قصة "أم الصبيان" التي فتكت بذكور اليمن.. كيف حبكت النقوش السبئية القديمة أول دليل ضدها!
الباحث: شهاب الأهدل
الشيطانة الأكثر رعبا، ملكة الإرهاب التي أقسمت منذ زمن طويل على إبادة الجنس الذكري من البشر، واختارت الأماكن النائية والأودية وطرقات السفر لتتربص بالرجال المسافرين، تغويهم نداءاتها حتى يتبعونها، فتمزق بطونهم بحوافرها الحادة وتشرب عصارة أحشائهم، يسهل عليها اختطاف الأطفال المتأخرين في اللعب إلى ما بعد الغروب، وتسبب الإجهاض للنساء الحوامل بذكور. هي ليست مجرد شيطانة ابتدعها الخيال الشعبي اليمني لتخويف الأطفال من الخروج ليلاً. فأغلب ثقافات الشرق الأوسط تشترك في الاعتقاد بوجود هذا الوحش الأنثوي الرهيب، وبأرجل وحوافر الوعل تتسلق أم الصبيان المنحدرات اليمنية للحاق بفرائسها، وبأرجل الجمل الصحراوي تكون أم دويس النجدية والسعلاء الحجازية، وبذيل سمكة هي السعلوة التي تستوطن الأنهار في سورية والعراق، و في خارج الشرق الأوسط في سهوب روسيا وأوروبا الشرقية هي بابا ياجا شيطانة المستنقعات، بسيقان عظمية طويلة تشبه العصي. في هذا المقال نستعرض تاريخ أسطورة أم الصبيان وشبيهاتها بالعودة إلى جذورها الأولى عند بدايات الحضارة البشرية، ونطرح فرضية مدعومة بدليل من النقوش السبئية حول أصل هذه الشخصية ورمزيتها القديمة في اليمن.
المرحلة السبئية:
من المعروف أن ” ليل ” هي كلمة عربية تطلق على الفترة التي تغيب فيها الشمس، لكن بالعودة خمسة الاف عام إلى الوراء، لنفتش في نصوص سومر وهي أقدم حضارة بشرية، نجد أقدم ظهور لهذه الكلمة، حيث كانت اسماَ لألهة الهواء والربيع نينليل, وهو اسم مركب من كلمتين: نين وتعني آلهة أنثى، وليل وتعني الرياح1، فتكون نينليل إي آلهة الرياح الأنثى. وفي عصر الأكادية اللاحقة حذفت كلمة “نين”, وبدون تأنيث أطلق على الآلهة اسم ليل، كآلهة خالصة للهواء والربيع2. ويبدو أن التغييرات الاجتماعية والثقافية التي حدثت في العصر البرونزي وتعزز سلطة النظام الأبوي، قد انعكس تأثيرها ميثولوجياَ*، فلم تعد ليل آلهة كما كانت، وبالرغم من انحدار مكانتها، إلا أنها حافظت على نوع من الاحترام، وباتت تدعى مع ظهور البابلية المبكرة رياح الجنوب التائهة ليلتو3، أما الأشوريين الذين اطلقوا عليها رياح الليل الشمالية الباردة والحاملة للمرض ليليث4 فقد توسعت دولتهم فيما بعد لتسيطر على الشرق الأدنى بكله وأصبحت لغتهم الأكادية والآرامية من بعدها اللغة الرسمية للعالم القديم6,5, ولأكثر من ألف عام من سطوة الثقافة الأشورية على مجتمعات العالم القديم ساد المسمى الأشوري (ليليث) على نطاق واسع باعتبارها رياح ليل إي أنه تم تحويلها إلى كائن يعيش في الظلام كالبومة* يتجول في الخارج والناس نيام، هنا ربما تكون بداية ارتباط كلمة ( ليل) بالفترة التي تغيب فيها الشمس. ومن ناحية أخرى انحدر وضعها أكثر لتصبح شيطانة العواصف الليلة التي تحمل معها الموت7، حتى باتت في البابلية المتأخرة حوالي 600 ق. م الشيطانة الأكثر فظاعة، ويتم تخليدها في اللوح الأخير من ملحمة جلجامش8.9، وفي عام 586 ق م وحدوث ما يعرف بالسبي البابلي بقيام البابليين بالهجوم على القدس، عاش اليهود لقرون في بلاد الرافدين كعبيد، وشهدت هذه الفترة انتقال ثقافة وميثولوجيا بلاد الرافدين إلى الميثولوجيا اليهودية بحسب ما يعتقد أغلب الباحثين، لتصبح ليليث فيما بعد إحدى الشخصيات الأساسية في الديانة اليهودية.
في بداية بحثي كنت أظن أن أسطورة ليل لم تظهر في اليمن إلا بعد شيطتنها على شكل ليليث، أي مع انتشار اليهودية في اليمن، وفي محاولة يائسة قمت بالبحث عن كلمة ليل في النقوش اليمنية القديمة، وصدمت فعلا عندما وجدتها بالفعل في نقش بيت ضبعان العائد إلى الفترة (60 ق.م)، لتبدأ حينها فرضيتي بأخذ إطار منطقي. فالنص النادر الذي اكتشف في العام 1984 يذكر آلهة غير معهودة في أي من النقوش المسندية وهي “ليل” ( بمباركة وعون الآلهة عثتر الشارق وليل وسميدع وذات بعدان وعثتر عزيز ذي جاوب وذي طرر وريمان وشمسهم10). يصعب اعتبار الأمر تشابها لغويا وحسب، فكلمة ليل نقشت ضمن قائمة الإلهة التي يباركها النص ويشكرها، قد يعني هذا انتقال الأسطورة من بلاد الرافدين إلى اليمن في زمن سبق شيطنتها، ويخلق تساؤل حول إذا ما كانت تعود إلى شعوب أقدم كانت سلفا مشتركا؟
رسمة تخيلية لأم الصبيان للفنانة جمانة الشامي
المرحلة الحميرية الاكسومية:
أدت سيطرة قبائل ذو ريدان على اليمن في القرن الأول للميلاد إلى قيام دولة جديدة على أنقاض دولة سبأ سميت بحمير، والتي اعتنقت في القرن الثاني الديانة اليهودية، قبل أن تبدأ دولة أكسوم الأثيوبية بنشر الديانة المسيحية في اليمن، ويقوم الحميريون اليهود بحظر الديانة المسيحية وقتل المنتمين إليها, وهكذا دخلت البلاد في قرون من الحروب الدينية، وعلى كل حال فإن هذه الـ500 عام من التحولات الدينية والثقافية ربما تكون قد انعكست بشكل عميق على شخصية ليل في المخيلة
الباحث: شهاب الأهدل
الشيطانة الأكثر رعبا، ملكة الإرهاب التي أقسمت منذ زمن طويل على إبادة الجنس الذكري من البشر، واختارت الأماكن النائية والأودية وطرقات السفر لتتربص بالرجال المسافرين، تغويهم نداءاتها حتى يتبعونها، فتمزق بطونهم بحوافرها الحادة وتشرب عصارة أحشائهم، يسهل عليها اختطاف الأطفال المتأخرين في اللعب إلى ما بعد الغروب، وتسبب الإجهاض للنساء الحوامل بذكور. هي ليست مجرد شيطانة ابتدعها الخيال الشعبي اليمني لتخويف الأطفال من الخروج ليلاً. فأغلب ثقافات الشرق الأوسط تشترك في الاعتقاد بوجود هذا الوحش الأنثوي الرهيب، وبأرجل وحوافر الوعل تتسلق أم الصبيان المنحدرات اليمنية للحاق بفرائسها، وبأرجل الجمل الصحراوي تكون أم دويس النجدية والسعلاء الحجازية، وبذيل سمكة هي السعلوة التي تستوطن الأنهار في سورية والعراق، و في خارج الشرق الأوسط في سهوب روسيا وأوروبا الشرقية هي بابا ياجا شيطانة المستنقعات، بسيقان عظمية طويلة تشبه العصي. في هذا المقال نستعرض تاريخ أسطورة أم الصبيان وشبيهاتها بالعودة إلى جذورها الأولى عند بدايات الحضارة البشرية، ونطرح فرضية مدعومة بدليل من النقوش السبئية حول أصل هذه الشخصية ورمزيتها القديمة في اليمن.
المرحلة السبئية:
من المعروف أن ” ليل ” هي كلمة عربية تطلق على الفترة التي تغيب فيها الشمس، لكن بالعودة خمسة الاف عام إلى الوراء، لنفتش في نصوص سومر وهي أقدم حضارة بشرية، نجد أقدم ظهور لهذه الكلمة، حيث كانت اسماَ لألهة الهواء والربيع نينليل, وهو اسم مركب من كلمتين: نين وتعني آلهة أنثى، وليل وتعني الرياح1، فتكون نينليل إي آلهة الرياح الأنثى. وفي عصر الأكادية اللاحقة حذفت كلمة “نين”, وبدون تأنيث أطلق على الآلهة اسم ليل، كآلهة خالصة للهواء والربيع2. ويبدو أن التغييرات الاجتماعية والثقافية التي حدثت في العصر البرونزي وتعزز سلطة النظام الأبوي، قد انعكس تأثيرها ميثولوجياَ*، فلم تعد ليل آلهة كما كانت، وبالرغم من انحدار مكانتها، إلا أنها حافظت على نوع من الاحترام، وباتت تدعى مع ظهور البابلية المبكرة رياح الجنوب التائهة ليلتو3، أما الأشوريين الذين اطلقوا عليها رياح الليل الشمالية الباردة والحاملة للمرض ليليث4 فقد توسعت دولتهم فيما بعد لتسيطر على الشرق الأدنى بكله وأصبحت لغتهم الأكادية والآرامية من بعدها اللغة الرسمية للعالم القديم6,5, ولأكثر من ألف عام من سطوة الثقافة الأشورية على مجتمعات العالم القديم ساد المسمى الأشوري (ليليث) على نطاق واسع باعتبارها رياح ليل إي أنه تم تحويلها إلى كائن يعيش في الظلام كالبومة* يتجول في الخارج والناس نيام، هنا ربما تكون بداية ارتباط كلمة ( ليل) بالفترة التي تغيب فيها الشمس. ومن ناحية أخرى انحدر وضعها أكثر لتصبح شيطانة العواصف الليلة التي تحمل معها الموت7، حتى باتت في البابلية المتأخرة حوالي 600 ق. م الشيطانة الأكثر فظاعة، ويتم تخليدها في اللوح الأخير من ملحمة جلجامش8.9، وفي عام 586 ق م وحدوث ما يعرف بالسبي البابلي بقيام البابليين بالهجوم على القدس، عاش اليهود لقرون في بلاد الرافدين كعبيد، وشهدت هذه الفترة انتقال ثقافة وميثولوجيا بلاد الرافدين إلى الميثولوجيا اليهودية بحسب ما يعتقد أغلب الباحثين، لتصبح ليليث فيما بعد إحدى الشخصيات الأساسية في الديانة اليهودية.
في بداية بحثي كنت أظن أن أسطورة ليل لم تظهر في اليمن إلا بعد شيطتنها على شكل ليليث، أي مع انتشار اليهودية في اليمن، وفي محاولة يائسة قمت بالبحث عن كلمة ليل في النقوش اليمنية القديمة، وصدمت فعلا عندما وجدتها بالفعل في نقش بيت ضبعان العائد إلى الفترة (60 ق.م)، لتبدأ حينها فرضيتي بأخذ إطار منطقي. فالنص النادر الذي اكتشف في العام 1984 يذكر آلهة غير معهودة في أي من النقوش المسندية وهي “ليل” ( بمباركة وعون الآلهة عثتر الشارق وليل وسميدع وذات بعدان وعثتر عزيز ذي جاوب وذي طرر وريمان وشمسهم10). يصعب اعتبار الأمر تشابها لغويا وحسب، فكلمة ليل نقشت ضمن قائمة الإلهة التي يباركها النص ويشكرها، قد يعني هذا انتقال الأسطورة من بلاد الرافدين إلى اليمن في زمن سبق شيطنتها، ويخلق تساؤل حول إذا ما كانت تعود إلى شعوب أقدم كانت سلفا مشتركا؟
رسمة تخيلية لأم الصبيان للفنانة جمانة الشامي
المرحلة الحميرية الاكسومية:
أدت سيطرة قبائل ذو ريدان على اليمن في القرن الأول للميلاد إلى قيام دولة جديدة على أنقاض دولة سبأ سميت بحمير، والتي اعتنقت في القرن الثاني الديانة اليهودية، قبل أن تبدأ دولة أكسوم الأثيوبية بنشر الديانة المسيحية في اليمن، ويقوم الحميريون اليهود بحظر الديانة المسيحية وقتل المنتمين إليها, وهكذا دخلت البلاد في قرون من الحروب الدينية، وعلى كل حال فإن هذه الـ500 عام من التحولات الدينية والثقافية ربما تكون قد انعكست بشكل عميق على شخصية ليل في المخيلة
الشعبية اليمنية، فبعد أن كانت عند السبئيين آلهة تعبد ربما جرى تحويلها مع اليهود المتأثرين بثقافة بلاد الرافدين* إلى الشيطانة المحتقرة ليليث. ففي التراث اليهودي المتأثر بكل هذه الحضارات المذكورة، نجد أن ليليث هو اسم المرأة الأولى التي سبقت حواء، وقد خلقت على قدم المساواة مع آدم أبو البشرية، قبل أن تهرب من الجنة، ليقوم الله بخلق حواء، لكن هذه المرة ولكي لا يتكرر ما حدث مع ليليث قام الله بخلقها من ضلع آدم نفسه، وبحسب اليهودية – المسيحية فإن ليليث اعترضت حين جعل الله العصمة بيد آدم وبيد ذريته الذكور من بعده، وطالبت بالمساواة، وأثناء الممارسة الجنسية رفضت الإنصياع لآدم وأن تستلقي تحته معتقدة أن مكانها الأساسي هو فوقه بالضرورة، وعندما حاول آدم تطويعها تسرب الغضب إلى قلبها ونبت لها جناحان قويّان حلّقت بهما بعيداً عن الجنة نحو مكان مقفر في البحر الأحمر11, وكما حصل مع إبليس من قبلها تمردت وأعلنت عصيانها على الله وكراهيتها لآدم وذريته، وأقسمت على قتل كل الذكور. ليلعنها الله وتتحول إلى مسخ، فبحثت عن إبليس وتزوجته، وأصبحت تنجب منه في اليوم مائة شيطان، وهنا ربما نجد سبب تسميتها بأم الصبيان. وبحلول القرن السابع الميلادي أصبح من السائد قراءة تعويذات ضد ليليث أثناء الولادة، ووضعها في قلادة تعلق على رقاب الأطفال لحمايتهم من الاختطاف، كما أصبحت التعويذات تكتب على أوعية تدفن في أرضية المنزل، أو توضع في زاوية الغرف ظناً أن الوعاء سيأسر ليليث إذا حاولت دخوله المنزل12.
المرحلة العربية:
في القرن السادس للميلاد حدث تحول عميق في الثقافة اليمنية، وحلول اللغة العربية محل اللغة الحميرية، ومع أن شخصية ليليث ليس لها وجود في الإسلام، إلا أنها استمرت في المخيلة الشعبية حتى يومنا هذا. ولغوياً تعود جذور اللغة العربية إلى اللغات السامية القديمة13، كالأكادية وريثة السومرية، والآرامية التي حلت محلها بأبجديتها التي يعتقد أنها الجذر الأساسي للأبجدية العربية14, وقد أثار انتباهي الارتباط اللغوي بين الكلمات “روح, رياح, ليل, رواح” التي تصب معانيها بأي شكل من الأشكال إلى معنى واحد واسم واحد في اللغات السامية القديمة منها والحديثة، فنلاحظ أن كلمة ليل lil في السامية القديمة كانت تعني : روح، رياح15, وأصبحت في السامية الحديثة تعني: الفترة التي تغيب فيها الشمس. من ناحية أخرى نلاحظ الكلمة رواح rwђ والتي تعني في اللغات السامية القديمة: فترة غروب الشمس1, قد أصبحت الجذر السامي الذي انشقت منه الكلمات “روح، رياح” في السامية الحديثة كالعربية16. الخلاصة أن ما كان يطلق على الروح والرياح بات يطلق على: الفترة التي تغيب فيها الشمس، وأن ما كان يطلق على الفترة التي تغيب فيها الشمس بات يطلق على: الروح والرياح. يمكن تفسير سبب هذا التبدل في كون الكلمات المتبدلة مرتبطة بالآلهة السومرية ” ليل” التي طالما جُسدت في الليل17 والرياح18والروح. 1
يقدم التاريخ اللامادي بلقيس كأهم وأقوى شخصية يمنية، إلا أن كبار المؤرخين اليمنيين كنشوان الحميري قد ربطوها بالجن، وأن أمها كانت غزالة تدعى رواحة بنت سكن19,هنا يلفت انتباهنا الغزال الذي قد يعني الوعل، واسم رواحة الذي هو تأنيث للكلمة رواح rwђوالتي تحدثنا عنها، من جهة أخرى نقل المفسر الإسلامي ابن كثير عن الثعلبي وصفاً لبلقيس بأرجل وحوافر حيوان20 .فما الغرض من مزج صفات ليليث في شخصية بلقيس؟ هل هي محاولة لخلق نموذج جميل من ليل بعد شيطنتها؟، أو كما يعتقد باحثون أنها رمز يذكرنا بالزمن الذي حكمت فيه المرأة21. هناك من الباحثين من يربطون أسطورة ليليث برغبة الرجال في بسط السيطرة الذكورية على النساء وحثهم على الانصياع22 ( يقال استسعلت المرأةُ إِذا تشبهت بالسعلاء في الجرأة وسلاط اللسان23). وعلى هذا المنوال أصبحت ليليث اليوم، رمزا للكبرياء الأنثوي، ورمزا للقوة والحكمة النسوية التي تعرضت للشيطنة24. وبحسب باحثين لايزال اسم ليل حاضر في الأغاني والأهازيج والمواويل العربية, كالدان الحضرمي الذي عادة ما يبدأ بــ” ياليل ” كما في أغنية ظبي اليمن ” يا ليل دان ” لأبو بكر سالم, وكذلك في الغناء الصنعاني كموال ” يا ليل لمن أشكو” للآنسي، وأيضا نجده في مواويل العراق والشام ومصر كموال “يا ليل يا عين” وهي مواويل لا يعرف متى ظهرت وإلى من تعود، كما يفترضون عودة هذه المواويل إلى ترانيم قديمة كانت تغنى لإرضاء ليل أو التغزل بها12.
إذا ليست أم الصبيان مجرد وحش اخترعه الآباء لإخافة أطفالهم، بل هي سجل طويل من الدعاية الإجتماعية*، وإرث إبداعي ابتدعه الخيال البشري المشترك. ويوما بعد يوم يسلب الإعلام والتعليم من هذه الشخصية وحشيتها، وتنسى قصصها التي أرعبت الناس لألاف السنين، لتبقى في الأخير تراثا لاماديا تدرسه المجتمعات التي لا تكتفي بمعرفة التاريخ دون فهمه، ولهذا نحن نسأل إن كانت هذه الشخصية بتحولاتها الدرامية ما هي إلا انعكاس ميثولوجي لوضع المرأة على مر العصور؟
حواشي:
المرحلة العربية:
في القرن السادس للميلاد حدث تحول عميق في الثقافة اليمنية، وحلول اللغة العربية محل اللغة الحميرية، ومع أن شخصية ليليث ليس لها وجود في الإسلام، إلا أنها استمرت في المخيلة الشعبية حتى يومنا هذا. ولغوياً تعود جذور اللغة العربية إلى اللغات السامية القديمة13، كالأكادية وريثة السومرية، والآرامية التي حلت محلها بأبجديتها التي يعتقد أنها الجذر الأساسي للأبجدية العربية14, وقد أثار انتباهي الارتباط اللغوي بين الكلمات “روح, رياح, ليل, رواح” التي تصب معانيها بأي شكل من الأشكال إلى معنى واحد واسم واحد في اللغات السامية القديمة منها والحديثة، فنلاحظ أن كلمة ليل lil في السامية القديمة كانت تعني : روح، رياح15, وأصبحت في السامية الحديثة تعني: الفترة التي تغيب فيها الشمس. من ناحية أخرى نلاحظ الكلمة رواح rwђ والتي تعني في اللغات السامية القديمة: فترة غروب الشمس1, قد أصبحت الجذر السامي الذي انشقت منه الكلمات “روح، رياح” في السامية الحديثة كالعربية16. الخلاصة أن ما كان يطلق على الروح والرياح بات يطلق على: الفترة التي تغيب فيها الشمس، وأن ما كان يطلق على الفترة التي تغيب فيها الشمس بات يطلق على: الروح والرياح. يمكن تفسير سبب هذا التبدل في كون الكلمات المتبدلة مرتبطة بالآلهة السومرية ” ليل” التي طالما جُسدت في الليل17 والرياح18والروح. 1
يقدم التاريخ اللامادي بلقيس كأهم وأقوى شخصية يمنية، إلا أن كبار المؤرخين اليمنيين كنشوان الحميري قد ربطوها بالجن، وأن أمها كانت غزالة تدعى رواحة بنت سكن19,هنا يلفت انتباهنا الغزال الذي قد يعني الوعل، واسم رواحة الذي هو تأنيث للكلمة رواح rwђوالتي تحدثنا عنها، من جهة أخرى نقل المفسر الإسلامي ابن كثير عن الثعلبي وصفاً لبلقيس بأرجل وحوافر حيوان20 .فما الغرض من مزج صفات ليليث في شخصية بلقيس؟ هل هي محاولة لخلق نموذج جميل من ليل بعد شيطنتها؟، أو كما يعتقد باحثون أنها رمز يذكرنا بالزمن الذي حكمت فيه المرأة21. هناك من الباحثين من يربطون أسطورة ليليث برغبة الرجال في بسط السيطرة الذكورية على النساء وحثهم على الانصياع22 ( يقال استسعلت المرأةُ إِذا تشبهت بالسعلاء في الجرأة وسلاط اللسان23). وعلى هذا المنوال أصبحت ليليث اليوم، رمزا للكبرياء الأنثوي، ورمزا للقوة والحكمة النسوية التي تعرضت للشيطنة24. وبحسب باحثين لايزال اسم ليل حاضر في الأغاني والأهازيج والمواويل العربية, كالدان الحضرمي الذي عادة ما يبدأ بــ” ياليل ” كما في أغنية ظبي اليمن ” يا ليل دان ” لأبو بكر سالم, وكذلك في الغناء الصنعاني كموال ” يا ليل لمن أشكو” للآنسي، وأيضا نجده في مواويل العراق والشام ومصر كموال “يا ليل يا عين” وهي مواويل لا يعرف متى ظهرت وإلى من تعود، كما يفترضون عودة هذه المواويل إلى ترانيم قديمة كانت تغنى لإرضاء ليل أو التغزل بها12.
إذا ليست أم الصبيان مجرد وحش اخترعه الآباء لإخافة أطفالهم، بل هي سجل طويل من الدعاية الإجتماعية*، وإرث إبداعي ابتدعه الخيال البشري المشترك. ويوما بعد يوم يسلب الإعلام والتعليم من هذه الشخصية وحشيتها، وتنسى قصصها التي أرعبت الناس لألاف السنين، لتبقى في الأخير تراثا لاماديا تدرسه المجتمعات التي لا تكتفي بمعرفة التاريخ دون فهمه، ولهذا نحن نسأل إن كانت هذه الشخصية بتحولاتها الدرامية ما هي إلا انعكاس ميثولوجي لوضع المرأة على مر العصور؟
حواشي:
يقصد بالميثولوجيا القصص الفلكلورية والأساطير التي تستخدم لتفسير الأحداث الطبيعية وشرح الطبيعة والإنسانية.
وتتخذ ليليث في الديانة المسيحية شكل بومة25، وفي المغرب العربي تحمي الأمهات أبنائهن من البومة الخاطفة بتمائم، كالنعوشة التي تخطف الأطفال وهي بومة عملاقة كانت في الأصل إمرأة11.
يقصد بالدعاية الإجتماعية، الدعاية التي تسعى إلى توحيد سلوك المجتمع26
وتتخذ ليليث في الديانة المسيحية شكل بومة25، وفي المغرب العربي تحمي الأمهات أبنائهن من البومة الخاطفة بتمائم، كالنعوشة التي تخطف الأطفال وهي بومة عملاقة كانت في الأصل إمرأة11.
يقصد بالدعاية الإجتماعية، الدعاية التي تسعى إلى توحيد سلوك المجتمع26
#العيني الوزير المختلف في بلد متخلف
مذكرات محسن العيني: عقود من دخانِ الحروب وغبارِ السياسة في اليمن والمنطقة
أنور العنسي
في سيرته الممتدة لنحو "خمسين عاماً في الرمال المتحركة" وهي عنوان مذكراته الشهيرة اختار محسن العيني أن يضع مجهره على نصف قرن فقط من صيرورات التاريخ وتبدلات السياسة وصراع الإيدلوجيات وتناقضات المصالح في اليمن والمنطقة العربية والشرق الأوسط والعالم.
كان العيني حاضراً في قلب أغلب هذه التحولات تقريباً مؤثراً ومتأثراً بها، مصارعاً من أجل تحويل دفتها لمصلحة بلاده منذ أن كان طالباً في "جامعة القاهرة"وبعدها في"السوربون" مروراً بتجربته القومية قريباً من حزب "البعث"، ومن ثم توليه رئاسة الحكومة ووزارة الخارجية معاً لأربع مرات، وتمثيله اليمن سفيراً في عواصم عالمية رئيسية عدة، وممثلاً له في أهم الهيئات والمنظمات الدولية.
أسباب إرجاء اعتراف بغداد
عندما ذهب العيني إلى بغداد للتشاور مع قادتها حول تطورات الوضع في اليمن بعد أسبوع من اندلاع ثورة الـ 26 من سبتمبر/ أيلول 1962أبلغه رئيس الوزراء العراقي الراحل عبدالكريم قاسم خلال اجتماعه معه ببرقيات وصلته للتو تفيد بأن قادة الثورة الوليدة في صنعاء أعلنوا تعيينه (العيني)كأول وزير خارجية لحكومة الجمهورية العربية اليمنية الفتية.
طلب العيني من عبدالكريم قاسم تأجيل اعتراف حكومته بالحكم الجمهوري الجديد في صنعاء إلى ما بعد اعتراف مصر "تفادياً لإثارة أي حساسية مع القاهرة التي تحرص على أن تكون أول دولة تعلن الاعتراف بالثورة والجمهورية في اليمن، حيث كان الخلاف على أشده بين القاهرة وبغداد" حول ملفات شتى.
سجال مع عبدالناصر
ثم ذهب العيني عبر بيروت إلى القاهرة للاجتماع مع جمال عبدالناصر للتشاور أيضاً ،سعى العيني خلال نقاش طويل إلى تلطيف الأجواء بين الزعيمين، عبدالناصر وقاسم، بما يخدم التحول الجديد في اليمن
وفي لقاء تال في أكتوبر/ تشرين الثاني 1962 بعد عودته من صنعاء شرح العيني لعبدالناصر تعقيدات الأمور في اليمن سياسياً وعسكرياً، فطلب منه عبدالناصر البحث أكثر في تفاصيل الموقف مع نائبه أنور السادات الذي كان مؤيداً بقوة لفكرة التدخل، بل وفرض على قادة الثورة القبول بصديقه عبدالرحمن البيضاني السفير الأسبق للحكم الإمامي في ألمانيا ليصبح نائباً لرئيس الجمهورية ونائباً للقائد العام للقوات المسلحة ووزيرا للخارجية.
بسط العيني أمام السادات كل التفاصيل بأدق تفاصيلها وجميع المعلومات التي وقف عليها، والأفكار التي خلص إليها خاصة في ما يتعلق منها بالعواقب المحتملة لتدخل الجيش المصري مباشرة في القتال خصوصاً مع رجال القبائل الأشداء المتمرسين على حروب العصابات في المناطق الجبلية عالية الارتفاع ووعرة التضاريس التي لم يتدرب جيش مصر على القتال في مثلها.
قال له السادات:"يبدو أنك منزعج، أريدك أن تطمئن إلى أننا نعد لكل أمرٍ عُدته، ولكل احتمالٍ ما يلزم، هذه القبائل ينبغي ألاّ تزعجنا، هل تعرف أننا الآن في سبيل إرسال الصاعقة إلى اليمن؟ إننا ندرب جنود الصاعقة على اكل الثعابين، فمن يستطيع الوقوف أمامهم؟".
فقال له العيني:" يا سيدي هؤلاء سيواجهون قبائل شرسة هي جزء من الصخر، من الجبل، قبائل في بعض المناطق الثعابين عندها فاكهة".
الجلوس على مقعد اليمن أمام العالم
بعد أيام كان العيني في نيويورك يخوض معركة دبلوماسية حامية مع وفد الحكم الإمامي الذي سبقه إلى هناك لشغل مقعد صنعاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ساهم الرئيس الجزائري الراحل، أحمد بن بلا، في حسم هذه المعركة لصالح وفد حكومة الجمهورية الجديدة، ثم دعا العيني إلى عشاء حضره الأمير فيصل رئيس الوفد السعودي - الملك لاحقاً - حيث وصفه العيني بأنه كان خلال حديثهما معتدلاً ويفكر في حل للنزاع مع الجانب الملكي، وفي إيقاف التدخل. قال له الفيصل إنه"إذا لم يكن هناك تدخل خارجي، ولم يكن النظام الجديد معادياً للسعودية فلا يوجد سبب للخلاف".
لكن العيني يضيف أن البعض :"يعلل تشدد فيصل بعد ذلك عندما عاد إلى بلاده بتصريحات بعض المسؤولين في صنعاء وتحديهم" لآل سعود
هل قال العيني كل شيء؟
بـ "القليل" الذي قاله العيني في مذكراته (354 صفحة) قال "الكثير" مما لم يقله غيره، ولا يتسع المجال هنا لعرضه ، لكنني أريد أن أرسم صورة العيني كما تشكلت في ذاكرة جيلي،وذلك منذ رأيته لأول مرة وأنا في أولى سنوات الدراسة الإعدادية، وهو يفتتح مدرسة "الكوفة" التي مولت بغداد بناءها في مدينة ذمار جنوب صنعاء.
معركة القات
محسن العيني الذي قضى قسطاً طويلاً من حياته في الغرب، دارساً في أعرق جامعاته، وأول وزيرٍ لخارجية العهد الجمهوري وسفيراً في أكثر عواصم العالم أهمية، متأثراً إلى حد بعيد بقيم الغرب وتقاليده ومثله المدنية والثقافية والاجتماعية، كان معروفاً لدى الجميع خلال قيادته لمعركة التحديثب معاداته الشديدة لنبتة (القات) وبحملاته الواسعة للتوعية بمضارها وأخطارها.
مذكرات محسن العيني: عقود من دخانِ الحروب وغبارِ السياسة في اليمن والمنطقة
أنور العنسي
في سيرته الممتدة لنحو "خمسين عاماً في الرمال المتحركة" وهي عنوان مذكراته الشهيرة اختار محسن العيني أن يضع مجهره على نصف قرن فقط من صيرورات التاريخ وتبدلات السياسة وصراع الإيدلوجيات وتناقضات المصالح في اليمن والمنطقة العربية والشرق الأوسط والعالم.
كان العيني حاضراً في قلب أغلب هذه التحولات تقريباً مؤثراً ومتأثراً بها، مصارعاً من أجل تحويل دفتها لمصلحة بلاده منذ أن كان طالباً في "جامعة القاهرة"وبعدها في"السوربون" مروراً بتجربته القومية قريباً من حزب "البعث"، ومن ثم توليه رئاسة الحكومة ووزارة الخارجية معاً لأربع مرات، وتمثيله اليمن سفيراً في عواصم عالمية رئيسية عدة، وممثلاً له في أهم الهيئات والمنظمات الدولية.
أسباب إرجاء اعتراف بغداد
عندما ذهب العيني إلى بغداد للتشاور مع قادتها حول تطورات الوضع في اليمن بعد أسبوع من اندلاع ثورة الـ 26 من سبتمبر/ أيلول 1962أبلغه رئيس الوزراء العراقي الراحل عبدالكريم قاسم خلال اجتماعه معه ببرقيات وصلته للتو تفيد بأن قادة الثورة الوليدة في صنعاء أعلنوا تعيينه (العيني)كأول وزير خارجية لحكومة الجمهورية العربية اليمنية الفتية.
طلب العيني من عبدالكريم قاسم تأجيل اعتراف حكومته بالحكم الجمهوري الجديد في صنعاء إلى ما بعد اعتراف مصر "تفادياً لإثارة أي حساسية مع القاهرة التي تحرص على أن تكون أول دولة تعلن الاعتراف بالثورة والجمهورية في اليمن، حيث كان الخلاف على أشده بين القاهرة وبغداد" حول ملفات شتى.
سجال مع عبدالناصر
ثم ذهب العيني عبر بيروت إلى القاهرة للاجتماع مع جمال عبدالناصر للتشاور أيضاً ،سعى العيني خلال نقاش طويل إلى تلطيف الأجواء بين الزعيمين، عبدالناصر وقاسم، بما يخدم التحول الجديد في اليمن
وفي لقاء تال في أكتوبر/ تشرين الثاني 1962 بعد عودته من صنعاء شرح العيني لعبدالناصر تعقيدات الأمور في اليمن سياسياً وعسكرياً، فطلب منه عبدالناصر البحث أكثر في تفاصيل الموقف مع نائبه أنور السادات الذي كان مؤيداً بقوة لفكرة التدخل، بل وفرض على قادة الثورة القبول بصديقه عبدالرحمن البيضاني السفير الأسبق للحكم الإمامي في ألمانيا ليصبح نائباً لرئيس الجمهورية ونائباً للقائد العام للقوات المسلحة ووزيرا للخارجية.
بسط العيني أمام السادات كل التفاصيل بأدق تفاصيلها وجميع المعلومات التي وقف عليها، والأفكار التي خلص إليها خاصة في ما يتعلق منها بالعواقب المحتملة لتدخل الجيش المصري مباشرة في القتال خصوصاً مع رجال القبائل الأشداء المتمرسين على حروب العصابات في المناطق الجبلية عالية الارتفاع ووعرة التضاريس التي لم يتدرب جيش مصر على القتال في مثلها.
قال له السادات:"يبدو أنك منزعج، أريدك أن تطمئن إلى أننا نعد لكل أمرٍ عُدته، ولكل احتمالٍ ما يلزم، هذه القبائل ينبغي ألاّ تزعجنا، هل تعرف أننا الآن في سبيل إرسال الصاعقة إلى اليمن؟ إننا ندرب جنود الصاعقة على اكل الثعابين، فمن يستطيع الوقوف أمامهم؟".
فقال له العيني:" يا سيدي هؤلاء سيواجهون قبائل شرسة هي جزء من الصخر، من الجبل، قبائل في بعض المناطق الثعابين عندها فاكهة".
الجلوس على مقعد اليمن أمام العالم
بعد أيام كان العيني في نيويورك يخوض معركة دبلوماسية حامية مع وفد الحكم الإمامي الذي سبقه إلى هناك لشغل مقعد صنعاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ساهم الرئيس الجزائري الراحل، أحمد بن بلا، في حسم هذه المعركة لصالح وفد حكومة الجمهورية الجديدة، ثم دعا العيني إلى عشاء حضره الأمير فيصل رئيس الوفد السعودي - الملك لاحقاً - حيث وصفه العيني بأنه كان خلال حديثهما معتدلاً ويفكر في حل للنزاع مع الجانب الملكي، وفي إيقاف التدخل. قال له الفيصل إنه"إذا لم يكن هناك تدخل خارجي، ولم يكن النظام الجديد معادياً للسعودية فلا يوجد سبب للخلاف".
لكن العيني يضيف أن البعض :"يعلل تشدد فيصل بعد ذلك عندما عاد إلى بلاده بتصريحات بعض المسؤولين في صنعاء وتحديهم" لآل سعود
هل قال العيني كل شيء؟
بـ "القليل" الذي قاله العيني في مذكراته (354 صفحة) قال "الكثير" مما لم يقله غيره، ولا يتسع المجال هنا لعرضه ، لكنني أريد أن أرسم صورة العيني كما تشكلت في ذاكرة جيلي،وذلك منذ رأيته لأول مرة وأنا في أولى سنوات الدراسة الإعدادية، وهو يفتتح مدرسة "الكوفة" التي مولت بغداد بناءها في مدينة ذمار جنوب صنعاء.
معركة القات
محسن العيني الذي قضى قسطاً طويلاً من حياته في الغرب، دارساً في أعرق جامعاته، وأول وزيرٍ لخارجية العهد الجمهوري وسفيراً في أكثر عواصم العالم أهمية، متأثراً إلى حد بعيد بقيم الغرب وتقاليده ومثله المدنية والثقافية والاجتماعية، كان معروفاً لدى الجميع خلال قيادته لمعركة التحديثب معاداته الشديدة لنبتة (القات) وبحملاته الواسعة للتوعية بمضارها وأخطارها.
كما اتخذ العيني سلسة إجراءات تدريجية للحد من زراعة القات في الأراضي الموقوفة، وإبعاد أسواق بيعه خارج العاصمة وبقية مدن البلاد، وحض موظفي الدولة على مقاطعته. وهذا ما بدا أشبه بثورة ثقافية يخوضها العيني لوحده ما كان لها أن تفشل لولا تدخل رموز من المؤسسة القبلية لوأدها
كنت حائراً بين الرئيس الراحل إبراهيم الحمدي، الذي اختار العيني رئيساً لأولى حكوماته - ويرى في مضغ القات مجرد "عادة" تدخل ضمن حقوق الفرد وحريته الشخصية، وبين العيني، الذي كانت سيرته العلمية والسياسية مثار إعجاب أغلب النخب المتعلمة والمثقفة، حيث كان يمقت هذه النبتة، وكانت أطروحاته تقنع الكثيرين بأن نبتة القات مضيعة للوقت وإهدار للمال والناتج القومي، خصوصاً بعدما أخذت زراعتها تحل محل زراعة البن اليمني ذائع الصيت، وتستهلك الكثير من المياه الجوفية، وتتسبب في الكثير من الأمراض الخطيرة كالسرطان بعد الاسراف في استخدام الكيماويات للإكثار من إنتاجه لأغراض تجارية خاصة.
لقاء الأجيال
لمرتين في حياتي التقيت محسن العيني، السياسي العتيد والدبلوماسي المحنك، والرجل الأكثر أهمية في معتركات اليمن قبل وبعد وصوله إلى رئاسة حكوماته الأربع.
لقائي الأول بالعيني كان في شهر فبراير/ شباط 1990 في مكتبه في واشنطن عندما كان سفيراً لبلاده وعميداً للسلك الدبلوماسي العربي والأجنبي في العاصمة الأمريكية لسنوات عدة، وذلك عندما رافقت الرئيس الراحل علي عبدالله صالح أثناء زيارته لها، واكتشفت أن العيني يحظى بعلاقات جيدة مع البيت الأبيض والخارجية وغيرهما من المؤسسات والجامعات الأمريكية،وخلال هذا اللقاء لم أشعر بأن العيني كان مختلفاً عن صورته في ذهني عنه وعن رفاق جيله من الرعيل الأول للحركة الوطنية اليمنية.
أعتقد أن العيني ساهم في تشجيع الإدارة الأمريكية مع رئيس شركة "هنت" النفطية الأمريكية التي كانت تستثمر في اليمن "راي هنت" للقاء صالح والاستماع إليه كأول رئيس يمني يجتاز عتبات البيت العالي السعودي دون إذن هذا الباب والذهاب مباشرة إلى المكتب البيضاوي في واشنطن.
سألت العيني عما إذا كان بمقدور صالح تبديد هواجس الأمريكيين إزاء مشروع الوحدة في اليمن مع الحزب الاشتراكي الحليف الأخير للاتحاد السوفياتي السابق، فكان رد العيني بما معناه أن هذا الأمر بات غير مهم ولا وارد بالنسبة لواشنطن بعد انهيار سور برلين، خصوصاً أن جورج بوش الأب زار صنعاء عندما كان نائباً للرئيس ووقف على صورة الوضع في اليمن بنفسه.
كان هناك اثنان في الشرق الأوسط يتلهفان بنفس القدر من الاهتمام لمعرفة نتائج زيارة صالح ولقاءاته مع بوش ووزير خارجيته جيمس بيكر، أحدهما الرئيس العراقي الراحل صدام حسين الذي أرسل طائرته الرئاسية لتقل صالح إلى واشنطن وخلال تنقلاته في عدد من الولايات الأمريكية. والثاني كان العاهل السعودي فهد بن عبدالعزيز الذي لم تتبدد هواجسه حيال هذا اللقاء إلا بعد اجتماعه المغلق في حفر الباطن مع صالح لأربع ساعات بناء على طلب من صدام.
أما اللقاء الثاني مع العيني فتم في 19 يناير 2020 في منزله في القاهرة، أي بعد ما يقرب من عقدين من الزمن.
تحدث إليّ العيني مطولاً خلال هذين اللقاءين عن تجربته في السياسة والحكم رئيساً للوزراء ووزيراً للخارجية، وسفيراً في أهم عواصم القرار الإقليمي والدولي خلال مراحل عاصفةٍ من تاريخ اليمن والإقليم والعالم.
كان في مذكراته التي قرأتها مرات عدة كاملة أو مجزأة الاختيارات يبدو أكثر تركيزاً مما بدا عليه في أحاديثه الشفهية معي ربما بحكم تقدمه في العمر حيث ولد في العام 1932تقريباً، لكنني في المجمل كنت أشعر أنه لا يزال هو ، المثقف العميق، العقل التحديثي، صاحب الذاكرة الخصبة، واللغة التصالحية ،والنظرة الثاقبة في جوهر الحياة، بل كنت في حاجة إلى التحقق منه عما ظل يشغل بالي من الأسئلة وما كنت محتاجاً إلى مقارنته مع ما كان معلوماً لدي من وقائع ومعلومات بشأن قضايا محددة في زمنه.
كعادته كان العيني متحضراً، متمديناً، عذب الحديث وحلو المعشر، أكرمني بوقته كثيراً، وأجزل عليَّ بما عهدته فيه من أدب رجالات عصره لدرجة لا يمكنني معها سوى الثقة به والاقتناع بصحة كثير مما يطرحه وحسن الظن بما تحدث به إليّ سواء عن الآخرين ومواقفهم أو عن دوره في التاريخ السياسي الحديث لبلاده.
لم تخل أحاديثه معي عن مواجهاته المشهودة في لقاءاته مع قادة اليمن أو ملوك وزعماء الإقليم ورؤساء العالم في الغرب والشرق؛ الغرب الذي درس فيه علماً وتمرس ديبلوماسيةً وسياسة، ومع عمالقة الاشتراكية في الشرق، روسيا والصين وغيرهما.
لقد كان منصفاً للكل، بما لهم وما عليهم، قادة اليمن الكبار برغم تحفظه على ممارسات البعض منهم، ثم لعبد الكريم قاسم وصدام حسين في العراق بكل ما انطوت عليه عهودهم من عنف ومغامرات، ولعبد الناصر والسادات مصر ثالثاً بصرف النظر عما شهدته علاقته بهما وببعض مساعديهما من مواجهات وجدل، ولملوك وأولياء عهود السعودية وأمرائها آخراً ممن لم يبد أنهم
كنت حائراً بين الرئيس الراحل إبراهيم الحمدي، الذي اختار العيني رئيساً لأولى حكوماته - ويرى في مضغ القات مجرد "عادة" تدخل ضمن حقوق الفرد وحريته الشخصية، وبين العيني، الذي كانت سيرته العلمية والسياسية مثار إعجاب أغلب النخب المتعلمة والمثقفة، حيث كان يمقت هذه النبتة، وكانت أطروحاته تقنع الكثيرين بأن نبتة القات مضيعة للوقت وإهدار للمال والناتج القومي، خصوصاً بعدما أخذت زراعتها تحل محل زراعة البن اليمني ذائع الصيت، وتستهلك الكثير من المياه الجوفية، وتتسبب في الكثير من الأمراض الخطيرة كالسرطان بعد الاسراف في استخدام الكيماويات للإكثار من إنتاجه لأغراض تجارية خاصة.
لقاء الأجيال
لمرتين في حياتي التقيت محسن العيني، السياسي العتيد والدبلوماسي المحنك، والرجل الأكثر أهمية في معتركات اليمن قبل وبعد وصوله إلى رئاسة حكوماته الأربع.
لقائي الأول بالعيني كان في شهر فبراير/ شباط 1990 في مكتبه في واشنطن عندما كان سفيراً لبلاده وعميداً للسلك الدبلوماسي العربي والأجنبي في العاصمة الأمريكية لسنوات عدة، وذلك عندما رافقت الرئيس الراحل علي عبدالله صالح أثناء زيارته لها، واكتشفت أن العيني يحظى بعلاقات جيدة مع البيت الأبيض والخارجية وغيرهما من المؤسسات والجامعات الأمريكية،وخلال هذا اللقاء لم أشعر بأن العيني كان مختلفاً عن صورته في ذهني عنه وعن رفاق جيله من الرعيل الأول للحركة الوطنية اليمنية.
أعتقد أن العيني ساهم في تشجيع الإدارة الأمريكية مع رئيس شركة "هنت" النفطية الأمريكية التي كانت تستثمر في اليمن "راي هنت" للقاء صالح والاستماع إليه كأول رئيس يمني يجتاز عتبات البيت العالي السعودي دون إذن هذا الباب والذهاب مباشرة إلى المكتب البيضاوي في واشنطن.
سألت العيني عما إذا كان بمقدور صالح تبديد هواجس الأمريكيين إزاء مشروع الوحدة في اليمن مع الحزب الاشتراكي الحليف الأخير للاتحاد السوفياتي السابق، فكان رد العيني بما معناه أن هذا الأمر بات غير مهم ولا وارد بالنسبة لواشنطن بعد انهيار سور برلين، خصوصاً أن جورج بوش الأب زار صنعاء عندما كان نائباً للرئيس ووقف على صورة الوضع في اليمن بنفسه.
كان هناك اثنان في الشرق الأوسط يتلهفان بنفس القدر من الاهتمام لمعرفة نتائج زيارة صالح ولقاءاته مع بوش ووزير خارجيته جيمس بيكر، أحدهما الرئيس العراقي الراحل صدام حسين الذي أرسل طائرته الرئاسية لتقل صالح إلى واشنطن وخلال تنقلاته في عدد من الولايات الأمريكية. والثاني كان العاهل السعودي فهد بن عبدالعزيز الذي لم تتبدد هواجسه حيال هذا اللقاء إلا بعد اجتماعه المغلق في حفر الباطن مع صالح لأربع ساعات بناء على طلب من صدام.
أما اللقاء الثاني مع العيني فتم في 19 يناير 2020 في منزله في القاهرة، أي بعد ما يقرب من عقدين من الزمن.
تحدث إليّ العيني مطولاً خلال هذين اللقاءين عن تجربته في السياسة والحكم رئيساً للوزراء ووزيراً للخارجية، وسفيراً في أهم عواصم القرار الإقليمي والدولي خلال مراحل عاصفةٍ من تاريخ اليمن والإقليم والعالم.
كان في مذكراته التي قرأتها مرات عدة كاملة أو مجزأة الاختيارات يبدو أكثر تركيزاً مما بدا عليه في أحاديثه الشفهية معي ربما بحكم تقدمه في العمر حيث ولد في العام 1932تقريباً، لكنني في المجمل كنت أشعر أنه لا يزال هو ، المثقف العميق، العقل التحديثي، صاحب الذاكرة الخصبة، واللغة التصالحية ،والنظرة الثاقبة في جوهر الحياة، بل كنت في حاجة إلى التحقق منه عما ظل يشغل بالي من الأسئلة وما كنت محتاجاً إلى مقارنته مع ما كان معلوماً لدي من وقائع ومعلومات بشأن قضايا محددة في زمنه.
كعادته كان العيني متحضراً، متمديناً، عذب الحديث وحلو المعشر، أكرمني بوقته كثيراً، وأجزل عليَّ بما عهدته فيه من أدب رجالات عصره لدرجة لا يمكنني معها سوى الثقة به والاقتناع بصحة كثير مما يطرحه وحسن الظن بما تحدث به إليّ سواء عن الآخرين ومواقفهم أو عن دوره في التاريخ السياسي الحديث لبلاده.
لم تخل أحاديثه معي عن مواجهاته المشهودة في لقاءاته مع قادة اليمن أو ملوك وزعماء الإقليم ورؤساء العالم في الغرب والشرق؛ الغرب الذي درس فيه علماً وتمرس ديبلوماسيةً وسياسة، ومع عمالقة الاشتراكية في الشرق، روسيا والصين وغيرهما.
لقد كان منصفاً للكل، بما لهم وما عليهم، قادة اليمن الكبار برغم تحفظه على ممارسات البعض منهم، ثم لعبد الكريم قاسم وصدام حسين في العراق بكل ما انطوت عليه عهودهم من عنف ومغامرات، ولعبد الناصر والسادات مصر ثالثاً بصرف النظر عما شهدته علاقته بهما وببعض مساعديهما من مواجهات وجدل، ولملوك وأولياء عهود السعودية وأمرائها آخراً ممن لم يبد أنهم
وثقوا به رغم إعجابهم بشخصه، ولا هو تحمل الصبر حين يحسن الصبر على مواقف بعضهم تجاه بلاده
محسن أحمد العيني
محسن أحمد العيني (1932) سياسي يمني، رئيس وزراء اليمن الشمالي خمس مرات، وأول وزير خارجية بعد الثورة بالرغم من أنه كان بعثياً.
النشأة
ولد عام 1930 ميلادية. درس الحقوق في جامعة القاهرة، ثم درس الإقتصاد والعلوم السياسية في جامعة أكسفورد في لندن ، وحصل على الماجستير مع مرتبة الشرف من جامعة ماربورگ في ألمانيا. ترجم في سنة 1960 كتاب "كنت طبيبة في اليمن" للفرنسية كلودي فايان. وقد نالت الترجمة ذيوعاً واسعاً.
تولى منصب وكيل وزارة المالية في عهد الوزير محمد السلامي.
كان من مؤسسي القيادة القطرية لحزب البعث اليمني.
تزوج عزيزة شقيقة سنان أبو لحوم، شيخ مشايخ حاشد. وهي كاتبة قصص قصيرة. وله ولد وبنت يعيش أحدهما في كاليفورنيا.
بعد ثورة اليمن
كان العيني أول وزير خارجية بعد الثورة بالرغم من أنه كان بعثياً، فكان من ظواهر لم الشمل بين عبد الناصر والبعث والقوميين العرب. وفي عام 1963، مع تفاقم خلافات عبد الناصر مع البعث، ازورّ ناصر عنه، فقال ناصر للسلال ما معناه "أبعده عن ناظري"، فنقل سفيرا للأمم المتحدة وعاصر كيندي. ثم عاد به أحمد محمد النعمان بعد مؤتمر خمر للمصالحة بين الجمهوريين والملكيين وغلب عليه الجناح الحمائمي ولم ينجح (ربيع 64) (تلاه اغتيال محمد محمود الزبيري (اخوان اليمن) تسبب في التعاطف مع التيار الحمائمي (النعمان، الزبيري، عبد الرحمن الإرياني) فأتوا بالعيني وزيراً للخارجية وبقي كذلك إلى عام 1966 عندما قام ناصر باعتقال كامل الحكومة في السجن الحربي المصري. وعاد عبد الله السلال رئيساً وعبد الله الجزيلان نائباً وعين قائد جديد للقوات المصرية طلعت حسن علي (خلفاً للواء علي عبد الخبير) لتطبيق استراتيجية النفس الطويل، التي بها قلصت قوات اليمن من 15 لواء إلى 8 ألوية.
مؤتمر حرض نوفمبر - ديسمبر 1965، وفشل هو نتاج لقاء فيصل ناصر في أغسطس 1965 في جدة على الباخرة الحرية.
رئيس وزراء 69 - 70 وأنجز المصالحة بين الملكيين والجمهوريين واعتراف السعودية بالجمهورية اليمنية (الإرياني) خرج في 72 ليحل محله القاضي عبد الله الحجري المدعوم سعودياً.
عاد مرة أخرى رئيساً للوزراء مع الحمدي 1974. بعد أن ترك رئاسة الوزراء مع اغتيال الحمدي عام 1977، أصبح سفيراً في واشنطن لعقد ونيف.
محسن العيني هو الذي تولى منصب (رئيس الوزراء) في اليمن الشمالي إبان حكم ابراهيم الحمدي ليمن الشمال آنذاك، و قد كان محسن العيني من أولئك الرجال المناضلين الذين سعوا جاهدين للدفع بعجلة التنمية الإقتصادية اليمنية و كان قد وضع في فترة توليه لمنصب رئيس الوزراء في اليمن الشمالي مشروعين وحدويين الأول هو بذرة مشروع الوحدة اليمنية والثاني هو مشروع الوحدة العربية والذي تم تهميشه لإنه كان يغلب المصلحة العامة على باقي المصالح الشخصية في الوطن العربي.
كتبه
ويتحدث محسن العيني عن صراعة مع التنمية في اليمن وعن تاريخه مع الإقتصاد السياسي اليمني في كتاب قام بنشره مؤخرا بعنوان (خمسون عاما في الرمال المتحركة)
الجدير بالذكر أن محسن العيني كان قد وضع أربع خطط خمسية في السبعينات لجعل اليمن في مصاف الدول المتقدمة خلال عشرين عاما ، بيد أن الفرصة التي أتيحت له في عهد إبراهيم الحمدي لم تتجاوز السنة حين تم إغتيال ابراهيم الحمدي رئيس اليمن الشمالي الأسبق. وقد شغل العديد من المناصب بعد ذلك منها سفيرا لليمن في الولايات المتحدة وغيرها.
رئاسته للوزارة
الفترات الأربع الأولى للعيني لرئاسة الوزراء، وكانت جميعها في عهد الرئيس عبد الرحمن الإرياني. وكانوا:
5 نوفمبر 1967 إلى 21 ديسمبر 1967
29 يوليو 1969 إلى 2 سبتمبر 1969
5 فبراير 1970 إلى 26 فبراير 1971
18 سبتمبر 1971 إلى 30 ديسمبر 1972
الفترة الخامسة والأخيرة خدمها في عهد الرئيس ابراهيم الحمدي. وكانت من 22 يونيو 1974 إلى 16 يناير 1975.
محسن أحمد العيني (1932) سياسي يمني، رئيس وزراء اليمن الشمالي خمس مرات، وأول وزير خارجية بعد الثورة بالرغم من أنه كان بعثياً.
النشأة
ولد عام 1930 ميلادية. درس الحقوق في جامعة القاهرة، ثم درس الإقتصاد والعلوم السياسية في جامعة أكسفورد في لندن ، وحصل على الماجستير مع مرتبة الشرف من جامعة ماربورگ في ألمانيا. ترجم في سنة 1960 كتاب "كنت طبيبة في اليمن" للفرنسية كلودي فايان. وقد نالت الترجمة ذيوعاً واسعاً.
تولى منصب وكيل وزارة المالية في عهد الوزير محمد السلامي.
كان من مؤسسي القيادة القطرية لحزب البعث اليمني.
تزوج عزيزة شقيقة سنان أبو لحوم، شيخ مشايخ حاشد. وهي كاتبة قصص قصيرة. وله ولد وبنت يعيش أحدهما في كاليفورنيا.
بعد ثورة اليمن
كان العيني أول وزير خارجية بعد الثورة بالرغم من أنه كان بعثياً، فكان من ظواهر لم الشمل بين عبد الناصر والبعث والقوميين العرب. وفي عام 1963، مع تفاقم خلافات عبد الناصر مع البعث، ازورّ ناصر عنه، فقال ناصر للسلال ما معناه "أبعده عن ناظري"، فنقل سفيرا للأمم المتحدة وعاصر كيندي. ثم عاد به أحمد محمد النعمان بعد مؤتمر خمر للمصالحة بين الجمهوريين والملكيين وغلب عليه الجناح الحمائمي ولم ينجح (ربيع 64) (تلاه اغتيال محمد محمود الزبيري (اخوان اليمن) تسبب في التعاطف مع التيار الحمائمي (النعمان، الزبيري، عبد الرحمن الإرياني) فأتوا بالعيني وزيراً للخارجية وبقي كذلك إلى عام 1966 عندما قام ناصر باعتقال كامل الحكومة في السجن الحربي المصري. وعاد عبد الله السلال رئيساً وعبد الله الجزيلان نائباً وعين قائد جديد للقوات المصرية طلعت حسن علي (خلفاً للواء علي عبد الخبير) لتطبيق استراتيجية النفس الطويل، التي بها قلصت قوات اليمن من 15 لواء إلى 8 ألوية.
مؤتمر حرض نوفمبر - ديسمبر 1965، وفشل هو نتاج لقاء فيصل ناصر في أغسطس 1965 في جدة على الباخرة الحرية.
رئيس وزراء 69 - 70 وأنجز المصالحة بين الملكيين والجمهوريين واعتراف السعودية بالجمهورية اليمنية (الإرياني) خرج في 72 ليحل محله القاضي عبد الله الحجري المدعوم سعودياً.
عاد مرة أخرى رئيساً للوزراء مع الحمدي 1974. بعد أن ترك رئاسة الوزراء مع اغتيال الحمدي عام 1977، أصبح سفيراً في واشنطن لعقد ونيف.
محسن العيني هو الذي تولى منصب (رئيس الوزراء) في اليمن الشمالي إبان حكم ابراهيم الحمدي ليمن الشمال آنذاك، و قد كان محسن العيني من أولئك الرجال المناضلين الذين سعوا جاهدين للدفع بعجلة التنمية الإقتصادية اليمنية و كان قد وضع في فترة توليه لمنصب رئيس الوزراء في اليمن الشمالي مشروعين وحدويين الأول هو بذرة مشروع الوحدة اليمنية والثاني هو مشروع الوحدة العربية والذي تم تهميشه لإنه كان يغلب المصلحة العامة على باقي المصالح الشخصية في الوطن العربي.
كتبه
ويتحدث محسن العيني عن صراعة مع التنمية في اليمن وعن تاريخه مع الإقتصاد السياسي اليمني في كتاب قام بنشره مؤخرا بعنوان (خمسون عاما في الرمال المتحركة)
الجدير بالذكر أن محسن العيني كان قد وضع أربع خطط خمسية في السبعينات لجعل اليمن في مصاف الدول المتقدمة خلال عشرين عاما ، بيد أن الفرصة التي أتيحت له في عهد إبراهيم الحمدي لم تتجاوز السنة حين تم إغتيال ابراهيم الحمدي رئيس اليمن الشمالي الأسبق. وقد شغل العديد من المناصب بعد ذلك منها سفيرا لليمن في الولايات المتحدة وغيرها.
رئاسته للوزارة
الفترات الأربع الأولى للعيني لرئاسة الوزراء، وكانت جميعها في عهد الرئيس عبد الرحمن الإرياني. وكانوا:
5 نوفمبر 1967 إلى 21 ديسمبر 1967
29 يوليو 1969 إلى 2 سبتمبر 1969
5 فبراير 1970 إلى 26 فبراير 1971
18 سبتمبر 1971 إلى 30 ديسمبر 1972
الفترة الخامسة والأخيرة خدمها في عهد الرئيس ابراهيم الحمدي. وكانت من 22 يونيو 1974 إلى 16 يناير 1975.