#السبئية الظاهرة وآراء الرواة فيها
اهتمّ الباحثون كثيرا بمسألة «عبد اللّه بن سبأ» ودوره في التاريخ والفكر الاسلامي ومنهم دارسو التفسير عند الشيعة ، وعند متابعة ما كتب بهذا الشأن نجد أنّهم رسموا له أدورا متعدّدة :
1- فمنهم من جعله مرجع جميع الفتن «فقاتل الخليفة الثاني فارسي مرسل من جمعية سريّة لقومه ، وقتلة الخليفة الثالث كانوا مفتونين بدسائس عبد اللّه بن سبأ اليهودي ، وإلى جمعية السبئيين وجمعيات الفرس ترجع جميع الفتن السياسية وأكاذيب الرواية في الصّدر الأوّل» «1» .
2- وأعطاه البعض دورا كبيرا في وضع الحديث والإسرائيليات وجعله مصدرا أساسيا لما تسرب منها في كتب الحديث فقال عنه : إنّه «من أئمّة الضلال ورءوس الفساد والافساد ، عبد اللّه بن سبأ اليهودي الّذي تبطّن الكفر والتحف الإسلام وتظاهر بالتشيّع لآل البيت خداعا منه واحتيالا على بثّ سمومه وأفكاره الخبيثة بين المسلمين» «2» .
«فنجد بعض ما فيها من معتقدات لبعض الفرق قد تسرب لها عن طريق اليهود . . .
ويحدّثنا أبو منصور البغدادي صاحب الفرق بين الفرق أنّ عقيدة السبئية في أنّ عليّا- عليه السلام- لم يقتل ولكنّه رفع إلى السماء كما رفع عيسى بن مريم ، ضلالة فرخها في الأصل عقل عبد اللّه بن سبأ اليهودي ثمّ نشرها وروّج لها بين أصحابه . . .» «3» .
3- وأنّه كان مصدر عقيدة الرّجعة عند الشيعة وغيرها الكثير من المسائل الكلامية ، فقالوا : «وقالت الشيعة في الرّجعة على نحو ما قاله اليهود ، فقد كان عند اليهود أنّ النبي إلياس صعد إلى السماء وسيعود فيغيّر الدين والقانون ، فقال ابن سبأ اليهودي- كما حكى ابن حزم- لمّا قتل علي : لو أتيتمونا بدماغه ألف مرّة ما صدقنا موته ولا يموت حتّى يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا ، ونمت هذه الفكرة عند الشيعة فنشأت عنها عقيدتهم في المهدي المنتظر .
ممّا تقدّم نرى أن كثيرا من المسائل الكلامية وغيرها كان منبعها اليهود وأنّها قيلت على مثال ما قالوا . . .» «4» .
ونريد من بحثنا في الموضوع الاجابة عن الأسئلة التالية :
1- ما هي عقيدة السبئية تحديدا ؟
2- وما هي مصدرها الفكري ؟
3- وما هي علاقتها «بعبد اللّه بن سبأ» ؟
4- ومتى ظهرت تلك العقيدة ؟
5- وما علاقتها بعقائد الشيعة ؟
وسوف لا نتطرق في البحث حول حقيقة وجود «عبد اللّه بن سبأ» إذ «نفى وجود ابن سبأ عدد من الكتاب المحدثين كان من بينهم الدكتور علي الوردي الّذي سبقت الإشارة إليه ، والدكتور طه حسين ، والدكتور كامل مصطفى الشيبي ، والعلّامة السيّد مرتضى العسكري الّذي ألّف كتابا في الموضوع أسماه عبد اللّه بن سبأ» «5» «6» .
فإنّ وجوده أو عدم وجوده شيء ، وصحّة ما نسب له وما رسمت له من أدوار شيء آخر .
وقد زخر تاريخ العالم بكل شعوبه بشخصيات اسطورية كتبت لها القصص ورسمت لها أدوار خرافية عظيمة ، بل ألّفت في أخبارها مئاب الكتب حتّى في عصرنا الحاضر ، ومع ذلك كلّه فلم يكن لتلك الشخصيات وجود خارجي ، أو كانت في الأغلب شخصيات حقيقية ذات أدوار عاديّة ، ولكنّها أحيطت بواسطة الكتّاب والادباء أو مؤلفي الأساطير بهالة من الأدوار الملائكية ، أو البطولية الخارقة «7» .
وتدرس اليوم هذه الأساطير في علم جديد سمّي الميثولوجيا ومعناه العلم المختص بدراسة الحكايات التقليدية عن الآلهة والأبطال .
ولذا سيتركز بحثنا عن شخصية عبد اللّه بن سبأ : دوره وما نسب إليه من عقائد وآراء :
فمن خلال مراجعة المصادر التاريخية ، نجد أنّها ترجع في رواياتها عن عبد اللّه بن سبأ إلى الطبري ، الّذي يرجع بدوره إلى سيف ، فيما يرجع الآخرون كابن عساكر والذهبي إلى سيف مباشرة ، وقد أثبت العلّامة العسكري في تحقيقه الفذ رجوع من روى عن قضيّة عبد اللّه بن سبأ فيما بعد الطبري إلى الطبري الّذي روى بدوره كمصدر وحيد في تلك القصّة عن سيف بن عمر البرجمي (ت : 170 هـ) .
سلسلة رواة الأسطورة السبئيّة
وفيما يلي ننقل صورة الجدول الّذي أعده العلّامة العسكري نتيجة بحثه والّذي يبين تسلسل الرواة حتّى الطبري «8» :
سيف بن عمر التميمي المتوفّى بعد 170 هـ رواته
آراء علماء الرّجال في سيف ورواته :
لقد أورد السيّد العسكري تفصيلات وافية عن دور سيف في تزوير التاريخ واختلاق الحوادث ، وأوصل بحثه إلى أنّ نقّاد الرجال قالوا : إنّ سيفا يروي عن خلق كثير من المجهولين ، ضعيف الحديث ، ليس بشيء ، متروك ، يضع الحديث ، وهو في الرواية ساقط ، يروي الموضوعات عن الثقات ، عامّة حديثه منكر ، متهم بالوضع والزندقة .
فقد اتّفق علماء الرجال على ضعف سيف ، بل على زندقته ووضعه للحديث ، فقد قال عنه أبو داود : «ليس بشيء ، كذّاب» ، ومثله ما قاله النّسائي : «ضعيف ، متروك الحديث ليس بثقة ولا مأمون» وعنه قال ابن حبان : «يروي الموضوعات عن الأثبات ، اتّهم بالزندقة وقالوا : كان يضع الحديث» .
وقال ابن عدي : «ضعيف ، بعض أحاديثه مشهورة وعامتها منكرة لم يتابع عليها» .
وقال الحاكم : «متروك ، اتّهم بالزندقة» .
اهتمّ الباحثون كثيرا بمسألة «عبد اللّه بن سبأ» ودوره في التاريخ والفكر الاسلامي ومنهم دارسو التفسير عند الشيعة ، وعند متابعة ما كتب بهذا الشأن نجد أنّهم رسموا له أدورا متعدّدة :
1- فمنهم من جعله مرجع جميع الفتن «فقاتل الخليفة الثاني فارسي مرسل من جمعية سريّة لقومه ، وقتلة الخليفة الثالث كانوا مفتونين بدسائس عبد اللّه بن سبأ اليهودي ، وإلى جمعية السبئيين وجمعيات الفرس ترجع جميع الفتن السياسية وأكاذيب الرواية في الصّدر الأوّل» «1» .
2- وأعطاه البعض دورا كبيرا في وضع الحديث والإسرائيليات وجعله مصدرا أساسيا لما تسرب منها في كتب الحديث فقال عنه : إنّه «من أئمّة الضلال ورءوس الفساد والافساد ، عبد اللّه بن سبأ اليهودي الّذي تبطّن الكفر والتحف الإسلام وتظاهر بالتشيّع لآل البيت خداعا منه واحتيالا على بثّ سمومه وأفكاره الخبيثة بين المسلمين» «2» .
«فنجد بعض ما فيها من معتقدات لبعض الفرق قد تسرب لها عن طريق اليهود . . .
ويحدّثنا أبو منصور البغدادي صاحب الفرق بين الفرق أنّ عقيدة السبئية في أنّ عليّا- عليه السلام- لم يقتل ولكنّه رفع إلى السماء كما رفع عيسى بن مريم ، ضلالة فرخها في الأصل عقل عبد اللّه بن سبأ اليهودي ثمّ نشرها وروّج لها بين أصحابه . . .» «3» .
3- وأنّه كان مصدر عقيدة الرّجعة عند الشيعة وغيرها الكثير من المسائل الكلامية ، فقالوا : «وقالت الشيعة في الرّجعة على نحو ما قاله اليهود ، فقد كان عند اليهود أنّ النبي إلياس صعد إلى السماء وسيعود فيغيّر الدين والقانون ، فقال ابن سبأ اليهودي- كما حكى ابن حزم- لمّا قتل علي : لو أتيتمونا بدماغه ألف مرّة ما صدقنا موته ولا يموت حتّى يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا ، ونمت هذه الفكرة عند الشيعة فنشأت عنها عقيدتهم في المهدي المنتظر .
ممّا تقدّم نرى أن كثيرا من المسائل الكلامية وغيرها كان منبعها اليهود وأنّها قيلت على مثال ما قالوا . . .» «4» .
ونريد من بحثنا في الموضوع الاجابة عن الأسئلة التالية :
1- ما هي عقيدة السبئية تحديدا ؟
2- وما هي مصدرها الفكري ؟
3- وما هي علاقتها «بعبد اللّه بن سبأ» ؟
4- ومتى ظهرت تلك العقيدة ؟
5- وما علاقتها بعقائد الشيعة ؟
وسوف لا نتطرق في البحث حول حقيقة وجود «عبد اللّه بن سبأ» إذ «نفى وجود ابن سبأ عدد من الكتاب المحدثين كان من بينهم الدكتور علي الوردي الّذي سبقت الإشارة إليه ، والدكتور طه حسين ، والدكتور كامل مصطفى الشيبي ، والعلّامة السيّد مرتضى العسكري الّذي ألّف كتابا في الموضوع أسماه عبد اللّه بن سبأ» «5» «6» .
فإنّ وجوده أو عدم وجوده شيء ، وصحّة ما نسب له وما رسمت له من أدوار شيء آخر .
وقد زخر تاريخ العالم بكل شعوبه بشخصيات اسطورية كتبت لها القصص ورسمت لها أدوار خرافية عظيمة ، بل ألّفت في أخبارها مئاب الكتب حتّى في عصرنا الحاضر ، ومع ذلك كلّه فلم يكن لتلك الشخصيات وجود خارجي ، أو كانت في الأغلب شخصيات حقيقية ذات أدوار عاديّة ، ولكنّها أحيطت بواسطة الكتّاب والادباء أو مؤلفي الأساطير بهالة من الأدوار الملائكية ، أو البطولية الخارقة «7» .
وتدرس اليوم هذه الأساطير في علم جديد سمّي الميثولوجيا ومعناه العلم المختص بدراسة الحكايات التقليدية عن الآلهة والأبطال .
ولذا سيتركز بحثنا عن شخصية عبد اللّه بن سبأ : دوره وما نسب إليه من عقائد وآراء :
فمن خلال مراجعة المصادر التاريخية ، نجد أنّها ترجع في رواياتها عن عبد اللّه بن سبأ إلى الطبري ، الّذي يرجع بدوره إلى سيف ، فيما يرجع الآخرون كابن عساكر والذهبي إلى سيف مباشرة ، وقد أثبت العلّامة العسكري في تحقيقه الفذ رجوع من روى عن قضيّة عبد اللّه بن سبأ فيما بعد الطبري إلى الطبري الّذي روى بدوره كمصدر وحيد في تلك القصّة عن سيف بن عمر البرجمي (ت : 170 هـ) .
سلسلة رواة الأسطورة السبئيّة
وفيما يلي ننقل صورة الجدول الّذي أعده العلّامة العسكري نتيجة بحثه والّذي يبين تسلسل الرواة حتّى الطبري «8» :
سيف بن عمر التميمي المتوفّى بعد 170 هـ رواته
آراء علماء الرّجال في سيف ورواته :
لقد أورد السيّد العسكري تفصيلات وافية عن دور سيف في تزوير التاريخ واختلاق الحوادث ، وأوصل بحثه إلى أنّ نقّاد الرجال قالوا : إنّ سيفا يروي عن خلق كثير من المجهولين ، ضعيف الحديث ، ليس بشيء ، متروك ، يضع الحديث ، وهو في الرواية ساقط ، يروي الموضوعات عن الثقات ، عامّة حديثه منكر ، متهم بالوضع والزندقة .
فقد اتّفق علماء الرجال على ضعف سيف ، بل على زندقته ووضعه للحديث ، فقد قال عنه أبو داود : «ليس بشيء ، كذّاب» ، ومثله ما قاله النّسائي : «ضعيف ، متروك الحديث ليس بثقة ولا مأمون» وعنه قال ابن حبان : «يروي الموضوعات عن الأثبات ، اتّهم بالزندقة وقالوا : كان يضع الحديث» .
وقال ابن عدي : «ضعيف ، بعض أحاديثه مشهورة وعامتها منكرة لم يتابع عليها» .
وقال الحاكم : «متروك ، اتّهم بالزندقة» .
وضعّفه غيرهم من أئمّة الحديث ورجاله «9» .
أمّا بروكلمان فيقول أنّ سيفا كان «يحرّف الأحاديث والأحداث يعظّم بعضا ويحقّر بعضا ، ولكنّه كان يحسن الوصف والبيان ، فاغترّ الطبري بذلك واختار كتبه مصدرا أصيلا في تاريخه لما روى من الوقائع من أوائل الاسلام ، وتبع الطبري المتأخرون ، وفلهاوزن هو الآخر لم يعد سيفا من بين المؤرخين الثقات» «10» .
وأمّا راويا أحاديثه فهما : السّري (بن يحيى) «11» كما يسمّيه الطبري وهو ليس بالسري بن يحيى الثقة ، لأنّ السري بن يحيى يكون زمانه أقدم من الطبري؛ فقد توفي سنة 167 هـ ، في حين ولد الطبري سنة 224 هـ ، فالفرق بينهما سبعة وخمسون عاما ، ولا يوجد عند الرواة سري بن يحيى غيره ، ولذلك يفترض أهل الجرح والتعديل أنّ السّري الّذي يروي عنه الطبري يجب أن يكون واحدا من اثنين : كل منهما كذّاب وهما : السّري بن إسماعيل الهمداني الكوفي ، وهو أوّلهما ، وثانيهما السّري بن عاصم الهمداني نزيل بغداد المتوفّى سنة 258 ، والّذي أدرك ابن جرير الطبري وعاصره أكثر من ثلاثين عاما . وكل من هذين قد كذّبه أهل الحديث واتّهموه بالوضع ، فقد كذّبهما صاحب تهذيب التهذيب ، وصاحب ميزان الاعتدال ، وصاحب تذكرة الموضوعات ، وصاحب لسان الميزان وغيرهم ، . . . وقد ذكر النقاد للطبري سبعمائة حديث وحديثا واحدا ، وهذه الأحاديث تغطي زمن الخلفاء الثلاثة ، وأسانيد هذه الروايات كلّها عن السّري الكذاب وعن شعيب المجهول عن سيف الوضّاع المتّهم بالزندقة «12» .
مراجعة النصوص «السبئيّة»
مع غض النظر عن صحّة النصوص أو عدمها ، فإنّنا بمراجعة ما ورد من نصوص تاريخية سواء عن طرق الجمهور كتاريخ الطبري ورواياته عن سيف ، أو ما ورد في كتب الفرق لكلا الفريقين ، أو رجوعا إلى روايات الكشي الخمس عن عبد اللّه بن سبأ ، وهو من كتب الرجال المعروفة والأساسية عند الشيعة ، فانّنا نجد صورتين متضادتين لشخصية عبد اللّه بن سبأ ، وهما :
أوّلا : طبق روايات الكشي الخمس ، فإن «عبد اللّه بن سبأ كان يدعي النبوّة ويزعم أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) هو اللّه ، تعالى عن ذلك علوّا كبيرا ، فبلغ ذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) فدعاه وسأله فأقرّ بذلك ، وقال : نعم ، أنت هو ، وقد كان القي في روعي أنّك أنت اللّه وأنّي نبي!! فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام) : ويلك قد سخر منك الشيطان فارجع عن هذا ثكلتك امّك وتب ، فأبى ، فحبسه واستتابه ثلاثة أيّام فلم يتب فأحرقه بالنار .
وقال : إنّ الشيطان استهواه فكان يأتيه ويلقي في روعه ذلك» «13» .
وفي رواية عن الإمام الصادق (عليه السلام) : «لعن اللّه عبد اللّه بن سبأ إنّه ادعى الربوبية في أمير المؤمنين (عليه السلام)» «14» .
وتلك الصورة تفيد أن عبد اللّه بن سبأ كان قد غلا في عليّ- أيّام خلافته- فاستتابه علي فلم يتب ، فأحرقه بالنار ، وانتهى بذلك وجوده ودوره .
ثانيا : أمّا الصورة الثانية لعبد اللّه بن سبأ ، كما في تأريخ الطبري وغيره عن سيف ، فهي لا تتّهم عبد اللّه بن سبأ بالغلوّ والقول بإلهية عليّ ولكنّها تصوّر لعبد اللّه هذا أدوارا سياسية خطيرة طالت معظم وجود الدولة الاسلامية ، فهي تتلخّص : «بأنّ يهوديا من صنعاء اليمن أظهر الإسلام في عصر عثمان واندسّ بين المسلمين وأخذ يتنقّل في حواضرهم وعواصم بلادهم : الشام ، والكوفة ، والبصرة ، ومصر ، مبشّرا بأنّ للنبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله) رجعة ، كما أنّ لعيسى بن مريم رجعة ، وأنّ عليّا هو وصيّ محمّد (صلى الله عليه وآله) كما كان لكلّ نبيّ وصيّ ، وأنّ عليّا خاتم الأوصياء كما كان محمّد (صلى الله عليه وآله) خاتم الأنبياء . وأنّ عثمان غاصب حقّ هذا الوصيّ وظالمه فيجب مناهضته لإرجاع الحقّ إلى أهله!
وسمّوا بطل قصّتهم (عبد اللّه بن سبأ) ولقّبوه ب (ابن الأمة السّوداء) وزعموا أن (عبد اللّه بن سبأ) هذا بثّ في البلاد الإسلامية دعاته وأشار عليهم أن يظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والطّعن في الامراء . فمال إليه وتبعه على ذلك جماعات من المسلمين ، فيهم الصحابي الكبير والتابعي الصالح ، من أمثال أبي ذر ، وعمار بن ياسر ، ومحمّد بن أبي حذيفة ، وعبد الرّحمن بن عديس ، ومحمّد بن أبي بكر ، وصعصعة ابن صوحان العبدي ، ومالك الأشتر ، وغيرهم من أبرار المسلمين وأخيارهم .
وزعموا : أنّ السّبئيّين أينما كانوا أخذوا يثيرون الناس على ولاتهم- تنفيذا لخطّة زعيمهم- ويضعون كتبا في عيوب الامراء ، ويرسلونها إلى غير مصرهم من الأمصار فنتج من ذلك قيام جماعات من المسلمين بتحريض السبئيّين ، وقدومهم إلى المدينة ، وحصرهم عثمان في داره حتّى قتل فيها . إنّ كلّ ذلك كان بقيادة السبئيّين ومباشرتهم .
أمّا بروكلمان فيقول أنّ سيفا كان «يحرّف الأحاديث والأحداث يعظّم بعضا ويحقّر بعضا ، ولكنّه كان يحسن الوصف والبيان ، فاغترّ الطبري بذلك واختار كتبه مصدرا أصيلا في تاريخه لما روى من الوقائع من أوائل الاسلام ، وتبع الطبري المتأخرون ، وفلهاوزن هو الآخر لم يعد سيفا من بين المؤرخين الثقات» «10» .
وأمّا راويا أحاديثه فهما : السّري (بن يحيى) «11» كما يسمّيه الطبري وهو ليس بالسري بن يحيى الثقة ، لأنّ السري بن يحيى يكون زمانه أقدم من الطبري؛ فقد توفي سنة 167 هـ ، في حين ولد الطبري سنة 224 هـ ، فالفرق بينهما سبعة وخمسون عاما ، ولا يوجد عند الرواة سري بن يحيى غيره ، ولذلك يفترض أهل الجرح والتعديل أنّ السّري الّذي يروي عنه الطبري يجب أن يكون واحدا من اثنين : كل منهما كذّاب وهما : السّري بن إسماعيل الهمداني الكوفي ، وهو أوّلهما ، وثانيهما السّري بن عاصم الهمداني نزيل بغداد المتوفّى سنة 258 ، والّذي أدرك ابن جرير الطبري وعاصره أكثر من ثلاثين عاما . وكل من هذين قد كذّبه أهل الحديث واتّهموه بالوضع ، فقد كذّبهما صاحب تهذيب التهذيب ، وصاحب ميزان الاعتدال ، وصاحب تذكرة الموضوعات ، وصاحب لسان الميزان وغيرهم ، . . . وقد ذكر النقاد للطبري سبعمائة حديث وحديثا واحدا ، وهذه الأحاديث تغطي زمن الخلفاء الثلاثة ، وأسانيد هذه الروايات كلّها عن السّري الكذاب وعن شعيب المجهول عن سيف الوضّاع المتّهم بالزندقة «12» .
مراجعة النصوص «السبئيّة»
مع غض النظر عن صحّة النصوص أو عدمها ، فإنّنا بمراجعة ما ورد من نصوص تاريخية سواء عن طرق الجمهور كتاريخ الطبري ورواياته عن سيف ، أو ما ورد في كتب الفرق لكلا الفريقين ، أو رجوعا إلى روايات الكشي الخمس عن عبد اللّه بن سبأ ، وهو من كتب الرجال المعروفة والأساسية عند الشيعة ، فانّنا نجد صورتين متضادتين لشخصية عبد اللّه بن سبأ ، وهما :
أوّلا : طبق روايات الكشي الخمس ، فإن «عبد اللّه بن سبأ كان يدعي النبوّة ويزعم أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) هو اللّه ، تعالى عن ذلك علوّا كبيرا ، فبلغ ذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) فدعاه وسأله فأقرّ بذلك ، وقال : نعم ، أنت هو ، وقد كان القي في روعي أنّك أنت اللّه وأنّي نبي!! فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام) : ويلك قد سخر منك الشيطان فارجع عن هذا ثكلتك امّك وتب ، فأبى ، فحبسه واستتابه ثلاثة أيّام فلم يتب فأحرقه بالنار .
وقال : إنّ الشيطان استهواه فكان يأتيه ويلقي في روعه ذلك» «13» .
وفي رواية عن الإمام الصادق (عليه السلام) : «لعن اللّه عبد اللّه بن سبأ إنّه ادعى الربوبية في أمير المؤمنين (عليه السلام)» «14» .
وتلك الصورة تفيد أن عبد اللّه بن سبأ كان قد غلا في عليّ- أيّام خلافته- فاستتابه علي فلم يتب ، فأحرقه بالنار ، وانتهى بذلك وجوده ودوره .
ثانيا : أمّا الصورة الثانية لعبد اللّه بن سبأ ، كما في تأريخ الطبري وغيره عن سيف ، فهي لا تتّهم عبد اللّه بن سبأ بالغلوّ والقول بإلهية عليّ ولكنّها تصوّر لعبد اللّه هذا أدوارا سياسية خطيرة طالت معظم وجود الدولة الاسلامية ، فهي تتلخّص : «بأنّ يهوديا من صنعاء اليمن أظهر الإسلام في عصر عثمان واندسّ بين المسلمين وأخذ يتنقّل في حواضرهم وعواصم بلادهم : الشام ، والكوفة ، والبصرة ، ومصر ، مبشّرا بأنّ للنبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله) رجعة ، كما أنّ لعيسى بن مريم رجعة ، وأنّ عليّا هو وصيّ محمّد (صلى الله عليه وآله) كما كان لكلّ نبيّ وصيّ ، وأنّ عليّا خاتم الأوصياء كما كان محمّد (صلى الله عليه وآله) خاتم الأنبياء . وأنّ عثمان غاصب حقّ هذا الوصيّ وظالمه فيجب مناهضته لإرجاع الحقّ إلى أهله!
وسمّوا بطل قصّتهم (عبد اللّه بن سبأ) ولقّبوه ب (ابن الأمة السّوداء) وزعموا أن (عبد اللّه بن سبأ) هذا بثّ في البلاد الإسلامية دعاته وأشار عليهم أن يظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والطّعن في الامراء . فمال إليه وتبعه على ذلك جماعات من المسلمين ، فيهم الصحابي الكبير والتابعي الصالح ، من أمثال أبي ذر ، وعمار بن ياسر ، ومحمّد بن أبي حذيفة ، وعبد الرّحمن بن عديس ، ومحمّد بن أبي بكر ، وصعصعة ابن صوحان العبدي ، ومالك الأشتر ، وغيرهم من أبرار المسلمين وأخيارهم .
وزعموا : أنّ السّبئيّين أينما كانوا أخذوا يثيرون الناس على ولاتهم- تنفيذا لخطّة زعيمهم- ويضعون كتبا في عيوب الامراء ، ويرسلونها إلى غير مصرهم من الأمصار فنتج من ذلك قيام جماعات من المسلمين بتحريض السبئيّين ، وقدومهم إلى المدينة ، وحصرهم عثمان في داره حتّى قتل فيها . إنّ كلّ ذلك كان بقيادة السبئيّين ومباشرتهم .
وزعموا : أنّ المسلمين بعد أن بايعوا عليا وخرج طلحة والزّبير إلى البصرة لحرب الجمل رأى السبئيّون أنّ رؤساء الجيشين أخذوا يتفاهمون ، وأنّهم إن تمّ ذلك سيؤخذون بدم عثمان . فاجتمعوا ليلا وقرّروا أن يندسّوا بين الجيشين ويثيروا الحرب بكرة دون علم غيرهم؛ وأنّهم استطاعوا أن ينفّذوا هذا القرار الخطير في غلس اللّيل قبل أن ينتبه الجيشان المتقابلان . فناوش المندسّون من السبئيّين في جيش عليّ من كان بإزائهم من جيش البصرة ، والمندسّون منهم في جيش البصرة من كان بإزائهم في جيش علي؛ ففزع الجيشان وفزع رؤساؤهما وظنّ كلّ بخصمه شرّا .
وزعموا : أنّ حرب البصرة المشهورة بحرب الجمل وقعت هكذا دون أن يكون لرؤساء الجيش فيها رأي أو علم!! .
إلى هنا ينتهي هذا القاصّ من نقل قصّة السبئيّين ولا يذكر بعد ذلك عن مصيرهم شيئا» «15» .
لذا فإنّ «عبد اللّه» هذا في صورته الثانية :
1- يهودي من اليمن . 2- أظهر الاسلام .
3- بشّر برجعة النبيّ محمّد (صلى الله عليه واله وسلم) .
4- وأن عليّا هو وصي محمّد (صلى الله عليه وآله) كما كان لكل نبيّ وصيّ ، وأنّ عليّا خاتم الأوصياء كما كان محمّد (صلى الله عليه وآله) خاتم الأنبياء .
5- وأن عثمان غاصب حق هذا الوصي فيجب مناهضته لإرجاع الحق إلى أهله .
6- وأنّه تبعه كبار الصحابة وخيرة التابعين من أمثال أبي ذر ، وعمار بن ياسر ، ومحمّد بن أبي حذيفة ، وعبد الرّحمن بن عديس ، ومحمّد بن أبي بكر . . .
7- وأنّ السبئية هم الّذين أجّجوا الفتنة الكبرى على عثمان وكانوا السبب وراء حرب الجمل «16» . . .
ويلاحظ أوّلا من حيث السند انّ مرجع تلك الروايات من حيث الإسناد هو سيف بن عمر التميمي الّذي قال عنه يحيى بن حصين كما في ميزان الاعتدال (2/ 255) : «ضعيف الحديث فلس خير منه» .
مناقشة في متن الروايات
أمّا من حيث المتن فيلاحظ في روايات عبد اللّه بن سبأ في صورته الثانية ما يلي :
1- أن عبد اللّه بن سبأ لم يكن أوّل من أطلق دعوة رجعة النبيّ (صلى الله عليه وآله)- كما إنّ لعيسى (عليه السلام) رجعة- ، فقد ذكر ابن الأثير : (فلمّا توفي- النبيّ (صلى الله عليه وآله)- قام عمر فقال :
«إن رجالا من المنافقين يزعمون أنّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) توفي ، وإنّه واللّه ما مات ولكن ذهب إلى ربّه كما ذهب موسى بن عمران ، واللّه ليرجعن رسول اللّه فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم زعموا أنّه مات» «17» .
2- حاول كثير من الكتّاب أن يرجعوا عقائد الشيعة ، ومنها عقيدتهم في الرجعة والوصية والمهدي المنتظر (عج) إلى عبد اللّه بن سبأ الّذي «انتقل إلى المدينة وبثّ فيها أقوالا وآراء منافية لروح الاسلام ونابعة من يهوديته ومن معتقدات فارسية كانت شائعة في اليمن . . . وادعى أن لكل نبي وصيّا وأنّ عليّا وصيّ محمّد ، كما ادعى أن في عليّ جزءا إلهيّا . . . وبعد استشهاد علي قال إنّه لم يقتل وسيرجع ، وبذلك وضع فكرة الرجعة عند الشيعة» «18» .
ولهذا الأمر جذور تاريخية؛ إذ نسبوا للشعبي قوله :
«قال الشعبي : أحذرّك الأهواء المضلّة ، فإنّها يهود هذه الامّة يبغضون الاسلام كما يبغض اليهود النصرانية ، ولم يدخلوا الاسلام رغبة ولا رهبة من اللّه . إن محبة الرافضة محبة اليهود . قالت اليهود لا يكون الملك إلّا في آل داود ، وقالت الرافضة لا يكون الملك إلّا في آل علي ، وقالت اليهود لا يكون جهاد في سبيل اللّه حتّى يخرج المسيح ، وقالت الرافضة لا جهاد في سبيل اللّه حتّى يخرج المهدي ، واليهود يؤخرون صلاة المغرب حتّى تشتبك النجوم وكذلك الرافضة» «19» .
وإلى قريب من ذلك ذهب ابن حزم في الملل والنحل .
ويلاحظ في كبرى تلك المقولات أنّ العقائد المذكورة أوّلا لم تثبت نسبتها إلى اليهودية أو غيرها ، فإنّ عقيدة رجعة المسيح (عليه السلام) وردت عند المسلمين سنّة وشيعة «20» ، كما يذهب إلى الإيمان بظهور المهدي المنتظر عامّة المسلمين وإن اختلفوا في تفاصيل ذلك «21» ، أمّا موضوع الوصية فإنّها من أحكام الاسلام ، وتواتر عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) أنّه لمّا نزل عليه قوله تعالى : {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء : 214] جمع أقاربه وعددهم أربعون على فخذ شاة وطلب منهم أن يؤازروه على الدعوة فلم يقم إليه إلّا علي فأخذ برقبته وقال : هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا «22» .
كما إنّه لم يعرف أن لليهود صلاة يشترط فيها وقت الغروب ، أمّا قولهم الخلافة في آل علي فقد روي مثيله عن الرسول (صلى الله عليه وآله) : الخلفاء اثنا عشر ، كلّهم من قريش ، فقد روى مسلم بسنده عن جابر بن سمرة أنّه سمع النبيّ يقول : (لا يزال الدّين قائما حتّى تقوم الساعة ، أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش) «23» .
كما إن هناك مناقشة في صغرى تلك الدعاوي إذ لا تشترط الشيعة في صلاة المغرب اشتباك النجوم وإنّما اجماعهم أنّها بعد غروب الشمس مباشرة مع الاحتياط في ذهاب الحمرة المشرقية ، أمّا الجهاد فحكمه قائم في كل وقت بشروطه «24» .
وزعموا : أنّ حرب البصرة المشهورة بحرب الجمل وقعت هكذا دون أن يكون لرؤساء الجيش فيها رأي أو علم!! .
إلى هنا ينتهي هذا القاصّ من نقل قصّة السبئيّين ولا يذكر بعد ذلك عن مصيرهم شيئا» «15» .
لذا فإنّ «عبد اللّه» هذا في صورته الثانية :
1- يهودي من اليمن . 2- أظهر الاسلام .
3- بشّر برجعة النبيّ محمّد (صلى الله عليه واله وسلم) .
4- وأن عليّا هو وصي محمّد (صلى الله عليه وآله) كما كان لكل نبيّ وصيّ ، وأنّ عليّا خاتم الأوصياء كما كان محمّد (صلى الله عليه وآله) خاتم الأنبياء .
5- وأن عثمان غاصب حق هذا الوصي فيجب مناهضته لإرجاع الحق إلى أهله .
6- وأنّه تبعه كبار الصحابة وخيرة التابعين من أمثال أبي ذر ، وعمار بن ياسر ، ومحمّد بن أبي حذيفة ، وعبد الرّحمن بن عديس ، ومحمّد بن أبي بكر . . .
7- وأنّ السبئية هم الّذين أجّجوا الفتنة الكبرى على عثمان وكانوا السبب وراء حرب الجمل «16» . . .
ويلاحظ أوّلا من حيث السند انّ مرجع تلك الروايات من حيث الإسناد هو سيف بن عمر التميمي الّذي قال عنه يحيى بن حصين كما في ميزان الاعتدال (2/ 255) : «ضعيف الحديث فلس خير منه» .
مناقشة في متن الروايات
أمّا من حيث المتن فيلاحظ في روايات عبد اللّه بن سبأ في صورته الثانية ما يلي :
1- أن عبد اللّه بن سبأ لم يكن أوّل من أطلق دعوة رجعة النبيّ (صلى الله عليه وآله)- كما إنّ لعيسى (عليه السلام) رجعة- ، فقد ذكر ابن الأثير : (فلمّا توفي- النبيّ (صلى الله عليه وآله)- قام عمر فقال :
«إن رجالا من المنافقين يزعمون أنّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) توفي ، وإنّه واللّه ما مات ولكن ذهب إلى ربّه كما ذهب موسى بن عمران ، واللّه ليرجعن رسول اللّه فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم زعموا أنّه مات» «17» .
2- حاول كثير من الكتّاب أن يرجعوا عقائد الشيعة ، ومنها عقيدتهم في الرجعة والوصية والمهدي المنتظر (عج) إلى عبد اللّه بن سبأ الّذي «انتقل إلى المدينة وبثّ فيها أقوالا وآراء منافية لروح الاسلام ونابعة من يهوديته ومن معتقدات فارسية كانت شائعة في اليمن . . . وادعى أن لكل نبي وصيّا وأنّ عليّا وصيّ محمّد ، كما ادعى أن في عليّ جزءا إلهيّا . . . وبعد استشهاد علي قال إنّه لم يقتل وسيرجع ، وبذلك وضع فكرة الرجعة عند الشيعة» «18» .
ولهذا الأمر جذور تاريخية؛ إذ نسبوا للشعبي قوله :
«قال الشعبي : أحذرّك الأهواء المضلّة ، فإنّها يهود هذه الامّة يبغضون الاسلام كما يبغض اليهود النصرانية ، ولم يدخلوا الاسلام رغبة ولا رهبة من اللّه . إن محبة الرافضة محبة اليهود . قالت اليهود لا يكون الملك إلّا في آل داود ، وقالت الرافضة لا يكون الملك إلّا في آل علي ، وقالت اليهود لا يكون جهاد في سبيل اللّه حتّى يخرج المسيح ، وقالت الرافضة لا جهاد في سبيل اللّه حتّى يخرج المهدي ، واليهود يؤخرون صلاة المغرب حتّى تشتبك النجوم وكذلك الرافضة» «19» .
وإلى قريب من ذلك ذهب ابن حزم في الملل والنحل .
ويلاحظ في كبرى تلك المقولات أنّ العقائد المذكورة أوّلا لم تثبت نسبتها إلى اليهودية أو غيرها ، فإنّ عقيدة رجعة المسيح (عليه السلام) وردت عند المسلمين سنّة وشيعة «20» ، كما يذهب إلى الإيمان بظهور المهدي المنتظر عامّة المسلمين وإن اختلفوا في تفاصيل ذلك «21» ، أمّا موضوع الوصية فإنّها من أحكام الاسلام ، وتواتر عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) أنّه لمّا نزل عليه قوله تعالى : {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء : 214] جمع أقاربه وعددهم أربعون على فخذ شاة وطلب منهم أن يؤازروه على الدعوة فلم يقم إليه إلّا علي فأخذ برقبته وقال : هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا «22» .
كما إنّه لم يعرف أن لليهود صلاة يشترط فيها وقت الغروب ، أمّا قولهم الخلافة في آل علي فقد روي مثيله عن الرسول (صلى الله عليه وآله) : الخلفاء اثنا عشر ، كلّهم من قريش ، فقد روى مسلم بسنده عن جابر بن سمرة أنّه سمع النبيّ يقول : (لا يزال الدّين قائما حتّى تقوم الساعة ، أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش) «23» .
كما إن هناك مناقشة في صغرى تلك الدعاوي إذ لا تشترط الشيعة في صلاة المغرب اشتباك النجوم وإنّما اجماعهم أنّها بعد غروب الشمس مباشرة مع الاحتياط في ذهاب الحمرة المشرقية ، أمّا الجهاد فحكمه قائم في كل وقت بشروطه «24» .