اليمن_تاريخ_وثقافة
10.4K subscribers
141K photos
348 videos
2.16K files
24.5K links
#اليمن_تاريخ_وثقافة ننشر ملخصات عن تاريخ وثقافة اليمن الواحد الموحد @taye5
@mao777 للتواصل
Download Telegram
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
هجرة اليمنيين ودورهم البارز في بناء جيبوتي.



عبدالله محمد كامل – رئيس الوزراء الجيبوتي الأسبق ل«الجمهورية»:
نأمل تحقيق تعاون أوسع بين اليمن وجيبوتي

عبد الرحمن مطهر

زار بلادنا نهاية الشهر الماضي وفد من جمهورية جيبوتي الشقيقة برئاسة السيد عبدالله محمد كامل رئيس الوزراء الجيبوتي الأسبق تم خلالها بحث العديد من القضايا التي تهم البلدين الشقيقين.
صحيفة «الجمهورية» التقت بالسيد عبدالله كامل رئيس الوفد والذي فضل أن يتحدث لنا عن عمق العلاقات التاريخية والأخوية بين الشعبين الشقيقين اليمني والجيبوتي باعتبار هذا الجانب هو الجانب المغيب..

فقال: في البداية يسعدني أن نستهل حديثنا مع صحيفة الجمهورية في اليمن الشقيق والتي أتاحت لنا هذه الفرصة العزيزة لنطل عبرها على القارئ اليمني للحديث عن عمق تاريخنا المشترك والتواصل الحضاري بين دفتي البحر الأحمر اليمن والقرن الإفريقي من ناحية والعلاقات اليمنية الجيبوتية من ناحية أخري وأضاف.
: يعلم الكثير فإن مدينة جيبوتي هي مدينة حديثة النشأة أسسها الاستعمار الفرنسي قبل حوالي مائة وعشرين عاماً إلا أنها تشكل جزءاً من القرن الأفريقي الممتد من أقصى شمال إرتيريا إلى أقصي جنوب الصومال من هضاب وجبال وسواحل يقابلها من الضفة الأخرى للبحر الأحمر اليمن.
أما اليمن فإن لها حضارة قديمة ضاربة بجذورها في عمق التاريخ، تعود هذه الحضارة إلى آلاف السنين ونذكر منها علي سبيل المثال لا الحصر في هذا المقام حضارة سبأ ومعين وحضرموت وقتبان وأوسان وحمير وما إلى ذلك، وقد امتدت هذه الحضارة لتصل إلى القرن الأفريقي وأسست هناك في مرحلة تاريخية حضارة في هضبة الحبشة هي حضارة مملكة أكسوم.
الحميرية ما زالت اللغة المستخدمة في القرن الإفريقي.
ويضيف السيد عبدالله كامل قائلاً: كما نعرف جميعاً ممالك سبأ وحمير وغيرها من الممالك اليمنية القديمة كانت لغتها هي اللغة السبئية الحميرية وكانت لها حروف خاصة بها وكانت تكتب بأشكال هندسية بديعة، كانت هذه اللغة هي أحد أبرز اللغات السامية في ذلك العهد القديم، وأيضاً تركت لنا هذه الحضارة الكثير من المعالم المعمارية التاريخية والحضارية النادرة التي تدل على عظمة الإنسان اليمني في ذلك الزمن،وهنا نتساءل ماذا عن مملكة أكسوم وحضارتها لغة وكتابة ومعماراً.
الواضح أن الكتابة الحميرية ولغتها كانتا ومازالتا حتى اليوم الكتابة واللغة المستخدمة في الحبشة سواءً في عصر مملكة أكسوم أو في دولتي إثيوبيا وأرتيريا الحديثة والمعروفة لديهما بكتابة ولغة الجئيز.
 كيف يمكن لنا تفسير هذا الانتقال للكتابة واللغة الحميرية اليمنية وترسخها في أرض الحبشة من أكسوم إلي يومنا هذا؟ تضاف إليها الآثار المعمارية الحميرية ونقوشها لا زالت شاخصة في قصور أكسوم وجوندر.
هل حدث هذا الانتقال عبر هجرات متلاحقة من اليمن إلي الحبشة أم بطرق ووسائل أخرى أي بامتداد النفوذ من خلا ل توسع لمملكة سبأ على الهضبة الحبشية وإخضاعها لحكمها؟
نترك الإجابة على ذلك للوثائق التاريخية للمؤرخين انطلاقاً من أن التاريخ لم يكن بالنسبة لي لا مجال دراسة ولا مجال احتراف وما حديثي هذا إلا محاولة لقراءة المعالم والتوقف على المشاهد.
ويقول: أيضاً هناك العديد من التساؤلات التي نأمل أن نجد إجابات لها من خلال الباحثين والمؤرخين خاصة أن هناك ملامح وآثاراً للوجود اليمني في الحبشة، لكننا لا نعلم للأسف أي شيء عن آثار اكسوم و الوجود الحبشي في اليمن والذي تكرس عبر غزو مملكة أكسوم واحتلالها لليمن على يد قائدها العسكري أبرهة الأشرم الذي قام بإخضاع اليمن لحكم أكسوم وبلغت به الغطرسة والحماقة لاستهداف مكة بالتدمير هل كان لهذا الاحتلال الذي استمر لفترة أي آثار ثقافية أو حضارية غير الحميرية من كتابة ولغة.
ولمن يعود أصل هؤلاء الغزاة إلى الحميريين، أم السبئيين أم من، وماذا بعد أكسوم المسيحية وهل استمر التواصل بينها وبين اليمن؟
لكن من خلال معرفتي المتواضعة أستطيع القول بأنه لم يستمر هذا التواصل إلا في النطاق المحدود ففي اليمن نشأت حضارة إسلامية يقابلها في الحبشة المسيحية، لكن ماذا عن بقية مناطق القرن الإفريقي؟
في العصر الإسلامي يذكر التاريخ وصول المد الإسلامي إلى سواحل القرن الإفريقي ومرتفعاتها منذ وقت مبكر عبر هجرات يمنية عربية إسلامية متلاحقة على مدى قرون وأنشأت فيها حواضر وفي هذه الحواضر نشأت حضارة إسلامية، ومع مرور الزمن قامت في بعضها إمارات إسلامية مرتبطة على المستوى الديني والحضاري وحتى تجارياً مع اليمن، منها إمارة زيلع وإيفات وادال التي كانت تتخذ من هرر عاصمة لها وجزر دهلك، وبطبيعة الحال أدى نشوء هذه الإمارات الإسلامية إلى احتكاكها بالحبشة المسيحية وحدث ما كان لابد أن يحدث وهو الصدام والمواجهة المستمرة بين هذه الإمارات والإمبراطورية الحبشية خاصة من القرن الثامن إلى نهاية القرن السادس عشر الميلادي.ورغم محدودية مواردها البشرية وإمكاناتها العسكرية استمرت الإمارات الإسلامية السبع من زيلع’ إيفات’ هدية ‘مورة ‘بالية ‘في مواجهة الإمبراطورية الحبشية مع استسلام بعضها وتقديم الجزية نتيجة لضعفها ونتيجة للحروب التي جرت فيما بينها، بالإضافة إلى إمارة دهلك التي اتسع نطاق نفوذها وتعددت حروبها وطال أمد سلطانها لقرون، وكانت هناك مراحل قوة ضاربة للإمارات الإسلامية التي تمثلت في إمارة أدال والتي امتدت سلطتها إلى كل من دوار وشمالاً وجنوباً وإقليم فتجر وايفات وسلطنة أوسا والمنطقة الواقعة في نطاق جمهورية جيبوتي حالياً وأقاليم زيلع وصولاً إلى رأس غار دافي على الساحل الصومالي، وخاضت هذه الإمارة بقيادة قائدها المغوار الإمام أحمد بن إبراهيم الغازي الملقب ب أحمد جرى أي أحمد الأشول الذي عرف بقوة بأسه حروباً ضارية ألحقت خلالها العديد من الهزائم بجيوش الحبشة في حروب امتدت لعقد ونصف وانتهت بمقتل الإمام أحمد ابن إبراهيم الغازي على يد االبرتغاليين القادمين لدعم الحبشة الصليبية وهزيمة جيشه..وعلي الرغم من ذلك استمرت هرر بالمقاومة بقيادة الأمير نور ونجله لما يزيد عن عشر سنوات انتهت كذلك بهزيمتهم. إثيوبيا استغلت الضعف الذي لحق بعدوها اللدود وعملت على التمدد والتوسع والقضاء بشكل كامل على ما تبقى من سلطة ونفوذ لإمارة أدال بتسديد ضربات متواصلة، وفاقم الزحف البشري من قومية الأورومو على هرر وسكانها من سوء أوضاعها، ومن سوء الطالع توالت المصائب على الإمارة المحتضرة والتي توجت بوباء الطاعون الذي أهلك الحرث والنسل.
وبعد هزيمة سلطنة أدل وانهيار هرر خلا للإمبراطورية الحبشية الجو في منطقة القرن الأفريقي التي لم تبق فيها قوة إسلامية من إمارة أو سلطنة تتصدى لها وأصبحت هي القوة الوحيدة ذات النفوذ في منطقة القرن الأفريقي لتبدأ بذلك مرحلة تاريخية سجلت فيها المنطقة انقطاعاً شبه تام باليمن باستثناء بعض التواصل البسيط مع السلطنات التقليدية في السواحل والهضبة التي بقيت على اتصال حضاري وثقافي وتجاري باليمن منها على السواحل: مصوع ‘ رحيتا ‘ تجورة ‘زيلع ‘مقديشو ‘وجزر دهلك وهرر وسلطنة أوسا في الهضبة و…..و……
فهذه أخي العزيز كانت إضاءة مختصرة على الروابط والتواصل الحضاري الذي صاغ مفردات العلاقات بين ضفتي البحر الأحمر اليمن والقرن الإفريقي في مراحل تاريخية مختلفة
العلاقات اليمنية الجيبوتية.
ويقول السيد عبدالله كامل: أما بالنسبة للعلاقات الجيبوتية اليمنية والتي تعتبر امتداداً لذلك التاريخ المشترك بين المنطقتين فهي كما يلي:
أولاً جمهورية جيبوتي هي إحدى دول القرن الإفريقي التي تشكلت بداية نشأتها على الخارطة السياسية للمنطقة على يد المستعمر الفرنسي الذي انطلق تواجده من أبخ في عام 1863، بعد إبرام اتفاقية مع سلطان رحيتا أبوخ التي ترجمت من قبل السيد حسن بانبيلا قاضي أبوخ آنذاك، وفي وقت لاحق أبرم المستعمر الفرنسي اتفاقية أخرى مع سلطنة تجورة وزعماء وأعيان القبائل العفرية والعيساوية السكان الأصليين لجمهورية جيبوتي والتي تقع على الشاطئ الغربي لمضيق باب المندب، وتحدها أريتريا من الشمال الغربي، وإثيوبيا من الغرب والجنوب، والصومال من الجنوب الشرقي، فيما تطل شرقاً وشمالاً على باب المندب والبحر الأحمر وخليج عدن، وتقدر مساحتها بحوالي 23.000 كيلومتر مربع.
جيبوتي العاصمة.
وبعد أن مكثت سلطات المستعمر الفرنسي عشرين عاماً في أبوخ بدأت ترى أن هذه المدينة لا تكفي لرسوِّ سفنها، لاسيما وأن طموحات كبيرة كانت تحدوهم في التوسّع نحو إثيوبيا وكان لابد لها من ميناء يلبي احتياجاتها فوجدوا في ساحل جيبوتي هدفهم المنشود، وهكذا انتقل الفرنسيون إلى ساحل جيبوتي.
هجرة اليمنيين ودورهم البارز في بناء جيبوتي.
متى بدأت؟ ومن أين؟ وما أسبابها ؟ وهل جاءت دفعة واحدة؟ وما هي الأدوار التي لعبها المهاجرون اليمنيون وفي أي المجالات تركزت؟
بداية هجرات اليمنيين إلى جيبوتي كانت مع بداية تواجد الفرنسيين في أبوخ في أواسط القرن التاسع عشر ثم تواصلت القرن ال 20 وفي الغالب كانت من البيضاء ومن تهامة ومن جزيرة ميون وعدن وحضرموت والحجرية وشبوة، وبعض المناطق اليمنية الأخرى وكان من بين الرعيل الأول الذين أعقب وصولهم إلى أبوخ بداية تواجد الفرنسيين فيها:
محمد صالح كبيش.وهو من أبناء عدن الذين استقروا في مدينة أبوخ الجيبوتية وأسهموا في حركة البناء الذي أعقب وصول الاستعمار الفرنسي إلى المنطقة وانتقلوا مع الفرنسيين من أبخ العاصمة التاريخية إلى جيبوتي العاصمة الجديدة..وكان السيد محمد صالح كبيش ثاني عضو عربي في أول مؤسسة تجارية تحمل اسم اللجنة الاستشارية للتجارة, والتي تعرف اليوم بغرفة تجارة جيبوتي حيث كان العضو العربي الوحيد في هذه المؤسسة التجارية التي تأسست في العام 1900 ميلادية أي بعد تأسيسها بثمانية أعوام، وامتد هذا الحضور والإسهام لآل كبيش من الأب إلى الابن علي محمد كبيش الذي أنشأ مدرسة النجاح الإسلامية،ومنه إلى سعيد علي كبيش الذي يعد مهندس الفرنك الجيبوتي ورئيساً للغرفة التجارية لعقود وصاحب أكبر الشركات الصناعية في البلاد وتواصل اليوم السيدة مجدة سعيد علي مسيرة هذه العائلة العريقة وإسهامها في التنمية الاقتصادية من خلال مواصلة الإنتاج وتوفير فرص العمل والتعليم برعايتها لمدرسة النجاح الإسلامية.
حسن بانبيلا…
كان السيد حسن بانبيلا موظفاً ومترجماً وهو الذي قام بترجمة الاتفاقية الفرنسية مع الزعامات والسلطنات المحلية في أبوخ, وكان كذلك يعمل كمستشار للحاكم الفرنسي وقاضياً شرعياً في أبوخ.
وهناك شخصيات أخرى مثل أبو واسر وعوض حيدر اللذين كانا يعملان في الشركة التي كانت تعمل في تموين السفن بالفحم المستخدم كوقود في تلك الحقبة حتى الخمسينات من القرن الماضي.
أسباب الهجرة.
ويقول كامل: عند الحديث عن أسباب هجرة اليمنيين إلى جيبوتي يمكننا أن نتساءل عن أسباب تلك الهجرات هل كانت اقتصادية أم أمنية أو استجابة لطلب الفرنسيين للأيدي العاملة، ونستطيع القول بأن هذه الأسباب مجتمعة كانت وراء هجرة اليمنيين إلى جيبوتي ولم تأت دفعة واحدة فقد بدأت من أبخ وزيلع ثم تواصلت، إلا أنها في أغلب الأحوال كانت مرتبطة بالحاجة إلى الأيدي العاملة حيث كانت عملية إنشاء مدينة جديدة وما تتطلبه من مرافق خدمية وإقامة ميناء وتشغيله من استقبال البواخر وتزويدها بالوقود المتمثل بالفحم والأشغال العامة في البواخر والحركة المعمارية من بناء مساكن ومبان للتجارة ومشروع السكة الحديدية الرابط بين جيبوتي وإثيوبيا.
فكانت كل هذه المشاريع بحاجة إلى توفر أيدي عاملة ماهرة فقام الفرنسيون باستقدام عمال يمنيين إلى جيبوتي يحترفون مهناً عديدة من مختلف مناطق اليمن.
ويضيف: ففي مجال الزراعة استقدم الفرنسيون مجموعة من المزارعين من منطقة المخا ونواحيها لإنشاء مزارع الخضروات ومزارع النخيل والرمان والزهور وغيرها، وفي مشروع إنشاء الميناء وتشغيله تم استقدام عدد آخر من العمال من البيضاء ومن مناطق يمنية أخرى..كما كان للعمال اليمنيين اليد الطولى في عملية بناء مدينة جيبوتي في بدايتها كانت تعتمد بشكل كامل علي العمال والبنائين القادمين من اليمن، الذين بدأوا يبنون المساكن للعمال أولاً، ومباني وعمارات للسكن وللتجارة، كما عملوا على بناء منزل الوالي ومبان عديدة للسلطات الفرنسية وللجاليات الإيطالية واليونانية.
وكان البناؤون اليمنيون يشيدون المباني
من خلال استخدام الشعاب المرجانية التي كانوا يستخرجونها من البحر ويقومون بقطعها إلى أجزاء متساوية،ومن ثم يتم طلاء هذه المباني بالنورة التي كانوا ينتجونها من الشعاب المرجانية بمحارق للجص والنورة وذلك لعدم وجود مادة الإسمنت في ذلك الوقت.
ويزيد السيد كامل قائلاً: ومازالت أذكر شخصياً أول مرة رأيت فيها محرقاً لإنتاج النورة في مدينة أبوخ تعود لطالب راجح من أبناء المهاجرين اليمنيين وكان للبناء اليمني دراية بعلم التخطيط حيث كانت تقريباً 90 % أو أكثر من واجهة المنازل ناحية الشرق التي يأتي منها النسيم.

اللغة العربية.

ويوضح: أما بالنسبة للغة العربية فقد أسهم اليمنيون بدور فاعل ومؤثر في ترسيخ مكانة اللغة العربية في جيبوتي ونشر التعليم العربي وكانت مدرسة النجاح الإسلامية نموذجاً لذلك، فكانت هذه المدرسة هي أول مدرسة عربية في مدينة جيبوتي قبل 80 عاماً بفضل وعطاء السيد علي كبيش ابن محمد صالح كبيش الذي تبرع ببناء تلك المدرسة من ستة فصول وستة بيوت للمدرسين، واستقدم لها العلماء من حضرموت ليدرسوا فيها، وهكذا افتتحت مدرسة النجاح بنظامها الحديث.وقد تخرج من هذه المدرسة العديد من الشخصيات البارزة منها عبدالقادر سعيد العطار وإبراهيم سعيد العطار وأحمد محمد الحاج العريقي والد فهمي الحاج، وناصر علي عثمان، وأحمد فرج باظفاري الشاعر والأديب و الأديب والشاعر أحمد حامد الجوهري.كما احتضنتني شخصياً وتخرجت منها بعد أن تتلمذت فيها على يد كل من الأستاذ سعيد عبدالرحمن بامخرمة من مواليد جيبوتي والأستاذ عمر بابطاح والأستاذ أحمد باجنيد وكلاهما من المكلا، وللعلم مازالت مدرسة النجاح تواصل رسالتها التعليمية برعاية حفيدة بانيها ومؤسسها السيدة مجدة سعيد علي كبيش.
اللغة العربية كلغة للتواصل.
ويضيف: ومنذ وصول المهاجرين اليمنيين وتواجدهم المستمر انتشرت اللغة العربية تدريجياً حتى تحولت إلى لغة للتواصل بين جميع مكونات سكان المستعمرة بما فيها جاليات أوروبية من إيطاليين ويونانيين باستثناء مدينة تجوره التي كان أهلها يستخدمون العربية كتابة وحديثاً منذ زمن بعيد.
الدين الإسلامي.
ويواصل كامل سرده بالقول: أما بالنسبة عن الدين الإسلامي فقد كان أيضاً لليمنيين الدور الأساسي في توطيد دعائم تعاليم الدين الإسلامي الحنيف في أوساط الشعب الجيبوتي الذي يعتنق الدين الإسلامي وذلك من خلال: تعليم وتحفيظ القرآن الكريم وبناء المساجد والقضاء الشرعي حيث أنشئت العديد من الكتاتيب (المعلامات) في جميع الأحياء الستة التي كانت تتكون منها مدينة جيبوتي حتى الستينيات من القرن الماضي وذلك لتعليم وتحفيظ القرآن الكريم علي أيدي فقهاء يمنيين، وأنا شخصياً كنت ممن درس وختم القرآن على يد هؤلاء الفقهاء الأجلاء رحمهم الله.
كما تم إنشاء العديد من المساجد في مختف أحياء المدينة وبالمناسبة أول مسجد بني في جيبوتي هو مسجد حمودي الذي بناه التاجر اليمني الفاضل الشيخ حمودي ألف رحمة الله عليه ثم أوقف له ما يقرب من أربعة عشر «دكاناً»، جعل إيجاراتها لصالح «المسجد»، واستقدم الشيخ عبدالحليم الأغبري للقيام على إمامة المسجد وخدمته، أيضاً هناك مسجد السيد حسن البار، وهو مسجد وجامع كبير وقد بناه السيد حسن البار وهو تاجر يمني من حضرموت، قدم إلى جيبوتي وبنى هذا المسجد ليأتي بعده السيد صالح القفوع وعمل تلك المئذنة المطلة على جيبوتي كلها، وأوقف للمسجد بيوتاً للقيام على خدمته، وكان يؤم الناس فيه الشيخ عبدالرحمن بامخرمة، ولازالت هذه العائلة الكريمة تواصل خدمة الدين وإمامة الناس في هذا المسجد.
أيضاً منذ نشأة جيبوتي العاصمة وحتى بداية الاستقلال كان القضاة الذين يديرون المحاكم الشرعية كلهم وبدون استثناء من أصل يمني وكان من أشهر هؤلاء القضاة الشرعيين الشيخ القاضي شمسان والقاضي علي عبدالله السقاف.
الفن والموسيقي.
ويوضح كامل: ولم يكن الفن بمعزل عن الأدوار الأخرى وإسهامات اليمنيين وبصماتهم في مختلف المجالات في جيبوتي وسأترك الحديث عن الفن لأهل الفن ويسعدني في هذا المقام أن أقدم الفنان التشكيلي الكبير والسياسي ونجل الفنان الكبير الأخ رفقي عبدالقادر بامخرمة.
الجيبوتيون يمنيون.
ويواصل السيد عبدالله كامل حديثه لنا عن عمق العلاقات اليمنية الجيبوتية بالإشارة إلى الدور الذي قام به الجيبوتيين من أصول يمنية في دعم حركة الأحرار داخل اليمن ضد حكم الإمام فيقول: انطلقت بعض النشاطات والمحاولات التي قد قام بها الشباب اليمني في جيبوتي لدعم حركة الأحرار اليمنية من أربعينيات القرن المنصرم، ومن تلك المحاولات مثلاً قيام إبراهيم سعيد العطار عام 1946م بإلقاء محاضرة في إحدى تجمعات المغتربين في جيبوتي كان لها أثر ودور كبير في استمرار ذلك الحراك وتوسعه.
بالإضافة إلى ذلك فقد كان لدى هؤلاء الشباب دفاتر وسندات تحصيل الاشتراكات عن المغتربين وإرسالها إلى جمعية الأحرار في اليمن، وكذلك القيام بجمع التبرعات من المغتربين لصالح شراء مطبعة لصحيفة «صوت اليمن» واستقبلوا آلات وماكينات هذه المطبعة عند وصولها من القاهرة إلى جيبوتي، ثم قاموا بعد ذلك بإرسالها من جيبوتي إلى عدن، وقد سطر التاريخ من تلك المرحلة أسماء عديدة انخرطت في هذا النضال نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر بعض أبرز الشخصيات: على أحمد شعلان، وأحمد محمد الحاج، ومحمد أحمد شعلان، وعلي طاهر صالح والد نجيب علي طاهر الأغبري، ومحمد عبد الواسع حميد الأصبحي، ومحمد عبده سنان، وعبد الله محمد علي، وهائل محمد، والسيد عبد العليم، وسعيد هواش، وعبده ناجي، وعبده سعيد، ومحمد عبد الواسع وغيرهم الكثير.
أيضاً كان للشخصيات الجيبوتية ذات الأصول اليمنية حضور قوي على الساحة اليمنية وعلى مستوى الحركة الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية في اليمن، ومن هذه الشخصيات البارزة الدكتور محمد سعيد العطار الحاصل على الدكتوراه في الاقتصاد اليمني من جامعة السوربون في فرنسا والذي تقلد العديد من المناصب في اليمن حتى وصل إلى منصب رئيس الوزراء، أيضاً هناك محمد عبد الواسع الأصبحي الأديب والمثقف والمتيم بالشعر والكاتب والمناضل وقد كان سفيراً لليمن في جيبوتي لسنوات عديدة، كذلك محمد أحمد شعلان المناضل الكبير من أوائل من بنى فندقاً في صنعاء، ومحمد حسين قاسم صاحب أول وأشهر فندق على مستوى جيبوتي في تلك الفترة والذي برز في اليمن أيضاً في نفس المجال بالاستثمار في أحد القصور التي خلفها الإمام وتحويلها إلى فندق وذلك في السبعينيات من القرن الماضي.
تعاون مشترك وآفاق التكامل.
ويختتم عبدالله محمد كامل رئيس الوزراء الجيبوتي الأسبق: لجيبوتي واليمن علاقات تاريخية تتسم بالتعاون الوثيق بين البلدين في جميع المجالات، تضع على عواتقنا جميعاً مسؤولية رعايتها والاعتناء بها وتنميتها، وهناك مصالح استراتيجية مشتركة يلعب فيها الموقع الجغرافي الاستراتيجي للبلدين و العقيدة الواحدة وروابط القربى بين الشعبين، إضافة إلى العادات والتقاليد والتاريخ المشترك والعلاقات الأخوية المتميزة الممتدة بين قيادتي البلدين منذ الاستقلال إلى يومنا وقد تعززت هذه العلاقات أكثر وحققت نقلة نوعية نظراً لما توليه القيادة السياسية في البلدين من اهتمام كبير للنهوض أكثر بالتعاون المشترك بينهما في مختلف المجالات ومن أهم الأولويات في سبيل تطوير هذه العلاقة هو التركيز والاهتمام بالمجالات التي تلامس تطلعات الشعبين الشقيقين في زيادة التعاون في مجال التربية والتعليم، وكذا مجال التعليم العالي والقضاء والنقل والصحة والتعليم الفني …إلخ وهي مجالات تلامس احتياجات وتطلعات الشعبين الشقيقين.. ويعتبر التعاون بين بلدينا الشقيقين في مجال التعليم هو من أهم وأبرز المجالات التي استطعنا تحقيق نتائج إيجابية ملموسة والتي نأمل معاً تحقيق تعاون أوسع فيها كماً وكيفاً.
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
الدولة الرسولية ونشاطها البحري



محمد زكريا

من أعظم الدول اليمنية التي بزغ شمسها في سماء اليمن في العصور الوسطى وإن لم يكن أعظمها هي الدولة الرسولية التي بسطت ظلها على اليمن أكثر من مائتي عام . ولقد ذكرها المؤرخون القدامى والمحدثون بأنها كانت دولة حضارية بكل معنى لهذه الكلمة ، فقد وصفها المؤرخ الكبير القاضي إسماعيل بن علي الأكوع بأنها " غرة شادخة في مفرق جبين اليمن في عصرها الإسلامي " . ولقد كان عصرها عصر علم ومعرفة ، وفي عهدها ازدهرت مختلف الفنون ازدهارًا رائعاً وصارت تعز عاصمة الدولة الرسولية ومقر حكم سلاطينها وملوكها قِبلة لجهابذة العلماء ، والفقهاء ، وفطاحل الأدباء والشعراء ، ونوابغ الكتاب ، ويفسر مؤرخنا القاضي إسماعيل الأكوع الأسباب الرئيسة التي جعلت الحياة الثقافية والفكرية وفنونها المتنوعة تزدهر في عهد تلك الدولة ، قائلاً : " ... وما ذاك إلاّ لأن سلاطين وملوك الدولة الرسولية ، كانوا علماء فاهتموا بنشر العلم في ربوع اليمن على نطاق واسع ." 
حماية سواحلها البحرية



ولقد أجمع المؤرخون القدامى والمحدثون ـــ كما أشرنا في السابق ـــ أن الدولة الرسولية تميزت عن سائر الدول التي تعاقبت على حكم اليمن بأنها أسست قاعدة صلبة وقوية في ميدان العلوم والمعارف ، والفنون المختلفة والمتنوعة ، فأنشأت المدارس التعليمية في شتى المناطق الخاضعة لسلطانها سواء في اليمن أو في مكة المكرمة . ولكن هناك ناحية تاريخية من نواح تلك الدولة لم يتناولها المؤرخين باستفاضة وهي دورها في النشاط البحري المتمثل في الحفاظ على سواحلها اليمنية ، بل نتجرأ ونقول أن تلك الدولة شكلت لنفسها قوى بحرية متحركة أشبه ما تكون بخفر السواحل في وقتنا الراهن هدفها حماية سواحلها البحرية من ( المُجَوّرين ) أي المهربين والقراصنة . ومن نشاطاها البحري أيضاً علاقاتها التجارية الواسعة مع مصر ، وبالرغم من الصراع فيما بينهما على بسط سيطرتهما السياسية على مكة المكرمة لكونها كانت تمثل مركزاً روحيًا كبيراً أمام العالم الإسلامي " وقد تكرر وصول السفراء والتجار بين اليمن ، وتكرر تبادل الهدايا ، حقيقة لقد كان بين الطرفين منافسة سياسية حول السيطرة على مكة المكرمة لأهميتها الدينية لكن هذا لم يؤثر على التبادل التجاري بين الطرفين ، إذ كان كل منهما يشعر بأهمية التكامل بينهما لتحقيق الازدهار لبلديهما " .


علاقاتها مع شرق أفريقيا

وتذكر المصادر الرسولية أن العلاقات التجارية لم تقتصر على مصر فحسب بل كان لسلاطين وملوك الدولة الرسولية علاقات تجارية مع الإمارات والبلدان الواقعة في غرب جنوب البحر الأحمر أي شرق أفريقيا والتي دفعتها الأحداث أن ترتمي في أحضان اليمن ، وصارت الأخيرة لها اليد العُليا والنفوذ السياسي القوي في تلك المناطق الأفريقية . ولقد حاولت مصر أن تدس أنفها في تلك المناطق إلا أنها فشلت في ذلك فشلاً ذريعًا بسبب قرب تلك البلدان من اليمن ، وبُعدها الجغرافي عن مصر ، في الوقت التي تمكنت مصر من بسط سيطرتها على مكة المكرمة من خلال أشرافها . ومن العلاقات التجارية الأخرى التي ارتبطت بها الدولة الرسولية هي علاقاتها مع الصين ، والهند وتحديدًا في عهد حكم الملك الناصر أحمد بن إسماعيل المتوفى ( 827 هـ / 1424م ) . كل تلك الصور والمشاهد سنعرضها بإسهاب بعد قليل .
مخطوطة نادرة



ويذكر الدكتور سيد مصطفى سالم ، بأنه اطلع على مخطوطة قيمة ونادرة بعنوان

( تاريخ اليمن في الدولة الرسولية ) قام بتحقيقها ونشرها الباحث الياباني

( هيكوايشي يا جيما ) " فهي تحتوي على كثير من النتف الإخبارية التي تشير إلى العلاقات الخارجية والتجارية للرسوليين وإلى نشاطهم البحري ضد المُجَوّرين

( أي المهربين والقراصنة ) . والحقيقة لقد كانت تلك العلاقات التجارية سواء مع مصر أو البلدان الواقعة في الساحل الغربي للبحر الأحمر ( شرق أفريقيا ) ، أو مع الهند ، والصين ، كان يتطلب من سلاطين وملوك الدولة الرسولية جهودًا كبيرة في حماية سواحلها ضد تهريب البضائع من قبل المُجَوّرين المهربين والقراصنة إلى داخل المدينة دون المرور بموانئ الجمارك لدفع العشور المقررة عليها . " لذلك كان على حكامه أن يؤمنوا سواحلهم ضد " المُجَوّرين

( أي المهربين والقراصنة) . وتتحدث المخطوطة بالتفصيل عن مطاردة الدولة الرسولية لسفن المهربين والقراصنة والتي نجحت في ذلك نجاحاً كبيراً وفي بعض الأحيان كانت تتعرض سفن الدولة للخطر من جراء مطاردة هؤلاء المُجَوّرين


مطاردة المهربين

على أية حال ، تصف المخطوطة بعض المشاهد والصور في مطاردة الدولة الرسولية لهؤلاء المهربين والقراصنة بأنها تمكنت القوى البحرية للدولة من القبض على سفينة مهربة من قبل القراصنة ، جنحت على شاطئ جزيرة ( الزّقر ) ، فطلبوا من الجند إنقاذهم . ولقد كان على ظهرها الكثير من السلع والبضائع الغالية والنفيسة كانت تحتوي على " القماش , والزعفران ، والجوخ ،

والنقد ما يزيد على مائة ألف دينار ، وتصدق به مولانا السلطان الجميع على العسكر والأمراء والمقدمين .. وعرضوا الأسارى ( الأسرى ) , وكانوا يزيدون على خمسين نفرًا على نظر مولانا السلطان فعفا عنهم وأطلقهم وكان ذلك من شيمه الجميلة " . ويبدو أن السلطان ألرسولي أراد من وراء توزيع البضائع والسلع المهربة على كبار العسكر تشجيعهم على مطاردة هؤلاء المهربين والقراصنة الذين يتسللون إلى سواحل الدولة من ورائها . واللافت للنظر ، أن السلطان الرسولي أطلق سراح المهربين بسبب أنهم سلموا البضائع والسلع المهربة إلى سلطات الدولة من تلقاء أنفسهم . وهذا ما أكده الدكتور سيد مصطفى سالم ، بقوله : " و تكررت ظاهرة العفو عن المُجَوّرين طالما أنهم كانوا يسلمون أنفسهم للسلطات ، فقد " اتفق أنه وصل العلم بوصول مراكب المُجَوّرين إلى بندر المخا ، وطلبوا من مولانا السلطان الذمة والأمان ، فلما علم السلطان بذلك تعطف عليهم بالشفقة والذمة .. فطابت نفوسهم وتخلوا ما معهم من التحف ووصلوا إلى الباب الشريف في زبيد المحروس ، فقابلهم مولانا بكل خير وتغضى على قبيح فعلهم ، ولازالت عوائده جميلة ، ومراحمه جسيمة .. وذلك في شهر محرم الحرام سنة 833 هـ ( 1429م ) " . والجدير ذكره أن تلك الأحداث التي شهدناها حول مطاردة السلطات الرسولية , وعفوا السلطان لهؤلاء المهربين والقراصنة كانت في عهد السلطان الملك المنصور عبد الله بن الناصر أحمد بن الأشرف المتوفى سنة ( 830 هـ / 1427 م ) ، وتصفه المصادر أنه " كان ذا رأي وتدبير لسياسة المُلك جوادًا شجاعًا مُمدحاً محباُ للفقهاء " .
معارك بحرية ضارية

والحقيقة أن مطاردة المهربين والقراصنة في عرض البحر كان خطيراً جسيماً على القوى البحرية الرسولية حيث تتعرض في بعض الأحيان تلك السفن التابعة لها التي كانت تسمى الناصرية ، والديوانية إلى الحريق والغرق , فقد حدث في عهد حكم السلطان الملك المنصور أن أغرق المُجَوّرين سفينة بعد حرقها بعد أن دارت معركة حامية الوطيس بين سفينة القراصنة وسفينة الدولة في عرض البحر " غير أن هذه المعركة قد أدت إلى حرق السفينتين معًا وغرقهما ، وموت أغلب الراكبين بما فيهم النقيب مسعود ـــ وهو من كبار القوى البحرية المطاردة للقراصنة ـــ " . وتستمر المخطوطة في سرد حوادث مطاردة المهربين والقراصنة من قبل السلطات الرسولية والتي كانت جادة في القضاء على هؤلاء المهربين أو المُجَوّرين الذين تهربوا من دفع العشور على السلع والبضائع التي في حوزتهم على ظهر سفنهم . ولقد تمكنت السلطات البحرية الرسولية من القبض على سفينة تابعة من المُجَوّرين كانت تحمل على ظهرها " أصناف البهار ، والبزّ العالي ... والحرير .... وغير ذلك بما يزيد على مائة ألف دينار وذلك بسعادة مولانا السلطان نصره الله ... وأمر أنّ يتقدم بالمركب وما فيه من الحمل إلى البندر الجديد بزبيد المحروس " .

سفن حربية

ويطرح سيد مصطفى سالم سؤالاً مثيراً وهو هل كانت السلطات البحرية الرسولية تمتلك سفن حربية لمحاربة ومطاردة المُجَوّرين أي المهربين والقراصنة ؟ . ولكنه يميل إلى أن السلطات كانت تمتلك سفن حربية خاصة لمطاردة سفن هؤلاء القراصنة والمهربين ، ونورد ما ذكره في تلك المسألة ، فيقول " وقد يلفت النظر بعض التعبيرات الخاصة بالسفن ، فقد نعت بعضها " بمركب الديوان "

" وبالمركب الناصري " ، ولا ندري هل كانت هذه السفن سفناً حربية تابعة للدولة من أجل حراسة السواحل اليمنية ؟ وخاصة أن قائد المركب الناصري هو الذي أمر بإطلاق النفط على سفينة المُجَوّرين ، فاحترقت المركبتان معاً بسبب قربهما من بعض ، وبسبب امتداد لسان اللهب من إحداهما إلى الأخرى ، أم كانت سفناً كذلك فلماذا حملت كمية من النفط ؟ .

حماية اقتصادها

والحقيقة إنّ حراسة وحماية السواحل من قبل الدولة الرسولية لدليل واضح وقاطع أنها كانت حريصة على حماية اقتصادها من عبث هؤلاء المُجَوّرين المهربين والقراصنة الذين يتهربون من دفع العشور المقررة على البضائع والسلع المقررة عليها ـــ كما قلنا سابقاً ـــ . وهذا ما أكده الدكتور سيد مصطفى سالم ، إذ يقول : " كانت هي الصورة العامة لتلك الدولة القوية التي ظهرت في اليمن منذ ظهور الإسلام ، والتي أعطت التفاتاً خاصاً لسواحله ، واستغلالاً طيبًا لموقعه " . ويعتبر حماية الدولة الرسولية لسواحلها وجه من وجوه نشاطها البحري إلى جانب وجه آخر من وجوه النشاط البحري المتمثل بعلاقاتها التجارية مع مصر ، شرق أفريقيا أو الجنوب الغربي للبحر الأحمر ، والهند ، والصين والتي سنوردها بعد قليل باستفاضة .
ازدهار ميناء عدن

إن الدولة الرسولية ( 626 ـــ 858 هـ / 1228 ـــ 1454م ) التي كانت امتدادًا للدولة الأيوبية في اليمن ( 569 ـــ 627 هـ / 1173 ـــ 1229م ) نهجت نفس منهج بني أيوب في محاربة ومطاردة القراصنة بهدف الحفاظ على مصالحها الاقتصادية من ناحية وهيبتها السياسية من ناحية أخرى . وكما هو معروف أن العلاقات التجارية بين الدولة الأيوبية في اليمن والهند كانت علاقة متميزة وقوية , وخصوصًا أن بني أيوب عندما سيطروا على عدن بعد أن أزالوا حكم بني زريع منها ، اهتموا اهتماما بالغا بمينائها والذي شهد تطوراً وازدهاراً كبيرًا وواسعاً في عهدهم حيث ارتفعت إيرادات الميناء بشكل كبير عما كان عليه في السابق . وهذا ما أكده الدكتور سيد مصطفى سالم ، قائلاً : " ومن المعروف أن الأيوبيين قد اهتموا بتنمية ميناء عدن بعد دخولهم اليمن ، فارتفعت إيراداته إلى أربعة أضعاف ما كانت عليه في العهد السابق عليه " .

من سقطرى

وكان من جراء تحسين أداء ميناء عدن أن ازدادت الحركة التجارية فيه وخصوصاً مع الهند ولكن كان من جراء ذلك أن تربص القراصنة بالسفن القادمة من الهند إلى عدن المحملة بالبضائع والسلع التجارية النفيسة والغالية الثمن مثل التوابل ، والأرز ، ومنتجات الهند المختلفة والمتنوعة الهامة وغيرها . فكان المُجَوّرون أي المهربين والقراصنة الهنود يقطعون الطريق البحرية على تلك السفن . فقد كانوا ينطلقون من جزيرة سقطرى كقاعدة لنهب وسلب تلك السفن الآتية من الهند إلى عدن ــ كما سبق وأن أشرنا ـــ . ويقول الدكتور محمد كريم الشمري في كتابه ( عدن دراسة في أحوالها السياسية والاقتصادية ) : " وبرغم استمرار العلاقات التجارية بصورة نشيطة بين عدن والهند إلا أنّ الطريق التجارية كانت عرضة لهجوم القراصنة الهنود الذين اتخذوا من جزيرة سقطرى مخبأ لهم ، فعرضوا طريق التجارة للأخطار والمخاوف المستمرة " .

الحد من نشاط القراصنة

وكان من الطبيعي أن يكون رد الدولة الأيوبية في اليمن حاسماً وقوياً ضد هؤلاء القراصنة الهنود الذين أثاروا الخوف والذعر الكبيرين بين السفن التجارية التي كانت تمخر عباب البحر العربي القادمة من الهند إلى عدن ـــ كما أسلفنا ــ . وجمدوا حركة النشاط التجاري بين اليمن بصورة عامة وعدن بصفة خاصة لمدة عام . " وقد أدى ذلك في الحال إلى قيام السلطان طغتكين بن أيوب بإرسال الشوافي ( من أنواع السفن الحربية ) لحماية التجار من السراق ( القراصنة ) نظير فرض عشور جديدة على البضائع عرفت بعشور الشواني ، وقام الأتابك سنقر أمير عدن بتجريد حملة على جزيرة سقطرة استخدم فيها الشواني . ولقد نجحت الدولة الأيوبية في اليمن من الحد من نشاط القراصنة الذين كانوا ينطلقون من جزيرة سقطرة لنهب السفن التجارية وسلبها من بضائعها وسلعها القادمة من الهند ـــ كما أسلفنا ـــ .
النفوذ الرسولي في الهند

ويميط اللثام المؤرخ عبد الله أحمد محيرز في كتابه بعنوان

( رحلات الصينيين الكبرى إلى البحر العربي ) حول مسألة تاريخية جديرة بالاهتمام والعناية الكبيرين حول نفوذ الدولة الرسولية السياسي على مناطق وإمارات واسعة من الهند . وهنا ربما كان مناسبًا أن نقتبس من كلام عبد الله محيرز حول تلك المسألة التاريخية وهي تأثيرها السياسي القوي في الهند ، فيقول : " وفي هذا الوقت بلغت اليمن مكانة دولية مميزة حتى خطب لملكها في أحد عشر بلداً في الهند ، وجعلت أهل قاليقوط يكتبون إلى الملك الأشرف يبذلون فيه الطاعة له ، ويستأذنونه في إقامة الخطبة له ، إذ : " لم يك يخطب فيها لأحد من ملوك اليمن ولا ملوك مصر ولا من غيرهم " . وكان يخطب بها سابقاً لسلطان دلهي وأمراء هرمز ، ويلتمس أكثر من بلد أن يخطب لأسم سلاطينها فيها ، يصرفون الأموال للفوز بذلك " . ويضيف عبد الله محيرز ، فيقول : " وفر إليه من الهند كوجر شاد ابن فيروز شاد سلطان دلهي سنة 798هـ / 1387م لاجئاً من عمه المتغلب على السلطنة بعد قتل أبيه ، فأجاره وأجرى عليه وأكرمه " . وكان في تلك الفترة التاريخية يحكم اليمن السلطان الملك الأشرف إسماعيل بن الأفضل العباس المتوفى سنة ( 803 هـ / 1400م ) الذي دام حكمه 14عاماً شهدت فيه البلاد الاستقرار والأمن والازدهار ، وصفه المؤرخ القاضي إسماعيل بن علي الأكوع في كتابه ( الدولة الرسولية ) ، قائلاً : " فكان آخر سلاطين الدولة الرسولية العظام ".

تشجيع التجارة الهندية

وفي واقع الأمر ، أن العلاقة القوية والمتينة والمتميزة بين اليمن والهند أسبابها الرئيسة تعود إلى الموقع الجغرافي لكلتا البلدين عن الطريق البحري الذي يربط اليمن بصورة عامة وعدن بصورة خاصة بالهند " ... لأن اليمن تقع عند طرف

" الممر الجنوبي " للبحر الأحمر ، وهذا الطريق البحري كان يمثل الخط المباشر والسريع أو الشريان المباشر بين اليمن والهند ، فكانت السفن القادمة من الهند تمخر عباب المحيط الهندي متجه إلى عدن الواقعة في البحر العربي والذي هو امتداد لمياه المحيط الهندي ، ومن العوامل الأخرى التي زادت في توطيد العلاقات التجارية بين اليمن والهند هو بعد نظر حكام بني رسول التجاري في تشجيع التجارة الهندية في بلادهم . وفي هذا الصدد ، يقول الدكتور سيد مصطفى سالم : " وقد وضح خلال هذا المخطوط ( ويقصد المخطوط الذي حمل عنوان تاريخ اليمن في الدولة الرسولية ) معاملة البضائع الهندية في الجمارك ، فقد : " وصل الناخوذة كروة صحبة القاضي رضى الدين وبرز المرسوم العالي إلى القاضي رضى الدين بأن لا يؤخذ من تجار كاليقوت غير العشور ، وسمح لهم نصره الله تعالى القواعد وغيرها ، وهذا غاية الرفق والإحسان من مولانا السلطان على التجار ، وكسى الناخوذة كسوة فاخرة ، وسمح له مولانا السلطان شيئاً من العشور ، وطابت خواطر التجار بما يصدق به مولانا السلطان عليهم ، وما بذله من العدل والإنصاف والرفق بسائر المتسببين ، كان ذلك يوم الاثنين 9 شهر ذي الحجة سنة 836 هـ ( 1432م ) " . وفي تلك الفترة التاريخية كان يحكم اليمن السلطان الملك الظاهر يحيى بن الأشرف إسماعيل المتوفى
( 842 هـ / 1439م ) .
مع شرق أفريقيا

ومثلما كانت العلاقات التجارية والنفوذ السياسي للدولة الرسولية في اليمن قوية في الهند ــ كما أشرنا في السابق ـــ ، كانت أيضاً علاقاتها الاقتصادية والسياسية مزدهرة وقوية مع بلدان الساحل الغربي للبحر الأحمر ( شرق أفريقيا ) . ولقد استخدم الدكتور سيد مصطفى سالم في وصف العلاقة مع باقي أجزاء حوض جنوب البحر الأحمر وتحديدًا مع البلدان الواقعة في الساحل الغربي للبحر الأحمر بكلمة ( عميقة ) وهذا دليل على مدى قوة ومتانة علاقة اليمن مع دول شرق أفريقيا في تلك الفترة التاريخية ( العصور الوسطى ) . ويسرد سيد مصطفى سالم معلومات متفرقة عن أخبار تلك العلاقات القوية بين اليمن والساحل الغربي للبحر الأحمر ، جاء فيها ما يلي : " فقد وصل السفراء من الحبشة بالهدية العظيمة والتحف الغريبة في شهر شوال سنة 770هـ ( 1368م ) ، ووردت أخبار كذلك عن وصول هدايا وتحف من صاحب دهلك إلى الباب الشريف وذلك في شعبان الكريم من سنة 779هـ ( 1377م ) , وفي العام التالي وصلت هدية صاحب دنكل إلى الأبواب الشريفة في اليوم 25 من شهر ربيع الآخر سنة 780هـ ( 1378م ) ، ثم وصول هدية صاحب دهلك ، فيل ووحوش ، وأنواع الغرائب في سنة 787هـ ( 1385م ). وبعد قليل وصلت هدية من أرض الزنج فيها من العجائب التي لم يدخل أرض اليمن مثلها وذلك في اليوم 28 شهر شوال المبارك سنة 790 هـ ( 1388م ) " .

دورها السياسي

والحقيقة أن العلاقة المتينة والقوية في المجال الاقتصادي بين الدولة الرسولية والساحل الغربي الجنوبي للبحر الأحمر لم تقف عند تلك الحدود بل تعدت إلى العلاقات السياسية وبتعبير آخر أن اليمن صار له دور سياسيً قويً في الساحل الغربي للبحر الأحمر ( شرق أفريقيا ) . وهذا ما أكده الدكتور سيد مصطفى سالم قائلا : " ويبدو أن النفوذ الاقتصادي لليمن في الساحل الغربي للبحر الأحمر قد تحول إلى نفوذ سياسي ، فقد وصل ولد سعد الدين صاحب الحبشة بهدية إلى الباب الشريف ( يقصد الملك الرسولي ) بتعز المحروس ، وطلب النصرة على الكافر الحطى ، فقابله السلطان الملك الناصر بكل خير وكساه وأنعم عليه ، ووعده بالنصر نهار الجمعة 13 من شهر القعدة سنة 811هـ ( 1408م ) " . ويعقب سيد مصطفى سالم حول أسباب تفجر تلك المنازعات بين الحكام في الساحل الغربي للبحر الأحمر ، قائلاً : " ويبدو أن ذلك يرجع إلى الحروب المستمرة بين الولايات الإسلامية ــ التي كانت تسمى إمارات الطراز لإحاطتها بهضبة الحبشة ـــ وبين الولايات المسيحية التي تقطن تلك الحبشة " . و يسترسل سيد مصطفى سالم : " وقد تكرر ذلك بعد سنوات قليلة إذ استنجد سلطان دهلك عند خلعه ، فقد وصل صاحب دهلك الباب الشريف مستنجدًا بمولانا السلطان الملك الناصر قدس الله روحه على إخوته كونهم أخرجوه من البلد ، وكان الحكم له دونهم قبل ذلك " .
اليمن وزيلع



بل وصل الأمر ، أن اليمن امتدت سيطرتها السياسية على زيلع الأفريقية ، فقد أرسل الملك الناصر أحمد الرسولي حملة عسكرية إلى زيلع . وفي الحقيقة أن المصادر التاريخية لم تذكر أسباب تلك الحملة اليمنية على تلك المنطقة ، ولكن من المحتمل أن حاكم زيلع حاول التمرد ، والانسلاخ من النفوذ اليمني. ودليل ذلك أن بعد تلك الجريدة ( الحملة ) العسكرية على زيلع في سنة ( 826هـ / 1422م ) في عهد الملك الناصر أحمد أن عادات العلاقات قوية كسابقتها . وهذا ما أكدته جملة الدكتور سيد مصطفى سالم: " وقد عادت العلاقات مع دهلك ثانية ".

مع الصين

تقول المصادر الرسولية ، أنّ العلاقات التجارية اليمنية الصينية شهدت ازدهرت ازدهاراً كبيراً في عهد حكم السلطان الملك الناصر أحمد بن الأشرف إسماعيل

( 803 ــ 827هـ / 1400 ـــ 1424م ) الذي حكم اليمن قرابة 24عاماً . وفي فترة حكمه زار الأسطول الصيني عدن مرتين , والمرة الأخيرة في عهد السلطان الملك الظاهر يحيى بن الأشرف إسماعيل الذي تقلد مقاليد الحكم بعد وفاة السلطان الملك الناصر أحمد . ويشير عبد الله محيرز تواريخ زيارة البعثة الصينية التجارية لعدن مرتين المرة الأولى سنة ( 820 ـــ 822 هـ / 1417 ـــ 1419م ) ، وبالنسبة للرحلة الثانية ، فقد كانت في

( 824 ــ 825 هـ /1421 ــ 1422م ) وأما الرحلة الثالثة والأخيرة كانت في (834 ـــ 837 هـ / 1431ـ 1433م) ويشير عبد الله محيرز بأن الرحلة الأخيرة للصينيين كانت فاشلة بسبب تدهور الأحوال الاقتصادية في عدن وذلك في عهد الملك الظاهر يحيى بن الأشرف إسماعيل ــ كما أسلفنا ـــ , وأشار عبد الله محيرز أيضاً أنه من ضمن ما جاء ذكره عن زيارة البعثة التجارية الصينية لعدن في الرحلات الثلاث أنواع الهداية المقدمة من الإمبراطور الصيني للملك الناصر أحمد ، وهدايا الأخير لإمبراطور الصين رداً على هديته . ويصف عبد الله محيرز مراسيم استقبال البعثة الصينية في الباب الشريف أي في قصر السلطان الملك الناصر أحمد في تعز عاصمة الدولة الرسولية ومقر حكمها في اليمن . فينقل لنا ما قاله المؤرخ ابن الديبع المتوفى ( 944 هـ / 1537م ) حول تصرفات المبعوث الإمبراطوري الصيني إلى السلطان الملك الناصر أحمد ، بأنها تصرفات تدل على الجهل ، والغطرسة : " أن ملك الصين يظن أن الناس عبيده والظاهر أن بهم حمقاً وجهلاً بأحوال البلاد ، وملوكها , إلا فالأدب موجب لمن تحقق من نفسه الكمال أن لا يخاطب غيره ألا باللطف والإجمال " . ولقد دفعت ابن الديبع أن يقول هذا الكلام بسبب الجملة المتغطرسة الذي قالها رسول الإمبراطور الصيني للسلطان الملك الناصر أحمد وهي " سيدك صاحب الصين يسلم عليك ، ويوصيك بالعدل في رعيتك " .
هدايا الإمبراطور الصيني

وعلى أية حال ، الهداية الذي أرسلها الإمبراطور الصيني إلى سلطان وملك الدولة الرسولية في اليمن الناصر أحمد ، " كانت هداية فاخرة فيها : " من أنواع التحف ، والثياب الكمخات المذهبة ، والمسك العال ، والعود الرطب ، والآنية الصيني أنواع كثيرة ، قومت الهدية بعشرين ألف مثقال " .

هدايا الملك الناصر الرسولي

وكان " رد الملك الناصر أحمد بن الأشرف إسماعيل على هدايا الإمبراطور الصيني " من الوحوش كالمها وحمر الوحش ، والأسود المؤلفة ، والفهود المؤدبة , ويضيف عبد الله محيرز ، قائلاً : وكان من أبرز هدايا الناصر إلى إمبراطور الصين هي المها ، والزرافة والأولى اشتهرت بها اليمن ، أما الثانية فلاشك أنها مستوردة من أفريقيا " . ويسترسل في حديثه : " وقد أدهشت الزرافة البلاط الصيني ، وأعجبوا بها إعجاباً صورته المصادر الصينية عند رؤيتهم لها : " وتطاولت أعناق الجميع للنظر إليها " .

الرحلة الصينية الأخيرة

ويذكر عبد الله محيرز ، أنّ الرحلة الصينية الأخيرة إلى ثغر اليمن عدن كانت في عهد السلطان الملك الظاهر يحيى بن إسماعيل ، ومن نتائج تلك الرحلة الصينية أنها كانت فاشلة لم تحقق نجاحاً يذكر في مسألة تقوية الروابط التجارية بين اليمن والصين بسبب الأوضاع الاقتصادية المتدهورة التي أصابت عدن بصفة خاصة واليمن بصفة عامة من جراء الثورات والتمردات ، والإضطرابات التي سادت الدولة في عهد ذلك السلطان, وفي هذا الصدد يقول : " ولعل هذه أكثر الرحلات فشلاً بالنسبة لعدن ، فقد توفى الملك الناصر ملك اليمن في 827هـ

وخلفه بعد ثلاثة سنوات الظاهر يحيى بن إسماعيل في 831 هـ ، وقد تدهورت عدن وضعف حالها ، ووصلت البعثة الصينية والملك الظاهر في لحج ... ولم تبق البعثة طويلاً في عدن ، فقد تحولت إلى مكة المكرمة لكساد التجارة في عدن " .
السلاطين العظام

والحقيقة ينبغي الوقوف على مسألة تاريخية هامة وهي أن الدولة الرسولية بلغت ذروة قوتها وهيبتها على الصعيد السياسي والاقتصادي مع الدول الأخرى وهي المناطق الواقعة في الساحل الغربي لجنوب البحر الأحمر ( شرق أفريقيا ) ، والهند ، والصين ــ كما قلنا سابقاً ـــ في عهد سلاطينها وملوكها العظام أمثال السلطان الملك الناصر أحمد ، وقبله السلطان الملك الأفضل العباس بن المجاهد علي بن المجاهد المتوفى ( 778 هـ / 1386م ) ، والسلطان الملك الأشرف إسماعيل بن الأفضل بن العباس المتوفى ( 803هـ / 1400م ) . وأما عندما تولى مقاليد الحكم سلاطين ضعاف كالملك الظاهر يحيى بن إسماعيل التي أطلت الفتن ، والقلاقل ، والفوضى برأسها في عهد حكمه . وهذا ما أكده المؤرخ القاضي إسماعيل الأكوع ، قائلاً : " ومع هذا الإرهاب العنيف الذي اتسم به حكمه ، فقد اضطربت عليه أمور البلاد ، ولا سيما تهامة ، ولم يستطع إعادة الاستقرار التام إليها ... ولم يزل الظاهر يعاني من اختلال الأمن الذي تفاقم عليه ، وعجز عن كبح جماحه حتى فارق الحياة في مدينة زبيد في شهر رجب سنة 842 هـ " . وكان من الطبيعي أن ينعكس اضطراب حبل السياسة على الأوضاع الاقتصادية في اليمن , وهذا ما شاهدناه عندما توقفت عجلة دوران الحياة التجارية في ميناء عدن مما دفع بالبعثة الصينية التجارية التوجه إلى مكة المكرمة .

اليمن ومصر

وأما العلاقة بين الدولة الرسولية في اليمن والدولة الأيوبية في مصر ، فقداتسمت بالعداء الصريح . فقد وجدت الدولة الأيوبية أن نائبها على اليمن

نور الدين عمر بن رسول قد أنسلخ منها ، وأعلن استقلاله عنها بعد وفاة الملك المسعود الأيوبي في سنة (626هـ / 1228م ) آخر الملوك الأيوبيين في اليمن . والحقيقة أن السلطان الملك نور الدين عمر بن رسول كان قد مهد لنفسه الأجواء السياسية التي تهيئه أن يتولى سدة الحكم في اليمن وبالفعل فقد نجح في ذلك نجاحاً كبيراً ، وخطى خطوات واسعة في تكوين الدولة الرسولية على أرض اليمن التي استمرت قرابة نحو أكثر من مائتي عام ـــ كما أسلفنا ـــ . وفي هذا الصدد ، يقول مؤرخنا القاضي إسماعيل بن علي الأكوع " فلما أطمئن إلى أنه قد احتاط لهذا الأمر بما فيه الكفاية أعلن نفسه ملكاً على اليمن سنة 629 هـ وقيل سنة 630هـ , وتلقب بالسلطان الملك المنصور عمر بن علي بن رسول ، وأمر بوضع اسمه على السكة ، كما أمر الخطباء بذكره في خطب الجمعة والعيدين " . وعلى الرغم من الخلاف السياسي الحاد بين الدولتين ، فقد كان هناك بينهما مصالح اقتصادية فرضت نفسها على النزاع والتضارب السياسي اللذين كان بينهما . ومن المحتمل أن الأيوبيين في مصر سلموا بسياسة الأمر الواقع في اليمن وهي قيام الدولة الرسولية فيها ، وأن الخلاف السياسي سيضر بمصالحهما الاقتصادية . وفي هذا الصدد ، يقول الدكتور سيد مصطفى سالم : " وقد تكرر وصول السفراء والتجار بين اليمن ومصر ، وتكرر تبادل الهدايا ، حقيقة لقد كان بين الطرفين منافسة سياسية حول السيطرة على مكة المكرمة لأهميتها الدينية لكن هذا لم يؤثر على التبادل التجاري بين الطرفين ، إذ كان كل منهما يشعر بأهمية التكامل بينهما لتحقيق الازدهار لبلديهما " .