اليمن_تاريخ_وثقافة
10.7K subscribers
142K photos
348 videos
2.17K files
24.6K links
#اليمن_تاريخ_وثقافة ننشر ملخصات عن تاريخ وثقافة اليمن الواحد الموحد @taye5
@mao777 للتواصل
Download Telegram
استدعى كل النساء (زوجات وحفيدات ومحظيات وخادمات) في القصر إلى حجرته، فخفن خوفاً شديداً منه واعترفت المدخنان  منهن بفعلتهن، فأمر ممرضه الخاص (شيبا) بالذهاب إلى المستشفى {الأحمدي} وإحضار كمَّاشة خلع الأسنان، ثم أمره بخلع سنين من كل فم امرأة اعترفت بالتدخين، وبدون تخدير ؛ بعد أيام رق قلبه بعد أن رأى كيف أن الحياء كان يمنع الضحايا من الابتسام  أمام الآخرين خوفاً من أن يُرين بفم دون بعض الأسنان،  لذا فقد بعث بهن من جديد إلى طبيب الأسنان  لتركيب سنات من الذهب لكل واحدة منهن بدلاً عن تلك التي خُلعت. وبعد تلك الحادثة  كان بوسع كل من في القصر التعرف على كل امرأة مدخنة ، وإن كل امرأة في القصر كانت تظهر بسنة مذهبة  يُنظر إليها ببعض الريبة أو أنها فاجرة كما يقول الطبيب (**)
(*) منشورات العصر الحديث بيروت الطبعة الثانية 1987م  ص 78 -79
(**) من كتاب محمد علي الأكوع  (شخصية الإمام أحمد ورجالات عهده) ، ومن الجزء الخاص والمسمى برحلة الإمام أحمد إلى روما للطبيب الإيطالي جوزيبي جاسبيريني- طبعة 1/ 2011م  ص 269 وما بعدها
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
الإمام أحمد حميد الدين

الامام أحمد حميد الدين (و. - ت. 19 سبتمبر 1962) هو أحمد بن يحيى بن محمد بن يحيى حميد الدين، ملك اليمن، الإمام الناصر لدين الله . وهوثاني وآخر أئمة المملكة المتوكلية اليمنية، إذ قامت بعد وفاته الثورة وأعربت الجمهورية العربية اليمنية. تولى الحكم عام 1948 بعد اغتيال أبيه الإمام يحيى في الإنقلاب الدستوري الفاشل.


مولده وحياته

ولد في الأهنوم، وعاش طفولته في كنف جده المنصور بالله محمد بن يحيى المتوفي في 1904م. حيثدرس وتتلمذ على يد فهماء مشهورين في شهارة وغيرها التي تولى أمرها حتى انسحب الأتراك من اليمن عقب الحرب العالمية الأولى وقامت المملكة المتوكلية اليمنية، اعتمد عليه أبوه في بعض حروبه لبسط سيطرة اليمن الجديدة وحكمها المركزي، فحارب في حجة والمشرق وفي برط في الشمال والزرانيق في تهامة حتى اشتهر باسم (أحمد يا جناه أوأحمد الجني) واتخذ حجة مقراً له حتى عينه أبوه أميراً على لواء تعز عندما بدأ الإعتماد على أبنائه الذين عهدوا بلقب (سيوف الإسلام) في حكم البلاد من بعد عام (1357هـ/ 1937م)، وبات السيف أحمد يحمل لقب ولي العهد، الأمر الذي يتعارض مع فكرة الإمامة عند الزيدية، وأثار جدلاً ومعارضة كثيرين، وحين انطلقت ثورة الدستور عام 1948م، كان مخطَّطاً حتى يُقتل خارج تعز في الوقت نفسه الذي يقتل فيه أبوه في حزيز جنوب صنعاء (17 فبراير 1948م) ولكنه خادع الكمين، وخرج سراً إلى حجة حيث أعرب الحرب على الثورة وقضى عليها وأعدم زعماءها وسجن الباقين في حجة، وتولى حكم البلاد متخداً لنفسه لقب الناصر لدين الله.


حكمه

عهد عن الإمام أحمد حدة ذكائه وهيبته الكبيرة في قلوب اليمنيين ولا سيما أبرز الأسر والقبائل اليمنية، تولى الحكم بعد حتى نجح في إخماد ما عهد بثورة الدستور سنة 1948 في اليمن حيث أنه نجح في تأليب القبائل اليمنية من حاشد وبكيل وغيرهما الى صفه ضد من عهدوا بالدستوريين وقتها. واستطاع بمكره وذكائه ان يفر من تعز ( مقر مقام ولاية العهد ) الى حجة حصنه الحصين وقد نجاح في غضون ذلك من الافلات سالما من الكمائن التي اعدت له في تعز والحديدة ، وفي غضون نهوده الى حجة استطاع إيهام (الدستوريين) الذين استولوا على صنعاء بان الجيش متوجه اليهم مما سبب ارباكهم وتسقطهم بأنه قادم اليهم ولكنه ومن حجة حصنه الحصين استطاع تأليب اكبر القبائل اليمنية كما وحضها على الانتقام لوالده ( الإمام العجوز ) والذي اغتاله الدستوريين في حركة متسرعة ارادوا بها انجاح خططهم التي توقفت على وفاة الامام يحيى ولكن اشاعة كاذبة روجت ان الامام قد توفي ولم يكن قد توفي عملا أدت الى استعجالهم في خطوة اغتيال الامام وهوالامر الذي سيطر على مشاعر اليمنيين وأضعف موقف الدستوريين في صنعا بل والب عليهم الدول العربية.

انقلاب 1955

كان حكم أحمد قاسيا حيث استمرت حالة انعزال اليمن عن العالم .وكان اليمن يعاني من الكثير من المشاكل كالجهل والسقم والفقر والعزلة التامة عن العالم. في عام 1955 ميلادية تمرد الجيش بالتعاون مع ما كان يعهد ( بالأحرار) والذين كان الكثير منهم من صناع انقلاب 1948 على الامام يحيى وعفا عنهم أحمد بعد ذلك. وقد فشل هذا الانقلاب ايضا بسبب عنصر الاستعجال حيث ان المخطط الذي وضع للانقلاب اقتضى ان لايقام اي تحرك الا بعد بسط السيطرة وترتيب وضع الانقلابيين في اهم المناطق اليمنية ولكن وبسبب حدوث مناوشات واعتدى الجيش النظامي والذي كان صاحب الانقلاب على ممتلكات المواطنين في مدينة تعز خاف الجيش على نفسه من غضبة الامام أحمد وخشي من حتى يقولم الاخير باستنادىء الجيش ( البراني ) المكون من القبائل لسحق الجيش النظامي مما أدى الى اندلاع الانقلاب قبل أوانه واستطاع الانقلابيون محاصرة أحمد في بيته بعد ما تظاهر لهم بالسقم والعجز. وقد اجبروه على توقيع تنازل تام عن الإمامة لأخيه سيف الإسلام عبد الله .. وقد وافق على ذلك مما جعل الانقلابيين يشعرون بالراحة فأهملوا الحراسة عليه. وكانت هذه مجرد خدعة اخرى من خدع أحمد. فقد اتصل به ابنه البدر بن الامام أحمد ( ولي العهد ) وأطلعه على تحركه إلى حجة حصن والده الحصين مما شجع الامام وبالاتفاق مع بعض الحراس عليه استطاع الاتصال ببعض المخلصين له من المرابطين على قلاع تعز المطلة على مقره والملاصق لمقر القيادة الانقلابية. وفي غضون أربعة ايام انقلب الوضع وبدأ أحمد بقصف الانقلابيين بل ومحاصرتهم .. وهم الذين ايضا باستعجالهم لم يلقوا أي مناصرة أومساندة من الدول العربية لا سيما مصر بل وحتى من المعارضة اليمنية هناك والتي كان لها دور هام في معارضة حكم الإمام يحيى ثم في انقلاب 1948 بعد ذلك وقد استطاع البدر ( ابن الامام احمد ) ان يتصل بمصر والسعودية ويكسب تأييدهما. وهنا مرة اخرى استطاع أحمد ان يقلب الموازين بعبقرية فريدة. وأعدم من أعدم وكان أبرز من أعدمهم من الانقلابيين الذين استسلموا له أخويه ( سيف الإسلام العباس ) و( سيف الاسلام عبد الله ).
وكذلك المناضل اليمني الشهيد المعروف ( بالشهيد الثلايا ) والذي كان اميرا ومفهما لجيش الامام أحمد.


سياسته الخارجية

ورغم سياسة العزلة التي استمرت في ظل حكمه فقد أقام علاقات دبلوماسية وتم توقيع اتفاقات مع الاتحاد السوفيتي والكتلة الاشتراكية، ومنها الصين الشعبية أواسط الخمسينيات يوليو1957م والتقى في جدة مع الرئيس جمال عبدالناصر والملك سعود فسقطوا (ميثاق جدة) في 28 أبريل 1956 كحلف ثلاثي ضد ( حلف بغداد ).

وفي ربيع عام 1958م التحق بالوحدة المصرية - السورية حين سقط ابنه البدر في دمشق ميثاق الاتحاد الثلاثي (8 مارس 1958م) الذي لم يلبث حتى حل في 27 ديسمبر 1961 م إثر أرجوزة الإمام أحمد الشهيرة ضد الاشتراكية، وكنتيجة لسلبية ذلك الاتحاد، كما تم التعاون مع مصر في إنشاء الكليات العسكرية التي تخرج منها ضباط الثورة .

اتسعت حركة المعارضة بزعامة القاضي محمد محمود الزبيري والأستاذ أحمد محمد نعمان في الخارج كما اشتدت في الداخل، فقامت ضده ثورة بقيادة العقيد أحمد الثلايا في 28 إبريل عام 1955م شارك فيها أخوا الإمام أحمد: عبد الله وعباس، لكنها فشلت فكان مصيرهما مع عدد آخر من الفهماء والمشايخ الإعدام.


وفاته

حاول ثلاثة من صغار ضباط الجيش وهم محمد العلفي وعبد الله اللقية ومحسن الهندوانة اغتياله في مستشفى الحديدة فيستة مارس عام 1961، ولكنه نجا بأعجوبة، وظل متأثراً بجراحه حتى وفاته في 19 سبتمبر 1962م وصباح يوم 26 سبتمبر قامت الثورة، وأعرب النظام الجمهوري بعد أسبوع واحد من وفاته، وتولى ابنه محمد البدر حكم البلاد لمدة أسبوع .


حياته الأدبية

تفقه وقرأ الحديث والمصطلح وعشق الشعر والأدب وقام باعداد الكثير من المؤلفات منها :

نظم الأحاديث المسلسة. (أرجوزة دالية في الإسناد نظمها سنة 1346هـ ).

شرح نظم الأحاديث المسلسة. مع تخريج الأحاديث طبع في 54 صفحة سنة 1363هـ بصنعاء.

(نصيحة إلى العرب) أرجوزه هاجم فيها الإشتراكية والتأميم وبسببها انفصل إتحاده مع مصر وسوريا (طبعت في كتيب) وله الكثير من الأشعار الحمينية والفصحى منها تخميس قصيدة أبى فراس الحمداني أراك عصي الدمع.

الأختيارات. ـ خ ـ ضمن مجموع بمخطة السيد يحيى بن محمد بن علي المتوكل بصنعاء
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
المدرسة الأحمدية.. رافد الحرس الوطني والمقاومة الشعبية للدفاع عن الثورة

{ المدرسة كانت منارة علمية لأبناء اليمن جميعاٍ والحركة الطلابية بدأت حماساٍ للمد القومي العربي ثم تطورت إلى الإضراب والعصيان
{ مبنى المدرسة ذو تصميم هندسي عريق لكن الإهمال حوله إلى خراب واستبدل بمبنى آخر
شكلت منارة علم في زمن التخلف وكانت معلماٍ.. هاماٍ ما كان له أن يطمس!!. تلك هي المدرسة الأحمدية في تعز أحد أبرز روافد المقاومة الشعبية والحرس الوطني بعد قيام الثورة اليمنية المباركة ومنارة العلم التي خرجت المئات من الأدباء والجهابذة قبل الثورة.. ففيها عمل الفضول عبد الله عبد الوهاب نعمان مدرساٍ في أربعينيات القرن الماضي فترعرعت في أجوائها بذور القصائد العاطفية والوطنية الخالدة ومنها تخرجت قائمة من الأسماء التي نعرفها في الوسط السياسي والفكري والأدبي والمعرفي والاداري وحيث تلتفت تجدهم أسماء بارزة منهم الدكتور حمود العودي -مفكر ومؤرخ يمني معروف – أحمد الارياني – رئيس الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة السابق -وزيد مطيع دماج – أديب وروائي يمني كبير – ومحمد مرغم – إداري – والأستاذ عبدالرحمن بجاش – أديب وإعلامي قدير رئيس مجلس إدارة مؤسسة الثورة للصحافة والطباعة والنشر – ومحمد الحيمي – رجل اقتصادي إداري ومالي- وشائف الحسيني -إعلامي ومؤلف حصيف- وعبد الحميد الحدي-عضو مجلس الشورى..

وغيرهم من الأسماء التي لا نسطيع الالمام بها واعطاءها حقها والتي تقاطرت من كل منطقة في اليمن وخاضت معترك الحياة فكانت لها بصمات مضيئة في المجتمع اليمني.. وفي مدرسة الأحمدية سطرت الحركة الطلابية اروع ملاحم العمل الثوري.. وإن كان الفعل الثوري الطلابي بدأ في المدرسة العلمية صنعاء إلا أن المدرسة الأحمدية والوحيدة في تعز والمقربة من قصور الإمام أحمد كانت هي الصدى السريع وأولى مؤشرات الحسم في ذهن المجتمع الذي يحيط بالأمام أحمد في تعز ..
بذلك الحضور صارت المدرسة الأحمدية في تعز ابرز الأمكنة التي تتصدر ذاكرة الثورة السبتمبرية 1962م التي نعيش هذا العام يوبيلها الذهبي ومرور خمسين عاماٍ من عمرها.. في هذه التحقيق الصحفي أو المادة الاستقرائية نتوقف هنيهات مع من استطعنا الجلوس معهم من طلاب مدرسة الأحمدية لاستعادة ذكرياتهم عن هذه المدرسة كمكان ومشعل علمي ونبع ثوري لا ينسى.. ومرورا معهم نقف جادين للبحث عن بقايا أطلال للأحمدية ولأمكنة أخرى غادرت واجهة الأرض والخارطة لكنها لن تبرح ذاكرة الثورة ومخيلة الأجيال.. الأحمدية كغيرها من المعالم التي تؤرخ لحقب زمنية متعاقبة غْيرت بعد قيام الثورة اسماٍ وطْمست بعد ذلك معلماٍ بفعل خطأ تاريخي- ليس للثورة المباركة ذنب فيه- ارتكبناه كمجتمع لا يفقه إلا حاضره فقط وكما لو أننا نحاكم أمكنة لمجرد تهمة انتمائها للأسماء السياسية لنكتشف بعد زمنُ طويل إنها ليست سوى ملك للأجيال والتاريخ..
بكل صدق ونكران ذات يقف الوالد والأستاذ محمد الحيمي بتواضع الإنسان الذي لا يحمل من ماضيه سوى كل ما هو مشرق ليس لأنه لا يحب التطرق إلى تفاصيل ما شاب الماضي النضالي من أخطاء بل لأنه يؤمن أن لا إنسان معصوم من الخطأ وإن من يظن إنه لا يخطئ فقد ارتكب الخطأ بعينه الأستاذ محمد الحيمي الذي عاد من العراق في عام 68م بعد حركة 5 نوفمبر بداية فترة الارياني -رحمه الله- عمل في مكتب التخطيط إداريا مخلصاٍ لا يشغله عن عمله شاغل سياسي أو حدث عارض لينتقل بعد ذلك إلى مكتب رئاسة الدولة كموظف فني إداري يتعامل مع كل الناس بنِفِس الأخ والأب والإبن دون أن يسأل أحدا من أين أنت¿ أو من تتبع¿.. بعد ذلك عين نائباٍ لمدير مكتب رئاسة الدولة واستمر فيه إلى ما بعد الفترة الانتقالية أيام رئيس مجلس الرئاسة القاضي عبد الكريم العرشي -رحمه الله – ليشغل منصب نائب وزير المالية من 79- 1989م ثم نائباٍ لوزير الصناعة والتجارة بعد الوحدة اليمنية المباركة ويشغل الآن مستشاراٍ لوزير المالية.. هذا هو واحد من طلاب مدرسة الأحمدية الذي تحدث لي وفي عينيه هالة من القيم الأصيلة تربى عليها لا يستعرض أدواره تنطعاٍ من ذاكرة ملأتها حمى ضجيج الذات.. بل يتحدث عن ذاكرة جمعية عامرة بالقيم وحب الناس وتمجيد كل ما هو انساني وجميل.. ولا يحمل موقفاٍ ضد أحد فاليمن أرضاٍ وإنسانا هي خارطته ولكل شخص حرية الرأي والفكر والاتجاه.. ذهبت إليه لإجراء حديث صحفي طالما شدني إليه إخلاصه لعمله وصمته الذي يتحدث عنه الكثير من زملائه في العمل والدراسة بالمدرسة الأحمدية.. ففاجأني مع أول نقاش ودي يسبق الحوار بقوله : أولاٍ أنا لست مناضلا.. عشت الأحداث وعرفت كل الناس طيبين يحملون قيم التعايش والتسامح ومن كان غير ذلك فعلى نفسه واشتغلت فنياٍ وإدارياٍ لا أؤمن بالمناكفات والأسماء والألقاب التي تطلقونها في الإعلام…) حينها صمتْ وأدركتْ إني أمام شخص عظمته في تواضعه وتقديره لذاته لعله الجندي المجهول الذي يعمل بإخلاص قبل أن ينتظر العائد وواحد من الرجالات الذين يسيرون دفة العمل بصمتُ بليغ وحين
بدأت النقاش الودي عن مرحلة خلاف أبناء الصف الجمهوري.. وبعض القيادات السياسية التي تعاقبت على رئاسة البلد قال: كل من مضى ومات الله يرحمه ومن لا زال باقياٍ من فرقاء السياسة رعاهم الله ووفقهم لما فيه خير وسداد اليمن وكلهم وطنيون وأبناء دين وبلد ولغة واحدة ومن نحن حتى نبحث في أخطاء الآخرين خصوصاٍ إذا ما أدركنا أن كل واحد منهم كان يحمل مشروعاٍ وطنياٍ وواجه التحديات والعقبات الكبيرة والمشاكل والمصاعب وبالتالي الأخطاء محتملة وواردة في عمل بني البشر..”.. بعد هذه السياجات القيمية التي وضعها أمام صحفي تحاصره أسئلة جمة اتفقنا على الحديث حول مدرسة الأحمدية..
الحماس الطلابي
الوالد محمد الحيمي يتحدث عن مدرسة الأحمدية وعن دخوله للدراسة فيها حيث يقول: بدأت في مدرسة الأحمدية تعليمي حيث أتذكر إن هذه المدرسة حوت مجموعة من طلاب وشباب متحمسين وكان الحماس في تلك الأيام امتداداٍ لما يجري في مصر وما يعتمل في المنطقة العربية من مدُ قومي بعثه في النفوس المرحوم الرئيس جمال عبدالناصر خصوصا في نهاية الخمسينات وبداية الستينيات حين كانوا يسمعون خطاباته الحماسية..
كنت أنا- حينها-أنزل من الحارة وهم من حارة المستشفى (الزملاء والشباب ) ونلتقي مع مجموعة كبيرة من زملاء الفصل الدراسي منهم المرحوم الأستاذ أحمد الإرياني الذي كان رئيس جهاز الرقابة والزميل زيد الغابري كان صحفياٍ قديراٍ والزميل على محسن حميد هو الآن بوزارة الخارجية.. وكانت سمة تلك الأيام الحيوية والتفاؤل رغم الظروف التي كانت تمر بها البلاد.. لكن الشباب يعيشون حماساٍ قومياٍ عربياٍ كبيراٍ واسع النطاق..وأتذكر أن طلاب المدرسة الأحمدية كانوا مقسومين بين ليلي ونهاري طلاب القسم النهاري(الفترة النهارية)يدرسون في النهار وينصرفوا إلى بيوتهم وطلاب القسم الليلي(الفترة الليلة) يدرسون في الليل لأنهم ساكنون في المدرسة وأغلبهم من الأيتام والطلاب الذين يأتون من مناطق خارج تعز وأنا كنت ضمن القسم النهاري.
ويواصل الحيمي استرجاعه لأيام الدراسة في الأحمدية قائلاٍ:وأتذكر أن مدير المدرسة كان-حينها- مدرساٍ فلسطينياٍ اسمه عبدالقادر صوان وعبدالرؤوف نجم الدين -يحملان الجنسية الفلسطينية-ومدرس يمني اسمه محمد حيدر..
وحول سؤاله عن التواصل بين طلاب المدرسة الأحمدية بطْلاب المدرسة العلمية بصنعاء أجاب الحيمي قائلاٍ: لا أتذكر ولا أدري هل كانت لهم اتصالات مع صنعاء مع بداية تكوين حركة الضباط الأحرار ولكن ذلك الاندفاع كان مرافقاٍ لما يحصل في مصر يعرفه الناس عبر المذياع والصحافة التي تصل البلد بعد ذلك بدأت موجة الحماس تتزايد حتى وصلت حد الاضرابات.
وفي رده على سؤال: أين كنت أنت يوم هذه الاضرابات¿ أجاب قائلاٍ: في البداية لم أكن معهم.. ولم أكن منتبه لما يجري.. كل ما في الأمر أني كنت وكثير ننتهز الفرصةونعود إلى البيت.. نكاد نطير فرحاٍ عندما نرى أنه لا توجد دراسة.. فذلك عندنا مجرد فرصة للهروب من المدرسة..وللحقيقة.. كان كثير من الطلاب يتعاملون مع المسألة بلا وعي فليس لديهم -حينها – العمق ولا الرؤية الواضحة والبعد السياسي ذو الصبغة المستقبلية.. ولكن مع تواتر الحماس واستقراء المشهد المعاش حينها بدأنا بحكم الزمالة والاندفاع نتحد مع بعضنا فمضينا سوياٍ في الاضراب والاحتجاج حتى أغلقت المدرسة على يد العْكúفِة الذي هو الحرس الملكي بقيادة علي أحمد عبدالله مانع (رحمهم الله جميعا).. وكان أكثر الطْلابú حماساٍ كما أتذكر يحيى الخْراشي الذي كنت على صلة مستمرة به والأخ عبدالكريم جميل من المناطق الوسطى -رحمه الله- حاولتْ أسأل عنه قالوا:”قْتل في المناطق الوسطى”.. إضافة إلى الزميل محمد حسين مرغم كان في وزارة المالية أيام ما كنت فيها.. وهؤلاء الطلاب الذين ذكرتهم كانوا ضمن القسم الليلى يدرسوا ويسكنوا ويلعبوا في المدرسة..
وحول ما كانت تمثله المدرسة قال الحيمي: كانت المدرسة عريقة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى ذات تصميم هندسي عريق جداٍ.. ومكان استراتيجي بالنسبة لكونها تقع على ربوة مقابل الباب الكبير لتعز التي كانت عاصمة يسكنها ولي العهد قبل 48م ومن ثم مقاماٍ للأمام أحمد بعد والده.. المدرسة كانت حاضرة بقوة سمعةٍ ومكانة في كل نواحي اليمن ومخاليفها لأنها الأولى في تعز وجمعت داخلها طلاباٍ من كل منطقة يمنية..ولم تكن هناك مدارس في اليمن سوى ما يقال له “المعلامـة”..ولا أستطيع القول إنها مدارس وحتى الأحمدية رغم مستواها الضخم إلا إن التعليم فيها بدائي ومحصور وكانت ابتدائية واعدادية فقط.. أما الثانوية ما جاءت إلا بعد الثورة حين جاء اخواننا المصريون وأتى المدرسون من مصر فكانت أول دفعة تخرجت من الثانوية بعد الثورة.. تلك كانت هي المدرسة الأحمدية التي كان يجب المحافظة عليها كمعلم ومأثرة تحكي أهم مرحلة زمنية في تاريخ الإمامة في اليمـن لكن للأسف تم إهمالها وتشويهها إلى أن تحولت إلى خراب واستبدلت بمبنى آخر..
وحول بدايات الثورة قال الحيمي : أتذكر إننا شعرنا بالبدايات الأولى للثوة عندما كنا في المدرسة وهي على مقربة من جامع المظفر – الذي كان يقع داخل أسوار مدينة تعز قرب الباب الكبير لتعز – وسمعنا صوت إمام جامع المظفر القاضي المغربي -رحمه الله- يعلن بالمايكرفون إن الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين قد مات وعند سماعنا للخبر من جامع المظفر جلسنا في دهشة نتابع المذياع.. لمتابعة أي جديد بعد موت الإمام وبعد ذلك سمعنا خطاب البدر الذي بايعه الناس في صنعاء إماماٍ الذي كان بمثابة ابتداء السير السريع نحو الثورة حيث لم تمر ستة أو سبعة أيام إلا والثورة قامت..
بعد ذلك جاء الأخوة المصريون وبدأت تتشكل ملامح الدولة العصرية والنظام الجمهوري وما أتذكره من تلك الأجواء هو أن تعز خرجت كلها في مظاهرات وفرح لا يوصف وخصوصاٍ حين زارها عبد الناصر في 65م ولا أتذكر بعد ذلك الجو من الانسجام كيف رجعت دوامة الصراع التي كان من نتائجها ظهور الحرس الوطني والمقاومة الشعبية واحتشاد الناس للدفاع عن النظام الجمهوري.. وللحقيقة لم أكن في المقاومة الشعبية فقد فضلت الدراسة حيث واصلت حتى تخرجت من الثانوية وسافرت بغداد.. هذا بالنسبة لي وبعض الزملاء.. مع العلم أن معظم الزملاء انضموا إلى التجنيد مع إطلاق أول دعوة للدفاع عن الثورة لتشكل المدرسة الأحمدية رافداٍ عظيماٍ من الشباب المتحمس والمتعلم للحرس والوطني والمقاومة الشعبية والسلك المدني الوظيفي ولا استطيع أن أتذكر اسماءهم الكثيرة.
الأحمدية .. النشأة والأهمية
في عام 1935م قام الأمير أحمد بن حميد الدين- ولي العهد-بإنشاء أول مدرسة في تعز سميت المدرسة الأحمدية نسبة لمؤسسها وبانيها سيف الاسلام الأمير أحمد.. كان ذلك العام -الذي تلى حرب 1934م مع الجارة السعودية الذي انتهى باتفاق الطائف- بداية لتوجه جديد لدى ولي العهد حيث فكر في الانتقال والإقامة في تعز وجعل أبرز الأدلة الشاهدة على وجوده في تعز هو انشاء المدرسة بعد قصر صالة الذي شيده الإمام يحيى وولي عهده الأمير أحمد قبل المدرسة الأحمدية التي اقتصرت في أول الأمر على التعليم الابتدائي لكنها كانت ممراٍ هاماٍ لسرب طويل من أعلام اليمن وقاماتها الفكرية والنضالية السامقة..
للاقتراب أكثر من معلم الأحمدية فنياٍ وهندسياٍ لجأنا إلى ذاكرة من ترعرعوا في أفيائها طلاباٍ للعلم والمعرفة وصاروا لبِناٍ في أساس السياج المنيع للثورة والنظام الجمهوري.. فعن مبنى المدرسة يقول أحد طلابها وهو المؤرخ والمفكر الاجتماعي الدكتور حمود العودي- دخل المدرس نهاية الخمسينات وفر منها مع زملائه الكبار إلى عدن خوفاٍ من بطش الامامة بعد أن أحكم حصار المدرسة-: “كان مبنى مدرسة الأحمدية على ربوة مرتفعة قليلاٍ خارج السور وقريبة من الباب الكبير لتعز حيث شْيد مبناها ذو الشكل الدائري من الحجر الصم وبـ” تفصول” -التصميم والتقسيم- هندسي داخلي وخارجي متناهي الجمال والدقة حيث بْنيت على الطراز العثماني من خلال المرافق المنظمة بدرجة عالية من التنسيق وكانت أسقفها من الخشب المرصوص بعناية جمالية بينما أراضي الفصول مسبوكة بالقضاض والممرات والأروقة والسلالم مرصوفة بحجر الحِبِش الأسود الخشن الجميل.. وكان هذا مبناها يقوم على دورين يستديران حول فناء واسع يحوي ملعب كرة الطائرة وملاعب أخرى.. وحديقتين متقابلتين على المدخل الرئيسي تحويان( شذروان) أو نوافير ماء شغالة على مدار اليوم الدراسي.
وعن الأهمية التي كانت تكتسبها المدرسة الأحمدية يقول الدكتور العودي: تكتسب المدرسة أهميتها من كونها الأولى في تعز وكونها نبعاٍ معرفياٍ تخرج منه الكثير من أعلام ومفكري ومثقفي اليمن في تاريخها المعاصر إلى جانب اهتمام الإمام أحمد ببنيانها ورعايتها ومن الإشارات المهمة في هذا الجانب إن الذي كان يقف وراء تصميمها الدائري والعمراني الجميل والتقاسيم الداخلية مجموعة من المهندسين الفلسطينيين والعراقيين أضف إلى ذلك أنها أديرت بكوادر فلسطينية وعراقية إلى يوم قيام الثورة ودخول المدرسين المصريين.. هذه الهالة من الأهمية والمزايا جعلتنا والناس جميعاٍ ننظر إليها كقبلة علم عظيمة..
خطــأ تاريخي
وعن هدم مدرسة الأحمدية واستبدالها بمبنى يقول المؤرخ العودي: هدم مدرسة الأحمدية وتغييرها خطأ تاريخي طال أحد أبرز المعالم في تعز ونتمنى أن لا يتكرر ذلك فكل معلم ملك للأجيال القادمة .. وحصلت في الفترات السابقة من حكم الأئمة وحتى في النظام الجمهوري أخطاء تاريخية في طمس وتدمير المعالم الهامة.. حيث طمس الكثير من ذاكرة الأحداث التي شهدتها اليمن .. كما لفت العودي إلى أن من أبرز الأخطاء التي حصلت في صنعاء : هو إزالة بعض المعالم القديمة والنادرة التي كانت ستظل تعبيراٍ عن الماضي بكل جوانبه السلبية والإيجابية فما كان سلبيا نأخذ منه العظة والعبرة وما كان ايجابيا نستفيد منه كعامل تحفيز يجعلنا نصنع شيئاٍ أجمل يتحدث عنا في المستقبل وعند الأجيال التي ستأتي بعدنا..
وقال أيضاٍ من أبرز المعالم التي غيرت هو ما كان قائماٍ سواد حزيز حيث قْتل الإمام يحيى – رحمه الله -حيث كانت هناك مجموعة صخور سوداء كبيرة كانت تبدو منظراٍ جميلا بسوادها وصلابتها وخلف هذه الصخور اكتمن القردعي والحسيني بعد ان وضعوا أحجاراٍ في طريق سيارة الإمام يحيى وحين وقفت السيارة لابعاد الأحجار أطلقوا النار على الامام يحيى ليقضوا عليه.. فكان من أهمية هذا المكان التاريخي كونه يقع داخل سور ومزاراٍ مهماٍ ومعلماٍ يدل على حدث الثورة الدستورية.. ولكن للأسف طمس ذلك المعلم..
أجواء المدرسة ذاكرة حيِة
أحد طلاب المدرسة الأحمدية وهو الإعلامي والأستاذ شائف الحسيني يسترجع الجو العام والدراسي في المدرسة الأحمدية في العام 1960م حيث يقول: أتذكر أني في اللحظة الأولى لدخولي المدرسة رأيت وشاهدت كل شيء حولي غريباٍ التلاميذ والمدرسين وكل الناس غرباء وكما لو أني نزلت في كوكب آخر وأرض أخرى ليس لي معرفة بأحد لا بالمكان ولا بالناس ولم يكن أحد من الأسرة قد عرفني أو شرح لي عن البيئة التي سأنزل فيها رأيت كل الناس متجمعين هنا وهناك طلاب صغار وكبار على شكل مجموعات يؤطرها التعارف والتقارب بين أبناء القرية الواحدة أو المنطقة الجغرافية الواحدة فعندما يدخل أي تلميذ في هذا الوضع الجديد بالمدرسة يسأل عن أبناء منطقته فهم من سيعرفِونك ويساندونك ويقفون بجانبك إذا مرضت أو صار لك مكروه.. وبهذا الشكل اعتقدت أن ذلك هو الوضع النهائي في المدرسة إلى أن أخذت أتعرِفú على التلاميذ من مختلف مناطق اليمن وأريافه ونشأت بيننا علاقات الزمالة الدراسية والمحبة التي لا زالت بيننا حتى اليوم وبدأت تنقشع عني الغمة والانزواء.
وأضاف الحسيني: وأول يوم دراسي في المدرسة تم اختباري لتحديد المستوى التعليمي وكنت في القرية أحفظ بعض آيات القرآن شفوياٍ ولكن لا أعرف القراءة ولا الكتابة.. فلا أستطيع جمع الحروف وتكوين الكلمات.ـ وإنما كنت أسمع وأحفظ.. فاختبروني فدخلت رياض الأطفال مع طلبة صغار مشاغبين وبعضهم أكبر مني وأنا مذهول من هذه المشاهد¿ الجديدة التي أراها لأول مرة.
وكان أول الدروس في القراءة المصورة ماذا يلبس الناس في الشتاء فكنت أستغرب جداٍ حين يتحدثون عن ملابس بالصيف وملابس في الشتاء فلا أعرف ما هو الصيف ولا الشتاء فأنا ألبس(زنة) قميصاٍ واحداٍ طوال العام حتى يتقطع..
ويقول الحسيني : أتذكر إنه كان يغشاني الحزن الشديد والكآبة عندما أسمعهم في الفصل وهم يرددون بعض الأبيات الشعرية تضمنتها القراءة المصورة وفي آخرها:
“وإذا الشمس توارت
عدت للبيت المحبِبú”
فكانت الغربة والهواجس تحاصرني أين هذا البيت المحبب فأنا في تعز في المدرسة غريب والبيت عني بعيد جداٍ اين اهلي واين اقراني و رفاقي في القرية.
وقال أيضاٍ : تلك هي الأجواء الدراسية التي كنا نعيشها نبدأها غرباء وننهيها ونحن أسرة واحدة في الهم والرسالة والعلم والمعرفة.. أما عن المدرسة كمكان فقد كانت الأحمدية معلماٍ تاريخياٍ هاماٍ ومبنى عظيماٍ ومنطلقاٍ لشريحة واسعة من المستنيرين الذين دعموا النظام الجمهوري ودافعوا عن الثورة..
عصيان الأحمدية الطلابي
من المد القومي بدأ الوعي الطلابي يتنامى متطوراٍ إلى الاعتراض والاحتجاج كما فهمت من الاستاذ محمد الحيمي وهو ما أكده الدكتور العودي حيث قال: وأتذكر أن العام 1960م شهد عملية الانفصال بين مصر وسوريا وهذا الانفصال كان عملية مزعجة للجماهير العربية خصوصاٍ الطلابية وكانت مدرسة الأحمدية تعيش هذا الانزعاج حيث خرجنا في مظاهرات صاخبة .. وللحقيقة أنا لم أكن من الطلاب الكبار مرة ولا من الصغار مرة ولكن أنا كنت متحمساٍ مع الشباب خصوصاٍ وكانت هناك قيادات ممتازة من الشباب أتذكر منهم الأخ محمد مرغم والأخ ناجي يحيى سعد صلاح وإسماعيل الكبسي رحمه الله وقد كان لدى هؤلاء الشباب بعض أشكال التأطير الحزبي في حركة القوميين العرب وفي البعث.. وربما كانت هذه بداية للحراك الطلابي.. لكن ليس الحركة الطلابية تجاه قضايا الداخل وإنما هي أيضاٍ امتداد أو انعكاس للبعد القومي الطلابي لأننا استأنا من الانفصال ولأن عبد الناصر كان بالنسبة للناس جميعاٍ رمزاٍ كبيراٍ جداٍ وكان صوت أحمد سعيد الذي يعلق من صوت العرب في صباح كل يوم هو الرسالة اليومية التي تنبني عليها كل التعليمات لما ينبغي فعله خلال كل (24) ساعة.. إضافة إلى أنه كان يتم تسريب الكثير من الصحف والمجلات من عدن إلى تعز.. كما أن جهاز الراديو قد وصل ليس إلى المدن الرئيسية فحسب بل إلى القرى من بداية الخمسينات.. لذلك طبيعي إننا نتابع مجريات أحداث الساحة العربية فخرجنا بمظاهرات ولافتات وهتافات ضد الكزبري الذي قاد الانفصال وكان موقفاٍ شهيراٍ أدى دوره في ذلك الوقت وبدأ يشكل بالنسبة لنا حافزاٍ لاستمرارية الوعي الوطني.. والتطلع لمستقبل أفضل خصوصاٍ والمجتمع اليمني يعاني وضعاٍ مأساوياٍ..
جهل فقر مرض حرمان وغيرها من الجراحات التي يحس بها الطلاب فكانت العاصفة هادئة تنتظر أي حدث يحركها فكان حدث المدرسة العلمية بصنعاء المشهورة بمدرسة الأيتام..
تفاصيل وثائقية
وأنا أنبش بحثاٍ عن تفاصيل أكثر لحقيقة ما جرى في مدرسة الأحمدية من إضراب تطور إلى عصيان عقب ما حدث لطلاب صنعاء حصلت صدفةٍ على حوار صحفي نشر في صحيفة الجمهورية قبل عامين مع (العميد صالح عبدالله صبِار – أحد الطلاب الذين شاركوا في إضراب مدرسة الأحمدية ) حيث تحدث قائلاٍ: حدثت مظاهرة بمدرسة دار الأيتام في صنعاء بسبب أشياء تتعلق بمستحقات الطلبة قْتل على إثرها أحد الطلبة برصاص أحد الجنود عندما كان يحاول إنزال صورة البدر.. وعلى إثرها تطورت الأحداث وفوجئنا في اليوم التالي ونحن بمدرسة الأحمدية في تعز بقدوم ثلاثة طلاب وافدين اتضح فيما بعد أنهم من طلبة مدرسة دار الأيتام في صنعاء وقد التقوا مساءٍ كبار الطلبة في مدرسة الأحمدية وأطلعوهم على أحداث دار الأيتام وطلبوا من زملائهم في الأحمدية موقفاٍ تضامنياٍ مع قضيتهم وقد انحصر الحوار بين الرموز من طلبة الأحمدية والطلاب الوافدين وخرج الطرفان بنتيجة مفادها ضرورة تنظيم عصيان في المدرسة كشكل من أشكال الإسناد لطلبة صنعاء وقد جرت المشاورات في أجواء سرية.
وحول ما دار في اللقاء السري : قال صبار:انتهى لقاء الطرفين السري فقام البارزون من طلبة الأحمدية ومنهم على سبيل المثال لا الحصر: يحيى الخراشي إسماعيل الكبسي محمد مرغم أحمد الإرياني ومحمد المفتي وعلي البواب ويحيى ناصر العتمي زيد الغابري محمد عبدالله الإرياني ومن المعلمين في المدرسة على سبيل المثال لا الحصر: الأستاذ محمد سيف عباس والأستاذ سعدون وكانا من المحرضين.. وبالنظر إلى أنه كان لكل غرفة رئيسها فقد اجتمع رؤساء الفرق للاتفاق على ساعة الصفر والبدء بالعصيان.
وقد حدث ذلك في مساء نفس اليوم وبشكل سري شديد لأن للإمام عيوناٍ من الطلبة أنفسهم في القسم الداخلي وقد كانت ساعة الصفر الساعة العاشرة صباحاٍ أثناء تواجد الطلبة الليليين والنهاريين في المدرسة حيث كانت المدرسة تعتمد نظام الطلبة النهاريين وهم المقيمون في المدينة والطلبة الليليون وهم الوافدون من خارج المدينة… أما عن ردود أفعال الطلبة فقد أظهروا حماساٍ للتضامن ومناصرة زملائهم في صنعاء.
إغلاق باب المدرسة
وقال العميد عبدالله صبار أيضاٍ : وفي الساعة العاشرة من اليوم التالي اتخذ كبار الطلبة إجراءات أمنية منها: إغلاق الباب الرئيس للمدرسة للحيلولة دون دخول الحرس الخارجي المرابط في البوابة من الخارج تلى ذلك أن أخذ بعض قادة العصيان موقعاٍ مشرفاٍ على فناء الساحة فيما تولى آخرون إخراج كافة الطلبة الليليين والنهاريين إلى الساحة وألقى كل من الطالب يحيى الخراشي وإسماعيل الكبسي بيان العصيان وأسبابه ومطالبه وطرح الكبسي على مسامع الجميع عبارات بصوت قوي: «إننا سنناصر زملاءنا في صنعاء دون خوف من الإمام ولن يْفض عصياننا حتى لو استخدم طائراته ومدفعيته.. فنحن لا نخاف الموت»… واستْثني من ذلك من يرغب من الطلبة النهاريين في عدم اتخاذ الموقف نفسه فانضم للعصيان مجموعة من النهاريين ورابطوا داخل المدرسة فيما غادر الآخرون ساحة المدرسة ليتضح فيما بعد أنهم مثلوا سنداٍ مهماٍ لزملائهم في الداخل لاسيما عندما بدأ الإمام بقطع الإمدادات المتمثلة في الماء والكهرباء والوجبات في نفس اليوم.
وحول موقف المواطنين وتمكنهم من إيصال المؤن اللازمة في ظل حصار العسكر قال صبار: خلال هذا الظرف الحرج كان أهالي تعز على اختلاف فئاتهم يْظهرون تعاطفاٍ منقطع النظير معنا حيث كانوا يلقون بصرر الطعام إلى فناء المدرسة من الجهة الغربية والجنوبية متجاوزين الحراسة وحين نفتحها نفاجأ بوجود نقود في جوف أرغفة الخبز.. أما السر في ذلك فهو أن حراس هاتين الجهتين الذين كانوا من الجيش النظامي يكتوون بالأوضاع السيئة ذاتها في حين كان يشغل حراسة الجهة الشمالية حرس اشتهروا بالولاء الشديد للإمام في كل أحواله… هذا بالنسبة للأطعمة أما المياه فلها قصة أخرى حيث تسللنا أنا وأحد الزملاء إلى خارج المدرسة واعترضنا طريق أحد السقائين ممن يمتهنون بيع الماء للأهالي والمحلات التجارية وفي أثناء المشادة معه تدخل المصور المعروف أحمد عمر العبسي ودفع تكلفة سبعة عشر سقاءٍ تقريباٍ ووجههم باتجاه المدرسة من الجهة الجنوبية.. ومع هذا الحصار كان يتردد نائب الإمام الوشلي ورئيس حرس الإمام علي مانع بصورة يومية على المدرسة والالتقاء برموز العصيان في محاولة لاستشفاف ما وراء هذا العصيان.. من أطراف من خارج المدرسة تنتمي إلى القوى المناوئة للامام .. وحينها ترددت أخبار عن أن رئيس الحرس خلص إلى أنه ليس من الحكمة أن يستمر قمع الطلبة بهذه الصورة التي ستوسع دائرة الغضب الشعبي واقترح على الإمام أن ينظر في مطالبهم إلا أن الأخير قفز على اقتراحه وأمره بصيغة «كل واحد يروح بيته وعفا الله عما سلف» حيث رأى أن هذه الصيغة التي تشبه العفو بمثابة مكرمة منه.
مسيرة بيضاء باتجاه المصلى
ويواصل العميد عبدالله صبار قائلاٍ: بعد أسبوع كامل من الحصار والتجويع والشد والجذب والقلق على مصير ضاعت معالمه انفتحت أبواب المدرسة وخرج منها سرب الطلاب المتمردين وقد ارتدوا ملابس من اللون الأبيض وحملوا صرراٍ جمعوا فيها أشياءهم كانت الشمس قد بدأت تلملم أذيالها استعداداٍ للغروب وبدأ الصمت يستولي على البلاد عندما كانت مسيرة الطلاب البيضاء تتجه إلى المصلى على بعد كيلومتر واحد تقريباٍ غرب موقع الأحداث وهم ينشدون:( في طريق النصر سيروا/ بنظام واتحاد// وعلى الأعداء ثوروا/ ثورة تمحو الفساد///وغداٍ يوم الظفر).
تردد صدى النشيد في الجبال والتلال المحيطة بمدينة تعز وخرج كل من فيها ينظرون للمنشدين ومسيرتهم البيضاء… ارتاحت قافلة الطلبة قليلاٍ في المصلى ثم استأنفت مسيرتها إلى ضاحية جبل الضربة.
ويضيف أيضاٍ: كان الظلام قد خيم عندما وصلوا إلى الضربة وهناك جلسوا يتدارسون حالهم وكيف يتدبرون أمرهم وكان التعب والجوع قد نال منهم وبينما هم في همهم سمعوا هدير سيارة عسكرية فظنوا أن الإمام قرر الغدر فاتخذوا وضعاٍ دفاعياٍ وأرسلوا أحد قادتهم ليستطلع الأمر لمعرفة من في السيارة فأقسموا له أن هذا غير صحيح وإنما أتونا ناصحين بأن يصعدوا إلى القصر ويقدموا الشكر للإمام الذي كان يعلمهم ويطعمهم ويؤويهم مجاناٍ وأن ينهوا خصومتهم معه بشرف واحترام متبادل.. وافق الطلبة المتمردون على المقترح الأخلاقي ومجدداٍ تحركت المسيرة قاصدة المقام الإمامي وعندما وصلت هتف أحد قادتهم: «يعيش مولانا أمير المؤمنين» والطلبة يرددون وراءه نفس الهتاف ثلاث مرات… عندها خرج بعض أفراد الأسرة المالكة من النوافذ وأخذوا يشيرون لهم إشارات مفادها هذا يكفي اذهبوا… ومن جديد عاد الطلاب يسيرون في جنح الظلام وتوقفوا هذه المرة فيما يعرف الآن بالسوق المركزي بشارع جمال وهناك دْعي الجميع ليأخذون نصيبهم من الأموال التي حصلوا عليها من الأهالي أثناء العصيان.
كان وضع الطلبة الأكبر سناٍ أكثر حرجاٍ من الصغار فلم يعد يطيب لهم عيشاٍ في هذه البلاد وإذا ما قرروا البقاء فإن السلطات الإمامية ستقتص منهم عاجلاٍ أو آجلاٍ.. ومن هذا المنطلق فكر جميع الطلبة أنه إذا كنا قد بدأنا كل شيء تضامناٍ مع زملائنا في صنعاء لماذا لا ننهي الأمر بشكل تضامني أيضاٍ لذلك قرر جميع الطلبة التنازل عن حصتهم من المال لزملائهم الأكبر سناٍ والذين كانوا قد قرروا الفرار إلى عدن أو العودة لقراهم أما الطلبة الأصغر سناٍ فقد قرروا العودة للمدرسة
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
مدرسة الإحياء واليقظة الوطنية
بقلم : محمد صلاح

رغم تعدد المذاهب والمدارس الفكرية داخل المجتمع اليمني، فإن انخراط بعضها لتحقيق أهداف سياسية جعلها تشكّل عبئاً اجتماعيا وسياسياً في حياة اليمن، ورغم ما قدّمته من إنتاج معرفي غزير، فإنها لم تتمكّن من تقديم حلول ناجعة، أو ناجحة في جانب إصلاح، مسألة السلطة السياسية. 

يعتبر المذهب الزيدي في اليمن صاحب رؤية ونظرية سياسية واضحة لا لبس فيها أو غموض، لكن نظريته القائمة على حصر الإمامة في البطنين، فضلا عن عدم تمذهب اليمن بأكملها به، فإنه داخل المنتمين إليه لم يتمكن من تنظيم وإصلاح عملية تولي الإمامة، وانتقالها بين من يحق لهم الوصول إليها، أو تحقيق أي استقرار،  واكتفى علماء المذهب الزيدي في سعيهم الحثيث والمتواصل على تأكيد أحقية آل البيت في الولاية، والإمامة، دون أن تستقر الأوضاع لصالحهم جميعاً، أو لصالح فرع من فروعهم، فقد اشتعلت الخلافات بين أحفاد الإمام الهادي، الأمر الذي دفع بالقبائل في صعدة لخلعهم جميعا، كما ظهرت الخلافات والمنافسات والمشاحنات بين فروع الأسر المختلفة، مثل الخلاف بين آل الهادي، وبين القاسم العياني وأولاده، ثم بين الأشراف الحمزيين وآل الهادي، ومثل ذلك بين آل القاسم بن محمد وآل شرف الدين...الخ

يقول الدكتور أحمد قائد الصايدي في رسالته للدكتوراة: "لم تشهد اليمن استقرارا خلال التاريخ الطويل للإمامة، التي انحصرت مهامها -كما يستقى من كتب الزيدية أنفسهم- في إقامة الحدود الشرعية، وقبض الواجبات. وباستثناء بناء المساجد، فإن مهام الإنشاء والتعمير لم تكن واردة ضمن مهام الدولة الزيدية، بل قد يقدم إمام على قطع الأعناب والزرع في منطقة، بحُجة أن أهلها لم يقيموا صلاة الجماعة". [أحمد قائد الصايدي، "حركة المعارضة في عهد الإمام يحيى"، ص27]، ويرجع السبب في عدم الاستقرار في اليمن -كما يؤكد ذلك تاريخ الإمامة- إلى الأسس التي تقوم عليها "فالنظرية الزيدية كانت في حد ذاتها سببا مولدا لصراعات دائمة، حين أعطت المشروعية لكل فاطمي تتوفّر فيه شروط الإمامة أن يخرج داعيا لنفسه، وحين أجازت خروج أكثر من إمام في منطقتين مختلفتين"، ["المصدر السابق"، ص 28]

وقد خلصت الدكتورة سلوى المؤيد، في رسالتها للدكتوراة حول التناقضات في السلطة الزيدية،  إلى أن "ظاهرة تعارض الأئمة أدت إلى قول علماء الزيدية المتأخرين بعدم قطعية الإمامة بمعنى أنها ليست مسألة أصولية ويجوز فيها الاجتهاد، ولا يترتب على الموقف منها أي تفسيق أو تكفير"، ولعلّ الإمام عز الدين بن الحسن كان من أنصار هذا الرأي، كما ورد في كتبه، مثل "المنهاج في شرح المعراج".

وقد قادت مثل هذه الرؤى إلى الانفتاح أكثر على مذاهب أهل السنة، وظهر المجددون الكبار، الذين يرفضون صراحة القول بحصر الإمامة في قريش أو في البطنين، أمثال الإمام والمجتهد المطلق صالح بن مهدي المقبلي، والمجتهد الحسن الجلال، وهؤلاء كانوا أكثر قَرباً من أهل السُّنة. 

خلال العهد الأول من حكم الدولة القاسمية التي ورثت السلطة بعد خروج العثمانيين من اليمن 1635م، استقرت الأوضاع لعقود قليلة، لكن سرعان ما خرجت المناطق اليمنية تباعاً عن حكم أئمة الدولة القاسمية، وتفككت مناطق الجنوب والمشرق إلى أكثر من 25 سلطنة ومشيخة، بسبب المظالم الاجتماعية التي ارتكبتها دولة الإمامة، فقد اعتبر الإمام المتوكل إسماعيل الذي توحّدت اليمن في عهده، مناطق الوسط، والجنوب، والمشرق، بلاد فتح، وعامل أهلها معاملة أهل الذمة في أخذ الزكاة، بينما تعد اليمن منذ عهد النبي (ص) أرضاً عشرية، بل إنه اعتبر كل ما بأيدي السكان ملكا له، وقد تصدّى له في ذلك علامة اليمن المجتهد الحسن الجلال، وابن أخيه المؤرخ الكبير يحيى بن الحسين بن القاسم، والعديد من علماء الزيدية، والشافعية. وفي الفترة اللاحقة، ارتفع صوت العالم المجدد محمد بن إسماعيل الأمير بعدد من القصائد الناقدة والرافضة لتلك الفتاوى الإمامية: 

خراجية صيّرتم البلاد كلها

وضمنتم العمّال شر المعاشر 

وكذلك العالم الكبير الحسين بن عبد القادر كوكبان، وله في ذلك أبيات شعرية منها: 

قالوا إمامهم إسمـــــاعيل عالمهــم 

أفتـــــــــــــــــــــــــاهم بمقــــال فيـــه برهـــــــــــان 

يقول إن جنـــــــــــود التـرك كافــــرة          دانت لهـــــــم من جميع القطر بلدان 

وبعدهم قــد ملكناها بقوتنـــــــــــا         صارت إلينا حلالاً بعدمــا بانــــــــــوا

وكل شخص من الزراع عاملنا         على الذي بيديه أينمــــــــا كانـــــــــــــــــوا 

ولعلَّ أبرز مثال على زيادة الضرائب، وبمسميات مختلفة، التي دفعت السكان إلى التمرد والخروج، ما ذكره يحيى بن الحسين في أحداث سنة 1085ه‍/1674م، في كتابه "بهجة الزمن" بأن الضرائب المفروضة على اليمن الأسفل من غير الزكاة، وزكاة الفطر قد تضاعفت منها: "مطلبة الصلاة لمن صلى أو لم يصل، ومنها مطلبة الرياح، ومنها مطلبة البارود والرصاص، ومنها مطلبة سفرة الوالي، ومنها
مطلبة دار الضرب، ومنها ضيفة العيدين والمعونة ... ولم يكن في اليمن الأعلى من هذه المطالب، إلاَّ مطلبة ضيفة العيدين والمعونة".

ويرى يحيى بن الحسين أنه حتى وإن كان اليمن الأسفل كثير الخيرات والمحصولات، بالنظر إلى اليمن الأعلى، فإن الواجب الرفق والعدل. ولا نزيد على الطين بلة. فكان -على سبيل المثال- علي بن الإمام المتوكل قد أرخى العنان لأصحابه، "يفعل كل منهم ما أراد في جهاته، ويحبسون من شاؤوا، ويعملون ما أرادوا".

لقد اعتبر أئمة القرن السابع عشر بلاد اليمن الأسفل كفار تأويل، وكان ذلك ناتجا عن فتوى للإمام إسماعيل بن القاسم، وهذا ما جعل من المظالم الاجتماعية، والسياسية بفتاوى مذهبية، تضاعف من الاحتقان والتمزّق في البلد اجتماعيا، لكن بمجيء مدرسة الإحياء والمجددين في اليمن بدأت هذه المقولات تختفي، و"بحلول القرن الثامن عشر لم يصبح هذا التصنيف محل نظر فحسب، بل رفضه علماء الحديث في صنعاء صراحة. وهذا ما أكسب علماء الحديث في اليمن الأعلى حب الشافعية في اليمن الأسفل وتهامة، ويعد ما أسبغه علماء بيت الأهدل من مدح على الشوكاني دلالة مهمة على ذلك" [برنارد هيكل، "الإصلاح الديني في الإسلام"، ص 402 - ترجمة الدكتور علي محمد زيد]. 

لقد تم وضع أصول الدين، وتحديدا، من قِبل التيارات التي سعت إلى السلطة، من خلال صياغة بنية مغلقة من المفاهيم والتشريعات، وتم ربط التوحيد بالسياسة، بحيث يعتبر الخروج أو رفض المفاهيم السياسية خروجاً، ومروقاً عن الدين، ولذلك كان الحديث عن الاجتهاد والدعوة إليه تهدف بالأساس إلى مواجهة هذه الآفة، وكانت الخطوة الأولى لضرب هذه المفاهيم، هو في تقويض فكرة التقليد، والتوسّع بفكرة الاجتهاد، وخلق سلطات معرفية أخرى تشكل منافساً للسلطات التقليدية، وتكسر احتكارها للحقيقة. 

أمام التنافس والتكالب على السلطة، وعدم الاهتمام بأحوال المجتمع، ورعاية مصالح الرَّعية، والعجز عن تقديم رؤية تشريعية تأخذ بها كافة البلاد، ويتفق عليها العباد، من قِبل السلطة الحاكمة، كان من الضروري أن تخرج من رحم معاناة المجتمع شخصيات بحجم الوطن، تعمل على توحيد الوجدان الجمعي لليمنيين، وقد بدأت براعم ذلك ببروز العلماء المجتهدين من أمثال العلامة والمجتهد اليمني المطلق محمد بن إبراهيم الوزير  (775-  840 هـ)، والمجتهد المطلق صالح بن مهدي المقبلي (1038 - 1108 هـ)، والمجتهد المطلق محمد بن إسماعيل الأمير (1099 - 1182 هـ)، ووصل الأمر إلى ذروته مع ظهور شخصية شيخ الإسلام المجتهد المجدد محمد بن علي الشوكاني (1173 - 1250 هـ)، الذي قاد عملية إصلاح ديني، وصلت إلى خارج حدود اليمن، وأثمرت توحيدا للتشريعات الفقهية في البلاد، أسهمت في نهاية المطاف في تحقيق ائتلاف وجداني بين اتباع المذاهب المختلفة، كانت خاتمة هذا المشروع الإصلاحي، الذي ابتدأ بضرب القواعد الفكرية للإمامة، وانتهى بإزاحة القواعد السياسية للسلطة الحاكمة التي تستند على المذهب، في منتصف القرن العشرين، وذلك مع بروز تيار حركة "الأحرار اليمنيين" في ثلاثينات القرن العشرين. 

لقد كان أحد الأهداف الكبرى لمدرسة الإحياء والتجديد في اليمن "هو تخليص البلاد من الصراعات السياسية الحادة التي تجر أبناءها إلى التناحر والخلافات المغطاة بقشر خفيفة من المذهبية التي تقود إلى الطائفية، وتجعل العلاقة بين أبناء الشعب الواحد قائمة على التنافس والخصام، وأحياناً تكون أداة تقسيم للوطن الواحد، وثغرة ينفذ منها أعداء الشعب، كما حدث لبلادنا في أكثر من فترة تاريخية في ظل التجزئة المذهبية. وكان المبدأ العام لفكر أعلام الإصلاح الديني، كالشوكاني وزملائه، أن يحل التقارب الفكري والعقائدي محل التناحر والخلافات المغطاة بقشرة المذهبية السطحية"، [د. عبدالعزيز المقالح، "قراءة في فكر الزيدية والمعتزلة"، ص72، 73].

فكان من محاسن هذه المدرسة "أن العلاقات انسجمت بين علماء الزيدية وعلماء الشافعية في المخاليف الدنيا، ك مدينة زبيد ومدينة تعز ومدينة إب وغير ذلك، وتبودلت الزيارات بينهم، وأخذ بعضهم عن الآخر في القراءة والتدريس وبالسماع والإجازات، وأصبحوا إخواناً متحابين ينهلون من منهل عذب هي مدرسة محمد بن عبدالله -صلى الله عليه وسلم" [محمد علي الأكوع، "حياة عالم وأمير"، ص63] 

لقد جاءت الخطوة الأولى لمدرسة الإحياء ومشروعها لنقد الدعاوى الحصرية للمعرفة - التي كانت تنتجها، وتنتهجها المدرسة الزيدية، من أجل الاحتفاظ بالسلطة السياسية - مع التركيز على كون القرآن والسنة هما المصدران الأساسيان للمعرفة الدينية، وهما متاحان للجميع، وإمكانية الاجتهاد متوفرة لمن يحقق شروطه". 

كما كان يهدف علماء الاجتهاد، وفي مقدمتهم مجدد اليمن والعصر، الإمام الشوكاني، من التجديد إلى ضرب البنية المغلقة من المفاهيم التي تم التأسيس عليها للسلطة السياسية للإمامة، باعتبارها أصولا غير قابلة للتبديل والتجديد، وبذلك سعى لكسر احتكار الحقيقة سواء من قِبل السلطة السياسية، أو من علماء الدين.
وقد كان لدور علماء الاجتهاد أثره الفاعل في بروز الحركة الوطنية خلال الثلث الأول من القرن العشرين، التي انطلقت نحو إزاحة وإزالة السلطة المستندة على المذهب
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM