اليمن_تاريخ_وثقافة
10.7K subscribers
142K photos
348 videos
2.17K files
24.6K links
#اليمن_تاريخ_وثقافة ننشر ملخصات عن تاريخ وثقافة اليمن الواحد الموحد @taye5
@mao777 للتواصل
Download Telegram
محمد بن سبأ على نفسه ، ففر إلى المنصور بن المفضل من ملوك الجبال الصليحيين بذي جبلة.

ثم مات الأعز قريبا ، فبحث بلال عن محمد بن سبأ ، فوصل إلى عدن ، وكان التقليد جاء من مصر ، باسم الأعز ، فكتب مكانه محمد بن سبأ وكان من نعوته : الداعي المعظم المتوج المتين ، سيف أمير المؤمنين ، فوقعت كلها عليه ، وزوجه بلال بنته ، ومكنه من الأموال التي كانت في خزائنه. ثم مات بلال عن مال عظيم ، وورثه محمد بن سبأ ، وأنفقه في سبيل الكرم والمروءات. واشترى حصن ذي جبلة من منصور بن المفضل بن أبي البركات ، كما ذكرنا واستولى عليه. وهو دار ملك الصليحيين. وتزوج سيدة بنت عبد الله الصليحي ، وتوفي سنة ثمان وأربعين وخمس مئة.

وولى ابنه عمران بن محمد بن سبأ ، وكان ياسر بن بلال يدبر دولته ، وتوفي سنة ستين وخمس مئة ، وترك ولدين صغيرين هما : محمد وأبو السعود ، فحبسهما ياسر بن بلال في القصر ، واستبد بالأمر. وكان ياسر ممدحا ، كثير العطية للشعراء ، وممن وفد عليه ومدحه ، ابن قلانس (١) شاعر الإسكندرية ، ومن قصائده في مدحه :

سافر إذا حاولت قدرا

سار الهلال فصار بدرا [١١٢]

وهو آخر ملوك الزريعيين. ولما دخل شمس الدولة سيف الإسلام أخو صلاح الدين إلى اليمن سنة تسع (٢) وستين وخمس مئة واستولى عليها ، جاء إلى عدن فملكها. وقبض على ياسر بن بلال. وانقطعت دولة بني زريع (٣) ، وصار اليمن للغز ، وفيه ولاتهم بنو أيوب ، كما نذكر في أخبارهم ، وكانت مدينة الجؤة قرب عدن ، اختطها ملوك الزريعيين. فلما جاءت دولة بني أيوب تركها ، ونزلوا تعز من الجبال كما يأتي ذكره [١١٣].

______

(١) راجع التعليق على الحاشية ١ ، ٢ (كاي).

(٢) في الأصل : سنة ست وستين وستمائة.

(٣) راجع الجدول التابع للحاشية ١١٣ (كاي).
أخبار ابن مهدي الخارجي وبنيه وذكر دولتهم باليمن ،

بدايتها وانقراضها :

هذا الرجل من أهل العنبرة ، من سواحل زبيد. وهو علي بن مهدي الحميري ، كان أبوه مهدي معروفا بالصلاح والدين ، ونشأ ابنه علي على طريقته. فاعتزل ونسك ثم حج ، ولقي علماء العراق ، وأخذ الوعظ من وعاظهم. وعاد إلى اليمن واعتزل ، ولزم الوعظ. وكان حافظا فصيحا ، ويخبر بحوادث أخباره ، فيصدق. فمال إليه الناس واغتبطوا به. وصار يتردد للحج من سنة إحدى وستين ، ويعظ الناس في البوادي. فإذا حضر الموسم ، أتاه على نجيب له. ولما استولت أم فاتك على بني جياش ، أيام ابنها فاتك بن منصور ، أحسنت فيه المعتقد ، وأطلقت له ولقرابته وأصهاره خرجهم فحسنت أحوالهم ، وأثروا ، وركبوا الخيول ، وقوي جمعهم.

وكان يقول في وعظه : دنا الوقت ، يشير إلى وقت ظهوره ، واشتهر ذلك عنه. وكانت أم فاتك تصد أهل الدعوة عنه إلى أن ماتت سنة خمس وأربعين. وكان أهل الجبال قد حالفوه على النصرة. وخرج من تهامة سنة ثمان وثلاثين ، وقصد الكدراء فانهزم ، وعاد إلى الجبال ، وأقام بها سنة إحدى وأربعين ، ثم أعادته الحرة أم فاتك إلى وطنه ، وماتت سنة خمس وأربعين.

فخرج إلى خولان ونزل ببعض منهم يقال له : حيوان. في حصن يسمى الشرف ، وهو حصن صعب المرتقى ، على مسيرة يوم من سفح الجبل في طريقه أوعار ، في واد ضيق ، عقبة كؤود. وسماهم الأنصار ، وسمّى كل من صعد معه من تهامة ، المهاجرين. وأمر للأنصار رجلا اسمه سبأ ، وللمهاجرين آخر أسماه شيخ الإسلام ، واسمه النوبة. واحتجب عمن سواهما.

وجعل يشن الغارات على أرض تهامة ، وأعانه على ذلك خراب النواحي بزبيد فقطع سابلتها ، وأخرب نواحيها ، وانتهى إلى حصن الداشر ، على نصف مرحلة من زبيد ، وأعمل الحيلة في قتل سرور ، مدبر الدولة

179
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
#حضرموت


وفي جنوب السّحيل : حراد ، وهو موضع بسفح جبل ، فيه قرية صغيرة ، وأكثر أرضه إلى الآن لمقام الشّيخة سلطانة بنت عليّ الزّبيديّة.

وسكّانه : آل سيف من العوامر ، ينتسبون إليها بالخدمة ، وكان فيهم رجال يهابون العار ، ولا يبالون طعن الشّفار ، لا تحلّ حباهم الخطوب ، ولا تعرف وجوههم القطوب ؛ مثل الشّيخ هادي بن سيف ، فلقد كان ينطبق عليه قول لقيط الإياديّ [من البسيط] :

لا يملأ الهول قلبي قبل موقعه 

ولا أضيق به صدرا إذا وقعا

وله ولابنه عليّ بن هادي ذكر كثير في حروب الدّولة آل عبد الله مع القعيطيّ ويافع.

وفيها ناس من الحرّاثين آل عبد الشّيخ المنتشرين بقرى تاربة ونخيلها ؛ ومنهم الرّجل الصّالح سالم عبد الشّيخ ، له عمل مبرور ، وسعي مشكور ، وتواضع جمّ مذكور.

وفي جنوب حراد : وادي عبد الله بن سلمان ، سكّانه حرّاثون. ثمّ : حصن الدّولة آل جعفر بن أحمد.

ثمّ : غنيمه ، وهي مسكن آل أحمد بن محمّد بن عليّ بن بدر بن عبد الله بن عمر بن بدر بوطويرق ، ولأحمد بن محمّد هذا أربعة أولاد : جعفر ، وعبد الله انقرضا عن الذّكور. ومحسن بن أحمد ، وهو والد السّلطان غالب بن محسن ، وأخيه عبد الله. وعليّ بن أحمد والد أصحاب قيطع.

ولأحمد بن محمّد هذا إخوان أربعة : يقال لأحدهم : صالح بن محمّد ، وله أولاد ؛ منهم : السّلطان عبد الله بن صالح ، الشّجاع الموفّق المشهور. وللثّاني : سالم بن محمّد ، والد عبود بن سالم. وللثّالث : حسن بن محمّد ، وهو جدّ حسن بن عمر بن حسن بن محمّد. وللرّابع : جعفر بن محمّد ، وهو أبو سعيد بن جعفر ، والد أحمد بن سعيد ، وعليّ بن جعفر والد منصور بن عليّ.

ثمّ إنّ أحمد بن محمّد أو والده محمّدا فارق غنيمه ، وسكن على مقربة من قارة
الشّناهز ، وكان بها جماعة من آل عبد الودود ، فصهر إليهم أحمد بن محمّد ، وبقي يقطع الطّريق ويخيف السّابلة حتّى تاب على يد الحبيب إسماعيل بن أحمد العيدروس ، وعاد بأمره إلى واد في تاربه ، ولهذا السّبب بقي عنده وعند أعقابه احترام لآل إسماعيل

ومن وراء غنيمه جنوبا : غيل بدر بن عبد الله بن عمر بن بدر بوطويرق ، وعنده آثار ديار صغيرة.

ومن ورائه : مكان لآل خميس ، يقال له : حريز (١) ، وهو منبع عيون ماء تدفع إلى غيل بدر.

سحيل محسن ، وعند ما يرجع الذّاهب من وادي تاربه إلى جهة الشمال .. يجد ديارا بسفح الجبل الشّرقيّ ، فيها جامع كبير ، يقال لتلك الدّيار : سحيل محسن ، نسبة إلى السّيّد محسن بن حسين ابن الشّيخ أبي بكر بن سالم. وبها كان يسكن الشّيخ أبو بكر بن سعيد الزّبيديّ السّالف ذكره في حوطة سلطانة.

ومن سكّانها : آل عبد الباقي العامريّون ؛ منهم : آل كرتم ، كان من آخرهم : الشّيخ بخيت بن عبد الله بن كرتم ، رجل له شهامة ومروءة.

ومنهم : ناصر بن عوض بن عبيد قاتل السّيد بو بكر بن عبد الرّحمن ظلما حسبما يأتي قريبا في باعبد الله ، وله أخ من أحسن النّاس سيرة ، وأصفاهم سريرة ، وهو سالمين بن عوض ، له أعمال مشكورة ، منها تأسيس مدرسة الرّياضة العربيّة بممباسا ، وقيامه بمصالحها ، وهو الرّئيس الأوّل لها ، ويعاونه الشّيخ صالح بن عليّ باكثير على التّدريس فيها.

وقريبا من سحيل محسن كان يسكن الشّيخ صالح بن عائض بن جخير وأسرته آل جخير ، وهو رجل من لهاميم (٢) العرب ، يهاب اللّوم ، ولا يبالي كثرت أم قلّت

______

(١) وهو غير حريز موضع بالكسر ينسب للإمام أحمد بن حسن العطاس ، وفيه أملاك وأراض واسعة له.

(٢) اللهاميم : السّابقون في الجود ، مفردها : لهميم.
القوم ، يغلي الكلام ، ويوفي الذّمام ، وقلّ أن تنجب مثله الأيّام ، لا ينام عن ثار ، ولا يعلق به العار.

أخو الحرب إن عضّت به الحرب عضّها

وإن شمّرت عن ساقها الحرب شمّرا (١)

وله أخبار جميلة ، ذكرنا بعضها في «الأصل». وله محبّة في الصّالحين وأهل العلم ، توفّي حوالي سنة (١٣٣٣ ه‍).

وفي شمالهم : ديار آل مطرف من الحطاطبة (٢) ، كان لهم تعلّق بالسّادة آل خيله وانتساب إليهم بالخدمة.

ومنهم : عبود ومحمّد ابنا سلامة بن مطرف ، كانت لهم ثروة ، حتّى إنّه يذكر أنّهم أعانوا السّلطان الكثيريّ في تجهيزه على الشّحر سنة (١٢٨٣ ه‍).

باعبد الله

هو في شرقيّ السّحيل القبليّ بيسير من الانعطاف ، وهي عاصمة تاربه ، ويقال لها : باعبد الله ؛ لأنّ الشّيخ عبد الله بن تميم باعها في أوّل ما باع من أرض تاربه ، فقيل : باع عبد الله ، ثمّ سقطت العين بالتّدريج وتداولته الألسن حتّى صار علما عليها ، ويتأيّد هذا بما سبق عن الشّيخ عبد الله بن تميم في السّحيل القبليّ. وقيل : وعليه الأكثر ؛ لأنّ أوّل من تديّرها من أعقاب السّيّد أحمد بن عبد الله ـ صاحب الطّاقة ـ ابن أحمد بن حسين العيدروس .. هو السّيّد الجليل علويّ بن أحمد ، وبها توفّي سنة (١١١٩ ه‍) ، فنسبت إليه ـ لأنّ جدّه عبد الله ـ أي : قرية ابن عبد الله ، ومثل هذا ولا سيّما في دوعن كثير ، كذا سمعته وهو معقول.

ومن ذرّيّته آل عمر بن زين ، وآل جعفر ، ومنهم : السّيّد بو بكر بن عبد الرّحمن بن جعفر ، المقتول ظلما بجامعها ليلة (٢٧) من رمضان ، سنة (١٣٥٩ ه‍) ، قتله

______

(١) البيت من الطّويل ، وهو لحاتم الطّائي في «ديوانه» (١٠٩).

(٢) آل مطرف هؤلاء غير آل بامطرف القنازلة الكنديين السابق ذكرهم في المكلا والقطن.
ناصر بن عوض أحد آل عبد الباقي والجامع مملوء بالنّاس وبجماعات من كلّ قبائل العوامر ، ولم تحبق في ذلك شاة! والعوامر يعتذرون عن ذلك بأن ليس لهم وجه بعد ما بسطت نفوذها عليهم الحكومة الكثيريّة بالقوّة الإنكليزيّة.

وقد هرب القاتل إلى نجد العوامر حيث تزوّج وتبسّط على الأمان ، وبقي يتردّد إلى داره بتاربه أوّلا في السّرّ ، ثمّ تعالن في ذلك. ويقال : إنّ الحكومة الكثيريّة جدّت في طلبه ، فلم تقدر عليه ، وبإثر ذلك ركب إلى السّواحل الإفريقيّة عن طريق سيحوت.

ومن ذرّيّته بها : آل محضار ، وآل إسماعيل بن أحمد ، وهؤلاء هم مناصبها وأمراؤها ، وكان لهم الضّلع الأقوى في الفتنة الّتي قامت بتريم سنة (١١٦١ ه‍) بسبب تابوت القطب الحدّاد ؛ فإنّ آل عيدروس جدّوا في منعه ومعهم آل جابر ، وآل الحدّاد صمّموا على وضعه ومعهم آل كثير ومنصب الشّيخ أبي بكر بن سالم ، وأمّا يافع .. فمفترقون ومواربون ، وكانت النّتيجة أنّ التّابوت وضع على قبر الحدّاد ثمّ أحرق ، ثمّ رمّم ، ثمّ وضع ، ثمّ أزيل ، ولذلك حديث طويل مستوفى ب «الأصل».

ومن آخر مناصب آل إسماعيل بن أحمد : المنصب الجليل السّيّد محمّد بن حسين ، كان شهما شجاعا ، محبّا للعلماء ، كثير البرّ بأمّه ، له مع المنصب السّيّد عبد القادر بن سالم مداعبات ومفاكهات ، تشهد بسلامة الصّدور والبعد عن التّصنّع والتّنطّع والتّكلّف ، وكان بينه وبين العلّامة الجليل السّيّد أبي بكر بن شهاب مشاحنة يوسّعها العلويّون توسيعا هائلا ؛ كيادا لابن شهاب وحسدا له ؛ إذ كان للمنصب السّيّد محمّد بن حسين إذ ذاك نفوذ كبير على الدّولة آل عبد الله بسيئون وتريم ، وعلى آل جابر وعلى كثير من العوامر ، وضالّة العلويّين إذ ذاك : أذيّة العلّامة ابن شهاب ومضايقته وإهانته ، فأذكوا نار العداوة بينه وبين المنصب المذكور حتّى لحقه كثير من الأذى ، فلم يكن من ابن شهاب إلّا أن جاء ليلة بخفارة قويّة إلى دار للشّيخ أبي بكر بن سعيد الزّبيديّ في سحيل محسن ـ وكان له صديقا ـ وخفّا من آخر اللّيل إلى جامع باعبد الله حيث كان المنصب يتهجّد هناك ، فتصافحا وتعانقا وتباكيا ، واستحالت الصّهباء (١) ، وصار المنصب من أكبر أصدقاء

______

(١) استحالت : تحوّلت. الصّهباء : الخمر. والمفعول محذوف معلوم بالضرورة ؛ أي : خلّا. وفي
العلّامة ابن شهاب ، وترافقا في سفرة لهما من حضرموت إلى الشّحر ، ثمّ إلى عدن ، ثمّ إلى لحج.

توفّي المنصب في سنة (١٣٢٥ ه‍) ، وخلفه ولده محمّد بن محمّد ، وكان سليم البال أبيض السّريرة ، توفّي في سنة (١٣٤٩ ه‍).

وفي سنة (١٣٤٢ ه‍) نشر الشّرّ أذنيه بين آل تريم وآل العيدروس ، بسبب أنّ آل العيدروس أرادوا بناء حصن إلى جانب حصنهم المسمّى بحصن العزّ ، في حدّ ثبي الشّماليّ ، فمنعهم آل تريم ، فغضب لذلك السّيّد علويّ بن عبد الله بن حسين ووافقه أكثر آل العيدروس ، واشتعلت الفتنة ، ثمّ سوّيت القضيّة في سنة (١٣٤٤ ه‍) على يد السّيّد حسين بن حامد المحضار ، فقضى بهدم بعض الحصن الجديد ، وإلى ذلك الإشارة بقصيدتي المستهلّة بقولي [من الطّويل] :

على العزّ يبكي ملء عبرته النّاعي 

هوى حصنه يا ويح بان وصنّاع 

ولها قصّة طريفة مستوفاة ـ مع أخبار تلك الحادثة ـ ب «الأصل» ، وفي ديباجة القصيدة من الدّيوان.

توفّي المنصب السّيّد محمّد بن محمّد بن حسين في سنة (١٣٥٤ ه‍) ، واختلف فيمن يتولّى بعده ، فالسّلطان عليّ بن منصور رشّح لها ابنه محمّدا ، الملقّب ب : (الفاخر) ، وكان شهما ، إلّا أنّه غائب بجاوة ، فأراد أن ينوب عنه أخوه إلى وصوله.

ولكنّ آل العيدروس أسندوا المنصبة إلى السّيّد حسين بن عبد الله بن حسين العيدروس.

ثمّ لمّا توفّي .. أسندوها إلى أخيه السّيّد محمّد بن عبد الله بن حسين ، وهو الّذي عليها اليوم ، إلّا أنّه ضعف نفوذهم ـ كما قدّمنا في بور ـ بمضايقة الحكومة لهم.

وفي باعبد الله جماعة من ذرّيّة السّيّد أحمد بن عليّ بن الحسن ابن الشّيخ أبي

______

هذا كناية عن تبدّل الأمر من السّيّء إلى الأحسن. كما تقول : تحوّلت الخمر خلّا.
بكر بن سالم ، يقال لهم : آل بو فطيم ؛ منهم : السّيّد عمر بن سالم (١) ، وكان شهما غيورا ، أبيّ الضّيم ، قويّ النّفس.

وكانت لديهم ثروة في المال والرّجال ، فبدا لهم أن يبتنوا مسجدا بفناء دورهم الضّخمة في سنة (١٣٠٧ ه‍) ، ولمّا شرعوا فيه .. منعهم السّادة آل العيدروس ، وتداعوا للقتال واستعان آل العيدروس بآل كثير ، وجاء الشّيخ عائض بن سالمين في جمهور منهم بصورة المساعدين لهم ، ولمّا وصلوا تاربه .. استقبلهم أحد العوامر الّذين في جانب آل بو فطيم بقوله :

حيا بكم يا اهل النّكف يا اهل الطرف 

يا الّلي تهابون المعار

أن لا تقدّى العيدروسي واعترف 

بانحرق الوادي بنار

فقال عائض : أجيبوه ، فأجابه سعيد بن محمّد بن عمر بن عليّ ـ الّذي لا يزال حتّى الآن موجودا ـ بقوله :

يا حاز أن بحزيك ياذيب افتني 

يا زاهد المعنى وحرف الافتكار

عود الدّقل صاري معا غبة قمر

حافظ على السنبوق من دقّ القشار

ثمّ إنّ آل بو فطيم أرضوا عائض فأخذ يهوّل على آل العيدروس بأنّ منع بناء مسجد من المنكرات ـ ولم يدر حكم ذلك الّذي قرّرناه في «الأصل» ـ ثمّ إنّه انصرف ولم ينفع آل العيدروس بشيء ، وما زالت القضيّة تتعقّد حتّى توسّط سيّدي الأستاذ الأبرّ عيدروس بن عمر ، فسوّى المسألة على أن يكون مسجدا صغيرا لا يزيد عن عمودين ، فسكن الشّرّ ، وفرغوا من بنائه سنة (١٣٠٨ ه‍) ، فكان تاريخه : (مسجد ضرار).

ثمّ نجم الشّرّ بينهم مرّة أخرى يوم العيد في الجامع ، فتضاربوا بالعصيّ ، وكان ما فصّلناه ب «الأصل».

ثمّ ضعف أمر آل بو فطيم ، فقلّت رجالهم ، وتبدّدت أموالهم.

ومن اللّطائف : أنّ أحد الزّعماء من العلويّين ـ بمرأى منّي ومسمع ـ أطال في

______

(١) ذكره العلامة المشهور في «الشمس» (١ / ٢٧٥).
تهضّم آل بو فطيم ، والحطّ منهم بحضور بعضهم ، فانبريت له وقلت :

أمّا تكنّي جدّهم ببو فطيم فشرف لهم ، وقد اكتنى النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم بفاطمة.

وأمّا التّصغير .. فما هو إلّا أدب مع جدّهم وجدّتهم فاطمة الزّهراء. فانقطع.

ومن وراء باعبد الله إلى جهة الشّرق عن يمين الذّاهب إلى تريم أيضا دار صغيرة لآل كليلة ، تقابل دارهم الأخرى الّتي عن يسار الذّاهب إلى تريم.

ومن ورائها : دار لآل بو فطيم. ومن ورائها : قرية شرمه. وأمّا عن يسار المنحدر إلى تريم : فأوّل ما يكون : مكان آل كرتم.

ثمّ : كساح ، مساكن آل سالم من الحطاطبة. ثمّ : مكان آل غريب ، وهم وآل خميس أهل السّحيل القبليّ ينتسبون إلى رجل واحد. ثمّ : مكان آل جعفر.

وقد سبق في القارة أنّ شنبل لا يطلق لقب الشّنافر إلّا على آل عبد العزيز ، وقد تشكّكت هل يعني آل القارة أم العوامر؟ ثمّ رجّحت الثّاني ، ويتأكّد بما اتّفق عليه جماعة من معمّري العوامر ـ تلقّوه عن آبائهم وهلمّ جرا ـ منهم : الشّيخ عوض بن ربيّع بن سيف ، وناصر بن الضّبّ ، وصالح بن عبد الله بن غريب ـ وهو : أنّ جدّهم عاش مع الوحوش فلم يعرف الكلام ، وما كاد أهله يقدرون عليه إلّا بعد لأي ما ، وعندما قدروا عليه .. أمسكوه ، وما زالوا به حتّى أنس بهم ، ولم يتكلّم حتّى رأى الشّنّة (١) انشقّت فقال : (الشّن انفرى) ، ولمّا كانت هي أوّل كلمة نطق بها .. أطلقوها عليه ، ثمّ غيّروها قليلا وقالوا : (الشّنفري).

هذا هو جدّ العوامر ، وفيه ردّ لما طرق سمعي أخيرا عن بعض المجلّات المصريّة أنّ من لم يعرف الكلام لبعده عن النّاس .. يموت.

ولا يبعد أن يكون العوامر من أعقاب سمل الّذي صهر إليه جدّنا عبيد الله بن

______

(١) الشّنّة : قربة الماء.

811
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
#تاريخ_صنعاء

قال (أبو نواس الحسن بن هانئ في قصيدة مشهورة) (١) يصف تطييب المسجد الجامع بصنعاء (٢) :

نحن أرباب ناعط ولنا

صنعاء والمسك في محرابها (٣)

وكان في أيام بني أمية يخضبون محاريب المساجد وأساطينها بالخلوق والطيب فلم يزل ذلك في أيامهم ، ثم انقطع ذلك الطيب من المساجد لما قدم عمر بن عبد الحميد وكان أول من ولي صنعاء لبني العباس وبوّب أبواب مسجد صنعاء ، وكان لا بأس به.

قال الكشوري : حدثني أحمد بن دامرد قال : عمر بن عبد الحميد أول من ولي صنعاء لبني العباس وهو أول من بوّب (٤) المسجد الجامع وكان لا بأس به ، وكان أيوب (٥) بن يحيى على صنعاء بعثه إليها الوليد ، والوليد قبل هشام.

قال ابن عبد الوارث : يوسف بن عمر كان أميرا على صنعاء بعثه هشام بن

______

فلما جرت به عادة أهل التواريخ ، ولو لا ما فعلوه لما كان الآخر يعلم ما كان عليه الأول من خير فربما يميل إليه ويقتدي به ، أو من شر فربما ندمه ويعمل بخلافه ، وأن من وفقه الله تعالى للخير يحله غيره لطلب السعادة الباقية التي لا تفنى في الدار الآخرة ، وإذا قفا أثر من قبله علته الغيرة والحمية الإسلامية ليسلم نفسه من النار ، ويرغب لها في الجنة فيعمل كما عمل من قبله فيحصل الثواب للعامل والمعمول له» ا ه.

انفردت (صف) بهذا الباب ، ونظن أنه مقحم ، فلسنا نجد فيه طريقة المؤلف ولغته في بسط الأخبار ، ولا استطراداته إلى فنون من الترغيب والترهيب كما نجده في هذا الباب.

(١) ما بين القوسين ليس في : حد ، صف ، مب.

(٢) «بصنعاء» ليست في صف ، وفيها زيادة : «في ذلك شعرا». وفي حد : «مسجد صنعاء».

(٣) كذا الأصول ، والبيت في ديوان أبي نواس (ط صادر ، ص ٨٦) :

بل نحن أرباب ناعط ولنا

صنعاء والمسك من محاربها

وهو البيت الرابع من قصيدة مطلعها :

لست بدار عفت وغيرها

ضربان من قطرها وحاصبها

(٤) حد ، صف ، مب : «بوّب أبواب المسجد».

(٥) كذا الأصل ، وفي سائر النسخ : «وكانت عمارة أيوب».
عبد الملك سنة أربع ومئة ، وولي صنعاء ثلاث عشرة سنة ، وأيوب بن يحيى كان واليا على صنعاء بعثه الوليد فولي أيوب صنعاء (١) خمس سنين وهو الذي بنى مسجد صنعاء بأمر الوليد بن عبد الملك حين بعثه واليا ، وذلك أن ولاية الوليد من سنة ست وتسعين.

أخبرني عطية بن سعيد بن عبد الله عن محمد بن الحكم قال : أبو محمد كانت خلافته ثماني سنين (٢) وذلك من نصف شوال سنة سبع وثمانين وتوفي في النصف من جمادى سنة ست وتسعين.

ابن جماهر أبو عيسى ، محمد بن عيسى (٣) الترمذي ، عبد الله بن عبد الرحمن. أنا يحيى بن حسان أبو معاوية عن عبد الرحمن بن إسحاق عن سيار عن أبي وائل عن علي عليه‌السلام أن مكاتبا جاءه فقال : إني قد عجزت عن مكاتبتي فأعنّي قال (٤) : ألا أعلمك كلمات علمنيهن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لو كان عليك مثل جبل ضين دينا أداه الله عنك ؛ قال : قل : «اللهم اكفني بحلالك عن حرامك وأغنني بفضلك عمن سواك» (٥) ، وهذا حديث حسن غريب. جبل ضين باليمن إليه قبلة مسجد صنعاء.

وقيل : حشوش الدنيا ثلاث : عمان وهيت وأردبيل (٦).

______

(١) ليست في : حد ، صف ، مب. وفي صف ، مب : «فولي أيوب بن يحيى خمس سنين». وفي حد وحدها : «فولي أيوب بن يحيى خمسين سنة» وهو خطأ واضح وانظر تعليقنا على هذا الخبر حيث يرد مرة ثانية في الصفحة ٣٦١.

(٢) ليست في سائر النسخ.

(٣) ساقطة في مب.

(٤) الأصل با ، س : «أنا» وما أثبتناه من : حد ، صف ، مب.

(٥) أخرجه الترمذي ٥ / ٥٦٠ وفيه بدلا من جبل ضين ، جبل ثبير وانظره في مسند أحمد ١ / ١٥٣. وفيما سبق ص ١٣٤.

(٦) كذا في الأصول كلها ، ولعل العبارة مقحمة إذ لا علاقة لها بالموضوع.
ذكر عمارة مسجد صنعاء قبل مسجد الجند

قال محمد بن داود بن قيس : بني مسجد صنعاء الجامع قبل مسجد الجند بستة أشهر بأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فهو أفضل لقدمه عليه.

قال مطرف بن أيوب : في مسجد صنعاء / قبر نبي.

حدثني القاضي الحسين بن محمد قال : ذكر لي جدي أن أحل الصوافي ما أصفاه (١) عمر بن الخطاب من أرض (٢) باذان (ومنها عليب ومنها ضيعة بالمنشر وسوق باذان) (٣) قال القاضي : يعني سوق ذمار. وحكي لي أن جده قال : كان بين عمارة مسجد صنعاء وبين مسجد (٤) ذمار أربعون يوما ، وهو المسجد [الثاني](٥) ثم مسجد الجند ومسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبلها.

حدثني عبد السلام بن محمد النقوي ، قال : سمعت عبد الرحمن بن إسماعيل بن كليب ، قال : قال لي القاضي عبد الأعلى بن محمد : إذا شهدت الصلاة في مسجد صنعاء في الجماعة فكأنما غنمت غنيمة (أو قال : فكأنني إنما غنمت غنيمة) (٦).

______

(١) أصفى فلانا : آثره (المحيط للفيروز آبادي).

(٢) «من أرض» ذهبت في مب.

(٣) ما بين القوسين ساقط في مب.

(٤) ليست في حد.

(٥) من : حد ، صف ، مب.
ذكر جبانة صنعاء وإحداثها على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم

حدثني (١) القاضي سليمان بن محمد النقوي قال : حدثني (٢) يحيى القاضي قاضي صنعاء ، قال أبو إسحاق إبراهيم (٣) بن برة قال : حدثنا محمد بن عبد الرحيم عن أبيه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمر فروة بن مسيك [المرادي](٤) أو أبان بن سعيد أن يتخذ مسجدا بصنعاء في بستان باذان فيما بين غمدان والحجر الململمة. قال فابتناه ، ثم قال : اتخذوا لعيدكم مصلى فدعوه إلى ناحية الحقل. فقال : بل يكون المخرج من ناحية القبلة ، فصعد على غمدان فنظر إلى موضع الجبانة فسأل عنه فقيل : موضع معسكر الحبشي ، فقال : لأنزلنه ولأجعلنه مصلى ما بقي. وكان ذلك الموضع جربة (٥) لأبي حمال ، فطلب إليه أن يبتاعها منه فقال : أنا أجعلها مصلى لعيد المسلمين ، فقال : هي لله تعالى ولرسوله.

قال (٦) وهب بن منبه اليماني : إن أيسر مسجد صنعاء أفضل من أيمنه ، وإن أيسر جبانة صنعاء أفضل من أيمنها.

حدثني بعض أهل صنعاء عن أبيه أن أباه أخبره أنه [قال](٧) : كانت جبانة صنعاء بباب واحد وكانت الدور شارعة عن يمين وشمال باسقة في الهوى ، عليها مساكن وغرف عالية من أبهى العمارة وأحسنها صنعة ، وكانت أجل منازل

______

(١) حد : «حدثنا».

(٢) سقطت في حد.

(٣) تكملة من حد.

(٤) الجربة : المزرعة والقراح من الأرض أو المصلحة لزرع أو غرس (المحيط).

(٥) حد ، صف : «قال بعض العلماء وهو وهب».

(٦) من بقية النسخ
صنعاء ، وكانت مساكن ولاة من يرد من العراق وحاشيتهم ممن يقدم (١) مع أولئك الولاة مع من كان يسكنها من التجار / والأغنياء وأهل الثروة واليسار. فكان إذا كان يوم الأضحى أو الفطر أمروا عبيدهم وإماءهم فكنس كل رجل منهم ساحة باب داره ورشوها بالماء فيصير الموضع كله نظيفا مرشوشا بالماء ، ويبسطون حصر السامان (٢) ويجعلون على كل باب وفنائه (٣) تلك الحصر المعروفة بحصر السامان والزلالي (٤) الرومي والطرسوسي والأرمني من الأحمر وغيره (من الأرجوان ، ويطرحون الريحان وغيره) (٥) من الأزهار الطيبة والأنوار العبقة ويرشونها بالماورد الكثير (٦) والكافور ، ويجعلون المقاطر الصفر (٧) الكبيرة بين تلك الأفنية ويطرحون عليها من العود الرطب وغيره من الند المتغالي في ثمنه وصنعته فيبخرون الموضع كله مع المصلى من صلاة الفجر إلى انصراف الإمام والناس من صلاة العيد ، ويجعلون على كل باب من تلك الأبواب كيزان الماء الجدد قد برّد ليشرب الناس ، وكان ظل المصلى والجبانة ظلا ممدودا من تلك الدور الشارعة من يمين وشمال من علو سمكها (٨) وارتفاع بنيانها. وكانوا يصلون صلاة العتمة في الجماعة (٩) في الجبانة آخر من يصلي في البلد كله ، وكانوا يؤمرون بتأخير صلاة العتمة لأن يتمكن من (١٠) داخل البلد ، ويقضي من كان له حاجة من خوف سرعة

______

(١) بقية النسخ : «يفد».

(٢) السام : الخيزران (المحيط) ، ولعل هذه الحصر تصنع من قش الخيزران.

(٣) ليست في صف.

(٤) مفردها زلية بالكسر وهي البساط (المحيط).

(٥) ما بين القوسين ساقط في س.

(٦) ليست في حد.

(٧) المقاطر الصفر : مفردها مقطرة ، وهي الجمرة من النحاس (المحيط).

(٨) سمكها : مفردها السمك ، وهو السقف أو من أعلى البيت إلى أسفله (المحيط).

(٩) ليست في مب.

(١٠) بدلها في حد ، صف ، مب : «الناس في».
خروج العسس (١) لأن لا يقع أحد في أيديهم مفاجأة ، وكانوا قد اتخذوا حلقا من الصفر على تمثال صورة ثور مجوف ؛ على كل باب من تلك الأبواب حلقة صفر على هذا التمثال إذا ضرب بحلقة منها كان لها صوت ودوي شديد. وكانوا إذا قضوا صلاتهم ، أعني صلاة العتمة ، ضرب كل رجل منهم باب داره ضربة واحدة فيسمع أقصى أهل البلد وأدناهم صوت تلك الحلق إذا قرعوا أبوابهم فيعلمون أن أهل الجبانة قد قضوا صلاتهم ودخلوا منازلهم فيشمر أهل البلد إلى منازلهم خوفا من العسس (٢) فكانت تلك علامة (٣) لأهل البلد.

وكانت تسمى جبانة بني جريش (٤) يعني جريش بن غزوان فيقال : إنهم كانوا من أهل خراسان وكانوا أغنياء. يقال : إنه كان في أيدي بني غزوان أربع مئة ألف دينار.

وروي أن بعض الولاة بصنعاء / كان له جارية وكانت (٥) حظية عنده وكانت من القيان ، وأنه خوطب في أمرها ؛ خاطبه بعض ولاة زبيد فكبر على ذلك الوالي مسألته فوجه بها إليه فأشخصت إلى الوالي بزبيد فأكرمت ورفعت منزلتها ، فلما كان يوم عيد إما أضحى وإما فطر ذكرت ما كانت فيه بصنعاء وذكرت يوم العيد بصنعاء وطيب (٦) جبانتها وما كان بها من الحسن والزينة فقالت في ذلك أبياتا منها (أنشدنيها رجل من أهل العشة) (٧) :

______

(١) حد ، صف ، مب : «العاس».

(٢) صف ، حد ، س : «خوفا من خشية العاس».

(٣) حد : «عادة».

(٤) حد ، صف ، مب : «الجريش».

(٥) ليست في : حد ، صف ، مب.

(٦) سقطت في مب.

(٧) ما بين القوسين ليس في س.

142
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM