اليمن_تاريخ_وثقافة
10.4K subscribers
141K photos
348 videos
2.16K files
24.5K links
#اليمن_تاريخ_وثقافة ننشر ملخصات عن تاريخ وثقافة اليمن الواحد الموحد @taye5
@mao777 للتواصل
Download Telegram
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
قصة مؤلمة للغاية اسمها آثار وتاريخ اليمن

مصير الآثار اليمنية خلال أربعة قرون

فكري آل هير

  نشر في 05 ماي 2016  وآخر تعديل بتاريخ 25 يونيو 2016 .

بدون مقدمات[**]- فقد بدأ الأمر في عام 1508، عندما بلغ البحار الايطالي (لودفيشو دي براهيما) ميناء عدن، وتعرض هناك للأسر من قبل السلطة الحاكمة، لكنه تمكن من التجوال في البلاد اليمنية بعد ان تم الإفراج عنه، مغادراً بعد ذلك الى الهند. ثم في عام 1712 عندما أرسلت شركة تجارية فرنسية، سفينتان حربيتان مسلحتان الى المخا، وتمكن قادتها من ارسال بعثة للتعرف على معالم البلاد الداخلية لليمن.

هذه البدايات أثارت اهتماماً لدى بعض المستشرقين الأوروبيين، ففي منتصف القرن الثامن عشر تبنى المستشرق الدانماركي "كريستنس ف. هافن" (Chr. V. Haven) العالم في جامعة "جوتنجن" الألمانية دعوة الى الاهتمام بمنطقة جنوب الجزيرة العربية مؤكداً في دعوته تلك على أن هناك صلات قوية تربط هذه المنطقة بالعلوم المتصلة بالكتاب المقدس، وبعد جهود مضنية لإقناع المجتمع الأكاديمي بذلك، التقى هذا المستشرق بأحد النبلاء الدانماركيين وتمكن من اقناعه بأهمية ارسال بعثة الى اليمن، من حيث أنها ستعود بالكثير من الفوائد للدانمارك أولاً وللعلم ثانياً. وبالفعل تمكن الاثنان من الحصول على موافقة الملك "فريدريك الخامس"، والذي أصدر على الفور أمراً بتشكيل فريق البعثة، وتجهيزها بكل ما يلزم لتحقيق أهداف مهمتها- صدر الأمر الملكي وبدأ بتنفيذه في أواخر العام 1760.

تألف الفريق من خمسة أفراد: "كريستننس ف. هافن" (عالم متخصص في الاستشراق)، و"بتر فورسكول" (عالم في العلوم الطبيعية)، "كارستن نيبور" (ضابط في الحرس الملكي)، "كريستنس كارل كرامر" (طبيب)، و"جورج فلهلم بورنفيند" (رسام).

انطلقت البعثة في الرابع من يناير 1761 على متن سفينة "حربية" الى "أزمير" ومنها الى "استانبول، ثم الى "مصر" وصولاً الى اليمن، وكان الهدف المعلن لهذه البعثة هو البقاء في اليمن عدة سنوات لدراسة اليمن من مختلف الجوانب، بينما الهدف الخفي هو: (البحث عن الكنوز الأثرية).

واجهت البعثة مصاعب كارثية، بدأت بوفاة ثلاثة من أفرادها وهم (المستشرق) و(عالم الطبيعيات) و(الرسام)، فلم يبقى منها سوى (الضابط نيبور) و(الطبيب) وهذا الأخير سيموت أيضاً بعد ذلك ولكن في بومباي في الهند، أما مصير ما جمعته البعثة من مواد وعينات وقطع أثرية فبحسب راوية "نيبور" فقد تعرضت للتلف والضياع.. مما جعل للبعثة صيتاً سيئ السمعة وكارثياً، والمميز في هذه البعثة أنها بلغت أماكن يمنية لم تطأها قدم أوروبي من قبل أو من بعد- كما وصفت بذلك لاحقاً.

أهم ما لفت انتباه "نيبور" في اليمن، هو تلك الخرائب القديمة التي تشتمل على نقوش حميرية، بحيث أشار في مدوناته الى غزارة هذه النقوش في المناطق الممتدة من تهامة الى تعز وإب وصنعاء. وهذا بحد ذاته ما اعتبر بمثابة التعويض الذي حصلت عليه الدانمارك على التضحيات العظيمة التي قدمتها البعثة.

انتشر خبر الكنوز الأثرية التي لم يصل إليها أوروبي من قبل كالنار في الهشيم، فصار حديث العصر. ففي ذلك الوقت كانت أوروبا مليئة بالرحالة المغامرين والباحثين عن الكنوز والآثار في البلاد الشرقية، الأمر الذي فتح الباب على مصراعيه لأرتال من الرحالة والمستكشفين والمغامرين الأوروبيين الذين جعلوا من اليمن هدفهم الأثير.

في صيف عام 1810 حاول الدكتور "و. ي. ستزن" (U. E. Seetzen) البحث عن النقوش الحميرية التي قال عنها نيبور، فسافر الى اليمن وتمكن بالفعل من العثور عليها ونسخ كل ما صادفه منها، ولكنه اختفى بعد ذلك نهائياً، وتعددت الروايات التي تفسر ما حدث للرجل الذي لم يظهر عنه أي خبر حتى اليوم. ثم قام رحالة ومغامر آخر يدعى "أرنود" (Arnaud)، بالسفر الى اليمن وسعى الى جمع ما شاع تداوله من رسوم ونسوخ قام بها (سيتزن)، وظهرت عليها امضاءاته، وكان منها خمس رسائل ونسوخ لخمسة نقوش حميرية من ظفار ذو ريدان، تم تهريبها الى أوروبا والقول بأنه تم نشرها لاحقاً.

أثار خبر اختفاء "سيتزن" خوفاً كبيراً لدى المغامرين الأوروبيين، فأحجم الكثيرون منهم عن الاقدام على السفر الى اليمن، وظل الأمر على هذا النحو حتى ثلاثينيات القرن التاسع عشر.

في عام 1834، تمكن الضابط الانجليزي "ولستد" (Wellstud) من اكتشاف حصن الغراب الشهير الواقع في الشواطئ الجنوبية لليمن (شرق بلحاف)، حيث وجد بعض النقوش وأهمها نقش حصن الغراب الشهير، وهو أول نقش طويل وكامل واضح عثر عليه من نقوش المسند.

وفي صيف عام 1836، انطلق "هلتون" (Hulton) ونظيره "كروتندن" (Cruttenden) عل ظهر سفينة صوب اليمن، ووصلا الى صنعاء، توفي "هلتون" وبقي الثاني حياً لينشر النتائج، ومن بينها خمسة نقوش سبئية من صنعاء.

وفي عام 1836 أيضاً، قام المبشر "ولف" (Wolf) برحلة الى اليمن، ومن بعده في العام 1837 قام عالم النبات "بوتا" (Botta) برحلة مماثلة، ولكن يبدو أن الرجلان لم يحرزا أي نتيجة..

في منتصف القرن التاسع
اركت فيه دول وجامعات ومؤسسات أكاديمية وسفراء وقناصل وضباط مخابرات وضباط عسكريين، وتجار يهود ومبشرين ومستشرقين، وحكام وملوك.. ورحالة مغامرون جشعون.. الخ!!- أما التفاصيل فيندى لها الجبين.

نعم، إنه مجرد جزء من (كل)، حول ما يقف وراء غياب تاريخ اليمن الحضاري القديم، عن خارطة حضارات المنطقة القديمة في العراق وسوريا ومصر.. وهو ما يترك تساؤلاً دائماً.. هل هو غياب أم تغييب..؟!

*

[
]. تم الاستعانة في كتابة هذه الموضوع بالجزء الأول من كتاب: التاريخ العربي القديم، لــ ر. نيلسن، ف. هومل، ل. رودوكاناكيس، أ. جرومان، ترجمة: فؤاد حسنين علي، د. زكي محمد حسن، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1958
عشر، بدأ علماء الآثار الألمان في تلك الفترة، بتأسيس قسم علمي لدراسة آثار اليمن القديمة، بناءً على نتائج الرحلات السابقة، الأمر الذي ضاعف الاهتمام بالأمر. ففي عام 1843 قام الألماني "أدولف فون فريده" (Adolph V. Wrede) برحلة الى المناطق الشرقية اليمنية "حضرموت"، وتمكن من نسخ نقش حضرمي من خمسة سطور يعرف باسم "نقش أوبنه". 

وفي نفس العام 1843، تمكن الصيدلي الفرنسي "توماس يوسف أرنود" (T. J. Arnoud) من الوصول الى مأرب، وذلك كونه طبيباً للسفارة التركية في صنعاء، حيث تمكن من توثيق معالم المدينة وآثارها، ونسخ العديد من النقوش بلغت (56) نقشاً، تم ارسالها الى القنصل الفرنسي "فرسنل" (Frasnel) في جده، والذي كان مهتماً بدراسة اللهجات العربية الجنوبية.

وفي عام 1850 أيضاً، عُثر في الحفائر البريطانية في بابل على نقش مسندي لشخص يدعى "هنتشر بن عيسو". في الوقت الذي رصدت فيه المخابرات الانجليزية مبالغ وجوائز مالية مغرية، لكل من يمد الانجليز بأي آثار يمنية، وفتحت باباً لشراء كل قطعة منها بمبالغ عالية، وبالفعل تمكن الضابط الانجليزي "كوجلان" (Coghlan) من شراء مجموعة من الألواح البرونزية القيمة التي تضمنت نقوشاً سبئية، لازالت حتى اليوم من مقتنيات المتحف البريطاني. كما أن المتحف البريطاني نفسه جند لنفس الهدف، وتمكن من الحصول على أربعين قطعة أثرية من اليمن، فضلاً عما لم يعلن عنها ومعظمها نقوش هامة جدا.. ولا أحد يعرف عنها شيئاً حتى اليوم.

في عام 1869 وصل ممثلاً عن فرنسا المستشرق "يوسف هاليفي" (J. Halovy) في بعثة الى اليمن لجمع المزيد من النقوش، في الوقت نفسه الذي كان فيه مغامر يهودي يدعى "يعقوب سفير" (J. Saphir) قد سبقه وبدأ بجولة وتنقلات بين مناطق اليمن حتى العام 1870، سالكاً طريق الحملة العسكرية التي أرسلها الى اليمن الامبراطور الروماني "اليوس جاليوس" (Aelius Galius)، وقد تتبع "هاليفي" أثر هذا اليهودي، وفي حين لم يعرف ماذا جنا ذلك اليهودي وما كانت أهدافه، فقد عاد هاليفي بــ (686) نقشاً، نشرها هاليفي سنة 1872 مع تقرير رحلته.

لم يتحدث "هاليفي" عن أي يهود في تقريره، لكن الدكتور "جلازر" نشر بعد ذلك تقريراً آخر عن رحلة "هاليفي" آشار فيه الى الدور الذي لعبه يهودي من صنعاء يدعى "حاييم حبشسوس" كدليل لهاليفي، والذي إليه يرجع الفضل في نجاح هاليفي ووصوله الى ذلك العدد الضخم من النقوش؟!!.

وفي الفترة التي كانت فيها أجزاء مهمة من اليمن واقعة تحت سيطرة الدولة العثمانية، عمل الولاة والضباط الأتراك على جمع كل ما هو نفيس من آثار اليمن ونقله بكميات كبيرة الى استانبول، ومبعد خروج الأتراك وعودة حكم الأئمة الزيديين الى (شمال اليمن)، صارت الآثار اليمنية بضاعة لتجارة رائجة، لاسيما وأن الأئمة كانوا ينظرون الى كل آثار العصور السابقة على عصر الإسلام بأنها وثنية، والحقيقة أنهم كانوا حريصون دوماً على تدمير ونسف كل ما يتعلق بالهوية اليمنية الحميرية والسبئية.

بلغ الأمر ذروته في جهود ضابط المخابرات الانجليزي "جون فليبي"، التي كانت تهدف بشكل غير معلن الى متابعة تهريب الآثار اليمنية، كان ذلك بُعيد الحرب العالمية الأولى واستمر حتى أربعينيات القرن العشرين، حيث تمكن فليبي من اعداد خارطة مسحية لكل مناطق الآثار اليمنية بما فيها حضرموت وعمان ونجران وعسير، وهاتان الأخيرتان تم انتزاعهما من اليمن وضمهما الى أراضي الدولة السعودية سنة 1933 بالقوة وبدعم عسكري سخي من العرش البريطاني، لأسباب تاريخية أكثر منها سياسية وعسكرية.

وفي منتصف الخمسينيات من القرن العشرين، كان الأمريكي "ويندل فليبس" قد تمكن من الحصول على موافقة من السلطات في صنعاء (الإمام أحمد يحي حميد الدين)، للقيام بمسوحات وأعمال جمع وتنقيب عن الآثار في مأرب، ونظراً لحجم الحاصل منها، تم الاستعانة بطائرة خاصة لنقل الآثار اليمنية الى الولايات المتحدة، ودون أن يكشف عن معظم ما جمعه "فليبس"، لازال مصير مجموعته الضخمة يكتنفه الغموض، ثم قام بتأسيس جمعية خاصة للآثار اليمنية لمتابعة جهوده بإدارة ابنته "آنا فليبس".

تشير بعض المصادر الى أن عدد المغامرين والرحالة والبعثات الأوروبية الذين وصلوا الى اليمن منذ القرن السادس عشر وحتى منتصف القرن العشرين، يربوا على خمسة آلاف شخص، كان هدفهم الرئيسي هو جمع الآثار اليمنية ونقلها الى بلدانهم.

استمرت عمليات تهريب الآثار اليمنية بأشكال وطرق شتى، من بعد قيام اليمن الجمهوري في 1962، وحتى تسعينيات القرن العشرين واعادة توحيد اليمن، وعلى الرغم من بروز اهتمام رسمي بعد ذلك بالآثار، إلا أن مافيا الآثار كانت ولازالت مستمرة.. وللأسف حتى اليوم، بالإضافة الى التدمير الذي طال عدداً من المواقع الأثرية خلال الحرب الأخيرة والحالية، من قبل طائرات العدوان السعودي وتحالفها العربي.

وهكذا، فكل ما سبق  ليس إلا مسار هيكلي عريض لعدة قرون تم فيها سرقة وتهريب واخفاء وتدمير الآثار اليمنية، على نحو مثير للتساؤل والريبة، مسار ش
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
رحالة فرنسي يصف ضيافته عند إمام اليمن !!

اسم الكتاب : رحلة إلى العربية السعيدة ( عبر المحيط الشرقي ومضائق البحر الأحمر ) اسم المؤلف دي لاروك الناشر : منشورات المجمع الثقافي الإمارات العربية أبو ظبي ??كتاب قيم في مكانته التاريخية، فكاتبه هو أحد المغامرين الفرنسيين الذين تجولوا في أرض اليمن السعيد من جنوبه إلى شماله، كان قدومه للتجارة ولكنه من عشاق الرحلات والمغامرات، وكان ذلك على فترتين كانت الأولى فى عام 1708م وامتدت لسنتين كاملتين ثم عاد للرحلة الثانية فى عام 1711م، والتي بدأها من ميناء المخا فى بلاد اليمن إلى بلاط إمام اليمن وكان ذلك يوافق عام 1120هـ. وتمتاز كتابات هذا الرحالة بأنه جمع بين مشاهداته الشعبية والرسمية، فهو بحكم أنه رجل أجنبي وتاجر وله حماية دولته الفرنسية التي كانت في غير عداء مع اليمن، تمكن من دخول قصور الحكام والولاة في المدن العربية، وقابل الناس ومشى في الأسواق وباع واشترى، وسجل كل ذلك في كتابه التاريخي الثمين بالمعلومات التي وردت فيه. يصف مدينة عدن وكيف الدخول إليها، وكيف كانت حاميتها وجنودها، وكيف قابل حاكمها الذي فرح بوجودهم لأن له ابنا مريضا لم يجد من يعالجه فى عدن، فطلب مقابلتهم، وتمت المقابلة بالشكل الرسمي ويصف كيف كانت مراسم السلام على الحاكم، وكيف تم علاج الابن والحاكم أيضا من طبيب يصاحبهم فى سفنهم. ويحكي أيضا عن المآزق التي مروا بها، فبعد أن تم علاج الحاكم وعادوا إلى دار الضيافة المقررة لهم، وبعد أن قضوا يوما فى التجوال والتنقل في المدينة، وبعد أن أخلدوا للنوم وفي منتصف الليل أرسل لهم الحاكم عددا من جنوده يطلبون منهم الحضور للحاكم، فأصابهم ذعر، وخشي الفرنسيون من أن يكون العلاج قد سبب مضاعفات للحاكم أو ابنه، وبعد ساعات من القلق والتنقل بين الحاميات المختلفة والحراس الذين يحيطون بهم، وصلوا إلى الحاكم الذي رحب بهم، وعلموا فيما بعد أن الحاكم أصابه أرق فرغب في استدعائهم ليسهروا معه!! ويصف الكاتب مدينة المخا اليمنية أثناء زيارته لها بأنها ليست بحجم مدينة عدن ولكنها أصبحت أكثر أهمية مؤخرا بسبب تجارتها .. ويستمر فى وصف البلد ويقول إن عدد سكانها هو عشرة آلاف نسمة جميعهم من المسلمين ما عدا بعض الأرمن وبعض اليهود الفقراء الذين يعيشون فى حي منفصل أو ضاحية، وكلهم سمر وبنيتهم جيدة جدا وهم مهذبون للغاية ويستمر فى وصف الحالة الاجتماعية للسكان فيقول عن النساء فلا يظهرن في النهار في شوارع المخا ما عدا القليل منهن ومن المنتميات إلى صفوف العامة، وفي المساء لديهن حرية أكثر قليلا إذ يسمح لهن بزيارة بعضهن البعض، وهكذا قابلنا نساء الحاكم أحيانا في الساعة الواحدة ليلا ذاهبات من بيت لآخر .. ويكتب عن رحلتهم من ميناء المخا إلى قصر إمام اليمن في صنعاء بتفصيل موسع ودقيق يصف فيها الطرق والأشجار والمسافات، وأين كانوا يقضون الليل وكيف ينامون، وماذا كانوا يأكلون، ويذكر أن سبب الدعوة ومقابلة الإمام هي لعلاج الإمام من خراج عند أذنه لم يتمكن أطباء الإمام من الخلاص منه. ويصف دخولهم على الإمام وكيف كان الإمام في صدر المجلس والأمراء والحرس يحيطون بالغرفة. ولا ينسى أن يذكر الموقف المضحك الذي حدث لهم حال دخولهم، فقد كان ربان السفينة قد أعد خطابا يحيي فيه الإمام، ويشكره على الدعوة والضيافة إلا أن آلام الإمام لم تسمح بإكمال الخطاب واختصر الإمام الموقف وسأل عن الطبيب واستدعاه، ولما مثل أمامه أزاح العمامة عن أذنه، وقال له هذا هو الجرح، وبدأ العلاج قبل رسميات الاستقبال. وقضوا فى ضيافة الإمام ثلاثة أسابيع فى قصره، عالجوا الإمام وعائلته وخاصة نسوان الإمام الذي يقول إنهن أكثر من 600 امرأة كانت في قصره. ولا يتوقف المؤلف عند تاريخ اليمن فقط بل يتحدث أيضا عن تاريخ الأشراف في مكة والمدينة وذلك بحكم الجوار لليمن، ويكتب عن المناوشات بينهم، والتي حدثت قبل أكثر من 300 سنة مضت. لا تقتصر قيمة الكتاب على المعلومات التاريخية، بل إن هناك ملحقا بالكتاب عن القهوة العربية وزراعتها فى اليمن، وحيث إن رحلة هذا المغامر في أساسها هي رحلة تجارية لشراء البن من اليمن، فقد الحق بكتابه دراسة قيمة جدا عن تاريخ القهوة فى اليمن وأوروبا وكيف دخلت إلى أوروبا بتحر دقيق وموثق . بالإضافة إلى ذلك فهو يصف شجرة البن وصفا علميا بمراحل نموها وثمرتها، شكل الثمرة من فترة الإزهار والعناية بها لأنها رقيقة وناعمة لا تتحمل الحر مما يجعل اليمنيين يزرعونها بالقرب من أشجار أخرى تظلها، ثم ينتقل إلى فترة القطف وكيف تتم، ويذكر أن البن ليس له موسم واحد، فشجرته شجرة مباركة، تطرح ثمرتها طوال العام، فالمزارع يقطف الثمرة الناضجة ويجد بجانبها زهرة لم تتفتح بعد، ولكنه يقول إن أهم موسم لقطف القهوة يكون في أشهر الربيع وهما شهر مايو ويونيو من كل عام، ثم يشرح عملية التجفيف والتقشير وهو فصل البن عن القشرة، ويشرح أيضا عن مشروب القشر وهو ما يسمونه فى اليمن آنذاك السلطانية ويصف صنعها، والطرق الأخرى لغلي ال
قهوة وشربها. ولا يتوقف عند تاريخ القهوة في أوروبا بل يذكر الكثير عن انتشار القهوة فى العالم العربي وما لاقت من مقاومة دينية في أول الوقت بسبب الشبة الدينية حولها. ??? . ونقدم الفصل الأول من هذا الكتاب لمعرفة جزء من تاريخنا القريب والبعيد فى الوقت نفسه. رحلة إلى العربية السعيدة الخطاب الأول يشمل تقريرا عن الرحلة منذ خروجهم من فرنسا ووصولهم إلى الميناء الأول في شبه الجزيرة العربية. قصدي، يا سيدي، في هذا الخطاب أن أشبع فضولكم فيما يتعلق بهذه الرحلة التي قمت بها إلى بلاد العرب السعيدة، بصفتي ربانا لسفينة ومديرا لشركة تجار القديس مالو، والذين سبقوا جميع الأوروبيين في التفكير بالاتجار مع هذا البلد بأنفسهم وبدون مساعدة أي دولة أخرى أو مشاركة، وبخاصة في تجارة البن، والتي اشتراها الفرنسيون في معظمها من الأتراك في شرقي المتوسط وأحيانا من الإنجليز والهولنديين. وأتمنى لتقريري هذا، إلى جانب حداثته، أن ينال رضاكم بعدم تحيز وصدق الحقائق الواردة فيه. أبحـرت السفينة (كيوريوس) و (دليجانت) المجهزتان للتجارة والطواف عبر البحار، تحملان خمسة عشر مدفعا على متن كل منهما. وأقلعت الأولى التي تقلني من ميناء بريست في السادس من يناير عام 1708 متجهة إلى قادش. وفي طريقنا إلى هناك أسرنا مركبين إنجليزيين، كان أحدهما مركبا للنقل في طريقه إلى لشبونة، والثاني سفينة محملة بسمك القد مقبلة من لشبونة. وافتدى الأول بمبلغ 750 جنيها إسترلينيا، وحطمت صواريه، والثاني بمبلغ 15000 جنيه كي لا نتكبد عناء نقلهما إلى قادش. وصلنا إلى هذا الميناء في الأول من مارس. وبعد حصولنا على ما يلزمنا من القروش المتداولة في الشرق، ومخزوننا من النبيذ والبراندي، أقلعنا باتجاه شبه الجزيرة العربية في الثالث عشر من الشهر نفسه، وانطلقنا بين كوميرا ورأس تنيريف، ومن هناك إلى جزر الرأس الأخضر. في الثاني والعشرين من إبريل تزودنا بالماء العذب والخشب من جزيرة القديس فنسنت، حيث عثرنا على سمك ممتاز، وذبحنا بعض الجديان الصغيرة. في هذه المياه المحيطة بالجزيرة تعيش أعداد كبيرة من السلاحف، ولكن هذا الوقت لم يكن موسمها، وغادرنا هذه الجزيرة يوم الخامس والعشرين من أبريل، وعبرنا المدار في الخامس عشر من مايو. في الثاني من يونيو، وبعد اجتيازنا جزيرة أنسنسيون،أبصرنا مركبا سرعان ما لحقنا به، فاقتربنا منه، وواصلنا إطلاق النار عليه من سفينتنا المفردة خمس ساعات متواصلة، وقد رد علينا بالمثل، حتى فصل الليل بيننا، لكننا اشتبكنا معه في النهار التالي واستسلم بعد بضع صليات من رمايتنا. وكانت تلك السفينة هي (ميدلبرج) ويطلق عليها (الكونكور) حيث كانت تعتزم التزود بالمؤن الطازجة من رأس الرجاء الصالح ثم تتابع سيرها إلى بتافيا. وكانت حمولتها غنية مكونة من عدة صناديق من الفضة وسبائك من الذهب إلى جانب أشياء أخرى. وكانت تقل مائتين وخمسة رجال وستة وثلاثين مدفعا. في السـابع من يوليو رصدنا رأس الرجاء الصالح عن طريق العديد من الطيور هناك، متعددة الألوان والأحجام، وكان أصغرها بحجم الحمام وأكبرها بحجم البجع، تنمو في تلك المناطق من البحر كمية كبيرة من تلك النباتات التي يطلق عليها بوجه عام الأعشاب البحرية وحجمها بحجم ذراع الإنسان، وشاهدنا بينها العديد من ذئاب البحر. في اليوم الثامن من الشهر نفسه ألفينا أنفسنا على بعد ستة فراسخ من الرأس، فأمرت برفع الراية لطلب التشاور، مما جعل السيد شامبلوزيه قائد (دليجنت) يصعد علـى متن سفينتنا مع ضابطه للتشاور حول كيفية التصرف بأسرانا. وكان رأي الغالبية أن نتركهم على الشاطئ لتوفير طعامنا الذي يحتمل أن يخذلنا في رحلة طويلة إلى هذا الحد. ولكنني شرحت لهم الخطر الذي تشكله معرفة الحكومة الهولندية في الرأس حيث كان لهم هناك قلعة قوية ومرفأ بغنيمتنا ومخططاتنا، وأن هذا لا محالة سيحدث من جراء إنزال الأسرى إلى البر، الأمر الذي سيجعل الحاكم يرسل قارب إشعار إلى قائد بتافيا، الذي يمكن أن يجمع بعض السفن الكبيرة في مدخل البحر الأحمر لإعاقة مرورنا وهي الإعاقة التي يمكن أن تحبط مسعانا بكامله، حيث نحاصر حتى ينخر السوس خشب سفينتنا، وهو ما حاق بسفينتين فرنسيتين من قبل عند مصب نهر الجانج. وبعد تجاوزنا هذا الرأس، مررنا بضفة تحمل الاسم ذاته، وعند سبر الغور وجدناه (56) قامة، وكان البحر عاليا جدا، مع أن الطقس كان معتدلا، وكنا قد اتجهنا إلى الغرب بأكثر مما ينبغي، إذ حملتنا على ذلك قوة التيار مما كان السبب في رصدنا بعد ذلك بيومين، بنيران في الليل، وإدراكنا أننا لم نكن بعيدين عن ساحل الكفرة، وهو على الأرجح القسم الشرقي من إثيوبيا، فغيرنا اتجاه السفينة للخلاص منها ودخلنا قناة موزمبيق. ولبضعة أيام بعد ذلك، وفي السابع من أغسطس، وقد بصرنا على ما يسميه الفرنسيون (ممرات اليهودي) ويسميه البرتغاليون (ممرات الهند). وصعدت إلى أعلى الصاري لملاحظتها، وكانت تشبه إلى حد بعيد ما يطلقون عليه (منيكيت) أو (مينكرز) وهي سلسلة من الصخور الجرداء التي تم
تد عبر فرسخين بين جزيرتي جيرسي والقديس مالو. ودخلنا في اليوم التالي في مشاورات حول مرضانا الذين كانوا جد منزعجين من الإسقربوط وأصروا على معارضة خطتنا الأولى التي كانت تقتضي الذهاب أولا إلى أنجوان والرسو في مسالي، المرفأ الفسيح الواقع في جزيرة القديس لورانس أو مدغشقر إذ أصروا على هذا القرار بفعل تأثير الضابط الإنجليزي على متن (الديليجنت) والذي سبق له أن كان في مدغشقر، وعرض علينا إرشادنا بأمان إلى الميناء. ووجهنا مسارنا إلى هناك فورا، وبعد اجتيازنا الضفة الرملية الممتدة بالقرب من مدغشقر، وجدنا البحر هادئا ودهن بعض السمك طافيا على سطح الماء، وكان بحارتنا القدماء يطلقون عليه (سبيرما سيتي) أو طعام الحوت. في اليوم الثالث لمشاهدتنا اليابسة وبعد رفع جميع أشرعتنا، دخلنا أجمل خليج سبق لي مشاهدته، يصب فيه نهر. الأمر الذي أكد من دون شك أن ذاك كان خليج مسالي. والقينا مراسينا في قاع جيد جدا، وشاهدنا في الوقت ذاته مركبا صغيرا من مراكب البلاد وبداخله قرابة ثلاثين رجلا من السود ينطلق من الخليج بأقصى سرعته متجها شمالا، فقمنا على الفور بإرسال قواربنا للتحدث معهم، ولكن ما إن تجاوزنا النقطة التي يتجه إليها شمالا وجدنا الزنوج المذعورين قد رسوا على البر، وحملوا القارب على أكتافهم إلى الغابة التي تنمو كثيفة جدا على ذلك الجانب من الخليج. كل ما كان بمقدور رجالنا القيام به هو أن نعرف من خلال مترجمنا العربي ومن بعض السود الذي قابلوهم، بعدما اسقوهم البراندي، أن ملكا من ملوك البلاد يسكن على مسافة لا تزيد عن ثمانية عشر إلى عشرين فرسخا، وأنه في المكان ذاته كان هناك مرفـأ يمكننا فيه العثور على كل ما كنا نريده. وبعد ذلك انطلقوا داخل الغابة. ومن ناحيتنا، وبعد أن حصلنا على كمية كبيرة من السمك الممتاز في ذلك الخليج، وتبينا أنه لم يكن الخليج الذي كنا نبحث عنه، وأن صاحبنا الإنجليزي كان مخطئا، أبحرنا في اليوم الحادي عشر، في الصباح الباكر، قاصدين ميناء مسالي، الذي وصفة لنا الزنوج. بقينا على بعد ثلاثة أرباع الفرسخ عن الشاطئ، حيث يقيم في هذا المكان بعض العرب الذي يتاجرون مع سكان مسقط بالقرب من الخليج الذي يوجد فيه ميناء بذلك الاسم، وهؤلاء الناس يبنون سفنا يحملونها بالبضائع من مدغشقر، وحين شاهدنا اثنين من هذه المراكب الصغيرة أصابهما الذعر حتى أن أحدها انطلق إلى عرض البحر والثاني انطلق إلى الشاطئ. في اليوم التالي الموافق الثاني عشر رسونا في ميناء مسالي، وأرسل شامبلوريه الذي رسا أولا الضابط الإنجليزي إلى ملك البلاد الذي كان يقيم على بعد ستة فراسخ من هذا الميناء ليطلب منه السماح لنا بالنزول إلى الشاطئ والتزود بالمؤونة. ومنحنا هذا الأمير المطلبين كليهما، مما حدا بي إلى العودة إليه وتقديم الشكر له. وقام اثنان من السود يساعدهما اثنان آخران بحملي بينهم في محفة من القطن السميك مجمعة عند كل طرف ومعلقة بعمود طويل وقام الزنوج واحد من الأمام والآخر من الخلف بحملها على أكتافهم. وأفهمت الملك ما جئت لأعرب عنه، بواسطة بعض الإنجليز المقيمين في البلاد الذين كانوا يعرفون لغة بلاده، وكانت لهم عنده حظوة. فمد يده إلي علامة على احترامه الفائق، ولم يقترب منه رجال دولته العظام إلا لتقبيل ركبته. ولن أقدم لكم هنا وصفا لقصر هذا الأمير فكل ما فيه يبدوا بدائيا وبسيطا إلى حد كبير، عدا التاج الذهبي الذي كان يعتمره منتهيا بنقطة في قمته مزينة باللؤلؤ. شبيها بما يصوره الرسامون في صورة المجوس، وماستين جميلتين في أصابعه. قدمنا له بعض الهدايا، كان أفضلها البراندي، فتذوقه، ودخن من غلاييننا، كما كان مسرورا جدا بزوج من الحمام وفرخين من الديكة الرومية وطلب منا كلبي حراسة إنجليزيين أحدهما كبير والآخر صغير مع كلبة هولندية، حيث إن هذه كانت من الأشياء النادرة في هذه البلاد. ولن أسهب في ذكر نوع الرقص الباذخ الذي رفه عنا به، ولا الوليمة التي أقامها لنا مع أسرته وكبار رجال حاشيته، والتي كانت تتألف من بضع قطع من لحم البقر المشوي على الفحم، أكلوه بدون خبز أو نزع الجلد. فيما عدا ذلك كان الأمير طويلا، حسن الطلعة، مع أنه أسود، وكان بدينا، وعمره قرابة أربعين سنة. وعرشه عبارة عن مقعد ذي مسندين اتخذ من خشب الأبنوس وطعم بالعاج، وعلى كتفيه في إحدى الجانبين شاش من الحرير الرقيق على هيئة وشاح، وعلى الجانب الآخر سلسلة من الفضة مصنوعة بمهارة تتدلى منها سمكة فضية. وثبتت بهذه السلسلة أيضا علبة فضية صغيرة مملوءة، كما قيل لنا، بعدة أشكال وشخوص، تعتبر حافظات ملكية ضد جميع أنواع الحوادث. وبقية ملابسه كانت نوعا من الرداء الحريري القصير المصبوغ باللون الأخضر المزين باللؤلؤ والمرجان، وكانت ساقاه وقدماه عاريتين، ونعلاه متروكين إلى جانبه. وفي أثناء المقابلة التي حظيت بها مع هذا الأمير، حيث جلست على حصر قبالته، شاهدت اثنتين من حريمه تمران، وكانتا بدينتين جدا، ويقولون إنه يسر بهذا النوع من الجمال، إذ يعتني كثيرا بتسمينهن كلما أصابهن نحول،
ويبلغ عددهن الثماني عشرة. وجعلنا رجالنا يعسكرون في خيام وأكواخ جهزناها لهم في مكان مريح مخصص لهذا الغرض محاط بسور قوي، ووضعنا الحراسة كل ليلة، بعد عزف المهرجان. وكانت هذه الحيطة ضرورية، بعدما أرسل الملك إلينا قرابة مائتين من النساء، مع جميع أنواع المرطبات والأطعمة، التي جادت بها البلاد، وهن أيضا أقمن معسكرا من نوع ما، على بعد زهاء ربع فرسخ من معسكرنا، وحضرن وتسامرن مع رجالنا بكل ألفة في وضح النهار، إضافة إلى أن الهولنديين الذين كانوا مرضى قد تماثلوا للشفاء سريعا، لكنهم فكروا في الهرب، ونفذ ثلاثون منهم خطتهم، بل سرت أقاويل حول أنهم كانوا يعتزمون الانضمام إلى أبناء البلاد وسرقة سفينتينا، مما جعلنا نشدد الحراسة على ظهرهما كما على اليابسة. لا شيء يمكن أن يكون أفضل من المؤن في هذا البلد بوجه عام على الرغم من أنه شديد الحرارة، ولا توجد فيه مياه جيدة. وعلى وفق الاتفاق الذي أبرمناه مع الملك باعوا لنا ثورا يزن 150 حجرا (وحدة وزن بريطانية تعادل14رطلا)مقابل مدفع، وستين رطلا من الأرز مقابل ثمان وعشرين أوقية من ملح البارود. ولن أسهب في ذكر شيء عن صيدهم وسمكهم وبحرهم وسلاحفهم البرية فكل هذه جيدة تماما ووفيرة، وحيث كنا موشكين على المغادرة، خطر ببال النسوة اللواتي تحدثت عنهن قبيل رحيلنا أن يجلبن لنا بعضا من بيض التماسيح الذي يشبه بيض الأوز، وقشرته ناصعة البياض، لكنها خشنة نوعا ما، وأخبرنا الإنجليزي أننا إذا كسرناها فإننا سنتبين الخدعة، ذلك أن هذا البيض له خاصية غريبة في إرباك الدماغ عند تناوله، ليس بها من الداخل غير البياض مع مسحة من الدم في الوسط. وبعد ما تماثل كل مرضانا للشفاء، حصلنا على مؤونة طازجة، وأبحرنا من مرفأ مسالي في الثالث والعشرين من سبتمبر، متجهين إلى انجوان، المكان الذي كنا سنتزود منه بالماء. وأرسل لنا حاكم مويلي عند مرورنا قبالة الجزيرة التي تحمل هذا الاسم هدية من الفواكه مع دعوتنا للقدوم إلى الشاطئ، مؤكدا لنا احترامه العظيم للأمة الفرنسية وعرض تزويدنا بسعر معقول لكل ما نحتاج إليه، ولكن لسمعة الماء في هذا المكان لم تكن طيبة جدا بقينا في مسارنا إلى جزيرة انجوان، التي لم تكن تبعد أكثر من ثمانية إلى تسعة فراسخ. ووجدنا المد معاكسا لنا حتى إننا قضينا في هذا العبور خمسة أيام كاملة. رسونا في الطريق إلى أنجوان في الخامس من أكتوبر: وأقبلت إلينا زوارق نقل تبيع فيضا من السمك، وجوز الهند أو النارجيل كما يسميه العرب والموز والتين الهندي، والبرتقال والليمون. وقمت بزيارة الحاكم الذي يقطن بلدة صغيرة غير بعيدة عن المرفأ حيث يوجد مسجد ويتحدث السكان اللغة العربية، وقدم لي الشراب المصنوع من النارجيل، ودخن بعضا من تبغنا، ولكنه رفض احتساء أي من الخمور التي كنت قد أحضرتها معي، وعرض علي كل ما كان تحت إمرته لتزويدنا بكل ما نحتاج إليه. ولقد جاء ملك أنجوان لمسافة ثمانية فراسخ بقصد لقائنا واستضفناه على متن سفينتنا بأفضل ما كان بمستطاعنا، لكنه لا يأكل غير لحم الطير، وحتى هذا أيضا طلب أن يذبح ويطهى على يدي رجاله، وما كان ليحتسي أيا من خمورنا. وطلب منا أن نبيعه بعض البارود. ولكن لأن ذلك كان بقصد محاربة جاره أمير مبيله الذي كانت لنا معه علاقة جيدة ينبغي المحافظة عليها فقد اعتذرنا وزودناه ببعض الكبسولات فقط. ولقد قابلنا هناك عربيا عبقريا جدا ومفعما بالنشاط والحيوية اسمه عبدالله، كان يتحدث الفرنسية والإنجليزية، وعمل مترجما لنا، ولقد ارتكبنا خطأ بعدم أخذه معنا، إذ كان من الممكن أن يكون لنا عونا عظيما في أثناء إقامتنا في شبه الجزيرة العربية. قبل أن نغادر أنجوان كان من الضروري أن نتخذ الإجراءات المناسبة للوصول إلى جزيرة سقطرة على الرغم من أن رياح المونسون الموسمية قد بدأت تهب، والتي اعتقد مرشدونا أنها لا يمكن الاعتماد عليها وقد تقدم الموسم إلى هذا الحد، وكان رأيهم البحث عن مكان مناسب لقضاء فصل الشتاء فيه، وهذا يعني الركود طوال الأشهر الستة التي تهب فيها الرياح الموسمية باتجاه الشمال. ولكني فهمت من قادة بعض المراكب الصغيرة من البلاد والتي يطلق عليها (الجنك) والتي تبنى من دون مسامير أو أي حديد غيرها، أن المرء يمكنه الذهاب إلى سقطرة بأمان طوال هذا الشهر، وهذا أكد لي رأيي الأول المعارض ليوميات الرحالة والتعليمات التي أحضرناها معنا ولهذا بعدما حصلنا على الماء العذب الذي كنا نريده وأرسينا جميع الهولنديين الذين لا يريدون العمل معنا على الشاطئ، أبحرنا من أنجوان مخلفين وراءنا الشعور بسخط عارم في صفوف سكانها. وفي اليوم الثالث لمغادرتنا المرفأ، فقدنا مركبنا الشراعي ذي الصاريتين الذي بنيناه في برست ووضعناه على متن سفينتنا قطعا بعدما جمعناه في مسالي وتسبب في موت ستة رجال من تسعة كانوا على متنه. في صباح اليوم التالي، وإذ كنا ما بين الدرجتين الرابعة والخامسة شمال خط الاستواء أبصرنا اليابسة على بعد أربعة فراسخ، وكان الشاطئ رمليا، وبعدما أقنعت السيد دي شامبلوريه بالاتجاه نح
و تلك البلاد، والسكان يرسلون لنا الإشارات بالدخان، وعلى ضوء العلم بوجود الذهب والعاج ودهن العنبر على هذا الساحل اتفقنا على الذهاب والقاء مراسينا في الماء البالغ عمقه عشر قامات وإرسال زورقين جيدي التسليح مع نماذج من بضاعتنا، وكان علي أن أهبط بنفسي على الشاطئ بقاربنا مسلحا تسليحا جيدا لأتبين ما إذا كان بالإمكان التوصل إلى اتفاق مع هؤلاء الناس. أبحرنا لبعض الوقت بهذه النية، ولكن رفيقنا غير الاتجاه فجأة واتجه في مسار مختلف، متبعا نصيحة مرشده الذي لم يكن مطلعا اطلاعا جيدا على الساحل وكنا ملزمين باتباعه، وكان الطقس حسنا جدا، في البداية، لكن الريـح دارت عكسنا فيما بعد. وأخيرا اكتشفنا الشقيقتين، وهما جزيرتان صغيرتان تقعان على مسافة خمسة أو ستة فراسخ من جزيرة سقطرة، ومررنا من بينهما، إذ لم يكن لنا مفر من ذلك بسبب المد القوي الذي أوغل في دفعنا جنوبا. في اليوم التالي، أي الثامن والعشرين من نوفمبر، درنا حول نقطة من ساحل سقطرة، والتي تبين خرائطنا البحرية مكان الرسو على جانبها الآخر، حيث توجد أماكن رسو جيدة في جميع أرجاء الجانب الغربي من الجزيرة، ولم تتمكن سفينتانا الأخريان، (ديليجنت) و الغنيمة الهولندية، من الوصول إلينا، لكنهما رستا في مكانهما حيث كانتا وأرسلتا موفدين في اليوم التالي إلى الشاطئ للتحدث مع أهل البلاد، كما فعلنا من جانبنا، وكان رجالنا ورجالهم قد شاهدوا بعض السود، ولكنهم متوحشون ومخيفون للغاية بحيث إنه لا سبيل إلى الاقتراب منهم، وقد هرعوا إلى الجبال بسرعة مذهلة. ولدى حدوث هذا قررت تعبئة زورق بالمؤن الكافية لأربعة أيام من أجل الطواف حول الجزيرة لاكتشاف مدينتها الرئيسة، ولكنني عندما وصلت إلى المكان الذي رست فيه سفينتانا الأخريان وجدت الريح والمد ضدنا مما أجبرني على قضاء الليل على متن (ديليجنت). وفي اليوم التالي، وإذ كنت متعبا من جراء هذا الجهد، تأهبنا للحاق بالمركب الذي أتيت منه، كي نرسو معا وراء النقطة التي ذكرتها، في خليج جيد، وآمن. في اليوم التالي عبأ كل منا زورقا بالرجال لإرساله إلى قرية تقع على ذلك الجانب من الجزيرة المبينة على خرائطنا، وأبلغنا رجالنا بأنهم استقبلوا استقبالا جيدا، وقد قدم لهم بعض السمك الجيد. وذهبنا إلى الشاطئ في اليوم ذاته بعدمـا أبلغنا أنه وراء السهل الرملي، وفي أرض خفيضة هناك خشب بوسعنا الحصول عليه، وأنه يوجد في المكان ذاته ماء عذب، ولكننا قبل رسونا وقع لنا حادث كان من المحتمل أن نضيع كلنا فيه بسبب إهمال البحارة الذين خدعهم الطقس الصحو فشدوا الحبل، الذي يمسكونه عادة بأيديهم لإرخائه في بعض الأحيان، إلى جانب القارب، حيث إننا فوجئنا بهبة ريح مفاجئة ملأت قاربنا بالماء حتى أنه غمرنا حتى وسطنا ولكن سرعان ما وجدنا أنفسنا في وضع أشد سوءا بفعل هبة أخرى قلبت زورقنا رأسا على عقب، وأجبرنا على إنقاذ أرواحنا، بعضنا بالسباحة، وبعضنا الآخر بالاستعانة بالمجاديف والمقاعد وقطع أخرى من الزورق، ولحسن الحظ شاهد مركبنا المتجه للتزود بالماء هذا الحادث فأبحر إلينا بكل قواه وأنقذنا جميعا، كما انتشل الزورق الذي كان قد غاص إلى القاع. وبعد أن هدأ روعنا تسلينا بصيد السمك، وإعداد إجراءات موحدة لوضع المخطط الأول موضع التنفيذ، وهو الذهاب إلى المدينة الرئيسة وزيارة حاكم الجزيرة وأمرت بتسليح المركب الطويل وحشده بالرجال لهذه الغاية وتجهيزه بكل ما هو ضروري لهذه الرحلة. ووصلنا في وقت قصير إلى القرية التي عمل فيها رجالنا بلياقة، على بعد نحو سبعة فراسخ من المكان الذي رسونا فيه، وعلى مسافة طلقة مدفع من البحر، وسكانها من العرب ولهم هناك. وكان أول شخص أقابله شيخ القرية، الذي حياني بخطبة مطولة، حسب عادات البلاد، ودعاني للمضي بصحبته حيث أقلني إلى داره، وهناك جلسنا على حصر وعن طريق عربي يفهم البرتغالية أبلغته بنيتي رؤية الحاكم والمدينة التي يسكن فيها، ووافق الشيخ على مقصدي، وعرض علي جملا ومرشدين لصحبته على مسيرة يوم ونصف اليوم. ولكنني اخترت استعمال قاربي الذي يمكنه الوصول إلى هناك في الصباح التالي، لذا أمرت نصب خيمة لقضاء الليل على بعض الألحفة التي جلبتها على متن قاربنا، وبعد أن شكرنا الشيخ انسحبنا بصحبة بعض العرب الذين ظلوا معنا للتأكد من حصولنا على طعام العشاء ولكنهم لإمدادنا بالعشاء اعتذروا بأدب جم عن تناول الطعام أو الشراب معنا، وقدموا لنا بعض السمك الممتاز، وإن كان مطهيا بالماء المالح فقط والأعشاب والبصل. وكان العرب على قدر من الحصافة بحيث انسحبوا حين علموا أنه حان موعد ذهابنا للاستراحة. واتفقت مع الشيخ على أن يعطيني مرشدا يمضي بي إلى مقصدي، وتركت أحد ضباطي رهينة لديه. وفي الصباح التالي بعد أن حضر المرشد انطلقنا، وذهب الضابط إلى القرية حيث تسلى طوال النهار بالصيد واقتناص أنواع عديدة بحيث أعجب به العرب إعجابا شديدا. في الظهيرة وصلنا العاصمة، وتقع على الجانب الشمالي من الجزيرة، وقمت فورا بإنزال أحد الرجال إلى الشاطئ، وأشار إلينا أهل البلاد
بالهبوط على سهل ليس بعيدا عنهم. ومن المحتمل أن الحاكم كان لديه علم بمقدمي من أهل القرية التي بت فيها، إذ أرسل ضابطا إلى الشاطئ حيث هبطت، مع عشرين جنديا لمرافقتي إلى مرج جميل، أخضر، تظلله أشجار النخيل لا يبعد كثيرا حيث وجدت الحاكم جالسا على سجادة قرمزية حيكت أطرافها بالذهب، متكئا على وسائد. وبعد أن رفع يده إلى عمامته محييا مدها إلي، وأجلسني على السجادة حيث كان يجلس مع حاشيته الصغيرة على بسط جميلة حوله. وبعد محادثة قصيرة لكنها غير مفهومة تماما لدى الطرفين كليهما، نهض فاصطف في التو الجنود المسلحون الذي كانوا يقفون بجانب شجرات النخيل في صفين على جانبينا أنا والحاكم لاصطحابنا إلى بيته في موكب رسمي. ورقص الجنود رقصات تقليدية حيث يستديرون ويلقون بسيوفهم إلى الأعلى بيد ويلتقطونها بالأخرى، بينما ثلاث من النسوة، لسن من السود تماما ولكنهن أكثر من سمراوات، سرن في مقدمة الموكب يطلقن من حين لآخر صيحات ابتهاج تناهت إلينا حزينة جدا فضلا عن طبلتين صاحبتا تلك الأصوات الغريبة، وبعد وصولنا لبيت الحاكم، أخذني إلى جناح مؤثث بالحصر فقط ولا شيء غيرها جلسنا عليها، وبمساعدة ضابط عربي عجوز مترجما لنا بدأنا الحديث عن موضوع رحلتي، وقدمت له ثلاث كبسولات وثلاثة أرطال من مسحوق البارود. وطلب مني الحاكم أن أحضر مراكبنا لأرسوا قبالة مدينته، عارضا علينا إمدادنا بكل ما يستطيع. وسرعان ما فرشوا قماشا فوق الحصر في الطرف الأدنى من الحجرة، ووضعوا فوقه طبقين من الصيني مملوءين بلحم الماعز والضأن اثنين آخرين بالأرز، جميعها مطهية بحسب طريقة بلادهم، والتي وجدناها جيدة بقدر مقبول، واعتذر الحاكم عن عدم تناول الطعام بسبب صيامهم شهر رمضان، واحتسينا خمرا جلبناها معنا لأنه لم يكن هناك ما يشرب غير الماء، وهو ممتاز في جميع أرجاء الجزيرة. وبعدما انتهينا من تناول الطعام، أبلغني الحاكم خلال حديثنا أن هذه الجزيرة كانت تعتمد على مملكة (فرنك) في بلاد العرب السعيدة، مضيفا: أن الملك سيكون سعيدا جدا برؤيتنا إن نحن رسونا على أرضه، وعرض علي كتابا لأميره قبلته منه، فأمر بكتابته من دون تأخير، وبالمقابل أطلعني على عدة رسائل من إنجليز وهولنديين وبرتغاليين، وفرنسي يدعى لبابي، وهو قائد سفينة اسمها (جورج) مؤكدا نزاهته في التعامل والعون والغوث الذي حصلوا عليه منه. وطلب مني أن أقدم له كتابا مثلها أيضا وهو ما لم استطع رفضه. أخيرا، وبعد عروض متكررة بتقديم الخدمة من جانب الحاكم، استأذنته بالانصراف، فأصر على مرافقتي خارج فناء بيته، وأرسل جنودا ليرافقوني إلى الشاطئ، وأفهموني أن الحاكم قدم لي هدية قوامها بقرتان وست كباريت، ورأيت البقرتين مربوطتين إلى نخلتين ولكن عندما جاء العربي لفكهما اهتاجتا حتى إنهم بذلوا الكثير من الجهد للسيطرة عليهما، ولن احتملهما على متن سفينتي خوفا من شر أكبر، وصرخ السكان عدة مرات معربين عن حزنهم وأبدوا لنا احتراما فائقا وكان بحارتنا أيضا قد قدم لهم السمك من قبل الصيادين الذين صعدوا على ظهر سفينتنا، ولكنهم لم يأخذوا منا نقودا واكتفوا ببعض الخبز أكلوه وشربوا مما لدينا من البراندي. عدنا وأمضينا الليل في القرية التي انطلقنا منها في الصباح، وبعد تقديم الشكر للشيخ على مرشده الذي جازيناه على ما تكبده من مشقة، التحقنا بسفننا التي واصلت التزود بالماء العذب والخشب وضروريات أخرى. كنت مسرورا من هذا الحاكم للغاية حتى إنني بادرت إلى زيارته مرة ثانية بعد مضي بضعة أيام لأحمل له قماشا قرمزيا، كان قد طلبه مني مقابل بعض الصبار الذي يتوافر في أرجاء البلاد كافة، وأبحرت على متن القارب ذاته ووصلت في العاشرة صباحا. وجدت خمسة عشر أو ستة عشر جنديا على الشاطئ، اصطحبوني إلى الحاكم، فاستقبلني استقبالا جيدا للغاية، وتحدثنا كثيرا عن التجارة وشراء الصبار الذي قال إنه الأفضل في أرجاء الجزيرة العربية كافة ويحتفظون به في جلد الماعز ويضعونه في أقبية تحت الأرض وينثرون عليه بعض الرماد لحفظه من حرارة البلاد الشديدة. والأحدث والأصلب هو الأفضل دائما. وأمر الحاكم بنقل كل ما اشتريته إلى القارب. ودفعت الثمن بسعر ثمانية بيزو لكل قنطار و 95 رطلا، القنطار بقروش مكسيكية، وهي الأكثر تقديرا هناك، وعملة بيزو غير متداولة في الكثير من الأماكن هناك، منذ عهد اليهود البرتغاليين، كما يقولون، الذين غشوا التجار العرب، فيما يتعلق بالقيمة. وفي غضون ذلك، كان بيت الحاكم مكتظا بالتجار الذين اشترى بعضهم البخور، وآخرون دم الأخوين والصبار الذي قدم رجالنا كل ما معهم من مال مقابله. لم يعجب الحاكم بقماشنا القرمزي، وطلب نسيجا أمتن ولونا أغمق، فكان علينا أن نسترده، الأمر الذي لم نندم عليه فيما بعد. وبعد مشاهدة البلدة المسماة (تمرين)، وهي مظهر أنيق وبيوتها مسطحة الأسقف، حيث صعدت غالبية النساء إليها لرؤيتنا، وبعدما استأذنا الحاكم بالمغادرة أبحرنا مع الرياح النشطة التي سرعان ما زادت لدرجة اهتاج معها البحر، وأخذت الأمواج تتلاطم فوق قاربنا. وحين فكرنا
نه حال وصوله إلى القارب، لم يفكروا بشيء غير الإقلاع والهروب، مجبرينه على الذهاب معهم، ولم يستطع إفهامهم، وهو نفسه لم يستطع فهم اللغة الحبشية. وفيما بعد أرشدنا إلى كهف تحت تلك الأرض المرتفعـة، حيث أخفوا أسماكهم وقطعـا أخرى من الأدوات المنزلية، فأخذت بعض البلشار وبعض التونة، وتركت بيزو ونصف البيزو في أحد الأطباق. أرسلت مرة ثانية أحد رجالنا ممن يتقنون البرتغالية جيدا باتجاه مجموعة السود، لكنه لم يستطع أن يحصل على كلمة واحدة منهم فأجبرنا على العودة إلى زورقنا، حيث أعد البحارة السمك بملح جيد، وجدوه في ثقوب الصخور نتج عن الماء الذي بقى فيها عند غمر ماء البحر لها، ولم يبق بنا حاجة لغير الخشب لطهيها، فأرسلنا ثمانية من رجالنا للحصول على بعض منه. في طريقهم صادفهم رجل أسود مسلح برمح أو حربة وترس، وبدت عليه الدهشة في أول الأمر عند رؤية الرجال البيض، فأحضروه إلى كهف بالقرب من الشاطئ، حيث تراجعنا لنستريح من حر الشمس وحالما شاهد أحدنا الآخر تصافحنا وسلمنا على بعضنا بكلمة (مرحبا) وكان ذلك كل ما دار بيننا من حديث. وقدمت له بعض النبيذ الإسباني، فأحبه كثيرا، ولاحظت أنه أصبح ودودا ولم تبد عليه الدهشة من أي شيء، ومضى يأكل ويشرب بأناقة، ويمسح يديه مقلدا جميع تصرفاتنا على المائدة، ثم دخن بعد ذلك ملء غليون عدة مرات من تبغنا الفرجيني، وفي الختام شرب كأسا كبيرة من البراندي. وسألناه بالإشارات وأطلعناه على النقود مقابل بعض المؤن من البلاد وبخاصة الغنم والثيران، وأطلعناه على صور لهذه الحيوانات. وفهم مقصدنا في يسر، وأفهمنا بإشارات ذكية أخرى تظهر إدراكا سريعا، حتى إنه وعدنا في الصباح التالي حين تشرق الشمس سيحضر لنا كل ما نريد من مكان في الجبال، حيث كان مسكنه، ثم أشار إلينا أنه يرغب في النوم، وغادرنا ومعه رمحه وترسه. في غضون ذلك كنت قلقا بشأن وضعنا، فالريح كانت تهب بشدة يمكن أن تدفع سفننا بحيث لا نستطيع معها اللحاق بها في اليوم التالي. ولم يبق لدينا أي مأكولات في الزورق، وسنحتاج إلى ما يزيد على ثلاثة أيام لنقطع من هذا الساحل القاحل إلى الساحل المقابل لشبه الجزيرة العربية السعيدة. وفي زهاء الساعة التاسعة مساء، حيث كانت الريح قد هدأت نوعا ما، أمرت جميع رجالنا بالإبحار وقفا في الموقف الرئيس وجعلت الرجال جميعا يجدفون. وقبل طلوع النهار، لمحنا نار سفينتنا التي أمضت الليل بانتظارنا، وسرعان ما كنا على متنها. ووقفنا بمحاذاة ساحل الحبشة ونحن لا نزال نبحث عن مكان مناسب للحصول على الماء العذب والمؤن وبعد ذلك بيومين اكتشفنا نوعا من الخلجان أعطانا أملا في شيء ما
بمقطع القماش القرمزي الذي ثبتناه على طول القارب لحجز الماء وجدنا أن هذا حقق مرادنا ووصلنا مسرورين إلى سفننا قرابة الساعة الحادية عشرة مساء. في غضون ذلك اقترب موعد رحيلنا، وكان الأمر الوحيد الذي ينبغي النظر فيه الآن هو كيف نستفيد من رحلتنا بأفضل السبل. وكنت قد تلقيت بعض المعلومات عن تجارة الجزيرة العربية من ربابنة بعض المراكب في الطريق إلى (تمرين) أكدوا لي أنني سأكون راضيا عن العرب في بلاد البن وكذلك في المخاء، وأننا سنقابل بالترحاب في كل مكان، ولكن ميناء عدن كان الأفضل للتجارة والتزود بالمؤن، حيث إن الماء الذي فيه أفضل من الماء الذي في المخاء، وعندئذ فكرنا فيما إذا كان يجدر بنا الإبحار إلى عدن مباشرة أو نتجه إلى ساحل الحبشة للتزود بالماء العذب قبل الدخول في البحر الأحمر حيث تقع المخاء. وكنت مع الرأي الأول، لأننا كنا نستطيع بلوغ عدن مع الريح التي كانت تهب آنذاك في غضون يومين، وإن كانت على بعد مائة وخمسين فرسخا. ولكن السيد دي شامبلوريه، الذي كانت تغريه آمال العثور على دهن العنبر على ساحل الحبشة جعلنا نقرر الذهاب إلى ذلك الاتجاه. في العاشر من ديسمبر عام 1708 أبحرنا خارجين من خليج سقطرة، متجهين إلى ساحل الحبشة، وفي اليوم التالي أبصرنا الجزيرتين، اللتين يطلق عليهما كوريا موريا، مارين على مسافة خمسة فراسخ منهما، وفي اليوم التالي تجاوزنا رأس دافوي وسرنا بمحاذاة الساحل على مسافة فرسخ من اليابسة، وهو سهل طوله قرابة خمسة وعشرين فرسخا، تحيط به الجبال. وشاهدنا بعض السود بين الحين والآخر يمشون بمحاذاة شاطئ البحر. في اليوم الثالث لعثورنا على قرية وقلعة في مدخل أو مصب النهر، أرسل إليها السيد دي شامبلوريه قاربا مسلحا يحمل الراية الإنجليزية، وحين اقترب رجالنا من القرية، حضر عدد غفير من السود المسلحين بالرماح وعدة نساء رجموهم بالحجارة. في صبيحة اليوم التالي أبحرت بزورقي مسلحا، حاملا معي قرصانا إنجليزيا قدم إلى سفينتنا من مدغشقر، ورجلا أسود أخذناه من أنجوان، معتقدين أنه يفهم العربية. وبقينا مبحرين بمحاذاة الشاطئ وسفينتنا تمضي على مسافة قريبة منا، حين شاهدنا قرابة الساعة العاشرة صباحا عبر سهل أو شاطئ فسيح بعض الدخان، وتصورنا أننا سنقابل بعض الناس هناك، لكننا وجدنا كهفا وبعض الماشية ونارا اندلعت في روث. بعد ذلك بوقت قصير شاهدنا قاربا لصيادي السمك مربوطا إلى الشاطئ وأرسلنا الأسود ليتحدث معهم، وشغلت نفسي في غضون ذلك، بالتقاط الصدف من الشاطئ، متفحصا تلك التي يتكون فيها اللؤلؤ، ولكنني فجأة شاهدت القارب يقلع هاربا بأقصى سرعة يستطيعها. فأبحرت على الفور، وطاردته مستخدما كل الأشرعة التي كانت بحوزتنا فسار قاربنا بسرعة كبيرة حتى أن مقدمته انغمست في الماء، مما أجبرنا على إنزال الشراع المنصوب على الصاري الأقرب إلى المؤخرة، وبعد ذلك قام القارب منتهزا هذه الفرصة بمضاعفة السرعة والدخول في خور، حيث تركه الرجال السود حاملين معهم أشرعتهم المصنوعة من الحصير ومجاديفهم، ووجدنا فيه شبكة كبيرة مليئة بالسمك وعدة أخرى تخص مهنتهم. على الفور، أمرت رجالنا بالنزول، عدا ربان القارب وأربعة رجال لحراستهم، وتقدمتهم، وتسلقت صخرة شديدة الانحدار من الرخام واليشت، حيث هرب السود. اكتشفنا من هناك سهلا واسعا تحيطه الجبال على مسافة تزيد على الفرسخين، وشاهدنا في الوقت ذاته ممرا مطروقا. وسار صاحبنا الإنجليزي يتبعه جنديان في الممر الثاني على اليمين. وأمعنت السير في الممر الذي أمامي، معتقدا أنني أبصرت أمامي مباشرة أرضا مرتفعة، يحتمل أن تكون المكان الذي اختبأ به السود . وكان معي ثلاثة من الرجال المسلحين بالبنادق ورابع يحمل راية بيضاء على طرف نصف عمود كعلامة للسلام وإشارة إلى أن أحدهم بحاجة إلى شيء ما في جميع أرجاء الهند. وكنا على مرمى رصاصة من تلك الأرض المرتفعة، حين شاهدت رأس رجل أسود يظهر للعيان، فصفرت في الوقت نفسه فجعله هذا يجفل هو ورفاقه البالغ عددهم سبعة، ويكشفون أنفسهم، فتقدمت نحوه فورا برايتي البيضاء، مؤشرا له أن يقترب، ولكنني اضطررت إلى تحمل عناء الصعود على ذلك المرتفع، حيث وجدت السود يصطفون في طابور على مسافة بضع خطوات أحدهم من الآخر. كان الرجل الذي يقف في المقدمة يحمل سيفا بديعا للغاية بيده اليمنى، والرجل الذي كان يقف في المؤخرة كان معه سيف آخر، وكان البقية غير مسلحين وليس معهم أي شيء غير قطعة من القماش القطني متخذة إزارا لسترهم. وكان بينهم رجلنا الأسود من أنجوان والذي أرسلناه إلى قاربهـم يقف بعيدا قليلا عن الآخرين، واقتربت من زعيم المجموعة، وحييته أولا قائلا له: (مرحبا) فرد علي بالأسلوب نفسه ومع أننا تكلمنا معه بالبرتغالية والإسبانية والفرنسية والإنجليزية، لم نستطع أن نجعله يفهمنا. في غضون ذلك وصل صاحبنا الإنجليزي وجميع رجالنا المسلحين إلى المكان ذاته، ففزع السود، وهربوا إلى السهل، مختبئين خلف بعض الأشجار، غير بعيد منا، وعندئذ قدم لنا رجلنا الأسود تقريرا عن رحلته، وأخبرنا أ
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
تيم ماكينتوش سميث (ولد في 17 يوليو 1961) هو مستعرب وكاتب ورحالة بريطاني مقيم باليمن فاز بعدة جوائز لكتابته وقدم عدة أفلام وثائقية لشبكة بي بي سي ويجيد سميث اللغة العربية ويتحدثها بلهجة صنعانية. تلقى سميث تعليمه في كلية كليفتون، مدرسة داخلية المستقلة للبنين في ضاحية كليفتون في مدينة بريستول في جنوب غرب انجلترا، بين السنوات 1971-1978 وحصل على بعثة دراسية لجامعة أكسفورد [1] يعيش سميث في منزل قديم بصنعاء القديمة ويحمل شغفاً وتعلقاً شديداً باليمن وتاريخها وتاريخ مدينة صنعاء تحديداً ويصف كتاباته بأنها ليست "علمية وجافة" ككتابات متخصصين غربيين مثل باول دريتش حول اليمن فمعظمها متعلق بتاريخ البلاد وثقافتها وتآثر بكتابات الرحالة المغربي إبن بطوطة[2] إذ أنه يصف القات بالـ"النبتة السحرية" ويعرف دروب ومسالك مدينة صنعاء ربما أكثر من سكانها الأصليين [3] يعلم سميث منذ بداية وصوله إلى اليمن أطفال جيرانه اللغة الإنجليزية والموسيقى بعضهم كبر وأصبح وزيراً
من مؤلفاته

(Yemen: Travels in Dictionaryland (1997

(Yemen: The Unknown Arabia (2000

(Travels with A Tangerine (2001

(The Hall of a Thousand Columns (2005

(Landfalls (2010
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM