•| الطَّارف والتَّلِيد |•
2.08K subscribers
3 photos
1 file
139 links
التقاطات في الفقه والأصول ... وعلائقُ أخرى
@sm_smari
Download Telegram
امتناع الخروج من الخلاف [ ٢ ]

استخدم بعض الفقهاء فكرة «امتناع الخروج من الخلاف» أو ما شابهها على مستويين، سبق الأول منهما في المقالة الأولى والذي يُعبَّر فيه عن «تقابل قول بالوجوب وقول بالتحريم في موضع واحد».

أما المستوى الثاني منه: فهو ما عبَّر به المانعون لقاعدة الخروج من الخلاف نفسها، وعلى رأس هؤلاء اثنان من كبار علماء المالكية وهما:
     ١. ابنُ الشاطِّ (تـ٧٢٣ هـ) في تعقبه للقرافي في الفروق.
     ٢. والشاطبيُّ (تـ٧٩٠ هـ) في الموافقات وفي مراسلاته مع بعض علماء المالكية في عصره.

وقد عبروا عن ذلك بما حاصله: أن تصوُّرَ الخروجِ من الخلاف ممتنعٌ لأمرين:


     • الأول: أن حقيقة الخروج من الخلاف عند من يدَّعي استحبابَهُ: إما مصيرٌ إلى أحد القولين في المسألة، أو استحداثٌ لقول جديدٍ فيها، وعلى الاحتمالين ليس خروجًا من الخلاف.

     • الثاني: عدم تصوُّرِه شرعًا؛ لأن المكلفين بين مجتهدٍ فرضُهُ الاجتهاد، أو مقلدٍ فرضُهُ التقليد، وكلاهما لا ورعَ في حقِّه؛ لئلا يعمل بخلاف الواجب عليه، وإذا لم يصح هذا النوع من الورع في المجتهد ولا المقلد فليس بصحيح شرعًا؛ لأنه لا ثالث لهما.

وقد أجاب عن هذا الإشكال جماعة من العلماء المقرِّرينَ لاستحباب الخروج من الخلاف، ومنهم: أبو عبدالله ابن عرفة المالكي (تـ٨٠٣ هـ)، وله مع الشاطبي مراسلات فيها الجواب عن جملة استشكالات الشاطبي (تـ: ٧٩٠ هـ) على القاعدة.

وخلاصة الجواب عن القدح في القاعدة بـ(عدم التصور) أن يقال:


إن محلَّ هذه القاعدة لدى القائلين بها إنما هو عملُ المكلَّف، وليس المقصود بالخروج من الخلاف البحث العلمي بقصد الوصول للراجح في المسألة.

وبناء على ذلك: فلا يصح أن يقال:
     • إن الخروج من الخلاف يقتضي المصير لأحد القولين،
     • أو إن المجتهدَ لا يصح له المصيرُ إلى غير ما اقتضاه الدليل، وكذلك المقلدُ لا يصح له اتباع غير ما أفتاه به من قلَّدَه.

فكل ذلك غير وارد على مذهب القائلين بمشروعية الخروج من الخلاف؛ لأن محلَّ الخروج عندهم هو العملُ لا الاعتقاد، فليس في الخروج من الخلاف مصيرٌ لقولٍ أصلًا، وإنما قد تَرَكَ ما يجوز له تركه -وهو مقتضى قوله بالإباحة مثلًا- وعَمِلَ بغيره قصدًا للتورع واتقاءً الشبهة.


🖋 سعود بن منصور السماري

https://t.me/taref_taleed
👍51
علم علل الحديث والظاهرية

قال ابن القيم (تـ ٧٥١ هـ):

«هذا.. وأبو محمد [ابن حزم] لا يندفع بمثل هذا الكلام الذي المحاكمةُ فيه إلى ذوقِ العارفين بالحديث وأطبَّاءِ علله وجهابذةِ نُقَّاده؛ فإنَّ الظّاهرية المحضةَ لا تناسب طريقَهم ولا تلتئم على أصولهم، فمن سَلَكها ومضى فيها كالسِّكَّة المُحْمَاة لم يطمع منازِعُه في استنزاله عن قوله، ولا في رجوعه إليه ألبتة.
ولكلٍّ من علماء الإسلام اجتهادٌ يثيبه الله عليه، ويجمع له به بين أجرَين، أو يقتصر به على أجر واحد. رضي الله عنهم أجمعين وجزاهم أفضل جزاء المحسنين».

«رفع اليدين في الصلاة» (صـ٢٦٨)

https://t.me/taref_taleed
7👍4
📜

قال الشَّمسُ الزَّركشيُّ الحنبليُّ (تـ٧٧٢ هـ) عند بيانه لأحكام الإحداد وأن من توفي زوجها لا تخرج من بيتها إلا في النهار لحاجة:

«اشترَطَ كثيرٌ من الأصحابِ لخروجِها في النَّهارِ «الحاجة»، وأحمدُ وجماعةٌ لم يشترِطوا ذلك فلا حاجةَ في التَّحقيقِ إلى اشتراطِه؛ لأنَّ المرأةَ وإن لم تكن متوفًّى عنها تُمنَعُ من خروجِها من بيتِها لغيرِ حاجةٍ مُطلَقًا»

شرح الزركشي على الخِرَقيِّ (٥/ ٥٧٨)


https://t.me/taref_taleed
👍8
آفة العلم الخيلاء

قال أبو حامد الغزالي (تـ٥٠٥ هـ):

«فإن قلتَ: فما بالُ بعضِ الناسِ يزدادُ بالعلمِ كِبرًا وأمنًا؟
فاعلمْ أنَّ لذلك سببينِ:
أحدُهما: أن يكونَ اشتغالهُ بما يُسمَّى علمًا وليسَ علمًا حقيقيًّا، وإنما العلمُ الحقيقيُّ ما يَعرفُ به العبدُ ربَّه ونفسَه ... فأما ما وراءَ ذلك، كعلمِ الطبِّ والحسابِ واللغةِ والشعرِ والنحوِ وفصلِ الخصوماتِ وطرقِ المجادلاتِ= فإذا تجردَّ الإنسانُ لها حتى امتلأ منها، امتلأ بها كبرًا ونفاقًا، وهذه بأن تُسمَّى صناعاتٍ أولى من أن تُسمَّى علومًا، بل العلمُ هو معرفةُ العبوديةِ والربوبيةِ وطريقِ العبادةِ، وهذه تورثُ التواضعَ غالبًا.

السببُ الثاني: أن يخوضَ العبدُ في العلمِ وهو خبيثُ الدخلةِ، رديءُ النفسِ، سيءُ الأخلاقِ، فإنه لم يشتغلْ أولًا بتهذيبِ نفسه وتزكيةِ قلبه بأنواعِ المجاهداتِ، ولم يرِضْ نفسَهُ في عبادةِ ربه، فبقي خبيثَ الجوهرِ، فإذا خاضَ في العلمِ -أيَّ علمٍ كان- صادفَ العلمُ من قلبه منزلاً خبيثًا، فلم يطِبْ ثمرُه، ولم يظهرْ في الخيرِ أثرُه.
وقد ضربَ وهبٌ لهذا مثلًا، فقال: «العلمُ كالغيثِ ينزلُ من السماءِ حلوًا صافِيًا، فتشربهُ الأشجارُ بعروقها، فتحوِّلهُ على قدرِ طعومِها، فيزدادُ المرُّ مرارةً، والحلوُ حلاوةً»، فكذلك العلمُ تحفظهُ الرجالُ، فتحوِّلهُ على قدرِ هممها وأهوائها، فيزيدُ المتكبرُ كبرًا، والمتواضعُ تواضعًا».

إحياء علوم الدين (٣/ ٣٤٨)



https://t.me/taref_taleed
8
📜

كان الشهابُ القَرافيُّ (تـ٦٨٤ هـ) كثيراً ما يتمثَّل بهذين البيتين:

عَتَبْتُ على الدُّنيا لتقديمِ جاهلٍ **
وتأخيرِ ذي علمٍ.. فقالت: خذِ العُذْرا

بنو الجهلِ أبنائي.. وكلُّ فضيلةٍ **
فأبناؤها أبناءُ ضرَّتيَ الأخرى


الديباج المذهب (١/ ٢٣٩)

https://t.me/taref_taleed
👍7👏2
معيارُ التأويلِ السائغِ: قَصْدُ البيان لمراد المتكلِّم لا أن يكون لمجرَّد دفع التعارض

قال شيخ الإسلام ابن تيمية (تـ٧٢٨ هـ):
     «وهؤلاء كثيرًا ما يجعلون التأويل من باب دفع المعارض، فيقصدون حملَ اللَّفظ على ما يُمكن أن يريده متكلمٌ بلفظه، لا يقصدون طلبَ مرادِ المتكلِّمِ به، وحمله على ما يناسب حاله.
     وكلُّ تأويلٍ لا يَقْصدُ به صاحبُه بيانَ مرادِ المتكلمِ وتفسيرَ كلامِه بما يُعرف به مرادُهُ، وعلى الوجه الذي به يُعرف مراده= فصاحبُهُ كاذب على من تأوَّل كلامَهُ.
     ولهذا كان أكثرهم لا يجزمون بالتأويل، بل يقولون: يجوز أن يرادَ كذا! وغايةُ ما معهم إمكانُ احتمال اللفظ».

«درء تعارض العقل والنقل» (١/ ١٢)


https://t.me/taref_taleed
8
📜

«مراتبُ الدُّنيا لا تُنال إلا بالصبر على البلاء في طلبها والمجاهدة، فكيف من أراد مقعدَ صدقٍ عند مليكٍ مقتدر»

ابن رجب (تـ٧٩٥ هـ) | غاية النفع في شرح حديث «مثل المؤمن كالخامة من الزرع»


https://t.me/taref_taleed
6
{وَمَاۤ أَنفَقۡتُم مِّن شَیۡءࣲ فَهُوَ یُخۡلِفُهُ}

من لطيف ما يذكر في ذلك:
ما روى الخطيب البغدادي عن «لقمان الأمة» حاتمٍ الأصمِّ (تـ٢٣٧ هـ) أنه قال:

«جعلتُ على نفسي إن قَدِمتُ مكة أن أطوف حتى أنقطع، وأصلي حتى أنقطع، وأتصدق بجميع ما معي.

فلما قدمتُ صليتُ حتى انقطعت، وطُفْت حتى انقطعت، فقَوِيْتُ على هاتين الخصلتين ولم أقْوَ على الأخرى؛ كنت أُخْرِج من ها هنا ويجيء من ها هنا..!»

تاريخ بغداد  (٩/ ١٥١)


https://t.me/taref_taleed
12👍1
📜

دليلٌ على حرصِ ابنِ آدمَ أنَّهُ **
تُرَى كفُّهُ مضمومةً وقتَ وضعِهِ

ويبسطُها عندَ المماتِ إشارةً **
إلى صِفْرِها مما حوى بعدَ جمعِهِ

الفخر إسماعيل «غلام ابن المَنِّي» (تـ٦١٠ هـ) | ذيل طبقات الحنابلة (٣/ ١٤٤)


https://t.me/taref_taleed
2👍2👏2
من علامة ضعف المودة تأثرها بقلة اللقاء


عن الحسن بن صالح (تـ١٦٩ هـ) أنه قال:
«كلُّ مودَّةٍ لا تزداد إلا بالالتقاءِ = مدخولةٌ».

قال أبو حاتم ابنُ حبان (تـ٣٥٤ هـ):
«من صحَّحَ الحالَ بينه وبين الإخوان لم يضرَّهُ قلةُ الاجتماع؛ لاستحكام الحال بينهما، والمودَّةُ إذا أضرَّ بها قلةُ الالتقاءِ تكون مدخولة».

روضة العقلاء  |  (ص١١٦ - ١١٧)


https://t.me/taref_taleed
8👍5👏2
مما يُعاب عند قنوتِ الإمامِ: عجلةُ المأمومِ بالتأمين قبلَ موضعِهِ

عن ابن سيرين قال:

«كان أُبَيٌّ يقومُ للنَّاسِ على عهدِ عمرَ في رمضان، فإذا كان النِّصْفُ جهر بالقنوت بعد الركعة، فإذا تمَّتْ عشرون ليلةً انصرف إلى أهلِهِ، وقام للناس أبو حَلِيْمة معاذٌ القارئ وجهر بالقنوت في العشر الأواخر، حتى كانوا مما يسمعونه يقول: اللهم قَحَطَ المطرُ، فيقولون: آمين، فيقول: ما أسرعَ ما تقولون آمين! دَعُوني حتى أدعو».

مصنف عبدالرزاق (برقم: ٧٩٦٦)

https://t.me/taref_taleed
8👍3
{أُو۟لَـٰۤئِكَ لَهُمۡ رِزۡقࣱ مَّعۡلُومࣱ * فَوَ ٰ⁠كِهُ وَهُم مُّكۡرَمُونَ}

قال الزمخشري (تـ٥٣٨ هـ):

«فسَّرَ الرزقَ المعلومَ بالفواكه -وهي كل ما يُتَلذَّذُ به ولا يتقوَّت لحفظ الصحة- يعني: أنّ رزقَهُم كلَّهُ فواكهٌ؛ لأنهم مستغنون عن حفظ الصحة بالأقوات بأنهم أجسامٌ مُحْكَمةٌ مخلوقةٌ للأبد، فكلُّ ما يأكلونه يأكلونه على سبيل التلذُّذ»


الكشاف | سورة الصافات الآيـ٤١ــة

https://t.me/taref_taleed
👍92
تحرير الأذكار والأدعية الواردة في كتب الفقه من كتب الحديث المعتمدة

من واجبات الفقيه: العنايةُ بتحرير ألفاظ الأدعية والأذكار المأثورة عن النبي ﷺ من كتب الحديث المعتمدة، وألا يكتفي بما في المتون الفقهية إذا خالفت ألفاظُه الأصولَ، وليس ذلك من مخالفة المذهب، بل من تحقيقه وتحريره، ولا يكون ذلك إلا مع بذل الجهد وعدم التسرع في التخطئة، وذلك من دأب الأئمة الفقهاء.

يقول النووي (تـ٦٦٧ هـ) في مقدمة كتابه «منهاج الطالبين» الذي اعتمد فيه على «المحرَّر» لأبي القاسم الرافعي (تـ٦٢٤ هـ):

«وكذا ما وجدتَهُ من الأذكار مخالفًا لما في «المحرَّر» وغيره من كتب الفقه: فاعتمده؛ فإني حققته من كتب الحديث المعتمدة».

قال الخطيب الشربيني (تـ٩٧٧ هـ) في شرحه:

«لأن مرجع ذلك إلى علماءِ الحديث وكتبِهِ المعتمدة؛ فإنهم يعتنون بلفظه، بخلاف الفقهاء فإنهم إنما يعتنون -غالبًا- بمعناه».

مغني المحتاج (١/ ١١٠)


https://t.me/taref_taleed
8
هل يحصل النفل المقيَّد -كصيام الستِّ من شوال- بنيَّةٍ من النهار؟

ذهب فريق من الحنابلة المعاصرين إلى أن «النفل المقيَّد» -كعاشوراء وعرفة والست من شوال- لابد فيه من النية قبل الفجر؛ ليحصل الثواب المرتَّب عليه، وعللوا ذلك بأنه إنما «يُحكم بالصوم الشرعيِّ المُثابِ عليه من وقت النية، على الصحيح من المذهب» كما في الإنصاف وغيره، فأخذوا من ذلك أن ما فيه فضلٌ خاص مرتَّب على صيام «يوم» فإنه يجب له تبييت النية؛ ليحصل الصوم الشرعي المثاب عليه لكل اليوم.

وعارضهم فريق آخر يرى أنه لا فرق بين النفل المقيَّد والمطلق في تبييت النية، بل كلاهما لا يشترط فيه التبييت، كما هو ظاهر  الإطلاق في المذهب بـ «جواز النفل بنية من النهار قبل الزوال وبعده».

وليس مرادي هنا إقامة الأدلة للقولين لتعيين الأرجح منهما، وإنما هي محاولة خجلى لتحرير رأي الحنابلة في المسألة باستنطاق نصوصهم؛ فإنني لم أقف على نص صريح بخصوص المسألة لديهم.

والذي يظهر لي: أنهم لا يفرقون بين النفل المطلق والمقيَّد في ذلك، فلا يشترط تبييت النية في صيام الست من شوال ولا غيرها من النفل المقيَّد.

ومما هو كالنص على عدم التفريق لديهم أمران:


   - الأمر الأول -وهو أوضحهما-: استدلالُهم في مسألة تبييت النية؛ فإنهم استدلوا على جواز صوم النفل بنية من النهار بأدلة منها: ما ورد في حديث الربيِّع بنت معوَّذ عند البخاري في صوم يوم عاشوراء إذ قالت: أرسل النبي ﷺ غداةَ عاشوراء إلى قرى الأنصار : «من أصبح مفطرًا فليتم بقية يومه، ومن أصبح صائما فليصم».

وذلك أن صوم عاشوراء في تلك السنة كان على الاستحباب في مشهور المذهب، فيوضِّحُ شيخ الإسلام ابن تيمية وجه الدلالة من الحديث بقوله: «لأن صيام عاشوراء لم يكن واجبًا في المشهور لأصحابنا، وقد أمرهم النبي ﷺ بصومه من النهار». [شرح العمدة (٣/ ١٤٦)]

وصومُ عاشوراء نفلٌ مقيَّدٌ، فلو كان كالصوم الواجب لا يصح إلا بتبييت النية من الليل= لما سلِمَ لهم الاستدلال بالحديث.

وإذا ثبت ذلك في عاشوراء ثبت في غيره كالست من شوال، وصحَّ بذلك أن كل نفل مقيَّدٍ يصح ولو نوى الصائم في أثناء النهار.


وهذا الاستدلال بحديث عاشوراء على جواز النفل بنية من النهار حاضرٌ في مدونات الحنابلة، قد استدل به:
     • الموفق في المغني (٤/ ٣٤٠).
     • وعنه ابن أبي عمر في الشرح (٧/ ٤٠٤).
     • وكذلك ابن النجار في المعونة (٣/ ٣٨٩).
     • والبهوتي في الكشاف (٥/ ٢٤٤).
وغيرهم.

   - الأمر الثاني: أن الأصحاب لما قرروا صحة النفل بنية من النهار= اختلفوا: هل يشترط كون النية قبل الزوال، أم يصح الصوم ولو بنية بعد الزوال؟ على روايتين:

     • أشهرهما: أنه لا يشترط كونها قبل الزوال، وعليه أكثر الأصحاب.
     • والرواية الثانية: اشتراطه، واختاره جماعة.

ومحل الدلالة من هذا الخلاف على خصوص مسألتنا: أن من اشترط كون النية قبل الزوال قد تمسَّك بأن وجود النية قبل الزوال يكون بها معظمُ اليوم منويًّا، فجاز أن يقوم مقام الجميع. [شرح العمدة]

وأجيب عنه -على المعتمد من المذهب-:
    - بأن الشارع لم يفرق بين ما قبل الزوال وما بعده.
    - وبما روي عن بعض الصحابة من عَقْدِ النيَّة بعد الزوال. [الشرح الكبير]

فظاهر هذا أنه على كلا الروايتين لا خلاف في أن النية في بعض النهار تقوم مقام النية في جميع اليوم -وهو المطلوب هنا-، إلا أنهم اختلفوا: هل تكفي نيةُ أيِّ جزء من النهار، أم المجزئ نيةُ أكثر اليوم؟ على ما سبق.

وبهذا يظهر الفرق بين كون الصوم صحيحًا شرعًا ومحصِّلًا للمطلوب، وبين قَصْر الثواب على ما تحققت فيه النية من اليوم -على المشهور في المذهب-.

والله أعلم.

https://t.me/taref_taleed
👍64
من أوجه الفضل في زمن الشدة: ما يقوم بنفس العبد من العبودية

لا ييأس المؤمن من روح الله في زمان الشدة والبلاء، ولا ينبغي له ذلك؛ فإن أمرَه كله له خير إذا استحضر عبودية القلب والجوارح في جميع أحواله، ولذلك قال ﷺ: «إن أمر المؤمن كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن: إنْ أصابته سراءُ: شَكَرَ فكان خيرًا له.. وإن أصابته ضراءُ: صَبَرَ فكان خيرًا له»، فوَجْهُ الخيريَّةِ مقترنٌ بما يقوم بنفس العبد من عبوديةٍ لله بالشكر أو الصبر، أما الدنيا فإن الله يعطيها من يحب ومن لا يحب؛ فلم تكن صالحةً لأن تكون معيارًا لإرادةِ الله بعبدِهِ الخيرَ.

ولذلك ربما كان ما يقوم في نفس العبد زمن الشدة والبلاء من معاني الخضوع وانكسار النفس= هو وجه الخير في تلك الشدة، ولو لم تقترن بفرجٍ دنيوي يقدِّرُه الإنسان في نفسه ليستوفيَ ما يظنُّهُ حقًّا له.

يشير إلى ذلك ابن رجب (تـ٧٩٥ هـ) -في سياق ذكره لأسرارِ تأخُّرِ الفَرَج إلى حين اشتدادِ الكَرْب- فيقول:

(ومنها: أن المؤمن إذا استبطأ الفرج ويئس منه -ولا سيَّما بعد كثرة دعائه وتضرُّعِه- ولم يظهر له أثر الإجابة= رَجَعَ إلى نفسه باللائمةِ ويقول لها: إنما أُتِيْتُ من قِبَلك، ولو كان فيكِ خيرٌ لأُجِبْت!

وهذا اللومُ أحب إلى الله من كثير من الطاعات؛ فإنه يوجب انكسارَ العبد لمولاه، واعترافَهُ له بأنه ليس بأهلٍ لإجابة دعائِهِ، فلذلك يُسرع إليه حينئذ إجابةُ الدعاء وتفريجُ الكَرْب، فإنه تعالى عند المُنْكَسِرةِ قلوبُهم من أجله، على قدر الكَسْر يكون الجبر).

ثم قال:
(ومن هاهنا كان العارفون بالله لا يختارون إحدى الحالتين على الأخرى، بل أيَّهما قَدَّر اللهُ رضوا به وقاموا بعبوديته اللائقة به ... قال عمر: «ما أبالي أصبحتُ على ما أحب أو على ما أكره؛ لأني لا أدري ألخيرُ فيما أحب أو فيما أكره؟».

وقال عمر بن عبد العزيز: «أصبحت يومًا وما لي سرورٌ إلا في مواقع القضاء والقدر»).
نور الاقتباس في مشكاة وصية النبي ﷺ لابن عباس (ص١٧٤)


وهذا من أسرار اسم الله «اللطيف» ذلك أنه يتضمن «علمَهُ بالأشياء الدقيقة، وإيصالَهُ الرحمةَ بالطُّرُق الخفيَّة»، كما قال يوسف عليه السلام: {إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾ «فأخبر أنه يلطف لما يريدُهُ فيأتي به بطرق خفيَّة لا يعلمها الناس».
شفاء العليل لابن القيم (١/ ١١٨)


https://t.me/taref_taleed
7👍2
لذة العلم ونعيم الجنة

قال الشيخ عبدالرحمن ابن سعدي (تـ١٣٧٦ هـ):

«وقوله: ﴿فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ﴾ وحذف المعمول، والمقام مقام لذة وسرور، فدل ذلك على أنهم يتساءلون بكل ما يلتذُّون بالتحدث به، والمسائل التي وقع فيها النزاع والإشكال.

ومن المعلوم: أن لذةَ أهل العلم بالتساؤل عن العلم والبحث عنه فوق اللذَّات الجارية في أحاديث الدنيا، فلهم من هذا النوع النصيب الوافر، ويحصل لهم من انكشاف الحقائق العلمية في الجنة ما لا يمكن التعبير عنه».

تيسير الكريم الرحمن | الصافات الآيـ ٥٠ ـة


https://t.me/taref_taleed
9👍4
﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا﴾

قال ابن عطية (تـ٥٤٢ هـ):

«عدَّدَ تعالى على الأبناء مِنَنَ الأمهاتِ، وذكرَ الأمَّ في هذه الآية في أربع مراتب، والأبَ في مرتبة واحدة؛
     • جمعهما الذِّكرُ في قوله تعالى: ﴿بوالديه﴾.
     • ثم ذكر الحَمْلَ للأم،
     • ثم الوضعَ لها،
     • ثم الرضاعَ الذي عَبَّرَ عنه بالفصال.

فهذا يناسب ما قال رسول الله ﷺ حين جعل للأم ثلاثةَ أرباعِ البِرِّ، والرُّبُعَ للأب، وذلك إذ قال له رجل: يا رسول الله، من أَبَرُّ؟ قال: «أمَّك» قال: ثم من؟ قال: «ثم أمَّك» قال: ثم من؟ قال: «ثم أمَّك» قال: ثم من؟ قال: «أباك»).

المحرر الوجيز | سورة الأحقاف الآيـ١٥ـة


https://t.me/taref_taleed
👍32
فالشيطانُ لا يبالي إلى أيِّ الشِّقَّيْن تصير

قال حفيدُ المجد ابنُ تيمية (تـ٧٢٨ هـ):

«إظهارُ الفرح والسرور يوم عاشوراء وتوسيعُ النفقات فيه= هو من البدع المحدَثَةِ ... وقد يكون سببُ الغلوِّ في تعظيمه من بعض المُتَسَنِّنة لمقابلةِ الروافض؛ فإنَّ الشيطانَ قصدُهُ أن يحرفَ الخلقَ عن الصراطِ المستقيم، ولا يبالي إلى أيِّ الشِّقَّيْنِ صاروا».

اقتضاء الصراط المستقيم (٢/ ١٣٣ - ١٣٤)

تنبيه: تصحَّف قوله «المُتَسَنِّنة» في المطبوع، وصوابه المثبت؛ لدلالة السياق عليه، وكما في بعض النسخ الخطية (انظر هنا)

https://t.me/taref_taleed
👍76
من أدب النصيحة:

‏❍ قال ابن حزم: «لا تنصح على شرط القبول».
«مداواة النفوس» ص٨٧.

‏❍ قال شوقي:
لك نصحي وما عليك جدالي ** آفة النصح أن يكون جدالا.
13👍2
الفرح بالله والسرور به

قال ابن القيم (تـ٧٥١ هـ):

«وثمرة الرِّضا: الفرح والسُّرور بالربِّ تبارك وتعالى، ورأيت شيخ الإسلام ابن تيمية -قدَّس الله روحه- في المنام، وكأنِّي ذكرت له شيئًا من أعمال القلب وأخذت في تعظيمه ومنفعته -لا أذكره الآن-، فقال: أمَّا أنا فطريقتي: الفرحُ بالله والسُّرور به، أو نحو هذا من العبارة.
وهكذا كانت حاله في الحياة، يبدو ذلك على ظاهره وينادي به عليه حالُه».

مدارج السالكين (٢/ ٤٨٣)

https://t.me/taref_taleed
5👍4