مملكة سبأ .. بين النصوص الدينية والروايات التاريخية
تمهيد:-
كانت سبأ مملكة تقع في جنوب شبه الجزيرة العربية (اليمن حالياً) والتي ازدهرت في الفترة الواقعة بين القرن الثامن قبل الميلاد و عام 275 م حيث أفل نجمها عندما احتلها الحميريون .
هذه هي الفترة المتفق عليها لاستمرار مملكة سبأ، بينما يرجح بعض العلماء على أنها وجدت لفترات أطول أو أقصر.
سبأ في الكتب المقدسة:-
قد تكون مملكة سبأ مشهورة اليوم بسبب سردها في الكتاب المقدس في سفر الملوك 10 : 1 – 13 وسفر أخبار الأيام الثاني 9 : 1 -12 عن زيارة ملكة سبأ للملك سليمان، وقد رويت نفس القصة مع وجود اختلافات ملحوظة في الترجوم الثاني ، وفي القرآن الكريم (سورة النمل) ، وفي كتاب مجد الملوك الأثيوبي ( يضع الكتاب الأخير سبأ في أثيوبيا وليس في جنوب شبه الجزيرة العربية).
كما أن ملكة سبأ مذكورة في العهد الجديد المسيحي في إنجيل متى (12: 42) وإنجيل لوقا (11:31) ، وظهرت سبأ في أسفار العهد القديم (من بينها : سفر أيوب 1: 13 – 15 ، سفر إشعياء 45: 14 ، سفر يوئيل 3: 4-8) ، وكذلك ذكرت في القرآن الكريم في سورة سبأ.
مملكة سبأ الثرية:-
ومع ذلك؛ فقد عُرفت سبأ في الأصل بأنها مملكة ثرية وقد نمت ثرواتها بفضل التجارة عبر طريق البخور الممتد بين جنوب شبه الجزيرة العربية وميناء غزة على البحر المتوسط.
تشير معظم المصادر التراثية الإسلامية والإنجيلية – ومن ضمنها قصة الملكة الشهيرة بلقيس – إلى أن ثروة سبأ تعود إلى نجاحها في التجارة.
قصة بلقيس ظلت حية في الأدبيات المعاصرة
قبل القرن الثامن قبل الميلاد؛ كانت التجارة في المنطقة تحت سيطرة مملكة معين، ولكن بحلول عام 950 ق.م؛ سيطرت مملكة سبأ على المنطقة، وفرضت الضرائب على بضائع جيرانها في الجنوب مثل حضرموت ، ومملكة قتبان ، وميناء قنا.
تراجعت تجارة السبئيين في أثناء الدولة البطلمية في مصر (323 – 30 ق . م ) عندما شجع البطالمة التجارة عبر الطرق البحرية على حساب السفر البري ، ما أدى إلى تراجع هيبة مملكة سبأ حتى تم احتلالها من قبل دولة الحميريين المجاورة لها .
ملكة سبأ في الكتب المقدسة:-
كانت سبأ هي موطن الملكة التي سافرت إلى القدس لتختبر حكمة الملك سليمان (حوالي 965 – 931 ق.م). في الرواية الموجودة في الكتاب المقدس أنها جلبت له هدايا كثيرة من الذهب من ضمن هدايا أخرى (سفر الملوك الأول 10 : 10) .
كانت الهدايا متوافقة مع الثراء المعروف عن مملكة سبأ، والتي لا يوجد دليل آخر على وجودها سوى روايات الكتب المقدسة.
أما القصة المذكورة في الترجوم الثاني ، وهو الترجمة الآرامية لسفر أستير مع التفسير فإنه يقدم نسخة منمقة عن زيارتها ، ونفس القصة مع بعض الاختلافات مذكورة في القرآن الكريم .
ظهرت نفس القصة بعد ذلك في الكتاب الأثيوبي “مجد الملوك” ، وقد أضاف هذا الكتاب أن الملكة حملت بإبن الملك سليمان ، وقام هذا الابن بعد ذلك بنقل تابوت العهد من القدس إلى أثيوبيا .
ممالك اليمن استفادت من الوفرة الاقتصادية للبلاد
أدى هذا الربط بين الملكة ومملكة سبأ بأن يستنتج البعض أنها كانت ملكة أثيوبية من وسط أفريقيا، حيث أن أفريقيا بها منطقة تُدعى سبأ والتي يبدو أنها مرتبطة لغوياً أو ثقافياً بمملكة سبأ الموجودة في شبه الجزيرة العربية.
لكن الأمر المرجح بشكل أكبر أن الملكة هي من مملكة سبأ الواقعة في شبه الجزيرة العربية، حيث اشتهرت تلك المنطقة بثرائها في تلك الفترة نتيجة لسيطرتها على طريق البخور الذي كانت تمر منه القوافل التجارية.
نشير هنا إلى أن نقلنا لما ورد في العهدين القديم والجديد؛ لا يعبر عن وجهة نظرنا، لكن الأمر لا يزيد عن كونه ترجمة لما يطرحه الإعلام الغربي حول أسطورة هذه المملكة الغابرة.
طريق البخور وسبأ:-
كانت طرق البخور التي عُرِفت أيضاً بطرق التوابل (حيث كانت القوافل العابرة محملة بالبخور والتوابل) هي الطرق التي سلكها التجار المسافرون من جنوب شبه الجزيرة العربية إلى ميناء غزة على البحر المتوسط.
وكانت هذه الطرق هي الأكثر جنياً للأرباح بين القرنين الثامن والسابع قبل الميلاد، وكذلك وصولاً إلى القرن الثاني قبل الميلاد ولكنها كانت موجودة من قبل ذلك وبقيت قيد الاستخدام لوقت لاحق.
غطت طرق البخور مساحة 1200 ميل ( حوالي 1931 كيلومتر) وكانت تستغرق 65 يوماً للسفر في اتجاه واحد.
كانت القوافل تتوقف في مدينة مختلفة في نهاية كل يوم وتقوم بمبادلة البضائع وإراحة الجمال ، ثم تستأنف السير في الصباح التالي.
وعلى الرغم من مرور العديد من البضائع عبر تلك الطرق، فإن البضائع الأعلى قيمة كانت شحنات اللبان والمر.
كانت سواحل جنوب شبه الجزيرة العربية تقوم بزراعة الأشجار التي تفرز تلك المواد الراتنجية ، ولكن يبدو أنها كانت تحصل على المزيد من الهند عبر ميناء قنا ( يُعرف اليوم ببئر علي في شرق اليمن).
كانت البضائع تُنقل من الممالك الساحلية شمالاً إلى معين، ومن هناك إلى غزة.
شبطا
التجار الأنباط أكثر نجاحا
تمهيد:-
كانت سبأ مملكة تقع في جنوب شبه الجزيرة العربية (اليمن حالياً) والتي ازدهرت في الفترة الواقعة بين القرن الثامن قبل الميلاد و عام 275 م حيث أفل نجمها عندما احتلها الحميريون .
هذه هي الفترة المتفق عليها لاستمرار مملكة سبأ، بينما يرجح بعض العلماء على أنها وجدت لفترات أطول أو أقصر.
سبأ في الكتب المقدسة:-
قد تكون مملكة سبأ مشهورة اليوم بسبب سردها في الكتاب المقدس في سفر الملوك 10 : 1 – 13 وسفر أخبار الأيام الثاني 9 : 1 -12 عن زيارة ملكة سبأ للملك سليمان، وقد رويت نفس القصة مع وجود اختلافات ملحوظة في الترجوم الثاني ، وفي القرآن الكريم (سورة النمل) ، وفي كتاب مجد الملوك الأثيوبي ( يضع الكتاب الأخير سبأ في أثيوبيا وليس في جنوب شبه الجزيرة العربية).
كما أن ملكة سبأ مذكورة في العهد الجديد المسيحي في إنجيل متى (12: 42) وإنجيل لوقا (11:31) ، وظهرت سبأ في أسفار العهد القديم (من بينها : سفر أيوب 1: 13 – 15 ، سفر إشعياء 45: 14 ، سفر يوئيل 3: 4-8) ، وكذلك ذكرت في القرآن الكريم في سورة سبأ.
مملكة سبأ الثرية:-
ومع ذلك؛ فقد عُرفت سبأ في الأصل بأنها مملكة ثرية وقد نمت ثرواتها بفضل التجارة عبر طريق البخور الممتد بين جنوب شبه الجزيرة العربية وميناء غزة على البحر المتوسط.
تشير معظم المصادر التراثية الإسلامية والإنجيلية – ومن ضمنها قصة الملكة الشهيرة بلقيس – إلى أن ثروة سبأ تعود إلى نجاحها في التجارة.
قصة بلقيس ظلت حية في الأدبيات المعاصرة
قبل القرن الثامن قبل الميلاد؛ كانت التجارة في المنطقة تحت سيطرة مملكة معين، ولكن بحلول عام 950 ق.م؛ سيطرت مملكة سبأ على المنطقة، وفرضت الضرائب على بضائع جيرانها في الجنوب مثل حضرموت ، ومملكة قتبان ، وميناء قنا.
تراجعت تجارة السبئيين في أثناء الدولة البطلمية في مصر (323 – 30 ق . م ) عندما شجع البطالمة التجارة عبر الطرق البحرية على حساب السفر البري ، ما أدى إلى تراجع هيبة مملكة سبأ حتى تم احتلالها من قبل دولة الحميريين المجاورة لها .
ملكة سبأ في الكتب المقدسة:-
كانت سبأ هي موطن الملكة التي سافرت إلى القدس لتختبر حكمة الملك سليمان (حوالي 965 – 931 ق.م). في الرواية الموجودة في الكتاب المقدس أنها جلبت له هدايا كثيرة من الذهب من ضمن هدايا أخرى (سفر الملوك الأول 10 : 10) .
كانت الهدايا متوافقة مع الثراء المعروف عن مملكة سبأ، والتي لا يوجد دليل آخر على وجودها سوى روايات الكتب المقدسة.
أما القصة المذكورة في الترجوم الثاني ، وهو الترجمة الآرامية لسفر أستير مع التفسير فإنه يقدم نسخة منمقة عن زيارتها ، ونفس القصة مع بعض الاختلافات مذكورة في القرآن الكريم .
ظهرت نفس القصة بعد ذلك في الكتاب الأثيوبي “مجد الملوك” ، وقد أضاف هذا الكتاب أن الملكة حملت بإبن الملك سليمان ، وقام هذا الابن بعد ذلك بنقل تابوت العهد من القدس إلى أثيوبيا .
ممالك اليمن استفادت من الوفرة الاقتصادية للبلاد
أدى هذا الربط بين الملكة ومملكة سبأ بأن يستنتج البعض أنها كانت ملكة أثيوبية من وسط أفريقيا، حيث أن أفريقيا بها منطقة تُدعى سبأ والتي يبدو أنها مرتبطة لغوياً أو ثقافياً بمملكة سبأ الموجودة في شبه الجزيرة العربية.
لكن الأمر المرجح بشكل أكبر أن الملكة هي من مملكة سبأ الواقعة في شبه الجزيرة العربية، حيث اشتهرت تلك المنطقة بثرائها في تلك الفترة نتيجة لسيطرتها على طريق البخور الذي كانت تمر منه القوافل التجارية.
نشير هنا إلى أن نقلنا لما ورد في العهدين القديم والجديد؛ لا يعبر عن وجهة نظرنا، لكن الأمر لا يزيد عن كونه ترجمة لما يطرحه الإعلام الغربي حول أسطورة هذه المملكة الغابرة.
طريق البخور وسبأ:-
كانت طرق البخور التي عُرِفت أيضاً بطرق التوابل (حيث كانت القوافل العابرة محملة بالبخور والتوابل) هي الطرق التي سلكها التجار المسافرون من جنوب شبه الجزيرة العربية إلى ميناء غزة على البحر المتوسط.
وكانت هذه الطرق هي الأكثر جنياً للأرباح بين القرنين الثامن والسابع قبل الميلاد، وكذلك وصولاً إلى القرن الثاني قبل الميلاد ولكنها كانت موجودة من قبل ذلك وبقيت قيد الاستخدام لوقت لاحق.
غطت طرق البخور مساحة 1200 ميل ( حوالي 1931 كيلومتر) وكانت تستغرق 65 يوماً للسفر في اتجاه واحد.
كانت القوافل تتوقف في مدينة مختلفة في نهاية كل يوم وتقوم بمبادلة البضائع وإراحة الجمال ، ثم تستأنف السير في الصباح التالي.
وعلى الرغم من مرور العديد من البضائع عبر تلك الطرق، فإن البضائع الأعلى قيمة كانت شحنات اللبان والمر.
كانت سواحل جنوب شبه الجزيرة العربية تقوم بزراعة الأشجار التي تفرز تلك المواد الراتنجية ، ولكن يبدو أنها كانت تحصل على المزيد من الهند عبر ميناء قنا ( يُعرف اليوم ببئر علي في شرق اليمن).
كانت البضائع تُنقل من الممالك الساحلية شمالاً إلى معين، ومن هناك إلى غزة.
شبطا
التجار الأنباط أكثر نجاحا
في التجارة
كان التجار الأكثر نجاحاً على هذه الطرق هم الأنباط ( وهم معروفون اليوم بعاصمتهم مدينة البتراء في جنوبي الأردن) والذين كانوا قادرين على التفوق على منافسيهم عبر التحكم في منابع المياه.
حفر الأنباط الآبار التي كانت تمتلئ بمياه الأمطار ثم قاموا بإخفائها حتى لا يعرف مكانها ولا يستخدمها أحد سواهم ، مما مكنهم من السفر بسرعة أكبر وتكلفة أقل ، حيث لم يكونوا مضطرين للتوقف في المدن أو البلاد للمقايضة للحصول على الماء.
الأنباط حققوا مكاسب جمة من وراء الطرق التجارية
وفي ذلك الوقت أصبح الأنباط أثرياء للغاية لدرجة أنهم أصبحوا قادرين على التحكم في مدن مهمة على طول الطريق مثل : عبدة ، و الخلصة ، وممشيت و شبطا والتي أصبحت جميعها مراكز تجارية مزدهرة.
لم يكن بإمكان الأنباط وغيرهم الربح من الطرق بدون وجود مركز توزيع مركزي، وفيما يبدو أن هذا المركز كان مملكة معين ، ومنه تحكَّم المعينيون في تجارة البخور.
كان السبئيون في نفس المنطقة، وفي عام 950 ق.م بدأت مملكة سبأ بفرض سيطرتها على التجارة، وبحلول القرن الثامن قبل الميلاد أحكمت المملكة تلك السيطرة.
صعود نجم سبأ:-
تمكن السبئيون من التفوق على المعينيين في التحكم في التجارة ، وسرعان ما أصبحت سبأ المملكة الأكثر ثراءً في شبه الجزيرة العربية.
كانت البضائع تُرسل من سبأ إلى بابل وأوروك في بلاد ما بين النهرين، وإلى ممفيس في مصر، وإلى جبيل و صيدا وصور في المشرق، ومن ميناء غزة إلى أبعد من ذلك.
قواعد اللعبة مع بلاد الرافدين ومصر:-
وفي عهد الملك الآشوري سرجون الثاني (722 – 705 ق.م)؛ تطلب العبور في تلك الطرق التجارية الحصول على إذنه للمرور عبر الأراضي الآشورية.
سرجون الثاني لم يكن ملكاً تقليدياً
كان المصريون يتبادلون التجارة مع أراضي بنط (حالياً: ولاية أرض البنط الصومالية) منذ دولتهم الخامسة (حوالي 2498 – 2345 قبل الميلاد)، وكذلك مع جيرانهم النوبيين في الجنوب ، ولكنهم بدأوا بعد ذلك في التجارة مع جنوب شبه الجزيرة العربية.
كان الذهب يسافر من النوبة شمالاً حتى العاصمة المصرية ممفيس ومنها إلى الشرق ثم إلى سبأ في الجنوب.
ارتقى الملوك السبئيون المعروفون بالمكاربة إلى السلطة وقاموا بتمويل مشاريع لإنشاء مبانٍ عظيمة من عاصمتهم في مأرب (صنعاء الحالية في اليمن).
من أشهر هذه المشاريع سد مأرب ، أقدم سد معروف في العالم.
كانت الأودية الجبلية تفيض بالماء أثناء مواسم الأمطار لذلك بُني السد ليتحكم في الماء ويحوله إلى المزارع المنخفضة في الوديان.
أطلال سد مأرب الشهير
أرض اليمن السعيد:-
كانت عملية ري الأراضي ناجحة للغاية لدرجة أن المؤرخين القدامى أطلقوا على سبأ اسم “البلد الخضراء” ، من أمثلة هؤلاء المؤرخين بلينيوس الأكبر (23 – 79 م) والذي أطلق على المنطقة اسم Arabia Eudaemon أي “بلاد العرب السعيدة” ، وهو المصطلح الذي استخدمه الرومان فيما بعد بإسم (Arabia Felix) .
اعتُبر السد واحد من أعظم الأعمال الهندسية في العالم القديم.
اعتمد الاقتصاد في مملكة سبأ على التجارة عبر طرق البخور ، وكذلك اعتمد على الزراعة.
زراعة وفيرة:-
وفَّر سد مأرب المياه اللازمة لري الحقول ، وكانت المحاصيل وفيرة وكانت تُحصد مرتين سنوياً.
تكونت المحاصيل من التمور و الدخن و العنب و القمح والفواكه المتنوعة، وكذلك كانوا يقومون بتقطير الخمر من العنب ثم يتم تصديره أو استهلاكه محلياً.
من النباتات التي عرفتها الجزيرة العربية منذ القدم
ومع ذلك؛ فقد كان المحصول الأكثر أهمية هو الأشجار التي زودهم الصمغ الخاص بها باللبان والمر وهو ما جعل المملكة شديدة الثراء. كتب المؤرخ سترابو من القرن الأول الميلادي:
“أصبحت كل من سبأ وجرعا بما لهما من نصيب في تجارة الطيوب أغنى القبائل عامة، وامتلكت كميات كبيرة من القطع المصنوعة من الذهب والفضة مثل الأرائك والأحواض وأواني الشرب، بالإضافة إلى منازلهم الرائعة ذات الأبواب والأسطح والجدران المزخرفة بالعاج المطعم والذهب والفضة والأحجار الكريمة (الجغرافيا – الكتاب السادس عشر).
وعلى الرغم من أن المؤرخ سترابو كان يكتب في وقت لاحق، فيبدو أن سبأ كانت تمتع بمستوى عالٍ من الثراء منذ القرن السابع قبل الميلاد على الأقل.
اليمن والجزر التابعة لها عرفت البخور منذ القِدَم
من أين يأتي الذهب؟:-
تميزت أجزاء من الجزيرة العربية بتوافر مورد الذهب الذي عزز من قدرة مملكة سبأ ونظيراتها على تعزيز ثرواتها المادية والتي تحولت إلى ثروة حضارية فيما بعد.
وقد تعرَّض المؤرخ العراقي الشهير جواد علي، إلى بعض المواضع التي كان يستخرج منها الذهب في أرجاء مختلفة من الجزيرة العربية، وذلك في كتابه المرجعي “المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام”، مستعرضاً إياها كما يلي:
بيشة أو بيش (عسير)، وقد كان الناس يجمعون التبر منه، ويستخلصون منه الذهب.
ضنكان وقد تميز هذا الموضع بمعدن غزير من التبر.
المنطقة الواقعة بين القنفذة ومرسي حلج.
المنطقة الو
كان التجار الأكثر نجاحاً على هذه الطرق هم الأنباط ( وهم معروفون اليوم بعاصمتهم مدينة البتراء في جنوبي الأردن) والذين كانوا قادرين على التفوق على منافسيهم عبر التحكم في منابع المياه.
حفر الأنباط الآبار التي كانت تمتلئ بمياه الأمطار ثم قاموا بإخفائها حتى لا يعرف مكانها ولا يستخدمها أحد سواهم ، مما مكنهم من السفر بسرعة أكبر وتكلفة أقل ، حيث لم يكونوا مضطرين للتوقف في المدن أو البلاد للمقايضة للحصول على الماء.
الأنباط حققوا مكاسب جمة من وراء الطرق التجارية
وفي ذلك الوقت أصبح الأنباط أثرياء للغاية لدرجة أنهم أصبحوا قادرين على التحكم في مدن مهمة على طول الطريق مثل : عبدة ، و الخلصة ، وممشيت و شبطا والتي أصبحت جميعها مراكز تجارية مزدهرة.
لم يكن بإمكان الأنباط وغيرهم الربح من الطرق بدون وجود مركز توزيع مركزي، وفيما يبدو أن هذا المركز كان مملكة معين ، ومنه تحكَّم المعينيون في تجارة البخور.
كان السبئيون في نفس المنطقة، وفي عام 950 ق.م بدأت مملكة سبأ بفرض سيطرتها على التجارة، وبحلول القرن الثامن قبل الميلاد أحكمت المملكة تلك السيطرة.
صعود نجم سبأ:-
تمكن السبئيون من التفوق على المعينيين في التحكم في التجارة ، وسرعان ما أصبحت سبأ المملكة الأكثر ثراءً في شبه الجزيرة العربية.
كانت البضائع تُرسل من سبأ إلى بابل وأوروك في بلاد ما بين النهرين، وإلى ممفيس في مصر، وإلى جبيل و صيدا وصور في المشرق، ومن ميناء غزة إلى أبعد من ذلك.
قواعد اللعبة مع بلاد الرافدين ومصر:-
وفي عهد الملك الآشوري سرجون الثاني (722 – 705 ق.م)؛ تطلب العبور في تلك الطرق التجارية الحصول على إذنه للمرور عبر الأراضي الآشورية.
سرجون الثاني لم يكن ملكاً تقليدياً
كان المصريون يتبادلون التجارة مع أراضي بنط (حالياً: ولاية أرض البنط الصومالية) منذ دولتهم الخامسة (حوالي 2498 – 2345 قبل الميلاد)، وكذلك مع جيرانهم النوبيين في الجنوب ، ولكنهم بدأوا بعد ذلك في التجارة مع جنوب شبه الجزيرة العربية.
كان الذهب يسافر من النوبة شمالاً حتى العاصمة المصرية ممفيس ومنها إلى الشرق ثم إلى سبأ في الجنوب.
ارتقى الملوك السبئيون المعروفون بالمكاربة إلى السلطة وقاموا بتمويل مشاريع لإنشاء مبانٍ عظيمة من عاصمتهم في مأرب (صنعاء الحالية في اليمن).
من أشهر هذه المشاريع سد مأرب ، أقدم سد معروف في العالم.
كانت الأودية الجبلية تفيض بالماء أثناء مواسم الأمطار لذلك بُني السد ليتحكم في الماء ويحوله إلى المزارع المنخفضة في الوديان.
أطلال سد مأرب الشهير
أرض اليمن السعيد:-
كانت عملية ري الأراضي ناجحة للغاية لدرجة أن المؤرخين القدامى أطلقوا على سبأ اسم “البلد الخضراء” ، من أمثلة هؤلاء المؤرخين بلينيوس الأكبر (23 – 79 م) والذي أطلق على المنطقة اسم Arabia Eudaemon أي “بلاد العرب السعيدة” ، وهو المصطلح الذي استخدمه الرومان فيما بعد بإسم (Arabia Felix) .
اعتُبر السد واحد من أعظم الأعمال الهندسية في العالم القديم.
اعتمد الاقتصاد في مملكة سبأ على التجارة عبر طرق البخور ، وكذلك اعتمد على الزراعة.
زراعة وفيرة:-
وفَّر سد مأرب المياه اللازمة لري الحقول ، وكانت المحاصيل وفيرة وكانت تُحصد مرتين سنوياً.
تكونت المحاصيل من التمور و الدخن و العنب و القمح والفواكه المتنوعة، وكذلك كانوا يقومون بتقطير الخمر من العنب ثم يتم تصديره أو استهلاكه محلياً.
من النباتات التي عرفتها الجزيرة العربية منذ القدم
ومع ذلك؛ فقد كان المحصول الأكثر أهمية هو الأشجار التي زودهم الصمغ الخاص بها باللبان والمر وهو ما جعل المملكة شديدة الثراء. كتب المؤرخ سترابو من القرن الأول الميلادي:
“أصبحت كل من سبأ وجرعا بما لهما من نصيب في تجارة الطيوب أغنى القبائل عامة، وامتلكت كميات كبيرة من القطع المصنوعة من الذهب والفضة مثل الأرائك والأحواض وأواني الشرب، بالإضافة إلى منازلهم الرائعة ذات الأبواب والأسطح والجدران المزخرفة بالعاج المطعم والذهب والفضة والأحجار الكريمة (الجغرافيا – الكتاب السادس عشر).
وعلى الرغم من أن المؤرخ سترابو كان يكتب في وقت لاحق، فيبدو أن سبأ كانت تمتع بمستوى عالٍ من الثراء منذ القرن السابع قبل الميلاد على الأقل.
اليمن والجزر التابعة لها عرفت البخور منذ القِدَم
من أين يأتي الذهب؟:-
تميزت أجزاء من الجزيرة العربية بتوافر مورد الذهب الذي عزز من قدرة مملكة سبأ ونظيراتها على تعزيز ثرواتها المادية والتي تحولت إلى ثروة حضارية فيما بعد.
وقد تعرَّض المؤرخ العراقي الشهير جواد علي، إلى بعض المواضع التي كان يستخرج منها الذهب في أرجاء مختلفة من الجزيرة العربية، وذلك في كتابه المرجعي “المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام”، مستعرضاً إياها كما يلي:
بيشة أو بيش (عسير)، وقد كان الناس يجمعون التبر منه، ويستخلصون منه الذهب.
ضنكان وقد تميز هذا الموضع بمعدن غزير من التبر.
المنطقة الواقعة بين القنفذة ومرسي حلج.
المنطقة الو
اقعة بين القنفذة وعتود التي كانت تصدِّر الذهب.
وادي تثليث على مقربة من حمضة القريبة نسبياً على نجران.
ديار بني سليم التي أصبحت تسمى “مهد الذهب”.
أرض مدين وما والاها من الأرضين في شمال وادي الحمض.
الذهب تواجد بكثرة في مناطق مختلفة من الجزيرة العربية
المعابد:-
صعدت المدن العظيمة إلى المشهد ونُصبت المعابد الحجرية داخل تلك المدن وخارج أسوارها أيضاً.
كانت المعابد الموجودة خارج المدن تُستخدم من قبل التجار والقبائل الرحالة، أما المعابد الموجودة داخل المدينة فقد كانت مخصصة لخدمة ساكني المدينة فقط.
كذلك من الواضح أن الملك كان له سلطة كهنوتية كبيرة وكان يترأس المهرجانات الدينية ويشرف على العمليات في المعبد.
أرض اليمن حبلى بالكنوز الأثرية
ديانة سبأ:-
كان الدين في مملكة سبأ مشابهاً للاعتقاد السائد في بلاد ما بين النهرين إلى حد كبير.
كان يُعتقد أن الآلهة خلقت العالم والناس ومنحتهم العطايا الجيدة.
كان “المقه” إله القمر السبئي هو ملك الآلهة وهو مشابه في كثير من الأوجه لإله القمر في بلاد ما وراء النهرين الإله نانا (كما يُعرف أيضاً بننار و سن) وهو واحد من أقدم الآلهة في بلاد ما بين النهرين.
أما في مملكة حضرموت المجاورة؛ فقد كان المقه يُعرف بالإسم الموجود في بلاد ما بين النهرين (سن).
أُهدي المعبد الأعظم في سبأ – المعروف بإسم محرم بلقيس ، وهو موجود بالقرب من العاصمة مأرب – إلى المقه ، وقد استمر االناس في اعتباره موقعاً مقدساً حتى بعد رحيل المملكة نفسها.
كانت شمس هي إبنة المقه وإلهة الشمس في سبأ وهي تتشارك في كثير من الصفات مع أوتو – شمش إله الشمس عند بلاد ما بين النهرين، وهو إله آخر من بين أقدم الآلهة في بلاد ما بين النهرين يعود تاريخه إلى عام 3500 ق.م.
لا توجد الكثير من المعلومات المتوفرة عن الآلهة الأخرى في سبأ، وكأي آلهة أخرى في العالم القديم ، فإن لكل إله من الآلهة تخصص مختلف، ويجب أن تُقدم لهم القرابين التي قد تكون بخور أو ثروة حيوانية أو مساحات من الأرض ، ومن الممكن أن تكون هذه الممارسات كما هو الحال في مصر قد نتج عنها طبقة كهنوتية ثرية للغاية.
محرم بلقيس الذي ذُكِر أيضاً في الوثائق الآشورية
صناعة الكهنوت:-
ليس من المعروف كيف كان الكهنة يؤدون واجباتهم أو ما إذا كانت هناك فئة كهنوتية أم لا بالرغم من أنه
من المرجح وجودها.
وإذا صدق هذا الافتراض؛ فإن ذلك يعني أنهم اتبعوا نفس النموذج الموجود في بلاد ما بين النهرين ومصر،
وفيه كان الكهنة والكاهنات يقدمون الرعاية للآلهة في معابدهم .
و كما هو الحال في الحضارات الأخرى؛ فقد اعتقد السبئيون أن الآلهة هم رفاقهم في الحياة الدنيا وفي
عالم ما بعد الموت.
كان الناس يحافظون على عباداتهم فقط عن طريق الاشتراك في المهرجانات الدينية، وكانوا يؤمنون
بالتبصر وأن الآلهة وأرواح الموتى يمكنهم إرسال الرسائل إلى الأحياء.
كان الموتى يُحنطون ويُدفنون في المقابر بعد أن تُدهن أجسادهم بالمر ثم يُحرق البخور في المعابد، وهذه
هي الممارسات الدينية القليلة المعروفة عند السبئيين.
التراث المكتوب عند سبأ:-
على الرغم من أن السبئيين كانوا يعرفون القراءة والكتابة؛ غير أنهم تركوا القليل جداً من التاريخ المكتوب.
يُعلق العالم كينيث كيتشن على ذلك قائلاً:
“عندما بدأ ملوك سبأ ومعين وغيرها من المناطق في بناء المباني المعمارية الضخمة – وبالأساس المعابد الحجرية – سرعان ما بدأوا بتزيينها بالنصوص المناسبة التي كانت تُكتب عادة بالخط المُسند. ولكن بعكس مصر وآشور يبدو أن المشاهد والنقوش البارزة قد لعبت دوراً ضئيلاً للغاية ويبدو أنها اختفت بعد بداية القرن الثامن قبل الميلاد تاركة النصوص فقط”.
ومع ذلك فإن هذه النصوص عبارة عن إهداءات للمعبد، والمراسيم الملكية، وقرارات المحكمة ، ولذلك لا تعبر عن التاريخ.
فهي لا تلقي الضوء على الممارسات والمعتقدات الدينية، أو حياة وإنجازات الملوك، أو ميلاد وأنشطة
الآلهة، أو كيفية تعامل الآلهة مع عالم البشر.
يلاحظ كيتشن أنه لو كانت تلك النصوص مصحوبة بالرسوم الموجودة على النقوش البارزة لتمكنت من إيصال المعنى بشكل أكبر.
ومع ذلك؛ فإنها توضح العهد الأساسي للملوك والحملات العسكرية التي وسعت من نفوذ السبئيين في آخر القرن السادس.
الفتوحات والدبلوماسية العسكرية:-
كان هناك 31 من المكاربة بين فترة حكم يثع أمر وتر الأول والرجل الذي اعتُبِر أعظم الملوك السبئيين “كرب
إيل وتر” (القرن السابع – القرن السادس قبل الميلاد). كان كرب أيل وتر هو أول من يطلق عليه لقب الملك
بدلاً من المكرب الذي كان يُستخدم في السابق ، وقد تابع الملوك اللاحقين نفس التسمية.
مُنح كرب أيل لقب “مُدمر المباني” نتيجة لحملاته العسكرية على مملكة أوسان ، كما عُرف أيضاً بـإسم
“منفذ إرادة أيل ” بعد أن قام بذبح القبائل البدوية ووضع الحدود لسبأ.
كرب إيل وتر:-
يعود لقب “أيل” للإله المقه ، وطبقاً لتعليمات المقه قام الملك كرب أيل بذبح
وادي تثليث على مقربة من حمضة القريبة نسبياً على نجران.
ديار بني سليم التي أصبحت تسمى “مهد الذهب”.
أرض مدين وما والاها من الأرضين في شمال وادي الحمض.
الذهب تواجد بكثرة في مناطق مختلفة من الجزيرة العربية
المعابد:-
صعدت المدن العظيمة إلى المشهد ونُصبت المعابد الحجرية داخل تلك المدن وخارج أسوارها أيضاً.
كانت المعابد الموجودة خارج المدن تُستخدم من قبل التجار والقبائل الرحالة، أما المعابد الموجودة داخل المدينة فقد كانت مخصصة لخدمة ساكني المدينة فقط.
كذلك من الواضح أن الملك كان له سلطة كهنوتية كبيرة وكان يترأس المهرجانات الدينية ويشرف على العمليات في المعبد.
أرض اليمن حبلى بالكنوز الأثرية
ديانة سبأ:-
كان الدين في مملكة سبأ مشابهاً للاعتقاد السائد في بلاد ما بين النهرين إلى حد كبير.
كان يُعتقد أن الآلهة خلقت العالم والناس ومنحتهم العطايا الجيدة.
كان “المقه” إله القمر السبئي هو ملك الآلهة وهو مشابه في كثير من الأوجه لإله القمر في بلاد ما وراء النهرين الإله نانا (كما يُعرف أيضاً بننار و سن) وهو واحد من أقدم الآلهة في بلاد ما بين النهرين.
أما في مملكة حضرموت المجاورة؛ فقد كان المقه يُعرف بالإسم الموجود في بلاد ما بين النهرين (سن).
أُهدي المعبد الأعظم في سبأ – المعروف بإسم محرم بلقيس ، وهو موجود بالقرب من العاصمة مأرب – إلى المقه ، وقد استمر االناس في اعتباره موقعاً مقدساً حتى بعد رحيل المملكة نفسها.
كانت شمس هي إبنة المقه وإلهة الشمس في سبأ وهي تتشارك في كثير من الصفات مع أوتو – شمش إله الشمس عند بلاد ما بين النهرين، وهو إله آخر من بين أقدم الآلهة في بلاد ما بين النهرين يعود تاريخه إلى عام 3500 ق.م.
لا توجد الكثير من المعلومات المتوفرة عن الآلهة الأخرى في سبأ، وكأي آلهة أخرى في العالم القديم ، فإن لكل إله من الآلهة تخصص مختلف، ويجب أن تُقدم لهم القرابين التي قد تكون بخور أو ثروة حيوانية أو مساحات من الأرض ، ومن الممكن أن تكون هذه الممارسات كما هو الحال في مصر قد نتج عنها طبقة كهنوتية ثرية للغاية.
محرم بلقيس الذي ذُكِر أيضاً في الوثائق الآشورية
صناعة الكهنوت:-
ليس من المعروف كيف كان الكهنة يؤدون واجباتهم أو ما إذا كانت هناك فئة كهنوتية أم لا بالرغم من أنه
من المرجح وجودها.
وإذا صدق هذا الافتراض؛ فإن ذلك يعني أنهم اتبعوا نفس النموذج الموجود في بلاد ما بين النهرين ومصر،
وفيه كان الكهنة والكاهنات يقدمون الرعاية للآلهة في معابدهم .
و كما هو الحال في الحضارات الأخرى؛ فقد اعتقد السبئيون أن الآلهة هم رفاقهم في الحياة الدنيا وفي
عالم ما بعد الموت.
كان الناس يحافظون على عباداتهم فقط عن طريق الاشتراك في المهرجانات الدينية، وكانوا يؤمنون
بالتبصر وأن الآلهة وأرواح الموتى يمكنهم إرسال الرسائل إلى الأحياء.
كان الموتى يُحنطون ويُدفنون في المقابر بعد أن تُدهن أجسادهم بالمر ثم يُحرق البخور في المعابد، وهذه
هي الممارسات الدينية القليلة المعروفة عند السبئيين.
التراث المكتوب عند سبأ:-
على الرغم من أن السبئيين كانوا يعرفون القراءة والكتابة؛ غير أنهم تركوا القليل جداً من التاريخ المكتوب.
يُعلق العالم كينيث كيتشن على ذلك قائلاً:
“عندما بدأ ملوك سبأ ومعين وغيرها من المناطق في بناء المباني المعمارية الضخمة – وبالأساس المعابد الحجرية – سرعان ما بدأوا بتزيينها بالنصوص المناسبة التي كانت تُكتب عادة بالخط المُسند. ولكن بعكس مصر وآشور يبدو أن المشاهد والنقوش البارزة قد لعبت دوراً ضئيلاً للغاية ويبدو أنها اختفت بعد بداية القرن الثامن قبل الميلاد تاركة النصوص فقط”.
ومع ذلك فإن هذه النصوص عبارة عن إهداءات للمعبد، والمراسيم الملكية، وقرارات المحكمة ، ولذلك لا تعبر عن التاريخ.
فهي لا تلقي الضوء على الممارسات والمعتقدات الدينية، أو حياة وإنجازات الملوك، أو ميلاد وأنشطة
الآلهة، أو كيفية تعامل الآلهة مع عالم البشر.
يلاحظ كيتشن أنه لو كانت تلك النصوص مصحوبة بالرسوم الموجودة على النقوش البارزة لتمكنت من إيصال المعنى بشكل أكبر.
ومع ذلك؛ فإنها توضح العهد الأساسي للملوك والحملات العسكرية التي وسعت من نفوذ السبئيين في آخر القرن السادس.
الفتوحات والدبلوماسية العسكرية:-
كان هناك 31 من المكاربة بين فترة حكم يثع أمر وتر الأول والرجل الذي اعتُبِر أعظم الملوك السبئيين “كرب
إيل وتر” (القرن السابع – القرن السادس قبل الميلاد). كان كرب أيل وتر هو أول من يطلق عليه لقب الملك
بدلاً من المكرب الذي كان يُستخدم في السابق ، وقد تابع الملوك اللاحقين نفس التسمية.
مُنح كرب أيل لقب “مُدمر المباني” نتيجة لحملاته العسكرية على مملكة أوسان ، كما عُرف أيضاً بـإسم
“منفذ إرادة أيل ” بعد أن قام بذبح القبائل البدوية ووضع الحدود لسبأ.
كرب إيل وتر:-
يعود لقب “أيل” للإله المقه ، وطبقاً لتعليمات المقه قام الملك كرب أيل بذبح
الآلاف في أوسن ثم قام
بغزو معين حيث ذبح أيضاً الآلاف من المعينيين ثم فرض عليهم الجزية والتي زادت من ثراء المعبد
العظيم القريب من عاصمته.
يُقال: إن ملك سبأ كان هو كذلك كبير كهنة الإله، وإن صح ذلك فهذا يعني أن الملك كرب أيل وتر كان غنياً
بشكل لا يصدق. وبالرغم من أن الملك قد استفاد بشكل شخصي فإنه لا يوجد شك بأن مملكة سبأ قد
استفادت أيضاً بشكل كبير من هذه الحروب، حيث عرفت دائماً بثروتها الضخمة.
كان على القوافل القادمة من جنوب قتبان وحضرموت والتي تتوقف في سبأ أثناء رحلتها إلى الشمال أن
تدفع الضرائب الإضافية إلى المقه كما يظهر في شكاوي التجار.
الضعف والسقوط:-
استمرت سبأ في الازدهار حتى بدأت الأسرة البطلمية في مصر تفضيل الطرق البحرية للتجارة على الطرق البرية.
لم تكن الرحلات البحرية و النهرية شيئاً جديداً، وكانت في الواقع مُفضلة بالنسبة للقدماء نظراً لتمكنهم
من السفر في البحر بشكل أسرع من البر.
كانت التجارة عبر النيل والبحر الأحمر معتادة في ذلك الوقت، ولكن ما شكل الفارق بالنسبة لمملكة سبأ؛
هو قرار مصر بمنع المرور عبر طريق البخور والتعامل مباشرة مع مدينة قنا الساحلية.
فبدلاً من مرور البضائع إلى داخل وخارج مصر عبر طريق الإسكندرية – غزة ، أصبح بإمكان المراكب
المصرية أن تبحر جنوباً في البحر الأحمر حول ساحل شبه الجزيرة العربية بين بنط في أفريقيا وقتبان في
شبه الجزيرة العربية، لتصل إلى قنا لتمارس التجارة مباشرة مع التجار القادمين من الشرق الأقصى، وبذلك
لم يعد لسبأ ضرورة في العملية التجارية.
وفي عهد بطليموس الثاني فلاديلفوس ( 285-246 ق.م)، تأسست المستعمرات المصرية على طول الساحل
الغربي للبحر الأحمر مما مكن مصر من التجارة بسهولة مع قتبان وحضرموت وقاني على الساحل الجنوبي
لشبه الجزيرة العربية.
ومع تضاؤل أهمية طريق البخور الذي كان السبب في ثراء مملكة سبأ؛ بدأت المملكة في الضعف والتراجع .
طريق التجارة الهلنستي
الغزو العسكري الحميري:-
ومع ذلك فإن نهاية مملكة سبأ لم تحدث بسبب التراجع الاقتصادي ولكن بسبب الغزو العسكري.
بدأ الحميريون من المنطقة المحيطة بريدان في شبه الجزيرة العربية باكتساب القوة ، ربما عن طريق
التجارة، وحوالي عام 200 م بدأت بغزو الممالك المجاورة لها مثل قتبان.
وبمجرد أن أرسوا حكمهم ، تحولوا إلى سبأ التي سقطت في عام 275 م ثم حضرموت التي استولوا عليها في
عام 300 م . كان يُطلق على الملوك من حمير لقب ” ملوك سبأ و ريدان ” وقد رفضوا الشرك بالله واعتنقوا اليهودية.
ومع قيام المبشرين المسيحيين بالانتشار والدعوة إلى اعتناق الديانة الجديدة، بدأ الملوك الحميريون على
سياسة الاضطهاد وقاموا بذبح آلاف المسيحيين (ربما هي حادثة أهل الأخدود الواردة في القرآن الكريم).
وفي عام 525 م؛ قامت مملكة أكسوم المسيحية في أفريقيا ” الحبشة ” بغزو مملكة حمير وعملت على إرساء المسيحية.
انهيار سد مأرب “العرم”:-
في عام 575 م انهار سد مأرب وغرقت سبأ.
انهيار السد ليصبح أثراً بعد عين
يروي القرآن الكريم هذه القصة في سورة سبأ ويحكي كيف كان عقاب الله لهم نتيجة عدم شكرهم لنعمة
الله، يقول تعالى :
” قَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آَيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17) ” .
يُرجع العلماء العلمانيون في وقتنا الحاضر إنهيار السد إلى تآكله بسبب القِدم ونقص الصيانة ، كذلك من
التفسيرات الأخرى العلمانية أن الفئران كانت تأكل دعائم السد مما تسبب في انهياره ، وقد أدى غرق سبأ
إلى رحيل سكانها إلى مناطق أخرى .
انتهت مملكة سبأ منذ وقت طويل ، وتكفل الفيضان بمحو كل ما يتعلق بتاريخ هذه المملكة ، وبدأت من
جديد في جذب أنظار العلماء في القرن التاسع عشر .
ومع ذلك كانت سبأ في مجدها واحدة من أعظم الممالك في العصور القديمة ، واعتبرها الكثيرون أنها تقع
في أرض يباركها الله .
أبو محمد اليمني يتحدث عن انهيار سد مأرب
حديث ياقوت الحموي عن سبأ:-
عرَّف الجغرافي والأديب الشهير ياقوت الحموي، مدينة سبأ بأنها أرض باليمن، مدينتها مأرب، قائلاً: إن بينها
وبين صنعاء مسيرة ثلاثة أيام، وقد سميت الأرض بهذا الإسم لأنها كانت منازل ولد سبأ بن يشجب بن يعرب
بن قحطان.
الرحّالة الأديب ياقوت الحموي من أشهر جغرافي الحضارة الإسلامية، جمع بين العلم والأخلاق والاستقامة وكان نابغة عصره، ويعد مصنفه معجم البلدان أفضل مرجع جغرافي..
وأضاف الحموي “كان اسم سبأ عامراً، وإنما سمي سبأ لأنه أول من سبى السَّبي، وكان يقال له من حُسنة
عَب الشمس، مثل عبّ الشمس وبالتشديد”.
وقيل: للقو
بغزو معين حيث ذبح أيضاً الآلاف من المعينيين ثم فرض عليهم الجزية والتي زادت من ثراء المعبد
العظيم القريب من عاصمته.
يُقال: إن ملك سبأ كان هو كذلك كبير كهنة الإله، وإن صح ذلك فهذا يعني أن الملك كرب أيل وتر كان غنياً
بشكل لا يصدق. وبالرغم من أن الملك قد استفاد بشكل شخصي فإنه لا يوجد شك بأن مملكة سبأ قد
استفادت أيضاً بشكل كبير من هذه الحروب، حيث عرفت دائماً بثروتها الضخمة.
كان على القوافل القادمة من جنوب قتبان وحضرموت والتي تتوقف في سبأ أثناء رحلتها إلى الشمال أن
تدفع الضرائب الإضافية إلى المقه كما يظهر في شكاوي التجار.
الضعف والسقوط:-
استمرت سبأ في الازدهار حتى بدأت الأسرة البطلمية في مصر تفضيل الطرق البحرية للتجارة على الطرق البرية.
لم تكن الرحلات البحرية و النهرية شيئاً جديداً، وكانت في الواقع مُفضلة بالنسبة للقدماء نظراً لتمكنهم
من السفر في البحر بشكل أسرع من البر.
كانت التجارة عبر النيل والبحر الأحمر معتادة في ذلك الوقت، ولكن ما شكل الفارق بالنسبة لمملكة سبأ؛
هو قرار مصر بمنع المرور عبر طريق البخور والتعامل مباشرة مع مدينة قنا الساحلية.
فبدلاً من مرور البضائع إلى داخل وخارج مصر عبر طريق الإسكندرية – غزة ، أصبح بإمكان المراكب
المصرية أن تبحر جنوباً في البحر الأحمر حول ساحل شبه الجزيرة العربية بين بنط في أفريقيا وقتبان في
شبه الجزيرة العربية، لتصل إلى قنا لتمارس التجارة مباشرة مع التجار القادمين من الشرق الأقصى، وبذلك
لم يعد لسبأ ضرورة في العملية التجارية.
وفي عهد بطليموس الثاني فلاديلفوس ( 285-246 ق.م)، تأسست المستعمرات المصرية على طول الساحل
الغربي للبحر الأحمر مما مكن مصر من التجارة بسهولة مع قتبان وحضرموت وقاني على الساحل الجنوبي
لشبه الجزيرة العربية.
ومع تضاؤل أهمية طريق البخور الذي كان السبب في ثراء مملكة سبأ؛ بدأت المملكة في الضعف والتراجع .
طريق التجارة الهلنستي
الغزو العسكري الحميري:-
ومع ذلك فإن نهاية مملكة سبأ لم تحدث بسبب التراجع الاقتصادي ولكن بسبب الغزو العسكري.
بدأ الحميريون من المنطقة المحيطة بريدان في شبه الجزيرة العربية باكتساب القوة ، ربما عن طريق
التجارة، وحوالي عام 200 م بدأت بغزو الممالك المجاورة لها مثل قتبان.
وبمجرد أن أرسوا حكمهم ، تحولوا إلى سبأ التي سقطت في عام 275 م ثم حضرموت التي استولوا عليها في
عام 300 م . كان يُطلق على الملوك من حمير لقب ” ملوك سبأ و ريدان ” وقد رفضوا الشرك بالله واعتنقوا اليهودية.
ومع قيام المبشرين المسيحيين بالانتشار والدعوة إلى اعتناق الديانة الجديدة، بدأ الملوك الحميريون على
سياسة الاضطهاد وقاموا بذبح آلاف المسيحيين (ربما هي حادثة أهل الأخدود الواردة في القرآن الكريم).
وفي عام 525 م؛ قامت مملكة أكسوم المسيحية في أفريقيا ” الحبشة ” بغزو مملكة حمير وعملت على إرساء المسيحية.
انهيار سد مأرب “العرم”:-
في عام 575 م انهار سد مأرب وغرقت سبأ.
انهيار السد ليصبح أثراً بعد عين
يروي القرآن الكريم هذه القصة في سورة سبأ ويحكي كيف كان عقاب الله لهم نتيجة عدم شكرهم لنعمة
الله، يقول تعالى :
” قَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آَيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17) ” .
يُرجع العلماء العلمانيون في وقتنا الحاضر إنهيار السد إلى تآكله بسبب القِدم ونقص الصيانة ، كذلك من
التفسيرات الأخرى العلمانية أن الفئران كانت تأكل دعائم السد مما تسبب في انهياره ، وقد أدى غرق سبأ
إلى رحيل سكانها إلى مناطق أخرى .
انتهت مملكة سبأ منذ وقت طويل ، وتكفل الفيضان بمحو كل ما يتعلق بتاريخ هذه المملكة ، وبدأت من
جديد في جذب أنظار العلماء في القرن التاسع عشر .
ومع ذلك كانت سبأ في مجدها واحدة من أعظم الممالك في العصور القديمة ، واعتبرها الكثيرون أنها تقع
في أرض يباركها الله .
أبو محمد اليمني يتحدث عن انهيار سد مأرب
حديث ياقوت الحموي عن سبأ:-
عرَّف الجغرافي والأديب الشهير ياقوت الحموي، مدينة سبأ بأنها أرض باليمن، مدينتها مأرب، قائلاً: إن بينها
وبين صنعاء مسيرة ثلاثة أيام، وقد سميت الأرض بهذا الإسم لأنها كانت منازل ولد سبأ بن يشجب بن يعرب
بن قحطان.
الرحّالة الأديب ياقوت الحموي من أشهر جغرافي الحضارة الإسلامية، جمع بين العلم والأخلاق والاستقامة وكان نابغة عصره، ويعد مصنفه معجم البلدان أفضل مرجع جغرافي..
وأضاف الحموي “كان اسم سبأ عامراً، وإنما سمي سبأ لأنه أول من سبى السَّبي، وكان يقال له من حُسنة
عَب الشمس، مثل عبّ الشمس وبالتشديد”.
وقيل: للقو
م إذا ذهبوا في طرق متفرقة، ذهبوا أيدي سبأ أي فرقتهم طُرُقهم التي سلكوها كما تفرَّق أهل سبأ
في جهات متفرقة.
حديث الحموي عن مأرب:-
هي بلاد الأزد باليمن، قال السُّهيلي: مأرب اسم قصر كان لهم ، وقيل هو اسم لكل ملك كان يلي سبأ كما
كان تُبّعاً اسم لكل من ولي اليمن والشحر وحضرموت.
الإصطخري يصف رحلته إلى اليمن
وقال المسعودي: وكان هذا السدُّ (مأرب) من بناء سبأ بن يشجب بن يعرب وكان سافله سبعين وادياً، ومات
قبل أن يستتمه، فأتمته ملوك حير بعده، قال المسعودي: بناه لقمان بن عاد وجعله فرسخاً في فرسخ
وجعل له ثلاثين مشعباً
في جهات متفرقة.
حديث الحموي عن مأرب:-
هي بلاد الأزد باليمن، قال السُّهيلي: مأرب اسم قصر كان لهم ، وقيل هو اسم لكل ملك كان يلي سبأ كما
كان تُبّعاً اسم لكل من ولي اليمن والشحر وحضرموت.
الإصطخري يصف رحلته إلى اليمن
وقال المسعودي: وكان هذا السدُّ (مأرب) من بناء سبأ بن يشجب بن يعرب وكان سافله سبعين وادياً، ومات
قبل أن يستتمه، فأتمته ملوك حير بعده، قال المسعودي: بناه لقمان بن عاد وجعله فرسخاً في فرسخ
وجعل له ثلاثين مشعباً