اليمن_تاريخ_وثقافة
10.5K subscribers
141K photos
348 videos
2.17K files
24.5K links
#اليمن_تاريخ_وثقافة ننشر ملخصات عن تاريخ وثقافة اليمن الواحد الموحد @taye5
@mao777 للتواصل
Download Telegram
#حضرموت اوائل القرن العشرين
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
القشلة - صعدة ثمانينيّات القرن الماضي
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
تاريخ اليمن .. مقبرة الغزاة.
.للباحث / عبـدالله بـن عامـر
بحث مقارن لحملات الغزاة المتعاقبة على الغزو الحبشي الثاني لليمن في القرن السادس الميلادي هو المبحث التاريخي الذي تضمنه الفصل الرابع من هذا الكتاب وهو ما استعرضنا جزءاً منه في الحلقة السابقة..
في هذه الحلقة سنستعرض الصراع السياسي الدولي على اليمن في تلك الفترة بين روما ومملكة أكسوم من جانب والدولة الحميرية الموحدة آنذاك والقوية من جانب آخر وسنسلط الضوء على ما ذكره الباحث من تأثيرات الصراعات الداخلية بين قوى النفوذ داخل اليمن على الملك واستدعاء الأجنبي واستغلال هذا الأجنبي للأقليات الدينية في التدخل المباشر في غزو اليمن ونشوء حلف روما الحبشة لغرض غزو اليمن والسيطرة على ثرواتها بذريعة نصرة المسيحيين المعارضين الذين بطش بهم الملك الحميري يوسف أسأر «ذونواس» في ثورته على الملك معد يكرب الموالي للأحباش والروم سنة 517م.. فإلى الحصيلة:اليمن عبر التاريخ خلص إلى آن الغزاة لايستفيدون من التجارب

عرض/ امين ابو حيدر
وقد فضل الملك يوسف أسأر يثأر على أن يُغرق نفسه من أن يعيش عار اللحظة التاريخية التي تكون فيها بلاده تحت رحمة الأجنبي وهناك روايات منها رومانية تشير إلى أن الملك الحميري قاتل حتى قُتل في المعارك ضد الأحباش أو قتله الأحباش بعد أن تمكنوا من أسره وتشير بعض المصادر التاريخية إلى أن هناك قبراً للملك يوسف في موضع يدعى سلع ويسمى نخلة الحمراء وهي خربة عادية توجد فيها آثار فنية قيمة .
أسباب انتكاسة المقاومة في المخا :
حاول الملك يوسف توزيع قواته إلى عدة جبهات من أجل مطاردة فلول الأحباش وتثبيت نفوذ الدولة وبينما كان يقوم بذلك دفعت أكسوم بقواتها إلى الساحل الغربي الأمر الذي فرض على الملك قيادة قوات إلى تلك المنطقة للمواجهة فيما ظلت بقية قواته في نجران وظفار ومناطق أخرى وهناك من يرى أن أحد أهم أسباب الهزيمة هو أن القوات المتجهة لقطع أي إمدادات تصل من الحبشة كانت ضعيفة .
ثم إن جيش الملك يوسف لم يكن مستعداً لتلك المعركة ولم يتكيف بعد على أجواء المنطقة الساحلية التي اعتاد عليها الأحباش وألفوها بشكل كبير، ويقول المؤرخ الأكوع «إن هناك نكتة جديرة بالملاحظة وهي أن رجال الجبال أو الجيش الذي يهبط منها لايقوى في زمن الحر على المقاومة في أرض التهائم، فهم بالصدفة قد وقعوا بين نارين نار الحرب الضروس ونار أرض التهائم» .
وما تطرق إليه الأكوع جدير بالملاحظة خاصة إذا ما أعدنا قراءة المواجهات اليمنية الحبشية منذ القرن الثالث الميلادي فسنجد أن معظم الجيش النظامي اليمني كان من أبناء المناطق الجبلية ولهذا كان ذلك الجيش ينجح في مهاجمة الأحباش بعد تقدمهم إلى الجبال ويدحرهم إلى تهامة وهناك يفشل في استكمال المهمة المتمثلة في تطهير كافة الأراضي حتى البحر ونجد أن القوات الحبشية اتخذت من تهامة منطلقاً لهجماتها ضد الداخل وأن الجيوش الحميرية استمرت في محاولة استعادة تلك المنطقة عشرات السنين ولم تنجح.
السميفع الحاكم الصوري وخلافه مع الرومان والأحباش :
كان من ضمن أسباب الهزيمة أيضا الخيانة فهناك من يشير إلى أن كبار قادة الملك يوسف كان لهم اتصالات مع الأحباش وساهموا بشكل أو بآخر في الهزيمة ومنهم السميفع آشوع الذي تولى الحكم بعد وصول الأحباش إلى صنعاء إضافة إلى أقيال آخرين كانوا قد انتقلوا إلى الحبشة أثناء تقدم الحملة وتوغلها في المناطق الداخلية وعلى ما يبدو أن تلك الزيارة كانت بهدف ترتيب إعلان السميفع آشوع ملكاً على اليمن تابعاً للحبشة وقد ورد ذكر السميفع آشوع في عدد من النقوش التي تعود إلى تلك الفترة فقد خاض عدة معارك مع الملك يوسف (نقش جام1028) قبل أن يدير دفة سفينته إلى الاتجاه المعاكس .
وبالفعل أعلن السميفع آشوع حاكماً في ظل سيطرة عسكرية حبشية على البلاد فكان أداتهم في تنفيذ مخططاتهم ليس الأحباش فحسب بل وأسيادهم الرومان الذين أعادوا تفعيل سفارتهم التي كانت تتحكم بكل صغيرة وكبيرة وكان جوليانوس مندوب الإمبراطور البيزنطي يصدر توجيهاته للملك السميفع وما على هذا الملك إلا التنفيذ لدرجة أن السفير طلب في العام 527م من الملك إعلان الحرب على الساسانيين فقد كانت روما تسعى إلى توجيه اليمنيين لحرب الفرس إلا أن الملك السميفع حاول التهرب والتنصل من هذه المهمة بأعذار منها وعورة الطرق والمسالك إلا أن فشله في تنفيذ التوجيهات أدى إلى الانقلاب عليه، وسنجد أن أبرهة الذي سيحكم بعد أرياط سيعمل على تحقيق الهدف الروماني في تجنيد اليمنيين لقتال الساسانيين، وفي العودة إلى عهد السميفع فإن الرومان لم يترددوا في فرض أسماء الأقيال والقادة لتعيينهم في مناصب عليا مقابل ضمان ولائهم بل إن الرومان فرضوا على الملك السميفع تعيين زعيم يدعى قيس في منصب كبير قبيلة معد مقابل أن يقوم هذا الزعيم بإعداد جيش من القبيلة لحرب الفرس .
وأما عن تفاصيل الانقلاب على السميفع آشوع فقد حاصره الجنود الأحباش ووُضِع قيد الإقامة الجبرية في أحد الحصون ثم تولى أرياط
الحكم وكان الأحباش ومنهم أبرهة الذي انقلب بدوره على أرياط يعمل على تجنيد اليمنيين لحرب الساسانيين.
المقاومة على طول الطريق إلى صنعاء :
تتضارب روايتان حول تفاصيل الأحداث ما بعد هزيمة المخا ومقتل الملك يوسف 525م فهناك من تحدث عن استمرار الحروب الضارية بين اليمنيين والأحباش حتى العام 533م وهو العام الذي قررت فيه أكسوم إرسال حملة عسكرية أخرى تمكنت على إثرها من احتلال أغلب المناطق اليمنية وأما الرواية الثانية فتؤكد أن اليمن أصبحت تحت النفوذ الحبشي منذ العام 525 وأن المقاومة اليمنية استمرت لكنها لم تحقق أي إنجازات كبيرة بل انتقلت المعارك من السواحل والتهائم إلى المناطق الجبلية الداخلية وتذكر مراجع تاريخية أن ذا جدن (ابن ذي نواس) تولى قيادة المقاومة بعد مقتل أبيه وقد تمكن من شن حملة عسكرية على نجران وحاصرها حتى سقوطها، وفي هذا التوقيت يظهر والد سيف بن ذي يزن محاولاً جمع ما تبقى من جيش ذي نواس ولم شمله وسحبه إلى المناطق الجبلية للتصدي للتوغل الحبشي، وعلى ما يبدو أن الأحباش لم يكونوا وقتها قد تمكنوا من بسط سيطرتهم على كافة المناطق بسبب المقاومة الشرسة التي اتخذت عدة أساليب أبرزها:
هجمات عسكرية منظمة بقيادة ذي جدن على معاقل الأحباش حتى لا تتمكن تلك المجاميع من التواصل مع الجيش الكبير الذي وصل تهامة وعلى ما يبدو أن ذا جدن تمكن من محاصرة الأحباش وأتباعهم في نجران وشن عدة غزوات على معاقلهم في المناطق الشمالية والغربية ومع تقدم الجيش نحو صنعاء قاوم اليمنيون ببسالة على طول الطريق من المخا حتى صنعاء وكان اليمنيون يلجأون إلى الحصون والقلاع .
وكانت تلك الحصون والقلاع ملاذاً آمناً لهم فلم يتمكن الغزاة من تعقب المقاومين نتيجة وعورة التضاريس في المناطق الجبلية واستمرت المقاومة خلال السنوات الأولى للاحتلال تتخذ من تلك القلاع والحصون مركزاً للحشد والتعبئة ومنها انطلقت مجاميع المقاومة لاستهداف كل ما له علاقة بالمحتل.
معارك ضارية في إب :
في ذات الفترة تمكن أحد الأقيال (النعمان بن عفير والد سيف بن ذي يزن) من جمع بقايا الجيش الحميري الذي تعرض لهزيمة في المخا وقد حددت المرتفعات الداخلية مكاناً للحشد والتعبئة وذلك من أجل استمرار المقاومة ولهذا نجد أن بقايا الجيش ومن معه من القبائل تراجعت على وقع الانتكاسة إلى الجبال وهناك بدأت في خوض معارك استنزاف ضد الغزاة ومما تذكره بعض المراجع المواجهات الشرسة التي جرت في منطقة السحول بإب وكذلك معركة أخرى في حقل شرعة .
وكانت من أشرس المعارك التي خاضها اليمنيون ضد الأحباش، ويمكن القول إن كافة المناطق التي شارك أبناؤها في التصدي للغزو الحبشي وانخرطت ضمن جيش الملك يوسف شهدت مقاومة عنيفة للأحباش وتذكر النقوش الأقيال الذين كان لهم شرف الدفاع عن الوطن وهم اليزنيون والأرحبيون والهمدانيون وكذلك مذحج وكندة ، وهو ما يعني أن معظم المناطق اليمنية قاومت بشراسة الاحتلال وستستمر في ذلك حتى اندحاره.
جرائم المحتل وسياساته :
ارتكب الأحباش جرائم عدة أبرزها الإعدامات الجماعية والتصفيات لعدد من الأقيال والأذواء من الأسرى بعد معارك المخا الضارية، ويشير نقش وجد في حصن الغراب ببئر علي قام بزبره (سميفع آشوع وأبناؤه شرحبئيل يكمل ومعد كرب يعفر أبناء لحيعة يرخم ) إلى حجم الأحباش المتواجدين في اليمن حيث يوضح أنه بعد عودتهم من الحبشة وجدوا الأحباش زرافات (بمعنى كثير ) بأرض حمير وقاموا بقتل ملك حمير والأقيال الحميريين والأرحبيين (525م)، وفي طريقهم إلى صنعاء ومن ثم إلى ظفار استهدفوا البشر والحجر وكان أهم تلك الجرائم والاعتداءت ما طال التراث الحضاري اليمني .من تدمير فقد كان الأحباش يعمدون إلى تدمير القلاع والحصون وكذلك القصور ولاتزال بقايا عاصمة الحميريين ظفار تشهد على حجم التدمير الذي طالها في ذلك الغزو البربري الهمجي فتاريخ تدميرها يعود إلى زمن الاحتلال الحبشي بحسب الكثير من المؤرخين .
ولعل ما كتبه المؤرخون عن جرائم الأحباش وممارساتهم يمكن إجمالها في ما يلي:
التدمير والهدم الذي طال المدن والقرى سيما القصور والقلاع وأبرزها بينون وظفار الملك وسلحين بمأرب والقشيب وقصور في صرواح ودوران وغيرها مما يطول ذكره (قيل شعر في تلك الفترة:
هونك ليس يرد الدمع ما فاتا لا تهلكي أسفا في ذكر من ماتا
أبعد بينون لاعين ولا أثر وبعد سلحين يبني الناس أبياتا
وكذلك تعرض جزء من قصر غمدان للهدم في عهد أرياط الحبشي .
ويقول ابن هشام إن بينون وغمدان من قصور اليمن التي هدمها أرياط ولم يكن في الناس مثلها .
الإعدامات والتصفيات للأقيال والأذواء المناهضين.
استهداف الزراعة عبر الآفات الزراعية ، وكذلك عبر التضييق على المزارعين ومصادرة أراضيهم ولهذا يقول بعض المؤرخين إن اليمن تعرض في تلك الفترة لدمار اقتصادي شامل .
فرض الضرائب المرتفعة.
إجبار اليمنيين على تغيير دياناتهم ومعتقداتهم وثقافتهم.
ومما تتداوله المصادر التاريخية أن ملك الحبشة إيلا أشيحا أوصى قادة الحملة بقتل ثلث الرجال وسب
ي ثلث النساء وإحراق ثلث الأراضي الزراعية «فلما وطأ أرياط اليمن قتل ثلث رجالهم وأخرب ثلث بلادهم وبعث إلى النجاشي بثلث سبايا نسائهم وأبنائهم» .
لقد اتسمت السيطرة الحبشية بالضراوة والقسوة وخاصة في عهد أبرهة .
وخاض اليمنيون النضال ضد المحتل دون هوادة حتى تحققت حريتهم من نير هذا الغزو الأجنبي الذي استمر في التنكيل باليمنيين ونهب ثرواتهم حتى في عهد أبناء أبرهة ومنهم مسروق الذي أنشأ فرقاً عسكرية جديدة للقمع والإرهاب، وكانت إجراءات الأحباش تستفز اليمنيين وقد أرادوا من قوانينهم ونظمهم السياسية أن تحل محل الأعراف والتقاليد السائدة، ويجمع المؤرخون العرب على وحشية جرائم المحتل الحبشي بحق اليمنيين وحضارتهم واقتصادهم وبعد تصاعد المقاومة واستمرارها تحولت السياسة من ترهيب إلى ترغيب غير أنها كانت تستهدف الطبقة المهمة وقتها وهم الأقيال والأذواء فيما الإرهاب استمر بحق بقية الطبقات والفئات وقد استغل قادة الغزو وجود الروابط القديمة الجامعة بين اليمن والحبشة جراء الهجرات السبئية القديمة إلى الحبشة وذلك لتبرير تواجدهم العسكري، فها هو أبرهة وبعد وصوله إلى الحكم يعلن نفسه ملكاً على اليمن مستقلاً بذلك عن الحبشة وكان النجاشي قد قبل بتبعية اليمن صورياً له عن طريق دفع الجزية من قبل أبرهة الذي رفض ذلك بعد أن كان قد وافق عليه .
وكان ملك الحبشة قد عبر عن غضبه جراء قرار أبرهة فبعث له بقوات قوامها 3آلاف جندي لكنها وبعد مفاوضات مع أبرهة قررت الانضمام إليه .
وقد احتفظ أبرهة بحكم اليمن لنفسه ومن بعده أبناؤه، وعلى ما يبدو أن طموحه السياسي قد برز أثناء ما كان قائداً ضمن الحملة الحبشية في العام 525م ولهذا نجد أنه عارض بشدة سياسة تعيين حاكم يمني صوري وهو السميفع آشوع فخطط للانقلاب العسكري والإطاحة بالقائد أرياط وبالحاكم الصوري .
ثورة مرثد وثورة العبيد :
قاد أحد الأقيال ويدعى مرثد ثورة كبيرة ضد الأحباش أجبرتهم على تعيين حاكم صوري من اليمنيين وعلى ما يبدو أن هذه الثورة امتدت إلى أكثر من منطقة وكانت عنيفة وتعد امتداداً للمقاومة التي بدأت منذ مقتل الملك يوسف ولا تذكر لنا النقوش أو المراجع التاريخية الأخرى أي تفاصيل عن تلك الثورة إنما يمكن القول إن استمرارية الروح الثورية اليمنية ضد المحتل غذتها سياسات الأجنبي الذي اعتمد سياسة إرهاب اليمنيين والتعامل معهم بقسوة وتدمير كل ما له علاقة بالحياة ولهذا نرى أن الاحتلال الحبشي في تلك الفترة كان من أسوأ ما تعرضت له اليمن من مصائب وأهوال على مر التاريخ فلا تزال آثار ذلك الاحتلال بادية حتى اليوم من خلال تدمير القصور والآثار في معظم المناطق اليمنية التي كانت زاهرة بالحياة قبل أن تطالها معاول الهدم الحبشية وكانت تلك العملية التدميرية الوحشية تثير سخط اليمنيين بجميع فئاتهم ولا غرابة في أن يتصدر العبيد قائمة الثوار الرافضين للتدمير والهدم بل قد تكون ثورة العبيد هي الأولى في سلسلة الثورات النضالية اليمنية ضد الأحباش خلال العقد الرابع من القرن السادس الميلادي تلتها ثورة القيل مرثد والتي كانت مقدمة لثورات أخرى ستشتعل في أكثر من منطقة وينضم إليها الآلاف من اليمنيين.
ثورة الأقيال :
لم يكتفِ الأحباش بالسيطرة على تهامة والتقدم إلى نجران واحتلال صنعاء وظفار والوصول إلى عدن بل حاولوا التقدم إلى مأرب وشبوة وحضرموت في ظل سياسة القمع والإرهاب وحملات الاعتقالات والقتل والنهب والسلب واستهداف كل ما له علاقة بالحياة حتى الزراعة والثروة الحيوانية وأمام هكذا وضع ارتفعت وتيرة الأعمال الثورية لتبلغ ذروتها بثورة عارمة قادها القيل يزيد بن كبشة .
وعلى ما يبدو أن هذا القيل شاهد بأم عينيه جرائم الأحباش بحق أبناء جلدته ووطنه كونه كان حاكماً تابعاً لأبرهة على منطقة العبر بحضرموت .
ولهذا كان لموقفه الثوري دور مهم أدى إلى نسب تلك الثورة إليه وهي الثورة التي وثقها نقش سد مأرب، وانضم إلى يزيد في ثورته أقيال هم ذو سحر ومرة وثمامة وحنش ومرثد وصنف ذو خليل ويزن وهعن واليزنيون الأقيال معدي كرب بن سميفع وهعن وإخوته بي أسلم (س 9 - 18) .
ورغم أن التفاصيل الكاملة عن تلك الأحداث لا تتطرق إليها المراجع التاريخية إلا أن تلك المرحلة شهدت عمليات هجومية ضد الحاميات الحبشية وذلك ما يمكن قراءته من أسماء المناطق التي وصلت إليها ثورة يزيد، بل إن تلك الثورة يمكن القول عنها إنها تعتبر أول تحرك عسكري منظم من قبل اليمنيين ضد الأحباش بعد انتكاستهم في المخا ومقتل ملكهم وكادت أن تطيح بحكم أبرهة وبجيوشه وتعيد اليمن إلى عهد الاستقلال، ولهذا نجد أن أبرهة يحرص على ذكر تلك الثورة في معرض تخليد انتصاراته غير أنه يشير بذلك إلى حجم تلك الثورة العارمة كما تشير التفاصيل التي حملها نقش السد إلى فشل الجيش الحبشي في قمعها وإجهاضها بل على ما يبدو أن أبرهة وجه عدة حملات عسكرية للقضاء على الثوار إلا أن جميع تلك الحملات تعرضت للهزيمة أو على الأقل الحملة الأولى التي وصفها بعض المؤرخين بأنها كانت عبارة عن
جيش كبير بقيادة جراح وزبنور .
إلا أن الثوار تمكنوا من إلحاق الهزيمة بذلك الجيش ما دفع أبرهة إلى تعزيز قواته بقوات إضافية من المرتزقة اليمنيين وقامت هذه القوات (الحبشية واليمنية) بمطاردة الثوار في أودية سبأ وصرواح وعبران ويقال إنها تمكنت من القضاء على الثورة باستسلام قائدها يزيد بن كبشة، واتجهت تلك القوات في طريق صرواح شمالاً نحو نبط في اتجاه العبر ومن هناك أرسلت سرية إلى كدر، وقد تطرق نقش أبرهة في سد مأرب إلى ثورة (يزيد) بما يشير إلى أنها كانت من أعنف الثورات على الأحباش وقد شملت حضرموت وحريب وذا جدن وحبات .
وبحسب بافقيه فإن الثورة أشعلها أقيال المشرق بقتلهم الحاكم المعين من أبرهة ليدير حضرموت وتدمير مصنعه كدور أحد أهم الحصون أعقب ذلك قيام يزيد بن كبشة بالإغارة على حضرموت وقام بأسر مازن هجان الأذموري ومن ثم العودة إلى العبر وأن تلك الثورة انتهت بتقدم جيش أبرهة وبإعلان يزيد بن كبشة ولاءه لأبرهة.
ثورتا مأرب وتهامة :
كان لثورة يزيد بن كبشة أثر كبير في اتساع رقعة المقاومة والرفض الشعبي للاحتلال فلم يعد ذلك الرفض في المناطق الريفية التي عادةً لا تستطيع القوات المحتلة إخضاعها بشكل دائم لأسباب عدة وهي في ذات الوقت مناطق يتحصن بها المقاومون وتساعدهم على تنفيذ عمليات خاطفة بل امتدت حالة السخط إلى المدن الخاضعة بشكل مباشر للاحتلال والقابعة تحت سلطته ،ففي مأرب ثار اليمنيون على الحكم الحبشي وكانت أول ثورة تشهدها مدينة يمنية في وجه المحتل ولهذا نجد أن نقش السد أيضا تطرق لها دون عرض أية تفاصيل عنها لكنها على ما يبدو كانت في نفس الفترة التي انطلقت فيها ثورة يزيد بن كبشة وهو ما يؤكد أن أبناء المدن اليمنية تشجعوا كثيراً بثورة يزيد التي كانت قد امتدت إلى معظم المناطق الشمالية والشرقية وكذلك الوسطى وهو ما يعني أن المناطق الغربية فقط هي التي لم تشهد أية أعمال مسلحة ضد الغازي أو حتى تحركات شعبية وهذا لا يمكن الجزم به أو تأكيده، فبالرغم من أن تهامة ظلت في حالة خضوع للأحباش إلا أن ذلك الخضوع لم يدم طويلاً ،فها هو عروة بن حياض الملاحي يقود ثورة شعبية كبيرة ضد التواجد الحبشي بل قد تكون الثورة التهامية هي الأوسع بعد ثورة يزيد إضافة إلى أنها حققت إنجازات على صعيد المواجهة والتعبير عن السخط إزاء سياسة المحتل ولذلك تمكن الثوار من قتل عدد من الحكام المحليين الأمر الذي أثار غضب أبرهة فقرر مواجهة الثوار واستمرت المواجهات حتى تمكن جيشه من إخماد الثورة والتنكيل بقادتها.
اليمنيون يتصدون لأبرهة في حملته ضد مكة :
لأهداف اقتصادية وسياسية أعاد أبرهة العمل بتقليد حميري قديم يتمثل في إرسال حملات عسكرية إلى المناطق الوسطى والشمالية للجزيرة العربية ومن تلك الحملات التي قادها أبرهة نفسه في أواخر العام 570م حملة كانت متجهة إلى الحجاز وتحديداً إلى مكة وكان على رأس أهدافها هدم الكعبة وإجبار العرب على اتخاذ كنيسة القليس التي بناها أبرهة في صنعاء مقصداً سنوياً لهم وهو ما سيعود بالنفع على الحكم الحبشي في اليمن.
ولا ننسى هنا أن نتطرق إلى التعصب الديني لأبرهة، فقد كانت سياسته في اليمن تقوم على نشر الكنائس وترسيخ وجود الديانة المسيحية، غير أن الارتباط الروحي بالكعبة وذلك كان قبل الإسلام دفع اليمنيين إلى محاولة التصدي لحملة أبرهة وعلى طول الطريق من صنعاء إلى مكة تعرضت الحملة للتصدي من قبل جماعات يمنية على ما يبدو أنها لم تكن قوية لدرجة تنفيذ عمليات هجومية حاسمة ولهذا كان مصيرها الهزيمة وما تذكره بعض المراجع أن ذا نفر الحميري حاول التصدي لأبرهة قبل أن يقع في أسر الأحباش وكذلك مقاومة أخرى بقيادة نفيل الخثعمي الذي تعرض هو الآخر للهزيمة
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
عسير الجاهلية بين الجغرافيين والشعراء

هذا البحث سبق أن أنزلته في عدة مواقع وقد حذف للأسف من منتديات التاريخ بعد أن تم اختراقها ، وهو جزء من كتاب موسوعي أقوم حالياً بإعداده حول إقليم عسير الواقع في المملكة العربية السعودية وقد رأيت إنزاله في واتا بوضعه الأساسي القديم حفظاً للحقوق ولعله يكون هنالك نقاش حول مضمونه إن وجد من يهتم بتاريخ هذا الجزء أو تاريخ الجزيرة العربية حيث يحوي البحث رؤى جديدة حول مسميات مواقع وأقاليم الجزيرة العربية واحداثها :





بسم الله الرحمن الرحيم

إن من أهم الأمور التي يجب أخذها في الحسبان عند قراءة تاريخ ما قبل الإسلام أن نعي أن تاريخ العرب الجاهلي وأخباره نقلت عن أمة أمية لا تعرف قيمة للتوثيق وتميل إلى الإسطورة والتعصب وتحكمها العاطفة في رواية أخبارها ، ورغم القيمة الأدبية العالية لما حملته تلك الفترة وما يدل عليه من ذكاء خارق لهذه الأمة فإن العرب لم يدونوا هذه الأخبار إلا في زمن متأخر معتمدين على ما يتناقله الرواة هنا وهناك ، كما أن الشعر الذي يكاد يكون المصدر الأهم لقراءة التاريخ الجاهلي انفرد أهل الوبر (البادية) بالجزء الأعظم منه ، فكان لطابع حياتهم غير المستقرة أثر كبير على رواية التاريخ ، بينما كان إنتاج أهل المدر والزراعة من الشعر أقل لظروفٍ اجتماعية وعملية تخص نمط حياتهم ، فبقي تاريخهم في الفترة الجاهلية أقل حضوراً في كتب التاريخ ما عدا اليمن كأرض حضارة اهتمت بالتدوين دون البقية ، فإذا كانت مكة ويثرب قد لقي تاريخها بعض الاهتمام من الرواة لخروج الإسلام منهما ، فإننا لا نجد أخباراً شافية عن بقية حواضر الجزيرة العربية مثل نجران وجرش وتبالة وأبها والجهوة وسوق حباشة وعثر وحلي وحجر اليمامة وهجر ودومة الجندل وتيماء وغيرها مما وجد له أثر في بعض السير او في الكتب السماوية بينما لا يوجد لدينا ما يمكننا أن نضيفه لها إلا القليل جداً من الأخبار معظمها عن قصص قبائل البادية التي سكنتها ، ومن ثم فإن أخبار وتاريخ الجزيرة العربية المنقولة لنا قد تكون قابلة لإعادة الصياغة في المستقبل مع المزيد من الدراسات والتنقيب عن الآثار والبحث عن النقوشات القديمة داخل وخارج الجزيرة العربية والتي قد تقلب الكثير من المفاهيم ، يقول توفيق برو في هذا الخصوص : "ومما يزيد الصعوبة في تأريخ هذه الحقبة أن قدامى المؤرخين المسلمين لم يبذلوا أي جهد في تحقيق وتمحيص ما وصلهم من أخبار عرب الجاهلية ، تلك التي رووها كما سمعوها من أفواه الرواة ، على ما فيها من تناقض ومن قصص خيالية مليئة بالأساطير ، أو أخذوها من أهل الكتاب ، وبخاصةً منهم اليهود ، أو وضعوها في الإسلام ـ بما جاء فيها من تهديم للوثنية ولأخلاق الجاهلية ... قد قضت بعدم الاهتمام بما يمت إلى الجاهلية بصله ، لا بل شغل المؤرخون المسلمون بالتأريخ للإسلام ، فدونوا كل وقائعه وأشبعوها تدقيقاً وتمحيصاً ، وانصرفوا عن التأريخ لما قبل الإسلام ، ولم يفطن أحد منهم إلى ما يمكن أن تنبثق عنه الدراسات الموضوعية من تصحيح لما ذخرت به الروايات من تلفيق ومجانبة للواقع في تأريخ حقبة التاريخ العربي القديم الذي طمست مفاخره عن قصد أو عن غير قصد من قبل الإخباريين" .
ومن هنا ففي هذه الدراسة سنحاول في أقل الأحوال أن نثير السؤال عن جانب من تاريخ الجزيرة العربية في محاولة حث لفك بعض رموز أحد أهم الأقاليم المعروفة بشدة في العصر الحديث ألا وهو إقليم عسير وذلك من خلال محاولة تسليط الضوء على بعض ما ذكرته المراجع العربية من تقسيم وتعريف لأقاليم الجزيرة العربية وبعض ما ورد في الشعر العربي من إشارات وأسماء وأوصاف للمواقع والمناخ والنبات ، وسيكون بحثنا مكون من جزئين :
الجزء الأول :
تحديد إقليم عسير وأقسامه وانتماءها الجغرافي والتاريخي

وسيكون هذا الجزء معني بعدة مباحث معنونة كالتالي :
 إقليم عسير وتقسيمه الجغرافي .
 إقليم عسير والتقسيم الحديث للجزيرة العربية.
 عسير بين المفاهيم المحلية المتوارثة والحديثة .
 الخلط في تأريخ وجغرافية الجزيرة العربية .
 الحجاز ونجد وتهامة و (إقليم عسير) .
 تقسيم الجزيرة العربية عند الجغرافيون وفي الشعر العربي .

الجزء الثاني :
تحديد بعض القبائل التي استوطنت هذا الإقليم والمعارك التي وقعت به
وسيكون هذا الجزء معني بمبحثين وهما :
 أسماء بعض القبائل التي سكنت إقليم عسير
 بعض أيام العرب الراجح حدوثها في إقليم عسير

وكبحث إلكتروني هدفه الأساسي القارئ العادي غير المختص ، فقد تعمدت ربط النقولات بالمراجع داخل البحث مباشرةً بدلاً من الإشارة لها مستقلة ، نظراً لما يحمله الموضوع من تناقض مع المسلمات الحالية لدينا ، ومن ثم ضرورة تقديم المعلومة بشكل أكثر موثوقية بمرجعيتها إلى أصولها في ذهن المتلقي ، كما قمت بالتلوين في النسخة المحملة على ملف pdfلتسهيل وصول الفكره إلى القارئ ، حيث اللون الأحمر يشير إلى الشاهد في النقل ، واللون الأزرق يمثل التعليق الشخصي من الكاتب داخل النقل .





الجزء الأول
تحديد إقليم عسير وأقسامه وانتماءها الجغرافي والتاريخي



إقليم عسير وتقسيمه الجغرافي

عسير محل الدراسة هو إسم حديث لإقليم من أقاليم الجزيرة العربية حددته الموسوعات والأطالس التي تناولت الجزيرة العربية منذ القرن الثالث عشر وحتى الآن بين الحجاز واليمن ونجد والبحر الأحمر ، وهو إقليم يمتد من حدود الطائف ومكة شمالاً وحتى حدود اليمن جنوباً بطول حوالي 750كم ومن تخوم الربع الخالي شرقاً وحتى البحر الأحمر غرباً بطول حوالي 400 كم .
وتنقسم عسير إلى جزئين رئيسيين متباينين في البيئة الجغرافية والمناخية وهما (تهامة) و(السراة) ويمكننا إعطاء نبذة عنهما فيما يلي :

1) تهامة : وتنقسم إلى قسمين هما :
أ‌) السهول الساحلية : وتمتد على طول ساحل البحر الأحمر من حدود الليث شمالاً وحتى شواطئ بيش جنوباً ومن ساحل البحر غرباً وحتى بداية جبال السروات في الشرق وهي مناطق دافئة ذات طابع ساحلي شبه استوائي يعمل السكان المجاورين للسواحل في الزراعة البعلية والصيد أما قبائل البادية التي تعيش إلى الشرق فتعمل في تربية الأغنام والجمال ومن مدنها جازان وصبيا وبيش والدرب والشقيق وخميس البحر والحريضة والقحمه والبرك وعمق والصوالحه وحلي والقوز والقنفذه والمظيلف وماوان .
ب‌) تهامة الجبلية (الصدر) : وهي المناطق الواقعة أسفل جبال السروات وفي الأصدار و الاودية والشعاب المنحدرة منها جهة الغرب ويتدرج أهلها ما بين بادية يعملون في تربية الماشية والإبل وحاضرة يعملون في الزراعه ومن أشهر مدنها الداير والفطيحه والشعبين والبتيله ومحائل وبارق والمجارده وسبت شمران والمخواة وقلوه ونمره .


2) السراة : وهي الهضبة المرتفعه فوق جبال السروات والتي تمتد شرقاً حتى تخوم صحراء الربع الخالي وتنقسم السراة جغرافياً حسب المفهوم المحلي إلى جزئين وهما :
أ‌) الشعوف (الحجاز): وهي عبارة عن شريط ضيق من الجبال المترابطة يمتد طولاً من الشمال للجنوب ويشكل السلسلة الجبلية المرتفعة المطله مباشرة على تهامة وتعتبر هذه المناطق العمود الفقري لإقليم عسير حيث الكثافة السكانية العالية والمراكز الحضارية الأكبر ، وهي مناطق باردة شتاءاً معتدلة مائلة للبرودة وممطرة صيفاً ، ويسكنها قبائل مستقرة يعمل جلهم في الزراعة وطابعها هو طابع المناطق الزراعية عامة إلا أن زراعتها تختلف عن بقية مناطق الجزيرة العربية حيث لا يعتمد السكان هنا على زراعة النخيل كأساس للزراعة بل يزرعون الحبوب والخضار وفواكه المناطق البارده كالخوخ والمشمش والرمان والتفاح والكمثرى والبخارى والتين والبرشومي وهي زراعتهم منذ أقدم العصور كما ذكر ذلك الرحاله الذين مروا بها كالهمداني وابن المجاور وغيرهم ، ومن مدنها أبها ، وخميس مشيط ، وأحد رفيده ، وسراة عبيده ، والحرجه ، وظهران الجنوب ، و صبح ، واثنين بللسمر ، وتنومه ، والنماص ، وسبت العلايا ، وباشوت ، وشرى ، وبلجرشي ، والباحه ، والمندق .
ب‌) السهول الشرقية : وتشكل السواد الأكبر من مساحة بلاد السراة ويسكنها أبناء البادية الذين يعملون في تربية الأغنام والجمال بالإضافة للقبائل المستقرة والتي تعمل في زراعة النخيل والتجارة ، ومن مدنها وادي بن هشبل ، والعرين ، وطريب ، والمضة ، والصبيخة ، وجاش ، وخيبر ، وبيشة ، وتثليث ، وتباله ، والقوباء وتخترقها أودية أهمها بيشه وترج وتباله .

إقليم عسير والتقسيم الحديث للجزيرة العربية
كما نلاحظ فإن عسير تحتل مساحة كبيره من الجزيرة العربيه حيث تبلغ مساحتها حوالي 300 ألف كيلو متراً مربعاً ، وهي تقع في جنوب الوسط للجزء الغربي من الجزيرة العربية ، ورغم تباين تضاريس ومناخ بيئات عسير في الغرب والوسط والشرق عن بعضها إلا أن أراضي هذا الإقليم على العموم تعتبر من أكثر أراضي الجزيرة العربية خصوبة وأوفرها مرعى وأكثرها مطراَ حيث معدل هطول الأمطار يقع ما بين 350 – 550 مل سنويا بينما يتراوح المعدل في بقية المناطق (ما عدا اليمن) بين 30- 90 مل سنوياً كما أن مناخها أكثر مناطق الجزيرة العربية اعتدالاً في الصيف خاصةً في الجزء السروي منها .
وفي مثل هذه الحالة فمن المؤكد أن لهذه المنطقة حضور قوي سياسياً وثقافياً وحضارياً في الجزيرة العربية عبر التاريخ يفوق بكثير ما نسب لهذه المنطقة في الكتب الحديثة التي عنيت بها حتى هذه اللحظة والتي اقتصرت في غالبها على قصص الشعراء الصعاليك أو أخبار شعراء وأعلام قبائلها الحالية مثل الأزد وخثعم وعنز ومذحج وغيرهم ، أو بعض القصص حول الهجرة العربية الأولى من اليمن إلى أو عبر بلاد السراة وما صاحبها ، أو أخبار الوفود التي توجهت للمدينة المنورة للدخول في الإسلام في عهد النبوة ، فلا شك أن ما احتضنته المنطقة من أحداث وأخبار يتجاوز ذلك بكثير ، ومن الملاحظ أننا عند البحث عن هذه المنطقة في المعروف من أقاليم الجزيرة العربية لنتمكن من كشف اللثام عن أحداثها وأخبارها عبر التاريخ فإن المشكلة الأولى التي ستواجهنا هي أن هنالك عدم وضوح في تعريف هذه المنطقة في التقسيم الجغرافي والتاريخي لأق
اليم الجزيرة العربية حسب المتعارف عليه في العصر الحديث حيث السائد أن أجزاء الجزيرة العربية والتي تعزى إليها معظم الأخبار والأحداث في جزيرة العرب هي نجد والحجاز والأحساء واليمن والمتعارف عليه أن الحجاز تمثل منطقتي مكة المكرمة والمدينة المنورة بجميع مدنها بينما نجد هي منطقتي الرياض والقصيم أما الأحساء فتشمل المنطقة الشرقية بينما اليمن هي دولتي اليمن وعمان حالياً ، فأين هذه المنطقة الإستراتيجية من هذا التقسيم مع أنها المنطقة الأكثر ملائمة للتواجد البشري ومن ثم الإنتاج الحضاري والثقافي المادي والمعنوي للحاضرة والبادية بل إنها المنطقة الأكثر كثافة سكانية بعد اليمن في كل أنحاء الجزيرة العربية ، فهل هي جزء من أحد هذه الأقاليم فاختزل ذكرها من خلال ذكره مثلاً .
إن التاريخ الحديث والذي تناول الجزيرة العربية منذ حوالي ثلاثمائة سنة حيث بدأ التوثيق يأخذ منحى أكثر أهمية وحتى الآن يذكر لنا بوضوح جلي أن منطقة عسير كانت إقليماً مستقلاً سياسياً وله حكماً مستقلاً محلياً وقد تداخل تاريخ هذه المنطقة مع تاريخ نجد في عهد الدولة السعودية الأولى ، ولكنه كان أكثر ميلاً إلى الاستقلال على امتداد فتراته بل وحتى عندما سقطت تحت الحكم العثماني فقد كان هذا الإقليم متصرفية تتبع الحكم العثماني مباشرةً مستقلةً عن اليمن وعن مكة وعن نجد وحكامها يعينون من الدولة العثمانية مباشرة ، وهذا ما تؤكده الوثائق العثمانية ويؤكده المعاصرون لتلك الفترة من مؤرخي المناطق المجاورة كاليمن مثل زباره والشوكاني ونجد مثل ابن بشر وابن غنام والحجاز مثل دحلان ومصر مثل الجبرتي والدولة العثمانية مثل سليمان شفيق باشا أو المستشرقين مثل بوركهارت وكورنواليس وتاميزيه وفيلبي وكذلك مؤرخوا نفس الإقليم مثل محمد وابراهيم الحفظي والبهكلي وعاكش .

ولكن ماذا عن القرون السابقة لهذه الفترة منذ فجر الإسلام ؟ .

يرى البعض أن أراضي إقليم عسير كانت جزء من اليمن ، وبالتالي فإنها لم تأخذ تعريفاً خاصاً بها لكونها جزء من أحد أقاليم الجزيرة العربية الكبرى .
مبدئياً ... فإن اليمن هي منبع العروبة ومقر الملوك العرب الأعظم والأقدم والأهم في التاريخ العربي ما قبل الإسلام ، واليمن هي الموقع الأكثر أثراً في نقش أثراً لأمة العرب في سجل الحضارات البشرية القديمة ما قبل الإسلام ، ولكن هل يمكن أن نقول بأن هذه المنطقة جزء من اليمن فعلاً ، ونسلم بأنه لا وجود لأخبارها إلا في التاريخ اليمني ؟ ..."خاصةً وأنه توجد إشارات في بعض المراجع بيمنية بعض حواضرها" مثل تبالة وجرش وبيشة ونجران والعقيق وتثليث ، ونكون بذلك قد حللنا اللغز ؟ .

قد يكون التسليم بذلك مسترشدين بهذه الإشارات ممكنا لولا أننا وجدنا أن الإشارة لليمن قد تجاوزت التخصيص ببلاد اليمن إلى أن أطلقت مجازاً على كل ما وقع إلى الجنوب عن من يطلقها ، فالمدينة المنورة ومكة المكرمة وكل تهامة والدرعية بل وكل اليمامة وهجر (وغيرها كثير) أطلق عليها اليمن ، ومن ذلك مثلاً ما ذكره الإمام ابن حجر من أن البعض قد حرفوا حديث النبي صلى الله عليه وسلم (الإيمان يمان والحكمة يمانية ) عن ظاهره فقالوا أن مكة من اليمن لأنها من تهامة وتهامة من اليمن ومن ثم فالمقصود بالحديث هو مكة المكرمة حيث نزل الوحي ، وقال آخرون أن المقصود باليمن المدينة المنورة ومكة المكرمة لأن الرسول (ص) قد ذكر ذلك وهو في تبوك حيث كانت مكة والمدينة إلى جهة اليمن عنه فذكر أن الإيمان يماني في إشارة لهما ، ونحن وإن كنا نعلم أن هذا التفسير قد انحرف عن المقصد الواضح للحديث من الناحية الفقهية كما أشار لذلك الإمام ابن حجر رحمه الله ، إلا أن هذا التفسير الخاطئ على درجة من الأهمية من الناحية التاريخية لبحثنا هذا ، فهو إشارة واضحة على أن كلمة اليمن لم تكن في المفهوم العام تدل على بلاد اليمن خاصة ، بل كانت تحمل الدلالة على كل ما كان إلى الجنوب ، ومن ذلك ما نجده في تاريخ ابن خلدون عندما أطلق على هجر التي تقع في الأحساء (باب اليمن) ، ومن ذلك أيضاً ما نجده لدى الكاتب الإنجليزي لويس دوكورانسي الذي كان يكتب عن الدعوة الوهابية أثناء وجوده في العراق حيث اعتبر الدرعية في اليمن وكان يتحدث عن بلاد اليمامة على أنها من اليمن على امتداد صفحات كتابه ، ولا شك أن المقصود في هذا وفي كل ما سلف ليس بلاد اليمن على وجه التحديد بل هو الجهة اليمانية ، وهنالك الكثير جداً من الأمثلة على مثل هذه الإشارات إلى مواقع عده في وسط وشمال وجنوب الجزيرة العربية ليس المجال لسردها هنا ، ونكتفي بما ذكرناه من أمثله لكفايتها في الدلالة على المقصد .
ومما تقدم فإننا نجد صعوبة في التأكيد على إنتماء أي المناطق التي وصفت في بعض المراجع بيمنيتها إلى بلاد اليمن مستندين على هذه الإشارات فقط وذلك بسبب وجود الخلط بين الإشارة إلى اليمن كبلاد وبين الإشارة لها كجهة الجنوب ، ومن ثم فنحن بحاجةٍ للرجوع إلى المراجع التاريخية اليمنية ذاتها لمعرفة مدى وجود ذكر لهذه المنطقة أو أي حواضرها كجزء من