اليمن_تاريخ_وثقافة
10.4K subscribers
141K photos
348 videos
2.16K files
24.5K links
#اليمن_تاريخ_وثقافة ننشر ملخصات عن تاريخ وثقافة اليمن الواحد الموحد @taye5
@mao777 للتواصل
Download Telegram
لمذهب السنة لتسقط سلطته بعدئذ تحت ضربات قوى قبلية محلية موالية لبني العباس، أما دولة الأئمة الزيدية فقد كانت منذ البداية منافسة للحكم العباسي كما أنها كانت تجسيداً لطموح العلويين في الحكم معتبرين أنفسهم أهل حق في قيادة المسلمين، ومتهمين العباسيين باغتصاب السلطة من أهلها، ولا بد من الإشارة إلى أن بعض هذه الدول كالزيدِيِّة والإسماعيلية (الصليحية) ، بل والزيادية قد قامت على أساس فكري أو مذهبي في إطار صراع الأفكار والمذاهب التي ظهرت في الخلافة الإسلامية عامة،ولا تزال فترة الصراع الطويلة هذه تحتاج إلى مزيد من الدراسات الحديثة لكشف غموضها وفك أسرارها، لأننا نعتقد أن هذه الفترة قد ساهمت إلى حد بعيد قي تشكيل الملامح اليمنية الممتدة إلى اليوم جغرافيا وسكانياً ومذهبياً، وإلى جانب تلك الدول والكيانات الرسمية هناك حشد من أسماء القبائل أو الأسر أو تحالفاتها والتي شاركت في الصراع الدائر بين الطامحين في السيادة والسلطة، وفي حالات نادرة فقط حاولت الخلافة العباسية وهي تحاول استعادة قوتها ومجدها التدخل لإقرار ما تراه مناسباً بحكم كونها الخلافة الإسلامية المهيمنة وقد ساعدها على ذلك كونها ظلت – في زمن الانقسامات والفوضى العسكرية - الغطاء الشرعي والروحي الذي لجأ إليه المتقاتلون أحياناً للحصول على غطاء شرعي أو روحي من خلافة المسلمين وفيما عدا فترات قصيرة من العصر العباسي الثاني وفي أزمنة خلفاء مثل المعتمد حيث حاول أخوه الموفق 278 هـ / 891 م فرض السيطرة العباسية على اليمن ثم محاولات المعتضد 289هـ / 907 م والمكتفي 295 هـ/ 907 م ، كانت الخلافة تنتظر فقط من يفد إليها أو يراسلها بغرض استمدادها الشرعية والغطاء الروحي لما تغلبوا عليه، وقد ظلت الأوضاع تلك على حالها حتى مجيء الأيوبيين إلى اليمن فتغيرت الخارطة السياسية في اليمن لصالحهم .

الحكم الأيوبي 569- 626 هـ /1173-1229م


تمكن السلطان صلاح الدين الأيوبي من إنشاء ملك خالص له في مصر ابتداء من عام 567 هـ على أنقاض الفاطميين، ومَدَّ سلطانه إلى الشام ليرث مملكة نور الدين الزنكي ، صاحب الفضل الأول في صعود نجم الأسرة الأيوبية، ومع ذلك أبقى صلاح الدين على ولائه للخلافة العباسية في بغداد، والتي أعانته في إضفاء شرعية على طموحه في توسيع مملكته، وكان على صلاح الدين الذي أخذ يحل في مصر قواعد المذهب السني الشافعي محل المذهب الفاطمي الشيعي - أن يتابع جهاده ضد الصليبيين الذين ظهروا على مسرح الأحداث في الشام ومصر مع نهاية الحكم الفاطمي. وكان طموح صلاح الدين في تأسيس مملكة واسعة له قد أقنعه بضرورة إرسال حملة إلى اليمن لضمها إلى مصر والشام في مجابهته للصليبيين ، خاصة وأن اليمن كانت تابعة للدولة الفاطمية المنهارة ، وإلى جانب الطموح السياسي لصلاح الدين في ضم اليمن إلى ملكه ، رويت أخبار عن رسائل من بعض أهل اليمن تشكو ولاتها وتطالب الدولة الفتية في مصر بالقدوم إلى اليمن ، فأرسل صلاح الدين الأيوبي أخاه توران شاه إلى اليمن عام 569هـ/ 1173م ، وكانت اليمن كما مر بنا منقسمةً على نفسها بين دول وقبائل تتصارع على السيادة والنفوذ، فأخذ الأيوبيون بسهولة أحياناً وببعض الصعوبات أخرى يقضون على تلك الدول دولة فدولة فبدءوا بدولة بني مهدي في زبيد .

ثم تحولوا للقضاء على دولة بني زريع في عدن وتعز ومخلاف جعفر (إب) ، ثم تطلعوا للقضاء على سلطة بني حاتم في صنعاء ، وفي الطريق جابهتهم قوات قبلية انتهت إلى صلح بدفع إتاوة مجزية للأيوبيين، وكان السلطان علي بن حاتم قد خرج من صنعاء فاراً من الأيوبيين ووجه لهم في نفس الوقت من يتفاوض معهم على صلح وافقوا عليه، وفيه دفع لأموال وأحصنة، وبهذا تكون دولة بني حاتم وإن احتفظت بسلطانها قد خضعت هي الأخرى لنفوذ الأيوبيين، ثم اتجه القائد الأيوبي إلى زبيد ومنها إلى تعز ثانية ومنه إلى مخلاف الحجرية حيث استولى على حصونها باستثناء حصن الدملوة حيث قاوم نائب الزريعيين هناك أبو الدر جوهر المعظمي ، ثم اختط توران شاه مكان قرية ذي عدينة مدينة تعز كمقر لحكمه بعد نصيحة أطبائه له بأنها طيبة الهواء والمكان الذي يصلح لإقامته، ومع ذلك فإن رسائله وشعره لأخيه صلاح الدين أظهرت شوقه لمصر وبلاد الشام التي افتقدها وافتقد خيرات لم يجدها في اليمن التي لم تغنِ عن مصر والشام شيئاً رغم كثرة أموالها وسعة ملكها كما وصفها السلطان صلاح الدين الأيوبي نفسه. وباقي تاريخ الأيوبيين في اليمن الذي زاد قليلاً عن نصف القرن قد توزع بين منافسات ولاة الأيوبيين وحرب الخارجين عليهم من آل حاتم وإمام الزيدية العالم الغزير عبد الله بن حمزة الذي ظهر في الجوف وصعدة عام 583 هـ للهجرة محاولاً استغلال ضعف آل حاتم ليستولي على صنعاء وليرسي ثانية نفوذاً للعلويين في اليمن، وهو ما كان الإمام أحمد بن سليمان قد حاوله وهو يشهد تصدع الدولة الصليحية عقب وفاة الملكة الصليحية السيدة بنت أحمد ، لكن وصول الأيوبيين إلى اليمن أعاقت طموحات الإمام أحمد بن سليمان واضطر لمصالحتهم
والاعتراف بنفوذهم في جهاته، ثم دخل الإمام عبد الله بن حمزة في حروب مع زعماء الدولة الأيوبية في اليمن كانت الغلبة فيها لجيوش الأيوبيين .

ولعل أحد أسباب الهزيمة هذه يكمن في أن الإمام ابن حمزة كان قد بذل جهوداً حربية وفكرية جبارة للقضاء على فرقة المطرفية المنشقة على المذهب الزيدي وتمكن من إفنائهم فكراً وجسداً.

وآخر الولاة الأيوبيين في اليمن كان السلطان المسعود الأيوبي الذي تمكن من فرض هيبة الأيوبيين على مختلف القوى والمنافسين في اليمن ، وقد عاد إلى مصر عام 620 لزيارة والده السلطان الأيوبي الكامل مخلفاً الأمير نور الدين عمر بن علي بن رسول نائباً له في اليمن ، استمرت غيبة السلطان المسعودي في مصر أربع سنوات تمكن خلالها نائبه في اليمن وإخوته من السيطرة على الأمور في اليمن وتحقيق انتصارات مهمة على المنافسين من أبناء الإمام عبد الله بن حمزة، وغيرهم من رؤساء القبائل الطامحين، فعلت بذلك مكانتهم وعظمت قوتهم، وخُشي من تطلعهم إلى الاستقلال عن الأيوبيين فعاد السلطان الأيوبي المسعود إلى اليمن مكرهاً من قبل أبيه السلطان الكامل كما تذكر المصادر، إذ ما لبث أن عبر عن فرحته حين استدعاه أبوه السلطان الكامل ليتسلم ولاية الشام ، فغادر اليمن سنة 626 للهجرة مخلفاً عليها صديقه نور الدين عمر بن علي بن رسول ، وأوصاه بأن يستأثر لنفسه بالملك بعد موته، وأن لا يسمح لأحد من بني أيوب بدخول اليمن ولو كان أبوه السلطان نفسه مطوياً في كتاب، وقد مات السلطان مسعود في مكة وهو في طريقه إلى الشام، وهكذا مهد السبيل لظهور الدولة الرسولية في اليمن على يد مؤسسها: نور الدين عمر بن علي بن رسول الذي تلقب بعدئذ بالمنصور .


الدولة الرسولية 626- 858 ه/ 1229- 1454م


يرفع النسابون نسب الرسوليين إلى جبلة بن الأيهم الغساني. والغساسنة فرع من قبيلة الأزد اليمنية التي نزحت إلى شمال الجزيرة بعد تهدم السد وسادوا في بلاد الشام، وفي أزمنة لاحقة سكن أحفاد ابن الأيهم بلاد التركمان وتكلموا لغتهم ومن هنا جاء الوهم عند بعض النسابة فجعلوهم تركماناً. أما الجد القريب للرسوليين فهو محمد بن هارون الذي استوطن العراق ودخل في خدمة أحد خلفاء بني العباس الذي وثق بحكمته وفصاحته فجعله رسوله إلى الشام ومصر حتى غلب عليه لقب رسول فصار علما عليه وعلى أسرته من بعده، ثم انتقل رسول هذا من العراق إلى الشام ومن هناك إلى مصر، فلما استوثق الحكم للأيوبيين في مصر أدخلوا أبناء رسول في خدمتهم ومكنوهم من اليمن ، فكان في اليمن من بني رسول خمسة صحبهم توران شاه أحدهم المؤسس سالف الذكر نور الدين عمر بن علي بن رسول الذي جاهد مع الأيوبيين في اليمن لتوطيد دولتهم حتى آلت إليه الأمور على النحو الذي مر بنا . وتعد دولة الرسوليين التي اتخذت من تعز عاصمةً لها من أطول الدول عمراً في تاريخ اليمن الوسيط إذ استمرت قرنان وثلث القرن ، وحكمها خمسةَ عشرَ ملكاً أولهم: نور الدين عمر الرسولي وآخرهم المسعود وهو أبو القاسم صلاح الدين بن الأشرف الرسولي ، ويجعل بعض المؤرخين من المؤيد وهو منافس المسعود في الحكم آخر الملوك، لكن كليهما انتهى أمره في العام 858 هـ/1454م على يد الطاهريين كما سنرى .

أعلن الرسوليون استقلالهم عن الدولة الأيوبية في مصر في العام 630 هـ/1232م وخطبوا للخليفة العباسي المعاصر لهم بعد أن طلبوا منه أمر نيابة مباشر عنهم في اليمن دون وساطة الأيوبيين، وكانت الخلافة العباسية في نزعها الأخير ولا تملك إلا الموافقة على طلبات من لا يزال يرى في غطائها الروحي أهمية لتوطيد ملكه وهو بالضبط ما احتاج إليه الرسوليون الذين ظلوا على ولاء للخلافة العباسية ويخطبون في مساجدهم لآخر خلفائها المستعصم دهراً طويلاً بعد وفاة دولتهم في بغداد عام 656 هـ/ 1258 م على يد المغول، إذ يذكر الخزرجى مؤرخ بني رسول المعاصر والمتوفى عام 812 هـ/1409م أن المستعصم: " هو الذي يدعى له على سائر المنابر إلى وقتنا هذا من سنة ثمان وتسعين وسبعمئة " أي بعد مائة وستة وخمسين عاماً من انتهاء الخلافة العباسية ، وربما استمر بعد ذلك وإلى بدايات تصدع الدولة .

تمكن الرسوليون وبقيادة مؤسس ملكهم الملك المنصور من توحيد اليمن كله تحت حكمهم ، من حضرموت جنوباً وحتى مكة شمالاً، وبسطوا سيادتهم الفعلية على كل جهات اليمن ودخلوا مناطق وحصون لم يستطعها قبلهم الأيوبيون، ودانت لهم القبائل والأسر الحاكمة كالأئمة الزيديين في صعدة وجهاتها وآل حاتم في صنعاء وما حولها، ومع ذلك فقد جابه الرسوليون توثبات قوى مختلفة وأولها تمرد واليهم في صنعاء الأمير أسد الدين لأكثر من مرة رغم العفو المتكرر عنه، ثم جابهوا قوى زيدية بزعامة الإمام المهدي أحمد بن الحسين من جهة ثم بزعامة أبناء وأحفاد الإمام عبد الله بن حمزة وهم من تطلق عليهم المصادر إجمالا لقب الحمزات ، وقد دخل الأئمة الحمزات في حرب تنافسية على السيادة والنفوذ مع الإمام المهدي أحمد بن الحسين وأُذيقوا شر الهزائم وخسروا كثيراً من مواقعهم قبل أن يتدخل
المظفر الرسولي إلى جانب الحمزات ويمكنهم من النصر فاعترف الأئمة بسيادة الرسوليين على البلاد، كما جابه الرسوليون تمرداً من سلطان حضرموت سالم بن إدريس فجهزوا له بعد المراسلات والإعذار حملات برية وبحرية انتهت بهزيمته ومقتله، وبعد المظفر يأتي الملك الأشرف الذي يدخل في حرب قصيرة مع أخيه المؤيد غير المعترف بحكم أخيه، لكن الموت يعاجل الأشرف الرسولي بعد ما يزيد قليلاً عن العام ليأتي أخوه المؤيد فيحكم اليمن لخمس وعشرين سنة يتمكن خلالها من ترسيخ هيبة الدولة عبر قضائه على التمردات في المخلاف السليماني بتهامة ومقاومته لوثبات الأئمة الزيديين في الجبال . ويخلف المؤيد ولده المجاهد 721 –764هـ/ 1321-1362م الذي يبقى في الحكم ثلاثاً وأربعين سنة يجابه فيها أعنف وأعتى التمردات ضد ملكه من مختلف الأطراف ، من داخل بيته وأعوانه ، من جيشه ومن الطامحين في الاستقلال ، تضطره للاستعانة بقوة مملوكية من مصر، لتنقلب هذه القوة عبئاً جديداً عليه فيعيدها إلى مصر، بل أنه يتعرض للأسر في مكة في واحدة من حجاته، وينقل إلى مصر ليمكث هناك عاماً كاملاً، بعده يكرم السلطان المملوكي وفادته ويرده إلى بلاده مكرماً ليواصل الحكم والتصدي للصعاب، وقد أظهر المجاهد صموداً وعناداً وبطولة وحنكة في مجابهة المستجدات ، تجعله بحق واحداً من عمالقة الرسوليين، وإن كانت سني حكمه المليئة بالاضطرابات قد أحدثت شرخاً في شباب دولتهم وهو الشباب الذي دام قرناً من الزمان احتفظ الرسوليون خلاله باليمن موحداً ومهاباً، أما السنوات الأخيرة من حكم المجاهد فقد شهدت تصدعاً في وحدة اليمن السياسية ، إذ لم يمت الملك المجاهد إلا وقد تمكن جيل جديد من الأئمة الزيديين في القسم الأعلى من اليمن أمثال المتوكل مطهر بن يحيى وابنه محمد بن المطهر ثم المهدي على بن محمد والناصر صلاح الدين وابنه المنصور علي من بناء قوة جديدة لهم مكنتهم في الثلث الأول من القرن الثامن الهجري من السيطرة على القسم الأعلى من اليمن حتى ذمار وسلخه من جسم الدولة الرسولية لتتقوض من جديد أركان الوحدة اليمنية للمرة الثانية بعد الصليحيين.

وخلف المجاهد ابنه الأفضل وجاء بعده الملك الأشرف الثاني ثم الملك الناصر ليعقبه الأشرف الثالث ثم الأشرف الرابع ثم يأتي الملكان المتنافسان المظفر والمفضل ثم يليهم الملك الناصر الثاني ليُخَلع وليتم تنصيب الملك المسعود آخر ملوك بني رسول ليذهب هو ومنافسه المؤيد.

وفي أزمنة هؤلاء الحكام تميزت فترات حكمهم في المحافظة على مناطق نفوذ الدولة الرسولية وفي القضاء على التمردات المختلفة هنا وهناك في تهامة ومخلاف جعفر (إب) ثم بالقضاء على التمردات داخل البيت الحاكم وهي التي قام بها الإخوان والأعمام ضد بعضهم مستعينين بقوى المماليك والتي حاول الملك الأشرف الثالث التنكيل بهم لإخراجهم من حسابات القوة محرزاً بعض النجاح، كما قامت حرب بين الملك الناصر الرسولي وإمام الزيدية على بن صلاح الدين عندما حاول الأخير غزو بلاد رداع التابعة للرسوليين والمحكومة من قبل ولاتهم آل معوضة جدود المؤسسين لدولة بني طاهر فيما بعد، وهم الذين وفدوا على آل رسول أول الأمر عام 817 هـ/1414م ثم عام 842هـ/1438م ، ليأخذوا بعد ذلك في تقوية أنفسهم في جهاتهم، في وقت أخذت فيه الدولة الرسولية تزداد ضعفاً جراء المنازعات الأسرية على السلطة وهي التي مزقت دولة الرسوليين بين المتنافسين على السلطة وكانت آخر المنازعات الحربية هي بين الملك المسعود الذي استطاع استعادة التهائم وعدن ليزحف من هناك إلى تعز لطرد الملك المظفر الثاني منها، وقد استغل مماليك تهامة الحرب بين الملكين ليشددوا قبضتهم على تهامة ولينصبوا الأمير حسين بن الملك الظاهر ملكاً ويلقبوه بالمؤيد في العام 855هـ/1451م ، لنجد أنفسنا أمام ثلاثة ملوك رسوليين في وقت واحد يتنازعون الملك والسيادة، وقد شجع هذا التنازع الصريح بين آل رسول ولاتهم وحلفاؤهم من بني طاهر على الطمع في وراثة أسيادهم من بني رسول ، وذلك بدخولهم عدن عام 858هـ/1454م وأسر الملك المؤيد آخر حكام بني رسول ويعتبر البعض أن المسعود هو آخر ملوك بني رسول على أساس أن المؤيد منافس له فقط ومن صنيعة المماليك، لكن المماليك كانوا قد استبدوا بكثير من الأمور وهم الذين خلعوا الملك الناصر الثاني قبل ذلك ونصبوا المسعود ملكاً، وعليه يمكن اعتبار المؤيد آخر ملوك بني رسول .

وقد تميز حكم بني رسول الطويل الأمد ـ بغض النظر عن التاريخ السياسي الحربي ـ بكثير من الإنجازات المهمة في ميدان العلم والتجارة والزراعة والطب، فقد بنوا المدارس الكثيرة وأجزلوا العطاء للعلماء وكان كثير من ملوك بني رسول علماء وشعراء وأصحاب رأي ومؤلفي كتب في فروع المعرفة المختلفة، ولا تزال مدينة تعز إلى يومنا هذا تتزين بمنجزاتهم العمرانية كجامع المظفر وجامع الأشرفية و مدرسة الأشرفية وحصن تعز المسمى الآن قاهرة تعز، بالإضافة إلى آثار المدارس الفقهية، وفي زمانهم برز العلماء والشعراء في كل فن، وهو سر الإعجاب المتزايد
بالدولة الرسولية، التي أخذت في الآونة الأخيرة تلقى من المؤرخين والدارسين عموماً اهتماماً نرجو أن يكلل بدراسات مستفيضة تليق بمآثر الرسوليين في تاريخ اليمن الوسيط، ولعل أبرز ما يشير إلى سطوع نجم الدولة الرسولية وتبوؤها مكاناً لائقاً بين أمم عصرها تلك الرسالة التي وجهها مسلمو الصين إلى الملك المظفر يشتكون من تعسف ملك الصين ومنعهم من ختان أولادهم كما يطلب منهم الدين الإسلامي، فمجرد توجيه هذه الرسالة إلى الملك المظفر تفيد أن مسلمي العالم كانوا يرون في الملك الرسولي خليفة للمسلمين يتوجهون إليه بالشكوى، وقد تصرف الملك المظفر بما يتفق ومكانته في نفوس مسلمي الصين، إذ بعث إلى ملك الصين برسالة يطلب فيها منه السماح لمسلمي الصين بممارسة واجب الختان لأبنائهم وبعث إليه بهدية تليق بمقامه، فرفع ملك الصين الحضر على ختان المسلمين لأبنائهم، وهو ما يشير إلى تقدير ملك الصين لمكانة الدولة الرسولية خاصة وأن ملوك الصين المعاصرين للدولة الرسولية قد عدوا أنفسهم سادة على العالمين وأن غيرهم من ملك أو سواه إنما هو عبدٌ لهم كما تبين رواية بهذا المعنى تصف مقابلة وفد بلاد الصين للملك الناصر الرسولي .


الدولة الطاهرية 855- 923هـ/ 1451- 1517م


ورثت الدولة الطاهرية مناطق نفوذ الدولة الرسولية وهي معظم اليمن باستثناء مناطق الجبال الشمالية التي تنافس عليها الأئمة الزيديون. والموطن الأصلي لبني طاهر هو منطقة جبن من بلاد رداع حيث كانت لهم الرياسة فيها، وقد توطدت العلاقة بين بني طاهر ودولة بني رسول في أواخر الدولة الرسولية بمصاهرة تمت عام 836 هـ/ 1432م بين الملك الظاهر الرسولي وابنة كبير آل طاهر الشيخ طاهر بن معوضة، ثم صار آل طاهر ولاة لآل رسول في جهاتهم ، بل وامتد حكمهم إلى عدن في فترات لاحقة، وعندما أيقن آل طاهر من أن أمر الرسوليين إلى زوال لا محالة أعدَّ الشيخ علي بن طاهر بن معوضة الملقب بالمجاهد الذي سيقدر له مع أخيه عامر الملقب بالظافر أن يكون أول ملوك دولة الطاهريين - حملةً لحرب الملك الرسولي المسعود في عدن، ولكنه عاد من حملته خائباً ولم يتمكن من القضاء على خصمه المسعود ، ثم أعد نفسه إعداداً أفضل فكرر حملته على عدن في العام 858 هـ/ 1453م وتمكن هذه المرة من طرد المسعود منها فتوجه إلى بلاد موزع ومنها إلى مدينة حيس بصحبة المماليك الذين أرادوا دخول عدن ثانية معه لكنه خلع نفسه هناك كملك ، ليبقى في الساحة الملك المؤيد الذي دخل عدن إثر انسحاب الطاهريين الطوعي منها إلى المقرانة مقر حكمهم لمزيد من الاستعداد ، ثم أعادوا الكرة الأخيرة في شهر رجب من العام نفسه وتمكنوا من دخول عدن وأسر المؤيد هناك آخر ملوك دولة بني رسول، وكان الأخوان المجاهد والظافر من آل طاهر يحكمان معا دون تقدم أحدهم على الآخر.

وقد أمضى الطاهريون سني حكمهم كغيرهم من الدول التي سبقتهم في تثبيت حكمهم في تعز وعدن وجهات تهامة حيث المماليك يفرضون إرادتهم هناك بالتعاون مع بعض القبائل كالمعازبة ، كما مد الطاهريون سلطتهم إلى الشحر في حضرموت بعد أن حاول ملك الشحر غزو عدن فردوه على أعقابه ووليها بالنيابة عن الطاهريين أسعد بن إسماعيل النهمي، بل وتمكن من السيطرة على صنعاء وثبت فيها نائباً له، في وقت كان الأئمة الزيديون فيه في حالة كمون إثر صراعاتهم الدامية فيما بينهم. ولم يلبث أن نشطوا ثانية فسيطروا على جهات متفرقة، وكانت صنعاء خاضعة لنفوذ الإمام المؤيد ، وهو ما دعى الملك الطاهري الظافر إلى التحرك صوب صنعاء لاستعادتها وفي المجابهة بين قوات الظافر والأمير الزيدي على صنعاء سقط الملك الظافر قتيلاً في الميدان عام 870 هـ / 1466م ، وهو ما أقنع أخوه الملك المجاهد بالتخلي عن طموحه للاستيلاء على صنعاء، فتركها وما حولها للأئمة الزيديين الذين رغبوا هم أيضاً عن مد نفوذهم إلى الجهات السفلى من اليمن. وبعد الملك المجاهد الذي وافته منيته عام 883 هـ/ 1478 م بعد حكم دام خمسة وعشرين سنة قضاها في توطيد الحكم ومقاتلة المتمردين- سلم الحكم لابن أخيه عبد الوهاب بن داود الطاهري الملقب بالمنصور وفي عهده انتقلت عاصمة الطاهريين من جبن برداع إلى عدن حيناً وتعز حيناً آخر. أمضى الملك المنصور أحد عشر عاماً في الحكم صرف معظمها في تثبيت حكمه في جهات تهامة بالذات حيث قام بتصميم نظام لتوزيع مياه وادي زبيد بالعدل كما بنى عدداً من المدارس والمساجد وأصلح ما تخرب منها .

وخلف الملك المنصور عبد الوهاب ابنه عامر الذي لقب بالظافر وقد لقي معارضة من أسرته فجرت حروب كثيرة بينهما سيطر خصومه خلالها على حصن جبن ، وأخذ عامر بن عبد الوهاب يجيش من مقره في تعز ضد خصومه وكانت الغلبة له في كل المعارك التي استنزفت الجانبين رجالاً ومالاً ، وتمكنت خلال هذه الحرب القبائل التهامية من استغلال الضعف والتمرد ثانية على الدولة الطاهرية، لكنها اضطرت للخضوع ثانية بعد أن وجه إليها الملك عامر بن عبد الوهاب جيشاً قضى على كل تمرد فيها فأمنت السبل وعم السلام، وأخذ الملك عامر بن
عبد الوهاب يطمح في السيطرة على صنعاء وتوحيد اليمن تحت حكمه، فتقدم إلى ذمار التي اعتبرت مدخلاً للسيطرة على البلاد الواقعة تحت حكم الأئمة الزيديين وتمكن من الاستيلاء عليها عام 897 هـ / 1491 م وبعد أن وطدَّ أقدامه في ذمار والجهات الساحلية تحرك الملك عامر بن عبد الوهاب عام 910 هـ / 1504 م نحو صنعاء بجيش ضخم جداً تمكن به من حصار صنعاء ودخولها بعدئذٍ دخول الفاتحين ، ووقع الإمام الوشلي، الذي يسميه مؤرخ الرسوليين ابن الديبع ، رئيس أهل البدعة ومؤسس الفتنة، وقع مع أمراء حربه أسرى ونقلوا إلى تعز حيث حددت إقامتهم ، أما الملك الطاهري فقد أقام في صنعاء يسير أمورها ويخضع ما تبقى من حصونها وقلاعها ليسيطر على معظم اليمن، وعاد إلى تعز في العام التالي ، في الوقت الذي أعلن فيه طامح جديد من الأئمة هو الإمام شرف الدين نفسه إماماً جديداً وأخذ يدعو لنفسه في منطقة الجبال بحجة ويبحث عن الأعوان لحرب الطاهريين الذين اعتبرهم أعداء جائرين لله، بل أنه أخذ بمراسلة من سماهم الغزاة الكرماء وهم المماليك الشراكسة الذين أخذوا يجوبون البحر الأحمر وسواحل اليمن لمجابهة قوة البرتغاليين النشطة هي الأخرى في سواحل البحر الأحمر والعربي والتي أخذت تهدد عدن وجزيرة كمران .

وقد لعبت رسالة الإمام شرف الدين لقائد قوات المماليك حسين الكردي المرابط في جزيرة كمران دوراً في التعجيل بنهاية الطاهريين، فقد طلب القائد المملوكي من الطاهريين أن يجهزوا معه قوة لمحاربة البرتغاليين الغازين للسواحل الإسلامية، إلا أن الطاهريين رأوا عدم إجابة هذا الطلب، وعلى إثر ذلك قرر المماليك النزول بقواتهم إلى السواحل اليمنية لمقاتلة الطاهرية وهو بالضبط ما أراده الإمام شرف الدين ، وقد نزل المماليك إلى الساحل اليمني بأسلحتهم الجديدة مثل المدافع والبنادق والتي لا عهد للناس بها وهي البنادق التي وصفها ابن الديبع ووصف فزع الناس منها، ودارت الحرب بين الطاهريين من جهة والمماليك ومن تعاون معهم مثل الإمام شرف الدين وبعض القبائل من جهة أخرى، وقد كانت المعارك مع ما يرافقها من سلب ونهب سجالاً تخللتها حالات مفاوضات وصلح قصير الأمد، مع خلافات بين أفراد القوة الغازية ، وكانت ساحات القتال بلاد تهامة وتعز ورداع والمقرانة وصنعاء .

وكانت آخر المعارك بين الطاهريين وخصومهم من الغزاة وأعوانهم قرب صنعاء لقي فيها الملك الظافر عامر بن عبد الوهاب حتفه وذلك عام 923 هـ/ 1517 م ، بعد حكم دام ثلاثة عقود لتنتهي بموته الدولة الطاهرية بعد خمس وستين عاماً، ولم يبقى من الدولة الطاهرية إلا جيب عدن الذي تمكن الأمير عامر بن داود الطاهري من الاحتفاظ به حتى قضى عليه الأتراك بعدئذ، ومن أبرز منجزات الظافر عامر بن عبد الوهاب المعمارية بناؤه لمسجد العامرية في رداع والذي ألحق به مدرسة أخذت تواصل نشر العلم بعد أن جلب إليها العلماء من كل مكان، ولا يزال هذا المسجد بزهوه الفني المعماري قائما إلى اليوم ، خاصة بعد ترميمه في السنوات الأخيرة وهو ما أعاد إلى المسجد رونقه وبهاءه.
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
صهاريج #عدن الاسلامية 1

المبحث الأول

(صهاريج عدن)
صهاريج عدن الإسلامية

(الجزء الأول)

د. أحمد صالح رابضة([1])

الملخص:

حدود هذا البحث غير محددة الفترة الزمنية، فهي إشارات وإضاءات وإيماءات وردت في المصادر والمراجع العربية والإنجليزية عن مأثرة من أبرز المآثر التاريخية والأثرية في مدينة عدن، أختلف العلماء والاختصاصيون في نشأتها، فمنهم من أعادها إلى جذورها القديمة في الحضارة اليمنية القديمة، ومنهم من أعتبرها مآثر إسلامية شيدتها الدول الإسلامية المتعاقبة على اليمن، مثل آل رسول وآل طاهر وآل زريع، وذهب آخرون مذاهب شتى في ذلك، وأكد آخرون أن المهندسين البريطانيين، منذ أيام بليفير، قد أعوزتهم الحقائق، فغيروا مساراتها القديمة، وطمسوا تاريخها الإسلامي.

وقد تناولنا بالبحث جملة من النقاط اللصيقة بالموضوع، أبرزها: الهضبة التاريخية ومآثرها، وموقع الصهاريج وتاريخ بنائها، والسبعة الدروب، والصهاريج الإسلامية الواقعة ضمن منظومة الصهاريج وخارجها، والمتغيرات التي طرأت عليها منذ 1856م، والبعثات العلمية الأثرية التي قدمت لمعاينتها ودراستها، والأضرار التي لحقت بها جراء السيول، والوسائل المتبعة في صيانتها، والتي لم تثمر حتى يومنا هذا

المطلب الأول - هضبة عدن ومآثرها:

يجدر بنا بادئ ذي بدء، أن نسلط الضوء على هضبة عدن، المصدر الرئيس لتدفق مياه الأمطار إلى السدود والدروب والقنوات والصهاريج المختلفة، وما تحويه هذه الهضبة من مآثر ومعالم مختلفة ذات قيمة أثرية وتاريخية متميزة، وهي فضاء واسع أغرى المستثمرين في وقتنا الحاضر فتاقوا إلى استغلاله واستثماره، غير عابئين بقيمته الأثرية والتاريخية بيد أنهم لم يفلحوا، فقد تصدت لهم الأقلام الحرة ومنظمات المجتمع المدني، ووأدت مشروعهم لحين من الوقت، وبدأت تشرئب أعناقهم اليوم في ظل الضعف السائد.

وكائنًا ما كان الحال، فمساحة الهضبة تقترب من نصف مساحة عدن القديمة، إن لم تكن أكثر من ذلك، وترتفع حدود 500 أو 800 متر عن سطح البحر([2])، مطلة على صهاريج الطويلة وواديها العتيق، وتتدفق مياه أمطارها من طريق منظومة أو شبكة من الصهاريج المعلقة التي شادها الأقدمون في أعالي وبطون الجبال بدقة وإحكام، تنطلق من علٍ عبر هذه السلسلة من السدود والقنوات المائية، حتى تصل إلى صهاريج الطويلة، ومن ثم تتجه إلى شبكة مترابطة بدقة متناهية من السائلات لتغذي بقية الصهاريج بالمياه، وقد تعطلت المنظومة برمتها منذ ترميم 1273هـ/ 1856م وما قبلها، وزاد الطين بلة، ما لحق بها من عبث، وما طرأ على البلد من تغييرات شاملة في البنى التحتية.

وتضم الهضبة الدروب السبعة المنسوب بعضها إلى أبي عثمان الزنجيلي على حد قول لقمان([3]) والقلاع التاريخية، وأبرزها القلعة التاريخية، وعلى تلة من تلال الهضبة، تقف كهوف البوميس المشهورة التي تنتج خلطة تتكون من حجر الخفاف، وهو زبد بركاني استخدمه أهالي عدن في البناء المعماري القديم فيها، وفي بناء الصهاريج وتجصيصها، ويشاهده الزائر ماثلًا على جدران الصهاريج، ومنها صهريج (أبو سلسلة) والصهريج الدائري([4])، ويطلق عقبة على هذا النظام المنجمي "الغرفة والعمود"، ويقول إنه استخدم كمادة إسمنتية رابطة، إلى جانب استخداماته كتجصيص لجدران الصهاريج الذي مازال عالقًا بها منذ أزمنة سحيقة.

وتتعرض هذه الكهوف اليوم لموجة من العبث والقشط المفرط، مما أدى إلى سقوط بعض أسقفها([5])، ويقف على مقربة منها برج الصمت، وهو معبد لأتباع الديانة الزرادشتية، كما تضم الهضبة مآثر مختلفة ونباتات غريبة، منها ما يستخدم في التطبيب والأدوية، وأنواعًا من الطيور والزواحف.

من جانب آخر تعرضت الدروب السبعة التي يرجح أنها شيدت في العصر الأيوبي في عدن([6]) إلى موجة من التغييرات حيث قام المهندسون البريطانيون بتغيير نظامها المحكم، وبنوا حواجز فوق الهضبة حالت دون تدفق المياه إلى المصارف الطبيعية، مما أدى إلى تعطيل النظام، وبذلك طمسوا الغرض الرئيس من بناء الصهاريج([7]). وذهب مدير الآثار في عدن أينج في 1373هـ/ 1953م إلى أن المهندسين البريطانيين أهملوا هذه المصارف وخربوها، وذلك ببناء حواجز للطمي والحجارة فغاض الماء في الهضبة([8])، كما أهملت السائلات، وشيدت عليها مصالح مختلفة وأدى ذلك كله إلى تعطيل الشبكة، ثم طمست الإصلاحات والترميمات التي شرعت فيها الإدارة البريطانية مطالع الخمسينيات عددًا من الصهاريج الضخمة، وقنوات المياه الأثرية القديمة التي ترجع بأصولها إلى مخلفات الحضارة الإسلامية في عدن.

ومنذ عملية الترميمات والإصلاحات التي بدأها الكابتن بليفير 1273- 1274هـ/ 1856- 1857م في صهاريج الطويلة، وفرغ منها في 1278هـ/ 1861م، وما أحدثه المهندسون البريطانيون فيها، وانتهاء بمشروع آخر قام به ثلاثة من التجار والمقاولين من جنسيات مختلفة، تمكنت هذه الأعمال وما سبقها من طمس تاريخ الصهاريج وتعطيل نظمه القديمة مما حدا بالأستاذ عبدالله أحمد محيرز إلى القول: إن عمل المهندسين البريطانيين على
وجه التحديد كان كارثة ألمت بالهضبة والصهاريج والسائلات بعامة، وكان التنقيب فيها عشوائيًا، ولم يتخذ طابعًا علميًا موثقًا، فقد وجه البريطانيون جل عنايتهم لصهاريج الطويلة وحدها، ولم تتخذ أية إجراءات لترميم الصهاريج الواقعة خارج نطاق الوادي([9])، وبذلك أجهز هؤلاء على معالم المدينة، ونشطت قواتهم لتصفية ما بقي من آثار على أرضها وجبالها لبناء المعسكرات والثكنات والقلاع، واختفت في غضون بضع سنوات، الصهاريج التي شيدها الطاهريون([10])، في عهدي الملك المنصور وابنه عامر بن عبد الوهاب، واختفت معها قنوات الثلاج التي أجراها عامر إلى ظاهر مدينة عدن من أماكن بعيدة([11])، ناهيك عن صهاريج إسلامية أخرى كانت قائمة في العهود الزريعية والرسولية والتركية، كما أن إجماع الضباط السياسيين، ومن جاء بعدهم على نسبة هذه الصهاريج إلى حقبة الغزو الفارسي الثاني حوالى 600م([12])، كان سببًا من الأسباب التي أسهمت في عدم تعقب تاريخها وضياع معالمها.

([1])  الباحث في تاريخ العلوم وأستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية وتحقيق التراث الخطي المشارك في كليتي التربية والآداب جامعة عدن، مدير عام مركز الدراسات والبحوث اليمني عدن سابقًا.

([2]) وعند الويسي، اليمن الكبرى، ص16 (700 متر).

([3]) تاريخ عدن، ص263.

([4]) حنشور، عقبة، البوميس، إحدى المواد الرئيسية للبناء العمراني القديم في عدن، ص3.

([5]) عقبة، عدن البعد التاريخي والحضاري، ص161.

([6]) لقمان، تاريخ عدن، ص263.

([7]) محيرز، صهاريج عدن، ص7.

([8]) محيرز، صهاريج عدن، ص6- 7.

([9]) صهاريج الطويلة، ص20؛ لقمان، تاريخ عدن، ص260.

([10]) محيرز، العقبة، ص16- 39؛ عقبة، عدن البعد التاريخي والحضاري، ص165.

([11]) ابن الديبع، الفضل المزيد، تح: شلحد، ص372؛ وقرة العيون، تح: الأكوع، ص471.

([12]) بليفيير، تاريخ العربية السعيدة أو اليمن، ص16-17؛ نورس وبنهي، صهاريج عدن مسح آثاري تاريخي، ص27؛ يعقوب، ملوك شبه الجزيرة، ص350. وأضاف يعقوب أن سلطان إيران شاه ابن جانشيد هو مشيد الصهاريج
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
محمد عبده مهدي
25/7/2021م

زبيد التاريخية ..

مناشدة لإنقاذ ثالث مسجد بني في اليمن ..

نحن في موسم الامطار وكل هذه المياه تتسرب تحت جدران مسجد الصحابي الجليل ابي موسى الاشعري, ثالث مسجد بني في اليمن بعد الاسلام.
هذه المياه اذا استمرت مع كل موسم بهذه الكمية مؤكد ان اساسات المسجد لن تصمد كثيرا.

يذكر ان المسجد دخل في تنفيذ مشروع ترميم منذو اكثر من 14 عام وحتى الان لم ينتهي القائمين على المشروع من العمل فيه , يتحدث المسئولين أن سبب توقف استكمال الترميم توقف الدعم.

ادعوا الاخوة المعنيين واليونسكو الى سرعة التدخل للحفاظ على اهم معالم المدينة وأقدمها.
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
القضاض؟
ما هو القضاض وما مكوناته وكيف يتم تحضيرة واستخدامة وما هي اغراض الاستخدام المختلفة لمادة القضاض؟

1. تاريخة:
استخدم اليمنيون القضاض منذ فترات طويلة تجاوزت الاف السنين وما زالت مادة القضاض موجودة الى اليوم في كثير من المنشآت والمعالم التاريخة ذات الطابع الاثري كالتي في الصرح التاريخي المتمثل بصهاريج عدن التي يزيد عمرها عن 1500 عام وكذلك على سبيل المثال ما هو موجود في الصدفين الشمالي والجنوبي لسد مارب القديم الذي يعود تاريخة الى اكثر من 4000 سنة. أثبتتت مادة القضاض قوتها وقدرتها على الصمود في وجه كل الظروف المناخيه المتغيرة كما اثبتت مقدرة عالية على مقاومة عوامل التعرية خصوصا اذا ما تم الاخذ بعين الاعتبار البعد الزمني الذي يمتد عبر قرون.

مادة ربط وتكسية قوية ومتينة قاومت كل العوامل المناخية وسميت محليا بمادة القضاض الذي سمعنا عنه وراينا ما تبقى منه ولكن لم نعاصر استخدام هذه المادة التي تكاد تكون معدومة الاستخدام في عصرنا الحالي ؟!! فما هو القضاض وما مكوناته؟ ومن اين يستخرج وكيف يستخدم وما هي اغراض الاستخدام المختلفة لهذه المادة ذات العمق التاريخي الفني الكبير؟ كل هذه الاسئلة سيتم نقاشها ادناه ونتمنى من جميع الاخوة مشاركة ارائهم ومراجعهم واي مواد لها علاقة بمادة القضاض.

2. التعريف:
القضاض هو عبارة عن خليط من مادتين طبيعيتين تتمثل في الحجر البركاني والنورة المطحونة (الجيرالمطفي). يتم خلط المادتين بنسب معينة بالماء و بعد عملية التحضير والمعالجة التي تستمر لعدة ايام يشكل الخليط خلطة طبيعية ذو خاصية اسمنتية عالية.

3. استخداماتة:
يستخدم القضاض على هيئة خلطات مختلفة لاغراض متعددة ومن اهمها استخدامة في جميع المنشآت التاريخية لحصاد مياه الامطار ومنشآت السيطرة والحماية من السيول كالبرك والصهاريج والسدود والمواجل والخزانات والتي يعتبر القضاض في هذه المنشآت مادة اساسية لا يمكن اتمام او صمود مثل هكذا منشآت بدونه. يستخدم القضاض ايضا لاغراض اخرى مختلفة كطلاء وتغطية الاسطح المعرضة للمياه والرطوبة كالمطابخ والحمامات مثلا.
في الوقت الذي استخدم فيه القضاض كمادة تكسية او تجصيص plaster ناعمة صماء لملء الفراغات والشقوق بين الجدران والصخور وواجهات المباني فانه ايضا استخدم كمادة ربط Mortar بين وحدات البناء المختلفة والمكونة لجدران المنشآت بانواعها.
استخدم القضاض للحماية والحفاظ على اسطح وجدران وارضيات المباني كالمنازل والمساجد والزرايب والاسوار وكذلك مطاهير وبرك المساجد و اعمال تصريف الامطار من اسطح المنشآت المختلفة.
عرف القضاض بعمرة الطويل وما زالت مادة القضاض في اجزاء كبيرة من مباني ومنشائات تاريخية عتيقة تجاوز عمرها مئات السنيين والتي لا تكاد تخلو منطقة في اليمن منها.

4. مكوناتة:
يتكون القضاض بشكل اساسي من حجر بركاني ، نورة ، و الماء كوسيط خلط

5. طريقة تحضيرها:
يتم تحضير مادة القضاض من مواد طبيعية و بطرق اولية اعتمدت على الخبرة والممارسة. فالبرغم من ذكر بعض المصطلحات والمعادلات العلمية ادناه التي توضح المركبات المختلفة وتفاعلها مع بعضها، الا ان هذا الامرلم يكن معروفاً البتة لدى منتجي ومستخدمي القضاض وكانت اعمالهم تتم بطريقة تقليدية اعتمدت بالغالب على الممارسات والخبرات المتراكمة التي اكتسبها الناس مع الزمن، ولذا نجد احيانا بعض الاختلافات في مصادر ونوعية المواد الاساسية لمكونات مادة القضاض واحيانا في نوعيات ونسب الخلط التي قد تكون مختلفة من فترة الى اخرى حتى في نفس المنشأة التي تعرضت للعديد من اعمال الصيانة او التوسعة او التجديد وربما بمعايير خلط مختلفة نتيجة تراكم خبرات المستخدمين لمادة القضاض. مراحل تحضير القضاض يمر بعدد من المراحل التي تبدأ بتحضير النورة وكذلك جلب الحجر البركاني:
• النورة عبارة عن احجار جيرية (Lime Stones) يتم احضارها من نفس مناطق احضار مادة الجص. ويتم تحضير النورة مبدئيا بتحويل الاحجار الجيرية الصغيرة الحجم الى مادة الجير الحي عن طريق حرقها في درجة حرارة عالية تصل الى 1000 درجة مئوية وما زالت مواقع بعض هذه الافران او المحارق المستخدمة لهذا الغرض الى اليوم. الحجر الجيري يتكون من كربونات الكالسيوم (CaCO3) وعند الحرق يفقد غاز ثاني اكسيد الكربون (CO2) ويتحول الى اكسيد الكالسيوم (CaO) المسمى بالجير الحي الذي يمثل المادة الاولية للنورة.
CaCO3 —1000→ CaO + CO2

• اما الحجر البركاني او حجر الخفاف البركانية، والذي يسمى ايضا بالهشاش او فتات حجر الحبش، عادةً ما يستخرج من الكهوف وهو عبارة عن حجر مسامى تملؤه فراغات هوائية ناتجة عن احتباسات غازية تكونت اثناء الطفح البركاني قبل تصلب هذه الاحجارواخذها شكلها النهائي الموجودة عليه في الكهوف والهضاب البركانية.
• تحضير النورة عن طريق تحويل الجير الحي CaO الى جير مطفي Ca(OH)2ويتم ذلك باضافة الماء الى الجير الحي ويترك يومين حتى يتخمر
CaO + H2O ⇌ Ca(OH)2
• تخلط مادة النورة (والتي تعتبر النسبة التصحيحية للخليط) مع كسر الاحجار الصغيرة جدا من الحجر البركاني (حجر الحبش او الهشاش) وبنسبة 2:3 (2 نورة و 3 احجار)،
• يخلط المسحوق جيدا بالماء ويتم دقة باحجار عالية المقاومة وغير قابلة للتفتت (كحجر الصورع). بعد طحن الخليط يترك العجين ليتخمر لمدة تتراوح بين يومين واسبوع (قد يستخدم الدك يوميا اثناء التخمر ايضا لضمان تجانس وامتزاج المخلوط).
• قد تستخدم ايضا الماشية كالابل لمثل هذة العملية كما في الصورة ادناة حيث يتم عمل قناة دائرية ويتم وضع خليط القضاض فيها ويقوم الجمل بجر اثقال عالية المقاومة على شكل عجلة مربوطة بمركز دائري وقابلة للدوران حيث يقوم الجمل بتدويرها حول مركز دائرة القناة. يستخدم لهذة العملية عمود خشبي او حديدي مثبت في احد طرفية في مركز الدائرة و الطرف الاخر (الخارج من العجلة باتجاة خارج الدائرة) مربوط بسلسلة او حبال الى ظهر الجمل.
تعددت نوعيات ونسب الخلط المستخدمة فعلى سبيل المثال، ما هو موجود اليوم في صهاريج عدن من انواع مختلفة يدل على ان معايير الخلط تغيرت مع الزمن كنتيجة للممارسات والمهارات التي اكتسبها المشتغلون.

6. طريقة الاستخدام:
• بعد تنظيف وغسل الاسطح التي يراد طلائها يتم وضع طبقة من القضاض (6-7 سم)على السطح ويتم طرقها ودكها باستخدام حجر حاد بغرض الحصول على درجة كثافة عالية وتلاصق قوي بين المونة والجدار ويتم تخشينها عن طريق عمل شقوق عليها باستخدام احجار حادة ثم يترك السطح حتى يجف (تصل مدة الجفاف لثلاثة ايام)
• بعد ان تجف الطبقة الاولى يتم عمل طبقة اخرى وتعامل بنفس الطريقة ويتم تسويتها بلوح خشبي (احيانا تعمل طبقة ثالثة لزيادة الظمان وعادة ما تكون الطبقة الاخيرة العليا انعم من الطبقات السفلى الامر الذي يساعد على تسوية وتنعيم الواجهة الخارجية)
• بعد جفاف الطبقة الاخيرة يتم وضع مادة النورة عليها وترش بالماء ويمكن ان تكرر العملية بعد فترة اسبوع او اسبوعين.
• يتم بعدها تدليك وصقل السطح بحجر دائري املس وبحركة دورانية مستمرة مع اضافة القليل من الماء حتى يصبح السطح ناعم.
• كخطوة اخيرة يتم دهن مادة القضاض بدهن خاص يتم تحضيرة بواسطة كبير البنائين من مخ البقر ومن نخاع عظامها وذلك لسد اي مسامات متبقية في مادة القضاض وقد تتكرر عملية الدهن لعدة مرات بحسب الحاجة لذلك.
تختلف طريقة التحضير من منطقة الى اخرى بحسب المواد الخام وغرض الاستخدام وكذلك الخبرات المحلية الا ان الطريقة اعلاه هي الطريقة السائدة التي استخدمها اليمنيون القداماء في بناء وتكسية المنشاءات المختلفة باستخدام مادة القضاض. الجدير ذكرة هنا ان النورة يمكن استخدامها وبشكل منفرد لاغراض طلاء وتجديد لمعان الجدران.

7. خصائص القضاض:
تتراوح قدرة التحمل لمادة القضاض بين 220-340 كجم/سم2 وبكثافة متوسطة قدرها 2000 كجم/م3 تقريبا. في المقابل فان قدرة تحمل الخرسانة العادية يترواح بين 250 - 350 كجم/سم2 وبكثافة تتراوح بين 2200 -2300 كجم/م3 وبالرغم من تقارب القيم الا ان القضاض اثبت قوة اكبر في مقاومة الظروف المناخية المختلفة وعلى مدى عقود من الزمن.

8. اماكن استخراج المواد الاولية للقضاض:
النورة تحضر من الاحجار الجيرية التي يتم استخراجها من نفس مناطق استخراج مادة الجص كالتي في منطقة شبام الغراس مثلا. في عدن الوضع مختلف نوعا ما، حيث يتم احضار النورة او مادة الجير من الرواسب البحرية في المناطق الساحلية والمتكونة من بقايا الشعاب المرجانية والاصداف البحرية المختلفة.

الحجر البركاني المستخدم في صناعة القضاض في عدن يعرف بحجر الخفاف (البوميس Pumice) والذي يشبة الى حد كبير مادة القضاض النهائية من حيث الشكل ولكن بمقاومة وكثافة اقل. توجد مناجم حجر الخفاف في ارضية هضبة بركان عدن في كريتر وتتمركز في طبقة بركانية متوضعة ضمن نطاق محدد يمثل فترة جيولوجية معينة ضمن التطور البنائي لهضبة البركان . تم حفر هذه المناجم او الكهوف او المغارات في جوف الجبل بـأسلوب هندسي تم الاعتماد فيه على أعمدة متقاربة مكونة بذلك سلسلة من الغرف من أصل الجبل نفسه او ما يسمى بنظام الغرفة والعمود (Room and Pillar) حيث تعتبر الاعمدة التي تفصل بين الغرف كحوامل طبيعية (support) للتكوين الصخري العقيم (Over burden) الذي يعلو نطاق حجر الخفاف البركاني. وبالرغم من انهيار اجزاء كبيرة من هذه المناجم الا ان اجزاء كبيرة منها ما زالت حتى اليوم بالقرب من جبل الفرس. من هذة المناجم تم استخراج المادة الاساسية لمادة القضاض المستخدمة في الصرح التاريخي المتمثل بصهاريج عدن. ويقال ان هذه المناجم الطبيعية كانت اول مناجم طبيعية في شبة الجزيرة العربية والقرن الافريقي.
الحجر البركاني او حجر الخفاف البركانية يسمى ايضا بالهشاش او فتات حجر الحبش ويستخرج عادة من الكهوف كتلك الموجودة على هضبة عدن البركانية كما ذكر اعلاه ومن مصادرة ايضا ذهبان وضروان وافضلها حجر همدان. الحجر البركاني يتسم بكثافة نوعية اقل من كثير من الاحجار نتيجة لكثرة المسامات الهوائية المتواجدة فيه والتي تكونت اثناء الطفح البركاني قبل ان تتصلب الاحجار البركانية وتاخذ شكلها النهائية الذي توجد عليه في ارض الواقع.

هل هناك فرق في تصنيع القضاض من منطقة الى اخرى في اليمن واين يكمن هذا الفرق؟

هل تم عمل اي ابحاث معملية بخصوص الخلطات المختلفة لمادة القضاض؟ وامكانية تطوير صناعتها


م/ عبدالله الصماط
المدير التنفيذي
موسسه عرش بلقيس