اليمن_تاريخ_وثقافة
10.6K subscribers
142K photos
348 videos
2.17K files
24.6K links
#اليمن_تاريخ_وثقافة ننشر ملخصات عن تاريخ وثقافة اليمن الواحد الموحد @taye5
@mao777 للتواصل
Download Telegram
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
أسباب ثورة 11 فبراير.. عوامل الضعف والقوة
#فيصل_علي

ليس من السهل فهم كنه الثورات، كما أنه ليس من السهل التنبؤ بها على عكس الانقلابات، فالثورات أكثر عفوية وتلقى رضى الجماهير التي تندفع بقوة إلى الشارع لتحقيق مطالب الثورة، إلا أن الانقلابات عملية مرتبة يتبادل فيها أركان الانقلاب الأدوار فيما بينهم؛ واحد يمهد والأخر يستعد، بينما الثالث يكون قد أكمل عملية نخر النظام من الداخل، ومع ذلك تظل الانقلابات محدودة التأثير على مكونات المجتمع ومكونات السياسة، بينما الثورات واسعة التأثير وتجرف في طريقها الكثير من المسلمات السياسية والاجتماعية والعادات المتوارثة على أساس أنها من الدين.
 
اليمن المعقد جغرافيا والمتنوع ديمغرافيا والأبعد تاريخا على مستوى الشرق القديم برمته، يقدم ثورات قد تكون متشابهة مع ثورات المنطقة في التسمية وربما قد تتشابه في الأسباب، لكنها تظل نموذجا فريدا في كل ثورة قامت في ربوعه منذ 1948، وفي هذا العام بالتحديد انطلقت أول ثورة نخبوية في البلد، تنشد التغيير الجزئي بتغيير الملك –الإمام- بآخر من نفس السلالة، وهذا هو التغيير المتاح بحسب النخبة التي تشكلت في العشرينات من القرن الماضي كنتيجة حتمية بعد رحل العثمانيين من اليمن وترك البلد في أيدي الاستعمار جنوبا والرجعية شمالا، وقد كان للبعثات الدراسية في الخارج الدور الأبرز في تشكيل نواة الثورة الأقرب إلى توصيف "الثورة النخبوية"، لم تكن قد تشكلت بعد قوى سياسية لتساعدنا في فهم ما إذا كانت هناك طبقة سياسية واعية تريد هذا التغيير الجزئي فقط والمتمثل في إنهاء حكم بيت المتوكل والدخول في حكم بيت الوزير.
 
 قبل رحيل الوالي العثماني المقيم في تهامة في 1918 ذهب وجهاء المجتمع إليه يترجونه في البقاء، وينظرون فيما ستؤول إليه الأمور، فتم تطمينهم، وذهب نفس الوفد إلى صنعاء حيث يقيم الوارث الجديد لليمن، رحب بهم يحيى حميد المتوكل الملقب بالإمام وبعد إرسال عامله إلى تعز اعتقل نفس الوفد وأرسلهم إلى صنعاء حيث سجنوا وماتوا فيها، ونتيجة لهذا الظلم تشكلت بذرة الثورة من البعثات الدراسية اليمنية المحدودة في مصر و العراق، وفيما بعد سوريا بالإضافة إلى معهد البيحاني الذي تأسس في عدن عام 1929 حيث ساهم في إخراج نخبة يمنية تحولت في عام 1948 إلى قيادة للثورة، الأستاذ النعمان والشيخ البيحاني والقاضي الزبيري في مصر شكلوا اللبنة الأولى لهذه الثورة، واصدروا (صحيفة اليمن الخضراء) وتبعهم في العمل الثوري كلٌّ من السلال ومحيي الدين العنسي وحمود الجائفي من البعثة الطلابية اليمنية في العراق، وبمباركة وتخطيط من مرشد الإخوان المسلمين في مصر الإمام حسن البنا أرسل الفضيل الورتلاني إلى اليمن ليقوم بالترتيب للثورة.
 
هذه النخبة متنوعة الفكر متحدة الهدف لم تستطع سوى إرسال القردعي الذي قتل يحيى حميد المتوكل في صنعاء، وفضحت وثائقها ومخططها،ولذلك فشلت، وبالإضافة لذلك  فقد ساهم في فشلهل طابعها النخبوي لعدم وجود مجتمع مؤمن بها أو يعرف عنها شيئا، وكانت عبارة عن (ثوريين) بلا ثورة، لكنها بدأت والبدايات هي من تشكل علامات فارقة في التحولات التاريخية، صحيح أنها كانت ثورة نخبة متعلمة في ظل ظلمات الجهل المتراكمة بعضها فوق بعض، إلا أنها مثلت النور الذي انتشر فيما بعد مبددا الظلام والظلم معا.
 
وكنتيجة لعدم خروج فكر الثورة للعلن ظلت الثورة نخبوية، لكنها مهدت الطريق إلى وصول فكرة الثورة إلى الشعب، وسميت هذه الثورة بالثورة الدستورية،
 
 هذه الثورة اقتربت بعد فشلها من المجتمع وعرف رموزها فتبعهم خلق كثير، وتعتبر ثورة 1948 الممهد الأول لثورة سبتمبر والتي اجتمع لها الفكر وتنظيم الضباط الأحرار وصار لها جذورا اجتماعية، فكانت ثورة 26 سبتمبر 1962 نتاجا طبيعيا وامتدادا لثورة 1948.
 
استبشر الناس خيرا بصعود ابن الفلاح عبدالله السلال إلى سدة الحكم وتولي الثوريين مقاليد السلطة الجديدة في 1962، وككل الثورات دب فيها الخلاف، وصار الجيش المصري هو القائم فعليا بأمر الحكم والآمر الناهي، واعتقل السلال في أحد فنادق القاهرة لأشهر، ثم اعتقلت الحكومة بقيادة النعمان في السجن الحربي، وهو ما جعل الزبيري يدعو الشعب للخروج في شوارع صنعاء معترضا على القمع الذي تسبب به الجيش المصري، لم يفهم ضباط مصر طبيعة الشعب اليمني، ولم يحسنوا إدارة البلد بمعزل عن أبنائه، إلا أنهم أسسوا نظام الإدارة البيروقراطية في الدولة الجديدة. أما الجماهير التي هتفت باسم جمال عبد الناصر فقد احتارت في التعامل مع ضباطه. وفي زنزانة بالسجن الحربي في القاهرة طالب رئيس الوزراء الأستاذ النعمان  بحرية "البول" وهو المطالب من الإمامة قبل ذلك بحرية "القول".
 
الخلافات في صفوف الثورة وتدخلات مصر من جهة والملكيين وخلفهم كل ملكيات الدنيا من جهة أخرى اجهضت تحقيق أهداف الثورة، وصار السلال مجرد (رئيس لا يحكم)، وتم الانقلاب عليه وهو في زيارة رسمية لبغداد، وتصدرت القبيلة المشهد فجاءت بالقاضي الإرياني كشكل جديد بلا مضمون ثوري وبلا سند قبلي اجتماعي ليكون واجهة لليمن بعد سبع سنوات من الثورة، وقد شكلت مرحلة الرئيسين الإرياني والسلال المرحلة الأولى من مراحل الثورة، وظلت الدولة تسير من ضعف لضعف، واستعان الإرياني بالجبهة الوطنية ليتخلص من القبيلة فتخلصت منه القبيلة وجاء بعده حكم العسكر بدعم من القبيلة ذاتها.
 
 وفي المرحلة التي تلت ركز حكم الرئيس الحمدي على الاقتصاد والتعاونيات وأرسى الأمن وحضي بحب الشعب، إلى أن أنهى حكمه رفاقه العسكر، واغتيل الغشمي في الشمال بحقيبة مرسلة من سلطة الجنوب، وصعد علي صالح إلى السلطة بدعم من الأمير سلطان بن عبد العزيز ال سعود والذي كان متعهدا  بملف اليمن، وبمساعدة من قراصنة  العالم الأخر حين تعرف عليهم أثناء قيادته لواء تعز عبر باب المندب. وفي المرحلة اللاحقة التي بدأت من 1978 انتهى عهد الثورات وجاء صالح مدعي الثورة والجمهورية وشكل نظام حكمه من تشكلات المحسوبية والفساد وهي عبارة عن خليط  قبلي وعسكري وتجاري وعصبوي.
 
وفي الجزء الأخر من اليمن لم تكن الأوضاع تسر أحد بعد ثورة 14 أكتوبر، بدأت بريطانيا بالاستعدادات لتسليم السلطة، فوطدت علاقتها بالجبهة القومية مبعدة جبهة التحرير تدريجيا من الواجهة، كانت الثورة ضد الإنجليز في عدن ثورة مسلحة، وتكونت تشكلات الثوار المحاربين في تعز وبدعم مصري وعربي من الجمهوريات الثورية الجديدة التي تشكلت في العالم العربي بعد رحيل الاستعمار. وتعد ثورة 14 أكتوبر أقرب للثورات الاجتماعية السياسية، لكن المستعمر صاحب نظرية فرق تسد نجح في زرع الاسفين بين فصيلي الثورة ، وفي نوفمبر 1967 سلمت جنوب اليمن للجبهة القومية، وكان أول عمل ثوري عكسي لها هو تصفية جبهة التحرير، وعاد الثوار المنطلقون من تعز -عاصمة الثورات اليمنية منذ الأربعينيات حتى اليوم- إليها هاربين من رفاق الثورة،  تحولت طلائع الثورة فيما بعد إلى نخب ميليشياوية تصفي بعضها بعضا من 30 نوفمبر 1967 إلى 13 يناير  1986 .
 
في عام 1990 كانت الأجواء مهيأة لثورة نهضوية يمنية جامعة بدون حروب بل بتكاتف الجهود بعد إعلان الوحدة السياسية في بلد موحد رغما عن الظروف، لكن الشراكة السلطوية بدت انتهازية أوصلت البلد إلى حرب أهلية، الزعيم الحضرمي اليساري علي سالم البيض الذي بدأ مضحيا عام 1990 بمنصبه أعلن الانفصال في 1994، وعلي صالح الذي تبنى فكرة النظام الأبوي للدولة سارع إلى الحرب.
 
أسباب الثورة:
 
*بالإضافة إلى كلما سبق من الأسباب شكل انهيار الاقتصاد اليمني بالتدريج سببا مقنعا للجماهير للخروج في الثورة، كما أن الفساد المالي والإداري كانا في أوجهما طيلة الثلاثة عقود التي حكم فيها علي صالح، وبدأ نظام الجرعات الفاشلة، وفصل قطاعات كبيرة من الجيش وتم التلاعب بوظائف المعلمين والمحاباة في التعيينات والمناصب وتولي المشايخ سرقة التوكيلات التجارية برعاية السلطة وارغم التجار على التنازل عن تلك التوكيلات بحكم القوى القبلية والعسكرية التي فرضت على الشركات الإتاوات تحت مسمى الحماية، كل ذلك هيأ الأسباب الاقتصادية للثورة القادمة.
 
*بغرور كبير تعالى صالح ونظامه على كل المكونات السياسية والاجتماعية والثقافية في البلد وارتد عن الثوابت الوطنية والجمهورية مخالفا كل الثورات اليمنية في 48 و 62 و 63 من القرن الماضي ووصلت به الجرأة إلى تصفير العداد والبدء فعليا في التوريث، تململ العسكر وتداعت قيادات الجيش للتفكير في الحل منذ وقت مبكر من بعد حرب 1994 وكان هناك حراك عسكري داخل الجيش، ومتوقع من قبل النظام، لأسباب قد تعود إلى تصفية قيادات عسكرية أثناء وبعد حرب الانفصال من قبل النظام. كما شكلت انتخابات الرئاسة في 2006 تحولا عظيما في كسر الصنمية، وتبين أن النظام هش وأن الشعب ضاق بصالح ذرعا فانكسر وهو يرى، وكل من دفعهم إلى صناديق الانتخابات صوتوا ضده، كانت نتائج الانتخابات مرعبة له ولأركان نظامه، سارع بتوجيه الجيش لضرب فيصل بن شملان إذا أراد دخول دار الرئاسة كخطوة استباقية، وأمر بتزوير نتائج الانتخابات، وكان مرشحو الحزب الحاكم في الانتخابات المحلية والنيابية تخلوا عن صالح حتى يفوزوا هم في انتخاباتهم المحلية والنيابية المتزامنة مع الانتخابات الرئاسية، كانوا هم أول من باع صالح، كما أن عدم القدرة على إصلاح النظام الانتخابي بحسب القائمة النسبية فيما بعد فاقم الأزمة بين صالح والأحزاب السياسية، توافرت الإرادة السياسية في التغيير في صفوف كل الأحزاب بما فيها المؤتمر الشعبي العام الذي يقوده صالح. وشكل انسداد الأفق السياسي مع كل ما سبق من الأسباب أسبابا حقيقية للثورة.     
 
*تململت قطاعات المثقفين من الكتاب والسياسيين والصحفيين والقانونيين وبدأ الفن الساخر بنقد السلطة الهشة التي استخدمت "الفيديوهات السوداء" لإذلال منتسبيها وضمان تبعيتهم، فكانت السخرية عبر النكات المتبادلة عن المخصيين الذين وصولوا للوزارات والمناصب السيادية.

كما أن محظيات السلطة ألهمن الكتاب الأفكار للكتابة النقدية بشكل واضح أحيانا وخفي مموه أحيانا أخرى، فكانت محظية تغيير وزراء ومحظية تعيين وكلاء. كما أن الفكر الثوري اليمني بدأ يتسرب للصحف ووسائل الإعلام في المناسبات الوطنية، سبتمبر وأكتوبر و22 مايو، وكلها شكلت توجها إحيائيا جديدا للثورة، وهذه المرة ليس عبر صحف المعارضة، ولكن عبر صحف السلطة المتغنية بالشرعية والثورية والوطنية، أيضا صحف المعارضة شكلت الوعي الثوري وهيأت الجمهور للثورة، عاد الناس لمؤلفات الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر ولقراءة قصائد الزبيري والبردوني، واختلطت الأفكار وتشكل وعي ثوري يمني فيه اليسار واليمين، والقومي والوطني، ونشأت طبقة جديدة في المجتمع متجاوبة الدعوات ومتقاربة في الفكر اليمني شبه الموحد، هذه الطبقة شكلت نواة الثورة المنتظرة ثقافة وفكرا، وتقدمت الصفوف في 2011 وشكلت خلايا الثوريين الجدد و"مجاذيب" الثورة. كما شكلت أشعار الفضول الغنائية وأغاني أيوب طارش الوطنية محفزات للثورة بين صفوف الجماهير، وبعثت أغاني علي بن علي الآنسي الثورة من جديد في قطاعات شباب الثورة، ووقف التاريخ ليحيي جموع الثوار في 11 فبراير.
 
 *أضف إلى كل ما سبق من أسباب واتجاهات سياسية واقتصادية وثقافية فكرية للثورة كان العمال في اليمن يشكلون الطبقة المسحوقة، وتوسع الإقطاع بشكل كبير ومثله خليط من الفاسدين ساسة وتجار وعسكر شكلوا شبكة واسعة من الفساد أوصلتهم إلى الثراء على حساب المجتمع والجماهير الجائعة، كما أن جرع الإصلاح الاقتصادي ضغطت بقوة على الطبقة الوسطى في المجتمع، وحورب الموظفون في وظائفهم ذات الطابع الحكومي العام، وبإيعاز من السلطة منعت الإصلاحات من الوصول إلى القطاع الخاص، اهتزت أركان المجتمع المكون لطبقة موظفي الدولة والقطاع الخاص والعمال، كما أن التسلط الجهوي للقبيلة قد أضعف الدولة والمجتمع وعاد الثأر طاغيا، وتعطلت بفعل الفساد السلطات القضائية، وتفاقمت معاناة المجتمع، وشعرت قطاعات واسعة من المجتمع بالتهميش، وما إن اندلعت الثورة حتى خرج العمال والموظفون إلى الشوارع يسترشدون بخطى طلاب الجامعات الذين كانوا "شارة البدء" في الثورة.
 
بالمجمل نستطيع القول إن لثورة 11 فبراير 2011 أسبابها السياسية والاقتصادية والثقافية الفكرية والاجتماعية ولم تأت من الفراغ ولا من العدم ولم تكن محض صدفة، كما أنها ليست محاكاة لما جرى في مصر وتونس فلكل بلد ظروفه ولكل ثورة أسبابها. وهي مزيج من الثورة الاجتماعية والسياسية، تختلف عن ثورة 1984 بأنها تشكلت من قطاع شعبي واسع مساند للثورة ومن ثوريين ملهمين تبنوا قضايا الأمة اليمنية ومطالب الجماهير. وتعد ثورة 11 فبراير ثورة شاملة وليست نخبوية ولا اتفاق بين ثوريين وعسكريين كما حصل في ثورة 26 سبتمبر، فقد كانت الجماهيرية التي اتصفت بها الثورة تعبر عن توجه كبير للثورة التي شملت معظم محافظات البلاد، وفتحت الساحات الثورية، وشاركت فيها إلى جانب سقطرى 17 محافظة يمنية، قامت على السلمية كفكر ثوري، واجتمع فيها المدني والعسكري والقبلي بدون سلاح، مع أنها تمتلك جيشا من المنظمين إليها من قطاعات وألوية الجيش، وانضم لها معظم سياسي البلد وموظفي الدولة والدبلوماسيين في الخارج، اهتزت اليمن في 2011 بسبب هذا التحول الجذري الذي صنعته الثورة.
            
يقول جوستاف لوبون: "يتعذر على الأمة أن تختار نُظمَها قبل أن تغير روحها" وثورة 11 فبراير غيرت روح الأمة اليمنية، وتساقطت المسلمات تباعا: دينية واجتماعية، ووصلت الأمة إلى مرحلة من النضج الذي رفضت فيها الفتاوى الدينية المجيرة لصالح النظام المتسلط، ولم يستطع الكهنوت الديني الصمود ولا التربح ببيع الفتاوى كما دأب في الفترات السابقة قبل الثورة، توقف طلب الثأر وفي الساحات اجتمع الناس ولم تحدث أيا من مشكلات الماضي القريب ووقف الغرماء القدماء صفا واحدا أمام غريم الشعب الجديد، كما اختلطت الرؤى الثورية وحمل الناس شعارات الثورة وهتفوا بها جميعا، وخرجت المسيرات تجوب شوارع اليمن، كما ساهمت البعثات الطلابية اليمنية في الخارج في تأجيج الثورة، وكونت تشكيلات ثورية  تتناغم مع الساحات اليمنية، وبقدر ما انتشر الوعي انتشر الحب بين الناس، وعبرت وسائل التواصل الاجتماعي عن ذلك بوضوح في بداية انطلاقة الثورة.
 
روح الأمة اليمنية العظيمة حضرت في كل أرجاء اليمن، وأراد اليمنيون الانعتاق من صراعات الماضي فتركوا الأيدولوجيات نائمة في رفوف المكتبات المنزلية وخرجوا للشارع بحثا عن وطن وعن دولة، واستفاقوا يوم الثورة على نداءات الأمة اليمنية، وعند اشتداد الأزمات كانت الأمة حاضرة
كانت الهوية والأمة هما الحاضرتان، واستمر نوم الأيدولوجيات، لكن هذا النوم لم يستمر وكلما حضرت الأيدولوجيات  المتصارعة دبت الخلافات بين مكونات الثورة على الدوام، لكن الثورة هيأت الجميع للتنازل للجميع من أجل الجميع في خلطة يمنية مميزة ذاق الناس حلاوتها ابان اندلاع الثورة.
 
كانت خلافات الأحزاب هي من جعلت شباب الثورة يفكرون بطريقة عملية لتكوين تيار جديد يسير بمقاصد الثورة حتى تحقيق أهدافها، لكن للأسف كان التفكير محدودا واستطاعت الأحزاب أن تحجم هذا التوجه الذي يعبر عن صراع الأجيال الذي يضاف إلى واقع هذه المرحلة من عمر الثورة، فكانت فكرة الطريق الثالث وجها آخر للقاء المشترك
 
معوقات الثورة
 
من معوقات ثورة 11 فبراير أيضا انطلاق موجة الثورات المضادة والتي خطط لها في الخليج الذي لم يتعامل مع اليمن وفقا لقواعد فهم المجتمع وفئاته، بل تعامل بنوع من التعالي على الواقع، وتم دعم عصابات الهاشمية السياسية بالمليارات لتقتحم صنعاء، فكان الانقلاب في 21 سبتمبر 2014 من أهم معوقات الثورة، وتعطل مشروع الدستور الناتج عن مخرجات الحوار الذي رعته الأمم المتحدة بالضبط كما رعت الانقلاب وشرعنت وصوله إلى صنعاء.
 
في نظري يبقى معوق عدم تشكل تيار فبراير أهم من معوق الانقلاب، لو تشكل هذا التيار كان سيمثل عائقا وسياجا مانعا أمام الانقلاب وأمام تسارع القوى المتخلفة لمد يدها للهاشمية السياسية التي مزقت اليمن ومزقت النسيج الاجتماعي وحاولت مرارا وتكراراً طمس الهوية اليمنية، وإن كان قد تعذر عدم تشكل تيار الثورة قبل الانقلاب وقبل تدخل التحالف فالأصل اليوم خروج هذا التيار للعلن لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من اليمن.
 
يمكننا القول إن عدم فهم النخبة الجديدة لمعنى تيار جعلها تحجم حتى عن الخوض في الحديث عنه، النفسية النخبوية اليمنية فيها من العيوب الكثير وأهم عيوبها عدم القدرة على العمل في اطار المجموع، ولحل هذه المشكلة  نتحتاج إلى الاسترشاد بالتجربة اليابانية التي نجحت في هذا المجال،  التجربة اليابانية تذيب الواحد في المجموع وتمنح الذات عناصر النجاح من المجموع وتحول طاقات الكل إلى طاقة واحدة قوية وهادرة ومنظمة. من سيقود هذا التيار يتطلع الجميع صوب هذا القائد، ويحجمون عن إنتاج فكر يجمع الناس ابتداء على الفكرة، كما أن أكبر العوائق دوما ما كانت من الذات، بالإضافة إلى وجود متسلقين لا يملكون فكرا ولا رؤى، ويملكون أحلاما غير مرئية ولا مدركة ولا مكتوبة ولا منطوقة وغير قادرة أن تخرج للعلن، وهؤلاء يحتاجون إلى فهم المعادلة الثورية برمتها وخوض غمار الجندية وحمل الفكرة العامة والسماع أكثر من الحديث، إذا لم نعالج مشكلتنا في هذه الجزئية ستكون الثورة والدولة والشهداء والوطن والأمة والهوية في مهب الريح، وإذا لم نتخلص من بقايا الحقد المؤدلج وفهم المعنى العام للفدرالية التي لا تعني بأي حال من الأحوال المناطقية ولا الجهوية ستعود النخبة للممارسة التخلف من باب التثقف وهي لا تدري ماذا جنت بحق الأمة.
 
شخصيا أنا لا أميل إلى تفخيم وتعظيم المعوقات الخارجية مع كثرتها، لكنها بلا مشروع وبلا رؤية وينقصها الشجاعة والقيادات غير متوفرة، أنا في حقيقة الأمر اشك في قدرة لاعبي البلاستيشن من تحقيق أي تقدم إو إعاقة أي مشروع يمني خالص، فالشباب في اليمن يلعبون على أرض الواقع ولا يلعبون في خيالات المزرعة السعيدة، ومن يستطيعون اللعب على أرض الواقع متحملين كل أنواع القهر والظلم وأشد أنواع البطش لا يمكن أن يهزموا من قلة مال أو عدد إذا امتلكوا الفكرة واستيقظت فيهم روح الأمة وسرت في أرواحهم الهوية واستشعروا وجوب قيام الدولة.
 
الأمة التي تمتلك كل هذه الكوادر البشرية المؤهلة للبناء والتنمية والنهوض لديها فرصا كبيرة للنجاح، فالإنسان هو الثروة والرهان على غيره مضيعة للوقت، انظروا من حولكم ماذا صنعت الثروة بدون الإنسان، لا شيء سوى العبث.
 
وجود تيار 11 فبراير صار ضرورة حتمية، ووجود فلسفة حقيقة للتيار ضرورة أكبر وأعظم، والإيمان بهذه الفلسفة هو سبيل نجاة الأمة اليمنية من الغرق في منطقة الطوفان التي تعد اليمن جزءاً منها، كما أن عدم التعالي على الفكرة هو من يسرع بظهورها، وعدم القفز فوق الحدث المزمع هو المؤشر الحقيقي للحاجة لهذا التيار. القوى السياسية اليوم مرهونة بالمساعدات، ومرهونة بالتحالفات الوهمية، ومرهونة بماضيها وبتاريخ الصراع، وهي عبارة عن أيدي مرتعشة ومن يعول عليها فليراجع نفسه.

 القوة الأساسية للبلد تتمثل في الشعب وفي مقدمة هذا الشعب الشباب والشابات، من يحملون البندقية اليوم للدفاع عن اليمن والثورة والأمة ومن يحملون القلم للدفاع عن الجنود وعن الشعب والأمة والهوية والدولة فقط هم القادرون على إخراج اليمن من محنتها، عليهم فقط أن ينخرطوا في تيار واحد، وهذا هو ما نراه رأي العين، كما نرى جميعا عذابات شعبنا وضياع أمتنا اليمنية ومحاولات طمس هويتنا والتشكيك بثقافتنا وحجبها عن الأجيال.
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
عشرة أخطاء أسقطت حكم صالح

ناصر يحي

​كاتب ومحلل سياسي يمني

رغم أن الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح كان يواجه منذ خمس سنوات، قبل أن تنفجر الثورة الشعبية ضده في فبراير/شباط 2011، أوضاعا سياسية صعبة وتمردات جهوية خطرة فقد بدا غير مصدق أن رياح التغيير التي عصفت بحكام تونس ومصر وليبيا يمكن أن تصل إلى اليمن، وينزل ملايين اليمنيين إلى الميادين والشوارع، وينصبون الخيام معتصمين فيها شهورا طويلة مطالبين برحيله، ويخوضون مواجهات شرسة بالهتافات والحجارة في مواجهة قوات مكافحة الشغب المدججة بالسلاح والمصفحات، وقاذفات القنابل المسيلة للدموع!

كان صالح بالفعل يعتقد أن الوضع اليمني يختلف عن سائر البلدان العربية، ولطالما كان يتفاخر أمام الأجانب بذلك وبأنه قادر على مواجهة عواصف الربيع العربي. وفي الظاهر كان هناك ما يعزز هذا الشعور، فالخريطة السياسية اليمنية عشية ثورة فبراير والتجربة التاريخية التي مرت بها اليمن منذ 1990، أنتجت وضعا سياسيا مختلفا إلى حد ما عن الأوضاع المماثلة في تونس ومصر فضلا عن ليبيا وسوريا، سواء في بعض مظاهره السياسية التي سمحت بهامش سياسي وإعلامي غير مألوف في الأنظمة المشابهة، أو في طريقة إدارة رأس الدولة لعلاقاته وصراعاته مع قوى المعارضة بمختلف أسمائها وأشكالها، بحيث لا يقصيها تماما من المشهد السياسي، وفي المقابل لا يجعلها قادرة على إزاحته عن الحكم.

"
استبعد صالح تكرار ما حدث في تونس ومصر، وتراجع سريعا عن بعض مواقفه المتصلبة تجاه مطالب المعارضة، وأطلق مبادرة تصالحية ظن أنها كافية لسحب بخار الغضب المتراكم في النفوس ضده!
"

كذلك اهتم في سنوات حكمه بتأسيس تركيبة سياسية واجتماعية وقبلية/مناطقية تعينه على مواجهة المعارضة الحزبية بأساليب غير حكومية، إن صح التعبير، تشابه أساليب الأحزاب السياسية بين الجماهير.. بالإضافة إلى اطمئنانه من ناحية الجيش والأمن، حيث أبناؤه وأبناء أخيه وأشقاؤه وأقاربه يهيمنون على كل شيء.. كل ذلك جعل صالح مطمئنا لموقفه، فاستبعد تكرار ما حدث في تونس ومصر، وتراجع سريعا عن بعض مواقفه المتصلبة تجاه مطالب المعارضة، وأطلق مبادرة تصالحية ظن أنها كافية لسحب بخار الغضب المتراكم في النفوس ضده!

لم يحظ رئيس يمني منذ 400 عام بالفرصة التاريخية التي توفرت للرئيس السابق علي صالح في حكم اليمن كاملا ودون منغصات تذكر. هذه الفرصة النادرة توفرت بعد الحرب الأهلية (1994)، حيث خضع اليمن لقيادة سياسية واحدة بعد هزيمة مشروع الانفصال، ولم يعد هناك تهديد داخلي لانتفاء وجود أي معارضة قوية للحكم (الحزب الوحيد الذي كان يمتلك قواعد شعبية كبيرة وحضورا سياسيا قويا كان: حزب الإصلاح الذي كان مشاركا في تحالف حكومي مع صالح).. وعلى الصعيد الخارجي توصل اليمنيون والسعوديون بعد أقل من عام إلى اتفاق يمهد لحل مشاكل الحدود المستعصية.

ومن سوء حظ اليمنيين مع الفرص التاريخية أن صالح فشل في فهم روح المرحلة التاريخية التي دخلتها اليمن بعد 1994، وفشل أيضا في استخلاص دروس وعبر الحرب الأهلية لمنع تكرار المآسي والأخطاء مستسلما لأوهام الزعامة المطلقة ودور نصف الإله! ومن ذلك الحين وخلال 17 عاما اتخذت إدارة صالح للبلاد منحى ينتج الأزمات السياسية والاجتماعية الواحدة تلو الأخرى، حتى وصل الوضع إلى درجة الانفجار عشية ثورة فبراير.

يمكن تحديد عشرة أخطاء فادحة ارتكبها صالح، ومهدت لانفجار الثورة الشعبية ضده، رغم أنها لم تكن سرا محجوبا عنه وعن حزبه، وكثيرا ما أشار إليها المعارضون، والمنظمات والتقارير الدولية المهتمة باليمن.. وهذا استعراض مركز لها:

أولا: تضييع فرصة بناء نطام سياسي سليم يتدارك به أخطاء الماضي، إذ كانت الأنظمة السابقة ترزح تحت هيمنة الزعيم الفرد/أو الحزب الواحد الحاكم باسم الشعب المغلوب على أمره، واتجه في المقابل إلى بناء سلطة عائلية سلم لها أبرز أجهزة الدولة العسكرية والأمنية والمدنية.. وصار النظام أقرب لنظام ملكي رغما عن شعارات الجمهورية الموجودة في كل مكان!

وكان أكثر بنود هذا المخطط الانقلابي استفزازا للشعب: مشروع توريث السلطة الجمهورية لابن الرئيس البكر على الطريقة السورية، وعلى حسب ما كان مقررا في العراق وليبيا ومصر. وفي بلد مثل اليمن خاض حروبا شرسة لإسقاط النظام الملكي في الشمال والكيانات العائلية في الجنوب، والانتصار لفكرة النظام الجمهوري، وظلت كل أدبيات الدولة السياسية والفكرية والثقافية والتعليمية تندد بالحكم العائلي الوراثي.

في مثل هذه البيئة يكون من المستحيل افتراض أن القوى السياسية والاجتماعية اليمنية سوف تقبل بتمرير مشروع التوريث بسهولة؛ رغم ما كان يبدو من الاستعدادات العسكرية، ومحاولات تطبيع الوعي الشعبي على تقبل المشروع بأساليب إعلامية سياسية، وتكوين مجموعات نخبوية للترويج للتوريث باعتباره تحصيل حاصل، وتجعل من تولي ابن صالح لرئاسة الجمهورية أمرا طبيعيا يتم في إطار القواعد الديمقراطية!
ثانيا: استمرأ صالح تكريس ممارسة ديمقراطية مزورة أفرغت الفكرة من معانيها، وجعلتها مجرد أكذوبة تتكرر كل عدة سنوات، ولا تنتج إلا السلطة نفسها.. وبذلك أجهضت كل الآمال في إصلاح النظام الانتخابي، وإمكانية إجراء انتخابات نزيهة، وإمكانية حدوث تداول للسلطة.. ووجدت المعارضة نفسها أمام طريق مسدود، وممارسة سياسية عدمية تنذر بالقضاء عليها بالموت البطيء إن لم تعمل على إحداث إصلاح حقيقي في الممارسة السياسية والانتخابية، وألهمتها ثورتا تونس ومصر الشعبيتان طريق الخلاص فكان ما كان.

ثالثا: أخطأ صالح في تقييم فعالية اللقاء المشترك المعارض الرئيسي لحكمه، وقدرته على الاستمرار في نشاطه المعارض ضده، وفي تكوين تحالف اجتماعي مع رموز وقوى قبلية مهمة همشت في سبيل تمهيد الطريق أمام مشروع التوريث. وفضل صالح التعامل مع جبهة المعارضة على طريقته المعهودة في محاولة دق إسفين الشقاق بين أحزابها وحلفائها، خاصة ما بين الإسلاميين والاشتراكيين، والنفخ في تاريخ خلافاتهم القديمة.

"
أهمل نظام صالح البعد الاجتماعي في سياساته الاقتصادية، وشهدت اليمن تدهورا حادا في مستوى الخدمات, وانخفض مستوى المعيشة، وضاقت سبل العيش أمام ملايين المواطنين
"

الخطأ شمل أيضا الفشل في تقدير القوة الشعبية للتجمع اليمني للإصلاح –أقوى أحزاب المعارضة- ظنا منه أن سنوات التضييق على الإسلاميين، وإقصائهم من وجودهم في أجهزة الدولة خاصة قطاع التعليم، ومحاصرتهم: سياسيا وإعلاميا سوف تضعف حزب الإصلاح، وتحوله إلى حزب هلامي مثلما حدث مع أحزاب أخرى.. وبالنسبة للحزب الاشتراكي اليمني كان الظن أن حالة الضعف والتباينات الداخلية التي يعاني منها منذ خروجه من السلطة، وبسبب تطورات القضية الجنوبية، سوف تمنعه من إبداء حيوية جديدة في معارضته السياسية بالتعاون مع خصم الأمس اللدود.

رابعا: أهمل نظام صالح البعد الاجتماعي في سياساته الاقتصادية، وشهدت اليمن تدهورا حادا في مستوى الخدمات الصحية والتعليمية، وسوء خدمات الكهرباء والمياه، وازدادت نسبة البطالة، وانخفض مستوى المعيشة، وضاقت سبل العيش أمام ملايين المواطنين حتى صارت مغامرات تهريب الشباب والعمال عبر الحدود مع السعودية تجارة نشطة، رغم ما يرافقها من مخاطر الموت في الصحارى، والسجن!

في المقابل، كانت الطبقة الطفيلية التي تكونت حول صالح تزداد ثراء وتبجحا في ممارسات الفساد، وأسرفت في الاستئثار بالثروة العامة، والحصول على الامتيازات السياسية والاقتصادية والوظيفية لها ولأبنائها، وحرمان عامة الشعب إلا من الفتات، فازداد الشعور بالسخط والحرمان والضيق واليأس من إمكانية حدوث إصلاح في ظل هذا النظام.

وكل ذلك حدث في ظل تحول الفساد والفوضى إلى سلوك شائع مؤسسي مدعوم من رأس النظام وبإدارته لتفاصيله، وحماية رموزه.

خامسا: بناء نظام أمني متوغل في الحياة العامة وأجهزة الدولة، والاعتماد عليه في تسيير كل شيء حتى في المسائل ذات البعد الشعبي والخيري والعلمي.. وصار لتلك الأجهزة المتعددة الأسماء والمهام اليد الطولى في كل شيء، واستخدمها صالح في مواجهة مشاكل اجتماعية وسياسية مما زاد من تعقيد المشاكل! وهو وضع يتصادم مع شعارات احترام الديمقراطية، والحريات العامة، وحقوق الإنسان، ومقتضيات ما يردده النظام عن سيادة القانون، ومدنية الدولة. وقد تورطت تلك الأجهزة الأمنية في قضايا كثيرة صبغت النظام بالصفة البوليسية، خاصة أثناء أحداث الثورة الشعبية ومن قبلها أحداث صعدة والجنوب.

سادسا: استمرأ صالح استخدام الورقة الطائفية، ودعم جماعات مذهبية (سنية وشيعية) وعلماء دين من شتى المذاهب لاستخدام الجميع ضد خصومه السياسيين، سواء في تفتيت صفوفهم أو عند الحاجة لفتاواهم التي كان بعضها يتعارض من المنطق الديمقراطي الذي تقوم عليه الدولة، مثل تحريم الحزبية وتكفير الديمقراطية، وعدم جواز منافسة ولي الأمر ومعارضته! وقد أنتجت هذه السياسة حرائق في أماكن عديدة، وتمردت بعضها ضد صالح نفسه فأضعفت بنيان سلطته.

سابعا: الخطأ في التعامل مع أخطر أزمتين واجههما النظام، وهما: مشكلة صعدة، والاحتجاجات الحقوقية في الجنوب؛ خاصة بعد أن تسببت سياساته القاصرة في توفير كل الأسباب لزيادة نقمة المواطنين في الجنوب سواء في ممارسات الفساد، والفشل الإداري، والتدهور المعيشي المذل الذي واجهه عشرات الآلاف من العسكريين والأمنيين السابقين.

وفي الحالتين أدى التعامل الانتهازي وقصر النظر إلى تجذر الأزمتين وتحولهما إلى أزمة وجودية تهدد وحدة اليمن السياسي، بعد أن صار الحوثيون يسيطرون على مساحات شاسعة في شمال غرب اليمن ويديرونها كسلطة دولة، وبعد أن تحولت المطالب الحقوقية في الجنوب إلى دعوة انفصالية شرسة تهدد بتفتت الجنوب واليمن إلى دويلات!
ثامنا: الاطمئنان التام لتركيبة تحالفاته المحلية دون الاستفادة من الدروس التي تؤكد أن مثل هذه التحالفات التي لا تقوم على المبدئية، وتحكمها قاعدة الربح والخسارة سرعان ما تنهار عند مواجهة الشدائد، وتنقلب ضد صاحبها.. وكذلك الاعتماد على القوة العسكرية للقطاعات التي أنشئت خصيصا لضمان البقاء في السلطة وتوريثها، وعدم الاستفادة من دروس التجربة العراقية في المجال العسكري عندما انهارت القوات الضاربة المميزة سريعا أمام الغزو الأجنبي؛ رغم كل المميزات التي منحت لها، وتفضيلها على غيرها.


راهن صالح على أن علاقاته وتحالفاته الإقليمية والدولية سوف تجنبه مصير حاكمي تونس ومصر, لوم يكن يتوقع أبدا أن تتضمن المبادرة الخليجية ما يوجب تنحيه عن السلطة
"

تاسعا: التمادي في رفض الاستجابة لمطالب الإصلاح السياسي الشامل بعد سقوط نظام ابن علي في تونس، وبدء ظهور مؤشرات سقط مبارك في مصر، والمعاندة في قراءة ما يجري في بلدان الربيع العربي قراءة صحيحة، ولجوء رأس الدولة إلى إطلاق مبادرات ترقيعية لم تعد صالحة ولا كافية ولا مقنعة للشارع اليمني الثائر في كل مكان.

عاشرا: راهن صالح على أن علاقاته وتحالفاته الإقليمية والدولية سوف تجنبه مصير حاكمي تونس ومصر، ولا سيما حاجة الولايات المتحدة والسعودية لجهوده في مواجهة تنظيم القاعدة الناشط في اليمن والجزيرة العربية، وربما هذا يفسر أن صالح هو الذي بادر إلى طلب تدخل الملك عبد الله بن عبد العزيز للوساطة بينه وبين قوى المعارضة اليمنية.

ولا شك أنه لم يكن يتوقع أبدا أن تتضمن المبادرة الخليجية ما يوجب تنحيه عن السلطة، وهو أمر لا يمكن أن يحدث دون توافق سعودي أمريكي باعتبار الرياض وواشنطن أبرز عاصمتين معنيتين بالشأن اليمني، ومن الواضح أنهما كانتا قد وصلتا إلى قناعة بضرورة خروج صالح من المشهد السياسي حفاظا على مصالحهما، ومن أجل تحنيب اليمن مزيدا من الفوضى والقلاقل التي قد تؤدي إلى انهياره وتحوله إلى صومال جديد
ناصر يحيى
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
دور ممالك العربية الجنوبية (فيدرالية مملكة حضرموت الكبرى) في حفظ عروبة الجزيرة والخليج


خلق الله الأرض وأوزع فيها اسرارها عز وجل وجعل سكان اية بقعة من تلك يحملون خصائص غالبا تكون أقوى من تضاريس تلك الأرض ومناخها..

ان ارض العربية الجنوبية تميزت انها موطن البشرية في طورها الأول وموطن البشرية في طورها الثاني وفي هذه الارض بعث الله النبي هود والنبي صالح عليهما السلام ومنها اخرج معجزة ناقة صالح ومن هذه الأرض انطلق التمكين الالهي الأول على ايدي الملك الصالح ذو القرنين لنشر الخير والعدل في الأرض شرقا وغربا وعلى ثرى هذه الارض تأسست اولى حضارات العرب الجنوبيون تلك الحضارات التي خاضت صراعات الوجود العربي في جزيرته العربية وخليجه العربي بل والشرق القديم وتعد هذه الارض الموطن الذي انطلقت منه الهجرات عبر مختلف مراحل التاريخ وكل هجرة ولها اسباب تختلف عن الأخرى وفيمايلي لمحات موجزة عن تلك الممالك القديمة وبعض ادوارها..

 

حضرموت جاء ذكرها في التوراة حزرميت بن قطن. اي حضرموت بن قحطان. وهذه اندرست مع الاقوام البائدة. وظهر مسمى حضرموت على ايدي احرار ال يهبئر من القبيلة ضيفتن الحميرية في وادي ميفعة العظيم الذي اسسوا مملكة حضرموت الكبرى عام1020 ق.م التي تعد امتداد لمملكة حمير الاولى التي ظفرت بالمعانيين السومريين -وبعض المراجع تقول ارام على خلاف- في ظفار الاولى عام 3200 ق.م واجلت المعانيين السومريين من الجزيرة والخليج واتخذت منها عاصمة ثم نقلتها الى ريبون او مايسمى حاليا حريضة في محافظة حضرموت حاليا وتلاشت حتى انتقل الحكم الى اخوتهم ال يهبئر وال ربشمس.. الذي شيدوا مملكة حضرموت الكبرى التي كانت تمتد من المضيق الى المضيق والى العروض ونجد كوريثة لتلك المملكة العظيمة الاولى..

وكان نظام الحكم يشبه اليوم نظام الدولة الفيدرالية فمنطقة العاصمة ميفعة كانت ادارتها تحت حكم ذويزن ورملة السبعتين تحت حكم ذو ريدان والذي يرجح الباحث احتمال ان تكون هاتين القبيلتين الحميريتين من القبيلة مشرقن ايضا من وادي ميفعة العظيم..

وتتبع هذه المملكة ممالك حميرية اخرى قريبة منها ،وهي مملكة اوسان. ومملكة النبط ومملكة قتبان فالمواقع الجغرافية المتقاربة تدعم فرضية فيدرالية مملكة حضرموت الكبرى التي نقلت عاصمتها لاحقا الى شبوة او سبوتا وبجوارها حصن النود- اي العقلة- وهي مركز الاحتفالات الملكية الحضرمية ومركز التتويج للملوك..

ولن أغوص في التاريخ القديم بل انتقل الى الحديث منه ، فحضرموت كانت تشغل مساحتها الجغرافية كل من سلطنة الواحدي الاكثر قدما ثم سلطنة الكثيري تليها في القدم لتاريخ سلطنات وامارات الجنوب العربي ويليهما سلطنة القعيطي الاكثر عظمة وادارة..لاشك ان التاريخ في المنطقة سقيما ولم يحظ باهتمام كاف سيما من المؤرخين العرب كما ان اليمننة لعبت دورا سلبيا في الاكتشافات الاثرية وفي التسميات وظهر في المقابل بعض المؤرخين في السلطنات الحضرمية وكان رعب اليمننة يشكل هاجسا مزعجا لهم الى درجة ان البعض منهم ينسب حمير الى الشمال او ماكان يطلق عليه باليمن قبل عام1967م..ويعد دفاعهم عن الجنوب هو غزو سبئي له ، وهو خطا كبير تتفيه الحضارات القديمة والنقوش الحميرية وينفيه القران الكريم والاحاديث النبوية.. بل واوجد المعانيون لبسا اخرا قديما عندما استبدلوا اسمهم المعينيين الى السبئيين بعد احتلالهم ارض سبا عام350ق.م التي هي مأرب انتسابا الى الارض مستحضرين الظفرالاول باجدادهم المعانيين في ظفار الاولى كما اسلفنا انفا عام3200ق.م ..

 

خلافات تلك الممالك..

دبت الخلافات بين مملكة حضرموت الكبرى والممالك التابعة لها حيث نشب الخلاف اولا مع مملكة اوسان عظيمة الشان والتي وصل حكمها الى السواحل الافريقية وتم تدميرها بمشاركة مملكتي قتبان ومملكة سبأ المذكورة انفا ثم انتقل الخلاف الى مملكة قتبان بعد تلاشي مملكة النبط في وادي ضراء وانتقالها الى شمال الجزيرة واسست لاحقا مملكة البتراء عام400م وتم تدمير قتبان.. واقام المملك العزيلط اقواس النصر في العقلة محتفلا بانتصاراته على اشقائه وهي الاحتفالات التي شاركت فيها الوفود من بيزنطة وكلدان واشور والهند والصين والحبشة ومن سبأ التي شعر ملكها اشعر وتر ان موعد مصيره اقترب مع مملكة حضرموت الكبرى وان الدور القادم عليه وان مصير اجداده المعانيون عام3200ق.م يقترب..وللمغالطة اعلن انتهاء الحروب واحلال السلام وكعربون له فانه يطلب يد شقيقة الملك العزيلط وتمت الموافقة والتي لم تكن المصاهرة غير خديعة حيث هجم الملك السبئي بجيوشه ليلة موعد قدومه لزفاف العروسه ودك العقلة وشبوة وميفعة وعزان وقنا ووادي حجر ودمر كل شيء واحرقه ومعه تدمير مملكة عظيمة الشان لينصب نفسه ملكا لسبأ وحضرموت..

 

ظهور الريدانيون على مسرح الاحداث
في عام135 ق.م انعقد مؤتمر حميرم في حصن العر بشبام حضرموت بقيادة الملك ياسر يهنعم الأول وابنه شمر يهرعش الاول وقادوا ثورة التحرير ضد المعانيين ( السبئيين ) وحرر حضرموت، ثم سبأ ونصب نفسه ملكا باللقب الملكي الحميري الطويل ملك ذو ريدان وحضرموت وسبأ وواصل حربه ضد السبئيين حنى ظفر بهم في تهامة واسمى المنطقة ظفار الثانية عام115 ق.م واتخذها عاصمة اولى وابقى مدينته ميفعه عاصمة ثانية واضاف الى لقبه ويمنت وهكذا تم اجلاء المعانيين مرة ثانية من المنطقة.. ومن هنا يستوجب لزوما تسمية دولة الجنوب القادمة دولة حضرموت العربية الاتحادية من المهرة شرقا والى المندب غربا..

 

الغزو الحبشي وظهور اليزنيون ..

انهارت مملكة ذو ريدان اثر مقتل التبع حسان الحميري وتتابع موت اومقتل من اعقبه من ملوكها حتى اعتلى حكم هذه المملكة العظيمة لخيعة ذو الشناتر عام510م وهو من ابناء المقاولة وليس من ابناء الملوك وفي عهده دخل الأحباش كداعمين لحكمة وناشرين للنصرانية تقريبا عام512م وليس كما تذكر بعض المصادر وتعطي تاريخ ابعد من هذا.. وتصدى للتوسع الحبشي اليزنيون من وادي ميفعة بقيادة ملكهم يوسف اسأر يثأر الشهير بذو نواس يهودي الديانة بحكم ان امة يهودية، وتم قتل ذو الشناتر عام516م وتحرير العاصمة الحميرية ظفار وهدم الكنس والاديرة وتواصلت مسيرة التحرير وتم تحرير صنعاء ثم تعز بعد هزيمة قبائلها المناصرة للاحباش ومنها قبيلة الركب وتم تحرير تهامة وهدم الاديرة و بدات معركة نجران التي قتل فيها قائد الجيش اليزني شرحئل يكمل بن شرحئل يقبل بن لحيعة يرخم بن اسلم بن ذويزن - نصراني الديانة- ووالد زوجة الملك ذو نواس ومعظم هذا الجيش كان من ذو يزن ومن اعراب كندة وتم تحرير نجران عام518م واعلن الملك ذو نواس نفسه ملكا لكل الشعوب - اي لكل القبائل- حسب ما اعتادت حمير ان تسمي القبيلة شعب وليس كما تقول الاسطورة او بعض الاخباريون إنه ادعى الالوهيه..

 

الغزو الحبشي الثاني

لم يستسلم الاحباش لهزيمتهم فقد نجى احد عملاؤهم من بقايا المعانيين الذي اسموا انفسهم بالسبئيين انتسابا الى الارض وليس الى العصبة السبئية العربية واسمه دوس ذو ثعلبان تمكن من الهروب من معركة نجران ووصل الى ملك الروم ونقل قصة الاخدود ومحرقة نصارى نجران على ايدي ملك حمير واعطاه كتابا الى الملك كالب الحبشي يطالبه بتأديب ملك حمير وتم تجهيز جيش قوامه سبعين الف مقاتل بقيادة ارياط الذي عبر البحر عام525م واشتبك مع جيش الملك ذو نواس وحدثت معركة كبرى اشترك في القتال فيها الملك ذونواس بنفسه وقتل، وقتل معه الحميريين واعراب كندة كما بين ذلك نقش حصن الغراب وانسحب من بقي من ذو يزن وكندة وتحصنوا في حصن الغراب من وطنهم المشرق بقيادة الملك سميفع اشوع الثاني بن شرحئل يكمل بن شرحئل يقبل بن لحيعة يرخم بن اسلم بن ذويزن بينما اتجهت جحافل جيش الحبشة الى ظفار عاصمة حمير وصنعاء وتهامة وارض الركب التي اسماها الاحباش في احتلالهم الاول لها ارض الحبشة..وتخاطب ملك الحبشة مع الملك الحميري الجديد سميفع واتفقوا ان يبقى الملك سميفع اشوع الثاني ملكا على الجنوب وعاقب لملك الحبشة وان لايدخل الاحباش ارض الجنوب واستمر هذا الاتفاق حتى انقلب عليه ابرهه الحبشي بالتعاون مع بعض حمير والقبائل العربية الاخرى فقتل الملك سميفع في احد الانفاق في جدو الذييبي واحتل الاحباش الجنوب عام538م.

 

ثورة اليزنيين وكندة والسبئيين على ابرهة.

اندلعت الثورة ضد ابرهة وجيشه ومن معه من اوباش الجنوب واوباش العرب في شمال غرب صنعاء وقام يزيد بن بطم بن كبشة الكندي باسر والي شبام الحبشي واخذه معه الى العبر لكن لم تطعه كل قبائل كندة وفتح ابرهة المعروف بالدهاء اتصالا معه واقنعه ان يسلم والي شبام له مقابل ان يعفو عنه ويعينه في منصب واليا على العبر..وتم اخماد ثورة القبائل السبئية في مارب بحكم قربها من مركز تجمع الجيش الحبشي ولم يبقى في الثورة غير معد كرب يعفر بن الملك سميفع اشوع الثاني ومعه كل قبائل بنو اسلم ذو يزن الذي قتلوا والي ابرهة ذا زنبر في مصنعة كدور وتحصنوا فيها خلال الثورة542/543م؟

 

غزو ابرهه الحبشي لهدم الكعبة.

وبعد ان تمكن ابرهه الحبشي من احكام سيطرته على الجنوب واخضاعه لحكمه واخماد ثورته شعر بالامان والقوة ، وفكر في هدم الكعبة المشرفة و"نقل" حجرها الى كعبته او قليصه في صنعاء فكانت غزوة الفيل التي ترجح بعض المصادر انها كانت عام552 او عام557 م وهو الترجيح الاقرب الى الصواب ، وليس كما تورد بعض المراجع عام الفيل عام 570م وماكان لابرهه ان يقدم على هذه الجريمة لو بقي الجنوب مستقلا وليس محتلا من قبله..

 

مساعدة كسرى فارس
وبعد ان قامت القوات الحبشية ومن معها من الاوباش بعدة هجمات لاستعادة مصنعة كدور ولكن تلك الهجمات تنكسر وتعود ادراجها حتى نفذت التموينات المخزونة وزاد الحصار على الثوار مما اضطرهم الى التسليم بشروط وافق عليها ابرهة... وغادر قائد الثورة معد كرب يعفر ومعه ابنه البكر سميفع الشهير لاحقا -بالملك سيف بن ذويزن - الذي لم يبلغ بعد سن التبكر غادر للبحث عن اصدقاء لمساعدته في تحرير بلاده فاتجه الى امبراطور الروم بحكم الروابط الدينية التي تجمعهم ولكن لم يجد قبولا لطلبه، فاتجه الى صديقه النعمان بن المنذر ملك الحيرة للتوسط له عند كسر فارس الذي تردد هو الاخر، حتى مات معد كرب يعفر ببلاد فارس غريبا ، وبعد فترة كرر ولده سميفع نفس طلب والده فاعطاه قوة عسكرية قوامها تقريبا سبعة الف مقاتل على ظهر ثمان سفن غرقت من تلك القوة سفينتين ورست ست منها في ميناء مثوب شرق ميناء قنأ الشهير على البحر العربي عام 565م ومن هذا الميناء انطلقت جيوش التحرير للجنوب والشمال -بتسميات الوقت الراهن- وانضمت قبيلة السكاسك الكندية الى جيش سيف وكل قبائل المشرق التي ضاقت ذرعا من حكم الاحباش، وتم هزيمة الجيش الحبشي ومن معه من الاوباش العرب ،وتم تحرير الجنوب ثم الشمال وحكمهما معا الملك سميفع او -الملك سيف- الذي اشتهر بهذا الاسم واتخذ من اعلى غمدان مقرا له، ووفدت عليه وفود التهنئة واشهرها وفد قريش والقى عبدالمطلب بن هاشم كلمة الوفد البليغة..واخبر الملك سيف بن ذويزن عبدالمطلب بن هاشم بفرب ولادة نبي عربي في تهامة او قد ولد فعلا واعطاه الصفات -راجع البداية والنهاية-.. ومات الملك سيف تقريبا عام599م