اليمن_تاريخ_وثقافة
10.5K subscribers
141K photos
348 videos
2.17K files
24.5K links
#اليمن_تاريخ_وثقافة ننشر ملخصات عن تاريخ وثقافة اليمن الواحد الموحد @taye5
@mao777 للتواصل
Download Telegram
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
#رحلات_في_جنوب_الجزيرة_العربية

اكتشفناها قد شيدا خلال فترة زمينة عند ما كانت التجارة من الهند تتدفق إلى الجزيرة العربية في طريقها إلى مصر ومنها إلى أوروبا. وهكذا فإن بلاد العرب السعيدة التي كانت تضم اليمن وسبأ وحضرموت تحت حكم السبئيين أو الحميريين العظام اكتسبت هذه الكنية التي يستحق لها أن تفخر بها.
إن تاريخ هذه الأقاليم يكتنفه قدر كبير من الغموض غير أن (أغاثار شيدس) (١) في الفترة السابقة للعصر المسيحي يشهد على ثراء السبئيين ورفاهيتهم ويعزز رأيه هذا المؤلفون اللاحقون. إن هذا القوم وقبل أن تصبح (مأرب) عاصمتهم سيطر على مجمل حدود الجزيرة العربية الجنوبية. ونحن نعرف أنهم زرعوا المستوطنات في أماكن تسهل التجارة وتعزز مؤسساتهم.
لم تكن التجارة مقتصرة على طريق واحد بل على العكس من ذلك نحن نعلم ومنذ عهد مبكر بوجود العديد من المدن المزدهرة الواقعة على ساحل البحر أو بالقرب منه. إننا لا نعلم شيئا عن الأجزاء الداخلية من هذه البلاد المدهشة ، إلا أن هناك أسبابا تدفعنا إلى الاعتقاد ، كما هو الحال مع (نقب الهجر) ، بأن هذه القلاع لا تشير إلى الطرق التي كانت تسلكها القوافل في السابق فحسب ، بل وتشير أيضا إلى الطرق الطبيعية في وسط الجزيرة العربية.
والكتابات التي واتاني الحظ في العثور عليها سوف تخلق اهتماما كبيرا وسط المثقفين. ففي الوقت الذي ندم فيه (بركهاردت) على غياب المعلومات ذات الصلة بأصل المؤسسات المدنية عند البدو ، فإنه يلاحظ بأن «اكتشاف النصب القديمة والكتابات في نجد واليمن قد يؤدي إلى الكشف عن الكثير من الحقائق التاريخية المختصة بهذا الموضوع». وفي الزمن الذي انزل فيه (القرآن الكريم) كان نوعان من الكتابة يستعملان في الجزيرة العربية وهما الكتابة الكوفية وهي الكتابة التي دون بها القرآن وتعبر عن لهجة قريش والحميرية التي كان يستعملها أهل اليمن. وقد فقدت الكتابة الثانية ولا ادري على أي من الأسس خمّن بعض فقهاء اللغة أنها ذات صلة قريبة من الكتابة الحبشية. لكن عند ما
______
(*) عالم اغريقي ولد عام ١١٦ ق. م.
ظهر القرآن الكريم بالخط الكوفي صعب على أهل اليمن قراءته بها (١). ومما يدعو إلى الأسف أننا لا نملك أي كتابات من البلاد التي يمكن أن تقرر هذه النقاط. وقد صب (نيبور) اهتمامه عليها على الرغم من أنه لم يستطع خلال إقامته هناك الحصول على أي منها. وقد عرضت عليه بعض الكتابات في (المخا) وكانت استنسخت على بعد مسافة من الساحل ، إلا أن مرضه جعله يدرك أنه كان أكثر اهتماما بالأفكار الخاصة بالغاية النهائية وليس رغبته في استنساخ كتابات مجهولة. بيد أنه يخمن من خلال الذكريات ليس إلا بأنها قد تكون فارسية أو أن حروفها تتميز برؤوس مدببة تشبه السهام. إلا أنه لا يمكن ملاحظة أي شبه بينها وبين الكتابة التي عثر عليها (سيتزان) في طريقه إلى (صنعاء) ولا حتى بينها وبين أي كتابة أخرى ذكرتها. وبسبب الموقع الذي وجدت علية الكتابة الأخيرة ، ولأسباب أخرى ، فإنني أملك الجرأة على القول بأنها هي والكتابة التي اكتشفناها عند (حصن الغراب) إنما هي الكتابة الحميرية المفقودة. وإذا ما ثبتت صحة ذلك فإن التشابه مع الكتابة الأثيوبية ليس حدسيا طالما يمكن ملاحظة التشابه التام في العديد من الصفات. إنني لست عليما بأدب الشرق على نحو يمكنني من متابعة الموضوع متابعة أكبر ، والملاحظات الوارد ذكرها أعلاه أقدمها على حياء. وقد تم تصوير هذه الكتابات وأرسلت إلى (جيسينيوس) في مدينة (هال) وفي الوقت الذي تشغل فيه كل اهتمامه ، فإننا نستطيع أن نأمل بأن النتيجة ستكون تفسيرا ناجحا.
إن (نقب الهجر) تقع في الجهة الشمالية الغربية على مسافة ثمانية وأربعين ميلا في قرية (عين) التي تبدو مؤشرة على الخارطة عند خط العرض ١٤ درجة ودقيقتين شمالا وخط الطول ٤٦ درجة و ٣٠ دقيقة شرقا تقريبا. وتتوسط واد عظيم يطلق عليه سكان المنطقة اسم (وادي ميفعة) الذي يعد بسبب خصوبته أو سكانه أو سعته أبرز الملامح الجغرافية التي تم لنا اكتشافها حتى الآن على ساحل الجزيرة العربية الجنوبي. ويبلغ طول الوادي من بدايته عند ساحل البحر وحتى بلدة (حبّان) خمسة وسبعين ميلا أي ما يقارب مسيرة أربعة أيام.
______
(*) كيف يكون ذلك ، فالخط الكوفي تطور على يد اليمنيين الذين سكنوا الكوفة لأن ذلك الخط كان يقسم بالتربيع المعروف في خط المسند اليمني المألوف لديهم كما أن لغة عرب الشمال كانت قد انتشرت في اليمن منذ القرن الثاني الميلادي وشاع استعمالها باستقرار قبلائل كندة وقد حج والأزد وقضاعة ومراد وغيرها في كل أنحاء اليمن منذ نهاية القرن الثالث الميلادي.
أما فيما وراء هذا الحد ، فإنني لم أتمكن من تحديد طوله. وتقول مختلف السلطات المحلية بأن المسافة كلها تستغرق خمسة إلى سبعة أيام إضافية أخرى. والمنطقة تكثر فيها القرى الصغيرة والأراضي الزراعية. وفي خلال سيرنا مسافة خمسة عشر ميلا أحصينا ما يزيد عن ثلاثين قرية يضاف إلى ذلك العديد من البيوت المتفرقة المنفردة.
أما بساتين النخيل فتزداد عددا كلما اقتربنا من ساحل البحر في حين تتناقص مساحات الأراضي الزراعية. وهناك بعض القرى التي تحتوي كل واحدة منها على ما يزيد عن مائة أو مائتي بيت ، وهي بيوت متشابهة في شكلها ومشيدة بنفس مواد البناء (الآجر المشوي بالشمس) كما هو الحال مع البيوت الواقعة على ساحل البحر. ولم أشاهد أي أكواخ ، كما لا توجد أي بيوت مشيدة بالحجارة على الرغم من أن العديد من القرى تحتوي على أكثر من مسجد وثلاثة أو أربعة أضرحة للأولياء.
ويبدو أن اهتماما قد انصرف في هذه المنطقة إلى الحرف الزراعية أكثر مما هو عليه الحال في الأجزاء الأخرى من الجزيرة العربية التي شاهدتها حتى الآن. الحقول محروثة على نحو منتظم ودقيق يرضي الفلاح الإنكليزي. ويقوم الفلاحون بتخليص التربة من الحجارة القليلة المنتشرة عليها ويسقونها صباحا ومساء على نحو كثيف من الآبار العديدة. ويتم سحب المياه باستخدام الإبل (وهذا شيء غير مألوف ، لأنها قلما تستخدم كحيوانات للسحب في أي جزء من بلاد الشرق) ، ويتم توزيعها على سطح الأرض على امتداد سداد مرتفعة. ويتم الاحتفاظ بكمية كافية من هذه المياه داخل السدود عند ما يمتلئ جدول الماء ويغمر قعره. وعندئذ قد تكتسح هذه المياه الأشجار ، بل وحتى البيوت في بعض الأحيان ، لكن هذا الضرر يعوض عنه الطين المترسب الذي يمتاز بدرجة إنتاجيته العالية المقاربة لإنتاجية النيل في مصر على الرغم من أن ذلك الطين ذي لون فاتح وطبيعة أشد صلابة. أما فيما وراء ما شاهدته ، فلا تزرع أي فواكه أو محاصيل زراعية.
بعد أن ذكرت كل الملاحظات الضرورية عن الآثار والمناطق المحيطة بها ، بدأ البدو عند اقتراب المساء يطالبون متذمرين بالرحيل. وفي الساعة الرابعة عصرا ، انتهينا في وضع الحمولة على الإبل ، وبدأنا رحلتنا حتى غروب الشمس تقريبا حيث توقفنا عند إحدى القرى.
كان استقبالنا في تلك القرية مغايرا جدا للاستقبال الذي حظينا به في القرية الأولى في
230
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
#طبقات_صلحاء_اليمن_البريهي

وَأما ولد الإِمَام وجيه الدّين الثَّانِي فَهُوَ الْفَقِيه الْعَالم صفي الدّين أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن عمر أخْبرت أَنه كَانَ إِمَام الفصحاء وقدوة البلغاء يجتنى من رياض معارفه الْعُلُوم ويقتطف من أزهارها المنثور والمنظوم قَرَأَ فِي الْفِقْه على أَبِيه وأخيه الْمقدمِي الذّكر ثمَّ على جمَاعَة من عُلَمَاء وصاب وعَلى الإِمَام الْمُحدث برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن عمر الْعلوِي بتعز وعَلى غَيرهم وسافر إِلَى مَكَّة المشرفة فحج وزار قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَرَأَ على الْأَئِمَّة هُنَالك فأجازوا لَهُ وَكَانَت لَهُ فطنة وقادة وطبيعة منقادة حُلْو الْكَلَام محببا إِلَى النَّاس مقرءا مُحدثا فَقِيها نحويا لغويا لبيبا مهيبا لطيفا ظريفا حَافِظًا لافظا محققا شَاعِرًا فصيحا جَامعا لجَمِيع فنون الْعلم اشْتهر بذلك مَعَ وجود أَبِيه وأخيه وصنف كتبا كَثِيرَة مِنْهَا الْإِرْشَاد فِي سباعيات الْأَعْدَاد وَهُوَ كتاب عَجِيب مُفِيد وَمِنْهَا كتاب رياضة النُّفُوس الزكية فِي فضل الْجُوع وَترك اللذائذ الشهية وَمِنْهَا كتاب تحفة الطالبين وَتَذْكِرَة السالكين وَمِنْهَا كتاب التَّعْرِيف فِي بَيَان أَحْكَام التَّأْلِيف وَمِنْهَا جُزْء مُخْتَصر فِي مدح الطول وذم الْقصر وَله غير ذَلِك من المصنفات وَله ديوَان شعر فِي مُجَلد ضخم أَخْبرنِي الْفَقِيه الصَّالح إِبْرَاهِيم بن حسن بن سَالم من قَرْيَة المخادر أَنه رأى فِي النّوم قَائِلا يَقُول بلغ الْعلم السار بانتقال صفوة الأخيار ذِي السكينَة وَالْوَقار إِلَى منَازِل الْأَبْرَار فليهنه طيب الْجوَار فَحمل ذَلِك على موت هَذَا الْفَقِيه لِأَن هَذِه الرُّؤْيَا كَانَت وَقت أَن مَاتَ توفّي رَحمَه الله تَعَالَى سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وثمانمئة
وَكَانَ لَهُ خَمْسَة أَوْلَاد اشْتهر مِنْهُم اثْنَان أَحدهمَا الْفَقِيه الْعَلامَة الرحالة عبد القدوس كَانَ فَقِيها مجودا قَرَأَ على بعض أَهله وعَلى غَيرهم وأجازوا لَهُ فدرس وَأفْتى وَهُوَ الْأَكْبَر من أَوْلَاد أَبِيه وَالثَّانِي هُوَ القَاضِي الْعَلامَة أَبُو مُحَمَّد عبد الْعَزِيز وَكَانَ إِمَامًا عَاملا عَالما فَقِيها ذكيا ورث الْفَضَائِل من آبَائِهِ الأفاضل وفَاق أهل وقته بِحسن الْأَخْلَاق وَالشَّمَائِل تفقه على بعض أهل بَلَده ثمَّ ارتحل إِلَى شنين فِي بلد السحول فَقَرَأَ على الإِمَام رَضِي الدّين أبي بكر عمر الأصبحي الشنيني حَتَّى انْتفع فَأجَاز لَهُ فَعَاد إِلَى بَلَده فدرس وَأفْتى وَأَحْيَا مآثر أَهله وَتَوَلَّى الْقَضَاء فِي بَلَده وَكَانَ مَقْصُودا للمهمات مكرما للضيف شَاعِرًا مُولَعا بِكَثْرَة التَّزْوِيج حكى بعض أَهله أَنه تزوج امْرَأَة سَحْمَاء فَقَالَ على صفة المزاح شعرًا اشْتهر على أَلْسِنَة الْعَامَّة من ذَلِك قَوْله (حكمت بِأَن الْبيض خير من السحم ... وأجريت أحكامي وَمَا جرت فِي حكمي) وَهِي قدر اثْنَي عشر بَيْتا وَذَلِكَ مُثبت فِي الأَصْل فَلَمَّا وقفت الزَّوْجَة على هَذِه القصيدة واشتهرت بوصاب وتناقلتها الألسن سَاءَ ذَلِك السحماء زَوجته فَأرْسلت لجَماعَة من النِّسَاء فاجتمعن إِلَيْهَا ثمَّ دخلن على القَاضِي الْمَذْكُور إِلَى مجْلِس كتبه الَّذِي يَخْلُو فِيهِ للتدريس والتأليف فَلَمَّا رآهن قَالَ لامْرَأَته مَا بالكن فَقَالَت أَتَيْنَا لنخاصمك على قصيدتك الَّتِي قلت فِيهَا حكمت بِأَن الْبيض خير من السحم فَقَالَ الذَّنب هَين فَقُلْنَ مَا نتحول من مَكَاننَا حَتَّى تنَاقض هَذِه القصيدة فَكتب مَا مِثَاله مناقضا لقَوْله الأول (أيا مادحا للبيض من غير مَا علم ... وَيَا مُعْلنا للسحم بالسب والذم)
أفق وانتبه وارجع إِلَى الْحق واتعظ ... وَتب عَن قَبِيح القَوْل وَالْفُحْش والجرم) وَهِي طَوِيلَة وَقد ذكرتها فِي الأَصْل تركت هُنَا ذكرهَا إيثارا للاختصار فَلَمَّا فرغ من نظم ذَلِك أخذت النِّسَاء نسختها وشهرتها فتناقلتها الألسن من الرِّجَال وَالنِّسَاء بِتِلْكَ الْبَلَد وَمن شعره مَا نبه بِهِ على أَن كل أحد يعود إِلَى أَصله فَقَالَ (خُذ العوسج الْمَشْهُور بالشوك غارسا ... لَهُ فِي فتيت الطين أَو كثب الْمسك) (وأسقه ذوب الشهد أَو بقطارة ... يكون جناه الشوك حَقًا بِلَا شكّ) (كَذَاك يعود الطَّبْع وَالْأَصْل دَائِما ... يَقِينا وتحقيقا إِلَى الطَّبْع والبتك) وَله غير ذَلِك من الشّعْر الْحسن توفّي رَحمَه الله تَعَالَى بمنزله بالحرف سنة خمس وَعشْرين وثمانمئة وَنَشَأ لَهُ ولد نجيب هُوَ الْفَقِيه الصَّالح جمال الدّين مُحَمَّد قَرَأَ فِي الْعلم على أَبِيه وعَلى غَيره فدرس وَأفْتى وَتَوَلَّى الْقَضَاء هُنَالك وَكَانَ عَالما صَالحا يَصُوم النَّهَار وَيقوم اللَّيْل وَيكرم الضَّيْف وَظَهَرت لَهُ كرامات أَقَامَ على الْحَال المرضي فِي التدريس وَالْفَتْوَى وَالْعِبَادَة إِلَى أَن توفّي مقتولا بعد سنة أَرْبَعِينَ وثمانمئة فَعظم الْأَمر على أهل وصاب واحتالوا فِي معرفَة من قَتله حَتَّى فضحهم الله فَلَزِمَ وَالِي الْأَمر أحد قاتليه فَأقر بذلك وَقَالَ كُنَّا أَرْبَعَة عشر فَبعد أَن قَتَلْنَاهُ اجتهدنا بِأَن نطرح جثته إِلَى ضاحة هُنَالك لنخفي قَتله وحملناه لنطرحه فَلم نقدر نسقطه إِلَى الضاحة بل جلس كالحي ورزن حمله علينا فعجزنا عَن طَرحه فَقتل الْوَالِي من قدر على إِمْسَاكه
من قاتليه وَمَات باقيهم بأقرب مُدَّة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ آمين وَأما الثَّالِث من أَوْلَاد الإِمَام وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن عمر الْمُقدم ذكره فاسمه عبد الله تفقه على أَبِيه وَإِخْوَته فأجازوا لَهُ فدرس وَأفْتى وَكَانَ زاهدا عابدا وَامْتنع عَن قبُول التَّمْلِيك لما بذل أَهله أَن يعطوه من الأَرْض تورعا وَكَانَ متورعا عَن الْفَتْوَى وَإِذا سُئِلَ عَن مَسْأَلَة قَالَ هِيَ فِي الْكتاب الْفُلَانِيّ بالصفحة الْفُلَانِيَّة وَالنَّص فِيهَا كَذَا وَكَذَا قَالَ ابْن أَخِيه صَاحب الِاعْتِبَار مَا مِثَاله صَحَّ عِنْدِي أَن عمي عبد لله لم ينظر إِلَى امْرَأَة أَجْنَبِيَّة قطّ وَإِنَّمَا كَانَ يغض بَصَره إِذا سَار فِي طَرِيق وَقضى أَكثر أَيَّامه معتكفا فِي الْمَسْجِد اَوْ وَاقِفًا فِي بَيته وَأجْمع أهل بَلَده على صَلَاحه وَلم أتحقق تَارِيخ وَفَاته رَحمَه الله ونفع بِهِ آمين وَمِنْهُم القَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد بن عمر بن أَحْمد بن مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن الحبيشي الْمُقدم الذّكر كَانَ هَذَا القَاضِي فَقِيها قَرَأَ على جمَاعَة من أَهله وَمن غَيرهم وَلما قتل ابْن عَمه القَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز الْمُقدم الذّكر قَامَ مقَامه بالتدريس وَالْفَتْوَى وَولَايَة الْقَضَاء وَلم يزل على ذَلِك الى أَن توفاه الله تَعَالَى قريب سنة خمسين وثمانمئة وَمن أهل وصاب الْفَقِيه الصَّالح الْوَلِيّ شمس الدّين يُوسُف بن الميسر الشهابي نسبا قَرَأَ على الْأَئِمَّة من أهل وقته ثمَّ وصل إِلَى مَدِينَة ذِي جبلة فَقَرَأَ على الإِمَام رَضِي الدّين بن الْخياط وَصَحبه الْفَقِيه عفيف الدّين عَطِيَّة بن عبد الرَّزَّاق فَقَرَأَ عَلَيْهِ بالفقه وَأَجَازَ لَهُ وَأخْبر عَنهُ بكرامات ثمَّ ارتحل من مَدِينَة ذِي جبلة إِلَى بَلَده فَتوفي بهَا وَلم أتحقق تَارِيخ وَفَاته إِلَّا أَنه كَانَ فِي الْحَيَاة بِأول المئة التَّاسِعَة رَحمَه الله ونفع بِهِ
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
#رحمان #رحمن #رحمنن #اليمن

حمن
هو الإله التوحيدي الذي عبده اليمنيون القدماء في القرن الرابع الميلادي،[] وكان الحميريون قد تخلوا عن الوثنية وعبادة الأصنام حينها. ففي القرن الرابع الميلادي، اعتنق اليمنيون الديانة اليهودية ووجد اسم رحمن كأحد أسماء الله،[] وتشير إليه النصوص بأنه «رب السماوات والأرض» (الذي له ملك السماوات والأرض).
حسب الدين الإسلامي الرحمن من أسماء الله الحسنى:
 هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ   سورة الحشر 22
 قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا   سورة الإسراء 110
د اسماعيل #المقبالي

تطور عبادة الرحمن في الجزيرة العربية قبل الإسلام
اسهب المؤرخ جواد علي في مناقشة قضية عبادة الرحمن قبل الإسلام مستعيناً بالنصوص التي كشفها علم الآثار في الجزيرة العربية في العصر الحديث، وأوضح أن هذا النمط من العبادة كان منتشراً في جنوب وشمال الجزيرة العربية, حيث عرفت عبادته عدد من القبائل العربية في الجاهلية وهذا يدحض تماماً كلام كثير من المفسرين والمؤرخين الذين اعتمدوا على نقل الروايات, وما ذكره أيضا الطاهر بن عاشور في تفسير التحرير والتنوير والتي قصرت ظهور أسم الرحمن عند العرب ببداية ظهور الإسلام، حيث يذكر جواد علي في المفصل ما نصه (ونقرأ في النصوص العربية الجنوبية اسم إله جديد، هو الإله “رحمنن”، أي “الرحمن”. وهو إله يرجع بعض المستشرقين أصله إلى دخول اليهودية إلى اليمن وانتشارها هناك. وهذا الإله هو الإله “رحمنه” Rahman-a “رحمنا” في نصوص تدمر. وورد في نص: “رحمنن بعل سمين” “رحمنن بعل سمن”، أي “الرحمن رب السماء”، أي أنه إله السماء. فصار في منزلة الإله “ذ سموي”. ثم لقب بـ”رحمنن بعل سمين وأرضن”، أي “الرحمن رب السماء والأرض” في نصوص أخرى. فصار إله السماوات والأرضين.) كما بين في موضع أخر أن عبادة الرحمن ترجع إلى ما قبل مائتين سنة تقريباً قبل ظهور الإسلام فيقول (وورد اسم الإله: “يعوق” أي الصنم يعوق المعروف، في نص متأخر، يعود عهد إلى ما بعد الميلاد، وورد معه اسم: “رحمنن بعل سمن”، أي “الرحمن رب السماء”. وقد أرخ النص بشهر “ذ دون” “ذ داون” “ذي دوأن” لسنة “٥٧٤” من التأريخ الحميري. المقابلة لسنة “٤٥٩” للميلاد)، كما انتقلت عبادة الرحمن إلى النصرانية التي دخلت الجزيرة العربية فيذكر جواد علي (وقد جاء اسم “شرحب إيل يكف” “شرحبيل يكف” في كتابة مؤرخة بسنة “٥٧٥” من التقويم الحميري، المقابلة لسنة “٤٦٠” للميلاد. وقد وردت في الكتابة جملة: “رحمنن وبنهو كرشتش غلبن”، أي: “الرحمن وابنه المسيح الغالب”، وقد استعمل لفظة “كرشتش” في مقابل لفظة Christus, مما يدل على أن صاحبها نصراني. )
كما أن الشخصية المشهورة في التاريخ الإسلامي أبرهة الحبشي قد وجدت له نقوش تثبت عبادته للرحمن، فيقول جواد علي (وقد تلقب “أبرهة” في هذا النص كما تلقب في نص سد مأرب بلقب الملك الذي كان يتلقب به ملوك اليمن، وهو: “ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت “اليمن” وأعرابها في النجاد “طودم”، وفي المنخفضات “تهمتم”، “تهامة”، كما افتتحه بجملة: “نخيل رحمنن ومسحهو”، أي “بحول الرحمن ومسيحه”، وقد سبق لـ”أبرهة” أن افتتح نصه الذي دونه على “سد مأرب” بجملة: “بخيل ودا ورحمت رحمن ومسحهو ورح قدس”، ومعناها: “بحول وقوة ورحمة الرحمن ومسيحة روح القدس”، والجملتان من الجمل التي ترد في نصوص اليمن لأول مرة، وذلك بسبب كون أبرهة نصرانيا، وقد صارت النصرانية في أيام احتلال الحبش لليمن ديانة رسمية للحكومة، باعتبار أنها ديانة الحاكمين، وعرف “أبرهة” في النصين بـ”أبره زيبمن”، أي “أبرهة زيبمان”، ولفظه “زي ب م ن” “زيبمن” من ألقاب الملك في لغة الأحباش١.)، ويلخص جواد علي رؤيته حول عبادة الرحمن في الجاهلية فيقول (وفي هذا الخبر إن صح، دلالة على أن أهل مكة كانوا قد سمعوا بعبادة “الرحمن” وأنهم سمعوا أن قوما من الجاهليين دعوا إلى عبادته، وأن “أبا جهل” كان قد سمع قولهم، ولهذا أخذ على النبي قوله: يا الله يا رحمن. ولا يعقل ألا يكون لأهل مكة علم بعبادة “الرحمن” التي تحدثت عنها في موضع آخر، وقد كان)
وقد ناقش المفكر السوري عزيز العظمة في كتابه الجديد الصادر في عام 2014 باللغة الإنجليزية “The Emergence Of Islam in Late Antiquity ظهور الإسلام في أواخر العصور القديمة” عبادة الرحمن عند عرب الجنوب، حيث ذكر بأن هناك إشارات لهذا الاسم في التلمود والكتب المسيحية كما استخدم اسم رحمن كبديل لأحد المعبودات في تدمر وهو “عزيزو Azīzu” واستخدم في حوران “ذو رحمون Dhū Rahmūn”  كبديل للإله “بعل شمين Baalshamīn”، وذكر أيضا في صفحة ٣١١ بأن (إله باسم الرحمن كان من المرجح جداً أنه كان معروف وربما معبود في اليمامة وفي وسط شرق الجزيرة العربية خلال فترة محمد). كما ينقل جورج كدر في كتابه ” معجم آلهة العرب قبل الإسلام” تحت باب “الرحمن/رب السماء والأرض” بأن عباده الرحمن من العبادات التي انتشرت قبل الإسلام، وبأن عبادة (الرحمن) في شكلها المبكر قبل الميلاد وبعده هي العبادة التي اصطلح عليها الدارسين في بحوثهم تسميه اليمنيين من عبّاد “الرحمن” بالرحمانيين، وهذه النمط من التوحيد اليماني القديم المرتكز حول عبادة الرحمن في جنوب الجزيرة العربية تؤكدها أيضاً الموسوعة اليمنية في المجلد الثاني تحت باب “الديانة في اليمن قبل الإسلام” التي رجحت أن هذا النمط من العبادة سابق لدخول اليهودية والمسيحية لليمن، حيث ذكرت في خاتمة هذا الباب {ويلاحظ في نقوش النصف الثاني للقرن الرابع الميلادي ظهور عبادة (إله السماء والأرض) وعبادة الرحمن (رحمنن) ويتلو ذلك بمدة زمنية
قصيرة ظهور الديانة اليهودية. وفي النقوش المتأخرة دلائل على انتشار الديانة المسيحية في اليمن، وقد دفع انتشار اليهودية والمسيحية في اليمن كثيراً من الباحثين إلى القول بأن الديانات التوحيدية التي ظهرت في اليمن قبل الإسلام هي الديانات اليهودية والمسيحية فقط، وإن عبادة (إله السماء والأرض) وعبادة (الرحمن) هي إما ديانة يهودية أو مسيحية، غير أن البحث الدقيق في معطيات نقوش تلك الفترة، وتتبع سير تطور الفكر الديني لدى اليمانيين يؤكد على أن التوحيد اليماني ربما سبق دخول أي من الديانتين اليهودية والمسيحية، وأن عبادة (الرحمن) ليس لها أي علاقة بعبادة إسرائيل أو بالثالوث المقدس}. كما نختم هذا البحث بدراسة الأستاذ محمود محمد الروسان بعنوان (القبائل الثمودية والصفوية-دراسة مقارنة) من قسم الآثار بكلية الآداب في جامعة الملك سعود سنة ١٩٩٢م، فيذكر في باب الديانة في النقوش الثمودية تحت عنوان “رحم ، ورحيم” في صفحة ١١٦( عرفه التدمريون بلفظ رحمنه بجانب اللات وورد في النقوش الصفوية بلفظ رحم كما جاءت بالنقوش الثمودية)، كما يذكر في باب الديانة في النقوش الصفوية تحت عنوان “رحم” في صفحة ٤٤٣ {ورحام اسم مقدس عرف عند السبئيين وكذلك عند التدمريين والصفويين، فهو من الآلهة التي ربطت الديانة العربية الجنوبية والديانة العربية الشمالية، وعثر على نص صفوي يذكره( …والثأر: يا رحام أنقذه )}.
وهكذا نرى كيف أن علم الآثار أضاء مساحات جديدة كانت مجهولة من تاريخ تطور المعتقدات الدينية في الجزيرة العربية حتى استقرت في شكلها النهائي عند بدايات ظهور الإسلام، وربما أشاره الاستاذ الروسان حول تطور منظومة عبادة الرحمن (سواء أكانت بتأثير يهودي-مسيحي أو بتأثير سابق على هذه المرحلة) والدور المحوري الذي لعبته من خلال إيجاد نوع من الربط العقائدي  بين جنوب وشمال الجزيرة العربية هو ما كرس لاحقاً لظهور عقيدة التوحيد بصيغتها النهائية في الإسلام، فتكون هذه ” الفرادة الابتدائية عند الجماعة الدينية الناشئة” والتي جاء بها محمد هي الحلقة الاخيرة من سلسلة حلقات تطورية استغرقت فترات زمنية طويلة حتى استقرت في شكلها النهائي وليس بالضرورة بتلك الصورة المتعالية والفجائية التي تخيلتها المرويات الشفوية لاحقاً في كتب التراث, وربما هذا يفسر سبب انتشار ديانة التوحيد الجديدة بين القبائل العربية بهذه السرعة من خلال توفير صيغه توافقية-اندماجية ساعدت على الانتقال من أديان تعدديه أخذه في التآكل والانحلال ودين توحيدي كانت تتشكل معالمة ببطء تحت طبقات متعددة، فتكون عبادة رب السماء والأرض أو الرحمن هي نوع من أنواع الحلقات الوسيطة التي ساعدت على العبور من وثنية العرب التعددية إلى توحيدية الإسلام، كما أن هذه التفسير قد يساعدنا على فهم سبب الاستخدام المتكرر لأسم الرحمن في معظم فواتح سُوَر القرءان والتي ربما كانت بغرض أيجاد نوع من الربط النفسي والتداخل مع منظومة العبادات القديمة, وربما أيضا لكي تساعد المؤمنين الجدد على الانتقال السلس بين المنظومتين وبأدنى شكل من أشكال الانقطاع, لكن على الرغم من كل هذا التطور المتسارع في مجال البحث الأثري فالوقع يشير إلى انه ما زال من المبكر الحكم بشكل قاطع على شكل الإسلام المبكر خصوصا وأنه لا توجد حتى الأن أدلة تاريخية أو أثرية ملموسة من تلك المرحلة الانتقالية والتي أستمرت إلى بداية العهد الأموي, لذلك يشير الدكتور سليمان بشير في مقدمة كتابة “مقدمة في التاريخ الآخر-نحو قراءة جديدة للرواية الاسلامية ” بأن (أهم الإشكالات المنهجية في دراسة الفترة الانتقالية من الجاهلية وصدر الإسلام تنبع عن أن الرواية الشفوية, على فروعها المختلفة, هي المصدر الوحيد تقريباً لتلك الدراسة, الأمر الذي حتم توجيه الجزء الاكبر من طاقات وإمكانات البحث العلمي الحديث نحو مصداقية الرواية الشفوية أداة ومصدراً وثيقاً لذلك البحث), وحتى يجود لنا علم الآثار والمخطوطات بمزيد من الاكتشافات من تلك المرحلة الانتقالية فأن المجال ما زال بكراً ويغري الدارسين من مختلف التخصصات لاستثمار أحدث الأساليب والمناهج العلمية وتكريس المزيد من الأبحاث والندوات لقراءة هذه المرحلة المفصلية من تاريخ الجزيرة العربية وتاريخ الأديان.
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
النبي إبراهيم والتاريخ المجهول

#مكة_اليمنية

في النقوش المكتشفة حتى الآن، في آثار الجنوب العربي، ورد اسم غريب «أكثر من ألف مرة»، وكان واضحًا أنه علم على إلهٍ معبود، زعم الباحثون في آثار اليمن أنه اسم لمعبود سبئي، كما زعموا أنه كان إله القمر، ويعد أشهر معبودات اليمن طرًّا، وقد اجتهد هؤلاء في فهم الاسم ما بين اللامع والثاقب هذا هو الإله الذي سجَّلَتْه النقوش باسم «المقة».١
لكن على الجانب الآخر، يكشف لنا القرآن الكريم أن سبأ قد عبَدَت الشمس، وجاء ذلك في قول الهدهد لسليمان، وهو ينقل له خبرَ ملكة سبأ: وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ (النمل: ٢٤). والمعلوم عن عبادة الشمس أنها تسود في المناطق النهرية والبلدان الزراعية، لما تقومُ به الشمس من دورٍ أساسي في حياة النبات ونضوج المحصول، لذلك عبَدها السومريون باسم «أوتوا AUTU»، وعبدها البابليون وهم شعب سامي بالاسم «شمس SHAMASH»، والمصريون عبدوا الشمس باسم «رع RA»، و«آمون رع RA-AMON»، و«آتوم رع RA-ATUM». وفي كل الحالات كان هو رب الدولة والعرش، أما القمر فكان في العادة معبود الصحراء والبدو، لما له من أهمية في ليلها الموحش، ومن ثَمَّ فإن إشارة القرآن الكريم لعبادة دولة سبأ اليمنية للشمس، إشارة واضحة لارتباط هؤلاء أيضًا بالفلاحة والزرع، ويقول السهيلي: «وسبأ اسمه «عبد شمس وكان أول من تتوج» من ملوك العرب.»٢
ورغم أن الأمر ليس بقاعدة دائمة، ولا يمنع عبادة كلا الجرمين في أرض واحدة، فإن إشارة القرآن الكريم لعبادة الشمس في دولة سبأ، إنما تعني أنه كان الإله المعتبر لديهم عن بقية الآلهة، ومن ثَمَّ دفعتنا إشارة القرآن الكريم إلى مزيد من البحث وراء جذور سبأ، وكانت المفاجأة العظيمة أن يعلمنا الآثاري «فرتز هومل» أن هناك إشارات لا مجال للخلاف حولها، تؤكد قدوم السبئيين إلى بلاد اليمن، نازحين من مكان ما في الشمال. أما المفاجأة الثانية، فهي أن دولة سبأ بوجه خاص قد تميزت بكثرة الملكات من النساء، وهو أمر إن كان غريبًا تمامًا على الطبع البدوي، فإنه بشواهد التاريخ وطبيعة المجتمع، لم يكن غريبًا على المصريين! فأثار الرافدين تذكر في نصوص «بتجلتجسلر الرابع» ملكة من سبأ باسم «سمس»، كذلك أشارت نصوص الرافدين إلى ملكة سبئية باسم «زبيبي»، كذلك أشارت نصوص العاهل الرافدي «أسر حدون» إلى ملكة سبئية دون أن يشار إليها بالاسم، وأخرى ذكرتها نصوص «سنحريب» ومن أسماء ملكات سبأ اللاتي أنشأن علاقات مع حكومات الرافدين، الملكة «يثعي» والأميرة «تبوءة» أيام حكم الملك الرافدي «أسر حدون».٣
ولكن كان لعبادة القمر أيضًا دورها لدى سكان اليمن وكل بادية العرب، فقد عبده القتبانيون والحميريون بالاسم «عم» وعم القبيلة سيدها، وعبَدَه الحضارمة باسم «سين» و«ياسين»، وعبَدَه المعانيون بالاسم «ود» وعبده السبئيون كما سبق وأشرنا، حسبما يذهب المؤرخون باسم «المقة»، وإن كان لدينا تصور خاص يذهب إلى أن عبادة «المقة» تمثل نوعًا من التطور في العبادة، ومبعثنا إلى ذلك هو أن كل أنواع الآلهة التي ذكرها الإخباريون المسلمون عن عبادات العرب قبل الإسلام ذكرت شتى أنواع الآلهة بأسمائها عدا «المقة»، رغم أنه كان أشهر هذه الآلهة، ولم يكد يخلو نقش من اسمه، ومع ذلك وجدت جميع الآلهة طريقها للتدوين في كتب الأخبار بينما لم يرد اسم المقة بالمرة، وهو ما أثار حيرة الباحثين ودهشتهم ولم يزل! ومن هنا وقفنا مع «المقة» ذلك الاسم الغريب، نحاول الفهم.
ووجه الغرابة في نظرنا يكمن في أمرين: الأمر الأول، ويتعلق بحرفي «ال» في أول كلمة «المقة»، ونحن نعلم أن أداة التعريف في العربية الشمالية كانت هي «ﻫ» في أول الكلمة، مثل «هبعل» أي الإله «هبل»، ثم أهملت العين بالتخفيف، لينطق بعد ذلك «هبل» كبير أصنام الكعبة زمن البعثة الإسلامية، أما في العربية الجنوبية، فكانت أداة التعريف هي حرف «ن» يلحق بآخر الكلمة، مثل قولهم: «رحمنن» أي «الرحمن»، ومن ثم كان تساؤلنا: ما هي دلالة الألف واللام في اسم «المقة»؟!
أما وجه الغرابة الثاني، فيتعلق بحرف التاء الأخير في «المقة»، وحرف التاء مضافًا أو لاحقًا بآخر الكلمة، سواء عربية شمالية أو جنوبية، فكان غرضه التأنيث، بينما تفهمنا النصوص، التي راجعناها أكثر من مرة عند «جلازر» و«هوميل» و«نيلسن» و«كانالكيس» وغيرهم، أن المقة إله ذكر، ومن ثم كان تساؤلنا الثاني عن الحكمة من إضافة «تاء» التأنيث لاسم علم، يدل على معبود ذكر!
وقد سبق لنا أن عالجنا هذه الجزئية في بحثٍ مستقل، نشرته الكرمل «عدد ٢٦ تصدر في نيقوسيا»، وبدأنا بالمشكلة الأولى «الألف واللام – إل»، ووجدنا حلَّها في عدة إشارات، نذكرُ منها إشارة «موسكاتي» إلى شخصية إلهيةٍ، وصفها بأنها غامضة، تحمل اسم «إل»،٤ وقد سبق وأشرنا إلى معبود عبراني يحمل ذات الاسم «إل»، وكان قبل ذلك علمًا إلهيًّا معروفًا في بلاد الرافدين والشام القديم، وإشارات أخرى أكد فيها «نولدكه» وآخرون، وكذلك «د.
جواد علي» أنَّ «إل» كان إلهًا معروفًا في عبادات الشعوب السامية القديمة بلا استثناء،٥ إلا أن هؤلاء لم يوضِّحوا لنا دلالتَه بشكل صريح، كذلك أكد «ديتلف نيلسون» أن معبودًا باسم «إل» كان معروفًا في كل بقاع جزيرة العرب (ونيلسن من أبرز أركيولوجيى الجزيرة وبخاصة الجنوب العربي)، ويرى أنه كان اسمًا ذا دلالة عامة، فيقال: «إل كذا»، ويتبع «إل» باسم الإله المقصود، ويضيف «نيلسن» أن «إل» ورد كعلمٍ لإلهٍ خاص في النقوش السبئية والقتبانية،٦ ورغم أهمية هذا الأمر فإن نيلسن لم يوضِّحْ لنا أيَّ إله خاصٍّ تسمى بالاسم «إل» وعلى أية منطقة من الطبيعة، أو على أية ظاهرة طبيعية كانت دلالته، هذا وقد أفادنا «ريكمانز» أن «إل» قد جاء في النقوش السبئية، يحمل اللقبين «فخر» بمعنى العظيم، و«تعلى» بمعنى تعالى،٧ أما هوبر فقد أثمرت أبحاثه ونشاطه، الكشف عن «إل» في النقوش الثمودية بالصيغة «إله-ن»،٨ وباعتبار حرف «ن» الأخير هو أداة التعريف، فإن المعنى واللفظ سيكون «الإله» أو «الله».
وتأسيسًا على هذه المعاني يمكننا الزعم أن حرفي «أ» و«ل» في أول المقة، إنما تعني الله أو الإله، وبذلك تتركب كلمة «المقة» من مقطعين أو ملصقين، وهي خاصية في اللغات السامية، فتعني الإله أو الرب «مقة»، ونتذكر مرة أخرى أن الإخباريين المسلمين، كان واضحًا أنهم لا يعلمون شيئًا عن «الرب مقة» سيد أرباب الجنوب.
وتبقى الإشكالية الثانية، وهي «تاء» التأنيث في «المقة»، وأتصور حلها يمكن استخلاصه من نص قتباني، يشير إلى الذبائح المقدسة بقوله: «مختن ملكن بمكي»،٩ وتأخذ الباحثة «منقوش» بترجمته إلى «المذبح الملكي بالموضع مكي»، وعليه فالنص يشير إلى موضع للذبح المقدس وتقديم القرابين، وأن هذا الموضع يقع في منطقة تحمل الاسم «مكي» مع ملاحظة تعبير النص الأصلي «مختن» فهو يعني مقر «الختان»، والختان كما هو معلوم كان شرعة مقدسة، تمارس في أيام محددة في أماكن مقدسة، لدى الشعب المصري بوجه خاص، ولم تزل تمارس في مقامات الأولياء وموالدهم حتى اليوم، إضافة إلى أن المختن تعني أيضًا المذبح.
وهنا يثور التساؤل الحذر: إذا كان المعبد المقدس للإله حيث تتم عملية الختان، أو تقديم الأضاحي، يقع في منطقة «مكي»، فهل هناك علاقة بين اسم الإله الغامض «المقة» أو «الرب مقة»، وبين «مكي» في النص: مختن ملكن بمكي؟
هناك مشكلة ظاهرية يمكن أن تواجه هذا الاقتراح، وهي أن النص قتباني، وقتبان كانت تعبد الإله القمر باسم «عم» وليس باسم «المقة»، إلا أن هذه المشكلة الظاهرية يمكن أن تساعد على الحل، ولنطرح تصورنا لهذا الحل في الخطوات التالية:
(١)
ورد عند ابن طيفور المصري، وعند القيرواني، أن بعض أهل اليمن كانوا يقلبون القاف كافًا، كما يفعل أهل فلسطين اليوم، وكثير من المناطق الأخرى، وفي اليمن ذاتها، ومن هنا لا نستبعد العلاقة بين «مكي» و«مقة».
(٢)
إن إشارة النص القتباني إلى المذبح الملكي بكونه في الموضع «مكي» مع ما عرفناه عن تقديسهم للإله «إل» وتلقيبهم له باللقبين «فخر» و«تعلى»، والصيغة التي يعتبرها «هوبر» لقيته، أقصد «إله-ن» أي «الله» وتشير إلى «إل»، ومع ما علمناه عن «إل» كعَلَم ذي دلالة خاصة على إله خاص لدى القتبانيين والسبئيين معًا — فيما زعم نيلسن — ومع ما افترضناه حول كون «الألف» و«اللام» في أول «المقة» إنما هي «إل» أي إله أو رب، مع هذه المجموعة من الإشارات، نجدنا شبهَ مضطرين إلى استنتاج أن معبد «إل» على الأرض، سواء كان قتبانيًّا أم سبئيًّا، إنما كان يشار إليه بالاسم كان يشار إليه بالاسم «مكي»، ويقدس معبده ومحيطه كحرَم خاصٍّ له.
(٣)
ومن هنا نقترح أن يكون اسم «المقة» ليس خاصًّا بإله خاص، إنما يعني «إل مقة» أو «إله مكي». وهنا ننتقل خطوة أخرى فنحتسبُ ترجمة النقشِ «المقة» إلى «الرب مقة» ترجمة غير دقيقة، ويجب أن تكون «إله مكي» أي إله المعبد المسمى «مكي»، وبذلك لا يعد لفظ «المقة» اسم عَلَم يطلق على إله القمر السبئي — كما زعم الباحثون — إنما يصبح مع هذا الاجتهاد بمعنى «رب البيت» أو «بيت الرب»، ويعضد ذلك أنه فيما يبدو كانت كلمة «مك» أو «بك» تعني البيت، أو ربما البيت المقدس في اللسان السامي، ومثال لذلك معبد «بعلبك» في لبنان، والكلمة «بعل-بك» تعني بيت البعل، وكان البعل إلهًا كنعانيًّا فينيقيًّا في تلك المناطق كإله للخصب والخضرة والنماء وربًّا للمياه والغيث، وعليه يمكن اعتبار «إل مقة» هي «بيت الرب» أو «رب البيت»، وعادة ما تواتر في تاريخ العبادات القديمة إطلاق اسم «بيت الرب أو رب البيت» على محيطه ومدينته بالكامل، وهو ما حدث في حالة «بعلبك»، وحدث أيضًا في اليمن حيث وجدنا — كما سبَق وفصَّلْنا — نصوص نرام سين تتحدث عن «مكان» بكسر الميم، كبلد يمني ذي علاقات خاصة ببلاد الرافدين القديم، وحيث أشار المسعودي لوجودها في عهده، وقال إنه ركب السفينة من «ميكان» وبحذف أداة التعريف اليمنية «ن» تصبح «ميكا» أو «مكا» بكسر الميم، وهو ما يوعز لنا بالنطق الأصدق للنص القتباني «مختن ملكن بمكي»
ليصبح «مختن ملكن بميكا أو بمكا».
(٤)
ويدعم هذه الاستنتاجات، ما جاء في النصوص السبئية تصف الرب المعبود بأنه «ذوي سموي»،١٠ وتعني صاحب السماء أو رب السماء، وإذا أخذنا بافتراض العلماء أن «المقة» فيما زعموا كان إلهًا للقمر، فسيكون «ذوي سموي» هو «إل» أو «إله-ن» بالذات والتحديد، أي «الله»، أما «المقة» أو «مكة» فلم يكن اسمًا إلهيًّا، إنما هو حرم هذا الإله على الأرض، أي يصبح «إل» هو «ذوي سموي» رب السماء، رب البيت المقدس المكرس لعبادته على الأرض.
(٥)
ويذكر «ديتلف نيلسن» أنه قد عثر على كلمات احتسبها أسماء إلهية، أو ألقابًا للمقة في النصوص السبئية، أهمها هنا اللفظ «رحمنن» أي الرحمن، واللفظ «حريمن» لكنه يترجم «حريمن» بمعنى «محرم» أو «القديس»،١١ لكن وفق ما طرحناه نجدُ هذه الترجمة غير دقيقة، إنما تستقيم تمامًا عندما نترجمها «الحرم» أو «القدس» بمعنى الحرم الإلهي أو القدس الإلهي، وهي تلتقي تمامًا مع احتسابنا «المقة» إشارة للبيت الإلهي الذي يصحُّ وصفه هنا بكلمة «الحرم» بينما هذه الكلمة «حرم» لا تعني شيئًا إذا وصفنا بها ربًّا، وعليه تصبح «تاء» التأنيث في آخر «المقة» أمرًا مفهومًا، إذا احتسبنا اللفظة دلالة على موضع أو بلدٍ مقدَّسٍ باسم «مقة» أو «مكة»، وإعمالًا لكل ما سلف نصل إلى نتائج هي:
إن «مقة» أو «مكي» أو «ميكان» أو «مكا» لفظٌ قُصد به الإشارة إلى موضع الحرم الإلهي على الأرض، وليس اسمًا لإلهٍ، وهو ما يفسِّر لنا سبب عدم ورود اسم «المقة» عند الإخباريين المسلمين، بين ما ذكروه من معبوداتِ الجزيرة قبل الإسلام.
إن لفظة «المقة» إنما تعني رب البيت أو على الأرجح «بيت الرب» على غرار «بعلبك» بيت البعل.
إن رب البيت هو «إل» هو «ذوي سموي» أو رب السماء، هو «إله-ن» أو «الله»، أما أهم ألقاب المعبود في اليمن فهي ما ترجمه الآثاريون إلى Monimos، وإلى Azizos مونيموس١٢ أو ما يعني ببساطة «العزيز» و«المنعم»، إضافة إلى لقب «الرحمن»، ولقب «الحكيم».١٣
ومن المعروف أنه بعد انهيار مركز «اليمن السعيد» التجاري، ودمار سد مأرب الشهير، نزحت قبائل اليمن نحو الشمال، لتستقر في أنحاء متفرقة من بلاد العرب. وتعلمنا كتب الأخبار أن أكبر هذه القبائل كانت «خزاعة»، وأن هذه القبيلة قد استقرَّتْ في المنطقة التي أصبح التاريخ يعرفها باسم «مكة» في الحجاز،١٤ ومن الطبيعي أن تحمل هذه القبائل معها معتقداتها، ومعبوداتها، وطقوسها الدينية، وعلى رأس الجميع «رب البيت» وذكري «بيت الله»، ذلك الاصطلاح الذي يفسِّرُ لنا: لماذا ذكرت الأخبار معبودات الجزيرة ومعبودات اليمن بوجهٍ خاص، دون ذكر «المقة»؟ والحقيقة المبنية على ما أسلفنا أنه ذكر فعلًا فهو «رب البيت» أو «بيت الرب».
وقد لاحظت الباحثة «ثريا منقوش» التشابه بين: ما اعتقدت أنه إله قمري لسبأ باسم «المقة» وبين «مكة» الحجازية، وربطت بين الاثنين في ضوء ما جاء عند ابن طيفور المصري والقيرواني عن بعض أهل اليمن، ولكونهم ينطقون القاف كافًا، وما جاء على لسان النبي محمد ﷺ عن الفقه اليماني والحكمة اليمانية، لتصل إلى أن أهل اليمن هم أصل التوحيد في الجزيرة العربية، وأتصور أنه بعدما أسلفت من جهد، في التعامل مع الاسم «المقة» يمكن أن تكون ملاحظة الباحثة حول التشابه بين «المقة» و«مكة» قد تدعمت بشكل كاف.
وفي الروايات الإسلامية، أن منطقة الحجاز كانت صحراء بلقعًا، حتى انفجر زمزم تحت خد إسماعيل طفلًا، فكان أول من جاء واستقرَّ بجوار البئر، ركب من اليمن،١٥ إضافة إلى ما جاء عن «عمرو بن لحي الخزاعي» عند الإخباريين المسلمين باعتباره أول حاجب للبيت، وفي ذلك إشارة واضحة إلى «بداية حجابة البيت مع الخزاعيين القادمين من اليمن»، خاصةً إذا علمنا أن هذه الحجابة الأولى للبيت لا تبعد زمانيًّا عن تاريخ دمار سد مأرب، وتشتت القبائل اليمنية، بأكثر من نصف قرن،١٦ مع رواية إخبارية أخرى، تحكي عن «تبع الثاني» أحد ملوك اليمن، الذي قدم البيت الإلهي الحجازي، وطاف به وقام ينحر للناس ويطعمهم، ثم كسا البيت بالبرود اليمنية، «وجعل له مفتاحًا١٧ ذاك المفتاح الذي استلمه الخزاعيون»، وأصبح فيما بعد محل صراع ونزاع، وانتهى به إلى يد «قصي بن كلاب» الذي ألف القبائل «وقرشهم تقريشًا، ومنها: قريش»، ضد خزاعة وأخرجهم من مكة الحجازية، وانتزع منهم البيت. وسواء حدثَتْ قصة «تبع الثاني» أو لم تحدث، فهي تعبير عن ترجيع الذاكرة لصدى أحداث نشأة البيت وظروفه، وعلاقته بأهل اليمن، حتى جعلت مفتاحه بيد قبيلة خزاعة اليمنية، أما الباحثة منقوش، فقد أكَّدَتْ — على ذمتها — أن كثيرًا من عبادات الحج للبيت الحجازي كانت على غِرار التقاليد اليمنية القديمة في تأدية فروض العبادة والحج للإله «المقة»،١٨ والملفت للنظر أن «تبع» الملك اليمني، الذي سلَّمَ خزاعةَ مفتاح البيت وكهانته، يستدعي إلى الذهن اسم الملكة السبئية التي ذكرتها نقوش الملك الرافدي «آسر حدون»، أقصد الاسم «تبوءة» والغريب في بابه أن الاسم «تبع» في الترجمة الرافدية يصحُّ تمامًا أن