اتفق قران الزهرة والمريخ في برج الحوت.
#رحلات_في_الجزيرة_العربية_د.
بركاء ـ المصنعة ـ السويق
الخامس والعشرون من فبراير / شباط : في الساعة الثانية والدقيقة العاشرة غادرنا مخيمنا. كانت حياتنا في هذه البقعة في منتهى الكآبة والرتابة مما دفع الجميع إلى عدم الشعور بالحزن لمفارقتها. ولغرض عدم إغراء القبائل المتهورة التي سنوشك على الاختلاط بها بنهب ما نملك ، فقد قللنا من متاعنا حتى بات عبارة عن صندوق واحد والجزء الداخلي من الخيمة. وبهذا انخفض عدد الإبل إلى خمسة وهو نفس عدد أفراد المجموعة.
بعد مغادرتنا ضواحي القرية ، واصلنا حتى الساعة الرابعة والنصف اجتياز سلسلة من الحدائق والمناطق المزروعة بالنباتات الكثيفة. وكانت حقول القمح والشعير تبرز من بين التربة السوداء. وفي الساعة الخامسة والنصف ، داهمتنا عاصفة شديدة فشعرنا بالسعادة عند ما حصلنا على مأوى في مبنى بائس يدعى حصن Bedowih. هطلت الأمطار بغزارة ، وكان البرق والرعد شديدين حقا. في بعض الأحيان انقلبت العاصفة إلى إعصار وبان الهلع على الإبل حتى أنها ، رغم أنها تجولت بعيدا بحثا عن العشب ، تجمعت من حول الباب كلما انفتح وسعت إلى الدخول. كانت بعض النساء اللواتي لحقن بالجماعة من (السيب) يبكين طيلة الليل من شدة الخوف والبرد ، إذ كان السقف في المكان الصغير الذي احتشدنا فيه يسمح بنفاذ الماء في كل اتجاه ، وكان كل واحد منا مبللا تماما. وشعرت بسعادة غامرة عند ما انبلج الصبح وسمح لنا بالخروج من جحرنا وتدفئة أو صالنا المتشنجة.
الجمعة ، السادس والعشرون من فبراير / شباط : ملأت أمطار الليلة الفائتة قيعان جميع الجداول الجافة. وبعد أن فاضت المياه فوق ضفافها ، بدأت تندفع اندفاعا شديدا صوب البحر. وتمكنا بسهولة من قطع جميع هذه الجداول ونحن على ظهور الإبل ، لكن في حالات كثيرة ، كانت أقدام الحمير البائسة التي تسير أمامنا ، تزل في عنف التيار وتوشك على الهلاك. كان كل جزء من أجزاء الطريق يمتلئ بمياه الفيضان ونتيجة لذلك أضعنا أي أثر
بركاء ـ المصنعة ـ السويق
الخامس والعشرون من فبراير / شباط : في الساعة الثانية والدقيقة العاشرة غادرنا مخيمنا. كانت حياتنا في هذه البقعة في منتهى الكآبة والرتابة مما دفع الجميع إلى عدم الشعور بالحزن لمفارقتها. ولغرض عدم إغراء القبائل المتهورة التي سنوشك على الاختلاط بها بنهب ما نملك ، فقد قللنا من متاعنا حتى بات عبارة عن صندوق واحد والجزء الداخلي من الخيمة. وبهذا انخفض عدد الإبل إلى خمسة وهو نفس عدد أفراد المجموعة.
بعد مغادرتنا ضواحي القرية ، واصلنا حتى الساعة الرابعة والنصف اجتياز سلسلة من الحدائق والمناطق المزروعة بالنباتات الكثيفة. وكانت حقول القمح والشعير تبرز من بين التربة السوداء. وفي الساعة الخامسة والنصف ، داهمتنا عاصفة شديدة فشعرنا بالسعادة عند ما حصلنا على مأوى في مبنى بائس يدعى حصن Bedowih. هطلت الأمطار بغزارة ، وكان البرق والرعد شديدين حقا. في بعض الأحيان انقلبت العاصفة إلى إعصار وبان الهلع على الإبل حتى أنها ، رغم أنها تجولت بعيدا بحثا عن العشب ، تجمعت من حول الباب كلما انفتح وسعت إلى الدخول. كانت بعض النساء اللواتي لحقن بالجماعة من (السيب) يبكين طيلة الليل من شدة الخوف والبرد ، إذ كان السقف في المكان الصغير الذي احتشدنا فيه يسمح بنفاذ الماء في كل اتجاه ، وكان كل واحد منا مبللا تماما. وشعرت بسعادة غامرة عند ما انبلج الصبح وسمح لنا بالخروج من جحرنا وتدفئة أو صالنا المتشنجة.
الجمعة ، السادس والعشرون من فبراير / شباط : ملأت أمطار الليلة الفائتة قيعان جميع الجداول الجافة. وبعد أن فاضت المياه فوق ضفافها ، بدأت تندفع اندفاعا شديدا صوب البحر. وتمكنا بسهولة من قطع جميع هذه الجداول ونحن على ظهور الإبل ، لكن في حالات كثيرة ، كانت أقدام الحمير البائسة التي تسير أمامنا ، تزل في عنف التيار وتوشك على الهلاك. كان كل جزء من أجزاء الطريق يمتلئ بمياه الفيضان ونتيجة لذلك أضعنا أي أثر
للطريق وبعد التخبط والتعثر إلى الحد الذي غطتنا فيه الأوحال ، أقنعت (علي ابن ميغاتي)(Megati) بالتوجه إلى ساحل البحر. كان الفلاجون الذين صادفناهم في طريقنا في سعادة غامرة يتوقعون حصادا وفيرا وكلأ غنيا ترعى فيه قطعانهم. والحق أن مما يثير الدهشة الشديدة ملاحظة التحول الذي تحدثه زخة مطر واحدة في سطح هذه البلاد. فأكثر البقاع الجرداء والمجدبة تصبح مكسوة بطبقة رقيقة من الشعب مما يغير معه وجه البلاد. إلا أن هذا لا يدوم طويلا ، لأن قطرات الندى في الليل توفر الغذاء لفترة قصيرة من الزمن وتعقبها حرارة الشمس الشديدة التي تحيل كل شيء بعد أسبوع أو عشرة أيام إلى قفر وجفاف كما في السابق.
كانت (بركاء) في السابق مصيفا للإمام ، وفيها تخلص الإمام بواسطة خدعة بارعة من خاله شديد المراس سيف بن Buddu (*).
تشتهر (بركاء) حاليا بحصنها الذي يبدو واضحا من جهة البحر نظرا لارتفاعه الشاهق وحجمه الضخم. وقد نصبت فوقه ثلاثون قطعة مدفعية ، إلا أنها لا تلقى عناية كبيرة مما يتعذر إطلاق نار نصف عددها. ومع هذا فالعرب يعتقدون أن الحصن منيع ، ولكن بقدر ما يتعلق الأمر بهم فإنهم على خطأ لأن الجهل المطبق في مثل هذه الحالات يشترك فيه المهاجمون والمحاصرون ، وتكفي الوسائل التي يمتلكها الطرف الأول لقهر المزايا التي يمتلكها الطرف الثاني. كانت امرأة (السيد هلال) موجودة في هذا المكان أثناء زيارتي ولهذا السبب لم يسمح لنا بالذهاب إلى ما هو أبعد من أحد الأبراج القريبة من المدخل. ومن قمة هذا البرج ، حصلت على مجموعة قياسات دقيقة ومنظر جميل للمدينة والمناطق المجاورة لها. كان الحصن محاطا ، وعلى بعد مسافة مائتي ياردة من كل جانب ، بسور ذي أبراج مستدقة ، وفي المنطقة المحصورة بينهما ـ أي السور والحصن ـ بعض البيوت الجميلة.
وشاهدت أن العديد من هذه البيوت ذات أعمدة في مقدمتها وتدعم رواقا غير مهندم
______
(*) كذا في الأصل الإنجليزي وصوابه ابن عمه بدر بن سيف. وقد حدث ذلك عام ١٨٠٧ م في قرية تسمى (نعمان) وفقا لما ورد في المصادر التاريخية العمانية. تجدر الإشارة إلى أن بعض المصادر التاريخية العمانية تذكر أن بدر بن سيف كان خال السيد سعيد وابن عمه في نفس الوقت.
كانت (بركاء) في السابق مصيفا للإمام ، وفيها تخلص الإمام بواسطة خدعة بارعة من خاله شديد المراس سيف بن Buddu (*).
تشتهر (بركاء) حاليا بحصنها الذي يبدو واضحا من جهة البحر نظرا لارتفاعه الشاهق وحجمه الضخم. وقد نصبت فوقه ثلاثون قطعة مدفعية ، إلا أنها لا تلقى عناية كبيرة مما يتعذر إطلاق نار نصف عددها. ومع هذا فالعرب يعتقدون أن الحصن منيع ، ولكن بقدر ما يتعلق الأمر بهم فإنهم على خطأ لأن الجهل المطبق في مثل هذه الحالات يشترك فيه المهاجمون والمحاصرون ، وتكفي الوسائل التي يمتلكها الطرف الأول لقهر المزايا التي يمتلكها الطرف الثاني. كانت امرأة (السيد هلال) موجودة في هذا المكان أثناء زيارتي ولهذا السبب لم يسمح لنا بالذهاب إلى ما هو أبعد من أحد الأبراج القريبة من المدخل. ومن قمة هذا البرج ، حصلت على مجموعة قياسات دقيقة ومنظر جميل للمدينة والمناطق المجاورة لها. كان الحصن محاطا ، وعلى بعد مسافة مائتي ياردة من كل جانب ، بسور ذي أبراج مستدقة ، وفي المنطقة المحصورة بينهما ـ أي السور والحصن ـ بعض البيوت الجميلة.
وشاهدت أن العديد من هذه البيوت ذات أعمدة في مقدمتها وتدعم رواقا غير مهندم
______
(*) كذا في الأصل الإنجليزي وصوابه ابن عمه بدر بن سيف. وقد حدث ذلك عام ١٨٠٧ م في قرية تسمى (نعمان) وفقا لما ورد في المصادر التاريخية العمانية. تجدر الإشارة إلى أن بعض المصادر التاريخية العمانية تذكر أن بدر بن سيف كان خال السيد سعيد وابن عمه في نفس الوقت.
البناء. لم يسبق لي ملاحظة مثل هذا الطراز في أي جزء من أجزاء جزيرة العرب. أما بقية المنازل فهي عبارة عن أكواخ تضم بين جدرانها العدد الأكبر من السكان.
يبلغ عدد سكان المنطقة حوالي أربعة آلاف نسمة بما في ذلك النساء والأطفال. ويشتغل عدد كبير من هؤلاء السكان ، كما هو شأن بقية الأجزاء الساحلية ، في الصيد ، في حين يهتم الآخرون برعاية أشجار النخيل. أما السوق فمزدحم ويتقاطر عليه البدو من مختلف المناطق المجاورة لشراء الحبوب والأقمشة ، كما أن كل ما يتوفر في (مسقط) تجده متوفرا هنا. والمرسى في (بركاء) عبارة عن مكان مفتوح لرسو السفن لا يوفر أي حماية من الرياح. وتنطبق الملاحظة نفسها على سكان كل مدينة تقريبا في الساحل ، ولهذا لا نجد إلا عددا قليلا من مراكب (البغلة) تقوم بمهام تجارية على امتداد الساحل. ويتم نقل البضاعة من (مسقط) وإليها بوساطة قوارب صغيرة حمولتها تتراوح بين ثلاثين إلى أربعين طن. ومع ازدياد الأحوال الجوية سوءا ، فإنه يسهل جذب مثل هذه الزوارق الصغيرة إلى الساحل لتتفادى هيجان البحر.
وتبلغ العائدات الإجمالية في (بركاء) ما بين ثلاثمائة إلى أربعمائة دولار سنويا. وتأتي هذه العوائد بالدرجة الأساس من التمور التي تفرض عليها رسوم تقدر بعشرة بالمائة شأنها شأن كل الصادرات والواردات. ويحتفظ الإمام بقوة صغيرة تقدر بمائتي رجل تدفع رواتبهم جزئيا من هذه الضرائب.
الأحد ، الثامن والعشرون : أمضينا النهار ونحن نستمع إلى بعض قضايا المحاكم ذات الصلة أساسا بالديون والمخالفات البسيطة التي يحكم فيها القاضي. هطلت الأمطار مدرارا طيلة اليوم ، وتعذر علينا السفر ، إلا أننا استمتعنا استمتاعا كبيرا ونحن نراقب المشاهد الكثيرة التي تحدث في السوق. فالبائع يضع مختلف حاجاته في كومة أمامه ويجلس إلى جوارها. وإذا ما اقترب أحد المشترين ، فإنه يتم التوصل إلى اتفاق بين الاثنين بعد كلام قصير. لكن انظر إلى الاختلاف. فعلى مسافة بضع ياردات ، تجلس امرأة تبيع الحبوب ، فتقترب منها إحدى النساء بهدف الشراء ، فتتواصل حرب الكلمات بين الاثنتين إلى قرابة نصف ساعة دون أن تبدو أي بارقة أمل بالتوصل إلى نتيجة. وثمة غلام ومعه سلة تمر يضعها فوق رأسه وهو يرزح
103
يبلغ عدد سكان المنطقة حوالي أربعة آلاف نسمة بما في ذلك النساء والأطفال. ويشتغل عدد كبير من هؤلاء السكان ، كما هو شأن بقية الأجزاء الساحلية ، في الصيد ، في حين يهتم الآخرون برعاية أشجار النخيل. أما السوق فمزدحم ويتقاطر عليه البدو من مختلف المناطق المجاورة لشراء الحبوب والأقمشة ، كما أن كل ما يتوفر في (مسقط) تجده متوفرا هنا. والمرسى في (بركاء) عبارة عن مكان مفتوح لرسو السفن لا يوفر أي حماية من الرياح. وتنطبق الملاحظة نفسها على سكان كل مدينة تقريبا في الساحل ، ولهذا لا نجد إلا عددا قليلا من مراكب (البغلة) تقوم بمهام تجارية على امتداد الساحل. ويتم نقل البضاعة من (مسقط) وإليها بوساطة قوارب صغيرة حمولتها تتراوح بين ثلاثين إلى أربعين طن. ومع ازدياد الأحوال الجوية سوءا ، فإنه يسهل جذب مثل هذه الزوارق الصغيرة إلى الساحل لتتفادى هيجان البحر.
وتبلغ العائدات الإجمالية في (بركاء) ما بين ثلاثمائة إلى أربعمائة دولار سنويا. وتأتي هذه العوائد بالدرجة الأساس من التمور التي تفرض عليها رسوم تقدر بعشرة بالمائة شأنها شأن كل الصادرات والواردات. ويحتفظ الإمام بقوة صغيرة تقدر بمائتي رجل تدفع رواتبهم جزئيا من هذه الضرائب.
الأحد ، الثامن والعشرون : أمضينا النهار ونحن نستمع إلى بعض قضايا المحاكم ذات الصلة أساسا بالديون والمخالفات البسيطة التي يحكم فيها القاضي. هطلت الأمطار مدرارا طيلة اليوم ، وتعذر علينا السفر ، إلا أننا استمتعنا استمتاعا كبيرا ونحن نراقب المشاهد الكثيرة التي تحدث في السوق. فالبائع يضع مختلف حاجاته في كومة أمامه ويجلس إلى جوارها. وإذا ما اقترب أحد المشترين ، فإنه يتم التوصل إلى اتفاق بين الاثنين بعد كلام قصير. لكن انظر إلى الاختلاف. فعلى مسافة بضع ياردات ، تجلس امرأة تبيع الحبوب ، فتقترب منها إحدى النساء بهدف الشراء ، فتتواصل حرب الكلمات بين الاثنتين إلى قرابة نصف ساعة دون أن تبدو أي بارقة أمل بالتوصل إلى نتيجة. وثمة غلام ومعه سلة تمر يضعها فوق رأسه وهو يرزح
103
#عدن
سقوط الستار مذكرات ضابط بريطاني في عدن
المذابح العرضية
هل تسمع
عن أفعال جسدية ودموية وغير طبيعية ،
عن أحكام عرضية ، مذابح عابرة ،
عن وفيات ناتجة عن الماكرة والقوة ،
وفي هذه النتيجة ، أخطأت الأغراض ،
سقطت على رؤوس المخترعين.
من هاملت: الفصل الخامس ، المشهد الثاني.
حكومة العمل
كان هارولد ويلسون قد فاز في الانتخابات العامة في أكتوبر 1964. وعين أنتوني غرينوود وزيراً للمستعمرات والكومنولث ، ومايكل ستيوارت وزيراً للخارجية ، ودينيس هيلي في وزارة الدفاع.
وصلت إلى عدن بعد ثمانية أشهر من تولي الحكومة الجديدة السلطة ، وأول ما عرفته هو أن المظاهر كانت خادعة. لم يكن دور المفوض السامي هو صنع السياسة: فقد كان يخضع لرقابة وثيقة وصارمة من قبل مجلس الوزراء مع وزير المستعمرات في المقدمة. كان أحد الإجراءات الأولى التي اتخذها غرينوود هو إقالة المفوض السامي السابق ، السير كينيدي تريفاسكيس ، وبالتالي جعل السير ريتشارد يلعب دوره مع إظهار السلطة الحازمة لمجلس الوزراء على السياسة في جنوب الجزيرة العربية. لقد أوضحوا أنهم يقصدون الحكم من وايتهول بدلاً من ترك إدارة الشؤون للرجل على الفور. في تناقض حاد مع موقف السير ريتشارد عندما كان حاكم دار السلام ، لم يكن لديه سلطة تقديرية كبيرة في عدن ، وكانت وظيفته أن يفعل بالضبط ما أخبرته به حكومة لندن.
كانت الأهداف المعلنة لهذه الحكومة عند توليها السلطة كما يلي: الحفاظ على القاعدة العسكرية ؛ لتحقيق التقارب مع عبد الناصر ، وعلى وجه الخصوص ، لثنيه عن محاولة طردنا من الشرق الأوسط ، بما في ذلك عدن ؛ وتحويل جنوب الجزيرة العربية إلى "دولة موحدة" قابلة للحياة يمكن للبريطانيين منحها الاستقلال. حيث قامت حكومة المحافظين السابقة بتمويل ودعم حكام الولايات الصغيرة في كل من المحميات الغربية والشرقية ، كان غرينوود يكرههم ولا يثق بهم. كان ينوي إنشاء هيكل ديمقراطي واحد يضم جميع شعوب WAP و EAP ومدينة عدن. أراد أن يعمل الحكام داخل النظام أو يتركوا المشهد ، وعبر عن نفسه غير مكترث بمصيرهم.
كانت محاولته الأولى لتحقيق أهدافه هي اقتراح مؤتمر دستوري يجمع جميع الأطراف حول المائدة لوضع مخطط متفق عليه لجنوب شبه الجزيرة العربية ككل. رأى الفدراليون في هذا الاقتراح تهديدًا لمواقفهم ، ورفضوا التعاون فيه. لم يكن لديهم أي اهتمام بالديمقراطية لأنهم كانوا يعلمون أنها ستدمر سلطتهم ، وكان لديهم اهتمام أقل بالتعاون مع السياسيين الوطنيين في دولة عدن الذين سيكتسحونهم جانبًا إذا أتيحت لهم نصف فرصة. خلال الشهر الذي سبق وصولي ، انسحب كل طرف آخر أيضًا ، معتبراً الوضع الراهن أفضل من أي تنازل عن الحكم الذاتي المحلي.
بموافقة غرينوود ، طرح سعادة بعد ذلك فكرة اللجنة الدستورية ، وهي مجموعة من الخبراء الخارجيين للحضور دون شروط مسبقة وتقديم المشورة الرسمية بشأن أفضل طريقة للمضي قدمًا. على الرغم من التحضير الدقيق من قبل سعادة ، إلا أن هذا المخطط أيضًا لاقى استقبالًا قويًا. رفض سلاطين EAP النظر في الأمر. لم يقتصر الأمر على عدم ثقة الفدراليين بها للأسباب نفسها كما كانت من قبل ، بل كره مكاوي ، رئيس وزراء عدن ، لأنه كان يخشى أن يطغى الحكام على عدن. واحتجاجًا على الفكرة ذاتها ، رتب لأعضاء المجلس الأعلى للاتحاد في عدن الاستقالة الجماعية - وبالتالي إخراج عدن فعليًا من الاتحاد.
وصلت استقالات عدني إلى مقر الحكومة في اليوم الذي بدأت فيه العمل هناك وأثارت الذعر عندما أبلغت مكتب المستعمرات. كتبت إلى المنزل أن البرقيات كانت تطير ذهابًا وإيابًا طوال اليوم بينما كان كل من الفدراليين والساسة العدني ينتقدون علنًا المفهوم الكامل للمفوضية ، مع كل علامة على تفجير كامل في الأماكن العامة ، كما أصفها. لم يستغرق الأمر وقتًا طويلاً حتى أكتشف أن هذا كان وضعًا طبيعيًا إلى حد ما - كان سعادة السفير والمفوضية العليا يعيشون على حافة بركان هدير من المحتمل أن يندلع في أي لحظة. هون والسير جاوين بيل ، كانا يعملان في لندن للتوصية بدستور مناسب لجنوب شبه الجزيرة العربية. تم منعهما من عدن على الفور من قبل مكاوي كمهاجرين غير شرعيين ، لكنهم بذلوا قدرًا كبيرًا من الجهد في عملهم في المنزل بدعم من وزارة الخارجية والاستعمار ؛ وأبقىهم في اللعب لعدة أشهر حتى تمكنوا من تقديم مجموعة من التوصيات الإيجابية.
سقوط الستار مذكرات ضابط بريطاني في عدن
المذابح العرضية
هل تسمع
عن أفعال جسدية ودموية وغير طبيعية ،
عن أحكام عرضية ، مذابح عابرة ،
عن وفيات ناتجة عن الماكرة والقوة ،
وفي هذه النتيجة ، أخطأت الأغراض ،
سقطت على رؤوس المخترعين.
من هاملت: الفصل الخامس ، المشهد الثاني.
حكومة العمل
كان هارولد ويلسون قد فاز في الانتخابات العامة في أكتوبر 1964. وعين أنتوني غرينوود وزيراً للمستعمرات والكومنولث ، ومايكل ستيوارت وزيراً للخارجية ، ودينيس هيلي في وزارة الدفاع.
وصلت إلى عدن بعد ثمانية أشهر من تولي الحكومة الجديدة السلطة ، وأول ما عرفته هو أن المظاهر كانت خادعة. لم يكن دور المفوض السامي هو صنع السياسة: فقد كان يخضع لرقابة وثيقة وصارمة من قبل مجلس الوزراء مع وزير المستعمرات في المقدمة. كان أحد الإجراءات الأولى التي اتخذها غرينوود هو إقالة المفوض السامي السابق ، السير كينيدي تريفاسكيس ، وبالتالي جعل السير ريتشارد يلعب دوره مع إظهار السلطة الحازمة لمجلس الوزراء على السياسة في جنوب الجزيرة العربية. لقد أوضحوا أنهم يقصدون الحكم من وايتهول بدلاً من ترك إدارة الشؤون للرجل على الفور. في تناقض حاد مع موقف السير ريتشارد عندما كان حاكم دار السلام ، لم يكن لديه سلطة تقديرية كبيرة في عدن ، وكانت وظيفته أن يفعل بالضبط ما أخبرته به حكومة لندن.
كانت الأهداف المعلنة لهذه الحكومة عند توليها السلطة كما يلي: الحفاظ على القاعدة العسكرية ؛ لتحقيق التقارب مع عبد الناصر ، وعلى وجه الخصوص ، لثنيه عن محاولة طردنا من الشرق الأوسط ، بما في ذلك عدن ؛ وتحويل جنوب الجزيرة العربية إلى "دولة موحدة" قابلة للحياة يمكن للبريطانيين منحها الاستقلال. حيث قامت حكومة المحافظين السابقة بتمويل ودعم حكام الولايات الصغيرة في كل من المحميات الغربية والشرقية ، كان غرينوود يكرههم ولا يثق بهم. كان ينوي إنشاء هيكل ديمقراطي واحد يضم جميع شعوب WAP و EAP ومدينة عدن. أراد أن يعمل الحكام داخل النظام أو يتركوا المشهد ، وعبر عن نفسه غير مكترث بمصيرهم.
كانت محاولته الأولى لتحقيق أهدافه هي اقتراح مؤتمر دستوري يجمع جميع الأطراف حول المائدة لوضع مخطط متفق عليه لجنوب شبه الجزيرة العربية ككل. رأى الفدراليون في هذا الاقتراح تهديدًا لمواقفهم ، ورفضوا التعاون فيه. لم يكن لديهم أي اهتمام بالديمقراطية لأنهم كانوا يعلمون أنها ستدمر سلطتهم ، وكان لديهم اهتمام أقل بالتعاون مع السياسيين الوطنيين في دولة عدن الذين سيكتسحونهم جانبًا إذا أتيحت لهم نصف فرصة. خلال الشهر الذي سبق وصولي ، انسحب كل طرف آخر أيضًا ، معتبراً الوضع الراهن أفضل من أي تنازل عن الحكم الذاتي المحلي.
بموافقة غرينوود ، طرح سعادة بعد ذلك فكرة اللجنة الدستورية ، وهي مجموعة من الخبراء الخارجيين للحضور دون شروط مسبقة وتقديم المشورة الرسمية بشأن أفضل طريقة للمضي قدمًا. على الرغم من التحضير الدقيق من قبل سعادة ، إلا أن هذا المخطط أيضًا لاقى استقبالًا قويًا. رفض سلاطين EAP النظر في الأمر. لم يقتصر الأمر على عدم ثقة الفدراليين بها للأسباب نفسها كما كانت من قبل ، بل كره مكاوي ، رئيس وزراء عدن ، لأنه كان يخشى أن يطغى الحكام على عدن. واحتجاجًا على الفكرة ذاتها ، رتب لأعضاء المجلس الأعلى للاتحاد في عدن الاستقالة الجماعية - وبالتالي إخراج عدن فعليًا من الاتحاد.
وصلت استقالات عدني إلى مقر الحكومة في اليوم الذي بدأت فيه العمل هناك وأثارت الذعر عندما أبلغت مكتب المستعمرات. كتبت إلى المنزل أن البرقيات كانت تطير ذهابًا وإيابًا طوال اليوم بينما كان كل من الفدراليين والساسة العدني ينتقدون علنًا المفهوم الكامل للمفوضية ، مع كل علامة على تفجير كامل في الأماكن العامة ، كما أصفها. لم يستغرق الأمر وقتًا طويلاً حتى أكتشف أن هذا كان وضعًا طبيعيًا إلى حد ما - كان سعادة السفير والمفوضية العليا يعيشون على حافة بركان هدير من المحتمل أن يندلع في أي لحظة. هون والسير جاوين بيل ، كانا يعملان في لندن للتوصية بدستور مناسب لجنوب شبه الجزيرة العربية. تم منعهما من عدن على الفور من قبل مكاوي كمهاجرين غير شرعيين ، لكنهم بذلوا قدرًا كبيرًا من الجهد في عملهم في المنزل بدعم من وزارة الخارجية والاستعمار ؛ وأبقىهم في اللعب لعدة أشهر حتى تمكنوا من تقديم مجموعة من التوصيات الإيجابية.
مايو 1965 - كبار الزوار
كان قدرًا كبيرًا من عملي كسكرتير خاص يرحب بزوار سعادة السفير وإجراء المقابلات معهم بين اجتماعاته المتكررة مع الحكام الاتحاديين ووزراء عدني. أول من جاء عندما كنت في المنصب كان الجنرال السير ريتشارد هال ، رئيس هيئة الأركان العامة (CIGS). عرف السير ريتشارد سعادته من خلال اتصالات في لندن ، وأنا متأكد من أنه جاء للتعبير عن قلقه على جنوده المكشوفين على الأرض ، وللموافقة على تعزيز الضغط على مجلس الوزراء في الداخل لتزويد القوات المسلحة في عدن بالموارد الكافية للسيطرة. الإرهاب المتنامي. تم عرض CIGS في جولة عدن من قبل CinC و HE ، وتم نقله لمناقشة الوضع مع Federalis في الاتحاد الذين رددوا بلا شك مخاوفه بشأن العنف في المدينة.
مباشرة بعد مغادرة CIGS ، جاء المشير الجوي السير جون غراندي ، قائد قيادة الشرق الأقصى من سنغافورة في زيارة لمدة ثلاثة أيام كضيف في GH. لقد كان بطل حرب آخر لسلاح الجو الملكي البريطاني وزميل سابق مقرب من AOC ، جوني جونسون. بينما كان بإمكان السير جون أن يقدم لنا القليل من المساعدة من مقره في سنغافورة ، إلا أنه كان من المفيد بلا شك أن يتمكن CinC و HE من مقارنة الملاحظة معه.
بعد ذلك ، جاء تيد إير ، المقيم في EAP ، من المكلا للإقامة في GH لمدة يومين لإطلاع سعادة السفير على الأوضاع في القعيطي والكثيري. تبع تيد أحد أسلافه كمستشار مقيم في المكلا في الخمسينيات من القرن الماضي. كان الكولونيل السير هيو بوستيد أحد أعظم الشخصيات في جنوب الجزيرة العربية ، غريب الأطوار مرحًا نجح في الحفاظ على السلام في المحمية الشرقية لمدة عقد من الزمان ، بعد أن كان سابقًا رياضيًا أولمبيًا ومتسلق جبال عظيمًا. بعد سن التقاعد ، كان يبحث عن وظيفة أخيرة معنا. اخترنا عقله ، وأقام معه حفل عشاء كبير بين زملائه السابقين ، لكن بينهم أعتقد أنهم استنتجوا أنه كان سيجد العمل في حكومة حزب العمال أكثر صعوبة مما فعله سعادة.
ضيوفنا القادمون في GH كانوا Duncan Sandys وزوجته - نسمة من الهواء النقي الرائع. استمتعنا جميعًا بزيارتهم ورُتبت لهم الرحلة وحفلتهم إلى Beihan الموصوفة في فصل سابق.
بعد وقت قصير من رحيل سانديز ، وصل دينيس هيلي. لقد فهمنا أن وزارته كانت تجري مراجعة دفاعية رئيسية وتقوم بصياغة كتاب أبيض للدفاع ، والذي سيغطي مستقبل قاعدة عدن ؛ لذلك كان CinC و HE حريصين على ضمان حصوله على إحاطة شاملة. بقيت وزيرة الخارجية معنا أثناء قيامها بجولة في جنوب شبه الجزيرة العربية لمدة أسبوع كضيف سينك. بالإضافة إلى ذلك ، أمضى هيلي يومًا كاملاً مع سعادة في الاتحاد للقاء جميع الحكام في المجلس الأعلى للاتحاد ، ويومين في EAP للتحدث مع السلاطين في المكلا وسيئون. واختتم وزير الدفاع جولته بيوم آخر مع سياسيين من عدني وقادة ATUC. وبين ذلك ، أقام فريق Turnbulls السيد Healey آخر من حفلات العشاء الكبيرة التي تمت دعوة جميع كبار الشخصيات لدينا إليها.
بدت العلاقات بين سعادة السفير وزائره سهلة ومرتاحة ، فقد تعرفا على بعضهما البعض عندما كان الضيوف معًا خلال احتفالات استقلال أوغندا ، وفي مناسبات أخرى عندما تم إطلاعه على وظيفته في عدن. كان دينيس مبتهجًا ومنفتحًا ، وقدم ضيفًا لطيفًا. مع نشأته اليسارية وخلفيته ، لم يكن لديه وقت كافٍ للشيوخ الإقطاعيين. كان لديه وقت أقل لمكاوي ، والسياسيين العدنيين الآخرين وزعماء النقابات الذين انتقدوا بشكل علني قواتنا وشجعوا الجبهة الوطنية للتحرير على مهاجمتها.
من هيلي ، سمعت لأول مرة قصة الضفدع والعقرب ، التي تردد صداها معنا في المفوضية العليا في ذلك الوقت.
"على ضفاف نهر النيل ، اقترب عقرب من ضفدع وقال:" أنا بحاجة إلى عبور النهر. هل تسمح لي من فضلك بالتسلق على ظهرك ونقلني إلى الضفة البعيدة؟ "
أجاب الضفدع: `` لا ، لن آخذك عبرها ''. إذا حملتك على ظهري ، فأنا أعلم أنك ستلسعني في منتصف الطريق ، وسوف تشلني وسوف أغرق.
"لا تكن غبيا!" قال العقرب. "إذا فعلت ذلك ، يجب أن أغرق أيضًا".
قال الضفدع بعد المزيد من الإقناع: "حسنًا". "استلق على ظهري وسأحملك عبر".
لذلك انطلقوا معًا. سبح الضفدع بقوة باتجاه الجانب الآخر من النهر مع العقرب على ظهره. في منتصف الطريق ، شعر بأن العقرب يلدغه ؛ توقفت أطرافه ، وشعر بألم حاد وعرف أنه سيغرق.
"لكن لماذا لسعتني هكذا؟" بكى الضفدع. "الآن سأغرق بالتأكيد وستغرق معي".
أجاب الآخر: "لم أستطع مساعدة نفسي". "ترى أنا عقرب عربي".
لقد غرقوا معا وجرفهم نهر النيل العظيم ".
في وقت متأخر من إحدى الأمسيات كان هو وهاي يتبادلان التعليقات الخشنة إلى حد ما حول إرث السياسة الاستعمارية البريطانية ، ولاحظ معالي الوزير بطريقة غير مألوفة أن الإمبراطورية البريطانية ستترك اثنتين فقط من المعالم الأثرية وراءها: "كرة القدم والتعبير" F ** off ! " كنت مهتمًا بعدم تصديق أي من الرجلين أننا سوف ننقل مفهوم الديمقراطية الدستورية ، ولا يزال نموذج
كان قدرًا كبيرًا من عملي كسكرتير خاص يرحب بزوار سعادة السفير وإجراء المقابلات معهم بين اجتماعاته المتكررة مع الحكام الاتحاديين ووزراء عدني. أول من جاء عندما كنت في المنصب كان الجنرال السير ريتشارد هال ، رئيس هيئة الأركان العامة (CIGS). عرف السير ريتشارد سعادته من خلال اتصالات في لندن ، وأنا متأكد من أنه جاء للتعبير عن قلقه على جنوده المكشوفين على الأرض ، وللموافقة على تعزيز الضغط على مجلس الوزراء في الداخل لتزويد القوات المسلحة في عدن بالموارد الكافية للسيطرة. الإرهاب المتنامي. تم عرض CIGS في جولة عدن من قبل CinC و HE ، وتم نقله لمناقشة الوضع مع Federalis في الاتحاد الذين رددوا بلا شك مخاوفه بشأن العنف في المدينة.
مباشرة بعد مغادرة CIGS ، جاء المشير الجوي السير جون غراندي ، قائد قيادة الشرق الأقصى من سنغافورة في زيارة لمدة ثلاثة أيام كضيف في GH. لقد كان بطل حرب آخر لسلاح الجو الملكي البريطاني وزميل سابق مقرب من AOC ، جوني جونسون. بينما كان بإمكان السير جون أن يقدم لنا القليل من المساعدة من مقره في سنغافورة ، إلا أنه كان من المفيد بلا شك أن يتمكن CinC و HE من مقارنة الملاحظة معه.
بعد ذلك ، جاء تيد إير ، المقيم في EAP ، من المكلا للإقامة في GH لمدة يومين لإطلاع سعادة السفير على الأوضاع في القعيطي والكثيري. تبع تيد أحد أسلافه كمستشار مقيم في المكلا في الخمسينيات من القرن الماضي. كان الكولونيل السير هيو بوستيد أحد أعظم الشخصيات في جنوب الجزيرة العربية ، غريب الأطوار مرحًا نجح في الحفاظ على السلام في المحمية الشرقية لمدة عقد من الزمان ، بعد أن كان سابقًا رياضيًا أولمبيًا ومتسلق جبال عظيمًا. بعد سن التقاعد ، كان يبحث عن وظيفة أخيرة معنا. اخترنا عقله ، وأقام معه حفل عشاء كبير بين زملائه السابقين ، لكن بينهم أعتقد أنهم استنتجوا أنه كان سيجد العمل في حكومة حزب العمال أكثر صعوبة مما فعله سعادة.
ضيوفنا القادمون في GH كانوا Duncan Sandys وزوجته - نسمة من الهواء النقي الرائع. استمتعنا جميعًا بزيارتهم ورُتبت لهم الرحلة وحفلتهم إلى Beihan الموصوفة في فصل سابق.
بعد وقت قصير من رحيل سانديز ، وصل دينيس هيلي. لقد فهمنا أن وزارته كانت تجري مراجعة دفاعية رئيسية وتقوم بصياغة كتاب أبيض للدفاع ، والذي سيغطي مستقبل قاعدة عدن ؛ لذلك كان CinC و HE حريصين على ضمان حصوله على إحاطة شاملة. بقيت وزيرة الخارجية معنا أثناء قيامها بجولة في جنوب شبه الجزيرة العربية لمدة أسبوع كضيف سينك. بالإضافة إلى ذلك ، أمضى هيلي يومًا كاملاً مع سعادة في الاتحاد للقاء جميع الحكام في المجلس الأعلى للاتحاد ، ويومين في EAP للتحدث مع السلاطين في المكلا وسيئون. واختتم وزير الدفاع جولته بيوم آخر مع سياسيين من عدني وقادة ATUC. وبين ذلك ، أقام فريق Turnbulls السيد Healey آخر من حفلات العشاء الكبيرة التي تمت دعوة جميع كبار الشخصيات لدينا إليها.
بدت العلاقات بين سعادة السفير وزائره سهلة ومرتاحة ، فقد تعرفا على بعضهما البعض عندما كان الضيوف معًا خلال احتفالات استقلال أوغندا ، وفي مناسبات أخرى عندما تم إطلاعه على وظيفته في عدن. كان دينيس مبتهجًا ومنفتحًا ، وقدم ضيفًا لطيفًا. مع نشأته اليسارية وخلفيته ، لم يكن لديه وقت كافٍ للشيوخ الإقطاعيين. كان لديه وقت أقل لمكاوي ، والسياسيين العدنيين الآخرين وزعماء النقابات الذين انتقدوا بشكل علني قواتنا وشجعوا الجبهة الوطنية للتحرير على مهاجمتها.
من هيلي ، سمعت لأول مرة قصة الضفدع والعقرب ، التي تردد صداها معنا في المفوضية العليا في ذلك الوقت.
"على ضفاف نهر النيل ، اقترب عقرب من ضفدع وقال:" أنا بحاجة إلى عبور النهر. هل تسمح لي من فضلك بالتسلق على ظهرك ونقلني إلى الضفة البعيدة؟ "
أجاب الضفدع: `` لا ، لن آخذك عبرها ''. إذا حملتك على ظهري ، فأنا أعلم أنك ستلسعني في منتصف الطريق ، وسوف تشلني وسوف أغرق.
"لا تكن غبيا!" قال العقرب. "إذا فعلت ذلك ، يجب أن أغرق أيضًا".
قال الضفدع بعد المزيد من الإقناع: "حسنًا". "استلق على ظهري وسأحملك عبر".
لذلك انطلقوا معًا. سبح الضفدع بقوة باتجاه الجانب الآخر من النهر مع العقرب على ظهره. في منتصف الطريق ، شعر بأن العقرب يلدغه ؛ توقفت أطرافه ، وشعر بألم حاد وعرف أنه سيغرق.
"لكن لماذا لسعتني هكذا؟" بكى الضفدع. "الآن سأغرق بالتأكيد وستغرق معي".
أجاب الآخر: "لم أستطع مساعدة نفسي". "ترى أنا عقرب عربي".
لقد غرقوا معا وجرفهم نهر النيل العظيم ".
في وقت متأخر من إحدى الأمسيات كان هو وهاي يتبادلان التعليقات الخشنة إلى حد ما حول إرث السياسة الاستعمارية البريطانية ، ولاحظ معالي الوزير بطريقة غير مألوفة أن الإمبراطورية البريطانية ستترك اثنتين فقط من المعالم الأثرية وراءها: "كرة القدم والتعبير" F ** off ! " كنت مهتمًا بعدم تصديق أي من الرجلين أننا سوف ننقل مفهوم الديمقراطية الدستورية ، ولا يزال نموذج
وستمنستر الذي تعلمناه في الجامعة أعظم هدية لنا إلى دومينيون والمستعمرات السابقة.
في صباح أحد أيام الإثنين ، بعد وقت قصير من مغادرة وزير الدفاع ، قام رئيس أركان الدفاع المتقاعد ، إيرل مونتباتن ، بدعوة وداع. كان في جولة قصيرة في القواعد العسكرية في جميع أنحاء العالم مع عدد كبير من الموظفين حوله ، في طريق عودته من الشرق الأقصى وإلى نيروبي بعد ظهر اليوم نفسه.
جعله الجيش يفتخر به. رحب به الـ CinC في المطار بتسعة عشر طلقة تحية ، وحرس شرف كبير وطاير من قبل سلاح الجو الملكي البريطاني. ثم تم إحضار CDS المتقاعد إلى GH في قافلة صاخبة من السيارات مع مرافقة دراجة نارية حيث قام بترتيب غداء رسمي كبير له لمقابلة جميع كبار العسكريين في عدن. لم يهدر مونتباتن أي وقت في التحية أو الأحاديث الصغيرة ، بل سار في قاعاتنا وغرف الاستقبال ، ولم ينظر إلى اليمين أو اليسار ، وهو يصرخ بالتعليمات لموظفيه المندفعين بجانبه. لقد أمضى القليل من الوقت في التحدث إلى HE و CinC وتجاهل معظمنا خلال الساعات الست التي قضاها في عدن ، ويبدو أنه في عجلة من أمره للتواجد في مكان آخر والضغط على كينيا في نفس اليوم. كانت الزيارة مضيعة لوقته ووقتنا. لقد خفض معنوياتنا بدلاً من رفعها.
كان السكرتير الصحفي الخاص به ، نائب أميرال ودودًا جاء للإقامة في عدن بعد ذلك بقليل. لقد بدا أكثر مرونة وإثارة للاهتمام عندما قام بزيارة مجاملة لمعالي الدكتور.
حزيران
في صباح أحد أيام الإثنين ، بعد وقت قصير من مغادرة وزير الدفاع ، قام رئيس أركان الدفاع المتقاعد ، إيرل مونتباتن ، بدعوة وداع. كان في جولة قصيرة في القواعد العسكرية في جميع أنحاء العالم مع عدد كبير من الموظفين حوله ، في طريق عودته من الشرق الأقصى وإلى نيروبي بعد ظهر اليوم نفسه.
جعله الجيش يفتخر به. رحب به الـ CinC في المطار بتسعة عشر طلقة تحية ، وحرس شرف كبير وطاير من قبل سلاح الجو الملكي البريطاني. ثم تم إحضار CDS المتقاعد إلى GH في قافلة صاخبة من السيارات مع مرافقة دراجة نارية حيث قام بترتيب غداء رسمي كبير له لمقابلة جميع كبار العسكريين في عدن. لم يهدر مونتباتن أي وقت في التحية أو الأحاديث الصغيرة ، بل سار في قاعاتنا وغرف الاستقبال ، ولم ينظر إلى اليمين أو اليسار ، وهو يصرخ بالتعليمات لموظفيه المندفعين بجانبه. لقد أمضى القليل من الوقت في التحدث إلى HE و CinC وتجاهل معظمنا خلال الساعات الست التي قضاها في عدن ، ويبدو أنه في عجلة من أمره للتواجد في مكان آخر والضغط على كينيا في نفس اليوم. كانت الزيارة مضيعة لوقته ووقتنا. لقد خفض معنوياتنا بدلاً من رفعها.
كان السكرتير الصحفي الخاص به ، نائب أميرال ودودًا جاء للإقامة في عدن بعد ذلك بقليل. لقد بدا أكثر مرونة وإثارة للاهتمام عندما قام بزيارة مجاملة لمعالي الدكتور.
حزيران
قصة أطول إقامة لرحّالة إنجليزي في اليمن المعاصر
"بقيت في صنعاء وسط القذائف والجنازات. ولم يبدُ أن الكابوس يُظهِر أية علامة على الانتهاء".. "كنتُ هناك خلال أسوأ سنوات الحرب الحالية، وفي الواقع، لم "اضطر" قَطّ إلى المغادرة. ولكن في عام 2019 سافرتُ مع اثنين من أفراد عائلة من صنعاء من أجل دعم دراستهما الجامعية في ماليزيا. ما زلتُ أعتبر نفسي من سكان صنعاء، ينتظرني بيتي ومكتبتي وبقية العائلة".
لطف الصَّرَاري
تيم ماكنتوش سميث
يحدث أن يقع بعض زائري اليمن من الرحّالة والمستشرقين الغربيين في حبّ البلد الذي ما زال يحتفظ بالكثير من ملامح الحياة القروسطية. أقامت الطبيبة الفرنسية "كلودي فايان" في أول زيارة لها لليمن سنة ونصف، ثم تتالت زياراتها 26 مرة بين العامين 1951-1993، حتى أن الحكومة منحتها الجنسية اليمنية تقديراً لحبّها للبلد وخدمتها الإنسانية لسكّانه. مواطنها "فرانك ميرميه" أقام في صنعاء أكثر من أربع سنوات، وهناك آخرون من جنسيات أوروبية مختلفة تجاوزت إقامة بعضهم الثمان سنوات. لكن أن تطول فترة إقامة أحدهم 37 سنة، فهذا رقم قياسي لم يبلغه سوى "تيم ماكنتوش سميث"، ولا يبدو أن أحداً سينافسه عليه لما تبقى من القرن الواحد والعشرين.
كيف جاء هذا "المتيّم المهووس" إلى اليمن؟
ولد "تيم ماكنتوش سميث" في 17 تموز/ يوليو 1961، لأسرة متديّنة في مقاطعة "لينكونشير" شرق إنجلترا. حين كان في طفولته وصباه، أحبّ الموسيقى واللغة. درس العزف على الأورغن بكلية "كليفدن" في "بريستول"، وبطبيعة نشأته في أسرة متدينة، أصبح يعزف على هذه الآلة في الكاتدرائيات. بعد ذلك حصل على منحة لدراسة كلاسيكيات الأدب الإغريقي والروماني في جامعة أكسفورد، لكنه وجد نفسه يتجه نحو اللغة العربية الفصحى وآدابها.
في حواراته للصحافة، غالباً ما تحدّث "سميث" عن لحظة انقياده لدراسة اللغة العربية، تلك اللحظة التي ملّ فيها من دراسة كلاسيكيات "فيرجيل" و"هوميروس" وغيرهما، وشعر بأنه يرغب بشيء أكثر تحدّياً. بدأ بتعلّم اللغة العربية بمساعدة قاموس اصطحبه معه إلى "كوخ في الجزر الغربية ("هابرديز" الخارجية) في اسكتلندا، حيث حبس نفسه هناك إلى أن اكتسب مهارة نظرية لا بأس بها بلغة العرب. ويذكر صديقه "برنابي روجرسون"، وهو بريطاني آخر شغوف بالتراث العربي الإسلامي، أن في ذلك الوقت من بداية ثمانينيات القرن العشرين، كان هناك فجوة بين دراسة الأدب العربي وبين التحدّث به. لذلك اقترح سميث على معلّمه أن يذهب إلى اليمن لملء تلك الفجوة. "سمعت أنهم يتحدثون العربية النقية هناك"، قال لمعلّمه. لكن الأخير ردّ بامتعاض، فاليمن في نظر معظم المثقفين الغربيين بلد متخلّف وخطير: "كلهم يقولون ذلك أيها الغبي، ألا تستطيع الذهاب إلى بلد آخر محترم؟". كان ذلك في العام 1982، وأمام إصرار الطالب "الغبي" الذي لم يكن تجاوز سنّ الحادية والعشرين، وافقت إدارة أكسفورد على سفره لمدة سنة. في العام التالي عاد سميث إلى بريطانيا بنتائج أذهلت معلّميه، وتمكن من إقناع الجامعة بتمديد إقامته تسع سنوات أخرى.
لحظة تحوّل أخرى
الزيارة الثانية لسميث إلى صنعاء تضمنت مهمة تدريسية في المجلس الثقافي البريطاني. تمّ وصفه بـ"المستعرب"، وظلّ يدرّس طيلة السنوات التسع، يذهب صباحاً إلى مقرّ عمله ويعود إلى بيته المستأجَر في أحد أحياء صنعاء القديمة، بينما يصقل مهارته في اللغة العربية ويستكشف الأدب العربي ويعقد صداقات مع جيرانه ويدرّس أولادهم اللغة الإنجليزية والموسيقى. أتقن لهجة سكان صنعاء وبعض اللهجات اليمنية الأخرى، وبعد كل هذه السنوات ترسّخ حبّ اليمن في قلبه ولم يعد راغباً بالعودة إلى بريطانيا.
في العام 1991، زارت صنعاء الروائية الإيرلندية "إدنا أوبراين". كان "تيم" دليلها في التجوال بالمدينة، وفي لحظة فارقة في حياة المستعرب الإنجليزي، قالت له إدنا: "إنها جريمة أن تعيش هنا ولا تكتب عن هذا البلد". توجه تيم بعد ذلك للتأليف، وفي 1997، أصدر أول كتبه: "Yemen: Travels in dictionary land"، الذي أنهى ترجمته البروفيسور اليمني الراحل عبد الله فاضل فارع في 2003 بعنوان كلاسيكي: "رحلة المتيّم المهووس في بلاد القاموس"، كما صدرت النسخة الأمريكية من الكتاب بعنوان: "اليمن: العربية المجهولة".
استُقبل الكتاب في الأوساط الغربية بحفاوة، لكن ترجمته العربية التي كان يفترض أن يتبنى إصدارها المجلس الثقافي البريطاني بصنعاء، لم تر النور. نال جائزة "توماس كوك" لكتب الرحلات بصحيفة "ديلي تليجراف" كأفضل كتاب رحلات كلاسيكي للعام 1998، وتضمنت مراجعة صحيفة "نيويورك تايمز" له أن سميث "حافظ على هدوئه بما يكفي لمعرفة ما نريد وماذا نستحق"، وبذلك تفوق على "الغربيين" الذين "يذهبون إلى أجزاء من الجزيرة العربية، ثم يبدؤون، بنصف جنون، في محاولة التعبير عن جوهرها وجاذبيتها".
"بقيت في صنعاء وسط القذائف والجنازات. ولم يبدُ أن الكابوس يُظهِر أية علامة على الانتهاء".. "كنتُ هناك خلال أسوأ سنوات الحرب الحالية، وفي الواقع، لم "اضطر" قَطّ إلى المغادرة. ولكن في عام 2019 سافرتُ مع اثنين من أفراد عائلة من صنعاء من أجل دعم دراستهما الجامعية في ماليزيا. ما زلتُ أعتبر نفسي من سكان صنعاء، ينتظرني بيتي ومكتبتي وبقية العائلة".
لطف الصَّرَاري
تيم ماكنتوش سميث
يحدث أن يقع بعض زائري اليمن من الرحّالة والمستشرقين الغربيين في حبّ البلد الذي ما زال يحتفظ بالكثير من ملامح الحياة القروسطية. أقامت الطبيبة الفرنسية "كلودي فايان" في أول زيارة لها لليمن سنة ونصف، ثم تتالت زياراتها 26 مرة بين العامين 1951-1993، حتى أن الحكومة منحتها الجنسية اليمنية تقديراً لحبّها للبلد وخدمتها الإنسانية لسكّانه. مواطنها "فرانك ميرميه" أقام في صنعاء أكثر من أربع سنوات، وهناك آخرون من جنسيات أوروبية مختلفة تجاوزت إقامة بعضهم الثمان سنوات. لكن أن تطول فترة إقامة أحدهم 37 سنة، فهذا رقم قياسي لم يبلغه سوى "تيم ماكنتوش سميث"، ولا يبدو أن أحداً سينافسه عليه لما تبقى من القرن الواحد والعشرين.
كيف جاء هذا "المتيّم المهووس" إلى اليمن؟
ولد "تيم ماكنتوش سميث" في 17 تموز/ يوليو 1961، لأسرة متديّنة في مقاطعة "لينكونشير" شرق إنجلترا. حين كان في طفولته وصباه، أحبّ الموسيقى واللغة. درس العزف على الأورغن بكلية "كليفدن" في "بريستول"، وبطبيعة نشأته في أسرة متدينة، أصبح يعزف على هذه الآلة في الكاتدرائيات. بعد ذلك حصل على منحة لدراسة كلاسيكيات الأدب الإغريقي والروماني في جامعة أكسفورد، لكنه وجد نفسه يتجه نحو اللغة العربية الفصحى وآدابها.
في حواراته للصحافة، غالباً ما تحدّث "سميث" عن لحظة انقياده لدراسة اللغة العربية، تلك اللحظة التي ملّ فيها من دراسة كلاسيكيات "فيرجيل" و"هوميروس" وغيرهما، وشعر بأنه يرغب بشيء أكثر تحدّياً. بدأ بتعلّم اللغة العربية بمساعدة قاموس اصطحبه معه إلى "كوخ في الجزر الغربية ("هابرديز" الخارجية) في اسكتلندا، حيث حبس نفسه هناك إلى أن اكتسب مهارة نظرية لا بأس بها بلغة العرب. ويذكر صديقه "برنابي روجرسون"، وهو بريطاني آخر شغوف بالتراث العربي الإسلامي، أن في ذلك الوقت من بداية ثمانينيات القرن العشرين، كان هناك فجوة بين دراسة الأدب العربي وبين التحدّث به. لذلك اقترح سميث على معلّمه أن يذهب إلى اليمن لملء تلك الفجوة. "سمعت أنهم يتحدثون العربية النقية هناك"، قال لمعلّمه. لكن الأخير ردّ بامتعاض، فاليمن في نظر معظم المثقفين الغربيين بلد متخلّف وخطير: "كلهم يقولون ذلك أيها الغبي، ألا تستطيع الذهاب إلى بلد آخر محترم؟". كان ذلك في العام 1982، وأمام إصرار الطالب "الغبي" الذي لم يكن تجاوز سنّ الحادية والعشرين، وافقت إدارة أكسفورد على سفره لمدة سنة. في العام التالي عاد سميث إلى بريطانيا بنتائج أذهلت معلّميه، وتمكن من إقناع الجامعة بتمديد إقامته تسع سنوات أخرى.
لحظة تحوّل أخرى
الزيارة الثانية لسميث إلى صنعاء تضمنت مهمة تدريسية في المجلس الثقافي البريطاني. تمّ وصفه بـ"المستعرب"، وظلّ يدرّس طيلة السنوات التسع، يذهب صباحاً إلى مقرّ عمله ويعود إلى بيته المستأجَر في أحد أحياء صنعاء القديمة، بينما يصقل مهارته في اللغة العربية ويستكشف الأدب العربي ويعقد صداقات مع جيرانه ويدرّس أولادهم اللغة الإنجليزية والموسيقى. أتقن لهجة سكان صنعاء وبعض اللهجات اليمنية الأخرى، وبعد كل هذه السنوات ترسّخ حبّ اليمن في قلبه ولم يعد راغباً بالعودة إلى بريطانيا.
في العام 1991، زارت صنعاء الروائية الإيرلندية "إدنا أوبراين". كان "تيم" دليلها في التجوال بالمدينة، وفي لحظة فارقة في حياة المستعرب الإنجليزي، قالت له إدنا: "إنها جريمة أن تعيش هنا ولا تكتب عن هذا البلد". توجه تيم بعد ذلك للتأليف، وفي 1997، أصدر أول كتبه: "Yemen: Travels in dictionary land"، الذي أنهى ترجمته البروفيسور اليمني الراحل عبد الله فاضل فارع في 2003 بعنوان كلاسيكي: "رحلة المتيّم المهووس في بلاد القاموس"، كما صدرت النسخة الأمريكية من الكتاب بعنوان: "اليمن: العربية المجهولة".
استُقبل الكتاب في الأوساط الغربية بحفاوة، لكن ترجمته العربية التي كان يفترض أن يتبنى إصدارها المجلس الثقافي البريطاني بصنعاء، لم تر النور. نال جائزة "توماس كوك" لكتب الرحلات بصحيفة "ديلي تليجراف" كأفضل كتاب رحلات كلاسيكي للعام 1998، وتضمنت مراجعة صحيفة "نيويورك تايمز" له أن سميث "حافظ على هدوئه بما يكفي لمعرفة ما نريد وماذا نستحق"، وبذلك تفوق على "الغربيين" الذين "يذهبون إلى أجزاء من الجزيرة العربية، ثم يبدؤون، بنصف جنون، في محاولة التعبير عن جوهرها وجاذبيتها".
السفير العربي
جغرافيا الغناء في اليمن | فارع المسلمي
لا شيء أصعب وأعقد من صنعاء السياسة إلا صنعاء الفن. الرقصة الشهيرة "البرع" المنتشرة في شمال اليمن بشكل كثيف ولدى القبائل التاريخية، هي مثال على ذلك، فما ينسج هذا "البرع" المعقد هو شيء أكثر تعقيداً و جمالاً منه: العود والغناء الصنعاني.
درّس "سميث" طيلة السنوات التسع الاولى منذ وصوله الى اليمن في العام 1982، وصقل مهارته في اللغة العربية وعقد صداقات مع جيرانه ودرّس أولادهم الإنجليزية والموسيقى. وبعد كل هذه السنوات ترسّخ حبّ اليمن في قلبه ولم يعد راغباً بالعودة إلى بريطانيا. كان يسافر لإلقاء محاضرات في أوروبا وأمريكا وبعض البلدان العربية، ثم يعود إلى منزله في صنعاء القديمة.
فتح هذا الاستقبال الغامر لكتابه الأول، شهية "المستعرب" وكاتب الرحلات الإنجليزي لتأليف كتب أخرى، ليس عن اليمن فحسب، بل عن الجزيرة العربية بصورة عامة. لكنه مضى أبعد من ذلك بعد أن اشترى ذات يوم بعض قطع البطاطا المسلوقة من بائع متجول في صنعاء القديمة. سأله رجل عجوز عمّا إذا كان يعرف سبب تسمية "البطاطا"؟ "أنت أخبرني"، قال المستعرب، وأجاب العجوز بأن "ابن بطوطة" هو الذي جلبها إلى اليمن فسمّيت باسمه.
مرة أخرى لعبت اللحظة دوراً محورياً في تحولات السيد "سميث"، إذ توجه على الفور لشراء كتاب "رحلة ابن بطوطة: تحفة النُّظّار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار". أعجبه سرد الرحالة المغربي لتفاصيل حياة العالم الإسلامي في القرن الرابع عشر الميلادي/ الثامن الهجري. في ما يخص اليمن، أعجبه اهتمام ابن بطوطة بوصف تقاليد تناول الطعام وأصنافه في مأدبة السلطان الرسولي "المجاهد نور الدين ابن المؤيد هزبر الدين داوود" وهو حفيد أشهر ملوك الدولة الرسولية في اليمن المظفر يوسف بن علي بن رسول. صادف أن كان أحد أصدقاء "سميث" في صنعاء من آل المجاهد، وأخبره بأن ذلك السلطان هو جدّه. وطيلة السنوات اللاحقة حتى العام 2010، عمل سميث على تتبع خطى ابن بطوطة في العالم الإسلامي، ليخرج بمؤلف ضخم من ثلاثة أجزاء.
"رحلة مع الطنجي"
عندما كان الطالب في جامعة أكسفورد يحاول إقناع معلّميه بالموافقة على رحلته إلى اليمن، كانت خطّته البديلة أن يتتبع خطى "تي إي لورانس" الشهير بـ"لورانس العرب". لكنه بعد وصوله صنعاء وجد نفسه واقعاً في شراك ابن بطوطة. "شعرتُ بلحظة من الارتباط الاستثنائي مع ابن بطوطة، كان الأمر كما لو أني دخلت إلى ذاكرته، وكدت أتفاجأ أنه لم يذكرني في كتابه"، قال "سميث" لمحاورته "سو ليونارد"، مازجاً بين الجدّية والدعابة، وهو أسلوبه المميز في كتابته أيضاً، كما في سلسلة الوثائقيات التي أنجزها لقناة (BBC) اعتماداً على نصوص الأجزاء الثلاثة من كتابه. عنون الجزأين الأول والثاني بـ"رحلة مع الطنجي"، بينما عنون الثالث بـ"الوصول إلى اليابسة".
اشترى ذات يوم بعض قطع البطاطا المسلوقة من بائع متجول في صنعاء القديمة. سأله رجل عجوز عمّا إذا كان يعرف سبب تسمية "البطاطا"؟ "أنت أخبرني"، قال المستعرب، وأجاب العجوز بأن "ابن بطوطة" هو الذي جلبها إلى اليمن فسمّيت باسمه.
بعد العام 2010، ملأت شهرة "تيم ماكنتوش سميث" آفاق أوروبا وأمريكا وحظيت كتبه بمبيعات عالية، لكن في اليمن، لم يعرفه سوى جيرانه وعدد من الأصدقاء المقربين، إضافة لبعض الإعلاميين المغمورين. وعلى الرغم من أن قناة "الجزيرة مباشر" استضافته في أحد برامجها، لم تلفت تجربته انتباه الداخل اليمني، ولعلّ "سميث" نفسه كان يحرص على الظهور المحدود في وسائل الإعلام اليمنية والعربية. كان يسافر لإلقاء محاضرات في أوروبا وأمريكا وبعض البلدان العربية، سيما في الخليج العربي، ثم يعود إلى منزله في صنعاء القديمة.
في ريبورتاج تلفزيوني لقناة محلية، قال "سميث" إنه يشعر بأنه صار واحداً من اليمنيين، بينما يرِد في فقرة مقتبسة من مسودة الترجمة العربية لكتابه الأول، أنه كان يتحدث لبعض أصدقائه اليمنيين عن كونه "ليس مسلماً". صديقه "برنابي روجرسون" قال على إثر لقائهما بصنعاء في 2010، إنه وجده "ما زال بريطانياً بفخر"، "ليس مغترباً لامعاً ولا متديناً يختبئ خلف لحية وهوية جديدة جادة". كما أنه ما زال ذلك العضو في كنيسة إنجلترا "الذي يعزف على الأرغن وفقاً لمعايير الكاتدرائية"، بينما لا يزال شقيقه يرمّم الكنائس وأمه تقيم في بيت الرهبان القديم في "لينكولنشير".
تيم ماكنتوش سميث
تيم سميث عندما كان طالبا في أكسفورد ثمانينيات القرن العشرين
صنعاء القديمة- عن صحيفة الجارديان
PreviousNext
وعلى الرغم من ملاحظة "روجرسون" أن "سميث" بدا لامبالياً "بالسحر الشبيه بالفقاعات للمجتمع المغترب والدبلوماسي" الأوروبي في اليمن، فقد لاحظ كذلك إلى أي مدى ارتبط بعلاقة صداقة مع المؤرخين الإنجليزيين "جوليان رابي" و"فينيتيا بورتر"، وكاتبي الرحلات "كيفن راشبي" و"إريك هانسن". كان هؤلاء يشجعونه على الاستمرار في الكتابة، ولعل ذلك ما قصده "سميث" في حواره مع "سو برنارد" عندما قال إنه كان بحاجة لـ"دفعة" للمضي قدماً في تدوين حياته في "بلاد القاموس". لقد عاش بين الناس البسطاء، في أحد البيوت القريبة من "سوق البقر" في صنعاء القديمة، حيث تباع الحمير التي التقط أنف روجرسون رائحة روثها، بينما كان يمضغ القات في مجلس الضيوف بالطابق الأعلى لمنزل سميث.
فتح هذا الاستقبال الغامر لكتابه الأول، شهية "المستعرب" وكاتب الرحلات الإنجليزي لتأليف كتب أخرى، ليس عن اليمن فحسب، بل عن الجزيرة العربية بصورة عامة. لكنه مضى أبعد من ذلك بعد أن اشترى ذات يوم بعض قطع البطاطا المسلوقة من بائع متجول في صنعاء القديمة. سأله رجل عجوز عمّا إذا كان يعرف سبب تسمية "البطاطا"؟ "أنت أخبرني"، قال المستعرب، وأجاب العجوز بأن "ابن بطوطة" هو الذي جلبها إلى اليمن فسمّيت باسمه.
مرة أخرى لعبت اللحظة دوراً محورياً في تحولات السيد "سميث"، إذ توجه على الفور لشراء كتاب "رحلة ابن بطوطة: تحفة النُّظّار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار". أعجبه سرد الرحالة المغربي لتفاصيل حياة العالم الإسلامي في القرن الرابع عشر الميلادي/ الثامن الهجري. في ما يخص اليمن، أعجبه اهتمام ابن بطوطة بوصف تقاليد تناول الطعام وأصنافه في مأدبة السلطان الرسولي "المجاهد نور الدين ابن المؤيد هزبر الدين داوود" وهو حفيد أشهر ملوك الدولة الرسولية في اليمن المظفر يوسف بن علي بن رسول. صادف أن كان أحد أصدقاء "سميث" في صنعاء من آل المجاهد، وأخبره بأن ذلك السلطان هو جدّه. وطيلة السنوات اللاحقة حتى العام 2010، عمل سميث على تتبع خطى ابن بطوطة في العالم الإسلامي، ليخرج بمؤلف ضخم من ثلاثة أجزاء.
"رحلة مع الطنجي"
عندما كان الطالب في جامعة أكسفورد يحاول إقناع معلّميه بالموافقة على رحلته إلى اليمن، كانت خطّته البديلة أن يتتبع خطى "تي إي لورانس" الشهير بـ"لورانس العرب". لكنه بعد وصوله صنعاء وجد نفسه واقعاً في شراك ابن بطوطة. "شعرتُ بلحظة من الارتباط الاستثنائي مع ابن بطوطة، كان الأمر كما لو أني دخلت إلى ذاكرته، وكدت أتفاجأ أنه لم يذكرني في كتابه"، قال "سميث" لمحاورته "سو ليونارد"، مازجاً بين الجدّية والدعابة، وهو أسلوبه المميز في كتابته أيضاً، كما في سلسلة الوثائقيات التي أنجزها لقناة (BBC) اعتماداً على نصوص الأجزاء الثلاثة من كتابه. عنون الجزأين الأول والثاني بـ"رحلة مع الطنجي"، بينما عنون الثالث بـ"الوصول إلى اليابسة".
اشترى ذات يوم بعض قطع البطاطا المسلوقة من بائع متجول في صنعاء القديمة. سأله رجل عجوز عمّا إذا كان يعرف سبب تسمية "البطاطا"؟ "أنت أخبرني"، قال المستعرب، وأجاب العجوز بأن "ابن بطوطة" هو الذي جلبها إلى اليمن فسمّيت باسمه.
بعد العام 2010، ملأت شهرة "تيم ماكنتوش سميث" آفاق أوروبا وأمريكا وحظيت كتبه بمبيعات عالية، لكن في اليمن، لم يعرفه سوى جيرانه وعدد من الأصدقاء المقربين، إضافة لبعض الإعلاميين المغمورين. وعلى الرغم من أن قناة "الجزيرة مباشر" استضافته في أحد برامجها، لم تلفت تجربته انتباه الداخل اليمني، ولعلّ "سميث" نفسه كان يحرص على الظهور المحدود في وسائل الإعلام اليمنية والعربية. كان يسافر لإلقاء محاضرات في أوروبا وأمريكا وبعض البلدان العربية، سيما في الخليج العربي، ثم يعود إلى منزله في صنعاء القديمة.
في ريبورتاج تلفزيوني لقناة محلية، قال "سميث" إنه يشعر بأنه صار واحداً من اليمنيين، بينما يرِد في فقرة مقتبسة من مسودة الترجمة العربية لكتابه الأول، أنه كان يتحدث لبعض أصدقائه اليمنيين عن كونه "ليس مسلماً". صديقه "برنابي روجرسون" قال على إثر لقائهما بصنعاء في 2010، إنه وجده "ما زال بريطانياً بفخر"، "ليس مغترباً لامعاً ولا متديناً يختبئ خلف لحية وهوية جديدة جادة". كما أنه ما زال ذلك العضو في كنيسة إنجلترا "الذي يعزف على الأرغن وفقاً لمعايير الكاتدرائية"، بينما لا يزال شقيقه يرمّم الكنائس وأمه تقيم في بيت الرهبان القديم في "لينكولنشير".
تيم ماكنتوش سميث
تيم سميث عندما كان طالبا في أكسفورد ثمانينيات القرن العشرين
صنعاء القديمة- عن صحيفة الجارديان
PreviousNext
وعلى الرغم من ملاحظة "روجرسون" أن "سميث" بدا لامبالياً "بالسحر الشبيه بالفقاعات للمجتمع المغترب والدبلوماسي" الأوروبي في اليمن، فقد لاحظ كذلك إلى أي مدى ارتبط بعلاقة صداقة مع المؤرخين الإنجليزيين "جوليان رابي" و"فينيتيا بورتر"، وكاتبي الرحلات "كيفن راشبي" و"إريك هانسن". كان هؤلاء يشجعونه على الاستمرار في الكتابة، ولعل ذلك ما قصده "سميث" في حواره مع "سو برنارد" عندما قال إنه كان بحاجة لـ"دفعة" للمضي قدماً في تدوين حياته في "بلاد القاموس". لقد عاش بين الناس البسطاء، في أحد البيوت القريبة من "سوق البقر" في صنعاء القديمة، حيث تباع الحمير التي التقط أنف روجرسون رائحة روثها، بينما كان يمضغ القات في مجلس الضيوف بالطابق الأعلى لمنزل سميث.
السفير العربي
قصة أطول إقامة لرحّالة إنجليزي في اليمن المعاصر | لطف الصرّاري
"بقيت في صنعاء وسط القذائف والجنازات. ولم يبدُ أن الكابوس يُظهِر أية علامة على الانتهاء".. "كنتُ هناك خلال أسوأ سنوات الحرب الحالية، وفي الواقع، لم "اضطر" قَطّ إلى المغادرة. ولكن في عام 2019 سافرتُ مع اثنين من أفراد عائلة من صنعاء من أجل دعم دراستهما الجامعية…
يتساءل الضيف: "ما الذي يبقي تيم في صنعاء؟"، وما الذي جذبه إلى ابن بطوطة؟ ويأتيه جواب "المستعرب الكلاسيكي" على الشق الأول من السؤال على هيئة اعتراف: هذه المدينة "مصدر إلهام لكتاباته... لأنه يسكن بين الناس الذين ما زالوا يقدّرون الإيمان والموسيقى والشعر الشفهي والتاريخ وعلم الأنساب والمحادثات، فوق الثروة التي يمكن التخلص منها".
"تيم ماكنتوش سميث" هو من الجيل التالي لجيل الناقد وكاتب السيَر "جيرالد مارتن" (المولود في العام 1944) الذي أنفق من عمره 17 سنة لاستقصاء حياة غابرييل غارسيا ماركيز، لكي يكتب سيرة ذاتية لرجل هو نفسه كاتب!
لا يبدو أن الإجابة كانت مقنعة للصديق الضيف، إذ لا بد أن ما يبقي "تيم" في صنعاء يتضمّن أسباباً أخرى من قبيل رخص المعيشة مقارنة ببريطانيا، حيث يمكن أن يكفي "الأجر الزهيد الذي يكسبه أي كاتب متعلم من مبيعات الكتب" لتوفير الطعام والماء والكتب والأصدقاء... أصدقاؤه اليمنيين الذين درّسهم الإنجليزية والموسيقى خلال ما يقارب الثلاثين سنة، ثم صار يدرّس أطفالهم بعد أن ترقوا في مناصب وزارية في الحكومة وأساتذة جامعات.
هل كان ذلك فعلاً ما أبقى "تيم ماكنتوش سميث" في اليمن لمدة 37 سنة؟
في ملامح الشغف الإنجليزي
من الواضح أنه لا ينحدر من أسرة ثرية، ولا بد أن اقتصاد المعيشة كان ضمن أولوياته ليعيش كل هذا العمر في بلد لا يربطه به سوى شغفه بلغته وأدبه. ثم إن المواطن البريطاني معروف بحسبته الدقيقة لاقتصاد المعيشة بغض النظر عن مستواه الاقتصادي، وهي ميزة على أية حال. غير أن "المستعرب" وكاتب الرحلات الذي غادر بلاده شاباً، لم يكن له هدف آخر- كما يبدو- سوى استكشاف شغفه الخاص، الشغف الإنجليزي الذي قاد "توماس إدوارد لورانس" (1888-1935) للتحوّل من عالم آثار إلى مرشد ثوري للعرب من أجل إخماد النفَس الأخير للإمبراطورية العثمانية، هو نفسه الشغف الذي جعل من الشابة "جيرترود بيل" (1868-1926) "ملكة غير متوّجة" للعراق. كانت المملكة العظمى تغذّي وتستثمر هذا الشغف في نفوس مواطنيها لاستكشاف العالم في ضوء الشمس التي لا تغيب عن مستعمراتها. "تيم ماكنتوش سميث" هو من الجيل التالي لجيل الناقد وكاتب السيَر "جيرالد مارتن" (المولود في العام 1944) الذي أنفق من عمره 17 سنة لاستقصاء حياة غابرييل غارسيا ماركيز، لكي يكتب سيرة ذاتية لرجل هو نفسه كاتب!
يتساءل ضيفه: "ما الذي يُبقي تيم في صنعاء؟"، وما الذي جذبه إلى ابن بطوطة؟ ويأتيه جواب "المستعرب الكلاسيكي" على الشق الأول من السؤال على هيئة اعتراف: هذه المدينة مصدر إلهام لكتاباته... لأنه يسكن بين الناس الذين ما زالوا يقدّرون الإيمان والموسيقى والشعر الشفهي والتاريخ وعلم الأنساب والمحادثات، "فوق الثروة التي يمكن التخلص منها".
عندما غادر سميث بريطانيا، كانت حكومة مارجريت تاتشر تكافح للاحتفاظ بما تبقى من الهيبة الإمبراطورية التي نالت منها الحرب العالمية الثانية على الرغم من الانتصار. أما الشاب اليافع، فكان يبحث عن ذاته في "عتمة" صنعاء، بعيداً عن التاج غير المستعد لفقدان المزيد من ظلاله في "حرب الفوكلاند" مع الأرجنتين. كانت المدينة القديمة مظلمة حين وصلها، وأصوات بكاء تنبعث من بعض نوافذ الطوابق العلوية، كما قال. شهد كلّ جوانب التحوّلات في اليمن، بما في ذلك الوحدة السياسية بين شمال البلاد وجنوبها، وصار بإمكانه التجوال في مساحة أكبر في كافة جهاتها. حتى عندما اندلعت الحرب الدائرة إلى اليوم منذ العام 2014، مروراً بانعطافتها الكبرى في آذار/ مارس 2015، لم يغادر تيم صنعاء.
يقول في مقدمة مقال حديث: "بقيت في صنعاء وسط القذائف والجنازات. وبعد مرور أكثر من ست سنوات، لم يبدُ أن الكابوس يُظهر أية علامة على الانتهاء". وفي أحدث حوار صحافي له قال إنه واصل العيش في صنعاء القديمة منذ أن وصلها في 1982، "باستثناء عام واحد أمضيته في أوكسفورد. لقد كنت هناك خلال أسوأ سنوات الحرب الحالية، وفي الواقع، لم "اضطر" قَطّ إلى المغادرةِ. ولكن في عام 2019 سافرت مع اثنين من أفراد عائلة من صنعاء، وهي عائلة دائماً ما كنت على صلة وثيقة بهم، من أجل دعم دراستهما الجامعية في ماليزيا. ما زلت أعتبر نفسي من سكان صنعاء، ينتظرني بيتي، ومكتبتي، وبقية العائلة". لم يتحدث عن المكان الذي استقر به المقام فيه بعد صنعاء، لكنه يظهر في تسجيل منشور على "يوتيوب" في 2021، يقول فيه إنه في سلطنة عُمان. يبدو أن كتابه الأخير الذي أصدره بعد مغادرته الأخيرة لصنعاء، يحرز المزيد من النجاح والانتشار. "العرب: 3000 سنة من تاريخ الشعوب والقبائل والإمبراطوريات"، ومن حديثه عن الكتاب والمراجعات التي حظي بها، يتّضح أن تجربة حياة "سميث" في اليمن بلغت قدراً كبيراً من النضج.
"تيم ماكنتوش سميث" هو من الجيل التالي لجيل الناقد وكاتب السيَر "جيرالد مارتن" (المولود في العام 1944) الذي أنفق من عمره 17 سنة لاستقصاء حياة غابرييل غارسيا ماركيز، لكي يكتب سيرة ذاتية لرجل هو نفسه كاتب!
لا يبدو أن الإجابة كانت مقنعة للصديق الضيف، إذ لا بد أن ما يبقي "تيم" في صنعاء يتضمّن أسباباً أخرى من قبيل رخص المعيشة مقارنة ببريطانيا، حيث يمكن أن يكفي "الأجر الزهيد الذي يكسبه أي كاتب متعلم من مبيعات الكتب" لتوفير الطعام والماء والكتب والأصدقاء... أصدقاؤه اليمنيين الذين درّسهم الإنجليزية والموسيقى خلال ما يقارب الثلاثين سنة، ثم صار يدرّس أطفالهم بعد أن ترقوا في مناصب وزارية في الحكومة وأساتذة جامعات.
هل كان ذلك فعلاً ما أبقى "تيم ماكنتوش سميث" في اليمن لمدة 37 سنة؟
في ملامح الشغف الإنجليزي
من الواضح أنه لا ينحدر من أسرة ثرية، ولا بد أن اقتصاد المعيشة كان ضمن أولوياته ليعيش كل هذا العمر في بلد لا يربطه به سوى شغفه بلغته وأدبه. ثم إن المواطن البريطاني معروف بحسبته الدقيقة لاقتصاد المعيشة بغض النظر عن مستواه الاقتصادي، وهي ميزة على أية حال. غير أن "المستعرب" وكاتب الرحلات الذي غادر بلاده شاباً، لم يكن له هدف آخر- كما يبدو- سوى استكشاف شغفه الخاص، الشغف الإنجليزي الذي قاد "توماس إدوارد لورانس" (1888-1935) للتحوّل من عالم آثار إلى مرشد ثوري للعرب من أجل إخماد النفَس الأخير للإمبراطورية العثمانية، هو نفسه الشغف الذي جعل من الشابة "جيرترود بيل" (1868-1926) "ملكة غير متوّجة" للعراق. كانت المملكة العظمى تغذّي وتستثمر هذا الشغف في نفوس مواطنيها لاستكشاف العالم في ضوء الشمس التي لا تغيب عن مستعمراتها. "تيم ماكنتوش سميث" هو من الجيل التالي لجيل الناقد وكاتب السيَر "جيرالد مارتن" (المولود في العام 1944) الذي أنفق من عمره 17 سنة لاستقصاء حياة غابرييل غارسيا ماركيز، لكي يكتب سيرة ذاتية لرجل هو نفسه كاتب!
يتساءل ضيفه: "ما الذي يُبقي تيم في صنعاء؟"، وما الذي جذبه إلى ابن بطوطة؟ ويأتيه جواب "المستعرب الكلاسيكي" على الشق الأول من السؤال على هيئة اعتراف: هذه المدينة مصدر إلهام لكتاباته... لأنه يسكن بين الناس الذين ما زالوا يقدّرون الإيمان والموسيقى والشعر الشفهي والتاريخ وعلم الأنساب والمحادثات، "فوق الثروة التي يمكن التخلص منها".
عندما غادر سميث بريطانيا، كانت حكومة مارجريت تاتشر تكافح للاحتفاظ بما تبقى من الهيبة الإمبراطورية التي نالت منها الحرب العالمية الثانية على الرغم من الانتصار. أما الشاب اليافع، فكان يبحث عن ذاته في "عتمة" صنعاء، بعيداً عن التاج غير المستعد لفقدان المزيد من ظلاله في "حرب الفوكلاند" مع الأرجنتين. كانت المدينة القديمة مظلمة حين وصلها، وأصوات بكاء تنبعث من بعض نوافذ الطوابق العلوية، كما قال. شهد كلّ جوانب التحوّلات في اليمن، بما في ذلك الوحدة السياسية بين شمال البلاد وجنوبها، وصار بإمكانه التجوال في مساحة أكبر في كافة جهاتها. حتى عندما اندلعت الحرب الدائرة إلى اليوم منذ العام 2014، مروراً بانعطافتها الكبرى في آذار/ مارس 2015، لم يغادر تيم صنعاء.
يقول في مقدمة مقال حديث: "بقيت في صنعاء وسط القذائف والجنازات. وبعد مرور أكثر من ست سنوات، لم يبدُ أن الكابوس يُظهر أية علامة على الانتهاء". وفي أحدث حوار صحافي له قال إنه واصل العيش في صنعاء القديمة منذ أن وصلها في 1982، "باستثناء عام واحد أمضيته في أوكسفورد. لقد كنت هناك خلال أسوأ سنوات الحرب الحالية، وفي الواقع، لم "اضطر" قَطّ إلى المغادرةِ. ولكن في عام 2019 سافرت مع اثنين من أفراد عائلة من صنعاء، وهي عائلة دائماً ما كنت على صلة وثيقة بهم، من أجل دعم دراستهما الجامعية في ماليزيا. ما زلت أعتبر نفسي من سكان صنعاء، ينتظرني بيتي، ومكتبتي، وبقية العائلة". لم يتحدث عن المكان الذي استقر به المقام فيه بعد صنعاء، لكنه يظهر في تسجيل منشور على "يوتيوب" في 2021، يقول فيه إنه في سلطنة عُمان. يبدو أن كتابه الأخير الذي أصدره بعد مغادرته الأخيرة لصنعاء، يحرز المزيد من النجاح والانتشار. "العرب: 3000 سنة من تاريخ الشعوب والقبائل والإمبراطوريات"، ومن حديثه عن الكتاب والمراجعات التي حظي بها، يتّضح أن تجربة حياة "سميث" في اليمن بلغت قدراً كبيراً من النضج.
لكننا لن نعرف تحديداً - قبل أن نقرأ مُجمل كتبه الثمانية - إذا ما كان تخلّى عن العين الفنتازية التي طالما رأى بها الكتّاب الغربيون بلدان الشرق الغارق في غرائبيته. على أن مقدمته لكتابه الأخير تظهر أن فنتازية الشرق كامنة في أقصى نقطة من بؤبؤي عينيه. ففي حديثه عن عدن، يلتقط طقساً قديماً لسكان المدينة كان ابن بطوطة أتى على ذكره في "تحفة النظار"، ثم يتحدث عنه في سياق المعتقدات الدينية للمجتمع. هذا الطقس ليس دينياً وإن كان لا يخلو من ملامح الدين. فصعود سكان عدن إلى قلعة صيرة يوماً في السنة، ليس طقساً دينياً بل تقليد عقائدي تبدو جذوره موغلة في القدم، حيث يخرج الناس في كرنفال إلى البئر المنحوتة في أعلى القلعة ويقدمون قرابين من مواشيهم يرمونها إلى البئر لإخماد النار التي يمكن أن تنبعث منها.
لا يخلو سياق سميث من مسحة استشراقية وهو يصف هذا الطقس، كما لو أن أنثروبولوجياً أوروبياً من الرعيل الأول قابعاً في لاوعيه. غير أن ما يميزه عن غيره من نظرائه الأوروبيين هي تلك التلقائية النادرة في حبٌه لليمن لدرجة المغامرة بنصف عمره لدراسة واستكشاف البلد. استكشف تيم اليمن من داخله، بل من أصغر مستوى في البنية الاجتماعية للبلاد، حارة "سوق البقر" في صنعاء القديمة... انطلق منها إلى معظم مناطق "بلاد القاموس".
-----------------
تم الاعتماد في كتابة هذا النص على المراجع التالية:
1- Tim Mackintosh-Smith's Yemen""- برنابي روجرسون، صحيفة "تليجراف" البريطانية، 30/ 10/2010.
2- Lure of Yemen sparks extraordinary connection for top travel writer Landfalls""- سو ليونارد، "إيريش إجزامينر"، 15/ 10/ 2011.
3- "المستعرب البريطاني ماكنتوش سميث: قراءة اللغة العربية تشبه لعب الشطرنج"، حوار إليزابيت كنوبلاوخ، ترجمة: يسرى مرعي، موقع "قنطرة"، 19/12/ 2021.
4- " A Castle in the Air…"، تيم ما كنتوش سميث، موقع "نيولاينز"، 26/3/2021.
5- "تيم ماكنتوش سميث وكتابه “اليمن.. رحلات المتيم المهووس في بلاد القاموس”، صحيفة "الثورة" اليمنية، 19/4/2014.
لا يخلو سياق سميث من مسحة استشراقية وهو يصف هذا الطقس، كما لو أن أنثروبولوجياً أوروبياً من الرعيل الأول قابعاً في لاوعيه. غير أن ما يميزه عن غيره من نظرائه الأوروبيين هي تلك التلقائية النادرة في حبٌه لليمن لدرجة المغامرة بنصف عمره لدراسة واستكشاف البلد. استكشف تيم اليمن من داخله، بل من أصغر مستوى في البنية الاجتماعية للبلاد، حارة "سوق البقر" في صنعاء القديمة... انطلق منها إلى معظم مناطق "بلاد القاموس".
-----------------
تم الاعتماد في كتابة هذا النص على المراجع التالية:
1- Tim Mackintosh-Smith's Yemen""- برنابي روجرسون، صحيفة "تليجراف" البريطانية، 30/ 10/2010.
2- Lure of Yemen sparks extraordinary connection for top travel writer Landfalls""- سو ليونارد، "إيريش إجزامينر"، 15/ 10/ 2011.
3- "المستعرب البريطاني ماكنتوش سميث: قراءة اللغة العربية تشبه لعب الشطرنج"، حوار إليزابيت كنوبلاوخ، ترجمة: يسرى مرعي، موقع "قنطرة"، 19/12/ 2021.
4- " A Castle in the Air…"، تيم ما كنتوش سميث، موقع "نيولاينز"، 26/3/2021.
5- "تيم ماكنتوش سميث وكتابه “اليمن.. رحلات المتيم المهووس في بلاد القاموس”، صحيفة "الثورة" اليمنية، 19/4/2014.