(قاموس العرف القبلي في اليمن)
قول المؤلف إنَّ آل الأحمر كانوا " فقراء عـــلــــــم" قــبل مشيختهم تنقصه الإحالة إلى ما قبل المشيخة
> تعامل المؤلف مع تاريخ الإمامة بمنطق أيديولوجي لا بأسلوب الباحث العالم
> لم يكن عهد الإمامة مثالياً لكن شيطنته أزاحت الحقيقة واستبدلتها بمتخيلات الأذهان
محمد ناجي أحمد
بثلاثة أجزاء من القطع الكبير ،وبما يغطي (1211)صفحة طبع ببنط صغير وأسطر متزاجمة تجهد نظر القارئ ،وكان بإمكانه أن يتجاوز الـ(2000)صفحة لو طبع ببنط معقول –ذلك هو كتاب (قاموس العرف القبلي في اليمن) لمؤلفه الباحث أحمد الجبلي، والذي طبعه المعهد الأمريكي للدراسات اليمنية –صنعاء –الطبعة الأولى 2019م.
هو عمل موسوعي ،لغوي واجتماعي ،أخذ جهدا وصبرا ومقدرة تجميعية وتحليلية ونقدية من المؤلف ،بما يذكرنا بالأعمال الموسوعية التي أنجزها علماء أخلصوا الجهد والغاية للمعرفة ،ليصنعوا ضوءا للقارئ ،ووضوح رؤية لطبيعة تكوين الأمم ،في أنساقها الاجتماعية والتاريخية المختلفة .
قليلون هم العلماء الذين يجمعون أكثر من طريق للمعرفة في تأليفهم لكتاب ما ،ومن هؤلاء الأستاذ أحمد الجبلي في هذا الكتاب المسمى (قاموس العرف القبلي في اليمن )فقد كان امتدادا لعلماء ومحققين جمعوا بين علم اللغة والاجتماع والانثروبيولوجيا والتاريخ في تأليفهم لكتبهم الخالدة، وأزعم أن كتاب (أحمد الجبلي ) آنف الذكر هو من هذه المؤلفات التي لا غنى للباحث وطالب العلم والمعرفة عن الرجوع إليها ،والاقتباس منها ،والتزود بها فإنها من خير الزاد الذي يثمر استكشافا ويقينا وحركة نحو المستقبل ،بمعرفة جذورنا وعلاقاتنا وعوائدنا نحو طموحاتنا.
يبدأ الكتاب بـ(تمهيد ) بلغ في حجمه نصف الجزء الأول، أي ما يقارب الـ(200)من مجموع الـ(407)صفحات التي هي عدد صفحات الجزء الأول من الكتاب.
و(التمهيد )هو كتاب مستقل بذاته كدراسة تحليلية ونقدية شاملة ،يذكرنا بـ(مقدمة ابن خلدون) من حيث الانجاز الذي أحال المقدمة إلى مؤلف بذاته يتصل بكتابـ(العبر ) ويتميز عنه في آن ،وكذلك شأن تمهيد (الجبلي ) الذي لو أطلقنا عليه اسم (التمهيد)لما بالغنا في التقريض.
ففيه من الإحاطة والشمول التحليلي والنقدي ،والمراجعات الشاملة والمستقصية للدراسات الاجتماعية المتعلقة بموضوع دراسته ما يجعل تقريضنا توصيفا لم يجانف عين الحقيقة ،مع تنبيهنا للعديد من مواضع الاختلاف مع الكتاب في يقينياته أو مواقفه الأيديولوجية التي قد يستسلم لها هنا أو هناك.
الإخاء بين العرف القبلي والإسلام:
يدرس المؤلف مادة الإخاء في العرف القبلي ،لكنني سأتوقف هنا عند هذا المفهوم في الإسلام ،وهو بالتأكيد يختلف في منحاه وتصوره وغاياته عن مفهوم (الإخاء)في العرف القبلي في اليمن. وقد نبه الكاتب إلى ذلك في تمهيده .
(الحبل) هو العهد والميثاق والحِلف الجامع للأمة ،على أسس القرابة والدين والجغرافيا والتاريخ والمشاعر والمصير ،دون الاعتصام بالحبل الرابط لهذه الأمة ينفرط وجودها ،وتتفرق أيديها ،وتتكالب الأمم على جغرافيتها، فيطول شتاتها أجيالا وأجيالا.
ففي كتاب (قاموس العرف القبلي في اليمن)الجزء الأول: “الحبل :هو الرس ،أي الحبل المعروف ،وهو أيضا العهد والذمة والأمان وهو الجوار، وكذلك التواصل والوصال (الزبيدي :”حبل “28/263)وبمعنى العهد والأمان ،يذهب بعض المفسرين للآية “واعتصموا بحبل الله جميعا” ولو أن الإمام الطبري يذهب إلى أن للحبل معنى عاما هو “السبب الذي يوصل إلى البغية والحاجة “(الطبري 1992:12/94)فكما هو واضح ،لا نعثر في العربية القاموسية على المعنى المقصود ،أي الحلف ،بل على المعنى العام (العهد)والذي من خلاله يمكن التوصل ،بكل حق ،إلى أن الحِلف من معاني الاصطلاح “حبل”ص65-قاموس العرف القبلي في اليمن.
والحبل “حبل الجوار” ومن هنا تكون التحالفات بين القبائل والشعوب برابطة الحبل ،ويكون جوار الله هو العهد والعروة الوثقى التي لا انفصام لها.
ومن معاني الحلف والاعتصام ،قوله تعالى ” إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ” أي أنهم حلف وعهد وميثاق واحد ،ومن هنا فإن ما ذهب إليه الأستاذ أحمد الجبلي من أن من معاني المؤاخاة “الحلف” دقيق اجتماعيا ولغويا .
لقد كانت المؤاخاة بين الأنصار والمهاجرين حلفاً بين جماعتين ،في إطار الانصهار في بوتقة واحدة هي المؤاخاة في المدينة ،كجزء من مبدأ عام قرره القرآن “إنما المؤمنون إخوة” أو ربما يكون خطوة تدريجية نحوه.
كانت المؤاخاة التي أجراها الرسول (ص)بين المهاجرين والأنصار ،بل بين العتقاء والأحرار-قائمة على أساس دعوته “تآخوا في الله أخوين أخوين” أي مؤاخاة فردية ،تهدف إلى بناء كيان أمة متلاحم ،مغاير للكيانات القبلية المبنية على العصبية، والانتصار للحليف ظالما أو مظلوما ،والرسول في نهجه هذا غايته بناء أمة أساسها الانتصار لمكارم الأخلاق ،لا الانتصار لنتانة العصبيات القبلية(الجاهلية)بما يحيل إليه مفهوم الجاهلية من نسق اجتماعي وقيمي وزمني مختلف، وإن تعاي
قول المؤلف إنَّ آل الأحمر كانوا " فقراء عـــلــــــم" قــبل مشيختهم تنقصه الإحالة إلى ما قبل المشيخة
> تعامل المؤلف مع تاريخ الإمامة بمنطق أيديولوجي لا بأسلوب الباحث العالم
> لم يكن عهد الإمامة مثالياً لكن شيطنته أزاحت الحقيقة واستبدلتها بمتخيلات الأذهان
محمد ناجي أحمد
بثلاثة أجزاء من القطع الكبير ،وبما يغطي (1211)صفحة طبع ببنط صغير وأسطر متزاجمة تجهد نظر القارئ ،وكان بإمكانه أن يتجاوز الـ(2000)صفحة لو طبع ببنط معقول –ذلك هو كتاب (قاموس العرف القبلي في اليمن) لمؤلفه الباحث أحمد الجبلي، والذي طبعه المعهد الأمريكي للدراسات اليمنية –صنعاء –الطبعة الأولى 2019م.
هو عمل موسوعي ،لغوي واجتماعي ،أخذ جهدا وصبرا ومقدرة تجميعية وتحليلية ونقدية من المؤلف ،بما يذكرنا بالأعمال الموسوعية التي أنجزها علماء أخلصوا الجهد والغاية للمعرفة ،ليصنعوا ضوءا للقارئ ،ووضوح رؤية لطبيعة تكوين الأمم ،في أنساقها الاجتماعية والتاريخية المختلفة .
قليلون هم العلماء الذين يجمعون أكثر من طريق للمعرفة في تأليفهم لكتاب ما ،ومن هؤلاء الأستاذ أحمد الجبلي في هذا الكتاب المسمى (قاموس العرف القبلي في اليمن )فقد كان امتدادا لعلماء ومحققين جمعوا بين علم اللغة والاجتماع والانثروبيولوجيا والتاريخ في تأليفهم لكتبهم الخالدة، وأزعم أن كتاب (أحمد الجبلي ) آنف الذكر هو من هذه المؤلفات التي لا غنى للباحث وطالب العلم والمعرفة عن الرجوع إليها ،والاقتباس منها ،والتزود بها فإنها من خير الزاد الذي يثمر استكشافا ويقينا وحركة نحو المستقبل ،بمعرفة جذورنا وعلاقاتنا وعوائدنا نحو طموحاتنا.
يبدأ الكتاب بـ(تمهيد ) بلغ في حجمه نصف الجزء الأول، أي ما يقارب الـ(200)من مجموع الـ(407)صفحات التي هي عدد صفحات الجزء الأول من الكتاب.
و(التمهيد )هو كتاب مستقل بذاته كدراسة تحليلية ونقدية شاملة ،يذكرنا بـ(مقدمة ابن خلدون) من حيث الانجاز الذي أحال المقدمة إلى مؤلف بذاته يتصل بكتابـ(العبر ) ويتميز عنه في آن ،وكذلك شأن تمهيد (الجبلي ) الذي لو أطلقنا عليه اسم (التمهيد)لما بالغنا في التقريض.
ففيه من الإحاطة والشمول التحليلي والنقدي ،والمراجعات الشاملة والمستقصية للدراسات الاجتماعية المتعلقة بموضوع دراسته ما يجعل تقريضنا توصيفا لم يجانف عين الحقيقة ،مع تنبيهنا للعديد من مواضع الاختلاف مع الكتاب في يقينياته أو مواقفه الأيديولوجية التي قد يستسلم لها هنا أو هناك.
الإخاء بين العرف القبلي والإسلام:
يدرس المؤلف مادة الإخاء في العرف القبلي ،لكنني سأتوقف هنا عند هذا المفهوم في الإسلام ،وهو بالتأكيد يختلف في منحاه وتصوره وغاياته عن مفهوم (الإخاء)في العرف القبلي في اليمن. وقد نبه الكاتب إلى ذلك في تمهيده .
(الحبل) هو العهد والميثاق والحِلف الجامع للأمة ،على أسس القرابة والدين والجغرافيا والتاريخ والمشاعر والمصير ،دون الاعتصام بالحبل الرابط لهذه الأمة ينفرط وجودها ،وتتفرق أيديها ،وتتكالب الأمم على جغرافيتها، فيطول شتاتها أجيالا وأجيالا.
ففي كتاب (قاموس العرف القبلي في اليمن)الجزء الأول: “الحبل :هو الرس ،أي الحبل المعروف ،وهو أيضا العهد والذمة والأمان وهو الجوار، وكذلك التواصل والوصال (الزبيدي :”حبل “28/263)وبمعنى العهد والأمان ،يذهب بعض المفسرين للآية “واعتصموا بحبل الله جميعا” ولو أن الإمام الطبري يذهب إلى أن للحبل معنى عاما هو “السبب الذي يوصل إلى البغية والحاجة “(الطبري 1992:12/94)فكما هو واضح ،لا نعثر في العربية القاموسية على المعنى المقصود ،أي الحلف ،بل على المعنى العام (العهد)والذي من خلاله يمكن التوصل ،بكل حق ،إلى أن الحِلف من معاني الاصطلاح “حبل”ص65-قاموس العرف القبلي في اليمن.
والحبل “حبل الجوار” ومن هنا تكون التحالفات بين القبائل والشعوب برابطة الحبل ،ويكون جوار الله هو العهد والعروة الوثقى التي لا انفصام لها.
ومن معاني الحلف والاعتصام ،قوله تعالى ” إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ” أي أنهم حلف وعهد وميثاق واحد ،ومن هنا فإن ما ذهب إليه الأستاذ أحمد الجبلي من أن من معاني المؤاخاة “الحلف” دقيق اجتماعيا ولغويا .
لقد كانت المؤاخاة بين الأنصار والمهاجرين حلفاً بين جماعتين ،في إطار الانصهار في بوتقة واحدة هي المؤاخاة في المدينة ،كجزء من مبدأ عام قرره القرآن “إنما المؤمنون إخوة” أو ربما يكون خطوة تدريجية نحوه.
كانت المؤاخاة التي أجراها الرسول (ص)بين المهاجرين والأنصار ،بل بين العتقاء والأحرار-قائمة على أساس دعوته “تآخوا في الله أخوين أخوين” أي مؤاخاة فردية ،تهدف إلى بناء كيان أمة متلاحم ،مغاير للكيانات القبلية المبنية على العصبية، والانتصار للحليف ظالما أو مظلوما ،والرسول في نهجه هذا غايته بناء أمة أساسها الانتصار لمكارم الأخلاق ،لا الانتصار لنتانة العصبيات القبلية(الجاهلية)بما يحيل إليه مفهوم الجاهلية من نسق اجتماعي وقيمي وزمني مختلف، وإن تعاي
شت الأخوة الفردية والجماعية في الإسلام مع طبيعة المجتمع القبلي ،إلاَّ أن هذا التعايش كان بغرض التدرج والإحلال الزمني للقيم ،بدلا من الصدام المباشر مع التكوينات الاجتماعية المتجذرة آنذاك. ويمكن العودة إلى تناول المؤلف لموضوع المؤاخاة في تمهيده للكتاب في الصفحات 70-75.
إذا كانت المؤاخاة بين الأنصار والمهاجرين قد تمت قبل نزول قوله تعالى “إنما المؤمنون إخوة” وأبطل التوارث الذي يترتب على المؤاخاة –فإن ذلك يعد ارتقاء بمفهوم الأخوة من الأخوة بين الأفراد بالمعنى القرائبي والتوارثي ،لتصبح الأمة كلها قرابة واحدة ،وصلة رحم واحد هو “حبل الله” وعروته الوثقى.
يورد المؤلف أن المؤاخاة الفردية لم تنقطع بنزول آية “إنما المؤمنون إخوة” فبعض الروايات تذكر أن الرسول (ص)آخى بين العباس ونوفل في وقت متأخر جدا(ابن هشام :4/19،35) ص73-قاموس العرف القبلي في اليمن.
يبين المؤلف في كتابه آنف الذكر أن اختلاف مفهوم الأخوة في الإسلام وتميزه عن الحلف القبلي ،بقول “أما في المؤاخاة فلم نعثر على أي قسم ،ولا على أية طقوس جرت بين المتآخين. تختلف المؤاخاة عن الحلف القبلي من حيث المضمون .ولعله يكفي القول أن المؤاخاة كانت عقدا على الحق والمؤاساة والتناصر …مع امتلاء مفهوم “الحق” و”النصرة” و”التناصر” بمضمون لا يتطابق بمجمله مع مفهوم “الحق” بالمعنى الأخلاقي القبلي ،وإنما فيه من العناصر التي لا تتفق ،بل تتعارض بشدة والعرف القبلي “ص73-ج1-قاموس العرف القبلي.
“كان الحلف القبلي ،عموما علاقة عفوية ،بينما المؤاخاة علاقة هادفة واعية ترمي إلى تحقيق حياة أخرى وتصبو إلى آفاق اجتماعية مرسومة مبدئيا ..ذلك ما ميز بشدة المؤاخاة عن الحلف القبلي المعهود”ص74.
بيت الأحمر من “فقراء علم “إلى مشيخة العصيمات:
يورد المؤلف ما ذكره(سرجنت)من أن بيت الأحمر كان “فقراء علم”قبل أن يصبحوا مشائخ و”تهجرهم “حاشد،وهو ما توارثوه حتى اليوم.ص131-ج1-قاموس العرف القبلي ،لكن هذا القول تنقصه الإحالة لمرحلة ما قبل مشيختهم ،أي مرحلة ما قبل الشيخ “علي الأحمر”
فبحسب كتاب “عصر الاستقلال عن الحكم العثمان من سنة 1056-1160هـ يورد المؤلف حسام الدين الملقب بـ(أبوطالب )المتوفى سنة 1170هـ ،وتحقيق عبدالله محمد الحبشي 1990م – يورد العديد من الحوداث بحسب تسلسل السنوات .
وفي سنة 1121هجرية وجه الإمام بكيل بقيادة ابن حبيش وابن جزيلان لحرب حاشد وخراب حوث ،وكان على رأس العصيمات آنذاك الشيخ محمد بن عبدالله الغريبي عم علي بن قاسم الأحمر ،وبسبب اضطهاد الغريبي لعلي الأحمر ،وعدم إعطائه مما يناله من مال بيت الدولة فقد قام الأخير بخيانة عمه وساعد بكيل على شق بلاد العصيمات ،ثم أصبح علي بن قاسم الأحمر هو شيخ العصيمات ،وتحرك في سنة 1125هجرية من قِبَل المهدي لأخذ حبور وبلاد ظلمة ومحق علي الداعي عمله ،فقام الحسن بن القاسم صنو الداعي الحسين بن القاسم في دفعه ،فأضرب الأحمر عمّا أراد وآثر الرجوع .
وفي سنة 1140هجرية نكث علي بن القاسم الأحمر العهود التي كانت بينه وبين الإمام المنصور وطمع في الاستقلال من جهته بالحصون والبلاد ،فاحتال عليه الإمام المنصور الحسين بن المتوكل على الله وحين تحرك الأحمر برجاله إلى “عَصِرْ”خرج إليه المنصور وطلبه إلى خيمته،وقد رتب قتله ،فقام الأمير ذو الفقار بالقبض على فروته وطعنه بالجنبية “فما نطق بعدها بحرف من الخطاب إلاّ أنه قال :عاب عاب وخرّ صريعا ،وقد أمر المنصور عبده سلمان بقطع رأسه وأخذ المنصور الرأس بيد وقال لأصحاب الأحمر “هذا صنمكم…ثم إن أصحاب الأحمر أمعنوا بعد هذا في الهرب وحملوا جسد الأحمر معهم إلى همدان ،ثم أنفذوه إلى أهله بعد أن شفع في رأسه فردَّه إلى الجثمان”.
وبعد علي الأحمر كان شيخ العصيمات قاسم الأحمر ،فحين عادت بكيل بعد نهبها بلاد آنس وأطراف عتمة وريمة سنة 1156هجرية ،وانتهبوا ما ظفروا واستاقوا حريما فتفادى أهلهن بمال جزيل ،وحين مروا أثناء عودتهم من أرض لقاسم الأحمر كمن لهم مع رجاله يريد أخذ ما معهم من الأموال فراح في هذا الاقتتال على المنهوبات 165من حاشد و30 من بكيل ،وجملة القتلى 280نفسا .
فمن مقتبسنا من كتاب(أبو طالب)وهو يتحدث عن أحداث وتمردات القرن الحادي عشر والثاني عشر الهجري نجد أن يشير إلى وصول الشيخ علي الأحمر عن طريق خيانته لعمه ،شيخ العصيمات محمد بن عبدالله الغريبي،بأن ساعد بكيل على شق بلاد العصيمات !
ومن هذا المقتبس نجد أن ما ذكره (أحمد الجبلي ) في كتابه (قاموس العرف القبلي )ج1-في وصفه لمقتل الشيخ علي قاسم الأحمر بأنه (عيب أسود )ويعدد ثلاثة أسباب لجعله عيبا أسود ،ويذكر منها أن الشيخ علي الأحمر كان وسيطا بين الإمام الناصر (محمد بن إسحاق )والإمام (المنصور)حسين بن القاسم ،فحين طلبه الإمام المنصور للمجيء من مكان تخييمهم في عصر غرب صنعاء وكان مع الأحمر النقيب جزيلان –طلبه إلى خيمة قد أعدت لقتله ،ثم أمر ذو الفقار بقتله …والحقيقة كما بيناها في مقتبسنا من كتاب (أبو طالب ) القريب من أحداث تلك المرحلة –أ
إذا كانت المؤاخاة بين الأنصار والمهاجرين قد تمت قبل نزول قوله تعالى “إنما المؤمنون إخوة” وأبطل التوارث الذي يترتب على المؤاخاة –فإن ذلك يعد ارتقاء بمفهوم الأخوة من الأخوة بين الأفراد بالمعنى القرائبي والتوارثي ،لتصبح الأمة كلها قرابة واحدة ،وصلة رحم واحد هو “حبل الله” وعروته الوثقى.
يورد المؤلف أن المؤاخاة الفردية لم تنقطع بنزول آية “إنما المؤمنون إخوة” فبعض الروايات تذكر أن الرسول (ص)آخى بين العباس ونوفل في وقت متأخر جدا(ابن هشام :4/19،35) ص73-قاموس العرف القبلي في اليمن.
يبين المؤلف في كتابه آنف الذكر أن اختلاف مفهوم الأخوة في الإسلام وتميزه عن الحلف القبلي ،بقول “أما في المؤاخاة فلم نعثر على أي قسم ،ولا على أية طقوس جرت بين المتآخين. تختلف المؤاخاة عن الحلف القبلي من حيث المضمون .ولعله يكفي القول أن المؤاخاة كانت عقدا على الحق والمؤاساة والتناصر …مع امتلاء مفهوم “الحق” و”النصرة” و”التناصر” بمضمون لا يتطابق بمجمله مع مفهوم “الحق” بالمعنى الأخلاقي القبلي ،وإنما فيه من العناصر التي لا تتفق ،بل تتعارض بشدة والعرف القبلي “ص73-ج1-قاموس العرف القبلي.
“كان الحلف القبلي ،عموما علاقة عفوية ،بينما المؤاخاة علاقة هادفة واعية ترمي إلى تحقيق حياة أخرى وتصبو إلى آفاق اجتماعية مرسومة مبدئيا ..ذلك ما ميز بشدة المؤاخاة عن الحلف القبلي المعهود”ص74.
بيت الأحمر من “فقراء علم “إلى مشيخة العصيمات:
يورد المؤلف ما ذكره(سرجنت)من أن بيت الأحمر كان “فقراء علم”قبل أن يصبحوا مشائخ و”تهجرهم “حاشد،وهو ما توارثوه حتى اليوم.ص131-ج1-قاموس العرف القبلي ،لكن هذا القول تنقصه الإحالة لمرحلة ما قبل مشيختهم ،أي مرحلة ما قبل الشيخ “علي الأحمر”
فبحسب كتاب “عصر الاستقلال عن الحكم العثمان من سنة 1056-1160هـ يورد المؤلف حسام الدين الملقب بـ(أبوطالب )المتوفى سنة 1170هـ ،وتحقيق عبدالله محمد الحبشي 1990م – يورد العديد من الحوداث بحسب تسلسل السنوات .
وفي سنة 1121هجرية وجه الإمام بكيل بقيادة ابن حبيش وابن جزيلان لحرب حاشد وخراب حوث ،وكان على رأس العصيمات آنذاك الشيخ محمد بن عبدالله الغريبي عم علي بن قاسم الأحمر ،وبسبب اضطهاد الغريبي لعلي الأحمر ،وعدم إعطائه مما يناله من مال بيت الدولة فقد قام الأخير بخيانة عمه وساعد بكيل على شق بلاد العصيمات ،ثم أصبح علي بن قاسم الأحمر هو شيخ العصيمات ،وتحرك في سنة 1125هجرية من قِبَل المهدي لأخذ حبور وبلاد ظلمة ومحق علي الداعي عمله ،فقام الحسن بن القاسم صنو الداعي الحسين بن القاسم في دفعه ،فأضرب الأحمر عمّا أراد وآثر الرجوع .
وفي سنة 1140هجرية نكث علي بن القاسم الأحمر العهود التي كانت بينه وبين الإمام المنصور وطمع في الاستقلال من جهته بالحصون والبلاد ،فاحتال عليه الإمام المنصور الحسين بن المتوكل على الله وحين تحرك الأحمر برجاله إلى “عَصِرْ”خرج إليه المنصور وطلبه إلى خيمته،وقد رتب قتله ،فقام الأمير ذو الفقار بالقبض على فروته وطعنه بالجنبية “فما نطق بعدها بحرف من الخطاب إلاّ أنه قال :عاب عاب وخرّ صريعا ،وقد أمر المنصور عبده سلمان بقطع رأسه وأخذ المنصور الرأس بيد وقال لأصحاب الأحمر “هذا صنمكم…ثم إن أصحاب الأحمر أمعنوا بعد هذا في الهرب وحملوا جسد الأحمر معهم إلى همدان ،ثم أنفذوه إلى أهله بعد أن شفع في رأسه فردَّه إلى الجثمان”.
وبعد علي الأحمر كان شيخ العصيمات قاسم الأحمر ،فحين عادت بكيل بعد نهبها بلاد آنس وأطراف عتمة وريمة سنة 1156هجرية ،وانتهبوا ما ظفروا واستاقوا حريما فتفادى أهلهن بمال جزيل ،وحين مروا أثناء عودتهم من أرض لقاسم الأحمر كمن لهم مع رجاله يريد أخذ ما معهم من الأموال فراح في هذا الاقتتال على المنهوبات 165من حاشد و30 من بكيل ،وجملة القتلى 280نفسا .
فمن مقتبسنا من كتاب(أبو طالب)وهو يتحدث عن أحداث وتمردات القرن الحادي عشر والثاني عشر الهجري نجد أن يشير إلى وصول الشيخ علي الأحمر عن طريق خيانته لعمه ،شيخ العصيمات محمد بن عبدالله الغريبي،بأن ساعد بكيل على شق بلاد العصيمات !
ومن هذا المقتبس نجد أن ما ذكره (أحمد الجبلي ) في كتابه (قاموس العرف القبلي )ج1-في وصفه لمقتل الشيخ علي قاسم الأحمر بأنه (عيب أسود )ويعدد ثلاثة أسباب لجعله عيبا أسود ،ويذكر منها أن الشيخ علي الأحمر كان وسيطا بين الإمام الناصر (محمد بن إسحاق )والإمام (المنصور)حسين بن القاسم ،فحين طلبه الإمام المنصور للمجيء من مكان تخييمهم في عصر غرب صنعاء وكان مع الأحمر النقيب جزيلان –طلبه إلى خيمة قد أعدت لقتله ،ثم أمر ذو الفقار بقتله …والحقيقة كما بيناها في مقتبسنا من كتاب (أبو طالب ) القريب من أحداث تلك المرحلة –أ
ن الإمام المنصور قتله غدرا لنكوث علي بن قاسم الأحمر للعهود التي كانت بينهم.
لا يوجد تاريخيا ما يشير إلى أن الشيخ علي قاسم الأحمر كان شيخ مشائخ حاشد ،وإنما انتزع مشيخة العصيمات بالطريقة التي ذكرناها سابقا ،فلقد كان في حاشد بذات مكانة النقيب جزيلان في قبائل ذي محمد ،والنقيب بن حبيش في سفيان،على عكس ما ذهب إليه مؤلف قاموس العرف القبلي في ص297-ج2-من أن علي الأحمر المتوفى عام 1727م كان شيخ مشائخ حاشد.
منطق المؤلف مع تاريخ الإمامة :
لكن صاحب كتاب (قاموس العرف القبلي في اليمن) تتغلب عليه صفة الأيديولوجي على العالم كلما تناول في كتابه هذا (الإمامة ) فبدلا من دراستها وفقا لشروطها وزمنها وطبيعة الأنظمة الإقطاعية وشبه الإقطاعية المجايلة لها ،نجده من منظور مدرسي يشطنها كعادة غيره من الذين تضلهم الأحكام الجاهزة عن البحث الموضوعي ،فالباحث لو درس الإمامة من ذات المنطلق الموضوعي والعلمي في دراستهم للقبيلة وأعرافها لكان قد أعفى نفسه من هذه المنزلقات المدرسية التي تشربتها الأجيال كخطاب لسردية منتصرة ،لا ترى في السردية المهزومة إلى ضلال وظلام دام ،بل ونظام لا شبيه له في التاريخ ؛أي فوق تاريخي بأبلسة معيبة وحاجبة من وجهة نظري .
فالمؤلف يرى أن “الأئمة لم يؤسسوا دولا وإنما كانوا حكاما للنهب فقط .. “ص133-ج1. وفي هذا تعميم يخل بالعلمية والاستقراء التاريخي لحكم الأئمة.
يرى المؤلف أن الإمام يحيى بن محمد حميد الدين هو أول من قام بالتوريث عن طريق أخذ البيعة لولاية عهده علنا ،ومعلنا تحويل الإمامة إلى مملكة ،مخالفا بذلك كل من سبقه –ص137-ج1.وهذا قول تنقصه الدقة التاريخية ،فالإمام محمد بن أحمد بن الحسن (صاحب المواهب )كان ملكا لا يمتلك شروط الإمامة ،وقد بنى ملكه وطقوس حكمه بل وأراد توريثه لولا خروج المنصور عليه ،ووفاته في قصره محاصرا.إضافة إلى أنني أعتقد أن سيف الإسلام أحمد أخذ الإمامة بحجة الثأر لأبيه من قتلته الذين قاموا بحركة 1948م بعد أن دبروا كمينا للإمام يحيى وقتلوه ومعه العمري وأحد أحفاده وسائق سيارته ،في منطقة (حزيز)جنوب صنعاء ،والقول بأن الإمام يحيى عين ابنه أحمد لولاية العهد يحتاج إلى وثيقة التعيين ،والتي لم أطلع عليها بحدود قراءاتي حتى اليوم.
يمتدح المؤلف في كتابه تفكير الأحرار ،وما دار بينهم من حوار داخل أسوار سجن حجة ،بعد اعتقالهم إثر سقوط حركة1948م “وبالذات المقترح الذي كان قد عرضه بعضهم وفحواه أن يولي المعارضون لحكم “الإمامة “اهتمامهم شطر “اليمن الأسفل “أي منطقة إب وتعز ،لإقامة الحكم الجمهوري هناك،وذلك لكي يكون النظام الجمهوري منارة سياسية مضيئة تجذب إليها القبائل في المرتفعات الشمالية ،فتساعد في القضاء على نظام “الإمامة” والمؤلف “أن هذا الاقتراح الجريء ما كان له أن ينبثق لولا التفكير السياسي الحر المنفتح دون أية قيود أيديولوجية”وطنوية”تخشى النقد الذي لربما تلاقيه هذه الفكرة من قبل من قد يذهب به تفكيره السياسي إلى اتهام أصحاب الاقتراح بالانفصالية وتمزيق البلاد ،و/أو المذهبية والسلالية إلى غير مثل هذه الاتهامات المتسمة بالسذاجة السياسية،إن لم يكن تتسم بسمات أخرى”ص139-ج1.
والحقيقة أن مفهوم بناء نظام جمهوري لم يتسلل إلى أذهان الأحرار اليمنيين إلى في عام 1955م وبتأثير متأخر من ثورية 23يوليو يطمح 1952م ،في حين أن المفكر عبدالله باذيب كان منذ بداية الخمسينيات،أي بعد ثورة يوليو إلى إقامة نظام جمهوري في اليمن، في وقت كان الأحرار في سجون حجة يبايعون إبراهيم بن علي الوزير إماما لهم ،وهو بعد لا زال بين الطفولة والمراهقة !أي في سن 12أو 13سنة من عمره!فعن أي تفكير سياسي حر ومنفتح يتحدث المؤلف ،إلاَّ إذا كانت الهويات الضيقة قد أصبحت منفتحة على مختلف الأوهام!
ينسى المؤلف أو يتناسى موقف الرئيس القاضي عبدالرحمن الإرياني،بعد قيام جمهورية 5نوفمبر ،واشتداد حصار السبعين يوما من ديسمبر 1967م وبداية عام 1968م،أنه أقنع أصحابه النوفمبريين بالاعتراف بجمهورية اليمن الجنوبي الشعبية ،بحجة أن تعز والجنوب ستكون حاضنتهم لو سقطت صنعاء بأيدي الملكيين ،وينسى كذلك موقف الإرياني بعد قيام ثورة سبتمبر ،أي في عام 1964م حين تمت إقالة محافظ تعز أمين عبد الواسع نعمان ،وتم تعيين الشيخ مطيع دماج بدلا عنه ،فقد احتشد وجهاء محافظة تعز رافضين الإقالة والتعيين ،مهددين بإقامة حكم مستقل في اليمن الأسفل ،ومما يؤكد أن خيار الأحرار وهم في سجون حجة بإقامة حكم مستقل عن الإمامة في اليمن الأسفل أنه كان بدواعي النفعية المؤقتة والضرورة ،ولم يكن خيارا مصيريا يؤمنون به –هو استنفارهم وفي مقدمتهم الإرياني وحسن العمري والشيخ عبدالله بن حسين الأحمر لتحريك قوات مسلحة من الجيش للنزول إلى تعز وضرب التمرد، ،ويحددها القاضي الإرياني في الجزء الثاني من مذكراته الصادرة عن الهيئة المصرية العامة –ج2-2013م-بأربعمائة جندي ،وأن المقدم صفوت محمد عبدالله ،القائد العربي بتعز هدد بأن القيادة العربية لن تقف مكتوفة الأيدي ،
لا يوجد تاريخيا ما يشير إلى أن الشيخ علي قاسم الأحمر كان شيخ مشائخ حاشد ،وإنما انتزع مشيخة العصيمات بالطريقة التي ذكرناها سابقا ،فلقد كان في حاشد بذات مكانة النقيب جزيلان في قبائل ذي محمد ،والنقيب بن حبيش في سفيان،على عكس ما ذهب إليه مؤلف قاموس العرف القبلي في ص297-ج2-من أن علي الأحمر المتوفى عام 1727م كان شيخ مشائخ حاشد.
منطق المؤلف مع تاريخ الإمامة :
لكن صاحب كتاب (قاموس العرف القبلي في اليمن) تتغلب عليه صفة الأيديولوجي على العالم كلما تناول في كتابه هذا (الإمامة ) فبدلا من دراستها وفقا لشروطها وزمنها وطبيعة الأنظمة الإقطاعية وشبه الإقطاعية المجايلة لها ،نجده من منظور مدرسي يشطنها كعادة غيره من الذين تضلهم الأحكام الجاهزة عن البحث الموضوعي ،فالباحث لو درس الإمامة من ذات المنطلق الموضوعي والعلمي في دراستهم للقبيلة وأعرافها لكان قد أعفى نفسه من هذه المنزلقات المدرسية التي تشربتها الأجيال كخطاب لسردية منتصرة ،لا ترى في السردية المهزومة إلى ضلال وظلام دام ،بل ونظام لا شبيه له في التاريخ ؛أي فوق تاريخي بأبلسة معيبة وحاجبة من وجهة نظري .
فالمؤلف يرى أن “الأئمة لم يؤسسوا دولا وإنما كانوا حكاما للنهب فقط .. “ص133-ج1. وفي هذا تعميم يخل بالعلمية والاستقراء التاريخي لحكم الأئمة.
يرى المؤلف أن الإمام يحيى بن محمد حميد الدين هو أول من قام بالتوريث عن طريق أخذ البيعة لولاية عهده علنا ،ومعلنا تحويل الإمامة إلى مملكة ،مخالفا بذلك كل من سبقه –ص137-ج1.وهذا قول تنقصه الدقة التاريخية ،فالإمام محمد بن أحمد بن الحسن (صاحب المواهب )كان ملكا لا يمتلك شروط الإمامة ،وقد بنى ملكه وطقوس حكمه بل وأراد توريثه لولا خروج المنصور عليه ،ووفاته في قصره محاصرا.إضافة إلى أنني أعتقد أن سيف الإسلام أحمد أخذ الإمامة بحجة الثأر لأبيه من قتلته الذين قاموا بحركة 1948م بعد أن دبروا كمينا للإمام يحيى وقتلوه ومعه العمري وأحد أحفاده وسائق سيارته ،في منطقة (حزيز)جنوب صنعاء ،والقول بأن الإمام يحيى عين ابنه أحمد لولاية العهد يحتاج إلى وثيقة التعيين ،والتي لم أطلع عليها بحدود قراءاتي حتى اليوم.
يمتدح المؤلف في كتابه تفكير الأحرار ،وما دار بينهم من حوار داخل أسوار سجن حجة ،بعد اعتقالهم إثر سقوط حركة1948م “وبالذات المقترح الذي كان قد عرضه بعضهم وفحواه أن يولي المعارضون لحكم “الإمامة “اهتمامهم شطر “اليمن الأسفل “أي منطقة إب وتعز ،لإقامة الحكم الجمهوري هناك،وذلك لكي يكون النظام الجمهوري منارة سياسية مضيئة تجذب إليها القبائل في المرتفعات الشمالية ،فتساعد في القضاء على نظام “الإمامة” والمؤلف “أن هذا الاقتراح الجريء ما كان له أن ينبثق لولا التفكير السياسي الحر المنفتح دون أية قيود أيديولوجية”وطنوية”تخشى النقد الذي لربما تلاقيه هذه الفكرة من قبل من قد يذهب به تفكيره السياسي إلى اتهام أصحاب الاقتراح بالانفصالية وتمزيق البلاد ،و/أو المذهبية والسلالية إلى غير مثل هذه الاتهامات المتسمة بالسذاجة السياسية،إن لم يكن تتسم بسمات أخرى”ص139-ج1.
والحقيقة أن مفهوم بناء نظام جمهوري لم يتسلل إلى أذهان الأحرار اليمنيين إلى في عام 1955م وبتأثير متأخر من ثورية 23يوليو يطمح 1952م ،في حين أن المفكر عبدالله باذيب كان منذ بداية الخمسينيات،أي بعد ثورة يوليو إلى إقامة نظام جمهوري في اليمن، في وقت كان الأحرار في سجون حجة يبايعون إبراهيم بن علي الوزير إماما لهم ،وهو بعد لا زال بين الطفولة والمراهقة !أي في سن 12أو 13سنة من عمره!فعن أي تفكير سياسي حر ومنفتح يتحدث المؤلف ،إلاَّ إذا كانت الهويات الضيقة قد أصبحت منفتحة على مختلف الأوهام!
ينسى المؤلف أو يتناسى موقف الرئيس القاضي عبدالرحمن الإرياني،بعد قيام جمهورية 5نوفمبر ،واشتداد حصار السبعين يوما من ديسمبر 1967م وبداية عام 1968م،أنه أقنع أصحابه النوفمبريين بالاعتراف بجمهورية اليمن الجنوبي الشعبية ،بحجة أن تعز والجنوب ستكون حاضنتهم لو سقطت صنعاء بأيدي الملكيين ،وينسى كذلك موقف الإرياني بعد قيام ثورة سبتمبر ،أي في عام 1964م حين تمت إقالة محافظ تعز أمين عبد الواسع نعمان ،وتم تعيين الشيخ مطيع دماج بدلا عنه ،فقد احتشد وجهاء محافظة تعز رافضين الإقالة والتعيين ،مهددين بإقامة حكم مستقل في اليمن الأسفل ،ومما يؤكد أن خيار الأحرار وهم في سجون حجة بإقامة حكم مستقل عن الإمامة في اليمن الأسفل أنه كان بدواعي النفعية المؤقتة والضرورة ،ولم يكن خيارا مصيريا يؤمنون به –هو استنفارهم وفي مقدمتهم الإرياني وحسن العمري والشيخ عبدالله بن حسين الأحمر لتحريك قوات مسلحة من الجيش للنزول إلى تعز وضرب التمرد، ،ويحددها القاضي الإرياني في الجزء الثاني من مذكراته الصادرة عن الهيئة المصرية العامة –ج2-2013م-بأربعمائة جندي ،وأن المقدم صفوت محمد عبدالله ،القائد العربي بتعز هدد بأن القيادة العربية لن تقف مكتوفة الأيدي ،
وهنا يدين القاضي الإرياني ،القيادة العربية بتعز بأنها تعمل على تشجيع النعرات الطائفية ص193-194-مذكرات الرئيس القاضي عبدالرحمن بن يحيى الإرياني –الجزء الثاني ،ووقد كان التحرك للجيش من صنعاء إلى تعز لضرب احتشاد وجهاء تعز سيتم ،لولا موقف القيادة العربية ،وتهديدهم!
يروي المؤلف (أحمد الجبلي ) في الجزء الثاني من كتابه هذا ،نقلا عن الأكوع “أن الإمام محمد بن يحيى كان شديد القسوة حيال من يتعاون مع العثمانيين ،أو يسالمهم،فكان يأمر باغتيالهكما حصل مع القاي محمد جغمان ،او يأمر نسف بيوتهم “وإذا قيل له :إن البيوت التي يأمر بنسفها فيها أطفال ونساء يقتلون وليس لهم ذنب ،فكان يجيب على القائل ،كما أخبرني العلامة حمود بن عباس المؤيد ،نقلا عن أبيه الذي سمع المنصور : الصغار في الجنة والكبار في النار”(الأكوع 1995م:3/1695) ص20-ج2-قاموس العرف القبلي في اليمن. وفي رأيي أن إسماعيل الأكوع لا يؤخذ بروايته عن الأئمة ،لأن موقفه المنحاز ضدهم يجعله غير عدل في طرحه وفيما يرويه عنهم .فبالنسبة للشدة التي كان يتعامل بها الإمام محمد بن يحيى حميد الدين مع من يتعاون مع الأتراك ضد المقاومة اليمنية فقد كان في ذلك صارما ،سواء تعاون معهم بالخطب واللسان كما هو حال القاضي محمد جغمان ،أو تعاون معهم بالقتال والمال ،فقد كان يرسل إليهم من يغتالهم ،وإن كانت المحاولة لم تنجح مع القاضي جغمان ،إلا أنها أصابته بالرعب ،مما دفعه للصمت وعدم التحريض ضد المقاومة التي يقودها الإمام محمد بن يحيى.وأما بالنسبة لنسف البيوت وفيها أطفال ونساء فليس هناك مرجع تاريخي معاصر لتلك الأحداث روى ذلك،وما روي هو اعتمد الإمام محمد حميد الدين في حروبه التحريرية ضد الأتراك على كافة الوسائل المعروفة في حروب التحرير ،فقد جمعت استراتيجيته بين وسائل حرب العصابات ،وبين حرب الجيوش النظامية ،حتى يجعل القوات المعادية قلق وإرباك وحركة دائمة ،لا يستقر لها قرار .ص102- كتاب سيرة الإمام محمد بن يحيى حميد الدين المسماة بالدر المنثور في سيرة الإمام المنصور –لمؤلفه علي بن عبد الله الإرياني .
شملت حرب العصابات :قطع الطريق على قوات الأعداء ،ومنع وصول المواد الغذائية ،واللحوم ،والذخيرة ،سواء من البر أو البحر ،وقطع التلغراف ،ولجأت القوات الإمامية إلى دسِّ القنابل المتفجرة ،وفتائل البارود لإحراق المراكز العثمانية ،والتسلل إلى أماكن العدو ومرتزقته ،كما حدث حين نجح أحد رجال الإمام “في التسلل إلى سمسرة تعود إلى صاحب وُعلان ،علي يحيى –الذي بات فيها محمد بنُحسن بن صلاح فايع ،مدير سنحان من قبل الأتراك ،وصحبته جماعة من عُقال وُعْلان وضبطية وأتراك –حيث أظهر الرجل أن ما يحمله حماره هو وقرُ حبٍّ،وفي حقيقة الأمر كان وقر بارود ،ومن ثم نسف السمسرة على ما فيها ،حيث هلك 35 رجلا ،وما في السمسرة من دواب -بغال وغيرها- تعود إلى الأتراك وأعوانهم “ص105- كتاب سيرة الإمام محمد بن يحيى حميد الدين المسماة بالدر المنثور في سيرة الإمام المنصور –لمؤلفه علي بن عبد الله الإرياني .
أجاز الإمام المنصور محمد حميد الدين لأتباعه الفتك بأعوان الأتراك والذين يغدرون بقواته ،حيث استند على فتوى تُبيح قتل المُضِرِّ من أعوان الظلمة.”بالإجمال ،فإن القوات الإمامية اتخذت مبدأ إيجاد القاعدة الآمنة لتنطلق منها في مهاجمة القوات المعادية ،لتجبر القوات العثمانية على الحركة الدائمة ،تثير الغبار من تحت أقدامها دوما ،لا تترك لها مجالا للاستراحة أو تعطيها الفرصة لإعادة تنظيم وجمع صفوفها “ص107- كتاب سيرة الإمام محمد بن يحيى حميد الدين المسماة بالدر المنثور في سيرة الإمام المنصور –لمؤلفه علي بن عبدالله الإرياني .
ويورد المؤلف ،نقلا عن الأكوع ، إن الحسن بن يحيى علي القاسمي الضحياني ،دعا لنفسه بالإمامة من هجر’”فللَّة”في ربيع الأول سنة 2332هـ،وتلقب بـ”الهادي”معارضا للإمام يحيى حميد الدين الذي كان قد دعا لنفسه بالإمامة أيضا في “قفلة عِذَر” بعد وفاة والده “المنصور “كانت قد استجابت لـ”الهادي ” معظم قبائل بلاد صعدة “ص124-ج2-قاموس العرف القبلي في اليمن. وأن سيف الإسلام أحمد بن القاسم حميد الدين قد طلبهما للاجتماع في صعدة للمناظرة أمام جمهور كبير من العلماء ،فمن كان أعلم بايعه الآخر ،وطلب منهما إرسال رهينتين عنهما حتى يلتزما بحكم العلماء ولا يخرجا عنه ،فأرسل الإمام يحيى نجله الأكبر أحمد ،ثم قدم الإمام يحيى بعد ذلك بنفسه على رأس نفر من العلماء إلى صعدة ،وكلف من يوعز إلى “الهادي “الضحياني “بأن الإمام يحيى قد أرسل من يقتله ،وهو في طريقه إلى الاجتماع ،ولذلك تخلف “الهادي ” عن الحضور ،ولما لم يحضر فإن العلماء الحاضرين هذا الاجتماع الحاسم قرروا اختيار الإمام يحيى ،لأنه أنهض بالأمر .ص125-ج2-قاموس العرف القبلي ،نقلا عن( الأكوع 1995:1/522)والغريب أن هذه الحكاية التي تم تداولها لا تستقيم عند النقد ،فكيف تبايع معظم قبائل صعدة “الهادي ” الضحياني ،ثم يعجز عن توفير أمنه الشخصي في مكان المناظرة ،التي
يروي المؤلف (أحمد الجبلي ) في الجزء الثاني من كتابه هذا ،نقلا عن الأكوع “أن الإمام محمد بن يحيى كان شديد القسوة حيال من يتعاون مع العثمانيين ،أو يسالمهم،فكان يأمر باغتيالهكما حصل مع القاي محمد جغمان ،او يأمر نسف بيوتهم “وإذا قيل له :إن البيوت التي يأمر بنسفها فيها أطفال ونساء يقتلون وليس لهم ذنب ،فكان يجيب على القائل ،كما أخبرني العلامة حمود بن عباس المؤيد ،نقلا عن أبيه الذي سمع المنصور : الصغار في الجنة والكبار في النار”(الأكوع 1995م:3/1695) ص20-ج2-قاموس العرف القبلي في اليمن. وفي رأيي أن إسماعيل الأكوع لا يؤخذ بروايته عن الأئمة ،لأن موقفه المنحاز ضدهم يجعله غير عدل في طرحه وفيما يرويه عنهم .فبالنسبة للشدة التي كان يتعامل بها الإمام محمد بن يحيى حميد الدين مع من يتعاون مع الأتراك ضد المقاومة اليمنية فقد كان في ذلك صارما ،سواء تعاون معهم بالخطب واللسان كما هو حال القاضي محمد جغمان ،أو تعاون معهم بالقتال والمال ،فقد كان يرسل إليهم من يغتالهم ،وإن كانت المحاولة لم تنجح مع القاضي جغمان ،إلا أنها أصابته بالرعب ،مما دفعه للصمت وعدم التحريض ضد المقاومة التي يقودها الإمام محمد بن يحيى.وأما بالنسبة لنسف البيوت وفيها أطفال ونساء فليس هناك مرجع تاريخي معاصر لتلك الأحداث روى ذلك،وما روي هو اعتمد الإمام محمد حميد الدين في حروبه التحريرية ضد الأتراك على كافة الوسائل المعروفة في حروب التحرير ،فقد جمعت استراتيجيته بين وسائل حرب العصابات ،وبين حرب الجيوش النظامية ،حتى يجعل القوات المعادية قلق وإرباك وحركة دائمة ،لا يستقر لها قرار .ص102- كتاب سيرة الإمام محمد بن يحيى حميد الدين المسماة بالدر المنثور في سيرة الإمام المنصور –لمؤلفه علي بن عبد الله الإرياني .
شملت حرب العصابات :قطع الطريق على قوات الأعداء ،ومنع وصول المواد الغذائية ،واللحوم ،والذخيرة ،سواء من البر أو البحر ،وقطع التلغراف ،ولجأت القوات الإمامية إلى دسِّ القنابل المتفجرة ،وفتائل البارود لإحراق المراكز العثمانية ،والتسلل إلى أماكن العدو ومرتزقته ،كما حدث حين نجح أحد رجال الإمام “في التسلل إلى سمسرة تعود إلى صاحب وُعلان ،علي يحيى –الذي بات فيها محمد بنُحسن بن صلاح فايع ،مدير سنحان من قبل الأتراك ،وصحبته جماعة من عُقال وُعْلان وضبطية وأتراك –حيث أظهر الرجل أن ما يحمله حماره هو وقرُ حبٍّ،وفي حقيقة الأمر كان وقر بارود ،ومن ثم نسف السمسرة على ما فيها ،حيث هلك 35 رجلا ،وما في السمسرة من دواب -بغال وغيرها- تعود إلى الأتراك وأعوانهم “ص105- كتاب سيرة الإمام محمد بن يحيى حميد الدين المسماة بالدر المنثور في سيرة الإمام المنصور –لمؤلفه علي بن عبد الله الإرياني .
أجاز الإمام المنصور محمد حميد الدين لأتباعه الفتك بأعوان الأتراك والذين يغدرون بقواته ،حيث استند على فتوى تُبيح قتل المُضِرِّ من أعوان الظلمة.”بالإجمال ،فإن القوات الإمامية اتخذت مبدأ إيجاد القاعدة الآمنة لتنطلق منها في مهاجمة القوات المعادية ،لتجبر القوات العثمانية على الحركة الدائمة ،تثير الغبار من تحت أقدامها دوما ،لا تترك لها مجالا للاستراحة أو تعطيها الفرصة لإعادة تنظيم وجمع صفوفها “ص107- كتاب سيرة الإمام محمد بن يحيى حميد الدين المسماة بالدر المنثور في سيرة الإمام المنصور –لمؤلفه علي بن عبدالله الإرياني .
ويورد المؤلف ،نقلا عن الأكوع ، إن الحسن بن يحيى علي القاسمي الضحياني ،دعا لنفسه بالإمامة من هجر’”فللَّة”في ربيع الأول سنة 2332هـ،وتلقب بـ”الهادي”معارضا للإمام يحيى حميد الدين الذي كان قد دعا لنفسه بالإمامة أيضا في “قفلة عِذَر” بعد وفاة والده “المنصور “كانت قد استجابت لـ”الهادي ” معظم قبائل بلاد صعدة “ص124-ج2-قاموس العرف القبلي في اليمن. وأن سيف الإسلام أحمد بن القاسم حميد الدين قد طلبهما للاجتماع في صعدة للمناظرة أمام جمهور كبير من العلماء ،فمن كان أعلم بايعه الآخر ،وطلب منهما إرسال رهينتين عنهما حتى يلتزما بحكم العلماء ولا يخرجا عنه ،فأرسل الإمام يحيى نجله الأكبر أحمد ،ثم قدم الإمام يحيى بعد ذلك بنفسه على رأس نفر من العلماء إلى صعدة ،وكلف من يوعز إلى “الهادي “الضحياني “بأن الإمام يحيى قد أرسل من يقتله ،وهو في طريقه إلى الاجتماع ،ولذلك تخلف “الهادي ” عن الحضور ،ولما لم يحضر فإن العلماء الحاضرين هذا الاجتماع الحاسم قرروا اختيار الإمام يحيى ،لأنه أنهض بالأمر .ص125-ج2-قاموس العرف القبلي ،نقلا عن( الأكوع 1995:1/522)والغريب أن هذه الحكاية التي تم تداولها لا تستقيم عند النقد ،فكيف تبايع معظم قبائل صعدة “الهادي ” الضحياني ،ثم يعجز عن توفير أمنه الشخصي في مكان المناظرة ،التي
هي صعدة ،موطن القبائل التي بايعت الضحياني !
لقد أطنب المؤلف في محاكمة الإمامة وإدانتها ،كلما وجد سانحة لذلك،رغم أن موضوع الكتاب عن العرف القبلي في اليمن ،وإن كان حديثه عن الإمامة طبيعيا في سياق دراسة وبحث علاقة الإمامة بالقبيلة ،والشرع بالعرف ،إلا أن الذهنية الأيديولوجية التي قررت مدرسيا أن تشيطن تاريخ الإمامة ،تعمل على إزاحة الحقيقة بما أنها مسار داخل التاريخ ،فتحل بدلا عنها صورة ليست كلها موضوعية بل متخيلات الأذهان ،من ذلك ما رواه المؤلف في الجزء الثالث من الكتاب ،عن فساد القضاء،موردا حكاية شائعة ،عن تعيين الإمام يحيى أحد القضاة ،وحين اشتكى القاضي من قلة راتبه “فما كان من “الإمام “إلاَّ أن أشار له بما معناه أن “يتصرف “أي لا يلتزم بما ينبغي للقاضي أن يتحلى به من أمانة وصدق…”ص118-ج3-قاموس العرف القبلي، وهكذا يتم الاستناد إلى مثل هذه الحكايات الشائعة ،بغرض الشيطنة المطلقة لحكم الأئمة ،والنظر إلى ذلك التاريخ على أنه كان نموذج الظلم المطلق !مع أن هناك العديد من الحكايات الشائعة ،والمحققة عن عدل ونزاهة أكثرية الحكام والعمال في عهد الإمام يحيى بن محمد حميد الدين، لا يتم لا يتم الالتفات إليها ،لأنها لا تساعد على شيطنة ذلك التاريخ !
إن فتاوى قتل المتمترس بهم في الحروب من الأطفال والنساء والمستضعفين نجدها تتواتر في التاريخ الإسلامي ،ولعلَّ آخرها ما قاله الدكتور عبدالوهاب الديلمي ،في حرب 1994م حين كان وزيرا للعدل ،وقد استشهد بفتوى جواز قتل المتمترس بهم ،لكننا لم نجد فتوى للإمام محمد بن يحيى تجيز قتل الأطفال والنساء كتلك التي رواها الأكوع آنفا .
وهذا لا يعني أن حكم الأئمة كان حكما مثاليا ،أو نظاما للدولة الفاضلة ،فهو بالتأكيد كان جزءا من نظام الحكم الإقطاعي وشبه الإقطاعي والخراجي في المنطقة العربية ،لكن نقده ينبغي أن يكون وفقا لشروط تاريخيته ،وظروف بيئته ،زمانا ومكانا ومعتقدات وأعرافا.
استخدام وتحريض القبائل ضد بعضها ليس سمة محتكرة بحكم الأئمة ،ولكنه آلية حكم وسيطرة ،استخدمها الحكام القبليون في حضرموت “ومن الجدير بالذكر أن حكام تلك الكيانات السياسية،أو بعضهم على الأقل كانوا يلجأون إلى استثمار الصراعات القبلية لتثبيت أركان حكمهم “ص149-ج2-قاموس العرف القبلي في اليمن، فذلك هو ديدن الصلحيين والأيوبيين والرسوليين والطاهريين ،والاستعمار العثماني والاستعمار البريطاني في اليمن ،وكذلك هو شأن النظام الجمهوري في الجمهورية العربية اليمنية في الأربعة العقود الماضية.
يتميز المؤلف بالتخفف من الأحكام الضدية والعدائية بعموميتها ضد القبيلة ،ليدرسها في سياقها القيمي والاجتماعي ،في حين أنه يتخلى عن هذه الروح في تناوله لنظام الإمامة في سياقها القيمي والتاريخي ،فمن استشهاداته نحو عن إجارة القبيلة يورد المؤلف موقف الشيخ (عاطف المصلي )حين أجار الإمام محمد البدر وساعده على الهرب بعد فراره من قصر البشائر الذي ضربته مدافع ثوار 26سبتمبر 1962م ،ففر باتجاه همدان ،وحين طُلب الشيخ (عاطف المصلي )إلى قيادة الثورة في صنعاء وسألوه عن فعله أجاب ” بما معناه أنه قام بذلك “بحق القبيلة” أي وفق القيم القبلية في “الجوار” ولم تأخذ قيادة الثورة بتبريره ،بل اعتبرته “خائنا “وحكمت عليه بالإعدام ،و”أعدمته فعلا”ص174-ج1-قاموس العرف القبلي..
ويكرر المؤلف قصة إجارة الشيخ (المصلي) مرة أخرى في صفحة184-185،بتفصيل أكثر”أنه عندما وصل البدر إلى موقع ضلاع همدان القريب من صنعاء –كما شرح لي ذلك في كهف القارة –محل شيخ همدان قدم له عاطف المصلي المساعدة بحق “القبيلة “مع أنه “المصلي “”مثور” (أي ثائر جمهوري)كبير ،كما قيل لي .مكث البدر ساعة مع عاطف المصلي ،ثم أعطاه قراش وتجهيزات وثلاثين عسكريا، ليستمر في طريقه ،وعندما جاء عاطف إلى صنعاء سأله الضباط :”لماذا ساعدت البدر ؟رد عاطف بأنه كان مرغما على فعل ذلك بحق القبيلة ،فقتل عاطف بإطلاق النار عليه في ساحة التحرير ،فما كان من ابنه محمد (الذي قابلته في رداع عام 1983م إلاَّ الاصطفاف مع البدر “ص185،ولا أدري كيف للمؤلف أن ينساق مع ما قيل له من أن (عاطف المصلي)”مثور” (أي ثائر جمهوري كبير) دون أن يستقصي البحث عن “ثورية” (عاطف المصلي )مكتفيا بإيراد ما قيل له من ابنه (محمد عاطف المصلي )الذي انضم لجبهة الملكيين في الصراع ضد الجمهورية!
ويستشهد المؤلف في موضوع تمسك القبيلة بأعرافها بإجارة رموز العهد المتوكلي “أنه في البدايات لعهد الجمهورية طالب الجمهوريون قبيلة الأهنوم بتسليم السادة ،والرسميين منهم على وجه التحديد ،إلاَّ أن الأهنوم رفضت قائلين “لنا فيهم هجرة” وردوا هجمات الجمهوريين”ص184-ج1-قاموس العرف القبلي.
روح ابن علوان تسري في الجسد اليمني:
يلاحظ على المؤلف أنه لا أثر لوجود “المنصب “أي القيادة الدينية الصوفية بصفته واحداً ممن يصنعون القرار مع الزعامة القبلية، وذلك في مناطق قبائل ردفان ويافع والضالع والحواشب وسلطنة العبدلي ،على عكس بعض المناطق التي كان للقياد
لقد أطنب المؤلف في محاكمة الإمامة وإدانتها ،كلما وجد سانحة لذلك،رغم أن موضوع الكتاب عن العرف القبلي في اليمن ،وإن كان حديثه عن الإمامة طبيعيا في سياق دراسة وبحث علاقة الإمامة بالقبيلة ،والشرع بالعرف ،إلا أن الذهنية الأيديولوجية التي قررت مدرسيا أن تشيطن تاريخ الإمامة ،تعمل على إزاحة الحقيقة بما أنها مسار داخل التاريخ ،فتحل بدلا عنها صورة ليست كلها موضوعية بل متخيلات الأذهان ،من ذلك ما رواه المؤلف في الجزء الثالث من الكتاب ،عن فساد القضاء،موردا حكاية شائعة ،عن تعيين الإمام يحيى أحد القضاة ،وحين اشتكى القاضي من قلة راتبه “فما كان من “الإمام “إلاَّ أن أشار له بما معناه أن “يتصرف “أي لا يلتزم بما ينبغي للقاضي أن يتحلى به من أمانة وصدق…”ص118-ج3-قاموس العرف القبلي، وهكذا يتم الاستناد إلى مثل هذه الحكايات الشائعة ،بغرض الشيطنة المطلقة لحكم الأئمة ،والنظر إلى ذلك التاريخ على أنه كان نموذج الظلم المطلق !مع أن هناك العديد من الحكايات الشائعة ،والمحققة عن عدل ونزاهة أكثرية الحكام والعمال في عهد الإمام يحيى بن محمد حميد الدين، لا يتم لا يتم الالتفات إليها ،لأنها لا تساعد على شيطنة ذلك التاريخ !
إن فتاوى قتل المتمترس بهم في الحروب من الأطفال والنساء والمستضعفين نجدها تتواتر في التاريخ الإسلامي ،ولعلَّ آخرها ما قاله الدكتور عبدالوهاب الديلمي ،في حرب 1994م حين كان وزيرا للعدل ،وقد استشهد بفتوى جواز قتل المتمترس بهم ،لكننا لم نجد فتوى للإمام محمد بن يحيى تجيز قتل الأطفال والنساء كتلك التي رواها الأكوع آنفا .
وهذا لا يعني أن حكم الأئمة كان حكما مثاليا ،أو نظاما للدولة الفاضلة ،فهو بالتأكيد كان جزءا من نظام الحكم الإقطاعي وشبه الإقطاعي والخراجي في المنطقة العربية ،لكن نقده ينبغي أن يكون وفقا لشروط تاريخيته ،وظروف بيئته ،زمانا ومكانا ومعتقدات وأعرافا.
استخدام وتحريض القبائل ضد بعضها ليس سمة محتكرة بحكم الأئمة ،ولكنه آلية حكم وسيطرة ،استخدمها الحكام القبليون في حضرموت “ومن الجدير بالذكر أن حكام تلك الكيانات السياسية،أو بعضهم على الأقل كانوا يلجأون إلى استثمار الصراعات القبلية لتثبيت أركان حكمهم “ص149-ج2-قاموس العرف القبلي في اليمن، فذلك هو ديدن الصلحيين والأيوبيين والرسوليين والطاهريين ،والاستعمار العثماني والاستعمار البريطاني في اليمن ،وكذلك هو شأن النظام الجمهوري في الجمهورية العربية اليمنية في الأربعة العقود الماضية.
يتميز المؤلف بالتخفف من الأحكام الضدية والعدائية بعموميتها ضد القبيلة ،ليدرسها في سياقها القيمي والاجتماعي ،في حين أنه يتخلى عن هذه الروح في تناوله لنظام الإمامة في سياقها القيمي والتاريخي ،فمن استشهاداته نحو عن إجارة القبيلة يورد المؤلف موقف الشيخ (عاطف المصلي )حين أجار الإمام محمد البدر وساعده على الهرب بعد فراره من قصر البشائر الذي ضربته مدافع ثوار 26سبتمبر 1962م ،ففر باتجاه همدان ،وحين طُلب الشيخ (عاطف المصلي )إلى قيادة الثورة في صنعاء وسألوه عن فعله أجاب ” بما معناه أنه قام بذلك “بحق القبيلة” أي وفق القيم القبلية في “الجوار” ولم تأخذ قيادة الثورة بتبريره ،بل اعتبرته “خائنا “وحكمت عليه بالإعدام ،و”أعدمته فعلا”ص174-ج1-قاموس العرف القبلي..
ويكرر المؤلف قصة إجارة الشيخ (المصلي) مرة أخرى في صفحة184-185،بتفصيل أكثر”أنه عندما وصل البدر إلى موقع ضلاع همدان القريب من صنعاء –كما شرح لي ذلك في كهف القارة –محل شيخ همدان قدم له عاطف المصلي المساعدة بحق “القبيلة “مع أنه “المصلي “”مثور” (أي ثائر جمهوري)كبير ،كما قيل لي .مكث البدر ساعة مع عاطف المصلي ،ثم أعطاه قراش وتجهيزات وثلاثين عسكريا، ليستمر في طريقه ،وعندما جاء عاطف إلى صنعاء سأله الضباط :”لماذا ساعدت البدر ؟رد عاطف بأنه كان مرغما على فعل ذلك بحق القبيلة ،فقتل عاطف بإطلاق النار عليه في ساحة التحرير ،فما كان من ابنه محمد (الذي قابلته في رداع عام 1983م إلاَّ الاصطفاف مع البدر “ص185،ولا أدري كيف للمؤلف أن ينساق مع ما قيل له من أن (عاطف المصلي)”مثور” (أي ثائر جمهوري كبير) دون أن يستقصي البحث عن “ثورية” (عاطف المصلي )مكتفيا بإيراد ما قيل له من ابنه (محمد عاطف المصلي )الذي انضم لجبهة الملكيين في الصراع ضد الجمهورية!
ويستشهد المؤلف في موضوع تمسك القبيلة بأعرافها بإجارة رموز العهد المتوكلي “أنه في البدايات لعهد الجمهورية طالب الجمهوريون قبيلة الأهنوم بتسليم السادة ،والرسميين منهم على وجه التحديد ،إلاَّ أن الأهنوم رفضت قائلين “لنا فيهم هجرة” وردوا هجمات الجمهوريين”ص184-ج1-قاموس العرف القبلي.
روح ابن علوان تسري في الجسد اليمني:
يلاحظ على المؤلف أنه لا أثر لوجود “المنصب “أي القيادة الدينية الصوفية بصفته واحداً ممن يصنعون القرار مع الزعامة القبلية، وذلك في مناطق قبائل ردفان ويافع والضالع والحواشب وسلطنة العبدلي ،على عكس بعض المناطق التي كان للقياد
ة الدينية شراكتها في القرار والأمر” ..من الملاحظ هنا أن لا أثر لوجود “المنصب “بصفته واحداً ممن يصنعون القرار مع الزعامة القبلية ،ولو أن الولاء لقبائل ردفان كان للصوفي الشهير أحمد بن علوان ،الموجود ضريحه في محافظة تعز .”ص157-ج1-قاموس العرف القبلي.
ويبدو لي أن السلطة الروحية لـ(أحمد بن علوان )قد امتدت من تعز إلى العديد من المناطق اليمنية منذ القرن السابع الهجري الثالث عشر الميلادي ،فلقد عاش ابن علوان في النصف الثاني من العهد الأيوبي ،وخمسة وثلاثين عاما من العهد الرسولي، وفي عهد الملك عمر بن علي رسول كانت رسالته التي وجهها لملك ،وفيها وعظ وزجر ،كقوله مخاطبا الملك” ولايستغرق جهلك عقلك ،أو يستفرغ وقتك شغلك بجمع هذه العاجلة عن الآجلة “واختتمها بقصيدته المشهورة ،التي يقول فيها :
هذي تهامة لا دينار عندهم ولحج أبين بل صنعاء بل عدن
فما ذنوب مساكين الجبال وهم جيران بيتك والأحلاف والسكن
والأضعفون فما يقتات أجزلهم إلا بما جرت المسحات والحِجَنُ
ومن خلال استعانة الأئمة بقبائل تلك المناطق لإخضاع منطقة الحجرية ،ومنها “يفرس” التي يوجد فيها ضريحه ،ففي القرن الثاني عشر للهجرة كما يذكر (أبو طالب) :” وفي سنة 1158هجرية استدعى أحمد المتوكل في تعز أهل يافع وعلى رأسهم سلطان يافع قحطان بن معوضة العفيف وأخوه أبو بكر والمفلحي ،ووجههم لقتال الحجرية التي كانت بقيادة أحمد بن وهيب وابنه عبد الرب ،فانتهت الحملة بمقتل قحطان وأسر أخيه أبو بكر، وقد هزمت يافع في منطقة “الغرس “ما بين تعز ويفرس .
وقد حدثت مواجهات بين أحمد المتوكل وأحمد بن وهيب بجبل صبر انتصر فيها ابن وهيب على عامل تعز أحمد المتوكل الذي كان وقتها قد خلع بيعته للإمام المنصور .” أبو طالب –مرجع سبق ذكره.. ولم تكن هي المرة الأولى التي تختلط فيها قبائل يافع مع قبائل الحجرية حربا وسلما ،فقد سبق للعثمانيين في احتلالهم الأول لليمن أن استخدموا تلك القبائل في حروبهم وإخضاهم الحجرية، ونجد تفاصيل ذلك في الأحداث التي يسردها (الموزعي ) التي جرت في القرن العاشر الهجري ،في كتابه ( الإحسان في دخول مملكة اليمن تحت ظل عدالة آل عثمان)تحقيق عبد الله محمد الحبشي-منشورات المدينة-صنعاء-1986م.
العرف القبلي وتأثيره على الحضر:
مما أورده المؤلف بهذا الشأن قوله “في سياق الحديث عن العرف القبلي وتأثيره على الحضر ،لابد من لفت الانتباه إلى أن العلاقة بين القبيلة والمدينة ينبغي أن ينظر إليها على خلفية أنظمة الحكم التي كانت سائدة والتي كانت تتسم بالظلم والجور الشديدين بحق أبناء الشعب في مختلف مناطقه، وقد رافق ذلك تشويه بليغ بين أنظمة الحكم وأبناء الشعب ،فاتخذ صيغا ومسارب عديدة :مذهبية ،ومناطقية ،قبلية ،وغيرها …ومنها العلاقة المشوهة بين الريف والمدينة ،سواء أكان هذا الريف ممثلا بالقبيلي أم بغيره”ص191-ج1-قاموس العرف القبلي..
وأنا أرى أن تفسير وتعليل الصراع بين القبيلة والمدينة يعود بشكل رئيسي إلى عوامل اجتماعية ،واختلاف أنماط الإنتاج المديني والقبيلي ،فحين يسكن أبناء القبائل في المدن تظل هذه الأعراف متمكنة وحاكمة لسلوكهم، ففي سبعينيات القرن العشرين أتذكر في تعز ذلك الصراع المناطقي بين حارة الجحملية وحواري وحافات المدينة القديمة ،بل كان صراعا في أحد أوجهه بين القبيلي المتبندق ،كعسكري في الدولة ،وأغلبهم كانوا من بني حشيش ،وبني بهلول وبني مطر وغيرها من مناطق قبائل الشمال ،سكنوا في حارة الجحملية السفلى والعليا ،وتزوجوا من نساء( صبر ).. كانت المعارك بين حارة الجحملية والمدينة بالأيدي والصمويل (جمع صميل)والأدوات الحادة هي السمة الغالبة في تلك المعارك ،بما يشي بعصبية ممزوجة قبلية ومناطقية ،تختلط فيها روح العصبية القبلية بعصبية الحارة والحافة، فأبناء المدينة في تعز أو إب يرادفون بين العسكري والقبيلي ،وينظرون إلى حارة الجحملية وكأنها قبيلة ومعسكر في آن،ولم تتلاش هذه الظاهرة الاجتماعية إلاَّ مع النصف الثاني من ثمانينيات القرن العشرين ،وكان للاغتراب ،أي الانشغال بالعمل في المهجر والتعليم دوره في إذابة هذه العصبيويات داخل المدن.
يرى القبيلي بحسب ما ينقله (أحمد الجبلي ) في مؤلفه هذا ،نقلا عن (عدرة)”أن القبيلي (في شمال البلاد)هو مزارع ومحارب في نفس الوقت ،ولذا فهو يٌطعِم فئتي السادة والقضاة ،وبني الخُمس، وهو من يحميهم ،ويميز القبائل أنفسهم بالانتساب إلى القبائل القحطانية ،وبدورهم التقليدي كمحاربين ،وبسكنهم في الريف ،مقابل سكان المدن والبلدات التي يسكنها السادة والقضاة وبنو الخمس”ص191-ج1-قاموس العرف القبلي…
الإمام يحيى وسلب المشائخ سلطاتهم:
عمل الإمام يحيى منذ بداية عشرينيات القرن العشرين على سحب صلاحيات وسلطات المشائخ ،بأن أرسل عاملا وحاكما وكاتبا لكل قضاء ،ما جعل المشيخ دون وظيفة فعلية تمس الناس ،ولعل ما أشار إليه المؤلف (أحمد الجبلي) من أن علي الوزير أمير تعز قد أنشأ ما يسمى بنظام “الأمين” ليقوم مقام الشيخ بالنسبة لعلاقة المواطن بالدولة ،وهو
ويبدو لي أن السلطة الروحية لـ(أحمد بن علوان )قد امتدت من تعز إلى العديد من المناطق اليمنية منذ القرن السابع الهجري الثالث عشر الميلادي ،فلقد عاش ابن علوان في النصف الثاني من العهد الأيوبي ،وخمسة وثلاثين عاما من العهد الرسولي، وفي عهد الملك عمر بن علي رسول كانت رسالته التي وجهها لملك ،وفيها وعظ وزجر ،كقوله مخاطبا الملك” ولايستغرق جهلك عقلك ،أو يستفرغ وقتك شغلك بجمع هذه العاجلة عن الآجلة “واختتمها بقصيدته المشهورة ،التي يقول فيها :
هذي تهامة لا دينار عندهم ولحج أبين بل صنعاء بل عدن
فما ذنوب مساكين الجبال وهم جيران بيتك والأحلاف والسكن
والأضعفون فما يقتات أجزلهم إلا بما جرت المسحات والحِجَنُ
ومن خلال استعانة الأئمة بقبائل تلك المناطق لإخضاع منطقة الحجرية ،ومنها “يفرس” التي يوجد فيها ضريحه ،ففي القرن الثاني عشر للهجرة كما يذكر (أبو طالب) :” وفي سنة 1158هجرية استدعى أحمد المتوكل في تعز أهل يافع وعلى رأسهم سلطان يافع قحطان بن معوضة العفيف وأخوه أبو بكر والمفلحي ،ووجههم لقتال الحجرية التي كانت بقيادة أحمد بن وهيب وابنه عبد الرب ،فانتهت الحملة بمقتل قحطان وأسر أخيه أبو بكر، وقد هزمت يافع في منطقة “الغرس “ما بين تعز ويفرس .
وقد حدثت مواجهات بين أحمد المتوكل وأحمد بن وهيب بجبل صبر انتصر فيها ابن وهيب على عامل تعز أحمد المتوكل الذي كان وقتها قد خلع بيعته للإمام المنصور .” أبو طالب –مرجع سبق ذكره.. ولم تكن هي المرة الأولى التي تختلط فيها قبائل يافع مع قبائل الحجرية حربا وسلما ،فقد سبق للعثمانيين في احتلالهم الأول لليمن أن استخدموا تلك القبائل في حروبهم وإخضاهم الحجرية، ونجد تفاصيل ذلك في الأحداث التي يسردها (الموزعي ) التي جرت في القرن العاشر الهجري ،في كتابه ( الإحسان في دخول مملكة اليمن تحت ظل عدالة آل عثمان)تحقيق عبد الله محمد الحبشي-منشورات المدينة-صنعاء-1986م.
العرف القبلي وتأثيره على الحضر:
مما أورده المؤلف بهذا الشأن قوله “في سياق الحديث عن العرف القبلي وتأثيره على الحضر ،لابد من لفت الانتباه إلى أن العلاقة بين القبيلة والمدينة ينبغي أن ينظر إليها على خلفية أنظمة الحكم التي كانت سائدة والتي كانت تتسم بالظلم والجور الشديدين بحق أبناء الشعب في مختلف مناطقه، وقد رافق ذلك تشويه بليغ بين أنظمة الحكم وأبناء الشعب ،فاتخذ صيغا ومسارب عديدة :مذهبية ،ومناطقية ،قبلية ،وغيرها …ومنها العلاقة المشوهة بين الريف والمدينة ،سواء أكان هذا الريف ممثلا بالقبيلي أم بغيره”ص191-ج1-قاموس العرف القبلي..
وأنا أرى أن تفسير وتعليل الصراع بين القبيلة والمدينة يعود بشكل رئيسي إلى عوامل اجتماعية ،واختلاف أنماط الإنتاج المديني والقبيلي ،فحين يسكن أبناء القبائل في المدن تظل هذه الأعراف متمكنة وحاكمة لسلوكهم، ففي سبعينيات القرن العشرين أتذكر في تعز ذلك الصراع المناطقي بين حارة الجحملية وحواري وحافات المدينة القديمة ،بل كان صراعا في أحد أوجهه بين القبيلي المتبندق ،كعسكري في الدولة ،وأغلبهم كانوا من بني حشيش ،وبني بهلول وبني مطر وغيرها من مناطق قبائل الشمال ،سكنوا في حارة الجحملية السفلى والعليا ،وتزوجوا من نساء( صبر ).. كانت المعارك بين حارة الجحملية والمدينة بالأيدي والصمويل (جمع صميل)والأدوات الحادة هي السمة الغالبة في تلك المعارك ،بما يشي بعصبية ممزوجة قبلية ومناطقية ،تختلط فيها روح العصبية القبلية بعصبية الحارة والحافة، فأبناء المدينة في تعز أو إب يرادفون بين العسكري والقبيلي ،وينظرون إلى حارة الجحملية وكأنها قبيلة ومعسكر في آن،ولم تتلاش هذه الظاهرة الاجتماعية إلاَّ مع النصف الثاني من ثمانينيات القرن العشرين ،وكان للاغتراب ،أي الانشغال بالعمل في المهجر والتعليم دوره في إذابة هذه العصبيويات داخل المدن.
يرى القبيلي بحسب ما ينقله (أحمد الجبلي ) في مؤلفه هذا ،نقلا عن (عدرة)”أن القبيلي (في شمال البلاد)هو مزارع ومحارب في نفس الوقت ،ولذا فهو يٌطعِم فئتي السادة والقضاة ،وبني الخُمس، وهو من يحميهم ،ويميز القبائل أنفسهم بالانتساب إلى القبائل القحطانية ،وبدورهم التقليدي كمحاربين ،وبسكنهم في الريف ،مقابل سكان المدن والبلدات التي يسكنها السادة والقضاة وبنو الخمس”ص191-ج1-قاموس العرف القبلي…
الإمام يحيى وسلب المشائخ سلطاتهم:
عمل الإمام يحيى منذ بداية عشرينيات القرن العشرين على سحب صلاحيات وسلطات المشائخ ،بأن أرسل عاملا وحاكما وكاتبا لكل قضاء ،ما جعل المشيخ دون وظيفة فعلية تمس الناس ،ولعل ما أشار إليه المؤلف (أحمد الجبلي) من أن علي الوزير أمير تعز قد أنشأ ما يسمى بنظام “الأمين” ليقوم مقام الشيخ بالنسبة لعلاقة المواطن بالدولة ،وهو
نت القضية ،حتى وإن كان بين الطرفين ذحل(قتل)حتى ولو كان من عنده الذحل منفردا وسنحت لغريمه الفرصة لقتله ,وإذا حصل القتل في هذه الأيام ،فإن الجماعة القبلية التي ينتمي إليها القاتل تقبض عليه وتسوقه إلى جماعة المقتول لتحم فيه ما شاءت ،إما القتل قصاصا ،وإما تسليم الدية المضاعفة ،وهي عشر ديات مع ضمان العاقلة ،ولا أحفظ من هذه الأيام العشر إلاَّ :يوم الجراد ،يوم السيل ،يوم السوق، يوم الغارة ،يوم الملقا (وهو يوم الوعد بين قبيلتين لأمر ما )(الأكوع (محمد):1/122)ص199-ج2-قاموس العرف القبلي في اليمن.
مكانة الحرب في القبيلة:
الحرايب: في قبائل المشرق هي الحروب ،يشير متزمل إلى مكانة الحرب المحورية في حياتهم اليومية ،وان الغاية من تربية الأبناء هي لكي يصبحوا رجالا أشداء عند القتال :
يا سلامي على من هو رفيق صحبته ما نَبَا بدّالها
عند شب الحرايب ما نضيق ما نربي العيال إلاَّ لها
ولتثبيت قيم الاستبسال والشجاعة في نفوس القبائل ،تسمع الأمهات ،عندما يلاعبن أولادهن “يجعلك ربي قتيل ولا يميتك ميتة الدواب” وإذا مات الرجل ميتة طبيعية ،فمن جُملة ما تعدِّده المرأة عند رثائه قولها :”ليته اغتسل بالدماء ،ولا مات حرمة”ص352 .
وإذا أرادت القبائل صلحا ،قالت “حرب طول الزمن عيب” ويضرب عند عرض الصلح على أطراف الصراع ،بغرض استمالتهم إلى الصلح .ص352-ج1-قاموس العرف القبلي. ومن أمثالهم “من حل وسط القوم شل بلاهم”
رفض الهادي مناداته بالسيد:
جاء في سيرة “الهادي إلى الحق” يحيى بن الحسين الرسي بشأن لقب “السيد” حيث يذكر صاحب سيرة “الهادي “أنه “سمعت رجلا يقول له “جعلت فداء للسيد .فقال له الهادي إلى الحق :لا تعد تقول هذا مرة أخرى فإنما السيد هو الله ،وإنما أنا عبد ذليل ،فقال له رجل ممن حضر المجلس :جعلت فداك قال الله “وسيدا وحصورا” فقال :نعم ،ولكن لا أحب أن يقال لي هكذا “(العلوي :53) ص211-ج2-قاموس العرف القبلي في اليمن.
رقصة الشرح:
هناك العديد من الألفاظ ذات معان واحدة ،في جغرافيات متعددة في اليمن ،ومن ذلك لفظة (الشَرْح)يعرِّفها المؤلف بأنها “إحدى الرقصات الشعبية الشهيرة في الجنوب والمشرق وحضرموت .ويبدو أن المعنى يعود إلى الانشراح ؛أي الفرح والانبساط”ص261-ج2-قاموس العرف القبلي ،لكنه لا يشير إلى أن للفظة (الشرح)ذات المعنى في منطقة الحجرية ،إلا إذا كان يدرج قضاء الحجرية ضمن الجنوب ،كجهة جغرافية ،فالحجرية تقع في الجنوب الغربي
مكانة الحرب في القبيلة:
الحرايب: في قبائل المشرق هي الحروب ،يشير متزمل إلى مكانة الحرب المحورية في حياتهم اليومية ،وان الغاية من تربية الأبناء هي لكي يصبحوا رجالا أشداء عند القتال :
يا سلامي على من هو رفيق صحبته ما نَبَا بدّالها
عند شب الحرايب ما نضيق ما نربي العيال إلاَّ لها
ولتثبيت قيم الاستبسال والشجاعة في نفوس القبائل ،تسمع الأمهات ،عندما يلاعبن أولادهن “يجعلك ربي قتيل ولا يميتك ميتة الدواب” وإذا مات الرجل ميتة طبيعية ،فمن جُملة ما تعدِّده المرأة عند رثائه قولها :”ليته اغتسل بالدماء ،ولا مات حرمة”ص352 .
وإذا أرادت القبائل صلحا ،قالت “حرب طول الزمن عيب” ويضرب عند عرض الصلح على أطراف الصراع ،بغرض استمالتهم إلى الصلح .ص352-ج1-قاموس العرف القبلي. ومن أمثالهم “من حل وسط القوم شل بلاهم”
رفض الهادي مناداته بالسيد:
جاء في سيرة “الهادي إلى الحق” يحيى بن الحسين الرسي بشأن لقب “السيد” حيث يذكر صاحب سيرة “الهادي “أنه “سمعت رجلا يقول له “جعلت فداء للسيد .فقال له الهادي إلى الحق :لا تعد تقول هذا مرة أخرى فإنما السيد هو الله ،وإنما أنا عبد ذليل ،فقال له رجل ممن حضر المجلس :جعلت فداك قال الله “وسيدا وحصورا” فقال :نعم ،ولكن لا أحب أن يقال لي هكذا “(العلوي :53) ص211-ج2-قاموس العرف القبلي في اليمن.
رقصة الشرح:
هناك العديد من الألفاظ ذات معان واحدة ،في جغرافيات متعددة في اليمن ،ومن ذلك لفظة (الشَرْح)يعرِّفها المؤلف بأنها “إحدى الرقصات الشعبية الشهيرة في الجنوب والمشرق وحضرموت .ويبدو أن المعنى يعود إلى الانشراح ؛أي الفرح والانبساط”ص261-ج2-قاموس العرف القبلي ،لكنه لا يشير إلى أن للفظة (الشرح)ذات المعنى في منطقة الحجرية ،إلا إذا كان يدرج قضاء الحجرية ضمن الجنوب ،كجهة جغرافية ،فالحجرية تقع في الجنوب الغربي
ينقل ذلك عن الوزير المحقق “ولكنه أبقى للمشائخ وجاهتهم الاجتماعية ،وأبقى أيضا حصة معينة من حاصل الزكاة مقابل شل أيديهم من أي تصرف يمس المواطن مباشرة أو غير مباشر (الوزير :129)ولكني لم أجد ما يؤيد هذه المعلومة في أي مصدر أو مرجع متاح لي”ص235-ج1-قاموس العرف القبلي…
أظن أن ما قاله المحقق الوزير هو الصحيح ،لكن بتسمية مختلفة “عدل القرية” وليس الأمين ،فقد كان جدي (محمد سعيد عبد الله) أخو جدي (أحمد سعيد )عدلا لـ(نباهنة )عزلة (قدس)ناحية (المواسط) قضاء الحجرية-يقوم بوظيفة جمع الزكاة ،وتمثيل النباهنة لدى الدولة ،فقد طلبه الإمام أحمد إلى المقام في تعز لمحاسبته عن زكاة النباهنة …أما عقود الزواج والبيع والشراء فلم تكن من اختصاصات (عدل القرية ) بل من اختصاص الفقهاء والقضاء .
السيد والعربي:
في أكثر من موضع من كتاب (قاموس العرف القبلي في اليمن)يقف المؤلف متسائلا أحيانا ومحتملا أحيانا بأن “شريف وعربي “أو “سادة وعرب” حين ترد “فكأنها” تعني أن الشريف ليس بعربي ،ويورد شواهد عديدة على ذلك في ص268-ج2.. ولو عاد المؤلف إلى ما كتبه المفكر علي الوردي ،حين ناقش مفهوم العرب والبدو والحضر في كتابه عن ابن خلدون ،لوجد أن لفظة “عربي” يقصد بها أحيانا “البدوي” وليس المعنى المتعارف عليه في أيامنا ،وفي التراث اليمني فإن التمييز من وجهة نظري بين السادة والعرب هو تمييز بين شريحة السادة وشريحة القبائل، فالعربي مرادف للقبيلي ،تمييزا له عن بقية الشرائح من سادة و(بني الخُمْس ،الثلث ،الطرف ،القرار، المساكين ،الضعفاء)
فإيحاء المؤلف بأن السادة ليسوا عرباً في تساؤله عن خروج السادة من دلالة العربي في التقسيم الاجتماعي هو إيحاء خاطئ ،فلقد استخدم ابن خلدون مصطلح(العربي)في (مقدمته)بدلالات منها ما يقابل العجم ،ومنها ما يقابل البدو ضمن ثنائية البدوي /الحضري، وكذلك كان التعداد السكاني في عشرينيات القرن العشرين في عدن إبان الاستعمار البريطاني يقسَّم السكان إلى :هنود وصومال وعرب ويهود، والمقصود بالعرب الذين ينتمون إلى اليمن وسوريا ومصر وغيرها من البلدان العربية ،أي العرب في مقابل الجنسيات الأخرى.
ومن هنا فإن التمييز الاجتماعي في اليمن للسادة والأشراف عن العرب يقصد به تمييزهم عن القبائل ،لا توصيفهم بأنهم عجم ،فالمصطلحات والمفردات تأخذ معانيها من سياق العبارة ،والعبارة تأخذ دلالاتها من السياق الاجتماعي والزمني الذي قيلت فيه.
يذكر المؤلف في الجزء الثالث من الكتاب في مادة (عرب) نقلا عن دريش عن جرهولم” أنه في الجبال الغربية يسمى أهل المدن هناك “عَرَب” وهم يدَّعون غالبا أنهم كانوا قبائلا، ويبدو أنه يعترف بهم باعتبارهم منفصلين تماما عن أولئك الذين ليس لهم تماما لاشرف ولا أصول”(دريش 1993:154 الحاشية(22)وانظر “سيد”)ص14-ج3-قاموس العرف القبلي في اليمن.
الدوشان /الإعلامي:
من وظائف الدوشان -وهو من بني الخمس أي المستضعفين الذين لا يحملون السلاح ، ويعطون من خمس الغنائم- القيام بوظيفة الإعلامي في نشر الأخبار على الملأ ،فعندما أراد النقيب يحيى أبو عروق –وهو أحد نقباء خميس آل أحمد بن كول من ذي محمد –التبرؤ من الإمام القاسم ،”أمر “الدوشان ” أن ينادي بـ”ظاهرة ” في السوق توضح تخليه عن مسؤولية الدفاع عن الإمام القاسم وأتباعه “ص232-ج1-قاموس العرف القبلي.
حكاية مثل:
“من غرائب الحكم العرفي بالعوالق أن الحاكم العرفي حديج بن حسين الجارضي كان في بيته عندما جاء خصمان ادعى أحدهما أن الآخر عضه بأسنانه ،وادعى الثاني أن الآخر رمحه برجله ،فلما فرغا من الدعوى والإجابة بينهما قال الحاكم بالبديهة :العضة بالرمحة ،وقرشين لحديج ،فذهبت مثلا في إهدار الحدود وتغريم الخصوم”ص182-ج1-قاموس العرف القبلي.
نخيط برطي :
نقتبس من الكتاب ما ذكره المؤلف عن مادة :برط .البريط :هو الإبراق والإرعاد بالكلام (النخيط) وقد اشتقت اللفظة –كما يذهب الإرياني –من طريقة أهل برط في الحديث المليء بالفخر والاعتزاز ،ويراد بها التفكه ،وسكان جبل برط هم “ذو محمد “بن غيلان و” ذو حسين “بن غيلان” ولعل “ذو حسين “هم أول من تفكه على إخوانهم “ذو محمد” بأهزوجة يترنمون بها ،موضوعة على لسان أحدهم من “ذو محمد” يرويها بفخر ،وليس بها من الفخر ،بل هي ضرب من “البريط” إذ يقول:
إحنا عشرة من “ذو محمد”
لقينا قُمْعِثي من “ذو حسين”
هاشنا وهشناه
مننا ومنه
قتل مننا واحد بقينا تسعة
وحنا تسعة من “ذو محمد”
لقينا قمعثي من “ذو حسين”
هاشنا وهشناه
مننا ومنه
قتل منا واحد
بقينا ثمانية من “ذو محمد”
لقينا قمعثي، إلخ
وتستمر الأهزوجة إلى أن يبقى واحد:
ما زاد بقي إلا أنا
ومن شجاعتي وقحامتي
تِربّعْتِه ودخلت من بين ارْجلِهْ
أي أنني توسلت إليه واستجرت به ربيعا ،وزيادة في التعبير عن خضوعي له دخلت من بين رجليه”ص256-257-ج1-قاموس العرف القبلي-نقلا عن الإرياني :مادة “برط”65-66.
أيام السلام في العرف القبلي في جبل( برط):
“أيام السلام :في جبل “برط” ثمة عشرة أيام يمنع فيها العدوان فيما بينهم مهما كا
أظن أن ما قاله المحقق الوزير هو الصحيح ،لكن بتسمية مختلفة “عدل القرية” وليس الأمين ،فقد كان جدي (محمد سعيد عبد الله) أخو جدي (أحمد سعيد )عدلا لـ(نباهنة )عزلة (قدس)ناحية (المواسط) قضاء الحجرية-يقوم بوظيفة جمع الزكاة ،وتمثيل النباهنة لدى الدولة ،فقد طلبه الإمام أحمد إلى المقام في تعز لمحاسبته عن زكاة النباهنة …أما عقود الزواج والبيع والشراء فلم تكن من اختصاصات (عدل القرية ) بل من اختصاص الفقهاء والقضاء .
السيد والعربي:
في أكثر من موضع من كتاب (قاموس العرف القبلي في اليمن)يقف المؤلف متسائلا أحيانا ومحتملا أحيانا بأن “شريف وعربي “أو “سادة وعرب” حين ترد “فكأنها” تعني أن الشريف ليس بعربي ،ويورد شواهد عديدة على ذلك في ص268-ج2.. ولو عاد المؤلف إلى ما كتبه المفكر علي الوردي ،حين ناقش مفهوم العرب والبدو والحضر في كتابه عن ابن خلدون ،لوجد أن لفظة “عربي” يقصد بها أحيانا “البدوي” وليس المعنى المتعارف عليه في أيامنا ،وفي التراث اليمني فإن التمييز من وجهة نظري بين السادة والعرب هو تمييز بين شريحة السادة وشريحة القبائل، فالعربي مرادف للقبيلي ،تمييزا له عن بقية الشرائح من سادة و(بني الخُمْس ،الثلث ،الطرف ،القرار، المساكين ،الضعفاء)
فإيحاء المؤلف بأن السادة ليسوا عرباً في تساؤله عن خروج السادة من دلالة العربي في التقسيم الاجتماعي هو إيحاء خاطئ ،فلقد استخدم ابن خلدون مصطلح(العربي)في (مقدمته)بدلالات منها ما يقابل العجم ،ومنها ما يقابل البدو ضمن ثنائية البدوي /الحضري، وكذلك كان التعداد السكاني في عشرينيات القرن العشرين في عدن إبان الاستعمار البريطاني يقسَّم السكان إلى :هنود وصومال وعرب ويهود، والمقصود بالعرب الذين ينتمون إلى اليمن وسوريا ومصر وغيرها من البلدان العربية ،أي العرب في مقابل الجنسيات الأخرى.
ومن هنا فإن التمييز الاجتماعي في اليمن للسادة والأشراف عن العرب يقصد به تمييزهم عن القبائل ،لا توصيفهم بأنهم عجم ،فالمصطلحات والمفردات تأخذ معانيها من سياق العبارة ،والعبارة تأخذ دلالاتها من السياق الاجتماعي والزمني الذي قيلت فيه.
يذكر المؤلف في الجزء الثالث من الكتاب في مادة (عرب) نقلا عن دريش عن جرهولم” أنه في الجبال الغربية يسمى أهل المدن هناك “عَرَب” وهم يدَّعون غالبا أنهم كانوا قبائلا، ويبدو أنه يعترف بهم باعتبارهم منفصلين تماما عن أولئك الذين ليس لهم تماما لاشرف ولا أصول”(دريش 1993:154 الحاشية(22)وانظر “سيد”)ص14-ج3-قاموس العرف القبلي في اليمن.
الدوشان /الإعلامي:
من وظائف الدوشان -وهو من بني الخمس أي المستضعفين الذين لا يحملون السلاح ، ويعطون من خمس الغنائم- القيام بوظيفة الإعلامي في نشر الأخبار على الملأ ،فعندما أراد النقيب يحيى أبو عروق –وهو أحد نقباء خميس آل أحمد بن كول من ذي محمد –التبرؤ من الإمام القاسم ،”أمر “الدوشان ” أن ينادي بـ”ظاهرة ” في السوق توضح تخليه عن مسؤولية الدفاع عن الإمام القاسم وأتباعه “ص232-ج1-قاموس العرف القبلي.
حكاية مثل:
“من غرائب الحكم العرفي بالعوالق أن الحاكم العرفي حديج بن حسين الجارضي كان في بيته عندما جاء خصمان ادعى أحدهما أن الآخر عضه بأسنانه ،وادعى الثاني أن الآخر رمحه برجله ،فلما فرغا من الدعوى والإجابة بينهما قال الحاكم بالبديهة :العضة بالرمحة ،وقرشين لحديج ،فذهبت مثلا في إهدار الحدود وتغريم الخصوم”ص182-ج1-قاموس العرف القبلي.
نخيط برطي :
نقتبس من الكتاب ما ذكره المؤلف عن مادة :برط .البريط :هو الإبراق والإرعاد بالكلام (النخيط) وقد اشتقت اللفظة –كما يذهب الإرياني –من طريقة أهل برط في الحديث المليء بالفخر والاعتزاز ،ويراد بها التفكه ،وسكان جبل برط هم “ذو محمد “بن غيلان و” ذو حسين “بن غيلان” ولعل “ذو حسين “هم أول من تفكه على إخوانهم “ذو محمد” بأهزوجة يترنمون بها ،موضوعة على لسان أحدهم من “ذو محمد” يرويها بفخر ،وليس بها من الفخر ،بل هي ضرب من “البريط” إذ يقول:
إحنا عشرة من “ذو محمد”
لقينا قُمْعِثي من “ذو حسين”
هاشنا وهشناه
مننا ومنه
قتل مننا واحد بقينا تسعة
وحنا تسعة من “ذو محمد”
لقينا قمعثي من “ذو حسين”
هاشنا وهشناه
مننا ومنه
قتل منا واحد
بقينا ثمانية من “ذو محمد”
لقينا قمعثي، إلخ
وتستمر الأهزوجة إلى أن يبقى واحد:
ما زاد بقي إلا أنا
ومن شجاعتي وقحامتي
تِربّعْتِه ودخلت من بين ارْجلِهْ
أي أنني توسلت إليه واستجرت به ربيعا ،وزيادة في التعبير عن خضوعي له دخلت من بين رجليه”ص256-257-ج1-قاموس العرف القبلي-نقلا عن الإرياني :مادة “برط”65-66.
أيام السلام في العرف القبلي في جبل( برط):
“أيام السلام :في جبل “برط” ثمة عشرة أيام يمنع فيها العدوان فيما بينهم مهما كا
الطارق .. أجمل إبداعاتنا اللهجية(*)
- علوان مهدي الجيلاني
الطارق .. أجمل إبداعاتنا اللهجية(*)
أهل الشام, بلاد الشام, الجهات الشامية, اصطلاحات درج المؤرخون منذ القرن السادس الهجري على استعمالها للدلالة على الجهة الشمالية من تهامة.. غالباً على مناطق شمال الوادي سردود حتى حلي بن يعقوب.
والشامي نسبة جغرافية محلية تطلق في تهامة على أبناء الجهة الشمالية من تهامة.. مقابل نسبة يماني للجهة الجنوبية.. وفي اللهجة التهامية يسمي معظم أبناء تهامة الشمال: (شايم, وشام), والجنوب: (يُمِّنْ، ويُمَّنْ، ويَمَنْ).
و(الشامي) هنا مصطلح للون من الشعر الشعبي التهامي.. الذي يشتهر بقوله: أبناء القسم الشامي من تهامة تقريباً من وادي مور وحتى حلي بن يعقوب.
ولكن هذه التسمية لهذا اللون من الشعر لا تعرف عند أبناء العمق الشامي, حيث يوجد أكثر مبدعيه والمتفننين في تقديمه قولاً وتطريقاً (غناء)..
بل هي تتوقف عند حدود صامطة وما حولها (حسب الشاعر محمد مسير المباركي)، أما ما بعد صامطة أعني العمق الشامي في صبيا، وأبو عريش، و جيزان، وضمد، وبيش، والقحمة، وحلي بن يعقوب.. وحواز تلك المناطق ونجودها فلا يسمونه إلا (الطارق).
وهذا ما يؤكده الباحث الشاعر معبر النهاري(1) (من بيش), وهو أحد شعراء هذا اللون المعاصرين, بل هو سليل إحدى أشهر الأسر التي توارثت قول الطارق هناك.
ما قاله معبر النهاري يؤكده ما أورده الباحث محمد بن أحمد العقيلي في كتابه (الأدب الشعبي في الجنوب)ج1ص240, وما بعدها.. فقد عرَّف بهذا اللون (الطارق) في ثلاث صفحات, أورد بعدها عشرة نصوص منه.. ولم ترد في كلامه مفردة (الشامي) على الإطلاق.
استقرار أهل العمق من تهامة الشام على مصطلح (الطارق) لم يقابله استقرار من بقية الذين اصطلحوا على (الشامي) أعني المهتمين في الجزء الشامي من تهامة الذي يمتد من صامطة حتى سردود, ثم أهل الجهة اليمانية (ما بعد سردود إلى حيس...) على مصطلح (الشامي), فبعضهم يقصد به كل الألوان الشعرية الشعبية أو الشفاهية = (اللهجية) التي تقال في تهامة الشام، والتي تشمل الفرساني والشامية والدِّلْع والزيفات وغيرها إلي جانب (الطارق), وبعضهم يقصد به (الطارق) وحده, وهم إلى جانب ذلك يستعملون تسمية (الطارق) استعمالاً غير واضح- أيضاً-, حتى أن (الطارق) عند بعضهم مثل الباحث عبدالله خادم العمري, فن من فنون (الشامي).. فهو عندما يعرف بهذا الفن في كتابه (الشعر الشعبي المغنى في تهامة) ص245...يقول: (لهجته اللهجة التهامية مع الطابع الشامي للهجة الشامية في بعض المفردات والتعابير، ويمتد انتشار هذا اللون من الشعر حتى عسير, وخاصة ما يسمونه بالطارق).
فالطارق كما يفهم العمري ليس هو(الشامي) وإنما هو لون أو فرع من فروعه, بل إنه في ص262 من الكتاب المشار إليه يجعله فرعاً من فروع الفرساني, وهذا الفهم الخاطئ ليس مقصوراً على العمري, وإنما كان شائعاً في أوساط المهتمين بهذا الشعر.. وقد ناقشت بعضهم في الثلاث سنوات الماضية محاولاً الوصول إلى فهم مقنع ولكني لم أظفر بطائل.. وقد انتقل سوء الفهم هذا إلى المهتمين بهذا اللون الشعري من غير أبناء تهامة.. نتيجة اعتمادهم في معلوماتهم على نفس أو بعض هؤلاء الذين أشاعوا هذا الخلط.. فعبدالله البردوني في كتابه الشهير(فنون الأدب الشعبي في اليمن) في الفصل المعنون بـ(فنون تهامية) يورد أكثر من سياق دال على الخلط في التسمية، فنجده في ص234 يقول: (تختلف الفنون الغنائية التهامية في تسميتها.. فهناك الموال البحري والغناء الشامي والطارق.. وأغاني الرعاة) ورغم أنه عندما يورد أمثلة للطارق يسميها بهذا الاسم (الطارق) إلا أنه يعود في نهاية ذلك الفصل فيذكر الفن الشامي والطارق اليماني, فالطارق ينتهي عند البردوني إلى شيء جديد لا صلة له بموضوعنا.
* * *
المشكلة في التعريف بهذا اللون الشعري لم تتوقف عند هذا الخلط في التسمية بل تتعداها إلى القصور في التعريف به... حين يطلب بعض الباحثين من خارج تهامة معلومات عنه من مثقفين تهاميين.. وقد عقد (الدكتور عبد العزيز المقالح) في كتابه (شعراء العامية في اليمن) بحثاً لهذا النوع من الشعر سماه (الجناس الشامي في الشعر التهامي)، بذل فيه جهداً كبيراً في محاولة فهمه وتوصيفه وتسميته.. إلا أنه بسبب قصور المعلومات التي أعطيت له.. وكذلك بسبب عدم القدرة على تصور وفهم الواقع الاجتماعي والبيئي لهذا اللون من الشعر, والسياقات الثقافية التي تنتجه.. حيث تغيب عن مشروعات الباحثين غالباً في مثل هذه المواضيع- أهمية النزول الميداني ومعايشة مادة البحث في واقعها، ومحاولة التعرف عليها من خلال اتصالها بالأنساق الإبداعية الأخرى التي تجاورها في بيئتها... ناهيك عن كون البحث تم في نهاية السبعينيات من القرن العشرين حين لم تكن جهود توثيق التراث الشفاهي ودراسات الأدب الشعبي في اليمن قد راكمت من الإنجازات ما يعين الباحث على الإحاطة بموضوعه كما يجب.. وكان المقالح قد طبع قبل ذلك رسالته للماجستير تحت عنوان (شعر العامية في
- علوان مهدي الجيلاني
الطارق .. أجمل إبداعاتنا اللهجية(*)
أهل الشام, بلاد الشام, الجهات الشامية, اصطلاحات درج المؤرخون منذ القرن السادس الهجري على استعمالها للدلالة على الجهة الشمالية من تهامة.. غالباً على مناطق شمال الوادي سردود حتى حلي بن يعقوب.
والشامي نسبة جغرافية محلية تطلق في تهامة على أبناء الجهة الشمالية من تهامة.. مقابل نسبة يماني للجهة الجنوبية.. وفي اللهجة التهامية يسمي معظم أبناء تهامة الشمال: (شايم, وشام), والجنوب: (يُمِّنْ، ويُمَّنْ، ويَمَنْ).
و(الشامي) هنا مصطلح للون من الشعر الشعبي التهامي.. الذي يشتهر بقوله: أبناء القسم الشامي من تهامة تقريباً من وادي مور وحتى حلي بن يعقوب.
ولكن هذه التسمية لهذا اللون من الشعر لا تعرف عند أبناء العمق الشامي, حيث يوجد أكثر مبدعيه والمتفننين في تقديمه قولاً وتطريقاً (غناء)..
بل هي تتوقف عند حدود صامطة وما حولها (حسب الشاعر محمد مسير المباركي)، أما ما بعد صامطة أعني العمق الشامي في صبيا، وأبو عريش، و جيزان، وضمد، وبيش، والقحمة، وحلي بن يعقوب.. وحواز تلك المناطق ونجودها فلا يسمونه إلا (الطارق).
وهذا ما يؤكده الباحث الشاعر معبر النهاري(1) (من بيش), وهو أحد شعراء هذا اللون المعاصرين, بل هو سليل إحدى أشهر الأسر التي توارثت قول الطارق هناك.
ما قاله معبر النهاري يؤكده ما أورده الباحث محمد بن أحمد العقيلي في كتابه (الأدب الشعبي في الجنوب)ج1ص240, وما بعدها.. فقد عرَّف بهذا اللون (الطارق) في ثلاث صفحات, أورد بعدها عشرة نصوص منه.. ولم ترد في كلامه مفردة (الشامي) على الإطلاق.
استقرار أهل العمق من تهامة الشام على مصطلح (الطارق) لم يقابله استقرار من بقية الذين اصطلحوا على (الشامي) أعني المهتمين في الجزء الشامي من تهامة الذي يمتد من صامطة حتى سردود, ثم أهل الجهة اليمانية (ما بعد سردود إلى حيس...) على مصطلح (الشامي), فبعضهم يقصد به كل الألوان الشعرية الشعبية أو الشفاهية = (اللهجية) التي تقال في تهامة الشام، والتي تشمل الفرساني والشامية والدِّلْع والزيفات وغيرها إلي جانب (الطارق), وبعضهم يقصد به (الطارق) وحده, وهم إلى جانب ذلك يستعملون تسمية (الطارق) استعمالاً غير واضح- أيضاً-, حتى أن (الطارق) عند بعضهم مثل الباحث عبدالله خادم العمري, فن من فنون (الشامي).. فهو عندما يعرف بهذا الفن في كتابه (الشعر الشعبي المغنى في تهامة) ص245...يقول: (لهجته اللهجة التهامية مع الطابع الشامي للهجة الشامية في بعض المفردات والتعابير، ويمتد انتشار هذا اللون من الشعر حتى عسير, وخاصة ما يسمونه بالطارق).
فالطارق كما يفهم العمري ليس هو(الشامي) وإنما هو لون أو فرع من فروعه, بل إنه في ص262 من الكتاب المشار إليه يجعله فرعاً من فروع الفرساني, وهذا الفهم الخاطئ ليس مقصوراً على العمري, وإنما كان شائعاً في أوساط المهتمين بهذا الشعر.. وقد ناقشت بعضهم في الثلاث سنوات الماضية محاولاً الوصول إلى فهم مقنع ولكني لم أظفر بطائل.. وقد انتقل سوء الفهم هذا إلى المهتمين بهذا اللون الشعري من غير أبناء تهامة.. نتيجة اعتمادهم في معلوماتهم على نفس أو بعض هؤلاء الذين أشاعوا هذا الخلط.. فعبدالله البردوني في كتابه الشهير(فنون الأدب الشعبي في اليمن) في الفصل المعنون بـ(فنون تهامية) يورد أكثر من سياق دال على الخلط في التسمية، فنجده في ص234 يقول: (تختلف الفنون الغنائية التهامية في تسميتها.. فهناك الموال البحري والغناء الشامي والطارق.. وأغاني الرعاة) ورغم أنه عندما يورد أمثلة للطارق يسميها بهذا الاسم (الطارق) إلا أنه يعود في نهاية ذلك الفصل فيذكر الفن الشامي والطارق اليماني, فالطارق ينتهي عند البردوني إلى شيء جديد لا صلة له بموضوعنا.
* * *
المشكلة في التعريف بهذا اللون الشعري لم تتوقف عند هذا الخلط في التسمية بل تتعداها إلى القصور في التعريف به... حين يطلب بعض الباحثين من خارج تهامة معلومات عنه من مثقفين تهاميين.. وقد عقد (الدكتور عبد العزيز المقالح) في كتابه (شعراء العامية في اليمن) بحثاً لهذا النوع من الشعر سماه (الجناس الشامي في الشعر التهامي)، بذل فيه جهداً كبيراً في محاولة فهمه وتوصيفه وتسميته.. إلا أنه بسبب قصور المعلومات التي أعطيت له.. وكذلك بسبب عدم القدرة على تصور وفهم الواقع الاجتماعي والبيئي لهذا اللون من الشعر, والسياقات الثقافية التي تنتجه.. حيث تغيب عن مشروعات الباحثين غالباً في مثل هذه المواضيع- أهمية النزول الميداني ومعايشة مادة البحث في واقعها، ومحاولة التعرف عليها من خلال اتصالها بالأنساق الإبداعية الأخرى التي تجاورها في بيئتها... ناهيك عن كون البحث تم في نهاية السبعينيات من القرن العشرين حين لم تكن جهود توثيق التراث الشفاهي ودراسات الأدب الشعبي في اليمن قد راكمت من الإنجازات ما يعين الباحث على الإحاطة بموضوعه كما يجب.. وكان المقالح قد طبع قبل ذلك رسالته للماجستير تحت عنوان (شعر العامية في
اليمن) سنة 1978م, ثم عندما أنجز هذا البحث نشره في صحيفة 26 سبتمبر عدد(130) تاريخ (21/مارس/1985م)، وكذلك في مجلة دراسات يمنية العددان (23-24) بتاريخ (يناير- فبراير- مارس- أبريل-مايو- يونيو1986م) , ثم جعله فصلاً من فصول كتابه (شعر العامية في اليمن) في طبعته الثانية الصادرة عن دار العودة ببيروت، سنة1986م.
لكل تلك الأسباب وقع بحث المقالح في عدد من الاجتهادات غير الموفقة مثل:
1- اعتباره أن من الخطأ وقف انتشار هذا اللون من الشعر على الجهة الشمالية من المنطقة التهامية؛ لأنه كما يذهب المقالح رغم ظهوره فيها فلا بد أن يكون قد امتد واتسعت رقعته ليشمل المنطقة الساحلية بأكملها بما في ذلك زبيد التي تقع في الجهة اليمانية من السهل التهامي, ولا بد أن شعراء هذه الجهة الأخيرة قد أسهموا في كتابته.
وما ذهب إليه المقالح ليس صحيحاً, فالشامي (الطارق) يقتصر قوله على المناطق الشامية بدءاً من وادي مور, وهو أكثر انتشاراً وكثرةً في الشعر والشعراء كلما اتجهنا شمالاً.. في العمق الشامي.. وتوجد مناطق تحسب على الجهات الشامية وهي المناطق الواقعة بين مور وسردود, وهي تشمل مدن (الضحي، والكدن، والمغلاف، والقناوص، والزيدية، والمنيرة وما يتبعها من قرى وأديرة ومحلات وبيوت).. للتوضيح أكثر.. البلاد التي تسكنها قبائل (صليل، والزعلية، والجرابح، والحشابرة، والعطاوية).. وقد ظهر من هذه البلاد شعراء كبار مثل مبارك بكير، والنهاري حسن، والنهاري امحمد, وإبراهيم موسي الشهير بـ(الموسي), وسعيد اعمى، وسود معمى, وهلهل، وعقص، وزبلة، وسعد الله العدواني، وخبش، وجياح وغيرهم.. ومعظم هؤلاء قد ماتوا, وبعضهم مات منذ حوالي قرن من الزمان, وقد وثقنا الكثير من شعرهم من أفواه المعمرين من الرواة, ولم يروَ لنا من جملة ما روي عنهم حتى الآن نصوص شامية (الطارق), باستثناء شاعرين:
أولهما: امناجي ثواب الذي تميز رغم أميته بالثقافة والذكاء, فكان يكتب الشعر الفصيح.. وقد رويت لنا من نصوصه بعض أبيات (الطارق).. ومنه النص التالي وقصته: أن امناجي سكن الحديدة في مرحلة من حياته، وبدأ العمل عند رجل من بني صبري (وبني صبري أسرة تركية, بقيت في اليمن بعد رحيل الأتراك سنة 1918م), وكان لهذا الرجل صنبوقان لصيد السمك, وكان امناجي وكيلاً له عليهما, وكان على الصنبوقين ناخوذتان أحدهما: اسمه جابر حبر, والثاني: حمادة, فنشأت بين امناجي وجابر حبر صحبة وثيقة, فيما كانت علاقته بحمادة تتسم بالنفور وعدم الاستلطاف, ولذلك كان يمدح جابر حبر ويهجو حمادة، ومن مدائحه في جابر حبر وصيده هذا الطارق(2):
الطرق:
يَا رَاكْ فْي واديْ المُسَمَّى وَدِيْ رَاكْ(3)
مَا قَطّ يُوْجَدْ عِنْدَنَا رَاكْ مِنّهْ(4)
الرد:
جَابر حُبَرْ شَاحِنْ زْعَابِرْ وَدِيرَاكْ(5)
وَارَى امْحَمَالِهْ عِنْدَنَا رَاكْمِنّهْ(6)
ولكن امناجي ثواب ابن القناوص الذي توفي فيها قبل (50)عاماً بعد تطوافٍ ببلادٍ كثيرة منها عدن، والحديدة، وجيزان, كان نزَّاعاً إلى الفنون الشامية, معتدّاً بأصل أسرته (بني ثواب) في منطقة عبس, إضافة إلى تجريبه القول في ألوان مختلفة من الشعر.. بقصدية واضحة.. فكان يقول (الوزبة).. و(الشعيبي) و(المطوح/البكيري) و(الدّلع) أو (الدمة) و(الشامية), ويقول (الطارق), وربما قال في ألوان أخرى لم ترو لنا عنه.
وثانيهما: الشاعر درويش بن غازل الذي توفي عام 1992م , وابن غازل وإن كان قد ولد في الصليف في مديرية المنيرة... إلا أنه يعد شاعر الساحل الشامي كله من الصليف إلى فرسان من ناحية إبداعه في شتى فنون المنطقة من(الفرساني) الشكل الذي أبدع فيه معظم شعره..مروراً بأنواع(الزيفات) و(الكسرات), كذلك (الدّلع) و(الشّرْجِي) و(الدّمَة) و(الألف باء) و(الألغاز), وصولاً إلى (الطارق), كما أنه يعدُ شاعرَ الساحل الشامي كله... باعتبار إقاماته وصلاته المتعددة في مناطق الساحل بدءاً من الصليف مسقط رأسه, مروراً بالخوبة واللحية وفرسان وجيزان.. التي أقام فيها وتزوج منها... وكانت له صلات واسعة بشعراء المنطقة(7) ..ولذلك فهو يعد ابن البيئة.. وشاعر من شعرائها, فيكون بديهياً أن يقول الطارق.
باستثناء هذين الشاعرين فإن أحداً من شعراء المنطقة, وما قبلها من الجهات اليمانية لتهامة... لم يقل هذا اللون من الشعر.. وإنما حاول قوله بعض المثقفين ممن اهتموا بتوثيق التراث الشفاهي.
وكان واضحاً في شعرهم تمايزه عما أبدعه الشعراء الشاميون من العامة، كما كان واضحاً أنه كتابة قصدية تحاكي نماذج, ولكنها لا تعيد تشكيل الوجود والتعبير عن تخلقاته كما يفعل شعراء الجهة الشامية.
ذهب المقالح إلى أن الدارس المتخصص يستطيع أن يتتبع البيئات المحلية الصغيرة لهذه النماذج الشعرية من خلال قراءة الملامح البارزة في الصورة.. والفوارق اللهجوية وهذا صحيح.. ولكنه يستطيع أن يفعل ذلك داخل النطاق الجغرافي للجهة الشامية؛ لأن هناك فوارق بين لهجات وادي مور وصامطة وأبو عريش وبيش, وحلي بن يعقوب, كما أن هناك فوارق بين لهجات الساحل ولهجات الحواز والنجود
لكل تلك الأسباب وقع بحث المقالح في عدد من الاجتهادات غير الموفقة مثل:
1- اعتباره أن من الخطأ وقف انتشار هذا اللون من الشعر على الجهة الشمالية من المنطقة التهامية؛ لأنه كما يذهب المقالح رغم ظهوره فيها فلا بد أن يكون قد امتد واتسعت رقعته ليشمل المنطقة الساحلية بأكملها بما في ذلك زبيد التي تقع في الجهة اليمانية من السهل التهامي, ولا بد أن شعراء هذه الجهة الأخيرة قد أسهموا في كتابته.
وما ذهب إليه المقالح ليس صحيحاً, فالشامي (الطارق) يقتصر قوله على المناطق الشامية بدءاً من وادي مور, وهو أكثر انتشاراً وكثرةً في الشعر والشعراء كلما اتجهنا شمالاً.. في العمق الشامي.. وتوجد مناطق تحسب على الجهات الشامية وهي المناطق الواقعة بين مور وسردود, وهي تشمل مدن (الضحي، والكدن، والمغلاف، والقناوص، والزيدية، والمنيرة وما يتبعها من قرى وأديرة ومحلات وبيوت).. للتوضيح أكثر.. البلاد التي تسكنها قبائل (صليل، والزعلية، والجرابح، والحشابرة، والعطاوية).. وقد ظهر من هذه البلاد شعراء كبار مثل مبارك بكير، والنهاري حسن، والنهاري امحمد, وإبراهيم موسي الشهير بـ(الموسي), وسعيد اعمى، وسود معمى, وهلهل، وعقص، وزبلة، وسعد الله العدواني، وخبش، وجياح وغيرهم.. ومعظم هؤلاء قد ماتوا, وبعضهم مات منذ حوالي قرن من الزمان, وقد وثقنا الكثير من شعرهم من أفواه المعمرين من الرواة, ولم يروَ لنا من جملة ما روي عنهم حتى الآن نصوص شامية (الطارق), باستثناء شاعرين:
أولهما: امناجي ثواب الذي تميز رغم أميته بالثقافة والذكاء, فكان يكتب الشعر الفصيح.. وقد رويت لنا من نصوصه بعض أبيات (الطارق).. ومنه النص التالي وقصته: أن امناجي سكن الحديدة في مرحلة من حياته، وبدأ العمل عند رجل من بني صبري (وبني صبري أسرة تركية, بقيت في اليمن بعد رحيل الأتراك سنة 1918م), وكان لهذا الرجل صنبوقان لصيد السمك, وكان امناجي وكيلاً له عليهما, وكان على الصنبوقين ناخوذتان أحدهما: اسمه جابر حبر, والثاني: حمادة, فنشأت بين امناجي وجابر حبر صحبة وثيقة, فيما كانت علاقته بحمادة تتسم بالنفور وعدم الاستلطاف, ولذلك كان يمدح جابر حبر ويهجو حمادة، ومن مدائحه في جابر حبر وصيده هذا الطارق(2):
الطرق:
يَا رَاكْ فْي واديْ المُسَمَّى وَدِيْ رَاكْ(3)
مَا قَطّ يُوْجَدْ عِنْدَنَا رَاكْ مِنّهْ(4)
الرد:
جَابر حُبَرْ شَاحِنْ زْعَابِرْ وَدِيرَاكْ(5)
وَارَى امْحَمَالِهْ عِنْدَنَا رَاكْمِنّهْ(6)
ولكن امناجي ثواب ابن القناوص الذي توفي فيها قبل (50)عاماً بعد تطوافٍ ببلادٍ كثيرة منها عدن، والحديدة، وجيزان, كان نزَّاعاً إلى الفنون الشامية, معتدّاً بأصل أسرته (بني ثواب) في منطقة عبس, إضافة إلى تجريبه القول في ألوان مختلفة من الشعر.. بقصدية واضحة.. فكان يقول (الوزبة).. و(الشعيبي) و(المطوح/البكيري) و(الدّلع) أو (الدمة) و(الشامية), ويقول (الطارق), وربما قال في ألوان أخرى لم ترو لنا عنه.
وثانيهما: الشاعر درويش بن غازل الذي توفي عام 1992م , وابن غازل وإن كان قد ولد في الصليف في مديرية المنيرة... إلا أنه يعد شاعر الساحل الشامي كله من الصليف إلى فرسان من ناحية إبداعه في شتى فنون المنطقة من(الفرساني) الشكل الذي أبدع فيه معظم شعره..مروراً بأنواع(الزيفات) و(الكسرات), كذلك (الدّلع) و(الشّرْجِي) و(الدّمَة) و(الألف باء) و(الألغاز), وصولاً إلى (الطارق), كما أنه يعدُ شاعرَ الساحل الشامي كله... باعتبار إقاماته وصلاته المتعددة في مناطق الساحل بدءاً من الصليف مسقط رأسه, مروراً بالخوبة واللحية وفرسان وجيزان.. التي أقام فيها وتزوج منها... وكانت له صلات واسعة بشعراء المنطقة(7) ..ولذلك فهو يعد ابن البيئة.. وشاعر من شعرائها, فيكون بديهياً أن يقول الطارق.
باستثناء هذين الشاعرين فإن أحداً من شعراء المنطقة, وما قبلها من الجهات اليمانية لتهامة... لم يقل هذا اللون من الشعر.. وإنما حاول قوله بعض المثقفين ممن اهتموا بتوثيق التراث الشفاهي.
وكان واضحاً في شعرهم تمايزه عما أبدعه الشعراء الشاميون من العامة، كما كان واضحاً أنه كتابة قصدية تحاكي نماذج, ولكنها لا تعيد تشكيل الوجود والتعبير عن تخلقاته كما يفعل شعراء الجهة الشامية.
ذهب المقالح إلى أن الدارس المتخصص يستطيع أن يتتبع البيئات المحلية الصغيرة لهذه النماذج الشعرية من خلال قراءة الملامح البارزة في الصورة.. والفوارق اللهجوية وهذا صحيح.. ولكنه يستطيع أن يفعل ذلك داخل النطاق الجغرافي للجهة الشامية؛ لأن هناك فوارق بين لهجات وادي مور وصامطة وأبو عريش وبيش, وحلي بن يعقوب, كما أن هناك فوارق بين لهجات الساحل ولهجات الحواز والنجود
, ولكن تلك الفوارق ليست بالفوارق التي يستعصي معها فهم ما يقوله ابن بيش على ابن وادي مور, نحن نتحدث هنا عن فوارق تتعلق بالنبر، أو زيادة حرف هنا وحذفه هناك، أو تصغير مفردة، أو مسمى في منطقة لا تصغر أو يصغر في الأخرى. أو دلالات بعض الألفاظ التي تكون لها انزياحات بلاغية في منطقة تختلف عن استعمالها العادي في مناطق أخرى.
بيد أن الدارس المتخصص المتفرغ لن يجد لهجات أهل الجهات اليمانية في(الطارق) إلا في حال أن نعد ما قاله العزي حديدي أحد المهتمين بهذا التراث.. جزءاً من هذا التراث, كما فعل العمري, فحشر نصاً قاله الحديدي في تسعينيات القرن العشرين... يحاكي فيه بتصنع واضح (الطارق) مع نصوص قيلت منذ أكثر من مائة سنة.
كذلك لن يجد الدارس لهجات أهل الجهات اليمانية إلا في حال آخر مثل- تحريف بعض الرواة من المثقفين وتصحيفاتهم وتدخلاتهم على بعض النصوص المروية.. كما فعل العمري أيضاً.... في النص المشهور:
بن في الدلات وتلافظ الماء
حيث أورده هكذا:
بين الدلات بن يتلافظ الماء
فهنا يبدو التحريف مفضوحاً لأن استعمال لفظ: (بين) بمعنى: (في) يتم في بيت الفقيه مسقط رأس العمري وما جاورها من الجهات اليمانية, ولا تستعمل في الجهات الشامية, ناهيك عن أن العمري أخرج البيت عن وزنه حين أورده بتلك الصيغة.
* * *
ولكن إذا كان المقالح قد ذهب إلى ما ذهب إليه وكان اجتهاده غير الموفق مبرراً بما سبق وأوردناه من مبررات موضوعية إلى حد كبير.
فإن ما ذهب إليه العمري في هذا السياق لم يكن مبرراً على الإطلاق.. بل كان مخجلاً حقاً.. لأن العمري مشغول بالتوثيق- كما يزعم- ومع ذلك ذهب برجليه إلى الفضيحة حين قال: (إن معظم الشعراء الشعبيين في منطقة يمن أو في(بطن تهامة) ولا ندري ما المقصود ببطن تهامة ولا معناها؟ (طبعاً العمري يقصد ببطن تهامة بيت الفقيه وما حولها) كما لا ندري كيف ننظر إلي محاولات بعض الشباب بعد عام2000م التسلي في مقيلهم بنظم بعض هذه القطع محاكاة لهذا النوع من الشعر على أنها جزء من تراثه الذي يوثق ويدرس مثله مثل المرويات التي مات شعراؤها من زمان.
لا أريد أن يُفهم من كلامي الاعتراض على محاولات الشعراء في أي مكان الكتابة على هذا اللون الشعري أو غيره, فكلنا نحب هذا اللون ونحاول الكتابة عبره لجمالياته الفريدة, وقدرة سهمه على اختراق الوجود كله, وإنما أقصده هو أن نفرق بين التراث الشفاهي الذي كتبه أناس في مجتمع معين وبيئة محددة, وكان أكثر من قاله أميون توارثوا قوله عبر مئات السنين...
ونحن نوثقه لقيمته الإبداعية والتاريخية ودلالاته الانثربولوجية والثقافية بشكل عام.. وبين ما يمتد متجدداً منه عند المعاصرين في نفس البيئة.. وبين من يعجب به من خارج جغرافيته.. فينظم على منواله وطريقته.. دون أن تكون مرجعيات ذلك التراث وعمقه التاريخي وأبعاده الاجتماعية جارية في دمه .
ومن هذا المنطلق فإن ما أورده العمري لشعراء من هذا الصنف الأخير في إطار زعمه التوثيق للطارق.. لا يدل إلا على الاستسهال.. أو عدم الفهم.
جانب آخر من جوانب الاستسهال عند العمري هو زعمه ندرة هذا الشعر وندرة رواته, وهذا قول لا يمكن أن يقول به من جرب ليلة واحدة أن يسمر في مدينة الزهرة مع أحمد هارب وعلي شوعي قبع, ناهيك عن أن يطلع على ما عند علي قشر, والكنز الذي تضمه دفاتره.
* * *
2- ذهب المقالح إلى أن هذا اللون من الشعر (مجهول المؤلف أو مجهول المؤلفين) والنماذج التالية (يقصد الشواهد التي أوردها) لا يمكن أن تكون بأي حال من تأليف شاعر واحد, وهناك وجهة نظر تتردد في الأحاديث وما زال يعوزها السند التاريخي, وتذهب إلى القول بأن هذا النوع من الشعر قد كان يخضع للتأليف الجماعي والفوري والتلقائي، وأن أحد الشعراء قد كان يبدأ بسطر وآخر يجيب عليه بسطر آخر ثم ثالث وهكذا, إلى أن ينتهي المربع.. وقد يدخلون في مربع آخر أو مربعات أخرى بنفس الطريقة.. ووجهة النظر هذه التي تعوزها كل الأسانيد لا يمكن أن تقبل لأن نوع البديع المستخدم فيها لا يصطاد ولا يلتقط بسهولة.. وشعر الارتجال الفردي والجماعي معروف.. وهو شعر فكرة أكثر منه شعر صورة) ص338.
وهذا اجتهاد خانه التوفيق مع الأسف الشديد.
أولاً: لأن معظم شعراء هذا اللون معروفون.. وموثقون في مناطقهم وعند رواتهم هناك.. ولكن وصول هذا الشعر إلى من يحفظون بعض القطع من المثقفين الذين رووا بدورهم للمقالح. كان ينقصه حرفية الراوي الموثق الذي يهتم باسم الشاعر وزمنه ومنطقته وتاريخ النص وظروف قوله. وروايته أو رواته الذين أخذ عنهم، وكذلك وسائط التوثيق.
أغلب الظن أن الذين كتب عنهم المقالح نصوص دراسته قد حفظوا تلك النصوص في مقايل همها متعة الشعر.. دون عناية بقائله وسائر ما يتعلق به مما ذكرناه, وقد عرفنا عبر سنوات وسنوات هؤلاء المثقفين وسمعناهم يرددون هذا الشعر، ونادراً ما ينسبون نصاً لقائله.. فإجابتهم كلما سئلوا )مجهول القائل).
ويتبين لأي باحث مقدار تساهل هؤلاء حين ينزل للبحث ميدانياً.. أو يراسل أبناء المنطقة من المهتمين أو يلتقي ب
بيد أن الدارس المتخصص المتفرغ لن يجد لهجات أهل الجهات اليمانية في(الطارق) إلا في حال أن نعد ما قاله العزي حديدي أحد المهتمين بهذا التراث.. جزءاً من هذا التراث, كما فعل العمري, فحشر نصاً قاله الحديدي في تسعينيات القرن العشرين... يحاكي فيه بتصنع واضح (الطارق) مع نصوص قيلت منذ أكثر من مائة سنة.
كذلك لن يجد الدارس لهجات أهل الجهات اليمانية إلا في حال آخر مثل- تحريف بعض الرواة من المثقفين وتصحيفاتهم وتدخلاتهم على بعض النصوص المروية.. كما فعل العمري أيضاً.... في النص المشهور:
بن في الدلات وتلافظ الماء
حيث أورده هكذا:
بين الدلات بن يتلافظ الماء
فهنا يبدو التحريف مفضوحاً لأن استعمال لفظ: (بين) بمعنى: (في) يتم في بيت الفقيه مسقط رأس العمري وما جاورها من الجهات اليمانية, ولا تستعمل في الجهات الشامية, ناهيك عن أن العمري أخرج البيت عن وزنه حين أورده بتلك الصيغة.
* * *
ولكن إذا كان المقالح قد ذهب إلى ما ذهب إليه وكان اجتهاده غير الموفق مبرراً بما سبق وأوردناه من مبررات موضوعية إلى حد كبير.
فإن ما ذهب إليه العمري في هذا السياق لم يكن مبرراً على الإطلاق.. بل كان مخجلاً حقاً.. لأن العمري مشغول بالتوثيق- كما يزعم- ومع ذلك ذهب برجليه إلى الفضيحة حين قال: (إن معظم الشعراء الشعبيين في منطقة يمن أو في(بطن تهامة) ولا ندري ما المقصود ببطن تهامة ولا معناها؟ (طبعاً العمري يقصد ببطن تهامة بيت الفقيه وما حولها) كما لا ندري كيف ننظر إلي محاولات بعض الشباب بعد عام2000م التسلي في مقيلهم بنظم بعض هذه القطع محاكاة لهذا النوع من الشعر على أنها جزء من تراثه الذي يوثق ويدرس مثله مثل المرويات التي مات شعراؤها من زمان.
لا أريد أن يُفهم من كلامي الاعتراض على محاولات الشعراء في أي مكان الكتابة على هذا اللون الشعري أو غيره, فكلنا نحب هذا اللون ونحاول الكتابة عبره لجمالياته الفريدة, وقدرة سهمه على اختراق الوجود كله, وإنما أقصده هو أن نفرق بين التراث الشفاهي الذي كتبه أناس في مجتمع معين وبيئة محددة, وكان أكثر من قاله أميون توارثوا قوله عبر مئات السنين...
ونحن نوثقه لقيمته الإبداعية والتاريخية ودلالاته الانثربولوجية والثقافية بشكل عام.. وبين ما يمتد متجدداً منه عند المعاصرين في نفس البيئة.. وبين من يعجب به من خارج جغرافيته.. فينظم على منواله وطريقته.. دون أن تكون مرجعيات ذلك التراث وعمقه التاريخي وأبعاده الاجتماعية جارية في دمه .
ومن هذا المنطلق فإن ما أورده العمري لشعراء من هذا الصنف الأخير في إطار زعمه التوثيق للطارق.. لا يدل إلا على الاستسهال.. أو عدم الفهم.
جانب آخر من جوانب الاستسهال عند العمري هو زعمه ندرة هذا الشعر وندرة رواته, وهذا قول لا يمكن أن يقول به من جرب ليلة واحدة أن يسمر في مدينة الزهرة مع أحمد هارب وعلي شوعي قبع, ناهيك عن أن يطلع على ما عند علي قشر, والكنز الذي تضمه دفاتره.
* * *
2- ذهب المقالح إلى أن هذا اللون من الشعر (مجهول المؤلف أو مجهول المؤلفين) والنماذج التالية (يقصد الشواهد التي أوردها) لا يمكن أن تكون بأي حال من تأليف شاعر واحد, وهناك وجهة نظر تتردد في الأحاديث وما زال يعوزها السند التاريخي, وتذهب إلى القول بأن هذا النوع من الشعر قد كان يخضع للتأليف الجماعي والفوري والتلقائي، وأن أحد الشعراء قد كان يبدأ بسطر وآخر يجيب عليه بسطر آخر ثم ثالث وهكذا, إلى أن ينتهي المربع.. وقد يدخلون في مربع آخر أو مربعات أخرى بنفس الطريقة.. ووجهة النظر هذه التي تعوزها كل الأسانيد لا يمكن أن تقبل لأن نوع البديع المستخدم فيها لا يصطاد ولا يلتقط بسهولة.. وشعر الارتجال الفردي والجماعي معروف.. وهو شعر فكرة أكثر منه شعر صورة) ص338.
وهذا اجتهاد خانه التوفيق مع الأسف الشديد.
أولاً: لأن معظم شعراء هذا اللون معروفون.. وموثقون في مناطقهم وعند رواتهم هناك.. ولكن وصول هذا الشعر إلى من يحفظون بعض القطع من المثقفين الذين رووا بدورهم للمقالح. كان ينقصه حرفية الراوي الموثق الذي يهتم باسم الشاعر وزمنه ومنطقته وتاريخ النص وظروف قوله. وروايته أو رواته الذين أخذ عنهم، وكذلك وسائط التوثيق.
أغلب الظن أن الذين كتب عنهم المقالح نصوص دراسته قد حفظوا تلك النصوص في مقايل همها متعة الشعر.. دون عناية بقائله وسائر ما يتعلق به مما ذكرناه, وقد عرفنا عبر سنوات وسنوات هؤلاء المثقفين وسمعناهم يرددون هذا الشعر، ونادراً ما ينسبون نصاً لقائله.. فإجابتهم كلما سئلوا )مجهول القائل).
ويتبين لأي باحث مقدار تساهل هؤلاء حين ينزل للبحث ميدانياً.. أو يراسل أبناء المنطقة من المهتمين أو يلتقي ب
هم وساعتها يجد أغلب النصوص تنسب إلى قائليها بيسر وسهولة, ومن ثم يعرف زمن الشاعر ومنطقته وقصة النص وظروف قوله..إلخ.. وبعض النصوص فقط تعزى إلى مجهول, شأنها في ذلك شأن أمثالها من ألوان الشعر الشفاهي الأخرى في تهامة كما في غير تهامة, بل شأنها في ذلك شأن بعض النصوص الجاهلية التي لم تنسب لقائل, وهذا معروف أيضاً في سائر التراث الشفاهي الإنساني.
ثانياً: ما نفاه المقالح من عادات قول هذا الشعر وطرق الشعراء في إبداعه.. بشكل عفوي وتلقائي وفوري... باعتبار أن ذلك مجرد وجهة نظر تتردد ويعوزها السند التاريخي... كما يكذبها أن نوع البديع المستخدم في النصوص لا يصطاد ولا يلتقط بسهولة... وكون شعر الارتجال الفردي والجماعي معروفاً, وهو شعر فكرة أكثر منه شعر صورة.
اجتهاد خانه التوفيق أيضاً, فالصحيح أن هذا الشعر الذي يحدو به الجمَّالة جمالهم غناء.. ويحفِّز به الحرّاثون أنفسهم وثيرانهم ويقوله الناس في المناسبات الخاصة.. الأفراح بشكل عام... وفي الهود والختان، وفي الحصاد والصريب.. وفي جلسات السمر بعد التخزين، وفي المواقف الإنسانية المختلفة التي تستدعي قول الشعر... وهم في معظم هذه الحالات يقولونه ارتجالاً ويسمى البادئ: (المطرِّق).. والبدء: (طرق).
وفي مناطق مثل (بيش) يسمون البادئ: (المسرِّح)، والبدء : (تسريح).
وفي جيزان وأبو عريش وصبيا يسمون البادئ: (المرسم)، والبدء: (ترسيم).
وفي وادي مور يسمون البادئ: (مطرِّق) والبدء: (طرق).
وفي مناطق أخرى يسمون البادئ: (بدّاع) والبدء: (بدع).
وفي كل الحالات يسمى الرد (رداً) أو (ردود), والقصص التي تروى كخلفيات للنصوص وتذكر أسباب قولها أو مجريات حدثت لأصحابها.. تجعل من الصعب تصور أن يكون شعراء هذا اللون يقضون أوقاتاً طويلة في نظمه والتفنن فيه, والرد عليه إلا في حالات قليلة, لأنه غالباً ما يكون وليد إثارة آنية.
كما في قصة ابن مجثل مع الراعي، إذ يروى أن راعياً كان يرعى لأناس في جهات صبياـ وقد وعدوه تزويجه ابنتهم الكبيرة مقابل رعيه أغنامهم وإبلهم لمدة معينة، فمضى على ما اتفق معهم عليه يرعى الغنم والإبل بانتظار نهاية الأجل المحدد لكي يتم الزواج، وحدث أن قدم تاجر بُنٍّ من عدن، فأغرى أهل تلك الفتاة الجميلة بالمال والهدايا، حتى وافقوا على تزويجه بها، وقالوا للراعي: انتظر حتى تكبر أختها الصغيرة ونزوجك بها بدلاً منها، فوافق صابراً، وعلم الشاعر ابن مجثل بما حدث فانتظر حتى (ليلة هود)(8)، وعندما بدأ السامرون سمرهم، وبدأ الشعراء بالقول (طرَّق) ابن مجثل(9) معرضاً بقبول الراعي أخذ حبيبته منه:
رِجَالْ حَلَّتْ دِيْرَةَ الْبُنّ هَابَهْ(10)|
وْلاَ يَصِلْهَا مِنْ تِخَوَّفْ وْمِنْ هَابْ(11)
التَّاجِرَ اللِّيْ مِنْ عَدَنْ جَالْ بُنّهْ(12)
لَمَّا تِغَالَى مَوْسِمُهْ حَتَّتِ الْبُنّ(13)
فرد الراعي على الفور:
إِنْ كَانْ كَسْبَ الْفَايْدَهْ بِالنَّهَابَهْ(14)
شَا هَبْ عَلَى امْجَادِلْ(15) عَشِيَّهْ وْمِنْهَابْ(16)
وَاشْرَبْ مِنَ الْمَحْضَ الَّذِي جَالْبِنُّهْ(17)
مَا نَا مِرَاعِي لِلْبُكُورْ حَتىّ تَلْبُنْ(18)
ثم انطلق إلى فتاته مقتحماً فأخذها وفر بها.
ومثل قصة الراعي وابن مجثل قصة الشريف حسن بن محمد علي مكرمي وسعيد باحسن، فقد كان الاثنان في مقيل قات بميدي، فمرت ثلاث نساء أمامهما، إحداهن حبلى والثانية تحمل ابنها في جنبها، والثالثة بكر لا تزال في أول طلعتها (فطرّق) الشريف حسن قائلاًً(19):
سَرْحَ النَّعَمْ(20) تَرْعَى بِوَادِي بَعَلْقَاتْ(21)
كَمْ يَا خُضَرْ(22) مَالَنْ23) عَلَيْهَا ودَكَّنْ(24)
بكُورْ(25فَارَقْ مَحْضْهَا فِي دِمَاهَا(26)
شَيّاً رَغَثْ(27) عَادُهْ صَغيْرٌ وجَنْبَاتْ(28)
تَمْشِي لَهَا مِشْيَهْ ضَعِيفَهْ وشَايِلْ(29)
هَدَّنْ30) بِمِيدِي العَصْرْ وتَبَارَكَنْ بُه(31)
فرد سعيد با حسن قائلاً:
يَا للِّي نَزَلْ مِنْ رَاسْ غُوْلَهْ(32) بِعَ القَاتْ(33)
رِجَالْ يَشْرُنُّهْ(34) عَشِيَّهْ وَدَكَّنْ(35)
يَسْقِي البِلاَدَ الفَايِتَهْ(36) فَيْدَ مَاهَا(37)
وكُلّ مَا تَقْطِفْ فُرُوعُهْ أَجَا نْبَاتْ(38)
يِسْفِيهْ رَبِّي كُلَّ لَيْلَةْ وَشَايِلْ(39)
بَيْنُهْ الخَضِرْ واليَاسْ40) يَتْبَارَكُنْ بُهْ(41)
***
لقد ذهب العقيلي إلى أن شعر (الطارق) غالباً ما يكون من الشعر الذي يحتفل بنظمه الشاعر ويتأنق في صياغته ويسبغ عليه مسحة من الترف الفني في نطاق (عاميته الشعرية)، ولكن العقليل يعود فينفي ما يمكن أن يوحي به كلامه فيقول: (وهذه العناية اللفظية وما يعبر عنه ذلك الشعر من أحاسيس وجدانية في الغالب الأعم موجودة في طبيعة البشر لا يحتاج صاحب البادية في فطرته الصافية إلى تعمق في تفهمها أو شرح لمعانيها برغم ذلك الغشاء الشفيف من الرمزية، بل إنه يشعر في ذلك الغموض النسبي بلذة التمعن المحبب واستظهار المتواري المحتجب وراء سجف الكتابة وغشاء الرمزية وراء كلمات هذا الشعر الشعبي التي تنساب مفاهيمهما إلى ذهن المواطن في سهولة ويسر، ويحيا مع تجربة الشاعر، فإذا اجتمع له سح
ثانياً: ما نفاه المقالح من عادات قول هذا الشعر وطرق الشعراء في إبداعه.. بشكل عفوي وتلقائي وفوري... باعتبار أن ذلك مجرد وجهة نظر تتردد ويعوزها السند التاريخي... كما يكذبها أن نوع البديع المستخدم في النصوص لا يصطاد ولا يلتقط بسهولة... وكون شعر الارتجال الفردي والجماعي معروفاً, وهو شعر فكرة أكثر منه شعر صورة.
اجتهاد خانه التوفيق أيضاً, فالصحيح أن هذا الشعر الذي يحدو به الجمَّالة جمالهم غناء.. ويحفِّز به الحرّاثون أنفسهم وثيرانهم ويقوله الناس في المناسبات الخاصة.. الأفراح بشكل عام... وفي الهود والختان، وفي الحصاد والصريب.. وفي جلسات السمر بعد التخزين، وفي المواقف الإنسانية المختلفة التي تستدعي قول الشعر... وهم في معظم هذه الحالات يقولونه ارتجالاً ويسمى البادئ: (المطرِّق).. والبدء: (طرق).
وفي مناطق مثل (بيش) يسمون البادئ: (المسرِّح)، والبدء : (تسريح).
وفي جيزان وأبو عريش وصبيا يسمون البادئ: (المرسم)، والبدء: (ترسيم).
وفي وادي مور يسمون البادئ: (مطرِّق) والبدء: (طرق).
وفي مناطق أخرى يسمون البادئ: (بدّاع) والبدء: (بدع).
وفي كل الحالات يسمى الرد (رداً) أو (ردود), والقصص التي تروى كخلفيات للنصوص وتذكر أسباب قولها أو مجريات حدثت لأصحابها.. تجعل من الصعب تصور أن يكون شعراء هذا اللون يقضون أوقاتاً طويلة في نظمه والتفنن فيه, والرد عليه إلا في حالات قليلة, لأنه غالباً ما يكون وليد إثارة آنية.
كما في قصة ابن مجثل مع الراعي، إذ يروى أن راعياً كان يرعى لأناس في جهات صبياـ وقد وعدوه تزويجه ابنتهم الكبيرة مقابل رعيه أغنامهم وإبلهم لمدة معينة، فمضى على ما اتفق معهم عليه يرعى الغنم والإبل بانتظار نهاية الأجل المحدد لكي يتم الزواج، وحدث أن قدم تاجر بُنٍّ من عدن، فأغرى أهل تلك الفتاة الجميلة بالمال والهدايا، حتى وافقوا على تزويجه بها، وقالوا للراعي: انتظر حتى تكبر أختها الصغيرة ونزوجك بها بدلاً منها، فوافق صابراً، وعلم الشاعر ابن مجثل بما حدث فانتظر حتى (ليلة هود)(8)، وعندما بدأ السامرون سمرهم، وبدأ الشعراء بالقول (طرَّق) ابن مجثل(9) معرضاً بقبول الراعي أخذ حبيبته منه:
رِجَالْ حَلَّتْ دِيْرَةَ الْبُنّ هَابَهْ(10)|
وْلاَ يَصِلْهَا مِنْ تِخَوَّفْ وْمِنْ هَابْ(11)
التَّاجِرَ اللِّيْ مِنْ عَدَنْ جَالْ بُنّهْ(12)
لَمَّا تِغَالَى مَوْسِمُهْ حَتَّتِ الْبُنّ(13)
فرد الراعي على الفور:
إِنْ كَانْ كَسْبَ الْفَايْدَهْ بِالنَّهَابَهْ(14)
شَا هَبْ عَلَى امْجَادِلْ(15) عَشِيَّهْ وْمِنْهَابْ(16)
وَاشْرَبْ مِنَ الْمَحْضَ الَّذِي جَالْبِنُّهْ(17)
مَا نَا مِرَاعِي لِلْبُكُورْ حَتىّ تَلْبُنْ(18)
ثم انطلق إلى فتاته مقتحماً فأخذها وفر بها.
ومثل قصة الراعي وابن مجثل قصة الشريف حسن بن محمد علي مكرمي وسعيد باحسن، فقد كان الاثنان في مقيل قات بميدي، فمرت ثلاث نساء أمامهما، إحداهن حبلى والثانية تحمل ابنها في جنبها، والثالثة بكر لا تزال في أول طلعتها (فطرّق) الشريف حسن قائلاًً(19):
سَرْحَ النَّعَمْ(20) تَرْعَى بِوَادِي بَعَلْقَاتْ(21)
كَمْ يَا خُضَرْ(22) مَالَنْ23) عَلَيْهَا ودَكَّنْ(24)
بكُورْ(25فَارَقْ مَحْضْهَا فِي دِمَاهَا(26)
شَيّاً رَغَثْ(27) عَادُهْ صَغيْرٌ وجَنْبَاتْ(28)
تَمْشِي لَهَا مِشْيَهْ ضَعِيفَهْ وشَايِلْ(29)
هَدَّنْ30) بِمِيدِي العَصْرْ وتَبَارَكَنْ بُه(31)
فرد سعيد با حسن قائلاً:
يَا للِّي نَزَلْ مِنْ رَاسْ غُوْلَهْ(32) بِعَ القَاتْ(33)
رِجَالْ يَشْرُنُّهْ(34) عَشِيَّهْ وَدَكَّنْ(35)
يَسْقِي البِلاَدَ الفَايِتَهْ(36) فَيْدَ مَاهَا(37)
وكُلّ مَا تَقْطِفْ فُرُوعُهْ أَجَا نْبَاتْ(38)
يِسْفِيهْ رَبِّي كُلَّ لَيْلَةْ وَشَايِلْ(39)
بَيْنُهْ الخَضِرْ واليَاسْ40) يَتْبَارَكُنْ بُهْ(41)
***
لقد ذهب العقيلي إلى أن شعر (الطارق) غالباً ما يكون من الشعر الذي يحتفل بنظمه الشاعر ويتأنق في صياغته ويسبغ عليه مسحة من الترف الفني في نطاق (عاميته الشعرية)، ولكن العقليل يعود فينفي ما يمكن أن يوحي به كلامه فيقول: (وهذه العناية اللفظية وما يعبر عنه ذلك الشعر من أحاسيس وجدانية في الغالب الأعم موجودة في طبيعة البشر لا يحتاج صاحب البادية في فطرته الصافية إلى تعمق في تفهمها أو شرح لمعانيها برغم ذلك الغشاء الشفيف من الرمزية، بل إنه يشعر في ذلك الغموض النسبي بلذة التمعن المحبب واستظهار المتواري المحتجب وراء سجف الكتابة وغشاء الرمزية وراء كلمات هذا الشعر الشعبي التي تنساب مفاهيمهما إلى ذهن المواطن في سهولة ويسر، ويحيا مع تجربة الشاعر، فإذا اجتمع له سح
ر الكلمة وفتنة الغناء كله كان له الأثر المضاعف في مخيلته الفطرية ومداركه البسيطة، وكل تلك الكنايات لا تبعد عن مألوفه في بيئته الطبيعية التي يتمثلها في معيشة حياته وعمله) ص242.
وإذن فإن ما يقوله العقيلي عن احتفال شاعر (الطارق) بنظمه وتأنقه في صياغته ليس في معناه أنه يُعمل فيه فكره الأيام والليالي... وإنما معناه أنه يفعل ذلك حين القول.. ووقت دواعيه، وهذا لا يعني التعميم المطلق... وإنما يعني البديع المستعمل فيه وهو الجناس.. صار جزءاً من اللغة المعيارية التي يقال وفقها هذا الشعر، لاحظ قول العقيلي: (أن هذه العناية اللفظية وما يعبر عن ذلك الشعر في الغالب الأعم.. موجودة في طبيعة البشر لا يحتاج صاحب البادية في فطرته الصافية إلى تعمق في تفهمها أو شرح معانيها).
أما قول المقالح إن شعر الارتجال الفردي أو الجماعي شعر فكرة أكثر منه شعر صورة... فهو قول لا سند له، وقد أثبتت الدراسات الأنثربولوجية في الشعر الشفاهي المغنى... إن هذا الشعر الشفاهي يتم إنشاؤه غناء مرتجلاً، وأن من سماته في كل اللغات تقريباً أن فيه صيغاً متكررة، ووحدات إنشاء تجعل الشاعر ينشئ بسهولة، ويضيف بطلاقة.... وفي هذه الحالة فإن الصور شأنه شأن الأفكار تصبح متراسلة تراسلاً مميزاً، حتى لو كان المشهد أو المعنى الذي تصوره الألفاظ المستعملة لا يتكرر على نحو حرفي على سبيل المثال لدينا طارقان، نص أولهما(42):
الطرق:
يَا زَيْدِيَهْ(43) فَيْ رْدَاحَكْ(44) حَتَّ حَبَّكْ(45
تِسْعِيْنَ بَازِلْ(46) حَمَّلَتْ مِنْكَ تِبْرا47)))
الرد:
وَلَّعْتَ قَلْبٍ غَافِلٍ حَتَّى حَبَّكْ(48)
وَالْيَومْ تُقُلْ لِّيْ(49ذِمَّتِيْ مِنْكَ تَبْرَا(50)
النص الثاني(51):
الطرق:
يَا مْزيْدِيَهْ(52) رَيْتُهْ امْهجَفْ(53) حَتَّ حَبَّكْ(54)
الْمَا يدَرِّجْ(55) فِيْ وِسَادَكْ(56) وَمَحْوِيْ(57)
الرد:
وَلَّعْتَ قَلْبٍ غَافِلٍ حَتَّى حَبَّكْ(58
كَمْ لِيْ أَكَتِّبْ لَكْ عَزَايِمْ وَمَحْوِيْ(59)
فإن الصيغ ووحدات الإنشاء المتكررة تتمثل في أداة النداء والمنادى (يا زيدية) و (يا مزيدية) و(حت حبك) و(ولعت قلب غافل حتى حبك).
هذه الصيغ ووحدات الإنشاء سنجد الكثير منها في شعر (الطارق)، كما في هذين النصين(60):
(1)
الطرق:
بَرَّاقْ مِنْ تَوَّ الْجَزَايِرْ(61) يضِيْ مَاهْ(62)
اسْقَ البَنَادِرْ كُلّهَا(63) وَاسْقَ مَيْدِيْ(64)
الرد:
الفُرقَهْ(65) مِنْ بَعدَ الْمَودَّهْ يَا ضَيْمَاهْ(66)
أَسْقَمْ عِظَامِيْ كُلَّهَا وَاسْقَمَ ايْدِيْ(67)
(2)
الطرق:
بَرَّاقْ مِنْ تَوَّ الْجَزَايِرْ لَمَعْ لُولْ(68)
وَتْرَى69) شِعَابَ امْسَيْلْ70) مِتْفَرِّقَا بُهْ(71)
الرد:
يَا رَبّ لاَ تَهْدِيْ مَلِيْحَهْ لِمَعْلُولْ(72)
تَمْسِيْ مَعَ امِّبْيَاتْ مِتْفَرِّقَا بُهْ(73
إنها صيغ ووحدات إنشاء تساعد الشاعر الشفاهي الذي لا يقرأ ولا يكتب (غالباً)، وليس لمرجعياته أثر محسوس على الورق، وإنما مرجعياته في ذاكرته وخبرات أذنه أن يضيف بسهولة وينشئ بيسر انطلاقاً منها، ويمكن لدراسة منهجية جادة أن تتقصى الصيغ ووحدات الإنشاء المتكررة في عدد كبير من نصوص هذا الشعر حتى يتبين أثرها على تراسل الصور وتخليق الجناسات حتى، سواء الجناسات اللفظية أو المعنوية الخفية التي يستشفها بامتياز أحمد السيد عطيف(74).
وهذا هو نوع الثبات في شعر الطارق الذي يجد المرء نفسه مسوقاً لتوقعه، وليس في معنى هذا الثبات محدودية أكوان الطارق أو محدودية ثروته من المفردات والصور والتخلقات الوجودية التي يجترحها.
وأريد أن أذكر هنا بما تذهب إليه الدراسات الشفاهية من (أن استمرار القصيدة الشفاهية يرتبط دائماً بكونها تعبر عن موضوع إنساني عام يفهمه كل من يتعرض له)(75)، وهذا هو حال الطارق في بيئته.
3- ذهب المقالح إلى أن شاعر هذا اللون قد تجاوز في امتلاك هذا العنصر البياني (يقصد البديعي) أي الجناس البلاغي وتجاوزه في استخدامه ووصل به حداً لم يصل إلى شاعر القصيدة الفصحى، وفي السياق ربما يكون (76) قد نسي المهمة الأولى التي شاعت عن شاعر العامية وهي التوصيل.. توصيل ما لم تستطع القصيدة الفصحى توصيله، وبذلك فقد أعطى الصياغة الشكلية قدراً عالياً ونادراً في الشائع المتداول من أشعار العامية في اليمن على الأقل... كما أعطاها قدرة على الجمع بين التوافق والتضاد...)ص236.
وإذا كان صحيحاً ما أورده المقالح في الجملتين الأخيرتين من المقطع السابق وهو أن شاعر الطارق ( قد أعطى الصياغة الشكلية قدراً عالياً ونادراً في الشائع المتداول من أشعار العامية في اليمن على الأقل... كما أعطاها قدرة على الجمع بين التوافق والتضاد.
فإن ما قاله في السطور التي سبقت الجملتين الأخيرتين ليس صحيحاً على الإطلاق... باعتبار أن شاعر هذا اللون قد تجاوز في امتلاك هذا العنصر البديعي، وتجاوز استخدامه ووصل به حداً لم يصل إليه شاعر القصيدة الفصحى. يجعل من التقنيات التي اعتمدها شاعر الفصحى في الاشتغال على فن البديع بما فيه الجناس... معياراً.. نقيس عليه اشتغالات شعراء ا
وإذن فإن ما يقوله العقيلي عن احتفال شاعر (الطارق) بنظمه وتأنقه في صياغته ليس في معناه أنه يُعمل فيه فكره الأيام والليالي... وإنما معناه أنه يفعل ذلك حين القول.. ووقت دواعيه، وهذا لا يعني التعميم المطلق... وإنما يعني البديع المستعمل فيه وهو الجناس.. صار جزءاً من اللغة المعيارية التي يقال وفقها هذا الشعر، لاحظ قول العقيلي: (أن هذه العناية اللفظية وما يعبر عن ذلك الشعر في الغالب الأعم.. موجودة في طبيعة البشر لا يحتاج صاحب البادية في فطرته الصافية إلى تعمق في تفهمها أو شرح معانيها).
أما قول المقالح إن شعر الارتجال الفردي أو الجماعي شعر فكرة أكثر منه شعر صورة... فهو قول لا سند له، وقد أثبتت الدراسات الأنثربولوجية في الشعر الشفاهي المغنى... إن هذا الشعر الشفاهي يتم إنشاؤه غناء مرتجلاً، وأن من سماته في كل اللغات تقريباً أن فيه صيغاً متكررة، ووحدات إنشاء تجعل الشاعر ينشئ بسهولة، ويضيف بطلاقة.... وفي هذه الحالة فإن الصور شأنه شأن الأفكار تصبح متراسلة تراسلاً مميزاً، حتى لو كان المشهد أو المعنى الذي تصوره الألفاظ المستعملة لا يتكرر على نحو حرفي على سبيل المثال لدينا طارقان، نص أولهما(42):
الطرق:
يَا زَيْدِيَهْ(43) فَيْ رْدَاحَكْ(44) حَتَّ حَبَّكْ(45
تِسْعِيْنَ بَازِلْ(46) حَمَّلَتْ مِنْكَ تِبْرا47)))
الرد:
وَلَّعْتَ قَلْبٍ غَافِلٍ حَتَّى حَبَّكْ(48)
وَالْيَومْ تُقُلْ لِّيْ(49ذِمَّتِيْ مِنْكَ تَبْرَا(50)
النص الثاني(51):
الطرق:
يَا مْزيْدِيَهْ(52) رَيْتُهْ امْهجَفْ(53) حَتَّ حَبَّكْ(54)
الْمَا يدَرِّجْ(55) فِيْ وِسَادَكْ(56) وَمَحْوِيْ(57)
الرد:
وَلَّعْتَ قَلْبٍ غَافِلٍ حَتَّى حَبَّكْ(58
كَمْ لِيْ أَكَتِّبْ لَكْ عَزَايِمْ وَمَحْوِيْ(59)
فإن الصيغ ووحدات الإنشاء المتكررة تتمثل في أداة النداء والمنادى (يا زيدية) و (يا مزيدية) و(حت حبك) و(ولعت قلب غافل حتى حبك).
هذه الصيغ ووحدات الإنشاء سنجد الكثير منها في شعر (الطارق)، كما في هذين النصين(60):
(1)
الطرق:
بَرَّاقْ مِنْ تَوَّ الْجَزَايِرْ(61) يضِيْ مَاهْ(62)
اسْقَ البَنَادِرْ كُلّهَا(63) وَاسْقَ مَيْدِيْ(64)
الرد:
الفُرقَهْ(65) مِنْ بَعدَ الْمَودَّهْ يَا ضَيْمَاهْ(66)
أَسْقَمْ عِظَامِيْ كُلَّهَا وَاسْقَمَ ايْدِيْ(67)
(2)
الطرق:
بَرَّاقْ مِنْ تَوَّ الْجَزَايِرْ لَمَعْ لُولْ(68)
وَتْرَى69) شِعَابَ امْسَيْلْ70) مِتْفَرِّقَا بُهْ(71)
الرد:
يَا رَبّ لاَ تَهْدِيْ مَلِيْحَهْ لِمَعْلُولْ(72)
تَمْسِيْ مَعَ امِّبْيَاتْ مِتْفَرِّقَا بُهْ(73
إنها صيغ ووحدات إنشاء تساعد الشاعر الشفاهي الذي لا يقرأ ولا يكتب (غالباً)، وليس لمرجعياته أثر محسوس على الورق، وإنما مرجعياته في ذاكرته وخبرات أذنه أن يضيف بسهولة وينشئ بيسر انطلاقاً منها، ويمكن لدراسة منهجية جادة أن تتقصى الصيغ ووحدات الإنشاء المتكررة في عدد كبير من نصوص هذا الشعر حتى يتبين أثرها على تراسل الصور وتخليق الجناسات حتى، سواء الجناسات اللفظية أو المعنوية الخفية التي يستشفها بامتياز أحمد السيد عطيف(74).
وهذا هو نوع الثبات في شعر الطارق الذي يجد المرء نفسه مسوقاً لتوقعه، وليس في معنى هذا الثبات محدودية أكوان الطارق أو محدودية ثروته من المفردات والصور والتخلقات الوجودية التي يجترحها.
وأريد أن أذكر هنا بما تذهب إليه الدراسات الشفاهية من (أن استمرار القصيدة الشفاهية يرتبط دائماً بكونها تعبر عن موضوع إنساني عام يفهمه كل من يتعرض له)(75)، وهذا هو حال الطارق في بيئته.
3- ذهب المقالح إلى أن شاعر هذا اللون قد تجاوز في امتلاك هذا العنصر البياني (يقصد البديعي) أي الجناس البلاغي وتجاوزه في استخدامه ووصل به حداً لم يصل إلى شاعر القصيدة الفصحى، وفي السياق ربما يكون (76) قد نسي المهمة الأولى التي شاعت عن شاعر العامية وهي التوصيل.. توصيل ما لم تستطع القصيدة الفصحى توصيله، وبذلك فقد أعطى الصياغة الشكلية قدراً عالياً ونادراً في الشائع المتداول من أشعار العامية في اليمن على الأقل... كما أعطاها قدرة على الجمع بين التوافق والتضاد...)ص236.
وإذا كان صحيحاً ما أورده المقالح في الجملتين الأخيرتين من المقطع السابق وهو أن شاعر الطارق ( قد أعطى الصياغة الشكلية قدراً عالياً ونادراً في الشائع المتداول من أشعار العامية في اليمن على الأقل... كما أعطاها قدرة على الجمع بين التوافق والتضاد.
فإن ما قاله في السطور التي سبقت الجملتين الأخيرتين ليس صحيحاً على الإطلاق... باعتبار أن شاعر هذا اللون قد تجاوز في امتلاك هذا العنصر البديعي، وتجاوز استخدامه ووصل به حداً لم يصل إليه شاعر القصيدة الفصحى. يجعل من التقنيات التي اعتمدها شاعر الفصحى في الاشتغال على فن البديع بما فيه الجناس... معياراً.. نقيس عليه اشتغالات شعراء ا
لشعر الشفاهي المغنى.. الذي يقال ارتجالاً.. وبذلك نغفل حقيقة أن شاعر الفصحى يكتب بلغة فصحى غير اللغة التداولية اليومية التي يتكلمها في سائر شؤونه.. كما أن يتعمد داخل لغة الكتابة أن يدخل في ألعاب لفظية... هي نفسها تقع خارج الحدود الدنيا للفطرية التي تتوفر عليها لغة الكتابة.
أما شاعر (الطارق) فهو يرتجل الشعر قولاً يغنى، وليس في ما يقوله شيء خارج لغته المتداولة... وإنما هو شعر له معيارية فطرية اعتادها الناس..... وألفوها.
إن البعد الوجودي في شعر الطارق يجعل من الجناس اللفظي الذي لا يعدو أن يكون كما يرى الأستاذ أحمد السيد (زخرفة لفظية في الشعر العربي لا تخلو من إضافة جمالية) يتجاوز في الشعر الطارق الـ(دلالة على جناس معنوي وقيمة البيت الشعري في هذا الفن هي في هذه المجانسة المعنوية... وما لم يتوفر الجناس الداخلي فلا قيمة لأي جناس خارجي، الخارجي هو رمز فقط للجناس الداخلي)(77).
ما يذهب إليه أحمد السيد يمكن تلمسه في نصوص كثيرة تكلم هو على بعضها مثل(78):
(1)
الطرق:
يَا دُخْن فِيْ الأَوْثَانْ(79) مَا كَنَّ لَكْبِيْ(80)
ويزِيْنَ فِيْ الْجُلَّهْ(81) مَعَ لْبَاسْ طِينَا(82)
الرد:
خَاصِمْ وكَثِّرْ قُبْحَ(83) مَا كَنَّ لَكْ بِيْ(84
حِسَّكْ تِلاَغِيْنِي(85) مَعَ الْبَاسْطِيْنَا(86)
(2)(87)
الطرق:
يَا حَبَّ "هجْرِيْ" فِيْ رِِدَاحَكْ(88مُسَطَّرْ(89)
ولَكْ صَوَارِبْ يَصْرِبُنَّكْ(90) مِنَ الرُّوْسْ(91)
الرد:
خَلَّ الْكًلاَمْ(92بَيْنِيْ وبَيْنَكْ مُسَطَّرْ(93)
حَتَّى نْتِلاَقَى ونْتِكَلَّمْ مِنَ الرُّوْس(94)
(3)(95)
الطرق:
يَا عَسْلْ قَدْ كُنْتَ حَالِيْ ومَرَّيْتْ(96)
خَلاَصْ مَرَّنْ ذَوقَتَكْ(97) بَعْدَ حَالِيْ(98)
الرد:
الْيُوْمَ تِلْمَحْ(99) وتَلْمَحْ لِمَنْ رَيْتْ(100)
قِدْنِيْ مْتَرِّكْ صُحْبِتَكْ بَعْدَ حَالِيْ101)
* * *
الأمر الذي يؤسف له أن دراسة المقالح اعتمدت على نماذج محدودة جعلت قراءته لهذا الفن بعيدة عن الاكتمال، كما صرح في ص 338.... ما لم يعرفه المقالح أن النماذج التي رويت له وهي المربعات ( كما سماها) لا تمثل إلا جزءاً من المنتج في هذا الفن.. ولعل وجود الجناس في صدري البيتين وعجزهما من كل نموذج هو ما جعل المقالح.. يرى فيها امتداداً أو احتذاء لمنجز الفصحى في استعمال البديع. بيد ان عشرات بل مئات النصوص من هذا اللون الشعري تتعدد فيها أشطار الطرق أو المرسم أو التسريح (أي البدء) فتكون ثلاثة أو أربعة أو خمسة، وقد تصل إلى تسعة أو أكثر.... بل إنها قد تصل إلى عشرات الأشطر، والشاعر جابر العبسي الذي عاش قبل (250) عاماً قال طرقاً مكوناً من تسع وثلاثين شطرة (العقيلي ص247)، ولأن هذا الشعر كثيراً ما يقال في مناسبة بعينها ويغنيه المطرّق (الشاعر) بنفسه إن كان من ذوي الأصوات الجيدة، أو يغنيه شخص آخر يسمى (المولش) ويحفظه منه في الحال... وتكون قوافي الأشطار مفاجأة للشاعر الآخر، فإن الشاعر الآخر ملزم بالرد الفوري غناء.. تجانس قوافيه قوافي الطرق، مهما كثرت أشطار ذلك الطرق.
ولكن الموضوعية تقتضي أن نقول إن الشاعر أحياناً (يطرق) لنفسه في شأنه من شؤونه أو في معنى من المعاني عنَّ له... فيكون هو المعني بالرد على نفسه.. فيفعل ذلك كما في حالة زربان وهو أشراف الموسم فقد كان يزور ميدي وينزل بأحد سكانها، وكان لضيفه فتاة جميلة، وكان البيت (سوحاً) بلا أسوار (مزاريب) ولا سواتر حوله، وبين أمكنته على الأقل تفصل (المنزلة) التي ينزل فيها الضيوف عن بقية الدار، فكان زربان يمتع ناظريه برؤية الفتاة كلما زراهم، حتى حدث أن جاء مرة لزيارتهم فوجد البيت قد بني حوله مزراب أو سور من القش، فصل (المنزلة) عن بقية الدار، فلم يعد يستطيع رؤية الفتاة التي كانت أيضاً قد خطبت، وكان خطيبها هو الذي بنى الدارة، حتى يحجبها عن الناس، وكان اسم خطيبها ربيع وهو رجل ميسور الحال، فقال زربان:
وربيع شله(102)
الطرق:
جَنَّبْتْ(103) واهْلَ امْنَخْلَ سَوَّوْا سَبَايِنْ(104)
دَارَ امْثَمَانْ(105) تَاهَتْ فُرُوعُهْ وْجَا النَّبْتْ(106)
وفِيْ امْشَهْرْ(107) مَالَتْ لَقْنِيَهْ(108)وَالْبَلَحْ دَارْ(109)
وْمُضَمَّنٌ(110) مَا عْلَى صْفُوقُهْ مَشَى ذَرّ(111)
تَسْعَى بِهِ الدُّقْلاَنْ(112) مَا رَى جَمَايِلْ(114)ض
طَرَّحْ بِهِ البَابُورْ(115) فِيْ جَالَ مَيْدِيْ(116)
وْزَّاغَرُوا التُّجَّارْ(117) وْرْبِيْعَ شَلُّهْ(118)
.........................................(119)
الرد:
أَرْسَلتْ لَكْ مَنْدُوبْ(120) سَوَّاسَ بَايِنْ(121)
حِنُّهْ غَبِيْ(122) مَا رَيَّعْ قَلِيْلْ(123) حَتَّى جَنَّبْتْ(124)
حِنُّهْ غَنِيْ(125) عِنْدُهْ ذَهَبْ والْبِلَ احْدَارْ(126)
مِنْ مَظْهَرُهْ(127) مَا يَخْرُجْ إِلاَّ مُشَذَّرْ(128)
يَا للِّي زْعَلْهَا مَالْ فِيْ جَالْ مَيْدِيْ(129)
كَنُّهْ مْذَارِيْ صَيْفْ(130) وْرْبِيْعَ شَلُّهْ(131)
مَا افْعَلْ وْمَا سَوِّيْ بْرُوْحِيْ عَلَى كَيْفْ(132)
وفي بعض الحالات... يتعمد الشاعر أن يقول طرقاً مغلقاً،
أما شاعر (الطارق) فهو يرتجل الشعر قولاً يغنى، وليس في ما يقوله شيء خارج لغته المتداولة... وإنما هو شعر له معيارية فطرية اعتادها الناس..... وألفوها.
إن البعد الوجودي في شعر الطارق يجعل من الجناس اللفظي الذي لا يعدو أن يكون كما يرى الأستاذ أحمد السيد (زخرفة لفظية في الشعر العربي لا تخلو من إضافة جمالية) يتجاوز في الشعر الطارق الـ(دلالة على جناس معنوي وقيمة البيت الشعري في هذا الفن هي في هذه المجانسة المعنوية... وما لم يتوفر الجناس الداخلي فلا قيمة لأي جناس خارجي، الخارجي هو رمز فقط للجناس الداخلي)(77).
ما يذهب إليه أحمد السيد يمكن تلمسه في نصوص كثيرة تكلم هو على بعضها مثل(78):
(1)
الطرق:
يَا دُخْن فِيْ الأَوْثَانْ(79) مَا كَنَّ لَكْبِيْ(80)
ويزِيْنَ فِيْ الْجُلَّهْ(81) مَعَ لْبَاسْ طِينَا(82)
الرد:
خَاصِمْ وكَثِّرْ قُبْحَ(83) مَا كَنَّ لَكْ بِيْ(84
حِسَّكْ تِلاَغِيْنِي(85) مَعَ الْبَاسْطِيْنَا(86)
(2)(87)
الطرق:
يَا حَبَّ "هجْرِيْ" فِيْ رِِدَاحَكْ(88مُسَطَّرْ(89)
ولَكْ صَوَارِبْ يَصْرِبُنَّكْ(90) مِنَ الرُّوْسْ(91)
الرد:
خَلَّ الْكًلاَمْ(92بَيْنِيْ وبَيْنَكْ مُسَطَّرْ(93)
حَتَّى نْتِلاَقَى ونْتِكَلَّمْ مِنَ الرُّوْس(94)
(3)(95)
الطرق:
يَا عَسْلْ قَدْ كُنْتَ حَالِيْ ومَرَّيْتْ(96)
خَلاَصْ مَرَّنْ ذَوقَتَكْ(97) بَعْدَ حَالِيْ(98)
الرد:
الْيُوْمَ تِلْمَحْ(99) وتَلْمَحْ لِمَنْ رَيْتْ(100)
قِدْنِيْ مْتَرِّكْ صُحْبِتَكْ بَعْدَ حَالِيْ101)
* * *
الأمر الذي يؤسف له أن دراسة المقالح اعتمدت على نماذج محدودة جعلت قراءته لهذا الفن بعيدة عن الاكتمال، كما صرح في ص 338.... ما لم يعرفه المقالح أن النماذج التي رويت له وهي المربعات ( كما سماها) لا تمثل إلا جزءاً من المنتج في هذا الفن.. ولعل وجود الجناس في صدري البيتين وعجزهما من كل نموذج هو ما جعل المقالح.. يرى فيها امتداداً أو احتذاء لمنجز الفصحى في استعمال البديع. بيد ان عشرات بل مئات النصوص من هذا اللون الشعري تتعدد فيها أشطار الطرق أو المرسم أو التسريح (أي البدء) فتكون ثلاثة أو أربعة أو خمسة، وقد تصل إلى تسعة أو أكثر.... بل إنها قد تصل إلى عشرات الأشطر، والشاعر جابر العبسي الذي عاش قبل (250) عاماً قال طرقاً مكوناً من تسع وثلاثين شطرة (العقيلي ص247)، ولأن هذا الشعر كثيراً ما يقال في مناسبة بعينها ويغنيه المطرّق (الشاعر) بنفسه إن كان من ذوي الأصوات الجيدة، أو يغنيه شخص آخر يسمى (المولش) ويحفظه منه في الحال... وتكون قوافي الأشطار مفاجأة للشاعر الآخر، فإن الشاعر الآخر ملزم بالرد الفوري غناء.. تجانس قوافيه قوافي الطرق، مهما كثرت أشطار ذلك الطرق.
ولكن الموضوعية تقتضي أن نقول إن الشاعر أحياناً (يطرق) لنفسه في شأنه من شؤونه أو في معنى من المعاني عنَّ له... فيكون هو المعني بالرد على نفسه.. فيفعل ذلك كما في حالة زربان وهو أشراف الموسم فقد كان يزور ميدي وينزل بأحد سكانها، وكان لضيفه فتاة جميلة، وكان البيت (سوحاً) بلا أسوار (مزاريب) ولا سواتر حوله، وبين أمكنته على الأقل تفصل (المنزلة) التي ينزل فيها الضيوف عن بقية الدار، فكان زربان يمتع ناظريه برؤية الفتاة كلما زراهم، حتى حدث أن جاء مرة لزيارتهم فوجد البيت قد بني حوله مزراب أو سور من القش، فصل (المنزلة) عن بقية الدار، فلم يعد يستطيع رؤية الفتاة التي كانت أيضاً قد خطبت، وكان خطيبها هو الذي بنى الدارة، حتى يحجبها عن الناس، وكان اسم خطيبها ربيع وهو رجل ميسور الحال، فقال زربان:
وربيع شله(102)
الطرق:
جَنَّبْتْ(103) واهْلَ امْنَخْلَ سَوَّوْا سَبَايِنْ(104)
دَارَ امْثَمَانْ(105) تَاهَتْ فُرُوعُهْ وْجَا النَّبْتْ(106)
وفِيْ امْشَهْرْ(107) مَالَتْ لَقْنِيَهْ(108)وَالْبَلَحْ دَارْ(109)
وْمُضَمَّنٌ(110) مَا عْلَى صْفُوقُهْ مَشَى ذَرّ(111)
تَسْعَى بِهِ الدُّقْلاَنْ(112) مَا رَى جَمَايِلْ(114)ض
طَرَّحْ بِهِ البَابُورْ(115) فِيْ جَالَ مَيْدِيْ(116)
وْزَّاغَرُوا التُّجَّارْ(117) وْرْبِيْعَ شَلُّهْ(118)
.........................................(119)
الرد:
أَرْسَلتْ لَكْ مَنْدُوبْ(120) سَوَّاسَ بَايِنْ(121)
حِنُّهْ غَبِيْ(122) مَا رَيَّعْ قَلِيْلْ(123) حَتَّى جَنَّبْتْ(124)
حِنُّهْ غَنِيْ(125) عِنْدُهْ ذَهَبْ والْبِلَ احْدَارْ(126)
مِنْ مَظْهَرُهْ(127) مَا يَخْرُجْ إِلاَّ مُشَذَّرْ(128)
يَا للِّي زْعَلْهَا مَالْ فِيْ جَالْ مَيْدِيْ(129)
كَنُّهْ مْذَارِيْ صَيْفْ(130) وْرْبِيْعَ شَلُّهْ(131)
مَا افْعَلْ وْمَا سَوِّيْ بْرُوْحِيْ عَلَى كَيْفْ(132)
وفي بعض الحالات... يتعمد الشاعر أن يقول طرقاً مغلقاً،
أو معمى، وتكون التعمية غالباً من جهة السبب أو الدافع الذي يكمن وراء القول، وقد يلجأ الشاعر زيادة في التعمية أن يجعل المعنى اللفظي معمى أيضاً.. وفي هذه الحالة غالباً ما يكون الشاعر هو صاحب الطرق وصاحب الرد.. فهو يغلق الطرق عمداً، ولذلك يقول له المتلقون – السامرون أو المشاركون في الهود- (افتح) فيقول الرد موضحاً ما استغلق، كما في هذين المثالين:
(1)
كان لرجل اسمه الشاذلي من وادي مور ابنة جميلة، وقد وصفت تلك الفتاة للسيد هادي هيج، فاستدعى أباها وطلبها منه، فطلب من السيد هادي مهلة أيام حتى يرد عليه، وكان طلبه للمهلة بسبب أنه كان قد رَبَّى مع ابنته شاباً، وكان بين ذلك الشاب والفتاة حب يعرفه الأب ويرضى عنه، فامتهل ليخبر الفتى بما جد، فلما أخبره قال الفتى: يا عم إني إذا عارضت وعاندت تعبت أنت؛ لأن السيد هادي لن يتركك في حالك، فعاد والد الفتاة إلى السيد هادي موافقاً، وفي ليلة العرس أقيم الهود وبدأ الطارق يدور بين المشاركين في حضور السيد هادي، وعندما جاء دور الشاب اعتذر عن المشاركة، فأصر عليه السيد هادي أن يقول، فقال للسيد هادي: أقول والبساط أحمدي – أي أكون آمناً-.
فقال السيد هادي: قل والبساط أحمدي.
فطرَّق الفتى قائلاً(133):
الطرق:
سَمْبوْقْ(134) إِسْمُهْ الشَّاذْلِيْ سَاجْ عُوْدُهْ(135)
حَسْبَ الْمُعَلِّمْ رَدّ سِفْلُهْ وْشَارَا(136)
شَمَّرْ وغَثَّ امْجَوْشْ(137) ورَكَّبْ شِرَاعَيْنْ(138)
ونَاخُوْذتُهْ(139) حِيْنْ مَا رَأَى الْشّؤْمْ دَوّرْ(140)
فقال له الحاضرون: أغلقت، افتح الغلق، ما قصدك؟
فرد قائلاً:
ما انسى جعوده
الرد:
لاَنَا نْسِيْتَ امْزَيْنْ مَا انْسَى جْعُوْدُه(141)
مَنْ ذَا الذِيْ دَلَّكْ لِهَجْرِيْ وْشَارَا(142)
شَرَاه بيْدْ الْغِيْبْ مَا هُوْ شِرَا عَيْنْ(143)
سِيدُهْ غَنِي مِنْ غُزْرَ مَالُهْ(144) مَدَوَّرْ(145)
فأشهد السيد هادي الحاضرين أنه قد طلق تلك الفتاة، وأنه يزوجها بفتاها الذي تحبه ويحبها، فزفت الفتاة إلى فتاها في تلك الليلة.
(2)
نشأت علاقة بين شاب وفتاة اضطرم فيها الحب بينهما حتى وقع الاتصال الجسدي، فحملت منه، وبعد أن عرف بحملها تخلى عنها، وغيب نفسه عن عينها، وبقيت هي تتقصى أخباره حتى عرفت أنه يخرج عصراً مع جماعة من أصحابه إلى مكان يتنزهون فيه، فلحقت بهم، وفوجئ الشاب بها بينهم ولكنه سكت، فقالت للحاضرين: قولوا لي ما قال؟ فقالوا لها: ما قال؟ فطرقت قائلة(146):
الطرق:
بِيْ طَعْنَتَيْنْ فِي وسطْ جَنْبِي ولاَ دْمَن(147)
وكُلَّما شَدْوي(148) الجراحْ زَادْ وَلْمَا(149)
فلما أنشدت البيت انغلق معنى ما تريد على أولئك النفر، ما عدا صاحبها الذي وقف ساكتاً، فطلبوا منها الرد أو الفتح، فأنشدت:
الرد:
طَعَنْتَنِي(150) والْيُومْ تْقُولْ لِي وَلَدْ مَنْ؟(151)
واحْنَا تْعَاهَدْنَا عَلَى الزَّادْ وَالْمَا(152)
ففهم أصحاب الرجل ما حدث، فوبخوه وألزموه بالزواج منها.
يمكن أن نلاحظ أن الإغلاق في (طرق) المثالين السابقين كان إغلاقاً متعمداً للفت الأنظار.. كأن المسألة مسألة أعراف ووسائل أسلوبية تقوم بدور كبير في تنبيه المرسل إليه.
وهي أيضاً تؤسس علاقة ضرورية وشعوراً بالألفة يجذبان المتلقي.
ويمكن أن نلاحظ تالياً: أن الإغلاق يرتبط مرات بضرورة ملحة، فالقول بالنسبة للمرأة يساوي مستقبلها ووجودها، وفي مثل هذا الموقف هي محتاجة لمنبهين يلفتان نظر المتلقين.
الأول: قولوا ما قال، اللازمة التي لا ترتبط بهذا الفن وحده، وإنما تلازم الكثير من ألوان الشعر التهامي، يقولها الشعراء لمتلقيهم في المواقف الوجودية الفاصلة للفت أنظارهم.
الثاني: الإغلاق الذي يزيد من حالة التحفز عند المتلقي ويجره إلى المشاركة في (الحال) الذي يصير حاله أيضاً يخصه إبداعاً وموقفاً كما يخص صاحب القول.
***
أما قول (المقالح) أن شاعر الطارق عندما ينحو هذا المنحى البديعي فإنه ربما يكون قد نسي المهمة الأولى التي شاعت عن شاعر العامية، وهي التوصيل، توصيل ما لم تستطع القصيدة الفصحى توصيله).
فسببه عدم القدرة على تصور الواقع في بيئة وتقاليد وثقافة غير معروفة له.... فما يمكن قوله أن بيئة هذا الشعر تحتفي به احتفاء حاراً، وأننا قبل أن نحكم على فن ما وفق أسبقيات معرفية وثقافية من خارجه نسقطها عليه، يجب أن نحكم عليه بعد معاينته وعيش تجربته داخل بيئته... وفن (الطارق) في هذا السياق يصدق عليه قول هاورز في كتابه (الفن والمجتمع عبر التاريخ): إن الأشكال الفنية ليست مجرد أشكال نابعة من الوعي الفردي يحددها السمع والبصر، وإنما هي أيضاً نظرة إلى العالم يحددها المجتمع) وقد استشهد المقالح بهذا الكلام في نهاية بحثه.
ومصداق قول هاورز نقرؤه في كتاب العقيلي ص 214.. حيث قال: ( يروى أن المطرق) المعروف يوسف الحداد الصبياني خرج من مدينة ميدي إلى وطنه صبيا فقاده السير ورفقته في وقت الظهيرة إلى إحدى القرى.. فقال له أحد رفقة السير: يا يوسف، ها نحن مقبلون على هذه القرية، وقد أجهدنا السير، وبرَّح بنا السفر فرفه عنا قليلاً بصوتك
(1)
كان لرجل اسمه الشاذلي من وادي مور ابنة جميلة، وقد وصفت تلك الفتاة للسيد هادي هيج، فاستدعى أباها وطلبها منه، فطلب من السيد هادي مهلة أيام حتى يرد عليه، وكان طلبه للمهلة بسبب أنه كان قد رَبَّى مع ابنته شاباً، وكان بين ذلك الشاب والفتاة حب يعرفه الأب ويرضى عنه، فامتهل ليخبر الفتى بما جد، فلما أخبره قال الفتى: يا عم إني إذا عارضت وعاندت تعبت أنت؛ لأن السيد هادي لن يتركك في حالك، فعاد والد الفتاة إلى السيد هادي موافقاً، وفي ليلة العرس أقيم الهود وبدأ الطارق يدور بين المشاركين في حضور السيد هادي، وعندما جاء دور الشاب اعتذر عن المشاركة، فأصر عليه السيد هادي أن يقول، فقال للسيد هادي: أقول والبساط أحمدي – أي أكون آمناً-.
فقال السيد هادي: قل والبساط أحمدي.
فطرَّق الفتى قائلاً(133):
الطرق:
سَمْبوْقْ(134) إِسْمُهْ الشَّاذْلِيْ سَاجْ عُوْدُهْ(135)
حَسْبَ الْمُعَلِّمْ رَدّ سِفْلُهْ وْشَارَا(136)
شَمَّرْ وغَثَّ امْجَوْشْ(137) ورَكَّبْ شِرَاعَيْنْ(138)
ونَاخُوْذتُهْ(139) حِيْنْ مَا رَأَى الْشّؤْمْ دَوّرْ(140)
فقال له الحاضرون: أغلقت، افتح الغلق، ما قصدك؟
فرد قائلاً:
ما انسى جعوده
الرد:
لاَنَا نْسِيْتَ امْزَيْنْ مَا انْسَى جْعُوْدُه(141)
مَنْ ذَا الذِيْ دَلَّكْ لِهَجْرِيْ وْشَارَا(142)
شَرَاه بيْدْ الْغِيْبْ مَا هُوْ شِرَا عَيْنْ(143)
سِيدُهْ غَنِي مِنْ غُزْرَ مَالُهْ(144) مَدَوَّرْ(145)
فأشهد السيد هادي الحاضرين أنه قد طلق تلك الفتاة، وأنه يزوجها بفتاها الذي تحبه ويحبها، فزفت الفتاة إلى فتاها في تلك الليلة.
(2)
نشأت علاقة بين شاب وفتاة اضطرم فيها الحب بينهما حتى وقع الاتصال الجسدي، فحملت منه، وبعد أن عرف بحملها تخلى عنها، وغيب نفسه عن عينها، وبقيت هي تتقصى أخباره حتى عرفت أنه يخرج عصراً مع جماعة من أصحابه إلى مكان يتنزهون فيه، فلحقت بهم، وفوجئ الشاب بها بينهم ولكنه سكت، فقالت للحاضرين: قولوا لي ما قال؟ فقالوا لها: ما قال؟ فطرقت قائلة(146):
الطرق:
بِيْ طَعْنَتَيْنْ فِي وسطْ جَنْبِي ولاَ دْمَن(147)
وكُلَّما شَدْوي(148) الجراحْ زَادْ وَلْمَا(149)
فلما أنشدت البيت انغلق معنى ما تريد على أولئك النفر، ما عدا صاحبها الذي وقف ساكتاً، فطلبوا منها الرد أو الفتح، فأنشدت:
الرد:
طَعَنْتَنِي(150) والْيُومْ تْقُولْ لِي وَلَدْ مَنْ؟(151)
واحْنَا تْعَاهَدْنَا عَلَى الزَّادْ وَالْمَا(152)
ففهم أصحاب الرجل ما حدث، فوبخوه وألزموه بالزواج منها.
يمكن أن نلاحظ أن الإغلاق في (طرق) المثالين السابقين كان إغلاقاً متعمداً للفت الأنظار.. كأن المسألة مسألة أعراف ووسائل أسلوبية تقوم بدور كبير في تنبيه المرسل إليه.
وهي أيضاً تؤسس علاقة ضرورية وشعوراً بالألفة يجذبان المتلقي.
ويمكن أن نلاحظ تالياً: أن الإغلاق يرتبط مرات بضرورة ملحة، فالقول بالنسبة للمرأة يساوي مستقبلها ووجودها، وفي مثل هذا الموقف هي محتاجة لمنبهين يلفتان نظر المتلقين.
الأول: قولوا ما قال، اللازمة التي لا ترتبط بهذا الفن وحده، وإنما تلازم الكثير من ألوان الشعر التهامي، يقولها الشعراء لمتلقيهم في المواقف الوجودية الفاصلة للفت أنظارهم.
الثاني: الإغلاق الذي يزيد من حالة التحفز عند المتلقي ويجره إلى المشاركة في (الحال) الذي يصير حاله أيضاً يخصه إبداعاً وموقفاً كما يخص صاحب القول.
***
أما قول (المقالح) أن شاعر الطارق عندما ينحو هذا المنحى البديعي فإنه ربما يكون قد نسي المهمة الأولى التي شاعت عن شاعر العامية، وهي التوصيل، توصيل ما لم تستطع القصيدة الفصحى توصيله).
فسببه عدم القدرة على تصور الواقع في بيئة وتقاليد وثقافة غير معروفة له.... فما يمكن قوله أن بيئة هذا الشعر تحتفي به احتفاء حاراً، وأننا قبل أن نحكم على فن ما وفق أسبقيات معرفية وثقافية من خارجه نسقطها عليه، يجب أن نحكم عليه بعد معاينته وعيش تجربته داخل بيئته... وفن (الطارق) في هذا السياق يصدق عليه قول هاورز في كتابه (الفن والمجتمع عبر التاريخ): إن الأشكال الفنية ليست مجرد أشكال نابعة من الوعي الفردي يحددها السمع والبصر، وإنما هي أيضاً نظرة إلى العالم يحددها المجتمع) وقد استشهد المقالح بهذا الكلام في نهاية بحثه.
ومصداق قول هاورز نقرؤه في كتاب العقيلي ص 214.. حيث قال: ( يروى أن المطرق) المعروف يوسف الحداد الصبياني خرج من مدينة ميدي إلى وطنه صبيا فقاده السير ورفقته في وقت الظهيرة إلى إحدى القرى.. فقال له أحد رفقة السير: يا يوسف، ها نحن مقبلون على هذه القرية، وقد أجهدنا السير، وبرَّح بنا السفر فرفه عنا قليلاً بصوتك
.. فرفع عقيرته (ألا) اللازمة الصوتية، فلم يبق في القرية أحد إلا وخرج ولا فتاة إلا استشرفت تتطلع لذلك الصوت الفاتن، واستضيف هو ورفقته في تلك القرية إلى المساء، وخرج من القرية وهم يستزيدونه إلى أن قطع مسافة عن القرية، فسكت).
وقد حدثني الشاعر معبر النهاري أن عمه الشاعر المطرق الشهير محمد منصور النهاري دخل ذات يوم إلى دكان أحد أصدقائه في حارة من حارات مدينة (بيش) فطلب منه صديقه ذاك أن يطرق، وكان الوقت وقت قيلولة.. فما أن رفع الرجل صوته (ألا) حتى خرجت نساء الحارة كلهن يكنسن أمام أبواب بيوتهن، وذلك ليس موعد الكنس أمام البيوت، فموعده بعد العصر.... ولكنهن لم يجدن حجة غير هذا العمل يتحججن بها للبروز إلى الشارع من أجل سماع ذلك المبدع.
4- ذهب المقالح إلى أن (هموم الشاعر في هذه المربعات ( كما أسماها) لم تكن هموماً اجتماعية أو ذاتية، وإن كانت الدلالة الاجتماعية والعاطفية لم تغب عنها، ولكنها في أعمق رؤية لأبعادها هموم فينة بحتة، هموم اصطياد الشكل الفني أو الجمالي الذي يسعى إلى إدهاش القارئ وانتزاع إعجابه بالقدرة التعبيرية على خلق أنساق لغوية متشابهة الإيقاع متجانسة الشكل، ولكنها بعيدة الدلالة متغيرة المعنى، لقد اقتضت هذه الهموم الشكلية من الشاعر وقتاً طويلاً... وهو لا ريب يشبه شاعر المقامات ذلك الذي أقحم الشعر في ارتياد ميادين هي إلى النزعة الذهنية أقرب منها إلى البراعة الشعرية. وكأن هذا الشاعر العامي قد خرج من معطف ذلك الشاعر الفصيح مع فارق يتمثل في أن الأخير قد كان أقرب على عاميته إلى مفهوم الشعر، وبناء الصورة الشعرية من سلفه القديم).
وفي هذا الكلام صواب ومجانبة للصواب؛ لأن هذه الدلالة الاجتماعية والهموم الذاتية في نصوص الطارق حاضرة حضور الهموم الفنية، أما تشبيه شاعر الطارق بشاعر المقامات فحيف كبير...... ولعل عدم قدرة المقالح على تذوق
النص والشعور بشحنته الوجدانية الهائلة بسبب اختلاف اللهجة، والغربة عن مفرداتها، والدلالات التي تخلقها المسميات والإشارات المرجعية إلى رموز ثقافية وبيئية خاصة، والانزياحات اللغوية الخارجة من اليومي الثري..... وما تخلقه من إحساس جارف بغنائية النص وحلاوته ودهشته، لعل ذلك هو ما جعل المقالح يذهب إلى ما ذهب إليه وهو ليس من الصواب بالمرة.
وهذا مثال بسيط على أن اللعبة الفنية في هذا الشعر ليست من نوع اللعبة الفنية في شعر المقامات:
عشق شاب فتاة وكانت بينه وبينها مواعيد لذة، وكان يدخل على أسرتها دائماً على جاري عادة الناس في قرى تهامة بدون أن تحتجب الفتاة منه فيأكل معهم ويشرب.
فدخل يوماً وقد حن لها، فوجدها مع أسرتها يأكلون عيشاً (كدراً) وحقيناً (رائبا) ، فقالوا له: تفضل، كل معنا.... ولكنه كان في وادٍ آخر، فطرَّق ملمحاً للفتاة أن تتبعه(153):
الطرق:
الله شَفَانَا(154) مِنْ عَيْشْكُمْ وَالْحَقِيْنَا(155)
ففهمت الفتاة قصده على الفور، وأنه يريد منها أن تلحق به ليقضيا وطرهما، فردت:
الرد:
الله شَفَاكَ مِنْ حَقِيْنَا(156) وعَيْشْ شَاتِيْ(157)
فقال أخوها لأبيه: يا أبي زوجهما، بمعنى أن الولد فهم أن قوله (والحقينا) بمعنى ألحقي بي ، وقولها (وعيش شاتي) بمعنى عش فإني سآتي.
***
وإذاً فإن جوهر نص الطارق هو إغناء اللحظة الجمالية ليس بالجناس اللفظي فحسب بل بالجناس المعنوي الخفي، الذي تتكشف فيه للإنسان كينونته من خلال موازاتها بكينونات جيرانه في الطبيعة من زرع، ونبات، وشجر، ومطر، وبرق، ورعد، وسيل، وجدب، وشمس، وقمر، ونجوم، وكواكب، ووديان، وبحار، وجبال، وريح وطير وحيوان، إضافة إلى كيانات ورموز أخرى متجاورة مثل: (أطيط أحمال الجمال، ورفرفة أجنحة العصافير، وهدير الموج، وانتفاخ الأشرعة ورخاوة الرداح، (بل) الرداح المتخم بالخصوبة واحتضان الزُّبر للماء الحاقل= المحقل المعقم) ولحظات انفراط العلاقة في المجران بين حب الدخن، وقمعه، وتهضم القصاع المعزمة يُذهب في طيات النسيان رويداً رويداً، زهوها عذوقاً على جذلها (قصبها) قبل أن تداعبها أيدي الصاربات.
ثمة روائح ونكهات وطعوم وأصوات مسموعة ولذيذة وأدوات زينة وأنواع كثيرة من النباتات العطرية والمشاقر تحضر دائماً في مشهد الطارق.
وهو رغم الأغطية والإيهامات اللفظية التي يتغيم بها، إلا أنه نص عار وبسيط، وهو بذلك يستطيع سرد حكايات وجود واسعة، وقصص نبض طويلة في كلمات قليلة مسيجة بالجناسات اللفظية والأوزان.
وكما يتقاسم الجناس اللفظي دهشتنا إزاء فنية النص، يتقاسمها أيضاً الجناس المعنوي الخفي ثمة تقاسم دائماً بين الهم الأساسي للنص بين وجود (المحبوب) أو (المحب) مثلاً، ووجود العنصر الطبيعي الموازي له.. ثمة علاقة تلقائية مع الطبيعة وجيراننا فيها، الإنسان ينتمي إلى الطبيعة بالمعنى الحقيقي للكلمة، والطبيعة تنتمي لما هو إنساني بالمعنى الحقيقي للكلمة.
ثمة الصدق والتدفق الطبيعي العفوي للمشاعر والكلمات، وذلك الانشحان الصادق في النصوص بالوجود الحي للوجدان في بكارته وفي جذوره الفطرية.
وثمة جدلية بين وجودين يجتمعان في مشه
وقد حدثني الشاعر معبر النهاري أن عمه الشاعر المطرق الشهير محمد منصور النهاري دخل ذات يوم إلى دكان أحد أصدقائه في حارة من حارات مدينة (بيش) فطلب منه صديقه ذاك أن يطرق، وكان الوقت وقت قيلولة.. فما أن رفع الرجل صوته (ألا) حتى خرجت نساء الحارة كلهن يكنسن أمام أبواب بيوتهن، وذلك ليس موعد الكنس أمام البيوت، فموعده بعد العصر.... ولكنهن لم يجدن حجة غير هذا العمل يتحججن بها للبروز إلى الشارع من أجل سماع ذلك المبدع.
4- ذهب المقالح إلى أن (هموم الشاعر في هذه المربعات ( كما أسماها) لم تكن هموماً اجتماعية أو ذاتية، وإن كانت الدلالة الاجتماعية والعاطفية لم تغب عنها، ولكنها في أعمق رؤية لأبعادها هموم فينة بحتة، هموم اصطياد الشكل الفني أو الجمالي الذي يسعى إلى إدهاش القارئ وانتزاع إعجابه بالقدرة التعبيرية على خلق أنساق لغوية متشابهة الإيقاع متجانسة الشكل، ولكنها بعيدة الدلالة متغيرة المعنى، لقد اقتضت هذه الهموم الشكلية من الشاعر وقتاً طويلاً... وهو لا ريب يشبه شاعر المقامات ذلك الذي أقحم الشعر في ارتياد ميادين هي إلى النزعة الذهنية أقرب منها إلى البراعة الشعرية. وكأن هذا الشاعر العامي قد خرج من معطف ذلك الشاعر الفصيح مع فارق يتمثل في أن الأخير قد كان أقرب على عاميته إلى مفهوم الشعر، وبناء الصورة الشعرية من سلفه القديم).
وفي هذا الكلام صواب ومجانبة للصواب؛ لأن هذه الدلالة الاجتماعية والهموم الذاتية في نصوص الطارق حاضرة حضور الهموم الفنية، أما تشبيه شاعر الطارق بشاعر المقامات فحيف كبير...... ولعل عدم قدرة المقالح على تذوق
النص والشعور بشحنته الوجدانية الهائلة بسبب اختلاف اللهجة، والغربة عن مفرداتها، والدلالات التي تخلقها المسميات والإشارات المرجعية إلى رموز ثقافية وبيئية خاصة، والانزياحات اللغوية الخارجة من اليومي الثري..... وما تخلقه من إحساس جارف بغنائية النص وحلاوته ودهشته، لعل ذلك هو ما جعل المقالح يذهب إلى ما ذهب إليه وهو ليس من الصواب بالمرة.
وهذا مثال بسيط على أن اللعبة الفنية في هذا الشعر ليست من نوع اللعبة الفنية في شعر المقامات:
عشق شاب فتاة وكانت بينه وبينها مواعيد لذة، وكان يدخل على أسرتها دائماً على جاري عادة الناس في قرى تهامة بدون أن تحتجب الفتاة منه فيأكل معهم ويشرب.
فدخل يوماً وقد حن لها، فوجدها مع أسرتها يأكلون عيشاً (كدراً) وحقيناً (رائبا) ، فقالوا له: تفضل، كل معنا.... ولكنه كان في وادٍ آخر، فطرَّق ملمحاً للفتاة أن تتبعه(153):
الطرق:
الله شَفَانَا(154) مِنْ عَيْشْكُمْ وَالْحَقِيْنَا(155)
ففهمت الفتاة قصده على الفور، وأنه يريد منها أن تلحق به ليقضيا وطرهما، فردت:
الرد:
الله شَفَاكَ مِنْ حَقِيْنَا(156) وعَيْشْ شَاتِيْ(157)
فقال أخوها لأبيه: يا أبي زوجهما، بمعنى أن الولد فهم أن قوله (والحقينا) بمعنى ألحقي بي ، وقولها (وعيش شاتي) بمعنى عش فإني سآتي.
***
وإذاً فإن جوهر نص الطارق هو إغناء اللحظة الجمالية ليس بالجناس اللفظي فحسب بل بالجناس المعنوي الخفي، الذي تتكشف فيه للإنسان كينونته من خلال موازاتها بكينونات جيرانه في الطبيعة من زرع، ونبات، وشجر، ومطر، وبرق، ورعد، وسيل، وجدب، وشمس، وقمر، ونجوم، وكواكب، ووديان، وبحار، وجبال، وريح وطير وحيوان، إضافة إلى كيانات ورموز أخرى متجاورة مثل: (أطيط أحمال الجمال، ورفرفة أجنحة العصافير، وهدير الموج، وانتفاخ الأشرعة ورخاوة الرداح، (بل) الرداح المتخم بالخصوبة واحتضان الزُّبر للماء الحاقل= المحقل المعقم) ولحظات انفراط العلاقة في المجران بين حب الدخن، وقمعه، وتهضم القصاع المعزمة يُذهب في طيات النسيان رويداً رويداً، زهوها عذوقاً على جذلها (قصبها) قبل أن تداعبها أيدي الصاربات.
ثمة روائح ونكهات وطعوم وأصوات مسموعة ولذيذة وأدوات زينة وأنواع كثيرة من النباتات العطرية والمشاقر تحضر دائماً في مشهد الطارق.
وهو رغم الأغطية والإيهامات اللفظية التي يتغيم بها، إلا أنه نص عار وبسيط، وهو بذلك يستطيع سرد حكايات وجود واسعة، وقصص نبض طويلة في كلمات قليلة مسيجة بالجناسات اللفظية والأوزان.
وكما يتقاسم الجناس اللفظي دهشتنا إزاء فنية النص، يتقاسمها أيضاً الجناس المعنوي الخفي ثمة تقاسم دائماً بين الهم الأساسي للنص بين وجود (المحبوب) أو (المحب) مثلاً، ووجود العنصر الطبيعي الموازي له.. ثمة علاقة تلقائية مع الطبيعة وجيراننا فيها، الإنسان ينتمي إلى الطبيعة بالمعنى الحقيقي للكلمة، والطبيعة تنتمي لما هو إنساني بالمعنى الحقيقي للكلمة.
ثمة الصدق والتدفق الطبيعي العفوي للمشاعر والكلمات، وذلك الانشحان الصادق في النصوص بالوجود الحي للوجدان في بكارته وفي جذوره الفطرية.
وثمة جدلية بين وجودين يجتمعان في مشه
د بسيط في معنى أخاذ في دهشة حارقة أو لوعة تختطف المرء من نفسه، وتمزقه على حافات ذاكرته ووجوده الأول:
الطرق:
دُخْنْ مَا احْلَى غَلَّتَكْ والْقَمَعْ(158) لام
وقُصَاعَتكْ(159) بعد امْخَبِيْطْ عَزَّمُوهَا(160)
الرد:
بُدّيْ بَهرْجَهْ مُولِفي والْقَى مَعْلاَمْ(161)
قَلَّ حَيْلَكْ يَالمولع عَزَّمُوها(162)
التأمل في النص يضع بين أيدينا وجودين:
وجود الدخن بالتأكيد عذوق الدخن في المجران، وقد تعاورتها الحنايا (عصي الخبيط) ففصلت الحب عن قمعه، وبقيت قلوب العذوق (العضابير والعزمة) مقصعة مهضمة التساؤل الحارق ما قيمة القمع، وقد انفصل عنه الحب، إنه لا شيء مجرد قمع تطيره الرياح هباءً، هذا العالم كله في موازاة عالم المحب الذي فارق محبوبته، فهو أيضاً فارق روحه وبقي جسداً بلا روح مثل القمع تماماً، عزمة القمع المهضومة الموجوعة بالحنايا هي أيضاً قلبه الأليم الموجوع بالبعد والفراق.
هذا الجناس المعنوي يؤكد عليه الجناس اللفظي بين (القمع لام) في صدر البيت الأول، و(القى معلام) في صدر البيت الثاني، كذلك الجناس اللفظي (عزموها) في عجز البيت الأول (من العزمة= بقايا العذوق المخبوطة)، و(عزموها) في عجز البيت الثاني، بمعنى رحلوها أو سفروها.
هكذا تتواشج في نسيج واحد كينونة ووجود شاعر الطارق بكينونة ووجود الطبيعة ومفرداتها، في وجودٍ أو كينونةٍ شعرية فريدة.
*
إن دراسة هذا الشعر تحتاج منا إلى التخلص من الإلزامية الشعرية التي تفرضها علينا تصوراتنا عن بديعيات الشعر العربي الفصيح (الجناس خاصة)، وهي إلزامية تقيد تصوراتنا وتحجبها عن رؤية المختلف في شعر الطارق، تلك الرؤية التي سنكرر كثيراً أنها يجب أن تشمل النظر في بيئة هذا الشعر، وطبيعة الثقافة والعلاقات الاجتماعية للمجتمع والنطاق الجغرافي المنتجين له.. لا بد من البحث عن مغذياته بعيداً عن الامتثال السهل لما يبدو تماثلاً بينه وبين ما نتوهم أنه يشبهه في الفصيح.
المعاينة بدلاً من المعايرة، هذا ما نحتاج إليه أن نعاين هذه النصوص بدلاً من أن نعايرها على غيرها القادم من سياقات غير سياقاتها.
نحتاج إلى محاولة جادة لدرس هذا الفن في ضوء ما نتعرف عليه لا في ضوء ما نعرفه، فشاعر الطارق شاعر بسيط أمي أو محدود المعرفة – المعرفة بما هي قراءة وكتابة وثقافة كتب- في الغالب، ولذلك فهو يعيش الحياة بحسه، ويتأملها بحسه، ونص الطارق ليس نصاً فلسفياً بالمعنى المعرفي الذي يوحي به هذا اللفظ (فلسفة)، بل هو نص تجربة ذاتية يعيشها وتعيش فيه.
نص الطارق لا يقوم فيه الشعر على اختراع المعاني وتوليدها بين متقدم متأخر، بل يقوم على تجارب جمالية تماثل أو تقابل وتوازي بين عالمي الجناس اللفظي والجناس المعنوي، حيث تتنوع التجارب بتنوع المشاهد والأحاسيس والمؤثرات المختلفة، خصوصاً مؤثرات البيئة وثقافتها، وفي كل حال فإن أفكار النص وعواطفه لا تقال مباشرة، بل عبر سلسلة من الكنايات والرموز الموازية، والكيانات اللفظية المتجانسة، ومعنى ذلك أننا بحاجة لرهافة الذوق، والانتباه إلى الموحيات وراء النص من أجل فهمه.
الملاحظ أننا في نص الطارق نخرج بأفكار وأحاسيس وعواطف ولذات أعمق كثيراً مما نجد في ألوان شعرية أخرى.
إن من يعتقد لمجرد الجناس اللفظي أن الطارق يماثل أو يمتثل لمنجز البديع التقليدي في القصيدة الفصحى يقع في خطأ التعميم والسطحية الساذجة؛ لأن علينا أن نلاحظ أن ثمة أدوات بلاغية تقليدية أخرى تغيب عن نص الطارق مثل التشبيه وأدواته، فنص الطارق كما قلنا نص مشهدي، وهو يوجز غالباً في الإيحاء ولا يفيض في الوصف.
************************************
الهوامش
* مقدمة لكتاب (الطارق إبداعي تهامي خارج المألوف) جمع وتوثيق الباحث علي قشر.
(1) استفاد هذا التقديم الكثير من المعلومات حول هذا اللون الشعري من خلال عدة لقاءات مع الشاعر معبر النهاري أثناء زيارته لصنعاء في شهري يوليو وأغسطس 2005م.
(2) امناجي ثواب وكوميديا الألم: علوان مهدي الجيلاني، ص43 (تحت الطبع) رواية عن الشاعر يحيى مناجي ثواب من القناوص بتاريخ 10/4/2005م.
(3) يا راك: أيها الأراك (شجر الأراك المعروف). في وادي المسمى ودي راك: في الوادي الذي يسمى وادي الأراك.
(4) ما قط يوجد عندنا راك منه: لا يوجد لدينا أراك مثله.
(5) شاحن: مُحَمَّلْ. زعابر وديراك: نوعان معروفان من السمك.
(6) وارى امحماله: وأرى الحمالين. راكمنه: قد ركموا بعضه فوق بعض.
(7) مرجع المعلومات موقع أبناء الساحل الإلكتروني.
(8) الهود: يطلق الهود في مناطق وادي مور وما بعدها من بلاد الشام على العرس أو الختان أو أي مناسبة احتفالية كبيرة، وبعضهم يسميه (الهوب).
(9) نسبة النص إلى ابن مجثل رواية عن الكاتب المعروف عبد الإله القدسي. وفي مدونة الكاتب علي أحمد قشر ينسب النص إلى الشيخ امحمد عمير شامي.
(10) رجال حلت ديرة البن هابه: رجال سكنت في بلاد البن ولها هيبة.
(11) ولا يصلها من تخوف ومن هاب: ولا يمكن أن يقتحمها من في قلبه خوف أو تهيب.
(12) التاجر اللي من عدن جال بنه: جو
الطرق:
دُخْنْ مَا احْلَى غَلَّتَكْ والْقَمَعْ(158) لام
وقُصَاعَتكْ(159) بعد امْخَبِيْطْ عَزَّمُوهَا(160)
الرد:
بُدّيْ بَهرْجَهْ مُولِفي والْقَى مَعْلاَمْ(161)
قَلَّ حَيْلَكْ يَالمولع عَزَّمُوها(162)
التأمل في النص يضع بين أيدينا وجودين:
وجود الدخن بالتأكيد عذوق الدخن في المجران، وقد تعاورتها الحنايا (عصي الخبيط) ففصلت الحب عن قمعه، وبقيت قلوب العذوق (العضابير والعزمة) مقصعة مهضمة التساؤل الحارق ما قيمة القمع، وقد انفصل عنه الحب، إنه لا شيء مجرد قمع تطيره الرياح هباءً، هذا العالم كله في موازاة عالم المحب الذي فارق محبوبته، فهو أيضاً فارق روحه وبقي جسداً بلا روح مثل القمع تماماً، عزمة القمع المهضومة الموجوعة بالحنايا هي أيضاً قلبه الأليم الموجوع بالبعد والفراق.
هذا الجناس المعنوي يؤكد عليه الجناس اللفظي بين (القمع لام) في صدر البيت الأول، و(القى معلام) في صدر البيت الثاني، كذلك الجناس اللفظي (عزموها) في عجز البيت الأول (من العزمة= بقايا العذوق المخبوطة)، و(عزموها) في عجز البيت الثاني، بمعنى رحلوها أو سفروها.
هكذا تتواشج في نسيج واحد كينونة ووجود شاعر الطارق بكينونة ووجود الطبيعة ومفرداتها، في وجودٍ أو كينونةٍ شعرية فريدة.
*
إن دراسة هذا الشعر تحتاج منا إلى التخلص من الإلزامية الشعرية التي تفرضها علينا تصوراتنا عن بديعيات الشعر العربي الفصيح (الجناس خاصة)، وهي إلزامية تقيد تصوراتنا وتحجبها عن رؤية المختلف في شعر الطارق، تلك الرؤية التي سنكرر كثيراً أنها يجب أن تشمل النظر في بيئة هذا الشعر، وطبيعة الثقافة والعلاقات الاجتماعية للمجتمع والنطاق الجغرافي المنتجين له.. لا بد من البحث عن مغذياته بعيداً عن الامتثال السهل لما يبدو تماثلاً بينه وبين ما نتوهم أنه يشبهه في الفصيح.
المعاينة بدلاً من المعايرة، هذا ما نحتاج إليه أن نعاين هذه النصوص بدلاً من أن نعايرها على غيرها القادم من سياقات غير سياقاتها.
نحتاج إلى محاولة جادة لدرس هذا الفن في ضوء ما نتعرف عليه لا في ضوء ما نعرفه، فشاعر الطارق شاعر بسيط أمي أو محدود المعرفة – المعرفة بما هي قراءة وكتابة وثقافة كتب- في الغالب، ولذلك فهو يعيش الحياة بحسه، ويتأملها بحسه، ونص الطارق ليس نصاً فلسفياً بالمعنى المعرفي الذي يوحي به هذا اللفظ (فلسفة)، بل هو نص تجربة ذاتية يعيشها وتعيش فيه.
نص الطارق لا يقوم فيه الشعر على اختراع المعاني وتوليدها بين متقدم متأخر، بل يقوم على تجارب جمالية تماثل أو تقابل وتوازي بين عالمي الجناس اللفظي والجناس المعنوي، حيث تتنوع التجارب بتنوع المشاهد والأحاسيس والمؤثرات المختلفة، خصوصاً مؤثرات البيئة وثقافتها، وفي كل حال فإن أفكار النص وعواطفه لا تقال مباشرة، بل عبر سلسلة من الكنايات والرموز الموازية، والكيانات اللفظية المتجانسة، ومعنى ذلك أننا بحاجة لرهافة الذوق، والانتباه إلى الموحيات وراء النص من أجل فهمه.
الملاحظ أننا في نص الطارق نخرج بأفكار وأحاسيس وعواطف ولذات أعمق كثيراً مما نجد في ألوان شعرية أخرى.
إن من يعتقد لمجرد الجناس اللفظي أن الطارق يماثل أو يمتثل لمنجز البديع التقليدي في القصيدة الفصحى يقع في خطأ التعميم والسطحية الساذجة؛ لأن علينا أن نلاحظ أن ثمة أدوات بلاغية تقليدية أخرى تغيب عن نص الطارق مثل التشبيه وأدواته، فنص الطارق كما قلنا نص مشهدي، وهو يوجز غالباً في الإيحاء ولا يفيض في الوصف.
************************************
الهوامش
* مقدمة لكتاب (الطارق إبداعي تهامي خارج المألوف) جمع وتوثيق الباحث علي قشر.
(1) استفاد هذا التقديم الكثير من المعلومات حول هذا اللون الشعري من خلال عدة لقاءات مع الشاعر معبر النهاري أثناء زيارته لصنعاء في شهري يوليو وأغسطس 2005م.
(2) امناجي ثواب وكوميديا الألم: علوان مهدي الجيلاني، ص43 (تحت الطبع) رواية عن الشاعر يحيى مناجي ثواب من القناوص بتاريخ 10/4/2005م.
(3) يا راك: أيها الأراك (شجر الأراك المعروف). في وادي المسمى ودي راك: في الوادي الذي يسمى وادي الأراك.
(4) ما قط يوجد عندنا راك منه: لا يوجد لدينا أراك مثله.
(5) شاحن: مُحَمَّلْ. زعابر وديراك: نوعان معروفان من السمك.
(6) وارى امحماله: وأرى الحمالين. راكمنه: قد ركموا بعضه فوق بعض.
(7) مرجع المعلومات موقع أبناء الساحل الإلكتروني.
(8) الهود: يطلق الهود في مناطق وادي مور وما بعدها من بلاد الشام على العرس أو الختان أو أي مناسبة احتفالية كبيرة، وبعضهم يسميه (الهوب).
(9) نسبة النص إلى ابن مجثل رواية عن الكاتب المعروف عبد الإله القدسي. وفي مدونة الكاتب علي أحمد قشر ينسب النص إلى الشيخ امحمد عمير شامي.
(10) رجال حلت ديرة البن هابه: رجال سكنت في بلاد البن ولها هيبة.
(11) ولا يصلها من تخوف ومن هاب: ولا يمكن أن يقتحمها من في قلبه خوف أو تهيب.
(12) التاجر اللي من عدن جال بنه: جو