اليمن_تاريخ_وثقافة
10.6K subscribers
142K photos
348 videos
2.17K files
24.6K links
#اليمن_تاريخ_وثقافة ننشر ملخصات عن تاريخ وثقافة اليمن الواحد الموحد @taye5
@mao777 للتواصل
Download Telegram
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
المعابد المستطيلة المحورية في اليمن القديم

 اسيل الجعباني

وصف المعابد المستطيلة المحورية:

يقصد بها المعابد التي بنيت عناصرها وأقسامها المعمارية الرئيسية على محور واحد، يظهر التوافق في التصميم والتقسيم الداخلي للمساحات والأقسام المعمارية، وأقدم النماذج لهذا النوع من التخطيط ظهر في مملكة سبأ، ثم انتشر بعد ذلك في بقية الممالك اليمنية الأخرى، وأهم مثال لهذه النوعية من المعابد معبد أوام الذي يرجع بناءه إلى عهد المكرب في القرن السابع قبل الميلاد.

تصميم المعابد المستطيلة المحورية:

كان المعبد عبارة عن سور مستطيل الشكل تبلغ أطواله 110*46 متراً، وأركانه الأربعة موجهة حسب الاتجاهات الأصلية، تفتح بوابته في الضلع الجنوبي الغربي، وهي مكونة من ثلاث مداخل، الأول في وسط الجدار ومدخلين صغيرين على جانبيه، وأمام البوابة وخلفها صفان من الأعمدة المستطيلة الشكل متوسط ارتفاعها 4.5 متراً، وتؤدي البوابة إلى منطقة مقدسة يقع بناء المعبد فيها.


والمعبد عبارة عن بناء مستطيل الشكل تفتح بوابته في الضلع الجنوبي الغربي وتؤدي إلى فناء مكشوف محاط بأروقة أو صفات، تقوم على أعمدة مستطيلة الشكل من جهات ثلاث الشرقية والغربية والجنوبية، وفي نهاية الفناء يقع قدس الأقداس وهو على شكل ثلاث غرف غير متساوية المساحة، فالغرفة الوسطى أكبر من الغرفتين الجانبيتين.


ويوجد معبد ثاني التؤام للمعبد السابق من حيث التخطيط المحوري ويعود لنفس المرحلة، وهو معبد ودم ذي مسمعم، فهو عبارة عن بناء مستطيل الشكل أطواله 27 * 20 متراً، أركانه موجهة حسب الاتجاهات الأصلية، تفتح بوابته في الضلع الجنوبي الغربي، ويتقدمها صف مكون من ست أعمدة على شكل رواق، وتؤدي البوابة إلى فناء مكشوف مستطيل الشكل محاط بثلاثة أروقة أسقفها محمولة على أعمدة مستطيلة الشكل، يتكون كل رواق من الرواقين الشرقي والغربي من صفين كل صف يحتوي أحد عشر عموداً، أما الرواق الجنوبي فيحتوي على ستة أعمدة.


وفي نهاية الفناء ومواجهاً للبوابة الرئيسية يقع قدس الأقداس مشابهاً لمعبد أوام، فهو على شكل ثلاث غرف ولكن الاختلاف بينهما أن الغرفة الغربية في معبد ود هي الأكبر من حيث المساحة وليس الوسطى كما في معبد أوام.


هذا الطراز المستطيل المحوري كان أساساً لتخطيط عدد من المعابد ثم أضيفت إليه أجزاء أخرى، بالرغم من ذلك ظل ظاهراً، وتمثل ذلك في بناء الجزء الأقدم من معبد بران خارج مدينة مأرب
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
النبي إبراهيم والتاريخ المجهول

مكة #اليمنية

في النقوش المكتشفة حتى الآن، في آثار الجنوب العربي، ورد اسم غريب «أكثر من ألف مرة»، وكان واضحًا أنه علم على إلهٍ معبود، زعم الباحثون في آثار اليمن أنه اسم لمعبود سبئي، كما زعموا أنه كان إله القمر، ويعد أشهر معبودات اليمن طرًّا، وقد اجتهد هؤلاء في فهم الاسم ما بين اللامع والثاقب هذا هو الإله الذي سجَّلَتْه النقوش باسم «المقة».١

لكن على الجانب الآخر، يكشف لنا القرآن الكريم أن سبأ قد عبَدَت الشمس، وجاء ذلك في قول الهدهد لسليمان، وهو ينقل له خبرَ ملكة سبأ: وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ (النمل: ٢٤). والمعلوم عن عبادة الشمس أنها تسود في المناطق النهرية والبلدان الزراعية، لما تقومُ به الشمس من دورٍ أساسي في حياة النبات ونضوج المحصول، لذلك عبَدها السومريون باسم «أوتوا AUTU»، وعبدها البابليون وهم شعب سامي بالاسم «شمس SHAMASH»، والمصريون عبدوا الشمس باسم «رع RA»، و«آمون رع RA-AMON»، و«آتوم رع RA-ATUM». وفي كل الحالات كان هو رب الدولة والعرش، أما القمر فكان في العادة معبود الصحراء والبدو، لما له من أهمية في ليلها الموحش، ومن ثَمَّ فإن إشارة القرآن الكريم لعبادة دولة سبأ اليمنية للشمس، إشارة واضحة لارتباط هؤلاء أيضًا بالفلاحة والزرع، ويقول السهيلي: «وسبأ اسمه «عبد شمس وكان أول من تتوج» من ملوك العرب.»٢

ورغم أن الأمر ليس بقاعدة دائمة، ولا يمنع عبادة كلا الجرمين في أرض واحدة، فإن إشارة القرآن الكريم لعبادة الشمس في دولة سبأ، إنما تعني أنه كان الإله المعتبر لديهم عن بقية الآلهة، ومن ثَمَّ دفعتنا إشارة القرآن الكريم إلى مزيد من البحث وراء جذور سبأ، وكانت المفاجأة العظيمة أن يعلمنا الآثاري «فرتز هومل» أن هناك إشارات لا مجال للخلاف حولها، تؤكد قدوم السبئيين إلى بلاد اليمن، نازحين من مكان ما في الشمال. أما المفاجأة الثانية، فهي أن دولة سبأ بوجه خاص قد تميزت بكثرة الملكات من النساء، وهو أمر إن كان غريبًا تمامًا على الطبع البدوي، فإنه بشواهد التاريخ وطبيعة المجتمع، لم يكن غريبًا على المصريين! فأثار الرافدين تذكر في نصوص «بتجلتجسلر الرابع» ملكة من سبأ باسم «سمس»، كذلك أشارت نصوص الرافدين إلى ملكة سبئية باسم «زبيبي»، كذلك أشارت نصوص العاهل الرافدي «أسر حدون» إلى ملكة سبئية دون أن يشار إليها بالاسم، وأخرى ذكرتها نصوص «سنحريب» ومن أسماء ملكات سبأ اللاتي أنشأن علاقات مع حكومات الرافدين، الملكة «يثعي» والأميرة «تبوءة» أيام حكم الملك الرافدي «أسر حدون».٣

ولكن كان لعبادة القمر أيضًا دورها لدى سكان اليمن وكل بادية العرب، فقد عبده القتبانيون والحميريون بالاسم «عم» وعم القبيلة سيدها، وعبَدَه الحضارمة باسم «سين» و«ياسين»، وعبَدَه المعانيون بالاسم «ود» وعبده السبئيون كما سبق وأشرنا، حسبما يذهب المؤرخون باسم «المقة»، وإن كان لدينا تصور خاص يذهب إلى أن عبادة «المقة» تمثل نوعًا من التطور في العبادة، ومبعثنا إلى ذلك هو أن كل أنواع الآلهة التي ذكرها الإخباريون المسلمون عن عبادات العرب قبل الإسلام ذكرت شتى أنواع الآلهة بأسمائها عدا «المقة»، رغم أنه كان أشهر هذه الآلهة، ولم يكد يخلو نقش من اسمه، ومع ذلك وجدت جميع الآلهة طريقها للتدوين في كتب الأخبار بينما لم يرد اسم المقة بالمرة، وهو ما أثار حيرة الباحثين ودهشتهم ولم يزل! ومن هنا وقفنا مع «المقة» ذلك الاسم الغريب، نحاول الفهم.

ووجه الغرابة في نظرنا يكمن في أمرين: الأمر الأول، ويتعلق بحرفي «ال» في أول كلمة «المقة»، ونحن نعلم أن أداة التعريف في العربية الشمالية كانت هي «ﻫ» في أول الكلمة، مثل «هبعل» أي الإله «هبل»، ثم أهملت العين بالتخفيف، لينطق بعد ذلك «هبل» كبير أصنام الكعبة زمن البعثة الإسلامية، أما في العربية الجنوبية، فكانت أداة التعريف هي حرف «ن» يلحق بآخر الكلمة، مثل قولهم: «رحمنن» أي «الرحمن»، ومن ثم كان تساؤلنا: ما هي دلالة الألف واللام في اسم «المقة»؟!

أما وجه الغرابة الثاني، فيتعلق بحرف التاء الأخير في «المقة»، وحرف التاء مضافًا أو لاحقًا بآخر الكلمة، سواء عربية شمالية أو جنوبية، فكان غرضه التأنيث، بينما تفهمنا النصوص، التي راجعناها أكثر من مرة عند «جلازر» و«هوميل» و«نيلسن» و«كانالكيس» وغيرهم، أن المقة إله ذكر، ومن ثم كان تساؤلنا الثاني عن الحكمة من إضافة «تاء» التأنيث لاسم علم، يدل على معبود ذكر!

وقد سبق لنا أن عالجنا هذه الجزئية في بحثٍ مستقل، نشرته الكرمل «عدد ٢٦ تصدر في نيقوسيا»، وبدأنا بالمشكلة الأولى «الألف واللام – إل»، ووجدنا حلَّها في عدة إشارات، نذكرُ منها إشارة «موسكاتي» إلى شخصية إلهيةٍ، وصفها بأنها غامضة، تحمل اسم «إل»،٤ وقد سبق وأشرنا إلى معبود عبراني يحمل ذات الاسم «إل»، وكان قبل ذلك علمًا إلهيًّا معروفًا في بلاد الرافدين والشام القديم، وإشارات أخرى أكد فيها «نولدكه» وآخرون، وكذلك «د.
جواد علي» أنَّ «إل» كان إلهًا معروفًا في عبادات الشعوب السامية القديمة بلا استثناء،٥ إلا أن هؤلاء لم يوضِّحوا لنا دلالتَه بشكل صريح، كذلك أكد «ديتلف نيلسون» أن معبودًا باسم «إل» كان معروفًا في كل بقاع جزيرة العرب (ونيلسن من أبرز أركيولوجيى الجزيرة وبخاصة الجنوب العربي)، ويرى أنه كان اسمًا ذا دلالة عامة، فيقال: «إل كذا»، ويتبع «إل» باسم الإله المقصود، ويضيف «نيلسن» أن «إل» ورد كعلمٍ لإلهٍ خاص في النقوش السبئية والقتبانية،٦ ورغم أهمية هذا الأمر فإن نيلسن لم يوضِّحْ لنا أيَّ إله خاصٍّ تسمى بالاسم «إل» وعلى أية منطقة من الطبيعة، أو على أية ظاهرة طبيعية كانت دلالته، هذا وقد أفادنا «ريكمانز» أن «إل» قد جاء في النقوش السبئية، يحمل اللقبين «فخر» بمعنى العظيم، و«تعلى» بمعنى تعالى،٧ أما هوبر فقد أثمرت أبحاثه ونشاطه، الكشف عن «إل» في النقوش الثمودية بالصيغة «إله-ن»،٨ وباعتبار حرف «ن» الأخير هو أداة التعريف، فإن المعنى واللفظ سيكون «الإله» أو «الله».

وتأسيسًا على هذه المعاني يمكننا الزعم أن حرفي «أ» و«ل» في أول المقة، إنما تعني الله أو الإله، وبذلك تتركب كلمة «المقة» من مقطعين أو ملصقين، وهي خاصية في اللغات السامية، فتعني الإله أو الرب «مقة»، ونتذكر مرة أخرى أن الإخباريين المسلمين، كان واضحًا أنهم لا يعلمون شيئًا عن «الرب مقة» سيد أرباب الجنوب.

وتبقى الإشكالية الثانية، وهي «تاء» التأنيث في «المقة»، وأتصور حلها يمكن استخلاصه من نص قتباني، يشير إلى الذبائح المقدسة بقوله: «مختن ملكن بمكي»،٩ وتأخذ الباحثة «منقوش» بترجمته إلى «المذبح الملكي بالموضع مكي»، وعليه فالنص يشير إلى موضع للذبح المقدس وتقديم القرابين، وأن هذا الموضع يقع في منطقة تحمل الاسم «مكي» مع ملاحظة تعبير النص الأصلي «مختن» فهو يعني مقر «الختان»، والختان كما هو معلوم كان شرعة مقدسة، تمارس في أيام محددة في أماكن مقدسة، لدى الشعب المصري بوجه خاص، ولم تزل تمارس في مقامات الأولياء وموالدهم حتى اليوم، إضافة إلى أن المختن تعني أيضًا المذبح.

وهنا يثور التساؤل الحذر: إذا كان المعبد المقدس للإله حيث تتم عملية الختان، أو تقديم الأضاحي، يقع في منطقة «مكي»، فهل هناك علاقة بين اسم الإله الغامض «المقة» أو «الرب مقة»، وبين «مكي» في النص: مختن ملكن بمكي؟

هناك مشكلة ظاهرية يمكن أن تواجه هذا الاقتراح، وهي أن النص قتباني، وقتبان كانت تعبد الإله القمر باسم «عم» وليس باسم «المقة»، إلا أن هذه المشكلة الظاهرية يمكن أن تساعد على الحل، ولنطرح تصورنا لهذا الحل في الخطوات التالية:

(١)

ورد عند ابن طيفور المصري، وعند القيرواني، أن بعض أهل اليمن كانوا يقلبون القاف كافًا، كما يفعل أهل فلسطين اليوم، وكثير من المناطق الأخرى، وفي اليمن ذاتها، ومن هنا لا نستبعد العلاقة بين «مكي» و«مقة».

(٢)

إن إشارة النص القتباني إلى المذبح الملكي بكونه في الموضع «مكي» مع ما عرفناه عن تقديسهم للإله «إل» وتلقيبهم له باللقبين «فخر» و«تعلى»، والصيغة التي يعتبرها «هوبر» لقيته، أقصد «إله-ن» أي «الله» وتشير إلى «إل»، ومع ما علمناه عن «إل» كعَلَم ذي دلالة خاصة على إله خاص لدى القتبانيين والسبئيين معًا — فيما زعم نيلسن — ومع ما افترضناه حول كون «الألف» و«اللام» في أول «المقة» إنما هي «إل» أي إله أو رب، مع هذه المجموعة من الإشارات، نجدنا شبهَ مضطرين إلى استنتاج أن معبد «إل» على الأرض، سواء كان قتبانيًّا أم سبئيًّا، إنما كان يشار إليه بالاسم كان يشار إليه بالاسم «مكي»، ويقدس معبده ومحيطه كحرَم خاصٍّ له.

(٣)

ومن هنا نقترح أن يكون اسم «المقة» ليس خاصًّا بإله خاص، إنما يعني «إل مقة» أو «إله مكي». وهنا ننتقل خطوة أخرى فنحتسبُ ترجمة النقشِ «المقة» إلى «الرب مقة» ترجمة غير دقيقة، ويجب أن تكون «إله مكي» أي إله المعبد المسمى «مكي»، وبذلك لا يعد لفظ «المقة» اسم عَلَم يطلق على إله القمر السبئي — كما زعم الباحثون — إنما يصبح مع هذا الاجتهاد بمعنى «رب البيت» أو «بيت الرب»، ويعضد ذلك أنه فيما يبدو كانت كلمة «مك» أو «بك» تعني البيت، أو ربما البيت المقدس في اللسان السامي، ومثال لذلك معبد «بعلبك» في لبنان، والكلمة «بعل-بك» تعني بيت البعل، وكان البعل إلهًا كنعانيًّا فينيقيًّا في تلك المناطق كإله للخصب والخضرة والنماء وربًّا للمياه والغيث، وعليه يمكن اعتبار «إل مقة» هي «بيت الرب» أو «رب البيت»، وعادة ما تواتر في تاريخ العبادات القديمة إطلاق اسم «بيت الرب أو رب البيت» على محيطه ومدينته بالكامل، وهو ما حدث في حالة «بعلبك»، وحدث أيضًا في اليمن حيث وجدنا — كما سبَق وفصَّلْنا — نصوص نرام سين تتحدث عن «مكان» بكسر الميم، كبلد يمني ذي علاقات خاصة ببلاد الرافدين القديم، وحيث أشار المسعودي لوجودها في عهده، وقال إنه ركب السفينة من «ميكان» وبحذف أداة التعريف اليمنية «ن» تصبح «ميكا» أو «مكا» بكسر الميم، وهو ما يوعز لنا بالنطق الأصدق للنص القتباني «مختن
ملكن بمكي» ليصبح «مختن ملكن بميكا أو بمكا».

(٤)

ويدعم هذه الاستنتاجات، ما جاء في النصوص السبئية تصف الرب المعبود بأنه «ذوي سموي»،١٠ وتعني صاحب السماء أو رب السماء، وإذا أخذنا بافتراض العلماء أن «المقة» فيما زعموا كان إلهًا للقمر، فسيكون «ذوي سموي» هو «إل» أو «إله-ن» بالذات والتحديد، أي «الله»، أما «المقة» أو «مكة» فلم يكن اسمًا إلهيًّا، إنما هو حرم هذا الإله على الأرض، أي يصبح «إل» هو «ذوي سموي» رب السماء، رب البيت المقدس المكرس لعبادته على الأرض.

(٥)

ويذكر «ديتلف نيلسن» أنه قد عثر على كلمات احتسبها أسماء إلهية، أو ألقابًا للمقة في النصوص السبئية، أهمها هنا اللفظ «رحمنن» أي الرحمن، واللفظ «حريمن» لكنه يترجم «حريمن» بمعنى «محرم» أو «القديس»،١١ لكن وفق ما طرحناه نجدُ هذه الترجمة غير دقيقة، إنما تستقيم تمامًا عندما نترجمها «الحرم» أو «القدس» بمعنى الحرم الإلهي أو القدس الإلهي، وهي تلتقي تمامًا مع احتسابنا «المقة» إشارة للبيت الإلهي الذي يصحُّ وصفه هنا بكلمة «الحرم» بينما هذه الكلمة «حرم» لا تعني شيئًا إذا وصفنا بها ربًّا، وعليه تصبح «تاء» التأنيث في آخر «المقة» أمرًا مفهومًا، إذا احتسبنا اللفظة دلالة على موضع أو بلدٍ مقدَّسٍ باسم «مقة» أو «مكة»، وإعمالًا لكل ما سلف نصل إلى نتائج هي:

إن «مقة» أو «مكي» أو «ميكان» أو «مكا» لفظٌ قُصد به الإشارة إلى موضع الحرم الإلهي على الأرض، وليس اسمًا لإلهٍ، وهو ما يفسِّر لنا سبب عدم ورود اسم «المقة» عند الإخباريين المسلمين، بين ما ذكروه من معبوداتِ الجزيرة قبل الإسلام.

إن لفظة «المقة» إنما تعني رب البيت أو على الأرجح «بيت الرب» على غرار «بعلبك» بيت البعل.

إن رب البيت هو «إل» هو «ذوي سموي» أو رب السماء، هو «إله-ن» أو «الله»، أما أهم ألقاب المعبود في اليمن فهي ما ترجمه الآثاريون إلى Monimos، وإلى Azizos مونيموس١٢ أو ما يعني ببساطة «العزيز» و«المنعم»، إضافة إلى لقب «الرحمن»، ولقب «الحكيم».١٣

ومن المعروف أنه بعد انهيار مركز «اليمن السعيد» التجاري، ودمار سد مأرب الشهير، نزحت قبائل اليمن نحو الشمال، لتستقر في أنحاء متفرقة من بلاد العرب. وتعلمنا كتب الأخبار أن أكبر هذه القبائل كانت «خزاعة»، وأن هذه القبيلة قد استقرَّتْ في المنطقة التي أصبح التاريخ يعرفها باسم «مكة» في الحجاز،١٤ ومن الطبيعي أن تحمل هذه القبائل معها معتقداتها، ومعبوداتها، وطقوسها الدينية، وعلى رأس الجميع «رب البيت» وذكري «بيت الله»، ذلك الاصطلاح الذي يفسِّرُ لنا: لماذا ذكرت الأخبار معبودات الجزيرة ومعبودات اليمن بوجهٍ خاص، دون ذكر «المقة»؟ والحقيقة المبنية على ما أسلفنا أنه ذكر فعلًا فهو «رب البيت» أو «بيت الرب».

وقد لاحظت الباحثة «ثريا منقوش» التشابه بين: ما اعتقدت أنه إله قمري لسبأ باسم «المقة» وبين «مكة» الحجازية، وربطت بين الاثنين في ضوء ما جاء عند ابن طيفور المصري والقيرواني عن بعض أهل اليمن، ولكونهم ينطقون القاف كافًا، وما جاء على لسان النبي محمد ﷺ عن الفقه اليماني والحكمة اليمانية، لتصل إلى أن أهل اليمن هم أصل التوحيد في الجزيرة العربية، وأتصور أنه بعدما أسلفت من جهد، في التعامل مع الاسم «المقة» يمكن أن تكون ملاحظة الباحثة حول التشابه بين «المقة» و«مكة» قد تدعمت بشكل كاف.

وفي الروايات الإسلامية، أن منطقة الحجاز كانت صحراء بلقعًا، حتى انفجر زمزم تحت خد إسماعيل طفلًا، فكان أول من جاء واستقرَّ بجوار البئر، ركب من اليمن،١٥ إضافة إلى ما جاء عن «عمرو بن لحي الخزاعي» عند الإخباريين المسلمين باعتباره أول حاجب للبيت، وفي ذلك إشارة واضحة إلى «بداية حجابة البيت مع الخزاعيين القادمين من اليمن»، خاصةً إذا علمنا أن هذه الحجابة الأولى للبيت لا تبعد زمانيًّا عن تاريخ دمار سد مأرب، وتشتت القبائل اليمنية، بأكثر من نصف قرن،١٦ مع رواية إخبارية أخرى، تحكي عن «تبع الثاني» أحد ملوك اليمن، الذي قدم البيت الإلهي الحجازي، وطاف به وقام ينحر للناس ويطعمهم، ثم كسا البيت بالبرود اليمنية، «وجعل له مفتاحًا١٧ ذاك المفتاح الذي استلمه الخزاعيون»، وأصبح فيما بعد محل صراع ونزاع، وانتهى به إلى يد «قصي بن كلاب» الذي ألف القبائل «وقرشهم تقريشًا، ومنها: قريش»، ضد خزاعة وأخرجهم من مكة الحجازية، وانتزع منهم البيت. وسواء حدثَتْ قصة «تبع الثاني» أو لم تحدث، فهي تعبير عن ترجيع الذاكرة لصدى أحداث نشأة البيت وظروفه، وعلاقته بأهل اليمن، حتى جعلت مفتاحه بيد قبيلة خزاعة اليمنية، أما الباحثة منقوش، فقد أكَّدَتْ — على ذمتها — أن كثيرًا من عبادات الحج للبيت الحجازي كانت على غِرار التقاليد اليمنية القديمة في تأدية فروض العبادة والحج للإله «المقة»،١٨ والملفت للنظر أن «تبع» الملك اليمني، الذي سلَّمَ خزاعةَ مفتاح البيت وكهانته، يستدعي إلى الذهن اسم الملكة السبئية التي ذكرتها نقوش الملك الرافدي «آسر حدون»، أقصد الاسم «تبوءة» والغريب في بابه أن الاسم «تبع» في الترجمة
١٧  ابن هشام: السيرة النبوية، تحقيق طه عبد الرءوف، شركة الطباعة الفنية المتحدة، القاهرة، ١٩٧٤م، ج١، ص٢٠.

١٨  ثريا منقوش: التوحيد يمان، ص٨٦.

١٩  يمكنك أن تجد ذلك بدراسة مفاتيح اللغة المصرية القديمة، وقد أوردنا المصدر الأيسر هنا وهو: أنطون ذكري، مفتاح اللغة المصرية القديمة، دار الشروق، القاهرة د.ت. ص٧٣.

٢٠  المصدر نفسه: ص٨٢.

٢١  المصدر نفسه: ص٩٢.

٢٢  الموضع نفسه.

٢٣  السهيلي: الروض الأنف، ج١، ص١٣٨.

٢٤  الموضع نفسه.

٢٥  السيرة الحلبية: ج١، ص٢٧.

٢٦  المصدر نفسه: ص٢٥٩.

٢٧  ابن سيد الناس: عيون الأثر، ج١، ص٦٧.

٢٨  السهيلي: الروض الأنف، ج١، ص١٠٩
الرافدية يصحُّ تمامًا أن ينطق «تبوءة» أو «تبوءًا». وهذا بدوره يستدعي اسم الشهر الخامس من السنة المصرية القديمة تبوة أو «طوبة» ومن المعتاد تسمية الأفراد وبخاصة الملوك بأسماء الشهور، مثل «تموز، أغسطس»، وقد نجد العكس مثل «رجب، شعبان، رمضان، خميس، جمعة … إلخ»، أما الأكثر إضاءة هنا هو أنك يمكنك العثور على أسماء القبائل العربية في أصول لسانية بالمعاجم العربية، وأن تجد لهذه الأسماء دلالاتها في أسماء الشهور والأيام، أو في أشياء الطبيعة وظواهرها مثل «حجر، كلب، سهيل، نجم … إلخ»، أو حتى في فعل مثل «قريش من التقريش أي التأليف والجمع»، أما خزاعة فواضح أنه لم يجد لها اللسانيون أصلًا واضحًا، فوضعوا لها تخريجًا غريبًا، هو أنها سميت كذلك لتخزعها أي تأخُّرها وانقطاعها، والواضح أنه تخريج مُتكلَّف، فهل سميت خزاعة بالاسم خزاعة قبل انقطاعها؟

وإذا ما لجأنا إلى اللغة المصرية القديمة، سنجد الكلمة «خو، تكتب هيروغليفيًّا على هيئة ذراع يحمل مدقًّا» تعني: حمى أو صان أو حرس،١٩ والكلمة «سا، تكتب هيروغليفيًّا على هيئة ذكر البط» وتعني: ابن،٢٠ لكن إذا أخذناها مكتوبة على شكل مقعد، وتنطق في هذه الحالة «س» فقط، فإنها تعني الكرسي،٢١ أما الكلمة «عا، وتكتب هيروغليفيًّا في شكل وتد الخيمة» فتعني: الكبير أو العظيم،٢٢ وعليه تعنى الكلمة «خزاعة» أو «خوساعا»: حراس الابن الكبير، «بمعنى ابن الإله أو الملك» أي الحرس الملكي، أو تعني: حراس الكرسي الكبير، وتفيد المعنى ذاته أي حراس العرش، وهو ما يلتقي إلى حد كبير مع مذهبنا وأطروحاتنا.

والملاحظ أن الروايات الإخبارية، التي جمعت راسب العصور العتيقة، وسوالف أحداثها، تكاد تجمع على أن البيت الإلهي القديم، قد تعرض لحدث تدميري، يتفق على أنه بفعل سيول من الماء أتتْ عليه، فهذا السهيلي يصف الحدث بأنه سيل هائل صدَّعَ بنيان الكعبة،٢٣ وهو بذلك إنما يتبع ابن هشام وابن اسحق،٢٤ أما أصرح المعقبين على الحدث فهو «برهان الدين الحلبي» الذي أكَّد أن البيت قد غرق بفعل طوفان نوح،٢٥ وأن سر تسميته بالبيت العتيق، يرجع إلى أنه أعتق من سيطرة الجبابرة الذين كانوا بمكة،٢٦ — إذن هم الجراهمة العمالقة! — كذلك «ابن سيد الناس» يتفق مع الغالبية على القول بتصدُّع البيت بفعل سيل هائل،٢٧ وكلها إشارات ترجع الصدى لذكريات العهود الخوالي عن سيل العرم ودمار مأرب الذي أدى لانهيار السد وحدوث طوفانات المياه، والتي ربما حدثت إثر هزة أرضية أو تفجر بركان قريب، وما تلا ذلك من هجرة القبائل اليمنية بعقائدها شمالًا.

لكن ما يثير العجب، فإنه رغم اتفاق الرواة على الدمار بسيل أو طوفان، فهم يتفقون على أمر مخالف تمامًا، يقول: إن البيت الإلهي المكي، سمي العتيق لأنه أعتق من الغرق بالطوفان النوحي، وهو تضارب نجد له مثيلًا آخر حول ما جاء عن الكعبة اليمانية من ذكريات، وأنه كان يقال عنها: «الكعبة اليمانية والشآمية، ويعنون بالشاآمية البيت الحرام»،٢٨ وهو النص الذي أدى إلى خُلف واضح بينهم في التفسير والتبرير، بينما الواضح لدينا أن القول يشير إلى ذكريات صادقة لبيت قدسه يمنيون، وقوم جاءوا من بوادي الشام، بيت بني في اليمن، ثم بني بعد ذلك في مكة بيت يجمع بين معبود يمني قح كان اسمه «الرحمن»، ومعبود شمالي باسم «إل» أو «الله»، وهو ما عالجته بعد ذلك الآيات القرآنية بقولها قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى (الإسراء: ١١٠).

أما صفة «العتيق» إذا أخذناها بمعنى العتق من الغرق، فستتضارب مع إجماع الرواة على انهيار البيت بالسيل، لكن لن يكون هناك أي تضارب إذا ما أخذناها كإشارة للبيت القديم، فالعتيق تعني القديم، فهي صفة تلزم البيت دومًا، مما يشير إلى أنها كانت تستخدم للتأكيد والتذكير بأمر بيت قديم أو عتيق، هو ذاك الذي زعمناه كان في اليمن السعيد، عندما كان سعيدًا!

١  ديتلف نيسلن: الديانة العربية القديمة، ص٢١٠، ص١٧٧.

٢  السهيلي: الروض الأنف، ج١، ص١٩.

٣  فرتز هومل: ص٦٢، ٦٣.

٤  موسكاتى: الحضارات السامية القديمة، ص١٢٧.

٥  جواد علي: المفصل، طبعة المجمع العلمي العراقي، ج٥، ص١٧.

٦  ديتلف نيلسن: الديانة العربية القديمة، ص١٨٤.

٧  Rykmans (Cyanzague), Les noms Propres Sudsemitiques, Lavain, 1934, Vol I, p1, 2, Voll II, P. 27, 33.

٨  أورد ذلك نيلسن في الديانة العربية القديمة، ص٢١٢.

٩  ثريا منقوش: التوحيد يمان، ص١٧.

١٠  نيلسن: الديانة العربية القديمة، ص١٤٨.

١١  المصدر نفسه: ص١٨٨.

١٢  المصدر نفسه.

١٣  المصدر نفسه: ص١٧٧.

١٤  سيد القمني: الحج، مجلة الكويت، الإعلام الكويتية، عدد، ١٢، ١٩٨١م.

١٥  الصدوق القمي: علل الشرائع دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط٢، ١٩٦٦م، ج٢، ص٤٣٢.

١٦  محمود سليم الحوت: في طريق الميثولوجيا عند العرب، دار النهار، بيروت ط٢، ١٩٨٩م، ص٤٩.
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
#الوعل اليمني

حفلت الحضارة اليمنية القديمة بالكثير من الإنجازات والشواهد الأثرية التي لاتزال تكتشف تباعاً لتدل بتنوعها واختلاف أشكالها وموادها ، على تمتع اليمن بممالكه ودياناته وأسلوب حياة أبنائه، بالقدرة على مجاراة الحضارات العريقة المعر...وفة في بلاد الرافدين ومصر وغيرها من حضارات الشرق الأدنى القديم وكان للفنان اليمني القديم الإسهام الواسع الذي يعكس مقدرته وحنكته في تلبية رغبات وهموم الناس ومتطلبات الحياة الخاصة والعامة وكان الوعل كحيوان بري ذا مكانة هامة ليس لصفته الحيوانية كأفضل قربان للآلهه في معابدها وحسب وإنما لما يمثله بصفته الطبيعية إلى جانب شكل قرونه الملتوية كتدوير الهلال والقمر لذلك كان اهتمام الفنان اليمني القديم بشكل الوعل (بالنحت المستقل أو ذي الثلاثة أبعاد والبارز ذي البعدين والرسم المسطح والتصوير) كرمز ديني وفني وتتفرد اليمن بامتلاك أقدم أنواع الإنتاجات الفنية لحيوان الوعل عن غيرها من الحضارات القديمة.
الوعل في اللغة والطبيعة
الوعل جمع أوعال ووعول ويقال له: الأروى جمع أروية ،وأنثاه: أروية أيضاً (جمع القلة) : أراوي، وجمع الكثرة: أروى اسم جمع على غير قياس ويعرف بـ (ibex) والوعل هو تيس الجبل، أو الحيوان البري المعروف والمشهور بتأبده في الجبال، وتسنمه لعوالي القمم بل لأكثر شناخيبها علواً أو حدة، حيث سميت الأوعال بالعصم لأعتصامها في الشواهق.
وللوعل في حياة اليمنيين القدماء ودياناتهم مكانة، ولها في نفوسهم ذكر، وذلك لثلاثة اسباب:
أولها: أنه منذ العصر السبئي المبكر، تأسس طقس ديني هو الصيد المقدس، وخاصة (صيد عثتر) الذي كانت تقام له شعائر موسمية، يتصدرها المكرب أو الملك السبئي وكبار القوم، وكان الوعل هو قوام هذا الطقس.
وثانيها: أن اليمنيين القدماء اتخذوا من الوعل وخاصة من الفحل -قائد القطيع- رمزاً يجسد الإله عثتر إله المطر والخصب والإخصاب، وكان عثتر إلهاً عاماً لجميع اليمنيين وليس له خصوصية، ولهذا كان له معابد في جميع أنحاء البلاد، وكانوا يتقربون إليه في هذه المعابد بأصنام كثيرة على شكل الوعل، كما تعتبر اللوحات المنحوتة بزخارف أشكال الوعل من ابرز ما عثر عليها في المعابد من عناصر زخرفية، وخير مثال على ذلك معبد برآن.
ثالثاً: الكثرة العظيمة التي كانت لقطعان الأوعال في جميع أنحاء اليمن وخاصة في المشارق، والمرابع الأولى للحضارات اليمنية القديمة، وللتدليل على ذلك يذكر نقش مسندي واحد ان صاحبه وهو (شريح ـ شرحم ـ أيمن الهمداني) صاد (مع أعوانه) ثلاثة الآف وعل من جبال صولان في منطقة مرهبة من بكيل ولهذا فإن الصيد التجاري كان قائماً إلى جانب الصيد الديني.
وفي نقش من شبام الغراس نشره د. محمد باسلامه في كتابه (شباب الغراس دراسة تاريخية أثرية) يتحدث صاحبه عن صيد وذبح عدد مائة وعل ليقدمها إلى إلهة الشمس لمناسبة دينية كقربان.
وتكثر النقوش المماثلة لصيد وذبح الوعل مما يدلل على أهمية وتفضيل لحمه عن غيره من الحيوانات.
وتصف كتب الموسوعة الطبيعية أن الوعل شديد الحذر والانتباه ويحس بصياده في الجوار ويرقد على ظهره ويضع قرناه على الأرض وينحدر من أعلى الجبل إلى أسفله بهذه الطريقة فوق الصفاء أو الصخر الأملس حتى ينجو من الصياد. وينتقل الوعل في قطعان وهذه القطعان تشكل مجموعات صغيرة أو رمز اسرية أصغر، ويغلب اللون البني عليها، ومن طبيعة قرناها أنها جوفاء وليست مصمتة وتتسلح بها للدفاع عن نفسها أو الهجوم وقرونها تنمو باستمرار ولا تتساقط وفيها ما يشبه العقد كل عقدة تنمو كل سنة أما خلافها من قرون الأيائل.. فهي مصمتة وتسقط بعد مضي عام ثم تنمو من جديد خلال عام آخر.
أهتم النحات القديم بنحت ونقش شكل الوعل كحيوان له مكانة رمزية مقدسة في معابد الآلهة اليمنية القديمة (الشمس، القمر، الزهرة) بمسمياتها المعروفة (ذات حميم، المقه، عثتر) إلى جانب تكريسها في مضامين نقوش المسند كنذور، وقد جاءت أنواع من المنحوتات والنقوش كدليل مادي على أهميتها ومكانتها من بين أهم الرموز الدينية إلى جانب الثور أيضا، وأكثر ما يبرز اعمال النحت للوعل ما يعرف باسم (افاريز الوعول) وهو نمط معماري فني ديكوري استخدم لتزيين واجهات المعابد وجدرانها الداخلية إذ نرى ذلك في الجزء العلوي من سور معبد المقه في صرواح العاصمة القديمة لمملكة سبأ والواقعة إلى الجنوب الغربي من مدينة مأرب، ويمكن مشاهدة سور المعبد المستدير تزينه في الأعلى أفاريز من رؤوس الوعل خاصة في الواجهة الشرقية يذكر أن يدع الذريح بن سمه على مكرب سبأ في القرن الثامن الميلادي كان قد بنا المعبد للإله المقه.
كما كشفت اعمال التنقيب الأثري التي اجريت في معبد المقه برآن المعروف باسم (عرش بلقيس) بمأرب والتي قامت بها البعثة الأثرية الألمانية، كشفت عن العديد من القطع الحجرية من أفاريز الوعل التي كانت تزين جدرانه الداخلية.
ولا تزال الكثير من هذه الانواع متواجدة في مواقع أثرية كثيرة وفي قاعات المتاحف اليمنية وفي الخارج الكثير من هذه الأفاريز.
المنحوت أغلبها من حجر الجيري الأبيض (البلق) والرخام والمرمر ونادراً من الخشب. ومظهرها الجميل في صف رؤوسها المستطيلة الوجوه والملتوية القرون متجاورة تبرز أشكالها من كتلة الحجر المنحوتة منه.
إلى جانب ذلك اهتم النحات اليمني القديم في نحت أشكالها كمقدمة لمنحوتات الأعمال الهندسية المحورة والمنحوتة من الحجر أو المصنوعة من المعدن. كما جاءت مرافقة للمسارج البرونزية التي تشبه في شكلها القارب اذ نراها معتلية المسرجة. مرتكزة بقوائمها الخلفية أو الجزء السفلي من بدنها على مؤخرة المسرجة وتظهر متوثبة في حالة حركة بقوائمها الأمامية.
وتأتي أشكال حيوان الوعل بأوضاع جلوس القرفصاء في مربعات تشكل أفاريز جانبية للوحات من الحجر الجيري والرخام مزينة لكتابات نذرية بخط المسند ويمكن مشاهدة ذلك على لوحات كبيرة الحجم موضوعة في المتحف الوطني بصنعاء جاءت من مواقع أثرية بمحخافظة الجوف والتي لا تزال فيها أعمدة معمارية لمعبد عثتر والمسمى (معبدينات عاد) المزينة بأشكال نسائية وثعابين ووعول وحراب.. على هيئة صفات زخرفية تعتبر فريدة من نوعها في طرازها.

الوعل في الرسوم الصخرية

يعد الوعل من أقدم ما شغل بال الفنان اليمني في عهود موغلة في القدم، إذ تفيد الدراسات الحديثة وجود رسوم الوعل على مسطحات صخور في أنحاء كثيرة من اليمن تعود إلى العصر الحجري أي منذ أكثر من سبعة الآف عام وتوالت رسومها كذلك في فترات التاريخ اليمني القديم.
ومن المعروف لدى المهتمين أن النحات اليمني القديم قد اهتم بإخراج اشكال الرموز الدينية بعناية فائقة نظراً لما تمثله من اهمية دينية.
الأمر الذي نرى فيه وضوح الملامح والمحافظة على نسب الجسم متوازنة خاصة في حال تجسيد التمثال كاملاً، أو كتلة الرأس بارزة في مجموعة الأفاريز وقد أوضح الجوانب منها في نهاية صف الرؤوس إذ يبرز الجزء الأيمن والأيسر مع الأرجل واقفة.
وقد اتخذت قرون الوعل المنحوتة بمفردها كنذور وهذا ما أثبتته مكتشفات حديثة في معبد يقع في رأس جبل حجاج ولا يزال الوعل يحتل مكانة خاصة لدى اليمنيين إذ لا تزال في حضرموت تقام مواسم لصيد الوعول والاحتفالات بها سنويا مع رفع قرونها عالياً بأيدي أشخاص يقومون بالرقص والغناء، كما لا يزال اليمنيون يتخذون من قرون الوعل زينة على أركان منازلهم
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
#الموت عند اليمنيين وغيرهم مقارنة

لا زلنا في اليمن ضحايا الموتى والجن الذين يحكمون زماننا في اليمن ويسيرون حياتنا ويقيدون تفكيرنا ويكبلون عقولنا بمختلف القيود الخرافية، الأمر الذي دفعنا لكتابة هذا البحث الموجز في عبادة وتقديس الموتى والجن وشعائرها.

فذلكة تاريخية :
اعتبر القدماء ومنهم اليمنيون منذ عصور ما قبل التاريخ أن الموتى من البشر يمتلكون قوى ما فوق الطبيعة الخارقة فعبدوهم وقدسوهم.
كان الإنسان ولا زال يرى في منامه أحياناً أمواتاً وكأنهم قد عادوا إلى الحياة، وقد يتراءى له من بينهم إنسان ربما يكون النائم قد أزهق روحه، فيعود إليه في حلمه ليعاتبه أو يطارده، أو يهجم عليه محاولاً قتله، وعندئذ قد يستيقظ النائم من نومه مذعوراً أو ربما فاضت روحه أثناء نومه من شدة وقع الكابوس عليه. ومن المؤكد أن الإنسان البدائي كان يقص الكوابيس التي تقض مضجعه على أترابه، ويبدأ الخيال في نسج أساطير تشرح تلك الظاهرة الغريبة فيعتقد أن أرواح الميتين لا تترك دنياها، بل تجيء بين الحين والحين لتزور الأحياء وهم نيام، إلى آخر هذه التفسيرات التي تتناسب عكسياً مع تطور العقل والإدراك([1])!.
والثابت، تاريخياً، أن العبادة المتعلقة بعالم الأموات قد أمست أكثر تعقيداً وتنوعاً في عصر البرونز مما كانت عليه في العصور التي قبله. وقد انعكست فيها الفوارق الطبقية والتمايزات السياسية في المجتمع. وعلى سبيل المثال كانت طقوس دفن الزعماء والأمراء والملوك مهيبة بشكل خاص، وكانت توضع في قبورهم كثير من الأشياء الثمينة وحتى الخيول المصروعة، وأحياناً كان يوضع مع الميتين من كبار القوم، أناس سبق قتلهم من خدم حي الميت وذلك بغرض مرافقة المتوفى إلى العالم الآخر، ووضعت تماثيل وأنصاب فوق القبور والأضرحة، كما كانت إجراءات دفن جثث الزعماء البارزين كثيرة المهابة والجلال.
ويؤكد المؤرخون أن الزعماء والملوك الموتى كانوا مادة لعبادة القبائل البدائية ولعامة الشعب في كل مكان. بل إن هذه العبادة كانت تكاد تكون الأهم بين العبادات، لأنها ارتبطت بشكل وثيق بعبادة الأسلاف العشائرية والعائلية (والفارق بينهما، هو أن العبادة الأولى شعبية عامة، أما الثانية فعائلية منزلية)، ولم تكن (عبادة الموتى) لتنفصل، في الوقت ذاته، عن عبادة الأحياء من زعماء العشائر والقبائل والدويلات والدول القديمة.
ويؤكد كثير من الباحثين أنه في المعتقدات القديمة، لا تبعد أرواح الموتى كثيراً عن الأماكن السكنية، كما أنها لا تحبذ التواجد في الأماكن المنخفضة وإنما تقطن المرتفعات لتوجه من هناك أمور الأحياء، وتأخذ منهم، وتعطيهم. وهكذا فإن الجبال كانت تقدس لكونها قريبة من السماء، وبالتالي لأنها تسهل الاتصال بالله، ويقطن (النبي) جبلاً كي يشرف على الناس ويزف إليهم النبوءة ويكتسب قداسة، كذلك كان يدفن اليمني أو القديس في جبل كي تستمر له تلك الخصائص وتزداد إثباتاً. ويرى البعض أن عدداً من المجتمعات العربية ما تزال وثنية تجاه الأشخاص الذين يتمتعون بالقداسة، كما أنه يكمن في هذه المعتقدات الوثنية التعليل الوحيد لبعض الطقوس المرتبطة بالموتى والتي لا زالت منتشرة في ثنايا حياتنا.
ومن العادات المرتبطة بالموتى والتي لا زالت آثارها حتى الآن في اليمن توزيع النقود على الصغار ترحماً على روح الميت. ولذلك غالباً ما يتقدم الجنائز الأطفال أملاً في المكافأة فيتبارون في رفع أصواتهم أثناء ترديد التراتيل الجنائزية، ويعتاد البعض في اليمن زيارة القبور أيام الخميس والجمعة. ومن المعتقدات أن روح الميت قد تزور بيته على شكل خنفساء أو ذبابة كبيرة، لا سيما عند الغروب، وفي بعض المناطق الريفية قد تتحول روح الميت إلى نحلة أو دبور يحوم حول أقاربه عند القيلولة تذكيراً لهم به، ويسود الاعتقاد أن أية حركة غريبة داخل منزل المتوفى بعد فترة وجيزة من موته مصدرها سكون روحه، على أن ما يحدث من حركات بعد ذلك بسبب الريح والظواهر الطبيعية الأخرى تتم نسبتها إلى مزعوم الجن والعفاريت.
جذور عبادة الأسلاف :
ترجع عبادة الأسلاف من الزعماء إلى التنظيمات القبلية والعشائرية والعائلية البدائية، حيث تكونت تلك العبادة من صلوات وابتهالات عادية مصحوبة بتقديم القرابين، غير أن عبادة الأسلاف الموتى من الزعماء في معظم القبائل اتخذ طابعاً خاصاً في المهابة، إضافة إلى الأشكال العنيفة في القبائل والعشائر ذات السلطة الاستبدادية، ولم يكن من الندرة تقديم ضحايا كقرابين بشرية إبان دفن الزعيم، أو خلال مآدب التأبين الموسمية أو غيرها. وكان تقديم القربان البشري في الوقت ذاته قد يكون تنفيذاً لحكم الإعدام على العبيد والمجرمين المحكومين بالإعدام فيجري إدخالهم في عداد القرابين، وكانت هناك عبادة في بعض القبائل لدى دفن الملك تقضي بمواراة أجساد الخدم والعبيد الذين قاموا بالدفن كقرابين بشرية، سوية مع الزعيم الميت في مدفنه، وكان الطقس يشمل أحياناً المقربين من الأشراف من هم دون الزعيم في المرتبة، وكان يؤتى بضحايا بشرية وافرة
لتقدم قرابين في مآدب التأبين، يبلغ عددها حسب معلومات سابقة (400 – 500) شخص في المأدبة الواحدة. وحين لم يكن عدد المحكومين بالموت، الذين احتفظ بهم في السجون خصيصاً لمناسبات كهذه، يكفي، كان يتم القبض على أشخاص أبرياء، لا لذنب ارتكبوه، بل لمجرد إكمال العدد ((قد اسمه وصل)) حسب التعبير اليمني الشهير([2]).
وكانت القرابين المقدمة في مآدب تأبين الملك الراحل تعتبر في أفريقيا الغربية بمثابة (مراسلة) يبعث بها إلى العالم الآخر، كي ترفع للحاكم المتوفى الأخبار عن حسن سير الأمور في مملكته، ويفسر البعض ذلك بأن الفكرة الموضوعية في هذا السلوك الإرهابي تكمن في أن العادات والمعتقدات الدينية المماثلة كانت تدعم توطيد سلطة الزعماء، الذين انفصلوا عن الجماعة ووقفوا فوقها باعتبارهم قوة قهر وإرغام.
والراجح، أن الاعتقاد السائد في اليمن والمتمثل في أن الروح تنطلق على شكل ذبابة كبيرة لها طنين، مصدره الأساطير الفرعونية التي صورت الحياة الأخرى في مملكة الموت بشكل مفصل حيث اعتقد أهل مصر القديمة بأن الروح البشرية تكون على هيئة (خنفساء)([3])، ولدى اليمنيين القدامى كان يوجد ما يشبه هذا المعتقد، حيث كانوا يعتقدون بأن الإنسان، بعد الموت، يصبح ظلاً أي روحاً، يتجلى بشكل حيوانات أو حشرات أو ما شابه، والطنين، حسب المعتقد الشعبي، هو أصوات الروح التي لا يفهمها الأحياء، كما أن دوران الذبابة الكبيرة في البيت أو داخل غرفة، دليل تَفَقُّد روح الميت لأهله، وليرى من كان حزيناً منهم عليه حتى يباركه، أو يظهر غضبه على من بدا عليه السرور بعد الموت.
ويسود الاعتقاد، لدى بعض الأقوام بأنه، من أجل عدم إفساح المجال أمام الميت السيئ الذكر والشرير لينهض من قبره ويلحق الضرر بالأحياء، فإنه يجب تثبيت الجثة بوتد من الخشب ويدق مثبت من خلف الأذن وغير ذلك، مما يؤكد أن مصدر الخوف ليس هو الروح وإنما الجثة ذاتها حيث يسود الإيمان بخصائصها الخارقة التي تجعلها تتحرك بعد الموت، كذلك فقد نسبت للأنجاس من الموتى بعض الظواهر الضارة في الطبيعة، كالجفاف أي انقطاع المطر، ولدرئه، كان يؤخذ من قبر منتحر أو غيره من الأموات شيء من التربة وتلقى في مستنقع أو يجري ري القبر نفسه بالماء.
ولعل فكرة تثبيت جثة الميت لكي لا تنطلق منها روحه فتقض مضاجع الأحياء على نحو ما هو وراء وضع ألواح الحجارة على لحد الميت فوق الجثة بارتفاع بسيط في اليمن.
وفي المعتقد الشعبي أنه يمكن أن تتحول أرواح الموتى، حسب سلوك صاحبها أثناء الحياة، إلى أرواح طيبة أو شريرة. ولقد كان الإنسان اليمني وما يزال يعتقد كثيرون في اليمن أن الأرواح تكون، حتى بعد الموت، مرتبطة بالجسم أو بعض أجزائه، لذلك فإن أضرحة الأولياء يحافظ عليها بإجلال، وفي نفس السياق فإن الكثير من الناس في اليمن تتجنب كذلك المقابر، وتلك الأماكن التي سال فيها دم إنسان بسبب قتل عمد أو خطأ.
ويتضح من خلال دراسات التاريخ القديم، أن أجدادنا الجاهليين كانوا يعبدون الحيوانات المقدسة (الوعل والثور والبقرة والكلب والديك). كما وجدت لديهم عبادة النار وتبجيل الشراب المقدس، بل إن بعض القدامى أصبحت الشياطين مادة للعبادة لديهم في بعض الفترات التاريخية، وكان أهل (فارس) يحسبون الحساب لأرواح البشر، ومن أسماء الآلهة لديهم: إله الشمس (ميترا)، وروح الشر (أندرا)، والبطل الثقافي (بيما) وهو الراعي الأول وواضع القانون للبشر.
معبد الصمت :
في (فارس) تكونت العبادة (المزدكية) من تقديم القرابين وطقوس الطهارة وإشعال النار المقدسة.
ولديهم كل جثة نجسة، لا يجوز بأية حال أن تلاصق العناصر الطاهرة المقدسة وهي الأرض والماء وخاصة النار، ولكي تبعد الجثة عن ملاصقة الأرض والماء والنار، كان (المزدكيون) يدعونها فريسة للطيور الكواسر كما هو الحال في (معبد الصمت) الواقع أعلى جبل (شمسان) في (عدن)، وتقام لغرض التخلص من جثث الموتى لدى هؤلاء، أبراج دائرية خاصة سمي واحدها (داكما) في أعلى (الداكمات) تبدو فتحة متدرجة مع بئر في وسطها، تليها تجاويف متوضعة ذات ثلاث دوائر متحدة المركز من أجل أجساد الموتى: القسم الخارجي للرجال من الراحلين والوسط للنساء والقسم الداخلي للأطفال. وكان هناك مستخدمون خاصون، مهمتهم جلب الجثث وإلقاءها في هذه التجاويف وهي شبه عارية، حيث تقوم الكواسر بالتهامها بسرعة خاطفة، ثم تسقط العظام في قعر البئر، ويعتبر (الداكما) في التعاليم (الزرادشتية) مكاناً تتجمع فيه الشياطين لتمارس دعاباتها الصفيقة. والمؤمنون ملزمون في كل الأحوال بالابتعاد عن هذا المكان الملعون. إن (أبراج الصمت) هذه كما تدعى، ما زالت قائمة حتى اليوم لدى ورثة المزدكية المعاصرين (الفرس)، حيثما وجدوا([4]).
ويتضح من ذلك أن أتباع هذه الطائفة لم يكونوا ليقيموا كبير وزن لجدث الميت، فروح الراحل، حسب تعاليم المزدكية، عركت مختلف أوجه نصيبها في الحياة وهي ما زالت على الأرض. لهذا فإن عبدة (آهورا – مازدا) الطاهرين، الذين وفوا بكل ما تتطلبه الديانة، يؤولون بعد الموت إلى مكان منير هو الجنة، أما غير الأطهار، الكفرة، غير المؤمنين ب (آهورا – مازدا)، الذين ارتكبوا المحظورات أو ما لا غفران له من الآثام، فمصيرهم إلى جهنم، وهي مملكة (آنفرا – ماينيو). وستدمر يوم الدينونة أرواح المذنبين كافة.
سبب التقديس :
مما لا ريب فيه أن احتفالات الموت تربط الأحياء بجسم الميت والمقبرة، وذلك لكي تزيد من اعتقادهم في وجود الروح من خلال توقع مؤثراتها المفيدة أو الشريرة، ويرتبط بذلك إجراء سلسلة من احتفالات إحياء الذكرى، مع تقديم بعض الأطعمة التي ينبغي أن تشمل – في الغالب – ذبيحة. ويرتبط غالباً بطقوس إحياء ذكرى الموتى في اليمن عدد كبير من العناصر الاحتفالية التي تأخذ المحتفلين بعيداً عن الخوف واليأس والهلع ويقربهم كثيراً من التكافل والتضامن الاجتماعي، ومن ذلك المقيل الذي يقام بعد دفن الميت وما يتلى فيه من أناشيد وتدور فيه من مذاكرات وأحياناً تلقى فيه الدعابات والنكت للترويح على المصابين برزء الموت من أقرباء وأحباء وأصدقاء حي الميت و (ذكرى الأربعين مثلاً).
وما زال معظم الناس في اليمن يوزعون المأكولات والأطعمة للفقراء والمساجين بعد وفاة شخص ما، وذلك عن روحه، ولعل مرجع ذلك هو الاعتقاد بأن الطعام الذي يحصل عليه الفقراء يذهب، بدوره، عن طريق التناسخ، إلى روح الميت، والراجح أنه ليس الطعام ذاته هو الذي يذهب إلى أرواح الموتى وإنما الأثر المترتب على التصدق به إذ يصير كفارة لهم في الآخرة([5]).
ويرجع بعض الباحثين، المراثي والبكائيات الجنائزية، إلى عصور موغلة في القدم – فيما قبل القبائلية، كاشفاً النقاب عن ازدواجية الموقف من المتوفى من خلال ممارسة طقوس الدفن والجنازة، بما يشير إلى الخوف من الميت وحاجة الأحياء لحماية أنفسهم منه عن طريق المبالغة في دفنه في أعماق الأرض وداخل تابوت، كذلك الإغراق في الأكل الجماعي، عقب الدفن، والإشادة بفضائل الميت ومناشدته التشفع لهم في الآخرة وطلب العون لهم من الإله.
ويرى بعض الباحثين أن ما في معظم الطقوس الجنائزية من تكرار، بل وعبارات هزلية في بعض البلدان ومنها اليمن، لا تتفق ومراسم الجنازات.
على أن علماء الاجتماع المعاصرين يؤكدون أن التاريخ لم يقل لنا إن أُمّة من الأمم وصلت في احترامها للموتى والأسلاف إلى حد عبادتهم جميعاً، وإنما كان موضعاً للتقديس من هؤلاء، من كان قد عرف في حياته بقوة بدنية خارقة وسخرها لخدمة قومه، فترك أثراً طيباً في نفوسهم، أو ذلك الذي عرف بإنفاقه لثروته الطائلة في وجوه الخير … الخ.
ويتضح من ذلك أن الموت، بذاته، ليس هو سبب التقديس، وإنما تسخير قوة حي الميت لخدمة الأهل أو إنفاق الثروة في وجوه الخير ومدى صدق حي الميت وصراحته وورعه.
ولدى الآريين في أوروبا كان الأسلاف موضوعاً للعبادة، أيضاً جنباً إلى جنب مع الآلهة الوثنية.
وفي إحدى الأناشيد الدينية المغرقة في القِدَم يرتل العابدون:
((بلى سترفع بيتريس ثلاث درجات … نعم ستحفظنا في كافة دعواتنا. وعباداتنا موجهة الآن إلى القدماء، إلى الآباء الجدد، إلى أولئك الذين يستقرون فوق الشعلة الأرضية إلى أولئك الذين يتواجدون في كنف العرق الأصيل … أوه أيها الآباء، آباء بارهيشادا (المفترش الشعب)، ندعوكم جميعاً لمعونتنا. تمتعوا بقربان كامل الاحتراق، مما نقدمه لكم. هبونا غطاء السعادة أبعدوا عنا الشر والإثم))([6]).
التناسخ :
ترتبط عبادة الأسلاف وتقديس الحكام والموتى بمسألة (التناسخ).
وقد كان المسخ والتناسخ عند العرب الجاهلية يعتبران نوعاً من أنواع الثواب والعقاب بعد الموت، حيث اعتقدوا بأن الشخص الذي تكثر سيئاته وذنوبه تنتقل روحه، عند وفاته، إلى جسد حيوان يسخر للقيام بالأعمال الشاقة والقذِرَة، أما الشخص الذي تكثر حسناته فإن روحه تنتقل بعد وفاته إلى جسد إنسان آخر يعيش عيشة سعيدة ويحيا حياة نظيفة.
ولذلك نجد في عالم تحضير الأرواح الخرافي في اليمن وغيرها، أنه في حالة فقدان شيء مثلاً، فإن روح أحد الموتى ممن كانوا صادقين وصرحاء قبل موتهم إذا ما تم استدعاؤها فإنه يجري الاعتقاد لدى البعض بأنها تحدد المحل الذي خبئ فيه الشيء المفقود. ولكن إذا كانت المستدعاة روح شخص كاذب، فإن المعلومات التي تقدمها حول الشيء المفقود تكون زائفة يجانبها الصدق وتبعد عن الحقيقة تماماً.
وكان الأيرلنديون مؤمنين بتجسد الأرواح بعد الموت، ولكنهم كانوا يحلمون بوجود جزيرة سماوية وراء البحر: