اليمن_تاريخ_وثقافة
10.5K subscribers
141K photos
348 videos
2.17K files
24.5K links
#اليمن_تاريخ_وثقافة ننشر ملخصات عن تاريخ وثقافة اليمن الواحد الموحد @taye5
@mao777 للتواصل
Download Telegram
مدرسة اليمن الطبية المفقودة قبل الإسلام-
2
إشارات عن طب في اليمن

لدينا لمحات خاطفة في التراث الإسلامي عن وجود طب مهم في اليمن، خاصة في مناطق تواجد المسيحيين مثل نجران. وقد كان لهؤلاء النصارى في نجران جدال مع الرسول في بدايات دعوته، وكانوا يسخرون منه ويطرحون الأسئلة التعجيزية للتشويش على دعوته المنافسة لدعوتهم التبشيرية، حتى أن المفسرين يعللون نزول عدد لا بأس به من الآيات القرآنية المحورية التي تحدد علاقة الإسلام بالمسيحية إلى هذه الجدالات. ويبدو أن الجدل كان محتداً واستشعر الرسول خطورته، فكانت نجران وقتال أهلها من أول وجهات سرايا المسلمين.

إشارة في المرويات

نبدأ استعراض تلك الإشارات بما أورده ابن أبي شيبة في مصنفه من أن الرسول كان يوصي باستخدام القُسط الهندي Costus للعلاج: »إن أمثل ما تداويتم به الحجامة والقسط الهندي لصبيانكم«([i]) ونبات القسط الهندي هذا كان يصل إلى العرب عبر ظفار في اليمن، كما يقول ابن حجر العسقلاني(1372 – 1449).([ii]) وفي المرويات الإسلامية أيضاً إشارة إلى وجود أطباء يمنيين في الحجاز،  في قصة الصحابي “مُعَيْقيب الدَّوْسِي” أصيب بمرض الجُذام، ونلاحظ أن المريض هنا دوسي من اليمن، فكان عمر بن الخطاب «يطلب له الطب من كل من سمع له بطب حتى قدم عليه رجلان من أهل اليمن فقال: هل عندكما من طب لهذا الرجل الصالح؟»([iii]) فتجاوبا معه حسب تفاصيل الرواية. ومرض الجذام وارد في نقوش المسند اليمنية التي وصلتنا، حيث وُصِف المصاب بالجذام بأنه (تجدمم) 𐩩𐩴𐩵𐩣𐩣.([iv]) وكانوا يعالجونه باستخدام ثمار نخيل البلح وجذور اللوعية وشحم الحنظل ونقع ورق الحِناء.([v]) وإن كانت هذه الرواية لا تحدد اسم أو قبيلة هؤلاء الرجُلين، إلا أن كتب التاريخ والسيرة قد وفرت لنا عدداً من أسماء أطباء الجاهلية، الذين سنجد مع التحقيق، أن معظمهم يمنيون.

إشارة عند ابن هشام

يذكر ابن هشام (ت: 833) أن عمرو بن تبان أخو الملك اليمني (حسان بن تبان) أصابه مرض »فلما نزل عمرو بن تبان اليمن مُنِع منه النوم، وسُلِّط عليه السهر، فلما جهده ذلك سأل الأطباء والحُزاة من الكهّان والعرافين عما به«([vi]) وجاءت الإشارة إلى هذا الحدث في كتاب متأخر من التراث الشيعي هو فرج المهموم الذي يذكر «أن تُــبّعاً يمانياً ابتلى بجسده فقال لمنجميه: انظروا«

إشارة عند ابن أبي شيبة

لدينا إشارة خاطفة تذكر وجود أطباء في اليمن أوردها ان أبي شيبة (775م – 849م) في مصنفه خلال مقولة لأحد التابعين، وهو التابعي الزاهد (الربيع بن قثيم) المتوفي عام 682م وكان مريضاً في أحد الأيام فقيل له: ألا ندعو لك الطبيب؟ فتذكر هذا الزاهد الآية الثامنة والثلاثين من سورة الفرقان: ﴿وَعَاداً وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيراً﴾ وتفكّر في حرص هؤلاء الأقوام على الدنيا ورغبتهم فيها، وقال: «كانت فيهم مرضى، وكان فيهم أطباء، فلا الدَّاوِي بقي ولا المُدَاوَى»([vii]) ومعلوم أن الأقوام المذكورون في الآية كلهم في اليمن على أرجح الأقوال.

إشارة عند السيرافي

هناك إشارة ذكرها السيرافي الذي عاش في مطلع القرن العاشر الميلادي، في كتاب جمع فيه مشاهدات رحالة عُماني اسمه “النّضر بن ميمون” عاش بالبصرة في حدود القرنين الثامن والتاسع الميلاديين، قال فيه: »وفي البحر جزيرة تُعرف بسقوطرا وبها منابت الصَّبِر الاسقوطريّ، وموقعها قريب من بلاد الزنج وبلاد العرب، وأكثر أهلها نصارى«([viii])

وفسّر السيرافي غلبة النصرانية في جزيرة سقطرى بأن الفيلسوف اليوناني أرسطو عندما عرف أن الإسكندر انتصر على الفرس »كتب إليه يؤكد عليه في طلب جزيرة في البحر تعرف بسقوطرا، وإنّ بها منابت الصّبر وهو الدّواء الأعظم الذي لا تتم الايارجات ]المسهّلات[ إلّا به، وأن الصواب أن يخرج من كان في هذه الجزيرة، ويقيم فيها من اليونانيين من يحوطها ليحمل منها الصَبِر إلى الشام والروم ومصر« وعندما ظهرت النصرانية في الروم تبعهم أهل هذه الجزيرة.

بغض النظر عن صحة هذه الرواية، وهل كان أرسطو يعرف سقطرى وأهميتها أم لا، فيكفينا مغزى الرواية الذي يبيّن الأهمية الطبية التي كانت لجزيرة سقطرى، إلى حد حرص أرسطو عليها و طلبه توطين الشعب اليوناني فيها.

إشارة عند ابن جُلجُل

ونجد عند المؤرخ ابن جلجل في كتابه “طبقات الأطباء” الذي كتبه في عام 377 للهجرة، إشارة لوجود ما يشبه “مدرسة” للطب في اليمن يقصدها العرب للتعلم. وذلك في معرض حديثه  عن طبيب العرب الحارث ابن كلدة الثقفي، فقال: »كان قد تعلم الطب بناحية فارس واليمن، وتمرّن هنالك، وعرف الدواء، وكان يضرب بالعود، وتعلم ذلك أيضاً بفارس واليمن«([ix]) ويستنتج د.
خالد الحديدي أن الحارث بن كلدة لم يذهب إلى فارس إلا «بعد أن عاد من اليمن وهو في القمة وقد اكتملت نظريته كما نستنتج من حواره مع كسرى» خاصة وأنه عاد من اليمن كبيراً في السن وقابل كسرى ودار بينهما حوار طويل وثقته كتب التاريخ([x]) وضمّن هذا الحوار كتاباً سمّاه “المحاورة في الطب”([xi]) ولم يصلنا.

إشارة عند وهب بن مُنبه

ولدينا إشارة مهمة* للتابعي اليمني وهب بن منبه (655 – 738) نستفيد منها احتمال علم اليمنيين بالطب على الطريقة اليونانية في تقسيم الطبائع الأربعة، حيث قال «زعمت الفلاسفة أن الله خلق الإنسان على خلق الأربعة الأزمنة على أربع طبائع» ثم يمضي في تفصيل طبي لهذه الطبائع([xii]) وفي رواية متأخرة لهذا الأثر: «أنه وَجد في التّوراة: إنّي حين خلقت آدم ركّبت جسده من أربعة أشياء ثم جعلتها وراثة في ولده تنمي في أجسادهم وينمون عليها إلى يوم القيامة: رطب ويابس وسخن وبارد»([xiii])

وما يدعونا أكثر للتوقف عند هذه الإشارة هو واقع الفترة الزمنية التي عاشها وهب بن منبه، فقد وُلِد بعد وفاة الرسول بحوالي عشرين عاماً فقط، وتوفي بصنعاء مطلع المئة الثانية للهجرة([xiv])، أي قبل انتشار مصطلح الفلسفة بين المسلمين، حتى أن استخدامه لكلمة “فلسفة” في الفقرة السابقة هي أول مرة تظهر فيها هذه الكلمة في التراث الإسلامي كله، إذا ما استثنينا كتاب كليلة ودمنة باعتباره كتاباً مترجماً.

وبذلك نختلف مع ما ذهب إليه د. خالد الحديدي من أن مدرسة اليمن الطبية -التي كان سبّاقاً بالانتباه لوجودها المحتمل- أنها تختلف تماماً عما هو معروف في أيامها وأنها لم تقل بنظرية الأخلاط اليونانية ولا تمارسها([xv]). على العكس، لأننا نرى وهب بن منبه هنا متحدثاً عن هذه النظرية، بالإضافة لما قاله المؤرخ القفطي عن مدرسة جنديسابور أنهم »يفضلون علاجهم وطريقتهم على اليونانيين والهند«([xvi])

إشارة عند عبد القاهر البغدادي

وهناك إشارة إلى وجود فلسفة يمنية في حميَر عند عبد القاهر البغدادي (980 – 1037) ، عند حديثه عن طباع الحيوانات، حيث قال:

»وقد ذكرته الأطباء والفلاسفة في كتبهم وصنف أرسطا طاليس في طبائع الحيوان كتاباً، وما ذكرت الفلاسفة من هذا النوع شيئا إلا مسروقا من حكماء العرب الذين كانوا قبل زمان الفلاسفة من العرب القحطانية والجرهمية والطسمية وسائر الأصناف الحميَـريّـة«([xvii])

إشارة عند ابن أبي أصيبعة

ويذكر ابن أبي أصيبعة (1203 – 1270) في كتاب “عيون الأنباء” أن القدماء يقولون إن العلوم الطبية استخرجها سحرة الكلدانيين، «وبعضهم يقول إن المستخرج لها السحرة من أهل اليمن.»([xviii]) وهي بالطبع رواية أسطورية، ولكن الشاهد الذي يهمّنا فيها هو وجود طب يمني بلغت أهميته أن يُنسب له نشوء علم الطب في العالم!

أطباء الجاهلية العرب

لم تقتصر المصادر على الإشارة إلى وجود نوع من الطب في اليمن وحسب، بل إنها -ولحسن الحظ- حفظت لنا أسماء عدد منهم، جاء ذكرهم عرضياً في سياق المواضيع المختلفة التي ينشغل بها التراث الإسلامي، وسنحاول هنا حصر جميع أطباء الجاهلية هؤلاء، وهم أثنا عشر متطبباً، نستعرض أصولهم حسب نسبهم ومكان استقرارهم وما وصلنا عن الدين الذي اعتنقوه.

اليمنيون

1- زُهير بن جَنَاب الحميري، وهو فارس وطبيب وكاهن من قبيلة قضاعة اليمنية، يُعد من المعمّرين([xix]) ولم يصلنا خبر عن دينه، إلا أن المؤرخ جواد علي يميل إلى أنه تحالف مع أبرهة فربما كان مسيحياً، خاصة أن قبيلة قضاعة التي ينتمي لها زُهير قد تنصّر بعضها([xx]).

2- ضِماد بن ثعلبة الأزدي ([xxi]) ، ولعل ضِماد كان لقباً له، ويمكن دعم تاريخية وجوده بتاريخية مفردة “ضماد” في اليمن حيث وردت في نقش سبئي (CIH 315) 𐩳𐩣𐩵  ضمد بمعنى هدنة وكذلك في النقش (فقعس 17)([xxii]). ويبدو أن عددا من الأطباء تم تلقيبهم بأسماء توحي بممارستهم للطب مثل رفيدة الأسلمية، وشفاء بنت عبد الله، اللتين لا تخفى دلالة الرفادة والشفاء في اسميهما، وكذلك حُذيم الذي سمّي حذيماً بمعنى حاذق، لحذقه في الطب. وبالعودة إلى ضماد فقد كان صديقاً للرسول في الجاهلية، قدم إلى مكة، فسمع كفار قريش، يقولون: محمد مجنون. فقال: لو أتيت هذا الرجل فداويته، فجاءه فقال: يا محمد إني أداوي من الريح فإن شئت داويتك لعل الله ينفعك([xxiii]).

3- ابن حذيم: وكلمة حذيم تعني الحاذق، ربما لحذقه في الطب، وهو رجل مِن بني تيِّم الرباب (وقبائل تيم كانت في اليمن، ناحية تهامة) كان معروفًا بالحذق في الطب، مضربًا للمثل فيقال: أطب من حذيم.([xxiv]) ويُقال إنه كان أعلم بالطب من الحارث بن كلدة([xxv])، واسم حذيم ورد منقوشاً على خاتم من العقيق بصيغة “حذمم” (النقش: RES 3492) وكذلك ورد اسم “حذمة” 𐩠𐩵𐩣𐩩 غالباً كاسم أنثى في النقش (Mift 00/33).
([xvii]) عبدالقاهر البغدادي، الفرق بين الفرق، ص295.

([xviii]) عيون الأنباء في طبقات الأطباء، ص12.

([xix]) السجستاني، المعمرون والوصايا، ص10.

([xx]) جواد علي، المفصل 8/ 19، 84؛ والأصل عن ابن الأثير في “الكامل في التاريخ” 1/ 455.

([xxi]) ابن الأثير، أسد الغابة، (دار الكتب العلمية، ط1، 1994) 3/ 56 ؛ محمد حسين الفرح، يمانيون في موكب الرسول (إصدارات وزارة الثقافة اليمنية) 1/ 34.

([xxii]) مطهر الإرياني، المعجم اليمني في اللغة والتراث، ص576، والمعجم السبئي ص41.

([xxiii]) دلائل النبوة للبيهقي، المقدمة: ص 35.

([xxiv]) أبو الفضل الميداني، مجمع الأمثال، 1/ 441 ؛ المستقصى للزمخشري 1/ 220.

([xxv]) مجمع الأمثال، 1/ 441.

([xxvi]) ابن حجر، الإصابة في تمييز الصاحبة، 3/ 289.

([xxvii]) تاريخ الطبري، 4/ 193.

([xxviii]) الرسالة الحمدونية، 3/ 341.

([xxix]) جواد علي، المفصل، 11/ 417.

([xxx]) بلوغ الإرب: شق بن أنمار.

([xxxi]) ابن جلجل، طبقات الأطباء، ص54.

([xxxii]) الكلبي، نسب معد واليمن الكبير، 2/ 477.

([xxxiii]) المعمرون والوصايا، ص1.

([xxxiv]) الجاحظ، الحيوان، 4/ 441. أشكر الصديق “طارق عزام” على هذا الإضافة الذكية.

([xxxv]) جواد علي، المفصل، 12/ 349.

([xxxvi]) جواد علي، المفصل، 12/ 197.

([xxxvii]) الحيوان، 7/ 436.

([xxxviii]) عيون الأنباء في طبقات الأطباء، ص170.

([xxxix]) مسند أحمد: 7118.

([xl]) الرسالة الحمدونية، 3/ 341.

([xli]) الإصابة في تمييز الصحابة، 5/ 87.

([xlii]) أنساب الأشراف للبلاذري، 12/ 390.

([xliii]) العقد الفريد، 7/ 111.

([xliv]) الحيوان، 12/ 390.

([xlv]) ابن جلجل، طبقات الأطباء، ص54.

([xlvi]) لويس شيخو، النصرانية وآدابها، ص 168.

([xlvii])النصرانية وآدابها، ص 28.
4- الشّمردل بن قباث الكعبي النجراني، وكان في وفد نجران بني الحارث بن كعب ودليلنا الوحيد عن كونه طبيباً هو عبارته التي وجهها للرسول قائلاً: «كنت كاهن قومي في الجاهليّة، وإني كنت أتطبّب»([xxvi]).

5- طبيب يُسمّى في بعض المصادر “الحارث بن كعب” ويوصف أحياناً أخرى بأنه طبيب من بني الحارث بن كعب دون تحديد اسمه، وهو الذي حضر وفاة عمر بن الخطاب([xxvii]) وبنو الحارث بن كعب هم بطن من مَذْحِج، سكنوا في منطقة نجران وكلّهم نصارى([xxviii]) بل هم رؤساء نصارى نجران.([xxix]

6- الكاهن الشهير 
شق بن أنمار([xxx]) 
وكان في قبيلة أنمار اليمنية عدد من الأطباء كما يذكر ابن جلجل([xxxi]). مارس “شق” الطب مع أن شُهرته تأتي من كونه كاهناً لا طبيباً، ربما كان ذلك للترادف بين الممارستَين فلم يتم التفصيل، ودائماً يقترن اسم شق مع الكاهن اليمني سطيح، وهو سطيح بن ربيع بن الأزد ([xxxii]) لم يردنا خبر عن ممارسته الطب، غالباً لأنه لم يكن شخصية حقيقية، فوصف سطيح في كتب التراث أنه كائن بلا عظم في جسده سوى الجمجمة، وأنه مفروش على الأرض دائماً وإذا أراد الانتقال يتم طيّه مثل السجّادة من قدميه حتى رقبته، هو وصف أسطوري يرجحّ أنه كان مجرد دمية ورقية من الدمى التي كان يستخدمها الكّهان وينسبون لها الكلام أو يحتالون على الناس بالكلام بصوتها ! والحيرة التي أظهرها السجستاني عندما تحدث عن أصل سطيح تؤكد هذا التفسير: «ولا ندري ممن هو» ([xxxiii]) وهناك شاهد تاريخي لاستخدام الكهّان العرب هذه الخدع، ذكره الجاحظ عن “مسيلمة الكذاب” أنه كان يصنع جسماً طائراً من الورق ليوهم الناس أنه ملاك طائر في السماء.([xxxiv])

 
غير اليمنيين

أما الأطباء الجاهلين غير اليمنيين فهم قِلّة، ولم يردنا منهم سوى أربعة أطباء، هم:

1- رباح أو رياح بن عجلة أو كحلة، وهو عرّاف اليمامة([xxxv])، وقد وجدت النصرانية سبيلا بين قرى وقبائل اليمامة([xxxvi])

2- الأبلق السعدي: وهو عرّاف نجد، وقال فيهما عروة بن حزام: ([xxxvii])

جعلت لعراف اليمامة حكمه              وعراف نجد إن هما شفّياني.

3- ابْن أبي رمثة التَّمِيمِي، كان طبيبًا على عهد الرسول مزاولاً لأعمال اليد وصناعة الجِراح([xxxviii])، وكان من عائلة لها علم بالطب؛ حيث ورد في حديث طويل قوله للرسول «إنني رجل طبيب، وإن أبي كان طبيبًا، وإنّا أهل بيت طبّ، والله ما يخْفَي علينا من الجَسَد عرْقٌ ولا عَظْم» ([xxxix]) ولا ندري هل قوله “إنّا أهل طبٍّ” يقصد به أسرته القريبة، أم حكمٌ على قبيلة تميم عامةً. وهناك إشارة إلى شيوع النصرانية بين قبيلة تميم في وصية الحارث بن كعب حيث قال فيها «ولا بقي على دين عيسى ابن مريم أحد من العرب غيري وغير تميم بن مر»([xl]) (وقبائل تميم تواجد بعضها في اليمن).
4- من بني تميم أيضاً الشاعر المخضرم (عاش في الجاهلية والإسلام) عبدة بن الطبيب التميمي([xli])، قيل إنه حبشي.([xlii]) ما يرجح كونه نصرانيا. ولم يصلنا شيء عن ممارسته الطب، لكن هناك أبيات يصف نفسه فيها بأنه طبيب. ومنها:

فإن تسألوني بالنساء فإنني               عليم بأدواء النساء طبيب([xliii])

وقال:

كَفَفْت الأذى عنا بعضب مهند           وإني لجهل الجاهلين طبيب([xliv])

فهؤلاء عشرة بالإضافة إلى الأب الحارث بن كلدة الذي درس في اليمن([xlv]) وابنه النضر بن الحارث. ومجموعهم بذلك اثنا عشر طبيباً جاهلياً. وقد ذَكر لويس شيخو أن الحارث بن كلدة كان نصرانياً نسطوري.([xlvi]) . ومن الجدير بالذكر أن أهالي بعض المناطق اليمنية مثل تهامة وظفار ما يزالون يستخدمون العلاج بالكيّ على شكل صليب ويسمونه ضربة الصليب أو (صوب شقف) باللغة الظفارية القديمة اعتقاداً بجدوى هذه الطريقة في العلاج. كما يذكر لويس شيخو عادات مشابهة بين أهل البحرين باقية إلى عصرنا الحاضر. ([xlvii])

.محمد عطبوش، باحث يمني شاب، مهتم بالفكر الإسلامي
 

المراجع

([i]) مصنف ابن أبي شيبة: 23677

 ([ii])ظفار مدينة معروفة بسواحل اليمن يُجلَب إليها القسط الهندي (فتح الباري لابن حجر: 1/ 414).

([iii]) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 4/ 88.

([iv]) المعجم السبئي، ص49 GDM. ورمز النقش: CIH 126، السطر الرابع.

([v]) عارف أحمد المخلافي، الطب في اليمن القديم، ص120، 121.

([vi]) سيرة ابن هشام، 1/ 29.

([vii]) مصنف ابن أبي شيبة، 5/32.

([viii]) أبو زيد السيرافي، رحلة السيرافي (أبو ظبي: المجمع الثقافي، 1999) ص87.

([ix]) ابن جلجل، طبقات الأطباء، ص54.

([x]) خالد الحديدي، لابد من صنعاء، ص، 51، 52.

([xi]) عيون الأنباء في طبقات الأطباء، ص167.

* يعود فضل التنبيه إليها للدكتور نزار غانم

([xii]) التيجان في ملوك حمير، ص11، 12.

([xiii]) ابن قتيبة، عيون الأخبار، 2/ 73 ؛ العقد الفريد 7/ 256 ؛ التيجان في ملوك حمير، ص11، 12.

([xiv]) جواد علي، المفصل، 1/ 84.

([xv]) خالد الحديدي، لابد من صنعاء، ص56.

([xvi]) القفطي، إخبار العلماء، ص106.
مدرسة اليمن الطبية المفقودة قبل الإسلام-
3
دلالات النقوش والأساطير واللغة

 

قمنا في الجزء السابق من هذه السلسلة بتتبع شخصيات أطباء الجاهلية الذين حفظتهم لنا كتب الإخباريين العرب، ولاحظنا كيف أن معظمهم كانوا يمنيين معتنقين للنصرانية، وهم على نحو سريع:

الحارث بن كلدة الثقفي (درس في اليمن) نصراني.

النضر بن الحارث (غالباً نصراني على دين والده الحارث).

زُهير بن جَنَاب (يمني) من قضاعة الذين تنصّر بعضهم.

ضِماد بن ثعلبة الأزدي (يمني) لا نعرف دينه

ابن حذيم (يمني) لا نعرف دينه.

الشّمردل النجراني (كاهن) قومه كلهم نصارى.

الحارث بن كعب (يمني) قومه كلهم نصارى.

شق بن أنمار (كاهن اليمن) لا نعرف دينه.

رباح بن عجلة (كاهن اليمامة) لا نعرف دينه.

الأبلق السعدي (كاهن نجد) لا نعرف دينه.

ابن أبي رمثة التميمي. من تميم الذين تنصّر بعضهم.

يزيد بن عمرو بن وعلة التميمي (عبدة الطبيب) يُحتمل أنه نصراني.

ويمكن ملاحظة أن عدداً من هؤلاء الأطباء كانوا كُهّاناً في نفس الوقت، مثل شقّ، والشمردل، ورباح بن عجلة، والأبلق السعدي، وحتى النضر بن الحارث وإن لم يكن كاهناً فقد خالط الكهنة([1]) ومعظم الكهّان العرب الذي يذكرهم الإخباريون هم يمنيون، فربما كان فيهم أطباء وطبيبات لم تذكرهم المصادر إلا ككهان، لأن العرب «منهم من كان يدعو الطبيب كاهناً وربما دعوه أيضاً عرافاً»([2]) . والمؤسف أن الآثار المادية لا تسفعنا للإستمرار في البحث حول وجود هؤلاء الأطباء، وهي بالكاد تزودنا بأدلة أو قرائن تفيد وجود علاقة بين نصارى العرب والرموز الطبية الأسطورية.

لعل أبرزها هو ما نشاهده في الصورة، وهو تمثال جداري عثر عليه في حائط داخلي لمعبد في يريم-ريدان عاصمة الحميريين، ويعود إلى الفترة ما بين 450–525م، مكتوب أعلى جانبي رأس صاحبه ود أب ( ود أب ) وهي التعويذة اليمنية الشهيرة وتعني: (“ود” الإله المٌحب). كما نلاحظ وجود وردة مرسومة على ملابس الرجل تشبه الصليب، واليد اليمنى تحمل عصا أعلاها شكل الصليب، اكتشف هذه التحفة الدكتور Paul Yule من جامعة هايدلبرغ، في مدينة ظفار، عام 2005، وبنى عليها أن المسيحية امتدت خلف نجران إلى مراكز مدنية أعمق في اليمن([3]). ويبدو للوهلة الأولى أنه من المحيّر أن يجتمع الصليب المسيحي مع تعويذة وثنية تخص الإله ود في قطعة أثرية واحدة، وأتصور أن السبب في ذلك يعود إلى تجليات الإله ود عند اليمنيين.

جاءت تسمية الإله “ود” من المودة والحب، ويُرمز له بشكل ثعبان غالباً. وتشير النقوش إلى أن المعينيين ينقشون عبارة “ودم أبم” أي “ود الأب” بشكل خاص على التعاويذ التي يحملها بعضهم لغرض الحماية، وبنفس الطريقة والغرض كانت تُنقش صور الثعابين.([4]) إذن فقد وجد المسيحيون في الإله ود صورة محلية للإله المسيحي، لأن الله في المسيحية محبة (وَمَنْ لاَ يُحِبُّ لَمْ يَعْرِفِ اللهَ، لأَنَّ اللهَ مَحَبَّةٌ – رسالة يوحِنا الأولى)، فيبدو أن نصارى العرب قد جعلوا من الإله “ود” المشتق من المودة والحب، رمزاً للرب المُحِب، وبذلك رأيناه في تمثال ظفار. ويتأكد هذا الافتراض حقيقة أن سدنة الصنم “ود” كانوا هم بنو الفرافصة بن الأحوص، من قبيلة كلب([5]) وهؤلاء كانوا نصارى([6]) كما لعبت الأفعى Serpent دوراً هاماً في الكتاب المقدس، وأساطير المنطقة عموماً كرمز للخصوبة والحياة والشفاء، ونراها اليوم رمزاً للطب لا يخلو منه أي مشفىً أو صيدلية، ويبدو أن تبجيل الأفعى بين نصارى نجران قد بلغ مبلغا أن جعلوه لقباً لملوكهم، كما يقول المؤرخون المسلمون: «وكان كل من ملك منهم يُلقَّب “الأفعى”. ومنهم “أفعى نجران” وكان كاهنًا»([7])

 ويعود اختيار الأفعى رمزاً للحماية والصحة عند القدماء إلى واقع ملاحظتهم لعملية انسلاخ الجلد الدورية التي تقوم بها الثعابين، فظنوا أنها تجدد حياتها بذلك، وبالتالي تعيش للأبد، ولا تموت إلا جرّاء حادث عرضي،([8]) وحكى الجاحظ هذا الاعتقاد فقال: «ويزعمون أنّ الحيّة لا تموت حتف أنفها، وإنّما تموت بعرض يعرض لها»([9]) ولذلك سموها: حيّة، وربما اشتقوا منها اسم حواء كما يذهب الدكتور محمد عجينة. ([10])

لدينا إذن مجموعة رمزيات متجاورة هي صليب المسيحيين، الذين وضحنا علاقتهم بالطب، ورمزية الحماية والثعبان، الذي بدوره يدفعنا إلى السؤال عن رمزية الثعبان في العالم القديم، وسرعان ما نجد الإجابة في مصر، في آلهة الحماية “وَدچيت” راعية وحامية مصر، التي يُرمز لها بصورة ثعبان، لاسيّما مع عثورنا على مومياوات محنطة في اليمن تعود أقدمها إلى الألف الثالث قبل الميلاد.

يبدو أن اليمنيين القدماء قد نهلوا من المعارف الطبية المتطورة في مصر، فقد عُثـِر في منطقة الجيزة بمصر على تابوت خشبي، يعود إلى حوالي 264 قبل الميلاد، لرجل يمني يُدعى “زيد إل زيد” وكان يستورد الطيب للمعابد المصرية([11]).
وهناك بعض الآثار المصرية عثر عليها المنقبون في اليمن، إحداها يدور حول ثعبان، عبارة عن لوحة صغيرة من حجر تصوّر رجلا واقفا ويتقدمه ثعبان كوبرا، يرجع تاريخه إلى القرن الخامس قبل الميلاد.([12]) كما عثر في جبل العود على تمثال برونزي لأبو الهول يعود إلى الفترة بين القرنين الثاني والثالث قبل الميلاد.

أما اليونان فقد عرفوا الأفعى وَدجيت باسم بوتو، ولليونان بدورهم علاقات مع اليمن، حيث عثر على مذبح يمني أسطواني في جزيرة ديلوس اليونانية يُقدر تاريخه بالنصف الأخير من القرن الثاني قبل الميلاد، وفيه ذِكر صريح للإله “ود”، كما عُثر في نفس الجزيرة على نقش آخر لتاجر حضرمي يدعى “غلمب”.([13]) فلا عجب أن تصل فكرة الطبائع الأربعة اليونانية إلى اليمن.


دليل لُغوي

أطلق العرب قبل الإسلام على الطبيب تسمية “آسي”([14]) ويعود أقدم ذكر لهذه المفردة حسب معجم الدوحة، إلى قول سُبيع بن الحارث الحِمْيريّ الذي عاش في 538م: »إِنَّ عَدَاوَةَ بَنِي العَلَّات، لَا تُبْرِئُهَا الأُسَاة، وَلَا تَشْفِيهَا الرُّقَاة«([15])

أما ثاني أقدم ذكر لهذه المفردة ففي قول الشاعر اليمني “المُـرَقِّش الأكبر” في حوالي 549م:

»شُعْثٌ مَقَادِمُنَا، نُهْبَى مَرَاجِلُنَا          نَأْسُو بِأَمْوَالِنَا آثَارَ أَيْدِينَا«([16])

كما وردت في بيت شعري للشاعر “الحطيئة” الذي عاصر ظهور الإسلام:

هُمُ الآسُونَ أُمَّ الرَّأْسِ لَمَّا          تَوَاكَلَهَا الأَطِبَّةُ وَالإِسَاءُ([17])

نلاحظ أن المقولة الأولى وصاحبها هو سُبيع بن الحارث الحِمْيريّ، عاش قبل حوالي قرن من الهجرة، أي قبل أن تضمحل لغة أهل اليمن. وكذلك بيت المرقش الأكبر، لاسيّما أن ابن قتيبة الدينوري قال إن المرقش »كان يكتب بالحميريّة«([18]) وبالعودة للنقوش “الحميرية”، فإننا بالفعل نجد كلمة “آسي” واردة في عدة نقوش أهمها نقش “حصن الغراب” (CIH 621) العائد إلى 525 للميلاد، بصيغة “سيو” سيو بمعنى وجدوا أو شاهدوا. وكذلك نجدها في النقش ja651))، بمعنى وجد أو رأى([19])، وكلمة “أسى” ماتزال مستخدمة في بعض المناطق اليمنية، ومنها المثل الشعبي: (مَن جاء أسَيْناه، ومَن جَزَع نسيناه)([20]). ومن المعاني الاشتقاقية لمادة “أسى” في النقوش اليمنية: أوجد، أحضر وجلب، أرسل وبعث([21])، أو رسول أو مبعوث، وكلها معاني تحمل في باطنها دلالة مفهوم الكاهن، فالكاهن هو مُوجِد أو مُحضِر الغيب أو المعرفة الإلهية وهو رسول أو مبعوث الآلهة، ويبدو أن هذا التداخل الدلالي يعود إلى التداخل بين دور الرائي الناظر في الغيب أو الكاهن، مع دور الطبيب.

أما اللغويون العرب فيشرحون اشتقاق كلمة الآسي من الأسى والحزن، بمعنى أن الطبيب هو الذي يواسي المريض من عِلّته، ويذكرون أن أهل البادية يسمون الخاتنة الآسية([22]) وفي نفس السياق يشيرون دون تعليق إلى زوجة فرعون مِصر “آسية” حسبما تسميها كتب التفسير والحديث، رغم أن اسمها غير وارد في القرآن، وربما سمّوها آسية بمعنى المعتنية بفرعون. وتخمين الاشتقاق العربي لكل مفردة سواء كانت عربية أو أعجمية هي عادة في اللغويين العرب، لا يمكننا التعويل عليها كثيراً، خاصة أن كلمة “آسي” وردت في النقوش القديمة.

ورد الفعل “أسي” في نقش ثمودي شمال السعودية، بمعنى “عالج، داوى[23]  كما وُجدت كلمة آسي في نقش نبطي عثر عليه في مدينة الحِجْر بصيغة “اسيا” بمعنى الطبيب، كاسم مفرد مذكّر مُعرّف، ويرى كوفمان Kaufman أنها كلمة مستعارة من الأكادية([24]) حيث أن كلمة “أسو” في السومرية تعني طبيب أو رئيس الأطباء([25]) أما في مصر القديمة فنجد أن الكلمة التي تصف الطبيب هي “سِونِو” swnw  𓌕𓏌𓅱𓀀 ومؤنثها swnwt التي كشفت عنها دراسة الدكتور يونكير Frans Jonckheere في كتاب نُشر بعد وفاته عام 1958 ولوحظ اقترانها بالكهانة والسحر([26]).ويعتقد بعض الباحثين أنها كانت تُنطق “سينو” قياساً على كلمة طبيب باللغة القبطية Ⲥⲏⲓⲛⲓ (Sæini) ([27]). وكتاب يونكير المذكور آنفاً جمع فيه قائمة بأسماء عشرات الأطباء المصريين، اثنان منهم تنتهي أسماؤهم بكلمة “آس” هما الطبيب (نخت حج آس) وطبيب الأسنان (نفرارت آس)([28]) وأطباء مصر »امتدت شهرتهم إلى البلاد المجاورة.«([29])

الجدير بالذكر أن الإلهة الرئيسية في مصر (أسيت أو إيسيت) والتي سماها اليونان إيزيس وُصفت في النصوص المصرية القديمة بأنها “سونو” أي طبيبة([30]) وفي الأساطير المصرية أنها علّمت الرجال فن شفاء الأمراض([31]). ومن السهل الربط بين اسمها (ايسيت) واسم (آسية). خاصة إذا علمنا أن ايسيت كانت زوجة الإله أوزير، مثلما أن آسية كانت زوجة فرعون، بل إن الأساطير التي تحكي عثور ايسيت على تابوت في الماء فيه طفل، أحبته وأعتنت به([32]).
وفيها تشابه لا يمكن اغفاله مع قصة عثور آسية على التابوت الذي فيه موسى الطفل، وألقيَت عليها محبته فاعتنت به حتى صار كبيراً، مع بعض الاختلافات في تفاصيل القصة بين ما جاء في سفر الخروج الثاني من الكتاب المقدس أو سورة طه في القرآن الكريم([33]). فإذا ثبتت أصول مصرية للتسمية العربية للطبيب (آسي) من تسمية الإلهة المصرية الشافية (ايسيت)، يكون لدينا دليل إضافي على وصول الطب المصري وتبعاته الأسطورية إلى جزيرة العرب.

وتلخيصاً لما تفرق في أجزاء السلسلة هذه، فإن ممارسة الطب في اليمن القديم لم تنقطع في عصره الكلاسيكي، ولكنها انتكست إلى مستوى الشعوذة، حتى دخلت النصرانية إلى اليمن وارتقت به مرة أخرى، فأصبحت حواضر النصارى في اليمن مركزاً لتعليمه، إلا أن ظهور الإسلام حال دون تطوير هذا الطب، وذلك بسبب محاربة الإسلام للكهانة والشعوذة التي لم يتطهر الطب منها حينئذ، بالإضافة إلى لنزاع الديني بين الإسلام والمسيحية، الذي تسبب أيضاً في عزوف المسلمين عن تعلّم الطب لفترة طويلة لم تنته إلا في العصر العباسي.([34])
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
ما هي اللغات السائدة في اليمن قبل الإسلام ؟


تعددت اللهجات أو حتى اللغات التي كانت سائدة في بلاد اليمن في حقبة ما قبل الإسلام، ولكنها بشكل عام كانت متقاربة من بعضها البعض، وقد أكدت الدراسات المتخصصة أن اللغة اليمنية التي كانت منتشرة قبل ظهور الدين الإسلامي الحنيف هي إحدى أقدم اللغات السامية، وبأنها وصلت إلينا عبر عدد كبير من النقوش التي قاربت عشرة آلاف نقش مكتشف حتى وقتنا الراهن.

تقسيم نقوش اللغة اليمنية:-

النقوش الحجرية : وهي الرسومات المتواجدة على الصخور والنقوش الدينية الظاهرة على جدران الهياكل والمذابح والنقوش الموجودة على الأبنية والنقوش التي تظهر القوانين واللوائح التنظيمية، بالإضافة إلى بعض النقوش التي تروي الأحداث التاريخية أو تلك التي تتحدث عن العقوبات.

النقوش التي وجدت في حضرموت حصراً وقد نُقِشت على اسطوانات خشبية.

النصوص الأدبية التي فُقد معظمها ولم يُكتشف منها إلا القليل.

النقوش الموجودة على النقود المسكوكة.

بعض النقوش الخاصة وغيرها من النقوش المتعلقة بالعقود والمعاملات التجارية

ظهرت معظم هذه النقوش في اليمن، كما برز بعضها في مناطق بلاد كنعان الشمالية وبعض الأجزاء في شمال الحجاز.

ما هي اللغة اليمنية القديمة؟

أطلق المختصون على اللغة اليمنية القديمة اسم “العربية الجنوبية القديمة” أو اللغة “الصيهدية”، وهي مجموعة من اللغات أو اللهجات المنقرضة التي كانت مستخدمة في المناطق الجنوبية من شبه الجزيرة، وتختلف هذه اللهجات بدرجة كبيرة عن اللغة العربية سواء من حيث القواعد والأساليب أو بالدلالة ومظاهر الصوت.

تنقسم اللغة الجنوبية القديمة الى أربع لهجات هي السبئية والحضرمية والمعينية والقتبانية، وتعود آخر النصوص المكتشفة لهذه اللغات إلى ما قبل ظهور الدعوة الإسلامية بستين عاماً تقريباً.

إن اللهجات التي كانت سائدة في اليمن قبل الاسلام اعتمدت على خط المسند، الذي نُقِش بكثرة في القصور وعلى الحجارة (كما ذكرنا سابقاً) ، وهناك صور عديدة تظهر استخداماته.

تتضمن أبجدية اللغة العربية الجنوبية (المسند) 28 – 29 حرفاً، حيث تكتب حروفهاً في معظم الأحيان من اليمين إلى الشمال وإن كانت كتابتها من الشمال الى اليمين ممكنة كذلك، وقد أكد العديد من الباحثين بأن خط المسند هو أقدم وأبرز الأقلام السامية، حيث كان المعينيون أول من استعمله تلاهم السبئيون الذين تفننوا باستخدامه، وحفظوا بفضله أهم أعمالهم على النُصُب والجدران والمعابد.

كان انتقال الجنوبيين الى شمال شبه الجزيرة العربية سواء من أجل التجارة أو الهجرة السبب الأساسي في انتقال خط المسند الى تلك المناطق، ويعود الفضل الأكبر في انتشار خط المسند الى الحاميات السبئية والمعينية التي كانت تجوب أراضي شبه الجزيرة العربية لحماية الطرق والقوافل التجارية، فانتشرت اللغة اليمنية في العديد من المناطق والبقاع وكان تأثيرها واضحاً على لغات المناطق الشمالية كاللحيانية والثمودية.

على الرغم من انتشار اللهجات اليمنية منتشرة في العديد من المناطق؛ بيد أنها لم تستطع الوقوف أمام اللغة الفصحى لقبيلة قريش، فاندثرت بعد أن طغت عليها العربية التي كان لها سلطةً دينية وروحية نظراً لقربها من البيت العتيق، ولأنها كانت مستأثرة بميادين الشعر والأدب والخطابة التي كانت منتشرة بين جميع القبائل العربية.

اللغات التي كانت سائدة في اليمن قبل الإسلام:–

يمكننا تقسيم اللغة العربية الجنوبية القديمة التي تعرف باللغة الصيهدية الى مجموعة من اللهجات أو اللغات المنقرضة المتشابهة مع بعضها البعض وهي:

1 – اللغة السبئية (الحميرية) :

وهي واحدة من لهجات أربع متقاربة بشكل كبير لكنها الأكثر انتشاراً بينها، وقد هيمنت على نصوص المنطقة الجنوبية من شبه الجزيرة العربية، خصوصاً وأن مملكة سبأ (التي تأسست على أنقاض مملكة معين) تعتبر من أشهر ممالك التاريخ، كما كانت تتمتع بنفوذ اقتصادي وسياسي كبير ، قبل أن تتداعى في القرن الرابع قبل الميلاد على أيدي الأحباش.

بعد أن سيطر الحميريون على سبأ؛ باتت اللغة تعرف باسمهم ” الحميرية” ، وما زالت هذه اللغة مستخدمة في منطقة صعدة وسراة خولان من قبل قبائل خولان الحميرية ، كما تستخدمها بعض قبائل عسير وتهامة.

تمّ التعرف على العديد من اللغات عن طريق الكتابة بها؛ ومنها السبئية الموثقة من خلال ما يقارب ستة آلاف نقش أثري، وقد قُسِّمت اللغة السبئية الى عِدة فئات هي :

السبئية القديمة: وقد استخدمت من القرن الثامن قبل الميلاد وصولاً للقرن الثاني قبل الميلاد.

السبئية الوسطى: وقد استخدمت بالفترة الممتدة بين القرن الأول قبل الميلاد وصولاً للقرن الرابع الميلادي.

الأميرية (الهرمية): وهي اللغة التي استخدمت بمناطق شمال معين.

السبئية المتوسطة: وهي لغة المناطق الوسطى في اليمن واللغة المستخدمة بالنصوص السبئية.

السبئية الجنوبية: وهي لغة الكتابة التي كانت مستخدمة في حمير وردمان.

السبئية اللاحقة: وهي لُغة منطقة نجران.
السبئية المتأخرة: وقد استخدمت هذه اللغة بالفترة الممتدة من القرن الخامس الميلادي حتى القرن السادس الميلادي.

2 – اللغة المعينية :–

وهي من أقدم اللهجات التي كانت سائدة في اليمن قبل الإسلام، وتنسب هذه اللهجة -التي استخدمت في الفترة الممتدة بين القرن الثاني عشر قبل الميلاد حتى القرن الثاني الميلادي- الى مملكة معين، وتظهر أثارها بشكل أساسي في مناطق الجوف الواقعة بالجهة الشمالية الشرقية لليمن، كما ظهرت لها بعض النقوش خارج مملكة معين وذلك في مدائن صالح وددان ومصر وحتى جزيرة دلوس اليونانية.
مدينة بَراقِش والتي عرفت في النقوش المسندية القديمة باسم يثل، وتعتبر العاصمة الدينية لمملكة معين، وتعد أقدم مدينة باليمن حيث ترجع إلى 1000 قبل الميلاد،

3 – اللغة القتبانية:–

وتنسب هذه اللغة الى قبائل قتبان الذين أسسوا مملكة قتبان في القرن الخامس قبل الميلاد وامتد حكمهم على المناطق الساحلية التي تقع شمال عدن حتى القرن الثاني الميلادي، وذلك عندما تمكنت مملكة سبأ من القضاء على مملكتهم، وقد اكتشف ما يقارب الألفي نقش حجري لهذه اللغة.
القانون التجاري الذي سنه الملك القتباني ( شهر هلال بن يدع أب ) في القرن الثاني (ق.م) ويعتبر نموذجاً هاماً للقوانين المنظمة للعلاقات التجارية وأسلوب جمع الضرائب والرسوم المفروضة على المتجولين في أرض قتبان والمارين بها، حيث أقام القتبانيون مسلة حجرية صغيرة كتبت عليها القوانين في وسط السوق القديم لمدينة ” تمنع ” العاصمة القتبانية ومن هنا أطلق عليها في النقوش اسم (سوق شمر) .

4 – اللغة الحضرمية:–

وترجع هذه اللغة الى القبائل التي كانت تقيم بالمنطقة الجنوبية من اليمن وبالتحديد منطقة حضرموت، وبعد أن أسست هذه القبائل مملكتها الخاصة التي تنازعت مع مملكة سبأ لمدة طويلة؛ تمكنت مملكة سبأ من ضم هذه المملكة لسلطتها، وقد عُثر في منطقة حضرموت على نقوش عديدة لهذه اللغة التي وجدت نصوص لها في جزيرة دلوس كذلك.