ن الأحوال الاجتماعية والتجارية وقت ذاك، والأمر كذلك بالنسبة إلى حملة "إليوس جالليوس" -الآنفة الذكر- حيث قدم لنا وصف شاهد عيان لها، فضلا عن معلومات جديدة عن بلاد العرب التي مرت بها الحملة، وأخيرًا فعلينا أن نسجل أن "سترابو" كان كاتبًا مرحًا لا تعوزه المهارة.
وأما "أجاثار خيدس السفودي" -الجغرافي المؤرخ من القرن الثاني قبل الميلاد- فهو لم يستطع أن يتجنب الاستعانة "بهيرودوت" على نطاق واسع، وإن انساق وراء جمهرة نقاده، وأما موسوعة "Historia Naturaiis" لـ "بليني الأكبر" "32-79"ق. م" فتجميع ضخم لقدامى المؤلفين، وقد نالت بلاد العرب والشرق نصيبًا من اهتمامه وهناك مؤرخ يوناني مجهول، وضع كتابًا سماه "الطواف حول البحر الأرتيري" وصف فيه رحلته في البحر الأحمر وسواحل بلاد العرب الجنوبية، وقد اختلف الباحثون في التأريخ لهذا الكتاب، فهو قد كتب في الفترة "50-60" على رأي، وفي حوالي عام 75م على رأي آخر، وفي عام 80م على رأي ثالث، وفي حوالي عام 106م على رأي رابع، وفي النصف الأول من القرن الثالث الميلادي على رأي خامس.
وأخيرًا هناك "كلوديوس بتولمايوس" الذي أخرج كتابه في الجغرافية حوالي عام 150م، والمعروف باسم "جغرافية بطليموس" وقد جمع فيه بتولمايوس "1380165م" معلومات كثيرة عن بلاد العرب، فقسم الأقاليم حسب درجات الطول والعرض، كما زينه بخرائط تصور وجهة نظر العلم إلى العالم في عصره، ويشير العلماء إلى أن معلوماته عن حضرموت تشير إلى أن مصدره -ولعله تاجرًا أو مبعوثًا رومانيًّا- ربما قد أقام فترة في "شبوة"، ذلك لأن وصف "بتولمايوس" للأودية وللأماكن هناك يشير إلى معرفة بها، والأمر جد مختلف بالنسبة إلى "سبأ" التي لم تكن معلوماته، عنها تتفق ومستوى معلوماته عن حضرموت.
ثالثًا: الكتابات المسيحية.
وترجع أهمية هذه الكتابات إلى أنها تؤرخ لانتشار المسيحية في بلاد العرب، وللقبائل العربية نفسها، فضلا عن علاقة العرب بالفرس واليونان، كما أنها تربط الأحداث بالمجامع الكنسية وبتاريخ القديسين، ومن ثم فقد حصلنا على تواريخ ثابتة، الأمر الذي افتقدناه إلى حد كبير في المصادر السابقة، على أنه يجب أن نلاحظ أن هذه الكتابات دينية، أكثر منها تاريخية، ومن هنا فقد غلبت عليها الصبغة النصرانية.
ولعل من أشهر هذه الكتابات مؤلفات "يوسبيوس" "264-349م" والذي كان واحدًا من آباء الكنيسة البارزين في عصره، وأول مؤرخ كنسي يعتد به، حتى لقب "بأبي التاريخ الكنيسي" وبـ"هيرودوت النصارى"، وقد ولد في فلسطين، وربما في قيصرية التي كان أسقفا لها، وقد ساعدته صلاته بالإمبراطور قسطنطين "306-337م" وبرؤساء الكنيسة وكبار رجال الدولة إلى أن يعرف الكثير من الأسرار، وإلى أن يطلع على المخطوطات والوثائق الثمينة، ومن ثم فقد أفاد منها فائدة كبيرة في مؤلفاته التاريخية.
وهناك كذلك "بروكبيوس" "المتوفى عام 563م"، والذي يعد المؤرخ الكنسي لعصر جستنيان "527-565م" المليء بالأحداث ومما يجعل مادته التاريخية موضع ثقة أن بعضها مستقى من المرويات الشفهية، وأغلبها نتيجة معلوماته الشخصية، فقد عين في عام 267م سكرتيرًا خاصًا ومستشارًا قانونيًّا للقائد الروماني "بليساريوس" وصحبه في حملاته في آسيا وأفريقية وإيطاليا، كما عين عضوًا في مجلس الشيوخ الروماني وقد تحدث في كتابه "تاريخ الحروب" عن المعارك التي دارت بين الغساسنة واللخميين، فضلا عن غزو الأحباش لليمن في الجاهلية.
هناك كتاب نشره المستشرق "كارل موللر" لمؤلف مجهول، واسمه "Giaucys" يبحث في آثار بلاد العرب، هذا بالإضافة إلى ما جاء بشأن العرب في المخطوطات السريانية المحفوظة في المتحف البريطاني، فضلا عن كتابات المؤرخين النصارى -من روم وسريان- والذين عاشوا على أيام الأمويين والعباسيين، وقد كتبوا عن العرب في الجاهلية والإسلام فأمدونا بمعلومات لا نجدها في المصادر الإسلامية، وبخاصة عن انتشار المسيحية في بلاد العرب، وعن علاقة الروم بالعرب والفرس.
ثالثًا: المصادر العربية.
1- القرآن الكريم:
القرآن الكريم كتاب الله، الذي: {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} ، نزل على مولانا وسيدنا رسول الله -صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ- منجما في ثلاث وعشرين سنة، حسب الحوادث ومقتضى الحال، وكانت الآيات والسور تدون ساعة نزولها، إذ كان المصطفى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا ما نزلت عليه آية أو آيات قال: "ضعها في مكان كذا ... من سورة كذا"، فقد ورد أن جبريل -عليه السلام- كان ينزل بالآية أو الآيات على النبي، فيقول له: يا محمد: إن الله يأمرك أن تضعها على رأس كذا من سورة كذا"، ولهذا اتفق العلماء على أن جمع القرآن "توقيفي" بمعنى أن ترتيبه بهذه الطريقة التي نراه عليها اليوم في المصاحف، إنما هو بأمر ووحي من الله".
وهكذا تمر الأيام بالرسول الكريم -صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ- وهو على هذا العهد، يأتيه الوحي نجمًا بعد نجم، كتاب الوحي يسجلونه آي
وأما "أجاثار خيدس السفودي" -الجغرافي المؤرخ من القرن الثاني قبل الميلاد- فهو لم يستطع أن يتجنب الاستعانة "بهيرودوت" على نطاق واسع، وإن انساق وراء جمهرة نقاده، وأما موسوعة "Historia Naturaiis" لـ "بليني الأكبر" "32-79"ق. م" فتجميع ضخم لقدامى المؤلفين، وقد نالت بلاد العرب والشرق نصيبًا من اهتمامه وهناك مؤرخ يوناني مجهول، وضع كتابًا سماه "الطواف حول البحر الأرتيري" وصف فيه رحلته في البحر الأحمر وسواحل بلاد العرب الجنوبية، وقد اختلف الباحثون في التأريخ لهذا الكتاب، فهو قد كتب في الفترة "50-60" على رأي، وفي حوالي عام 75م على رأي آخر، وفي عام 80م على رأي ثالث، وفي حوالي عام 106م على رأي رابع، وفي النصف الأول من القرن الثالث الميلادي على رأي خامس.
وأخيرًا هناك "كلوديوس بتولمايوس" الذي أخرج كتابه في الجغرافية حوالي عام 150م، والمعروف باسم "جغرافية بطليموس" وقد جمع فيه بتولمايوس "1380165م" معلومات كثيرة عن بلاد العرب، فقسم الأقاليم حسب درجات الطول والعرض، كما زينه بخرائط تصور وجهة نظر العلم إلى العالم في عصره، ويشير العلماء إلى أن معلوماته عن حضرموت تشير إلى أن مصدره -ولعله تاجرًا أو مبعوثًا رومانيًّا- ربما قد أقام فترة في "شبوة"، ذلك لأن وصف "بتولمايوس" للأودية وللأماكن هناك يشير إلى معرفة بها، والأمر جد مختلف بالنسبة إلى "سبأ" التي لم تكن معلوماته، عنها تتفق ومستوى معلوماته عن حضرموت.
ثالثًا: الكتابات المسيحية.
وترجع أهمية هذه الكتابات إلى أنها تؤرخ لانتشار المسيحية في بلاد العرب، وللقبائل العربية نفسها، فضلا عن علاقة العرب بالفرس واليونان، كما أنها تربط الأحداث بالمجامع الكنسية وبتاريخ القديسين، ومن ثم فقد حصلنا على تواريخ ثابتة، الأمر الذي افتقدناه إلى حد كبير في المصادر السابقة، على أنه يجب أن نلاحظ أن هذه الكتابات دينية، أكثر منها تاريخية، ومن هنا فقد غلبت عليها الصبغة النصرانية.
ولعل من أشهر هذه الكتابات مؤلفات "يوسبيوس" "264-349م" والذي كان واحدًا من آباء الكنيسة البارزين في عصره، وأول مؤرخ كنسي يعتد به، حتى لقب "بأبي التاريخ الكنيسي" وبـ"هيرودوت النصارى"، وقد ولد في فلسطين، وربما في قيصرية التي كان أسقفا لها، وقد ساعدته صلاته بالإمبراطور قسطنطين "306-337م" وبرؤساء الكنيسة وكبار رجال الدولة إلى أن يعرف الكثير من الأسرار، وإلى أن يطلع على المخطوطات والوثائق الثمينة، ومن ثم فقد أفاد منها فائدة كبيرة في مؤلفاته التاريخية.
وهناك كذلك "بروكبيوس" "المتوفى عام 563م"، والذي يعد المؤرخ الكنسي لعصر جستنيان "527-565م" المليء بالأحداث ومما يجعل مادته التاريخية موضع ثقة أن بعضها مستقى من المرويات الشفهية، وأغلبها نتيجة معلوماته الشخصية، فقد عين في عام 267م سكرتيرًا خاصًا ومستشارًا قانونيًّا للقائد الروماني "بليساريوس" وصحبه في حملاته في آسيا وأفريقية وإيطاليا، كما عين عضوًا في مجلس الشيوخ الروماني وقد تحدث في كتابه "تاريخ الحروب" عن المعارك التي دارت بين الغساسنة واللخميين، فضلا عن غزو الأحباش لليمن في الجاهلية.
هناك كتاب نشره المستشرق "كارل موللر" لمؤلف مجهول، واسمه "Giaucys" يبحث في آثار بلاد العرب، هذا بالإضافة إلى ما جاء بشأن العرب في المخطوطات السريانية المحفوظة في المتحف البريطاني، فضلا عن كتابات المؤرخين النصارى -من روم وسريان- والذين عاشوا على أيام الأمويين والعباسيين، وقد كتبوا عن العرب في الجاهلية والإسلام فأمدونا بمعلومات لا نجدها في المصادر الإسلامية، وبخاصة عن انتشار المسيحية في بلاد العرب، وعن علاقة الروم بالعرب والفرس.
ثالثًا: المصادر العربية.
1- القرآن الكريم:
القرآن الكريم كتاب الله، الذي: {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} ، نزل على مولانا وسيدنا رسول الله -صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ- منجما في ثلاث وعشرين سنة، حسب الحوادث ومقتضى الحال، وكانت الآيات والسور تدون ساعة نزولها، إذ كان المصطفى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا ما نزلت عليه آية أو آيات قال: "ضعها في مكان كذا ... من سورة كذا"، فقد ورد أن جبريل -عليه السلام- كان ينزل بالآية أو الآيات على النبي، فيقول له: يا محمد: إن الله يأمرك أن تضعها على رأس كذا من سورة كذا"، ولهذا اتفق العلماء على أن جمع القرآن "توقيفي" بمعنى أن ترتيبه بهذه الطريقة التي نراه عليها اليوم في المصاحف، إنما هو بأمر ووحي من الله".
وهكذا تمر الأيام بالرسول الكريم -صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ- وهو على هذا العهد، يأتيه الوحي نجمًا بعد نجم، كتاب الوحي يسجلونه آي
ة بعد آية، حتى إذا ما كمل التنزيل، وانتقل الرسول الأعظم إلى الرفيق الأعلى، كان القرآن كله مسجلا في صحف، -وإن كانت مفرقة لم يكونوا قد جمعوها فيما بين الدفتين، ولم يلزموا القراء توالي سورها- وكذا في صدور الحفاظ من الصحابة، رضوان الله عليهم، هؤلاء الصفوة من أمة محمد النبي المختار، والذين كانوا يتسابقون إلى تلاوة القرآن ومدارسته، ويبذلون قصارى جهدهم لاستظهاره وحفظه، ويعلمونه أولادهم وزوجاتهم في البيوت.
ومن هنا كان حفاظ القرآن الكريم في حياة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- لا يحصون، وتلك -وايم الله- عناية من الرحمن خاصة بهذا القرآن العظيم، حين يسره للحفظ، {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِر} ، فكتب له الخلود وحماه من التحريف والتبديل، وصانه من أن يتطرق الضياع إلى شيء منه، عن طريق حفظه في السطور، وحفظه في الصدور، مصداقًا لقوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ، لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} وقوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} ، وقوله تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ، فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ}.
وليس هناك من شك في أن القرآن الكريم، كمصدر تاريخي، أصدق المصادر وأصحها على الإطلاق، فهو موثوق السند -كما بينا آنفًا- ثم هو قبل ذلك وبعده كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ومن ثم فلا سبيل إلى الشك في صحة نصه بحال من الأحوال، لأنه ذو وثاقة تاريخية لا تقبل الجدل، فقد دون في البداية بإملاء الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتلي فيما بعد أمامه وحمل تصديقه النهائي قبل وفاته، ولأن القصص القرآني إنما هو أنباء وأحداث تاريخية، لم تلتبس بشيء من الخيال، ولم يدخل عليها شيء غير الواقع، ثم إن الله -سبحانه وتعالى -قد تعهد- كما أشرنا آنفًا- بحفظه دون تحريف أو تبديل، ومن ثم فلم يصبه ما أصاب الكتب الماضية من التحريف والتبديل وانقطاع السند، حيث لم يتكفل الله بحفظها، بل وكلها إلى حفظ الناس، فقال تعالى: "والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله"، أي بما طلب إليهم حفظه.
غير أني أود أن أنبه -بعد أن أستغفر الله العظيم كثيرًا- إلى أن القرآن الكريم لم ينزل كتابًا في التاريخ، يتحدث عن أخبار الأمم، كما يتحدث عنها المؤرخون، وإنما هو كتاب هداية وإرشاد للتي هي أقوم، أنزله الله سبحانه وتعالى ليكون دستورًا للمسلمين، ومنهاجًا يسيرون عليه في حياتهم، يدعوهم إلى التوحيد، وإلى تهذيب النفوس، وإلى وضع مبادئ للأخلاق، وميزان للعدالة في الحكم، واستنباط لبعض الأحكام، فإذا ما عرض لحادثة تاريخية، فإنما للعبرة والعظة.
إلا أن القرآن الكريم -مع ذلك- إنما يقدم لنا معلومات مهمة عن عصور ما قبل الإسلام، وأخبار دولها، أيدتها الكشوف الحديثة كل التأييد، كما أننا نجد في كتاب الله الكريم سورة كاملة تحمل اسم مملكة في جنوب شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام -وأعني بها سورة سبأ- هذا إلى أن القرآن الكريم قد انفرد -دون غيره من الكتب السماوية- بذكر أقوام عربية بادت، كقوم عاد وثمود، فضلا عن قصة أصحاب الكهف وسيل العرم، وقصة أصحاب الأخدود، إلى جانب قصة أصحاب الفيل، وهجرة الخليل وولده إسماعيل، عليهما السلام، إلى الأرض الطاهرة في الحجاز، ثم إقامة إسماعيل هناك.
على أنه يجب علينا أن نلاحظ أنه رغم أن هدف القرآن من قصصه، ليس التأريخ لهذا القصص، وإنما عبرًا تفرض الاستفادة بما حل بالسابقين، ومع ذلك فيجب أن لا يغيب عن بالنا -دائمًا وأبدًا- أن هذا القصص، إن هو إلا الحق الصراح، وصدق الله العظيم حيث يقول: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً} ، ويقول: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ} ويقول: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ} ، ويقول: {وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ} ، ويقول: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ} ويقول: {تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ}.
2- الحديث:
الحديث هو ما ورد عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من قول أو فعل أو تقرير، وللحديث مكانة كبرى في الدين تلي مرتبة القرآن الكريم مباشرة، وصدق رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- حيث يقول: "تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما بعدي أبدًا، كتاب الله وسنتي" ، والحديث الشريف مفسر للقرآن الكريم، ذلك أن كثيرًا من آيات الذكر الحكيم مجملة أو مطلقة أو عامة، فجاء رسول الله -صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ- فبينها أو قيدها أو خصصها، قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} 4. وقال تع
ومن هنا كان حفاظ القرآن الكريم في حياة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- لا يحصون، وتلك -وايم الله- عناية من الرحمن خاصة بهذا القرآن العظيم، حين يسره للحفظ، {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِر} ، فكتب له الخلود وحماه من التحريف والتبديل، وصانه من أن يتطرق الضياع إلى شيء منه، عن طريق حفظه في السطور، وحفظه في الصدور، مصداقًا لقوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ، لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} وقوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} ، وقوله تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ، فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ}.
وليس هناك من شك في أن القرآن الكريم، كمصدر تاريخي، أصدق المصادر وأصحها على الإطلاق، فهو موثوق السند -كما بينا آنفًا- ثم هو قبل ذلك وبعده كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ومن ثم فلا سبيل إلى الشك في صحة نصه بحال من الأحوال، لأنه ذو وثاقة تاريخية لا تقبل الجدل، فقد دون في البداية بإملاء الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتلي فيما بعد أمامه وحمل تصديقه النهائي قبل وفاته، ولأن القصص القرآني إنما هو أنباء وأحداث تاريخية، لم تلتبس بشيء من الخيال، ولم يدخل عليها شيء غير الواقع، ثم إن الله -سبحانه وتعالى -قد تعهد- كما أشرنا آنفًا- بحفظه دون تحريف أو تبديل، ومن ثم فلم يصبه ما أصاب الكتب الماضية من التحريف والتبديل وانقطاع السند، حيث لم يتكفل الله بحفظها، بل وكلها إلى حفظ الناس، فقال تعالى: "والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله"، أي بما طلب إليهم حفظه.
غير أني أود أن أنبه -بعد أن أستغفر الله العظيم كثيرًا- إلى أن القرآن الكريم لم ينزل كتابًا في التاريخ، يتحدث عن أخبار الأمم، كما يتحدث عنها المؤرخون، وإنما هو كتاب هداية وإرشاد للتي هي أقوم، أنزله الله سبحانه وتعالى ليكون دستورًا للمسلمين، ومنهاجًا يسيرون عليه في حياتهم، يدعوهم إلى التوحيد، وإلى تهذيب النفوس، وإلى وضع مبادئ للأخلاق، وميزان للعدالة في الحكم، واستنباط لبعض الأحكام، فإذا ما عرض لحادثة تاريخية، فإنما للعبرة والعظة.
إلا أن القرآن الكريم -مع ذلك- إنما يقدم لنا معلومات مهمة عن عصور ما قبل الإسلام، وأخبار دولها، أيدتها الكشوف الحديثة كل التأييد، كما أننا نجد في كتاب الله الكريم سورة كاملة تحمل اسم مملكة في جنوب شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام -وأعني بها سورة سبأ- هذا إلى أن القرآن الكريم قد انفرد -دون غيره من الكتب السماوية- بذكر أقوام عربية بادت، كقوم عاد وثمود، فضلا عن قصة أصحاب الكهف وسيل العرم، وقصة أصحاب الأخدود، إلى جانب قصة أصحاب الفيل، وهجرة الخليل وولده إسماعيل، عليهما السلام، إلى الأرض الطاهرة في الحجاز، ثم إقامة إسماعيل هناك.
على أنه يجب علينا أن نلاحظ أنه رغم أن هدف القرآن من قصصه، ليس التأريخ لهذا القصص، وإنما عبرًا تفرض الاستفادة بما حل بالسابقين، ومع ذلك فيجب أن لا يغيب عن بالنا -دائمًا وأبدًا- أن هذا القصص، إن هو إلا الحق الصراح، وصدق الله العظيم حيث يقول: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً} ، ويقول: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ} ويقول: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ} ، ويقول: {وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ} ، ويقول: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ} ويقول: {تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ}.
2- الحديث:
الحديث هو ما ورد عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من قول أو فعل أو تقرير، وللحديث مكانة كبرى في الدين تلي مرتبة القرآن الكريم مباشرة، وصدق رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- حيث يقول: "تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما بعدي أبدًا، كتاب الله وسنتي" ، والحديث الشريف مفسر للقرآن الكريم، ذلك أن كثيرًا من آيات الذكر الحكيم مجملة أو مطلقة أو عامة، فجاء رسول الله -صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ- فبينها أو قيدها أو خصصها، قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} 4. وقال تع
الى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} ، ومن هنا كان الحديث الشريف هو المصدر الثاني للشريعة الإسلامية، ثم هو أصدق المصادر التاريخية- بعد القرآن الكريم- لمعرفة التاريخ العربي القديم في عصوره القريبة من الإسلام بالذات.
وليس من شك في أن كتب الحديث وشروحها- رغم أنها مصدر فقهي أكثر منه تاريخي -مورد غني من الموارد الأساسية لتدوين أخبار الجاهلية فيما قبيل الإسلام، على أن الغريب من الأمر أن مؤرخي تلك الفترة قد تجاهلوا هذا المنهل الغزير، وبخاصة فيما يتصل بتاريخ عرب الحجاز، إلى حد كبير، ومن ثم فقد خسروا واحدًا من أهم وأصدق مصادر التاريخ العربي القديم.
3- التفسير:
نزل القرآن الكريم بلغة العرب، وعلى أساليب العرب وكلامهم، يقول تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عربيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} ، وهذا أمر طبيعي لأنه أتى يدعو العرب -بادئ ذي بدء- ثم الناس كافة، إلى الإسلام، ومن ثم فلا بد أن يكون بلغة يفهمونها: تصديقًا لقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ}.
ورغم أن القرآن الكريم نزل بلسان عربي، وفي بيئة عربية كانت تفاخر من نواحي الحضارة بفن القول، فإنه لم يكن كله في متناول الصحابة جميعًا، يستطيعون أن يفهموه -إجمالا وتفصيلا- بمجرد أن يسمعوه، لأن العرب- كما يقول ابن قتيبة- لا تستوي في المعرفة بجميع ما في القرآن من الغريب والمتشابه، بل إن بعضها يفضل في ذلك على بعض.
إلا أن هذا لا يمنعنا من القول بأن الصحابة على العموم كانوا أقدر الناس على فهم القرآن، لأنه نزل بلغتهم، ولأنهم شاهدوا الظروف التي نزل فيها، ومع ذلك فقد اختلفوا في الفهم حسب اختلافهم في أدوات الفهم، وذلك لأسباب، منها:
"أولًا" أنهم كانوا يعرفون العربية على تفاوت فيما بينهم، وإن كانت العربية لغتهم.
"ثانيًا" أن منهم من كان يلازم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- ويقيم بجانبه، ويشاهد الأسباب التي دعت إلى نزول الآية، ومنهم من ليس كذلك.
"ثالثًا" اختلافهم في معرفة عادات العرب في أقوالهم وأفعالهم، فمن عرف عادات العرب في الحج في الجاهلية، استطاع أن يعرف آيات الحج في القرآن الكريم، أكثر من غيره ممن لم يعرف.
وهكذا نشأ علم التفسير لفهم القرآن وتدبره، ولتبيان ما أوجز فيه، أو ما أشير إليه إشارات غامضة، أو لما غمض علينا من تشابيهه واستعاراته، وألفاظه أو لشرح أحكامه، وقد نشأ علم التفسير هذا في عصر الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فكان النبي أول المفسرين له، ثم تابعه أصحابه من بعده، على أساس أنهم الواقفون على أسراره، المهتدون بهدي النبي -عليه الصلاة والسلام- ولعل أشهر المفسرين من الصحابة الإمام علي- كرم الله وجهه ورَضِيَ اللَّهُ عَنْه- وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن مسعود.
وفي عصر التابعين تضخم التفسير بالإسرائيليات والنصرانيات، لسبب أو لآخر مما دفع الإمام أحمد بن حنبل إلى أن يقول كلمته المشهورة: "ثلاثة ليس لها أصل، التفسير والملاحم والمغازي" أي ليس لها إسناد، لأن الغالب عليها المراسيل، وإلى أن يقول الإمام ابن تيمية: "والموضوعات في كتب التفسير كثيرة".
ومع ذلك، ورغم هذه الشوائب، فالذي لا شك فيه أن كتب التفسير تحتوي على ثروة تاريخية قيمة، تفيد المؤرخ في تدوين التاريخ العربي القديم، وتشرح ما جاء مجملا في القرآن العظيم، وتبسط ما كان عالقًا بأذهان الناس عن الأيام التي سبقت عصر الإسلام، وتحكي ما سمعوه عن القبائل العربية البائدة، التي ذكرت على وجه الإجمال في القرآن الكريم، وما ورد عندهم من أحكام وآراء ومعتقدات.
4- كتب السير والمغازي:
وتعتبر هذه الكتب من المصادر المساعدة في التاريخ العربي القديم؛ ذلك لأن كُتاب السير والمغازي إنما كانوا يعرضون لذكر العرب الجاهليين والأنبياء السابقين، ويفصلون القول في نسب الرسول الكريم -صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ- وفي أخبار مكة وقريش، ومن يتصل بهما من أفراد وقبائل، كما كانت هذه الكتب تشتمل على الكثير من الشعر الجاهلي الذي كان يستخدمه كتاب السير والمغازي في الاستشهاد على ما يكتبون أو يتحدثون عنه.
ولعل أشهر كتب سيرة مولانا وسيدنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- هو كتاب ابن هشام، وهو أول كتاب عربي وصل إلينا يؤرخ لسيرة نبي الإسلام الأعظم- وكذا لتاريخ العرب قبل الإسلام- وقد اعتمد صاحبه "أبو محمد عبد الله بن هشام، المتوفى "213/ 828 أو 218/ 834"، على الرواية الشفوية، فضلا عن كتب ضاعت، لعل أهمها كتاب "ابن إسحاق" "م150/ 151، 767/ 768"، الذي كان أول من ألف في سيرة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بناء على طلب الخليفة العباسي المنصور "754-775م"، - واستحق بذلك تسمية ابن خلدون له "بالأستاذ"، إلا أن هناك من سبقه في التأليف في المغازي، من أمثال "عروة بن الزبير" "م124/ 742" و"شرحبيل بن سعد"، وهناك كذلك الواقدي "130/ 747 - 206/ 821
وليس من شك في أن كتب الحديث وشروحها- رغم أنها مصدر فقهي أكثر منه تاريخي -مورد غني من الموارد الأساسية لتدوين أخبار الجاهلية فيما قبيل الإسلام، على أن الغريب من الأمر أن مؤرخي تلك الفترة قد تجاهلوا هذا المنهل الغزير، وبخاصة فيما يتصل بتاريخ عرب الحجاز، إلى حد كبير، ومن ثم فقد خسروا واحدًا من أهم وأصدق مصادر التاريخ العربي القديم.
3- التفسير:
نزل القرآن الكريم بلغة العرب، وعلى أساليب العرب وكلامهم، يقول تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عربيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} ، وهذا أمر طبيعي لأنه أتى يدعو العرب -بادئ ذي بدء- ثم الناس كافة، إلى الإسلام، ومن ثم فلا بد أن يكون بلغة يفهمونها: تصديقًا لقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ}.
ورغم أن القرآن الكريم نزل بلسان عربي، وفي بيئة عربية كانت تفاخر من نواحي الحضارة بفن القول، فإنه لم يكن كله في متناول الصحابة جميعًا، يستطيعون أن يفهموه -إجمالا وتفصيلا- بمجرد أن يسمعوه، لأن العرب- كما يقول ابن قتيبة- لا تستوي في المعرفة بجميع ما في القرآن من الغريب والمتشابه، بل إن بعضها يفضل في ذلك على بعض.
إلا أن هذا لا يمنعنا من القول بأن الصحابة على العموم كانوا أقدر الناس على فهم القرآن، لأنه نزل بلغتهم، ولأنهم شاهدوا الظروف التي نزل فيها، ومع ذلك فقد اختلفوا في الفهم حسب اختلافهم في أدوات الفهم، وذلك لأسباب، منها:
"أولًا" أنهم كانوا يعرفون العربية على تفاوت فيما بينهم، وإن كانت العربية لغتهم.
"ثانيًا" أن منهم من كان يلازم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- ويقيم بجانبه، ويشاهد الأسباب التي دعت إلى نزول الآية، ومنهم من ليس كذلك.
"ثالثًا" اختلافهم في معرفة عادات العرب في أقوالهم وأفعالهم، فمن عرف عادات العرب في الحج في الجاهلية، استطاع أن يعرف آيات الحج في القرآن الكريم، أكثر من غيره ممن لم يعرف.
وهكذا نشأ علم التفسير لفهم القرآن وتدبره، ولتبيان ما أوجز فيه، أو ما أشير إليه إشارات غامضة، أو لما غمض علينا من تشابيهه واستعاراته، وألفاظه أو لشرح أحكامه، وقد نشأ علم التفسير هذا في عصر الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فكان النبي أول المفسرين له، ثم تابعه أصحابه من بعده، على أساس أنهم الواقفون على أسراره، المهتدون بهدي النبي -عليه الصلاة والسلام- ولعل أشهر المفسرين من الصحابة الإمام علي- كرم الله وجهه ورَضِيَ اللَّهُ عَنْه- وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن مسعود.
وفي عصر التابعين تضخم التفسير بالإسرائيليات والنصرانيات، لسبب أو لآخر مما دفع الإمام أحمد بن حنبل إلى أن يقول كلمته المشهورة: "ثلاثة ليس لها أصل، التفسير والملاحم والمغازي" أي ليس لها إسناد، لأن الغالب عليها المراسيل، وإلى أن يقول الإمام ابن تيمية: "والموضوعات في كتب التفسير كثيرة".
ومع ذلك، ورغم هذه الشوائب، فالذي لا شك فيه أن كتب التفسير تحتوي على ثروة تاريخية قيمة، تفيد المؤرخ في تدوين التاريخ العربي القديم، وتشرح ما جاء مجملا في القرآن العظيم، وتبسط ما كان عالقًا بأذهان الناس عن الأيام التي سبقت عصر الإسلام، وتحكي ما سمعوه عن القبائل العربية البائدة، التي ذكرت على وجه الإجمال في القرآن الكريم، وما ورد عندهم من أحكام وآراء ومعتقدات.
4- كتب السير والمغازي:
وتعتبر هذه الكتب من المصادر المساعدة في التاريخ العربي القديم؛ ذلك لأن كُتاب السير والمغازي إنما كانوا يعرضون لذكر العرب الجاهليين والأنبياء السابقين، ويفصلون القول في نسب الرسول الكريم -صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ- وفي أخبار مكة وقريش، ومن يتصل بهما من أفراد وقبائل، كما كانت هذه الكتب تشتمل على الكثير من الشعر الجاهلي الذي كان يستخدمه كتاب السير والمغازي في الاستشهاد على ما يكتبون أو يتحدثون عنه.
ولعل أشهر كتب سيرة مولانا وسيدنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- هو كتاب ابن هشام، وهو أول كتاب عربي وصل إلينا يؤرخ لسيرة نبي الإسلام الأعظم- وكذا لتاريخ العرب قبل الإسلام- وقد اعتمد صاحبه "أبو محمد عبد الله بن هشام، المتوفى "213/ 828 أو 218/ 834"، على الرواية الشفوية، فضلا عن كتب ضاعت، لعل أهمها كتاب "ابن إسحاق" "م150/ 151، 767/ 768"، الذي كان أول من ألف في سيرة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بناء على طلب الخليفة العباسي المنصور "754-775م"، - واستحق بذلك تسمية ابن خلدون له "بالأستاذ"، إلا أن هناك من سبقه في التأليف في المغازي، من أمثال "عروة بن الزبير" "م124/ 742" و"شرحبيل بن سعد"، وهناك كذلك الواقدي "130/ 747 - 206/ 821
أو 207/ 823" ومحمد بن سعد، صاحب "الطبقات الكبرى" "م230/ 845"، والذي أخذ كثيرًا عن الواقدي حتى حتى كان يسمى أحيانًا بكاتب الواقدي.
5- الأدب الجاهلي:
ليس هناك من شك في أن أيام العرب في الجاهلية تعتبر مصدرًا خصبًا من مصادر التاريخ، وينبوعًا صافيًا من ينابيع الأدب ونوعًا طريفًا من أنواع القصص، بما اشتملت عليه من الوقائع والأحداث، وما روي في أثنائها من شعر ونثر وما اشتملت عليه من مأثور الحكم وبارع الحيل، ومصطفى القول، ورائع الكلام، فهي توضح شيئًا من الصلات التي كانت قائمة بين العرب وغيرهم من الأمم كالفرس والروم، وتروي كثيرًا مما كان يقع بين العرب أنفسهم من خلاف، بل إنها سبيل لفهم ما وقع بين العرب بعد الإسلام من حروب شجرت بين القبائل، ووقائع كانت بين البطون والأفخاذ والعشائر.
ثم هي في أسلوبها القصصي وبيانها الفني مرآة صادقة لأحوال العرب وعاداتهم وأسلوب حياتهم، وشأنهم في الحرب والسلم، والاجتماع والفرقة، والفداء والأسر، والنجعة والاستقرار، وهي أيضًا مرآة صافية تظهر فيها فضائلهم وشيمهم، كالدفاع عن الحريم والوفاء بالعهد، والانتصار للعشيرة وحماية الجار، والصبر في القتال والصدق عند اللقاء، وغير هذا مما نراه واضحًا في تلك الأيام.
ولو نظرت إلى الشعر الجاهلي في جملته وتفصيله، وبخاصة ما كان في الفخر والحماسة، والرثاء والهجاء، فإنك تجده قد ارتبط بتلك الأيام، فبينما كان الفوارس يناضلون بسيوفهم ورماحهم، ويجودون بنفوسهم رخيصة في سبيل أقوامهم، كان الشعراء من ورائهم يدفعون عن الأحساب بقصيدهم، ويطلقون ألسنتهم في خصومهم وأعدائهم، ويندبون بقوافيهم صرعاهم، والقتلى من أشرافهم وزعمائهم.
ترى ذلك في شعر الأعشى وعنترة وابن حلزة وعامر بن الطفيل وقيس بن الأسلت وقيس بن الحطيم، وعبد يغوث ومهلهل بن ربيعة والخنساء وصخر ومعاوية ابني عمرو وحسان بن ثابت، وغيرهم ممن ظهر أثر الأيام في شعرهم من قريب أو بعيد والشعر الجاهلي دون شك مصدر من مصادر تاريخ العرب قبل الإسلام، وقديمًا قالوا: "إن الشعر ديوان العرب" يعنون بذلك أنه سجلٌ سُجِلَتْ فيه أخلاقهم وعاداتهم ودياناتهم وعقليتهم، وإن شئت فقل إنهم سجلوا فيه أنفسهم، كما نستطيع أن نستدل به على شبه جزيرة العرب، وما فيها من بلاد وجبال ووديان وسهول ونبات وحيوان، فضلا عن عقيدة القوم في الجن وفي الأصنام وفي الخرافات.
وهكذا يروي ابن سيرين عن الفاروق عمر بن الخطاب -رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وأرضاه- قوله: "كان الشعر علم قوم لم يكن لهم علم أصح منه" وقريب من هذا ما يروى عن "عكرمة" -تلميذ ابن عباس ومولاه- أنه ما سمع ابن عباس يفسر آية من كتاب الله عَزَّ وَجَلَّ، إلا ونزع فيها بيتًا من الشعر، وأنه كان يقول: إذا أعياكم تفسير آية من كتاب الله فاطلبوه في الشعر، فإنه ديوان العرب، به حفظت الأنساب، وعرفت المآثر، ومنه تعلمت اللغة، وهو حجة فيما أشكل من غريب كتاب الله، وغريب حديث رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وغريب حديث صحابته والتابعين.
ومن ثم فقد أصبحت كتب الأدب من المصادر المهمة في التاريخ العربي القديم، ففيها ثروة أدبية قيمة، قد لا نجد لها مثيلا في كتب التاريخ، وإن ما جاء بها عن ملوك الحيرة والغساسنة وكندة، أكثر مما جاء في كتب التاريخ، بل هو أحسن منه عرضًا وصفاءً، وأكثر منه دقة، ويدل عرضه بالأسلوب الأدبي المعروف على أنه مستمد من موارد عربية خالصة، لم يعكر صفوها شوائب من إسرائيليات ونصرانيات، فضلا عن أنه قد أخذ من أفواه شهود عيان، شهدوا ما تحدثوا عنه، بل نستطيع أن نذهب بعيدًا، فنقول أن كثيرًا من الأخبار ماتت لموت الشعر الذي قيل في مناسبتها، في أن حين أخبارًا خلقت خلقًا لأن ما قيل فيها من شعر كان سببًا في بقائها، ومن ثم فقد أصبح الشعر سببًا في تخليد الأخبار، لسهولة حفظه، ولاضطرار رواته إلى قص المناسبة التي قيل فيها.
على أن للأدب -كمصدر تاريخي- عيوبًا، منها:
"أولًا" أنه لا يرجع إلى أكثر من عصر الجاهلية، وهو جزء من عصر ما قبل الإسلام، يقدر له زمنًا يتراوح بين قرن ونصف، وقرنين ونصف قبل ظهور الإسلام مباشرة، بينما يقدر العلماء لعصور ما قبل الإسلام مدة ربما تتجاوز العشرين قرنًا، تمتد من حوالي 1500ق. م، إلى عام 610م.
"ثانيًا" أن أكثر ما روي لنا منه إنما قد عني فيه بالمختارات أكبر عناية، وهم في هذا ينظرون إليها نظرة الأديب، لا نظرة المؤرخ، فالقصيد التي لم يحكم نسجها، ولم تهذب ألفاظها، ولم يصح وزنها، قد يعجب بها المؤرخ، أكثر من إعجابه بالقصة الكاملة من جميع نواحيها، ويرى فيها دلالة على الحياة العقلية، أكثر من قصيدة راقية.
"ثالثًا" أن الشعر الجاهلي لا يتحدث عن التاريخ السياسي، بقدر ما يتحدث عن التاريخ الديني والاجتماعي.
"رابعًا" أن الشعر الجاهلي قد تعرض للضياع بتركه يتناقل على ألسنة الرواة شفاها نحو قرنين من الزمان، إلى أن دون في تاريخ متأخر، حتى أن "أبا عمرو بن العلاء" يقول: "ما انتهى إليكم مما قالت العرب إلا أقله، ولو جاءكم وافرًا لجاءكم
5- الأدب الجاهلي:
ليس هناك من شك في أن أيام العرب في الجاهلية تعتبر مصدرًا خصبًا من مصادر التاريخ، وينبوعًا صافيًا من ينابيع الأدب ونوعًا طريفًا من أنواع القصص، بما اشتملت عليه من الوقائع والأحداث، وما روي في أثنائها من شعر ونثر وما اشتملت عليه من مأثور الحكم وبارع الحيل، ومصطفى القول، ورائع الكلام، فهي توضح شيئًا من الصلات التي كانت قائمة بين العرب وغيرهم من الأمم كالفرس والروم، وتروي كثيرًا مما كان يقع بين العرب أنفسهم من خلاف، بل إنها سبيل لفهم ما وقع بين العرب بعد الإسلام من حروب شجرت بين القبائل، ووقائع كانت بين البطون والأفخاذ والعشائر.
ثم هي في أسلوبها القصصي وبيانها الفني مرآة صادقة لأحوال العرب وعاداتهم وأسلوب حياتهم، وشأنهم في الحرب والسلم، والاجتماع والفرقة، والفداء والأسر، والنجعة والاستقرار، وهي أيضًا مرآة صافية تظهر فيها فضائلهم وشيمهم، كالدفاع عن الحريم والوفاء بالعهد، والانتصار للعشيرة وحماية الجار، والصبر في القتال والصدق عند اللقاء، وغير هذا مما نراه واضحًا في تلك الأيام.
ولو نظرت إلى الشعر الجاهلي في جملته وتفصيله، وبخاصة ما كان في الفخر والحماسة، والرثاء والهجاء، فإنك تجده قد ارتبط بتلك الأيام، فبينما كان الفوارس يناضلون بسيوفهم ورماحهم، ويجودون بنفوسهم رخيصة في سبيل أقوامهم، كان الشعراء من ورائهم يدفعون عن الأحساب بقصيدهم، ويطلقون ألسنتهم في خصومهم وأعدائهم، ويندبون بقوافيهم صرعاهم، والقتلى من أشرافهم وزعمائهم.
ترى ذلك في شعر الأعشى وعنترة وابن حلزة وعامر بن الطفيل وقيس بن الأسلت وقيس بن الحطيم، وعبد يغوث ومهلهل بن ربيعة والخنساء وصخر ومعاوية ابني عمرو وحسان بن ثابت، وغيرهم ممن ظهر أثر الأيام في شعرهم من قريب أو بعيد والشعر الجاهلي دون شك مصدر من مصادر تاريخ العرب قبل الإسلام، وقديمًا قالوا: "إن الشعر ديوان العرب" يعنون بذلك أنه سجلٌ سُجِلَتْ فيه أخلاقهم وعاداتهم ودياناتهم وعقليتهم، وإن شئت فقل إنهم سجلوا فيه أنفسهم، كما نستطيع أن نستدل به على شبه جزيرة العرب، وما فيها من بلاد وجبال ووديان وسهول ونبات وحيوان، فضلا عن عقيدة القوم في الجن وفي الأصنام وفي الخرافات.
وهكذا يروي ابن سيرين عن الفاروق عمر بن الخطاب -رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وأرضاه- قوله: "كان الشعر علم قوم لم يكن لهم علم أصح منه" وقريب من هذا ما يروى عن "عكرمة" -تلميذ ابن عباس ومولاه- أنه ما سمع ابن عباس يفسر آية من كتاب الله عَزَّ وَجَلَّ، إلا ونزع فيها بيتًا من الشعر، وأنه كان يقول: إذا أعياكم تفسير آية من كتاب الله فاطلبوه في الشعر، فإنه ديوان العرب، به حفظت الأنساب، وعرفت المآثر، ومنه تعلمت اللغة، وهو حجة فيما أشكل من غريب كتاب الله، وغريب حديث رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وغريب حديث صحابته والتابعين.
ومن ثم فقد أصبحت كتب الأدب من المصادر المهمة في التاريخ العربي القديم، ففيها ثروة أدبية قيمة، قد لا نجد لها مثيلا في كتب التاريخ، وإن ما جاء بها عن ملوك الحيرة والغساسنة وكندة، أكثر مما جاء في كتب التاريخ، بل هو أحسن منه عرضًا وصفاءً، وأكثر منه دقة، ويدل عرضه بالأسلوب الأدبي المعروف على أنه مستمد من موارد عربية خالصة، لم يعكر صفوها شوائب من إسرائيليات ونصرانيات، فضلا عن أنه قد أخذ من أفواه شهود عيان، شهدوا ما تحدثوا عنه، بل نستطيع أن نذهب بعيدًا، فنقول أن كثيرًا من الأخبار ماتت لموت الشعر الذي قيل في مناسبتها، في أن حين أخبارًا خلقت خلقًا لأن ما قيل فيها من شعر كان سببًا في بقائها، ومن ثم فقد أصبح الشعر سببًا في تخليد الأخبار، لسهولة حفظه، ولاضطرار رواته إلى قص المناسبة التي قيل فيها.
على أن للأدب -كمصدر تاريخي- عيوبًا، منها:
"أولًا" أنه لا يرجع إلى أكثر من عصر الجاهلية، وهو جزء من عصر ما قبل الإسلام، يقدر له زمنًا يتراوح بين قرن ونصف، وقرنين ونصف قبل ظهور الإسلام مباشرة، بينما يقدر العلماء لعصور ما قبل الإسلام مدة ربما تتجاوز العشرين قرنًا، تمتد من حوالي 1500ق. م، إلى عام 610م.
"ثانيًا" أن أكثر ما روي لنا منه إنما قد عني فيه بالمختارات أكبر عناية، وهم في هذا ينظرون إليها نظرة الأديب، لا نظرة المؤرخ، فالقصيد التي لم يحكم نسجها، ولم تهذب ألفاظها، ولم يصح وزنها، قد يعجب بها المؤرخ، أكثر من إعجابه بالقصة الكاملة من جميع نواحيها، ويرى فيها دلالة على الحياة العقلية، أكثر من قصيدة راقية.
"ثالثًا" أن الشعر الجاهلي لا يتحدث عن التاريخ السياسي، بقدر ما يتحدث عن التاريخ الديني والاجتماعي.
"رابعًا" أن الشعر الجاهلي قد تعرض للضياع بتركه يتناقل على ألسنة الرواة شفاها نحو قرنين من الزمان، إلى أن دون في تاريخ متأخر، حتى أن "أبا عمرو بن العلاء" يقول: "ما انتهى إليكم مما قالت العرب إلا أقله، ولو جاءكم وافرًا لجاءكم
علم وشعر كثير.
"خامسًا" أن معظم ما وصلنا من الشعر الجاهلي، إنما كان من عمل البدو، وليس من عمل الحضر، ومن ثم فهو يمثل البادية أكثر ما يمثل الحاضرة.
"سادسًا" أن هناك مجالا للظن -على خلاف الشائع- أن العلماء قد خففوا -مدفوعين بالعامل الديني- من الطابع الوثني في بعض القصائد، كما أن الإفراط في الحرص على صحة اللغة وصفائها في أوساط البصرة قد أدى إلى إجراء بعض التصحيحات في الآثار المروية.
"سابعًا" أنه حتى هذا الشعر القليل الذي وصل إلينا توجه إليه سهام الريب من كل جانب، وليس بالوسع القول بأنه يرقى إلى ما فوق مظان الشبهات، ذلك أن كثيرًا من الرواة قد تجرأ عليه بالنحل، إما بنقل شيء من قائل إلى قائل، وأما بوضع شيء منه على ألسنة الشعراء.
ذلك أنه في عام 1864م تناول "تيودور نولدكه" الموضوع لأول مرة، مشيرا إلى الشكوك التي يثيرها مظهر الشعر الجاهلي، وفي عام 1872م عاد "إهلوارد" إلى الموضوع مرة أخرى، دون تجديد فيه، وإن عرضه بدقة لم يتوصل إليها سلفه، خرج منها إلى أن عددًا قليلا من القصائد هو الصحيح، وأما غالبيتها فالشك فيها محتوم لا مناص منه، ثم جاء بعد ذلك "موير" و"باسيه" و"ليال" و"بروكلمان" فوافقوا على آراء "نولدكه" و"إهلوارد"، وإن زاد الشك كثيرًا عن كليمان هوارت".
وفي عام 1925م، جاء "مرجليوث" وأصدر بحثًا له تحت عنوان "أصول الشعر العربي"، رجَّح فيه أن هذا الشعر الذي نقرأه على أنه شعر جاهلي، إنما هو من نتاج العصور الإسلامية، ثم نحله الوضاعون لشعراء جاهليين، وتابع "ليفي ديلا فيدا" مرجليوث في دعواه، وذهب إلى أن العرب حينما نسوا في القرن الثاني والثالث بعد الهجرة، ما كانوا يذكرونه عن التاريخ الجاهلي، حاول اللغويون والإخباريون أن يملئوا الفجوات، فزيفوا ما لم يجدوه في الوثائق الحقيقية، ومن ثم فقد رأى هذا الفريق من المستشرقين أن الأدب التاريخي العربي، ليس أوثق من القصص التاريخي، وأن أكثر الشعر موضوع، وبالتالي فليس من المستطاع اتخاذهما أساسًا نبني عليه فهمًا صحيحًا لما كان يحدث في بلاد العرب في العصر الجاهلي.
وأما الأدباء العرب، فلعل أسبقهم في هذا المجال إنما هو "الرافعي" في كتابه "تاريخ آداب العرب" الذي صدر في عام 1911م، ثم جاء الدكتور طه حسين، وذهب إلى أن الكثرة المطلقة مما نسميه أدبًا جاهليًّا، ليست من الجاهلية في شيء وإنما هي منحولة بعد ظهور الإسلام، فهي إسلامية تمثل حياة المسلمين، وميولهم وأهواءهم، أكثر مما تمثل حياة الجاهليين، وأن هذا الشعر الذي ينسب إلى "امرئ القيس" أو إلى "الأعشى" أو إلى غيرهما من الشعراء الجاهليين لا يمكن أن يكون من الوجهة اللغوية والفنية لهؤلاء الشعراء، ولا أن يكون قد قيل أو أذيع قبل نزول القرآن الكريم.
وعلى أي حال، فإن قضية الشعر الجاهلي قضية معروفة في جميع كتب الأدب القديم، وأن القدامى قد سبقوا المحدثين إلى القول بأن كثيرًا من الشعر الجاهلي موضوع مختلق، يروي "ابن الجمحي" أن أول من جمع أشعار العرب، وساق أحاديثها، إنما هو "حماد الراوية" "م155/ 772"، وكان غير موثوق به، كان ينحل شعر الرجل غيره، ويزيد في الأشعار، وأن تلميذه "خلف الأحمر" قد سار على منواله، وربما كان السبب فيما فعلاه- حماد وخلف- حرص الأعاجم مثلهما، على إظهار مقدرتهم أمام العرب في نظم قصائد ومقطوعات تفوق في أصالتها تلك التي ارتجلها الجاهليون، وهكذا يبدو من صنيع الرجلين مبلغ الشك في عملية جمع النصوص الشعرية.
على أن الأستاذ العقاد، إنما ينكر التزييف تمامًا، ويرى أنه ما من قارئ للأدب يسيغ القول بوجود طائفة من الرواة يلفقون أشعار الجاهلية، كما وصلت إلينا، ويفلحون في ذلك التلفيق، إذ معنى ذلك:
"أولًا" أن هؤلاء الرواة قد بلغوا من الشاعرية ذروتها التي بلغها، امرؤ القيس والنابغة وطرفة وعنترة وزهير وغيرهم من فحول الشعر في الجاهلية.
"ثانيًا" أنهم مقتدرون على توزيع الأساليب على حسب الأمزجة والأعمار والملكات الأدبية، فينظمون بمزاج الشاب طرفة، ومزاج الشيخ زهير، ومزاج العربيد الغزِل امرئ القيس، ومزاج الفارس المقدام عنترة بن شداد، ويتحرون لكل واحد مناسباته النفسية والتاريخية، ويجمعون له القصائد على نمط واحد في الديوان الذي ينسب إليه.
"ثالثًا" أن هذه القدرة توجد عند الرواة، ولا توجد عند أحد من الشعراء، ثم يفرط الرواة في سمعتها، وهم على هذا العلم بقيمة الشعر الأصيل، وما من ناقد يسيغ هذا الفرض ببرهان، فضلا عن إساغته بغير برهان، ولغير سبب، إلا أن يتوهم ويعزز التوهم بالتخمين، وأن تصديق النقائض الجاهلية جميعًا لأهون من تصديق هذه النقيضة التي يضيق بها الحس، ويضيق بها الخيال.
هذا فضلا عن أن هناك إشارات إلى جمع قديم للشعر، فهناك رواية حماد التي تذهب إلى أن ملك الحيرة "النعمان بن المنذر" قد أمر فنسخت له أشعار العرب، وأن "المختار بن أبي عبيد الثقفي" قد اكتشفها في قصر النعمان، وأن "الفرزدق" كان يملك ديوان الشاعر، "زهير بن أبي سلمى".
ومع ذلك، فإن هناك وجهًا آخر للنظر، وهو أن الشعر المزيف ي
"خامسًا" أن معظم ما وصلنا من الشعر الجاهلي، إنما كان من عمل البدو، وليس من عمل الحضر، ومن ثم فهو يمثل البادية أكثر ما يمثل الحاضرة.
"سادسًا" أن هناك مجالا للظن -على خلاف الشائع- أن العلماء قد خففوا -مدفوعين بالعامل الديني- من الطابع الوثني في بعض القصائد، كما أن الإفراط في الحرص على صحة اللغة وصفائها في أوساط البصرة قد أدى إلى إجراء بعض التصحيحات في الآثار المروية.
"سابعًا" أنه حتى هذا الشعر القليل الذي وصل إلينا توجه إليه سهام الريب من كل جانب، وليس بالوسع القول بأنه يرقى إلى ما فوق مظان الشبهات، ذلك أن كثيرًا من الرواة قد تجرأ عليه بالنحل، إما بنقل شيء من قائل إلى قائل، وأما بوضع شيء منه على ألسنة الشعراء.
ذلك أنه في عام 1864م تناول "تيودور نولدكه" الموضوع لأول مرة، مشيرا إلى الشكوك التي يثيرها مظهر الشعر الجاهلي، وفي عام 1872م عاد "إهلوارد" إلى الموضوع مرة أخرى، دون تجديد فيه، وإن عرضه بدقة لم يتوصل إليها سلفه، خرج منها إلى أن عددًا قليلا من القصائد هو الصحيح، وأما غالبيتها فالشك فيها محتوم لا مناص منه، ثم جاء بعد ذلك "موير" و"باسيه" و"ليال" و"بروكلمان" فوافقوا على آراء "نولدكه" و"إهلوارد"، وإن زاد الشك كثيرًا عن كليمان هوارت".
وفي عام 1925م، جاء "مرجليوث" وأصدر بحثًا له تحت عنوان "أصول الشعر العربي"، رجَّح فيه أن هذا الشعر الذي نقرأه على أنه شعر جاهلي، إنما هو من نتاج العصور الإسلامية، ثم نحله الوضاعون لشعراء جاهليين، وتابع "ليفي ديلا فيدا" مرجليوث في دعواه، وذهب إلى أن العرب حينما نسوا في القرن الثاني والثالث بعد الهجرة، ما كانوا يذكرونه عن التاريخ الجاهلي، حاول اللغويون والإخباريون أن يملئوا الفجوات، فزيفوا ما لم يجدوه في الوثائق الحقيقية، ومن ثم فقد رأى هذا الفريق من المستشرقين أن الأدب التاريخي العربي، ليس أوثق من القصص التاريخي، وأن أكثر الشعر موضوع، وبالتالي فليس من المستطاع اتخاذهما أساسًا نبني عليه فهمًا صحيحًا لما كان يحدث في بلاد العرب في العصر الجاهلي.
وأما الأدباء العرب، فلعل أسبقهم في هذا المجال إنما هو "الرافعي" في كتابه "تاريخ آداب العرب" الذي صدر في عام 1911م، ثم جاء الدكتور طه حسين، وذهب إلى أن الكثرة المطلقة مما نسميه أدبًا جاهليًّا، ليست من الجاهلية في شيء وإنما هي منحولة بعد ظهور الإسلام، فهي إسلامية تمثل حياة المسلمين، وميولهم وأهواءهم، أكثر مما تمثل حياة الجاهليين، وأن هذا الشعر الذي ينسب إلى "امرئ القيس" أو إلى "الأعشى" أو إلى غيرهما من الشعراء الجاهليين لا يمكن أن يكون من الوجهة اللغوية والفنية لهؤلاء الشعراء، ولا أن يكون قد قيل أو أذيع قبل نزول القرآن الكريم.
وعلى أي حال، فإن قضية الشعر الجاهلي قضية معروفة في جميع كتب الأدب القديم، وأن القدامى قد سبقوا المحدثين إلى القول بأن كثيرًا من الشعر الجاهلي موضوع مختلق، يروي "ابن الجمحي" أن أول من جمع أشعار العرب، وساق أحاديثها، إنما هو "حماد الراوية" "م155/ 772"، وكان غير موثوق به، كان ينحل شعر الرجل غيره، ويزيد في الأشعار، وأن تلميذه "خلف الأحمر" قد سار على منواله، وربما كان السبب فيما فعلاه- حماد وخلف- حرص الأعاجم مثلهما، على إظهار مقدرتهم أمام العرب في نظم قصائد ومقطوعات تفوق في أصالتها تلك التي ارتجلها الجاهليون، وهكذا يبدو من صنيع الرجلين مبلغ الشك في عملية جمع النصوص الشعرية.
على أن الأستاذ العقاد، إنما ينكر التزييف تمامًا، ويرى أنه ما من قارئ للأدب يسيغ القول بوجود طائفة من الرواة يلفقون أشعار الجاهلية، كما وصلت إلينا، ويفلحون في ذلك التلفيق، إذ معنى ذلك:
"أولًا" أن هؤلاء الرواة قد بلغوا من الشاعرية ذروتها التي بلغها، امرؤ القيس والنابغة وطرفة وعنترة وزهير وغيرهم من فحول الشعر في الجاهلية.
"ثانيًا" أنهم مقتدرون على توزيع الأساليب على حسب الأمزجة والأعمار والملكات الأدبية، فينظمون بمزاج الشاب طرفة، ومزاج الشيخ زهير، ومزاج العربيد الغزِل امرئ القيس، ومزاج الفارس المقدام عنترة بن شداد، ويتحرون لكل واحد مناسباته النفسية والتاريخية، ويجمعون له القصائد على نمط واحد في الديوان الذي ينسب إليه.
"ثالثًا" أن هذه القدرة توجد عند الرواة، ولا توجد عند أحد من الشعراء، ثم يفرط الرواة في سمعتها، وهم على هذا العلم بقيمة الشعر الأصيل، وما من ناقد يسيغ هذا الفرض ببرهان، فضلا عن إساغته بغير برهان، ولغير سبب، إلا أن يتوهم ويعزز التوهم بالتخمين، وأن تصديق النقائض الجاهلية جميعًا لأهون من تصديق هذه النقيضة التي يضيق بها الحس، ويضيق بها الخيال.
هذا فضلا عن أن هناك إشارات إلى جمع قديم للشعر، فهناك رواية حماد التي تذهب إلى أن ملك الحيرة "النعمان بن المنذر" قد أمر فنسخت له أشعار العرب، وأن "المختار بن أبي عبيد الثقفي" قد اكتشفها في قصر النعمان، وأن "الفرزدق" كان يملك ديوان الشاعر، "زهير بن أبي سلمى".
ومع ذلك، فإن هناك وجهًا آخر للنظر، وهو أن الشعر المزيف ي
صح أن يكون ممثلا للحياة العقلية الجاهلية، متى كان المزيف عالمًا بفنون الشعر، خبيرًا بأساليبه، ومن ثم فنحن نستطيع إذن أن نتقبل الشعر الجاهلي كله- الثابت والمشكوك فيه- على أنه من مصادر الحياة في الجاهلية، لأن الذين وضعوا ذلك القدر من الشعر الجاهلي قد حرصوا على أن يقلدوا خصائص الجاهليين اللغوية والمعنوية، واللفظية، وهكذا يظل هذا الشعر المنحول يدل على ما يدل عليه الشعر الثابت، من تصوير للحياة في بلاد العرب قبل الإسلام.
6- كتب اللغة:
تعتبر كتب اللغة من مصادر الحياة في الجاهلية؛ ذلك لأن اللغة العربية التي نكتب بها وننظم إنما هي من نتاج العصر الجاهلي، فهي من أجل ذلك لا تزال تدل بمفرادتها على أوجه الحياة والحضارة الجاهلية، هذا فضلا عن أن القاموس العربي ليس للمفردات اللغوية فحسب، بل هو في الحقيقة يجمع المفردات اللغوية والمعارف الجغرافية والتاريخية والعلمية والفنية، ومن ثم فقد كانت كتب اللغة -ومعاجمها بصفة خاصة- مصادر مهمة للحياة في الجاهلية.
وربما كان من الأهمية بمكان أن نشير هنا إلى أنه ربما لم تظفر لغة من اللغات بما ظفرت به اللغة العربية من ثراء في المعاجم وتنوع في مناهجها وطرق تبويبها، وأما قواميس العرب، فلعل أهمها، القاموس المحيط للفيروزآبادي، ولسان العرب لابن منظور، وتاج العروس للمرتضى الزبيدي، والصحاح للجوهري.
7- كتب التاريخ والجغرافية:
لعل من الأمور الغريبة أن المؤرخين الإسلاميين قد انصرفوا عن تدوين التاريخ الجاهلي -ولا سيما القديم منه- وحين فعلوا لم تكن كتاباتهم إلا مقدمات لتواريخهم المفصلة والدقيقة للعصر الإسلامي، وحتى هذه المقدمات لم تكن مفصلة ولا دقيقة، ذلك لأنهم لم يعتمدوا فيها على سند مدون، أو يأخذوها من نص مكتوب، وإنما كان عمادهم في ذلك أفواه الرجال، وهو أمر لا يمكن الاطمئنان إليه، ذلك أن رواة الأخبار، حتى إن كانوا بعيدين عن الميول والأهواء، وحتى إن كانوا من أصحاب الملكات التي تستطيع التمييز بين الغث والسمين، فإن للذاكرة آمادًا لا تستطيع تجاوزها.
لقد تحدث أهل الأخبار عن عاد وثمود وطسم وجديس وجرهم وغيرهم من الأمم البائدة، وتكلموا عن المباني القديمة وعن جن سليمان وأسلحته، ورووا شعرًا ونثرًا نسبوه إلى الأمم المذكورة، وإلى التبابعة، بل نسبوا شعرًا إلى آدم، وزعموا أنه قاله حين حزن على ولده وأسف على فقده، ونسبوا شعرًا إلى إبليس، قالوا أنه نظمه في الرد على شعر آدم المذكور، وأنه أسمعه آدم بصوته دون أن يراه، ورووا أشياء أخرى كثيرة من هذه القبيل يصعب تصديقها مما جعل تاريخهم-للأسف- أقرب إلى القصص الشعبي منه إلى التاريخ الصحيح.
كان مؤرخو العرب يعتمدون في تأريخهم للعصور السابقة على الإسلام على الأدب العربي وعلى بعض آثار اليمن، حيث كان هناك من يزعم -صدقًا أو كذبًا- أنه بمستطيع أن يقرأ خط المسند، هذا إلى جانب اعتمادهم كذلك على بعض كتابات النصارى التي وجدت في الأديرة والكنائس في العراق والشام، وعلى ما تلقفوه من أفواه اليهود في اليمن والحجاز وغيرها، ومن أهم هذه الكتابات، كتاب أخبار اليمن لعبيد بن شريه الجرهمي، والذي كتب في أخريات أيام معاوية بن أبي سفيان "41/ 60هـ-661/ 680م"، وكتاب التيجان في ملوك حمير لوهب بن منبه "م110/ 728" وكتاب الإكليل وصفة جزيرة العرب للهمداني "م340/ 951" وكتاب الأصنان لابن الكلبي "م204/ 819" وكتاب سني ملوك الأرض والأنبياء لحمزة الأصفهاني، وكتاب ملوك حمير وأقيال اليمن لنشوان بن سعيد الحميري "م573هـ"
6- كتب اللغة:
تعتبر كتب اللغة من مصادر الحياة في الجاهلية؛ ذلك لأن اللغة العربية التي نكتب بها وننظم إنما هي من نتاج العصر الجاهلي، فهي من أجل ذلك لا تزال تدل بمفرادتها على أوجه الحياة والحضارة الجاهلية، هذا فضلا عن أن القاموس العربي ليس للمفردات اللغوية فحسب، بل هو في الحقيقة يجمع المفردات اللغوية والمعارف الجغرافية والتاريخية والعلمية والفنية، ومن ثم فقد كانت كتب اللغة -ومعاجمها بصفة خاصة- مصادر مهمة للحياة في الجاهلية.
وربما كان من الأهمية بمكان أن نشير هنا إلى أنه ربما لم تظفر لغة من اللغات بما ظفرت به اللغة العربية من ثراء في المعاجم وتنوع في مناهجها وطرق تبويبها، وأما قواميس العرب، فلعل أهمها، القاموس المحيط للفيروزآبادي، ولسان العرب لابن منظور، وتاج العروس للمرتضى الزبيدي، والصحاح للجوهري.
7- كتب التاريخ والجغرافية:
لعل من الأمور الغريبة أن المؤرخين الإسلاميين قد انصرفوا عن تدوين التاريخ الجاهلي -ولا سيما القديم منه- وحين فعلوا لم تكن كتاباتهم إلا مقدمات لتواريخهم المفصلة والدقيقة للعصر الإسلامي، وحتى هذه المقدمات لم تكن مفصلة ولا دقيقة، ذلك لأنهم لم يعتمدوا فيها على سند مدون، أو يأخذوها من نص مكتوب، وإنما كان عمادهم في ذلك أفواه الرجال، وهو أمر لا يمكن الاطمئنان إليه، ذلك أن رواة الأخبار، حتى إن كانوا بعيدين عن الميول والأهواء، وحتى إن كانوا من أصحاب الملكات التي تستطيع التمييز بين الغث والسمين، فإن للذاكرة آمادًا لا تستطيع تجاوزها.
لقد تحدث أهل الأخبار عن عاد وثمود وطسم وجديس وجرهم وغيرهم من الأمم البائدة، وتكلموا عن المباني القديمة وعن جن سليمان وأسلحته، ورووا شعرًا ونثرًا نسبوه إلى الأمم المذكورة، وإلى التبابعة، بل نسبوا شعرًا إلى آدم، وزعموا أنه قاله حين حزن على ولده وأسف على فقده، ونسبوا شعرًا إلى إبليس، قالوا أنه نظمه في الرد على شعر آدم المذكور، وأنه أسمعه آدم بصوته دون أن يراه، ورووا أشياء أخرى كثيرة من هذه القبيل يصعب تصديقها مما جعل تاريخهم-للأسف- أقرب إلى القصص الشعبي منه إلى التاريخ الصحيح.
كان مؤرخو العرب يعتمدون في تأريخهم للعصور السابقة على الإسلام على الأدب العربي وعلى بعض آثار اليمن، حيث كان هناك من يزعم -صدقًا أو كذبًا- أنه بمستطيع أن يقرأ خط المسند، هذا إلى جانب اعتمادهم كذلك على بعض كتابات النصارى التي وجدت في الأديرة والكنائس في العراق والشام، وعلى ما تلقفوه من أفواه اليهود في اليمن والحجاز وغيرها، ومن أهم هذه الكتابات، كتاب أخبار اليمن لعبيد بن شريه الجرهمي، والذي كتب في أخريات أيام معاوية بن أبي سفيان "41/ 60هـ-661/ 680م"، وكتاب التيجان في ملوك حمير لوهب بن منبه "م110/ 728" وكتاب الإكليل وصفة جزيرة العرب للهمداني "م340/ 951" وكتاب الأصنان لابن الكلبي "م204/ 819" وكتاب سني ملوك الأرض والأنبياء لحمزة الأصفهاني، وكتاب ملوك حمير وأقيال اليمن لنشوان بن سعيد الحميري "م573هـ"
#اليمن_تاريخ_وثقافة
#تاريخ_صنعاء
صنعاء و قصر غمدان .
أدى الإنتشار و التفخيذ لقبائل قحطان إلى تكوين بني قحطان من خلال أجيال كثيرة و فترة زمنية طويلة ، و قد عامر بنو قحطان خلال التكوين إخوانهم العرب من القبائل و منهم ( العمالقة و كنعان و أشوذ و لاوذ و فاران و أميم و عبد ضخم و بني مطر و غيرهم ..)
اقترن بداية العصر البرونزي بوحدة قبائل بني قحطان بزعامة يعرب يمن بن قحطان و كان من أعاظم الملوك كما ذكر ابن خلدون ، وهو الذي ملك بلاد اليمن و اسماها على اسمه يمن بعد التوحيد ، وغلب قوم عاد العمالقة في الحجاز و ولي جرهم بن قحطان على الحجاز و حضرموت بن قحطان على جبال الشحر و حضرموت ، وعُمان بن قحطان على عُمان و سميت بإسمه . " وهم ليسوا أبناء قحطان مباشرين إنما هم من سلالته "
ولي يعرب أخوته على جميع أعمال و مقاطعات اليمن الثلاثة عشر منهم أزال بن قحطان الذي قام ببناء مدينة أزال ، فبنيت على سفح جبل نُقم بين الجبلين نقم و عيبان .
و تدل القرائن أن أزال أخو يعرب بن قحطان و بناها في أوئل الحضارة البرونزية و التي شهدت تطورًا هاما حيث أصبحت المدينة الثانية الرئيسة و مقرًا للملوك و تم تشيد البيت غمدان فيها و ذلك في عصر دولة سبأ الأقدم و ذكرت أزال في أنباء أربعة ملوك حكموا الألف الثاني ق.م. منهم :
الملك وائل بن حمير :
هو الملك وائل بن حمير بن عبدالشمس ملك سبأ ، قال ابن خلدون " مَلك عبد شمس و بنى مدينة سبأ و سد مأرب ، وهلك قبل أن يتم بناءه فأكمله بعده ابنه الملك حمير و حكم و قيل هو أول من تتوج بذهب ، ثم ملك بعده ابنه وائل بن حمير و تغلب على أخوه مالك بن حمير على عُمان ، و اتخذ الملك وائل مدينة أزال مقراً له و هو أول من فعل من الملوك ذلك .
عاش النبي إبراهيم عليه السلام مدى عمر هؤلاء الثلاثة ( عبد شمس و حمير و وائل ) و يبدوا أن الملك وائل إنتقل إلى أزال بعد أن خرج عليه أخيه مالك ، فاتخذها مقرا لأنها في وسط اليمن و قاد منها الحرب ضد أخيه .. و كان الملك ابنه الضحكاك بن سكسك يحكم معه و نائب له .
يقول الهمداني " مدينة صنعاء أم اليمن و قطبها لأنها في الوسط بينها و بين عدن كما بينها و بين حد اليمن من أرض نجد و الحجاز ، و كان اسمها أزال "
و قد ولى الملك وائل ابن أخيه نجران بن زيدان على منطقة نجران و به سميت البلد كما يقول ابن خلدون .
الملك الضحكاك بن سكسك بن وائل بن حمير :
و هو الذي قام ببناء قصر غمدان البناء الأول ، و سماه على اسم كوكب الزهرة كما دلت النقوش ، قال ابن خلدون " قصر غمدان بن الضحكاك و حجت إليه الأمم " و قال الرازي أول حجر و ضع في غمدان بناه شراحيل الحميري و بنى القصر بعد آل شرح يخضب بألف عام . أصبحت أزال في عهد الضحكاك مدينة دينية و عاصمة و مقرًا لعبادة الآلهة مثل ( عثتار - و حوريس ) و كان غمدان آن ذلك دار عبادة .. مات الضحكاك و استمرت أزال مدينة رئيسية و مقرا للعبادة عدة قرون .
الملك شداد بن شمس بن عاد بن الملطاط بن الضحكاك :
جاء ذكر غمدان في عهد الملك شداد وكان من عظماء ملوك حمير و عاصر الحموراي ملك بابل و سار لمناصرته إلى بابل و أشور . يقول الهمداني : " عاد شداد و لم يدخل غمدان إنما اتجه إلى مأرب و بنى فيها القصر العتيق ، فلم يدع في اليمن من جواهر و عقيق و لا بأرض بابل و أرسل يجمع فجمع أنواع جواهر الدنيا من الذهب و الفضة و النحاس و الرصاص ، فبنى فيها و رصعه بجميع ذلك و جعل في أرضه زجاجا أحمرا و أبيض و جعل تحتها أسرابا أفاض إليها ماء السد ، فكان القصر لم يكن مثله في الدنيا .. ثم مات الملك و دفن في مغارة بجبل شبام .
الملك الحارث بن الرائش بن آل شداد :
جاء ذكر غمدان و مدينة أزال في عهد الملك الحارث و هو أول ملوك سبأ التتابعة و كان في عصر النبي موسى عليه السلام ، و جاء ذكر أزال في عهد الملك أنه سار يغزوا من أزال الترك في الشام و مايليها من بلاد الترك إلى ان بلغ بنات نعش في أرمينية و ذلك في عصر موسى عليه السلام، ثم مات و حكم بعده ابنه ذي المنار و بعده ابنه ذو الأذعار بن ذي المنار ثم أخوه الملك أفريقيس بن ذي المنار إلى أن انتهت مدينة أزال كمدينة دينية سياسية بسبب تحولات سياسية في نهاية العصر السبئي و مالبثت أن تأسست مدينة صنعاء بدلاً عن أزال ، و ارتفع مكان معبد غمدان و أصبح قصراً عظيم .
**
بنى مدينة صنعاء الملك هلك أمر بن كرب ملك سبأ و ذي ريدان ، و قد ذكر ترتيبه قبل الملكة بلقيس و زمن سليمان و بينت النقوش الأثرية الآتي :
أن مدينة أزال انتهت و تعرضت للدمار بسبب التحولات السياسية و الدينية ، وبصفة التحول من عبادة الآلهة السابقة إلى الإله ( إلمقه) حيث بدأ العصر الثاني لملوك سبأ التتابعة و الذي يحمل ملوكه في نقوش السند معبد أوام ( حرم بلقيس ) و معبد باران ( عرش بلقيس ) لقب ملك سبأ و ذي ريدان و قد كان أولهم زمر علي وتار يهنعم بن سمهعال ثم زمر علي ثم كرب و ابنه هلك أمر
قام الملك هلك أمر بإختطاط صنعاء و بنا
#تاريخ_صنعاء
صنعاء و قصر غمدان .
أدى الإنتشار و التفخيذ لقبائل قحطان إلى تكوين بني قحطان من خلال أجيال كثيرة و فترة زمنية طويلة ، و قد عامر بنو قحطان خلال التكوين إخوانهم العرب من القبائل و منهم ( العمالقة و كنعان و أشوذ و لاوذ و فاران و أميم و عبد ضخم و بني مطر و غيرهم ..)
اقترن بداية العصر البرونزي بوحدة قبائل بني قحطان بزعامة يعرب يمن بن قحطان و كان من أعاظم الملوك كما ذكر ابن خلدون ، وهو الذي ملك بلاد اليمن و اسماها على اسمه يمن بعد التوحيد ، وغلب قوم عاد العمالقة في الحجاز و ولي جرهم بن قحطان على الحجاز و حضرموت بن قحطان على جبال الشحر و حضرموت ، وعُمان بن قحطان على عُمان و سميت بإسمه . " وهم ليسوا أبناء قحطان مباشرين إنما هم من سلالته "
ولي يعرب أخوته على جميع أعمال و مقاطعات اليمن الثلاثة عشر منهم أزال بن قحطان الذي قام ببناء مدينة أزال ، فبنيت على سفح جبل نُقم بين الجبلين نقم و عيبان .
و تدل القرائن أن أزال أخو يعرب بن قحطان و بناها في أوئل الحضارة البرونزية و التي شهدت تطورًا هاما حيث أصبحت المدينة الثانية الرئيسة و مقرًا للملوك و تم تشيد البيت غمدان فيها و ذلك في عصر دولة سبأ الأقدم و ذكرت أزال في أنباء أربعة ملوك حكموا الألف الثاني ق.م. منهم :
الملك وائل بن حمير :
هو الملك وائل بن حمير بن عبدالشمس ملك سبأ ، قال ابن خلدون " مَلك عبد شمس و بنى مدينة سبأ و سد مأرب ، وهلك قبل أن يتم بناءه فأكمله بعده ابنه الملك حمير و حكم و قيل هو أول من تتوج بذهب ، ثم ملك بعده ابنه وائل بن حمير و تغلب على أخوه مالك بن حمير على عُمان ، و اتخذ الملك وائل مدينة أزال مقراً له و هو أول من فعل من الملوك ذلك .
عاش النبي إبراهيم عليه السلام مدى عمر هؤلاء الثلاثة ( عبد شمس و حمير و وائل ) و يبدوا أن الملك وائل إنتقل إلى أزال بعد أن خرج عليه أخيه مالك ، فاتخذها مقرا لأنها في وسط اليمن و قاد منها الحرب ضد أخيه .. و كان الملك ابنه الضحكاك بن سكسك يحكم معه و نائب له .
يقول الهمداني " مدينة صنعاء أم اليمن و قطبها لأنها في الوسط بينها و بين عدن كما بينها و بين حد اليمن من أرض نجد و الحجاز ، و كان اسمها أزال "
و قد ولى الملك وائل ابن أخيه نجران بن زيدان على منطقة نجران و به سميت البلد كما يقول ابن خلدون .
الملك الضحكاك بن سكسك بن وائل بن حمير :
و هو الذي قام ببناء قصر غمدان البناء الأول ، و سماه على اسم كوكب الزهرة كما دلت النقوش ، قال ابن خلدون " قصر غمدان بن الضحكاك و حجت إليه الأمم " و قال الرازي أول حجر و ضع في غمدان بناه شراحيل الحميري و بنى القصر بعد آل شرح يخضب بألف عام . أصبحت أزال في عهد الضحكاك مدينة دينية و عاصمة و مقرًا لعبادة الآلهة مثل ( عثتار - و حوريس ) و كان غمدان آن ذلك دار عبادة .. مات الضحكاك و استمرت أزال مدينة رئيسية و مقرا للعبادة عدة قرون .
الملك شداد بن شمس بن عاد بن الملطاط بن الضحكاك :
جاء ذكر غمدان في عهد الملك شداد وكان من عظماء ملوك حمير و عاصر الحموراي ملك بابل و سار لمناصرته إلى بابل و أشور . يقول الهمداني : " عاد شداد و لم يدخل غمدان إنما اتجه إلى مأرب و بنى فيها القصر العتيق ، فلم يدع في اليمن من جواهر و عقيق و لا بأرض بابل و أرسل يجمع فجمع أنواع جواهر الدنيا من الذهب و الفضة و النحاس و الرصاص ، فبنى فيها و رصعه بجميع ذلك و جعل في أرضه زجاجا أحمرا و أبيض و جعل تحتها أسرابا أفاض إليها ماء السد ، فكان القصر لم يكن مثله في الدنيا .. ثم مات الملك و دفن في مغارة بجبل شبام .
الملك الحارث بن الرائش بن آل شداد :
جاء ذكر غمدان و مدينة أزال في عهد الملك الحارث و هو أول ملوك سبأ التتابعة و كان في عصر النبي موسى عليه السلام ، و جاء ذكر أزال في عهد الملك أنه سار يغزوا من أزال الترك في الشام و مايليها من بلاد الترك إلى ان بلغ بنات نعش في أرمينية و ذلك في عصر موسى عليه السلام، ثم مات و حكم بعده ابنه ذي المنار و بعده ابنه ذو الأذعار بن ذي المنار ثم أخوه الملك أفريقيس بن ذي المنار إلى أن انتهت مدينة أزال كمدينة دينية سياسية بسبب تحولات سياسية في نهاية العصر السبئي و مالبثت أن تأسست مدينة صنعاء بدلاً عن أزال ، و ارتفع مكان معبد غمدان و أصبح قصراً عظيم .
**
بنى مدينة صنعاء الملك هلك أمر بن كرب ملك سبأ و ذي ريدان ، و قد ذكر ترتيبه قبل الملكة بلقيس و زمن سليمان و بينت النقوش الأثرية الآتي :
أن مدينة أزال انتهت و تعرضت للدمار بسبب التحولات السياسية و الدينية ، وبصفة التحول من عبادة الآلهة السابقة إلى الإله ( إلمقه) حيث بدأ العصر الثاني لملوك سبأ التتابعة و الذي يحمل ملوكه في نقوش السند معبد أوام ( حرم بلقيس ) و معبد باران ( عرش بلقيس ) لقب ملك سبأ و ذي ريدان و قد كان أولهم زمر علي وتار يهنعم بن سمهعال ثم زمر علي ثم كرب و ابنه هلك أمر
قام الملك هلك أمر بإختطاط صنعاء و بنا
ءها مكان مدينة أزال و أسكن صنعاء قبائل سبأ و هو أيضا أول من شرع في تشييد قصر غمدان بعد بنائه القديم ، و هو الذي سمى صنعاء بإسمها صنعان أو صنعن .
ذكر الهمداني أن آل شرح يخضب سيد قصر غمدان ، و كان القصر بناء واحداً فقام ببناء تعلية قصر غمدان حتى أصبح قصرا عظيما ، جاء في عدد الطوابق و ارتفاعه ثلاثة أقوال جميعها صحيحة :
أنه كان سبعة سقوف في عهد هلك أمر إلى عهد بلقيس ثم قام آل شرح بتجديد ذلك و تعلية غمدان عشرة أسقف ثم جرى بعد ذلك تعلية غمدان عشرين سقف .
جاءت الزيادة التي تمت بعد ذلك لم تكن في القصر و إنما إلى جواره بحيث صار غمدان عدة قصور و مباني جميعها في فناء واحد .. ويمكن القول أن الملك شعرام أوتر قام ببناء في غمدان إلى جوار القصر واستمر ذلك في عصور تالية حيث أصبح غمدان يضم القصر و عدة مباني و مساكن في فناء واحد . وآخر مابني في غمدان قصرا زجاجي و قد بناه أسعد الكامل وهو أسعد الثاني .
كان آخر ملك أقام في غمدان هو " يوسف أسار ذو النواس " حكم عام 515م و حكم بعده الملك سُميفع ذو الكلاع و يزن . و انتهى عهده بالغزو الحبشي المدعوم من الرومان . وهدم إرباط الحبشي جانيا كبير من القصر أثناء المقاومة في الحرب .
يقول ابن هشام : " بينون وغمدان من القصور التي هدمها إرباط الحبشي و التي لم يكن لها مثيل "
و يقول ابن خلدون : " قسما من غمدان بقى شامخ . فلما قضى الملك سيف بن ذي يزن على الأحباش استقر في غمدان
ذكر الهمداني أن آل شرح يخضب سيد قصر غمدان ، و كان القصر بناء واحداً فقام ببناء تعلية قصر غمدان حتى أصبح قصرا عظيما ، جاء في عدد الطوابق و ارتفاعه ثلاثة أقوال جميعها صحيحة :
أنه كان سبعة سقوف في عهد هلك أمر إلى عهد بلقيس ثم قام آل شرح بتجديد ذلك و تعلية غمدان عشرة أسقف ثم جرى بعد ذلك تعلية غمدان عشرين سقف .
جاءت الزيادة التي تمت بعد ذلك لم تكن في القصر و إنما إلى جواره بحيث صار غمدان عدة قصور و مباني جميعها في فناء واحد .. ويمكن القول أن الملك شعرام أوتر قام ببناء في غمدان إلى جوار القصر واستمر ذلك في عصور تالية حيث أصبح غمدان يضم القصر و عدة مباني و مساكن في فناء واحد . وآخر مابني في غمدان قصرا زجاجي و قد بناه أسعد الكامل وهو أسعد الثاني .
كان آخر ملك أقام في غمدان هو " يوسف أسار ذو النواس " حكم عام 515م و حكم بعده الملك سُميفع ذو الكلاع و يزن . و انتهى عهده بالغزو الحبشي المدعوم من الرومان . وهدم إرباط الحبشي جانيا كبير من القصر أثناء المقاومة في الحرب .
يقول ابن هشام : " بينون وغمدان من القصور التي هدمها إرباط الحبشي و التي لم يكن لها مثيل "
و يقول ابن خلدون : " قسما من غمدان بقى شامخ . فلما قضى الملك سيف بن ذي يزن على الأحباش استقر في غمدان
#اليمن_تاريخ_وثقافة
صنعاء القديمة
مدينة صنعاء القديمة
موقع اليونيسكو للتراث العالمي
مدينة صنعاء القديمة
الاعتمادالسنة1986
(الاجتماع العاشر للجنة التراث العالمي)* اسم الموقع كما هو مدون بقائمة مواقع التراث العالمي
** تقسييم اليونسكو لمناطق العالم
صنعاء القديمة ويقصد بها المدينة المسورة وكان لها سبعة أبواب لم يبق منها إلا باب اليمن وهي أحدى تلك المدن القديمة المأهولة باستمرار من القرن الخامس ق.م على الأقل ويتواجد بها 103 مساجد وستة آلاف منزل وإحدى عشر حمام عمومي وكل هذه المباني بنيت قبل القرن الحادي عشر الميلادي [1] في القرن الأول للميلاد، أصبحت عاصمة مؤقتة لمملكة سبأ بعد استعادة أسر من قبيلة همدان للعرش السبئي من الحميريين وجاء ذكرها في نصوص المسند بصيغة صنعو وهي مشتقة من " مصنعة " وتعني حصن في العربية الجنوبية
تاريخ
صنعاء القديمة، وجاء ذكرها في نصوص المسند بصيغة "صنعو"وهي مشتقة من "مصنعة" وكلمة مصنعة تعني الحصن. كانت أهم مراكز أسر همدان عبر تاريخ اليمن القديم والحديث
صنعاء القديمة حيث يعتقد أن قصر غمدان بني فيها وبناء القصر فيها دلالة على إنتقال العاصمة من مأرب إليها بسبب سيطرة الهمدانيين
كانت المدينة القديمة لا تمثل سوى مساحة
صغيرة من قاع صنعاء الفسيح الذي يمتد من جبل نقم شرقاً إلى جبل عيبان غرباً، وربما يكون الحصن التاريخي الموجود فوق سفح جبل نقم في الطرف الشرقي من مدينة صنعاء القديمة يمثل النواة الأولى للمدينة، وقد عرف فيما بـعد باسم " قصر غمدان " ومما تجدر الإشارة إليه أن المواقع المحيطة بصنعاء مثل (نقم ـ حده ـ عيبان ـ عصر) قد بدأ ذكرها في النقوش المكتشفة حتى الآن ـ من نفس الفترة التاريخية (القرن الأول)، ثم تطورت المدينة وأصبح لها سور دائري وفي وسطها موضع " القليس " قبل الإسلام ومع مجي الإسلام استجاب باذان ـ عامل الفرس على اليمن ـ مع أهل اليمن لدعوة رسول الله محمد سنة (627 ميلادية)، ودخلوا في الدين الإسلامي فعينه رسول الله (ص) والياً على صنعاء, وكانت المدينة القديمة مقر الوالي فبني الجامع الكبير في السنة (6 هـ/627م) فاكتسبت ملامح جديدة فقد دخلها عدد من أصحاب رسول الله (ص)، وظلت محافظة على أهميتها وأصبحت مركزاً دينياً وتنويرياً فزاد اتساعها في العهود الإسلامية المتعاقبة، بعد أن كانت صنعاء القديمة تقع في الجانب الشرقي من وادي السايلة كمدينة مسورة بها حصن يقع في الطرف الشرقي من المدينة على منطقة مرتفعة تحتها تقع الأسواق والجامع الكبير، ومن الفترات التي توسعت فيها مدينةصنعاء عهود كل من دولة بني حاتم (القرن 6 هـ / 11 م) والدولة الأيوبية (القرن 7 هـ / 12 م)، وينسب تجديد سورها إلى السلطان " طغتكين بن أيوب "، فأصبحت تضم المباني الهامة من الوجهة التاريخية ذات الطابع الجمالي والعمراني الفريد وفي العهد العثماني الأول بني في شرقها جامع البكيرية وحمام الميدان على الطراز العثماني وفي جهة الغرب امتدت إلى مجرى السايلة ومد سورها إلى باب السبح، كما أنشئ حي النهرين في غربي المدينة وأقيم على طرفه الجنوبي مقر الحاكم عرف وما زال بـ " بستان السلطان " وكان موضعه قبل ذلك مقابر لعظماء همدان.
الطراز المعماري
منزل في حي بير العزب القديم
تتميز مدينة صنعاء القديمة بطراز معمارها القديم الذي يمتلك زخارف غنية توجد بأشكال ونسب مختلفة مثل كتل النوب والأسوار والمساجد والسماسر والحمامات والأسواق والمعاصر والمدارس إلا أنه لا يعرف متى تم بناء هذا الطراز المعماري المتأثر بالطراز الحميري.
التوجية
تبعا للموقع الجغرافي والفلكي وجد المعمار اليمني ان الواجهة الجنوبية للمنزل (العدنية كما يسميها سكان المدينة) اكثر عرضة للشمس طوال النهار مما يجعلها اكثر دفئاً في فصل الشتاء القارس البرودة في صنعاء، بينما تكون الواجهة الشمالية أثناء ذلك غارقة في الظلال وبالتالي أكثر برودة في الشتاء.[4]
أما في الصيف وأثناء رحلة الشمس نحو الشمال وعودتها نحو الجنوب فتكون الواجهة الشمالية اكثر عرضة للشمس بينما الجنوبية مظظلة مما يجعلها معتدلة الحرارة. ولذلك تركزت في الواجهة الجنوبية الوحدات السكنية وخصصت الشمالية لدورات المياة والمطابخ.[5]
أستخدم المعماري مواد بنائية من طبيعتها اكتساب وخزن الحرارة نهاراً وبطء فقدانها ليلاً بحيث يمكنها من تدفئة المنزل طوال الليل . دفعت الأمطار الموسمية الصيفية الغزيرة إلى استخدام مواد بنائية تقاوم التفتت والتحلل والتجريف وكذلك تغطية سطوح المنازل بمادة القضاض ] والجص لكي يسهل من عملية تصريف المياة من السطوح عبر مزاريب إلى خارج المنزل.
الحفاظ على المدينة
صمدت صنعاء قروناً طويلة في وجه الحروب والحصار والكوارث، وبقيت معلماً حياً وشاهداً على حضارة عربية إسلامية أصيلة ذات مستوى فني رفيع مزج بين الفن والجمال المعماري مستجيبة في الوقت نفسه لحاجات سكانها المادية والروحية، وحتى العصر الحديث بقيت صنعاء تحافظ على إيقاع مريح في التزاوج بين نسيجها ا
صنعاء القديمة
مدينة صنعاء القديمة
موقع اليونيسكو للتراث العالمي
مدينة صنعاء القديمة
الاعتمادالسنة1986
(الاجتماع العاشر للجنة التراث العالمي)* اسم الموقع كما هو مدون بقائمة مواقع التراث العالمي
** تقسييم اليونسكو لمناطق العالم
صنعاء القديمة ويقصد بها المدينة المسورة وكان لها سبعة أبواب لم يبق منها إلا باب اليمن وهي أحدى تلك المدن القديمة المأهولة باستمرار من القرن الخامس ق.م على الأقل ويتواجد بها 103 مساجد وستة آلاف منزل وإحدى عشر حمام عمومي وكل هذه المباني بنيت قبل القرن الحادي عشر الميلادي [1] في القرن الأول للميلاد، أصبحت عاصمة مؤقتة لمملكة سبأ بعد استعادة أسر من قبيلة همدان للعرش السبئي من الحميريين وجاء ذكرها في نصوص المسند بصيغة صنعو وهي مشتقة من " مصنعة " وتعني حصن في العربية الجنوبية
تاريخ
صنعاء القديمة، وجاء ذكرها في نصوص المسند بصيغة "صنعو"وهي مشتقة من "مصنعة" وكلمة مصنعة تعني الحصن. كانت أهم مراكز أسر همدان عبر تاريخ اليمن القديم والحديث
صنعاء القديمة حيث يعتقد أن قصر غمدان بني فيها وبناء القصر فيها دلالة على إنتقال العاصمة من مأرب إليها بسبب سيطرة الهمدانيين
كانت المدينة القديمة لا تمثل سوى مساحة
صغيرة من قاع صنعاء الفسيح الذي يمتد من جبل نقم شرقاً إلى جبل عيبان غرباً، وربما يكون الحصن التاريخي الموجود فوق سفح جبل نقم في الطرف الشرقي من مدينة صنعاء القديمة يمثل النواة الأولى للمدينة، وقد عرف فيما بـعد باسم " قصر غمدان " ومما تجدر الإشارة إليه أن المواقع المحيطة بصنعاء مثل (نقم ـ حده ـ عيبان ـ عصر) قد بدأ ذكرها في النقوش المكتشفة حتى الآن ـ من نفس الفترة التاريخية (القرن الأول)، ثم تطورت المدينة وأصبح لها سور دائري وفي وسطها موضع " القليس " قبل الإسلام ومع مجي الإسلام استجاب باذان ـ عامل الفرس على اليمن ـ مع أهل اليمن لدعوة رسول الله محمد سنة (627 ميلادية)، ودخلوا في الدين الإسلامي فعينه رسول الله (ص) والياً على صنعاء, وكانت المدينة القديمة مقر الوالي فبني الجامع الكبير في السنة (6 هـ/627م) فاكتسبت ملامح جديدة فقد دخلها عدد من أصحاب رسول الله (ص)، وظلت محافظة على أهميتها وأصبحت مركزاً دينياً وتنويرياً فزاد اتساعها في العهود الإسلامية المتعاقبة، بعد أن كانت صنعاء القديمة تقع في الجانب الشرقي من وادي السايلة كمدينة مسورة بها حصن يقع في الطرف الشرقي من المدينة على منطقة مرتفعة تحتها تقع الأسواق والجامع الكبير، ومن الفترات التي توسعت فيها مدينةصنعاء عهود كل من دولة بني حاتم (القرن 6 هـ / 11 م) والدولة الأيوبية (القرن 7 هـ / 12 م)، وينسب تجديد سورها إلى السلطان " طغتكين بن أيوب "، فأصبحت تضم المباني الهامة من الوجهة التاريخية ذات الطابع الجمالي والعمراني الفريد وفي العهد العثماني الأول بني في شرقها جامع البكيرية وحمام الميدان على الطراز العثماني وفي جهة الغرب امتدت إلى مجرى السايلة ومد سورها إلى باب السبح، كما أنشئ حي النهرين في غربي المدينة وأقيم على طرفه الجنوبي مقر الحاكم عرف وما زال بـ " بستان السلطان " وكان موضعه قبل ذلك مقابر لعظماء همدان.
الطراز المعماري
منزل في حي بير العزب القديم
تتميز مدينة صنعاء القديمة بطراز معمارها القديم الذي يمتلك زخارف غنية توجد بأشكال ونسب مختلفة مثل كتل النوب والأسوار والمساجد والسماسر والحمامات والأسواق والمعاصر والمدارس إلا أنه لا يعرف متى تم بناء هذا الطراز المعماري المتأثر بالطراز الحميري.
التوجية
تبعا للموقع الجغرافي والفلكي وجد المعمار اليمني ان الواجهة الجنوبية للمنزل (العدنية كما يسميها سكان المدينة) اكثر عرضة للشمس طوال النهار مما يجعلها اكثر دفئاً في فصل الشتاء القارس البرودة في صنعاء، بينما تكون الواجهة الشمالية أثناء ذلك غارقة في الظلال وبالتالي أكثر برودة في الشتاء.[4]
أما في الصيف وأثناء رحلة الشمس نحو الشمال وعودتها نحو الجنوب فتكون الواجهة الشمالية اكثر عرضة للشمس بينما الجنوبية مظظلة مما يجعلها معتدلة الحرارة. ولذلك تركزت في الواجهة الجنوبية الوحدات السكنية وخصصت الشمالية لدورات المياة والمطابخ.[5]
أستخدم المعماري مواد بنائية من طبيعتها اكتساب وخزن الحرارة نهاراً وبطء فقدانها ليلاً بحيث يمكنها من تدفئة المنزل طوال الليل . دفعت الأمطار الموسمية الصيفية الغزيرة إلى استخدام مواد بنائية تقاوم التفتت والتحلل والتجريف وكذلك تغطية سطوح المنازل بمادة القضاض ] والجص لكي يسهل من عملية تصريف المياة من السطوح عبر مزاريب إلى خارج المنزل.
الحفاظ على المدينة
صمدت صنعاء قروناً طويلة في وجه الحروب والحصار والكوارث، وبقيت معلماً حياً وشاهداً على حضارة عربية إسلامية أصيلة ذات مستوى فني رفيع مزج بين الفن والجمال المعماري مستجيبة في الوقت نفسه لحاجات سكانها المادية والروحية، وحتى العصر الحديث بقيت صنعاء تحافظ على إيقاع مريح في التزاوج بين نسيجها ا
لمعماري في حالته التقليدية ومتطلبات الحياة العصرية ولأن مدينة صنعاء القديمة كانت تمثل استمراراً هاماً للقيم الثقافية والتاريخية ورمزاً لبقائها حية كعاصمة تاريخية لليمن الحديث، فقد صدرت قرارات عديدة تهدف إلى حمايتها من الانهيار.
وكان منها القرار الصادر في عام 1984 بإنشاء لجنة للحفاظ على مدينة صنعاء القديمة وتحسينها، وكان من أهم مهامها العمل على وقف مظاهر التدهور والانهيارات واستعادة حيويتها وجمالها, ثم تطورت اللجنة إلى هيئة عامة للحفاظ على مدينة صنعاء القديمة, ثم إلى هيئة عامة للحفاظ على المدن التاريخية
تبنت المنظمة الدولية للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) حملة دولية لحماية وتحسين مدينة صنعاء القديمة والحفاظ على معالمها وطابعها المعماري الفريد وتطوير الخدمات وإبراز التراث الحضاري فيها، فقد أتخذ المؤتمر العام لليونسكو في دورته المنعقدة في بلجراد عام 1980 قراراً يشمل قيام حملة دولية لصيانة مدينة صنعاء القديمة، وقد شارك في تمويل الحملة عدد من الدول، وكان من أهداف الحملة، حماية المدينة والقيام بدراسات عميقة لتراث المدينة وتقاليدها وإعادة المباني الرئيسية فيها، فقد تم ترميم أجزاء من السور المحيط بالمدينة الذي تعرض للانهيار، وترميم عدد من المنازل الآيلة للسقوط، واستكمال عمليات الصرف الصحي وترميم السايلة وغيرها، إضافة إلى تنظيم عدد كبير من الندوات العلمية قدمت فيها دراسات وأبحاث علمية متخصصة لعدد كبير من الباحثين والمتخصصين المحليين والدوليين والتي انتهت بالخروج بتوصيات تهدف إلى دعم الحملة الدولية وإنجاح صيانة المدينة.
المساجد
هي من أهم معالم المدينة بمآذنها الشاهقة وقبابها البيضاء الناصعة ،وحيث يوجد في مدينة صنعاء العديد من المساجد ويقال أن عددها حوالي (50) مسجداً ومنها : جامع البكيرية، جامع الطاووس، جامع الزمر ،جامع الأبهر، جامع صلاح الدين، جامع قبة المهدي. وأشهرها الجامع الكبير بصنعاء وهو من أقدم المساجد الإسلامية وهو أول مسجد بني في اليمن ويعتبر من المساجد العتيقة التي بنيت في عهد رسول
وكان منها القرار الصادر في عام 1984 بإنشاء لجنة للحفاظ على مدينة صنعاء القديمة وتحسينها، وكان من أهم مهامها العمل على وقف مظاهر التدهور والانهيارات واستعادة حيويتها وجمالها, ثم تطورت اللجنة إلى هيئة عامة للحفاظ على مدينة صنعاء القديمة, ثم إلى هيئة عامة للحفاظ على المدن التاريخية
تبنت المنظمة الدولية للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) حملة دولية لحماية وتحسين مدينة صنعاء القديمة والحفاظ على معالمها وطابعها المعماري الفريد وتطوير الخدمات وإبراز التراث الحضاري فيها، فقد أتخذ المؤتمر العام لليونسكو في دورته المنعقدة في بلجراد عام 1980 قراراً يشمل قيام حملة دولية لصيانة مدينة صنعاء القديمة، وقد شارك في تمويل الحملة عدد من الدول، وكان من أهداف الحملة، حماية المدينة والقيام بدراسات عميقة لتراث المدينة وتقاليدها وإعادة المباني الرئيسية فيها، فقد تم ترميم أجزاء من السور المحيط بالمدينة الذي تعرض للانهيار، وترميم عدد من المنازل الآيلة للسقوط، واستكمال عمليات الصرف الصحي وترميم السايلة وغيرها، إضافة إلى تنظيم عدد كبير من الندوات العلمية قدمت فيها دراسات وأبحاث علمية متخصصة لعدد كبير من الباحثين والمتخصصين المحليين والدوليين والتي انتهت بالخروج بتوصيات تهدف إلى دعم الحملة الدولية وإنجاح صيانة المدينة.
المساجد
هي من أهم معالم المدينة بمآذنها الشاهقة وقبابها البيضاء الناصعة ،وحيث يوجد في مدينة صنعاء العديد من المساجد ويقال أن عددها حوالي (50) مسجداً ومنها : جامع البكيرية، جامع الطاووس، جامع الزمر ،جامع الأبهر، جامع صلاح الدين، جامع قبة المهدي. وأشهرها الجامع الكبير بصنعاء وهو من أقدم المساجد الإسلامية وهو أول مسجد بني في اليمن ويعتبر من المساجد العتيقة التي بنيت في عهد رسول
#اليمن_تاريخ_وثقافة
الشاعر التهامي
#أمناجي_ثواب
هذا شاعر يختلف عن كل الشعراء الشعبيين الذين نحاول دراستهم وإلقاء الضوء عليهم وهو شاعر يستحق التوثيق لأنه يستحق البقاء، ففي شعره تجربة إنسانية فريدة، صيغت في صور بديعة وعميقة تناسج فيها الإتقان والإحساس العالي بمسحة عذبة ومدهشة من المرح والفكاهة، الفكاهة التي يعرف صاحبها كيف يشكلها بذكاء من مفردات الحياة اليومية، ومن لغة أهل الحرف والمهن والمتعاملين في الأسواق.
وهو إلى جانب ذلك يتميز بميله إلى مخالطة الصفوة من علماء ومناصب ومشائخ وتجار مرهفاً سمعه وذاكرته إلى الألفاظ المتداولة والتعابير والمصطلحات التي تستعملها الفئات المختلفة أينما كان موقع كل فئة منها، ولا أدل على ذلك من كتابته قسماً من شعره باللغة الفصحى، وكان جزء من ذلك يعود إلى هوايته في فن التقصيد (الإنشاد)، كما أن أسماء البلدان والأحداث التي يذكرها في شعره فصيحاً كان أو عامياً تدل على ثقافته التي اكتسبها من مخالطته للفئات سالفة الذكر، وكذلك من انتقاله بين قرى تهامة ومدنها خاصة الحديدة التي خالط علماءها واتصل بحكامها وعمل في مينائها وسجن في سجنها أيضاً.
وكذلك ارتحاله إلى عدن التي تنقل بينها وبين لحج زمناً.. ولعله وهو الذي كان يقيم في عدن عند أحد المقصدين ويتنقل معه بين عدن ولحج قد اتصل بالمجتمع الفني الذي كان أكبر أقطابه آنذاك.. الأمير القمندان.. كل ذلك كما قلت أضاف إلى مزاجه الفكه وحسه اللاقط إضافات كبيرة، وهو وإن كان قد ضاع الكثير من شعره مع الأسف الشديد.. فإن ما بين أيدينا مما استطعنا أن نظفر به (رواية عن ابنيه الشاعر المعروف / يحيى مناجي ثواب.. ومحمد مناجي ثواب وكذلك من الأخ / أحمد سعد الله... وكذلك من الأخ أبو الغيث ثواب، إضافة إلى ما أمدنا به الأستاذ/ علي الأهدل .. ما يعطينا صورة لحياة المناجي ولأسلوبه في شعره ولسمات هذا الشعر.
شعر المناجي بين خيانات الذاكرة والتفريط في المكتوب ..
ما بين أيدينا من شعر المناجي ثواب ..
ربما لا يمثل عشرة في المائة من مجموع ما قاله .. خلال رحلته الحياتية التي امتدت إلى ما يقارب الخمس والستين أو السبع والستين سنة ..
أو بالأحرى خلال رحلته الشعرية التي امتدت حوالي خمسة وأربعين عاماً.. إذا قلنا أن سنواته الشعرية بدأت تنضج وهو في العشرين من عمره كما هي العادة عند معظم الشعراء ..
إن ما لدينا من نصوص المناجي لا يتجاوز التسعة عشر نصاً .. لا يكاد نص منها يخلو من سقط .. تسببت به خيانات الذاكرة . وفسولاتها .. باستثناء النصوص الثلاثة: النص الذي رد به على النهاري .. والنص الذي داعب به هلهل والنص الذي هجا به شحاته .. وقد خفظت النصوص الثلاثة لطرافتها وقصرها وارتباطها بقصص تتدرج فيما يتندر به الناس ويتنادمون..
أما النصوص الأخرى وهي تنقسم إلى قسمين نصوص فصيحة وأخرى شعبية فالفصيحة سبعة .. أربعة منها قالها في قضية الجمرك التي لفقها له مسعود وسجن ظلماً بسببها.. والنص الذي أرسله لصديقه محمد يحيى دهمش عندما دعاه للعودة إلى القناوص ثم نصه في التضرع إلى الله بعد أن ضاق ذرعاً بفقره وقلة حيلته..
وأخيراً النشيد المدرسي الذي كتبهُ لطلبة المدارس ..
أما النصوص الشعبية فعددها إلى جانب ما رد! به على النهاري وما داعب به هلهل وما هجا به شحاته وما تحدا به شاعري جهات عبس فهي عشرة نصوص ثلاثة نصوص في هجاء مسعود .. وثلاثة نصوص في التشفع لذياب .. ونص في هجاء وادي سهام.. وآخر في الرد على ابن الحنيش ونص في الرّد على امقفلي .. وأخيراً بيتان من رد له على النهاري وثلاثة من معارضته للبهلول.
والنصوص التسعة عشر هي خلاصة استقطار متكرر لذاكرتي ولديه الشاعر يحيى مناجي وأخيه محمد مناجي وكذلك الصديق العزيز أحمد سعد الله المتزوج من حفيدة شاعرنا الكبير.. إضافة إلى نص التضرع الذي تفضل الأستاذ/ علي الأهدل بإرساله من سامطة..
وذلك هو دأب الذاكرة التي تحولها الأحداث وكرّات السنين إلى منخل تَسّاقَطُ الأشياء من ثقوبة كلما اهتز أو تحرك ..
أما المؤسف حقاً فهو أن لا نعثر على ما كتب من شعره فالشاعر يحيى مناجي وأخوه محمد مناجي يؤكدان أن محمد عقيلي وعلي صغير ثواب رحمهما الله كانا يدونان من شعره..
وعندهما أو عند كلّ منهما دفترٌ له .
وإذا كان العقيلي لم يبق من يمت بصلة إليه سوى ابنة له في جدة لا ندري إن كانت تحتفظ بذلك الدفتر أم لا .. فإن دفتر علي صغير ثواب موجود لدى ابنه الصديق أبو الغيث الذي أحالني الجميع إليه.. أو على الأقل فإن هذا الدفتر كان موجوداً لدى أبو الغيث إلى فترة قريبة.. فإني لأذكر عام 1985م عندما كنا أنا وأبو الغيث نتزامل في إعدادية الفتح بالقناوص .. وكنا آنذاك في بداية التعامل مع الشعر .. أن جاءني أبو الغيث ذات يوم بدفتر قديم -أو ربما .. لا أذكر جيداً- أوراقاً قديمة مضمومة .. وقرأنا معاً فيها قصائد لجده المناجي ثواب ..
فإن لم تكن تلك الأوراق أو ذلك الدفتر رهن الضياع .. فإن إخراجها اليوم سيساعد على تكملة القصائد الناقصة .
الشاعر التهامي
#أمناجي_ثواب
هذا شاعر يختلف عن كل الشعراء الشعبيين الذين نحاول دراستهم وإلقاء الضوء عليهم وهو شاعر يستحق التوثيق لأنه يستحق البقاء، ففي شعره تجربة إنسانية فريدة، صيغت في صور بديعة وعميقة تناسج فيها الإتقان والإحساس العالي بمسحة عذبة ومدهشة من المرح والفكاهة، الفكاهة التي يعرف صاحبها كيف يشكلها بذكاء من مفردات الحياة اليومية، ومن لغة أهل الحرف والمهن والمتعاملين في الأسواق.
وهو إلى جانب ذلك يتميز بميله إلى مخالطة الصفوة من علماء ومناصب ومشائخ وتجار مرهفاً سمعه وذاكرته إلى الألفاظ المتداولة والتعابير والمصطلحات التي تستعملها الفئات المختلفة أينما كان موقع كل فئة منها، ولا أدل على ذلك من كتابته قسماً من شعره باللغة الفصحى، وكان جزء من ذلك يعود إلى هوايته في فن التقصيد (الإنشاد)، كما أن أسماء البلدان والأحداث التي يذكرها في شعره فصيحاً كان أو عامياً تدل على ثقافته التي اكتسبها من مخالطته للفئات سالفة الذكر، وكذلك من انتقاله بين قرى تهامة ومدنها خاصة الحديدة التي خالط علماءها واتصل بحكامها وعمل في مينائها وسجن في سجنها أيضاً.
وكذلك ارتحاله إلى عدن التي تنقل بينها وبين لحج زمناً.. ولعله وهو الذي كان يقيم في عدن عند أحد المقصدين ويتنقل معه بين عدن ولحج قد اتصل بالمجتمع الفني الذي كان أكبر أقطابه آنذاك.. الأمير القمندان.. كل ذلك كما قلت أضاف إلى مزاجه الفكه وحسه اللاقط إضافات كبيرة، وهو وإن كان قد ضاع الكثير من شعره مع الأسف الشديد.. فإن ما بين أيدينا مما استطعنا أن نظفر به (رواية عن ابنيه الشاعر المعروف / يحيى مناجي ثواب.. ومحمد مناجي ثواب وكذلك من الأخ / أحمد سعد الله... وكذلك من الأخ أبو الغيث ثواب، إضافة إلى ما أمدنا به الأستاذ/ علي الأهدل .. ما يعطينا صورة لحياة المناجي ولأسلوبه في شعره ولسمات هذا الشعر.
شعر المناجي بين خيانات الذاكرة والتفريط في المكتوب ..
ما بين أيدينا من شعر المناجي ثواب ..
ربما لا يمثل عشرة في المائة من مجموع ما قاله .. خلال رحلته الحياتية التي امتدت إلى ما يقارب الخمس والستين أو السبع والستين سنة ..
أو بالأحرى خلال رحلته الشعرية التي امتدت حوالي خمسة وأربعين عاماً.. إذا قلنا أن سنواته الشعرية بدأت تنضج وهو في العشرين من عمره كما هي العادة عند معظم الشعراء ..
إن ما لدينا من نصوص المناجي لا يتجاوز التسعة عشر نصاً .. لا يكاد نص منها يخلو من سقط .. تسببت به خيانات الذاكرة . وفسولاتها .. باستثناء النصوص الثلاثة: النص الذي رد به على النهاري .. والنص الذي داعب به هلهل والنص الذي هجا به شحاته .. وقد خفظت النصوص الثلاثة لطرافتها وقصرها وارتباطها بقصص تتدرج فيما يتندر به الناس ويتنادمون..
أما النصوص الأخرى وهي تنقسم إلى قسمين نصوص فصيحة وأخرى شعبية فالفصيحة سبعة .. أربعة منها قالها في قضية الجمرك التي لفقها له مسعود وسجن ظلماً بسببها.. والنص الذي أرسله لصديقه محمد يحيى دهمش عندما دعاه للعودة إلى القناوص ثم نصه في التضرع إلى الله بعد أن ضاق ذرعاً بفقره وقلة حيلته..
وأخيراً النشيد المدرسي الذي كتبهُ لطلبة المدارس ..
أما النصوص الشعبية فعددها إلى جانب ما رد! به على النهاري وما داعب به هلهل وما هجا به شحاته وما تحدا به شاعري جهات عبس فهي عشرة نصوص ثلاثة نصوص في هجاء مسعود .. وثلاثة نصوص في التشفع لذياب .. ونص في هجاء وادي سهام.. وآخر في الرد على ابن الحنيش ونص في الرّد على امقفلي .. وأخيراً بيتان من رد له على النهاري وثلاثة من معارضته للبهلول.
والنصوص التسعة عشر هي خلاصة استقطار متكرر لذاكرتي ولديه الشاعر يحيى مناجي وأخيه محمد مناجي وكذلك الصديق العزيز أحمد سعد الله المتزوج من حفيدة شاعرنا الكبير.. إضافة إلى نص التضرع الذي تفضل الأستاذ/ علي الأهدل بإرساله من سامطة..
وذلك هو دأب الذاكرة التي تحولها الأحداث وكرّات السنين إلى منخل تَسّاقَطُ الأشياء من ثقوبة كلما اهتز أو تحرك ..
أما المؤسف حقاً فهو أن لا نعثر على ما كتب من شعره فالشاعر يحيى مناجي وأخوه محمد مناجي يؤكدان أن محمد عقيلي وعلي صغير ثواب رحمهما الله كانا يدونان من شعره..
وعندهما أو عند كلّ منهما دفترٌ له .
وإذا كان العقيلي لم يبق من يمت بصلة إليه سوى ابنة له في جدة لا ندري إن كانت تحتفظ بذلك الدفتر أم لا .. فإن دفتر علي صغير ثواب موجود لدى ابنه الصديق أبو الغيث الذي أحالني الجميع إليه.. أو على الأقل فإن هذا الدفتر كان موجوداً لدى أبو الغيث إلى فترة قريبة.. فإني لأذكر عام 1985م عندما كنا أنا وأبو الغيث نتزامل في إعدادية الفتح بالقناوص .. وكنا آنذاك في بداية التعامل مع الشعر .. أن جاءني أبو الغيث ذات يوم بدفتر قديم -أو ربما .. لا أذكر جيداً- أوراقاً قديمة مضمومة .. وقرأنا معاً فيها قصائد لجده المناجي ثواب ..
فإن لم تكن تلك الأوراق أو ذلك الدفتر رهن الضياع .. فإن إخراجها اليوم سيساعد على تكملة القصائد الناقصة .
. وقد يمدنا بقصائد جديدة يكتمل بها إلى حد ما العالم الشعري الذي أبدعه ذلك الشاعر المهم..
لقد التقيت بـ(أبو الغيث ثواب) مرتين أو أكثر شتاء عام 2001م.. وشتاء عام 2003م وحدثته مراراً عن ضرورة إخراج ذلك الدفتر أو تلك الأوراق .. ولكن تردده أو همني أن ما بحوزته ربما يكون قد ضاع .. وهذا مؤسف جداً..
فإذا جزمنا أن نصوص المناجي الثلاثة التي قالها في هجاء شحاته والرد على النهاري .. وممازحة هلهل هي من إنتاج الفترة التي قضاها في القناوص قبل رحيله عنها .. فإن شعر الأربعين سنة الأولى من شعره يكون قد ضاع ضياعاً محزناً.. أما إذا كانت النصوص الثلاثة المشار إليها مما قاله بعد عودته إلى القناوص .. فإن ضياع نتاج الأربعين سنة الأولى من إبداع امناجي يكون كارثة حقيقية .. وهذا يؤكد على:
أولاً: أن شعر المناجي في التصوف والتضرع إلى الله ومدائحه للمناصب والأولياء .. وما قاله من شعر ديني عامة .. قد ضاع .. وهو لاشك شعر كثير .. فكما نعلم أن المناجي كان مقصّداً له صوت حلو . وأنه إلى جانب ما ينشده للآخرين .. كان يلحن شعره وينشده وهذا ما سيدعوه دائماً إلى إبداع قصائد جديدة استجابة لطبعه واستجابة لما تفرضه المناسبات المختلفة..
ثانياً: كما أن بوسعنا أن نجزم أن الأحداث العامة .المتغيرات الاجتماعية .. والحالات الإنسانية.. كانت من أهم بواعث القول عند هذا الشاعر.. وهو المتصل بسراة الناس الشغوف بأحوالهم ووقائعهم.. وأحداث حياتهم .. من أعراس ومآتم وولادات ومقاتل .. ومشاكل وظواهر اجتماعية وسياسية وحتى طبيعية .. نقول جازمين . قياساً على ما توفر من شعره الذي قاله عندما كان في الحديدة.
فقد عبر عن ذاته .. وناضل في أزمته التي تسبب بها مسعود بقصائد .. مختلفة.
كما عبر عن موقف من أحداث المجتمع والمنطقة بشفاعاته لذياب..
وقال في الإخوانيات - كما في قصيدته التي أرسلها إلى صديقه محمد يحيى دهمش وشارك في المثاقفات برده على ابن الحنيش.. ووثق لكارثة تأريخية هي كارثة فيضان وادي سهام..الخ
وكانت له اهتمامات وطنية نتبينها من النشيد المدرسي الذي أنشأه عندما كان أبناؤه في المدرسة بالحديدة.. وقد وفق فيه إلى درجة لا تصدق حيث يقول:
سمونا فخاراً بأعلى النسب
حميد المساعي رضيع الرتب
إمام البرايا عماد العلى
سلالة طه خيار العرب
عليه الصلاة بعد الحصى
فإن سلامي عليه وجب
علوم الشريعة أحيالنا
وأحيا لنا من فنون الأدب
ولولاه كنا على جهلنا
وما كان شخصُ قرى أو كتب
جزاه الإله بخير الجزا
وأعطاه من فضله ما أحب
فطوبى لمن كان في طوعه
وتبت يدا كل عاصٍ وتب
فمن طاعه نال كل المنى
ومن مال عنه ينال التعب
هذا إلى جانب القصائد التي كان يناقض بها معاصريه.
وكلها قصائد تنبئ عن طول باعة في الشعر وقدرته على تصريف الكلام وعدم تفويته لفرص القول على اختلافها. .
ولا بد من القول إن ما بين أيدينا من شعر امناجي ثواب يعود الفضل فيه لإبنيه (يحيى) و(محمد) وتالياً.. أحمد سعد الله .. الذي حفظ من يحيى ومن محمد ومعهم الأستاذ الكبير/ علي الأهدل الذي أظن أنه حفظ عن الشاعر يحيى مناجي ومعنى هذا أن ما بين أيدينا من شعر المناجي .. هو ما قاله بعد أن كبر أولاده يحيى بالذات .. الذي كان لصيقاً بأبيه وشبيهاً به في بعض النواحي ومنها قول الشعر ..
فيحيى ومحمد يحفظان .. قصائد .. أو مقاطع مما قاله أبوهما .. في قضية سجنه .. وفي وساطته لذياب ..
وفي اعتذاره عن العودة إلى القناوص .. وفي وادي سهام .. والرد على ابن امحنيش .. وتبقى المقاطع الصغيرة الطريفة التي كانت بينه وبين هلهل النهاري أو هجائه لشحاته .. فيجوز أنه كان يحكيها لأبنائه فحفظوها .. ويجوز أيضاً أن يكون قد قالها بعد عودته إلى القناوص وبعضها حفظها ابنه يحيى من رواة وليس من أبيه كما يقول .. مثل ممازحته لشاعري جهات عبس.. وهذا يعني أن الممازحة قد تكون حدثت قبل هجرة الشاعر إلى الحديدة.
بمعنى آخر .. فإن ما بين أيدينا اليوم من شعر هذا الشاعر .. هو ما أسلمته الذاكرة من خياناتها واحتفظت به لنا ..
وهذا التوثيق بمقدار ما يسرنا أنه سيحفظ هذه البقية من شعر امناجي.. كما سيحفظ خطوط سيرته وتأريخه واضحة إلى حد كبير .. فإنه أيضاً .. باعث على الحزن العميق .. لضياع ما ضاع.. من ذلك الشعر ومن معالم تلك السيرة.
كما أنه توثيق يطمح أن يكون وخزة تحفز كلّ المحبين لتراثنا من أجل إلى المسارعة إلى توثيق ما تبقى منه قبل أن يلحق بما ذهب ..
من خصائص شعر المناجي
يعد امناجي ثواب من الشعراء الشعبيين الذين لم يتميزوا بطريقة واحدة في القول ..
فهو ليس مثل بكير الذي أبدع معظم شعره إن لم يكن كله على منوال .. واحد ..
وبحر متشابه .. إلى حدّ كبير ..
مثل:
حث البرق وله ماطر
ولا صحى مثلبه
يوم الخميس طليّه
فرع امقناوص دكم
الخن عود واحدُ
لما وقد شي دخن
يا أرض يا غروريه
كما تشن لفلفي
عيني تخيل ما طرُ
على دمشق العراق..
وغيرها .. مما يمكننا أن نقول إن بكيراً.. كان محكوماً بالنغم/ الصوتي الذي كان يقول من خلاله شعره.. ف
لقد التقيت بـ(أبو الغيث ثواب) مرتين أو أكثر شتاء عام 2001م.. وشتاء عام 2003م وحدثته مراراً عن ضرورة إخراج ذلك الدفتر أو تلك الأوراق .. ولكن تردده أو همني أن ما بحوزته ربما يكون قد ضاع .. وهذا مؤسف جداً..
فإذا جزمنا أن نصوص المناجي الثلاثة التي قالها في هجاء شحاته والرد على النهاري .. وممازحة هلهل هي من إنتاج الفترة التي قضاها في القناوص قبل رحيله عنها .. فإن شعر الأربعين سنة الأولى من شعره يكون قد ضاع ضياعاً محزناً.. أما إذا كانت النصوص الثلاثة المشار إليها مما قاله بعد عودته إلى القناوص .. فإن ضياع نتاج الأربعين سنة الأولى من إبداع امناجي يكون كارثة حقيقية .. وهذا يؤكد على:
أولاً: أن شعر المناجي في التصوف والتضرع إلى الله ومدائحه للمناصب والأولياء .. وما قاله من شعر ديني عامة .. قد ضاع .. وهو لاشك شعر كثير .. فكما نعلم أن المناجي كان مقصّداً له صوت حلو . وأنه إلى جانب ما ينشده للآخرين .. كان يلحن شعره وينشده وهذا ما سيدعوه دائماً إلى إبداع قصائد جديدة استجابة لطبعه واستجابة لما تفرضه المناسبات المختلفة..
ثانياً: كما أن بوسعنا أن نجزم أن الأحداث العامة .المتغيرات الاجتماعية .. والحالات الإنسانية.. كانت من أهم بواعث القول عند هذا الشاعر.. وهو المتصل بسراة الناس الشغوف بأحوالهم ووقائعهم.. وأحداث حياتهم .. من أعراس ومآتم وولادات ومقاتل .. ومشاكل وظواهر اجتماعية وسياسية وحتى طبيعية .. نقول جازمين . قياساً على ما توفر من شعره الذي قاله عندما كان في الحديدة.
فقد عبر عن ذاته .. وناضل في أزمته التي تسبب بها مسعود بقصائد .. مختلفة.
كما عبر عن موقف من أحداث المجتمع والمنطقة بشفاعاته لذياب..
وقال في الإخوانيات - كما في قصيدته التي أرسلها إلى صديقه محمد يحيى دهمش وشارك في المثاقفات برده على ابن الحنيش.. ووثق لكارثة تأريخية هي كارثة فيضان وادي سهام..الخ
وكانت له اهتمامات وطنية نتبينها من النشيد المدرسي الذي أنشأه عندما كان أبناؤه في المدرسة بالحديدة.. وقد وفق فيه إلى درجة لا تصدق حيث يقول:
سمونا فخاراً بأعلى النسب
حميد المساعي رضيع الرتب
إمام البرايا عماد العلى
سلالة طه خيار العرب
عليه الصلاة بعد الحصى
فإن سلامي عليه وجب
علوم الشريعة أحيالنا
وأحيا لنا من فنون الأدب
ولولاه كنا على جهلنا
وما كان شخصُ قرى أو كتب
جزاه الإله بخير الجزا
وأعطاه من فضله ما أحب
فطوبى لمن كان في طوعه
وتبت يدا كل عاصٍ وتب
فمن طاعه نال كل المنى
ومن مال عنه ينال التعب
هذا إلى جانب القصائد التي كان يناقض بها معاصريه.
وكلها قصائد تنبئ عن طول باعة في الشعر وقدرته على تصريف الكلام وعدم تفويته لفرص القول على اختلافها. .
ولا بد من القول إن ما بين أيدينا من شعر امناجي ثواب يعود الفضل فيه لإبنيه (يحيى) و(محمد) وتالياً.. أحمد سعد الله .. الذي حفظ من يحيى ومن محمد ومعهم الأستاذ الكبير/ علي الأهدل الذي أظن أنه حفظ عن الشاعر يحيى مناجي ومعنى هذا أن ما بين أيدينا من شعر المناجي .. هو ما قاله بعد أن كبر أولاده يحيى بالذات .. الذي كان لصيقاً بأبيه وشبيهاً به في بعض النواحي ومنها قول الشعر ..
فيحيى ومحمد يحفظان .. قصائد .. أو مقاطع مما قاله أبوهما .. في قضية سجنه .. وفي وساطته لذياب ..
وفي اعتذاره عن العودة إلى القناوص .. وفي وادي سهام .. والرد على ابن امحنيش .. وتبقى المقاطع الصغيرة الطريفة التي كانت بينه وبين هلهل النهاري أو هجائه لشحاته .. فيجوز أنه كان يحكيها لأبنائه فحفظوها .. ويجوز أيضاً أن يكون قد قالها بعد عودته إلى القناوص وبعضها حفظها ابنه يحيى من رواة وليس من أبيه كما يقول .. مثل ممازحته لشاعري جهات عبس.. وهذا يعني أن الممازحة قد تكون حدثت قبل هجرة الشاعر إلى الحديدة.
بمعنى آخر .. فإن ما بين أيدينا اليوم من شعر هذا الشاعر .. هو ما أسلمته الذاكرة من خياناتها واحتفظت به لنا ..
وهذا التوثيق بمقدار ما يسرنا أنه سيحفظ هذه البقية من شعر امناجي.. كما سيحفظ خطوط سيرته وتأريخه واضحة إلى حد كبير .. فإنه أيضاً .. باعث على الحزن العميق .. لضياع ما ضاع.. من ذلك الشعر ومن معالم تلك السيرة.
كما أنه توثيق يطمح أن يكون وخزة تحفز كلّ المحبين لتراثنا من أجل إلى المسارعة إلى توثيق ما تبقى منه قبل أن يلحق بما ذهب ..
من خصائص شعر المناجي
يعد امناجي ثواب من الشعراء الشعبيين الذين لم يتميزوا بطريقة واحدة في القول ..
فهو ليس مثل بكير الذي أبدع معظم شعره إن لم يكن كله على منوال .. واحد ..
وبحر متشابه .. إلى حدّ كبير ..
مثل:
حث البرق وله ماطر
ولا صحى مثلبه
يوم الخميس طليّه
فرع امقناوص دكم
الخن عود واحدُ
لما وقد شي دخن
يا أرض يا غروريه
كما تشن لفلفي
عيني تخيل ما طرُ
على دمشق العراق..
وغيرها .. مما يمكننا أن نقول إن بكيراً.. كان محكوماً بالنغم/ الصوتي الذي كان يقول من خلاله شعره.. ف