لا الشرع يمتلك وسائل ضغط أو أدوات سياسية تجعل طرامب يفضل رفع العقوبات، ولا طرامب قلبه على الناس في سورية هو وعبيده من ساسة السعودية والإمارات، وإلا لكان أهل القطاع أولى بإنسانيته. فالراجح هو أن الذي حدث تنازلات وتطمينات قدمها الشرع للدولة التي تحتل معظم بلاد العرب وتأخذ منها الجزية مع مصالح استثمارية يريدها رجل الأعمال طرامب في سورية.
نعم يفرح الناس على مستوى المعيشة ببعض الانفراج، ولكن القادة والدعاة يرصدون المشهد وهم يسألون الله السلامة ويعدون البدائل وينظرون للمستقبل. فالمستقبل الزاهر لسورية ليس أن تتحول إلى امتلاء مالي وبعض الرخاء مع تبعية ذليلة على خطى دويلات الخليج، بل المستقبل الزاهر هو أن تخرج من التبعية وتهتدي بالشريعة.
كما أن المسلم الواعي لا يزين فعل هؤلاء الطغاة لأنهم تواسطوا لهذه الصفقة فيصبحوا فجأة صناع سلام وأصحاب فضل!
نعم يفرح الناس على مستوى المعيشة ببعض الانفراج، ولكن القادة والدعاة يرصدون المشهد وهم يسألون الله السلامة ويعدون البدائل وينظرون للمستقبل. فالمستقبل الزاهر لسورية ليس أن تتحول إلى امتلاء مالي وبعض الرخاء مع تبعية ذليلة على خطى دويلات الخليج، بل المستقبل الزاهر هو أن تخرج من التبعية وتهتدي بالشريعة.
كما أن المسلم الواعي لا يزين فعل هؤلاء الطغاة لأنهم تواسطوا لهذه الصفقة فيصبحوا فجأة صناع سلام وأصحاب فضل!
نسي بعضهم من هو محمد بن سلمان وماذا فعل بالمسلمين وعلمائهم في بلاد الحرمين وحربه على الدين، فمدحوه واستلهموا حركة يديه تعبيرا عن شكره لأنّه دعمهم. وهذا الانحراف يعود إلى إعلاء الهوية الوطنية التي ترصد مصالح الأمة الوطنية أولا وقبل كل شيء ولا تضع في حسابها - عند تحديد الموقف من الناس - مواقف هؤلاء الناس من الدين والأمة بعموم.. فالأزمة تعود إلى تبني الهويات الوطنية التي تمزّق وعي المسلم وتُجهّله بأعدائه وأوليائه الحقيقيين. ولذلك أقول دائما: لا نهوض لهذه الأمة بغير التخلي عن الهويات الوطنية وإبطال أثرها.
أكره أن تكون البراغماتية هي المعيار الوحيد للسياسة الجيدة. البراغماتية موهبة، غريزة، ولكنها ليست الأفق الوحيد الذي ننظر إليه حين نريد تقييم سياسة جهةٍ ما.
لو أردنا مثلًا أن نتحدّث عن سياسة أبي بكر وعمر بن الخطّاب رضي الله عنهما، فلا شكّ أنهما من أعظم سياسيي المسلمين، لكن لو تخيّلنا أنّهما قادا دولة في ظلّ الجاهلية، هل ستكون سياستهما هي السياسة نفسها التي عرفناها منهما في ظلّ الإسلام والاحتكام إلى قيمه وشرائعه؟ كلّا بالطبع.
إذن فالرؤية السياسية عند المسلم لا تكون مرتبطة بمجرّد الاتصاف بالبراغماتية كما يتردّد هذه الأيام، حيث يوصف الرجل بالنجاح السياسي لمجرّد سلوكه البراغماتي وتحقيقه للمصالح الدنيوية، فهذه البراغماتية يمارسها من يشاء بصرف النظر عن دينه ورؤيته ومشروعه. ومجرّد الحصول على اعتراف الآخرين وبناء العلاقات معهم بغير نظر إلى الرؤية والقيم الحاكمة والاتجاه الذي يسلكه السياسي لا يكفي ليكون معيارا على النجاح السياسي في حسّ المسلم، فالنجاح السياسي عند المسلم مرتبط بشكل جوهري بمدى تحقيق القيم والأهداف الإسلامية، أو بمدى السير نحوها على الأقل، لأنّ السياسة وسيلة إليها.
السياسة عند المسلم ليست مجرّد فنّ الإدارة وإنشاء التحالفات وعقد الصفقات، بل لا بد أن تسير في طريق إحقاق الحقّ والعدل وبناء قوة الأمة واستقلالها وتخلّصها من التبعيّة للغرب، لا بدّ أن تكون السياسة مسيرةً تهتدي بهدي النبيّ محمّد صلى الله عليه وسلّم وصحبه الراشدين. وإذا كانت الشريعة تذمّ أن تكون الدنيا أكبر همّنا، فهذا ينطبق على السلوك السياسي في المقام الأول، فالساسة هم الذين يسوسون دنيا الناس ويتّجهون بها إمّا إلى آفاق الدين وآثاره في الدنيا، أو إلى آفاق دنيوية محضة معزولة عن قيم السماء.
لو أردنا مثلًا أن نتحدّث عن سياسة أبي بكر وعمر بن الخطّاب رضي الله عنهما، فلا شكّ أنهما من أعظم سياسيي المسلمين، لكن لو تخيّلنا أنّهما قادا دولة في ظلّ الجاهلية، هل ستكون سياستهما هي السياسة نفسها التي عرفناها منهما في ظلّ الإسلام والاحتكام إلى قيمه وشرائعه؟ كلّا بالطبع.
إذن فالرؤية السياسية عند المسلم لا تكون مرتبطة بمجرّد الاتصاف بالبراغماتية كما يتردّد هذه الأيام، حيث يوصف الرجل بالنجاح السياسي لمجرّد سلوكه البراغماتي وتحقيقه للمصالح الدنيوية، فهذه البراغماتية يمارسها من يشاء بصرف النظر عن دينه ورؤيته ومشروعه. ومجرّد الحصول على اعتراف الآخرين وبناء العلاقات معهم بغير نظر إلى الرؤية والقيم الحاكمة والاتجاه الذي يسلكه السياسي لا يكفي ليكون معيارا على النجاح السياسي في حسّ المسلم، فالنجاح السياسي عند المسلم مرتبط بشكل جوهري بمدى تحقيق القيم والأهداف الإسلامية، أو بمدى السير نحوها على الأقل، لأنّ السياسة وسيلة إليها.
السياسة عند المسلم ليست مجرّد فنّ الإدارة وإنشاء التحالفات وعقد الصفقات، بل لا بد أن تسير في طريق إحقاق الحقّ والعدل وبناء قوة الأمة واستقلالها وتخلّصها من التبعيّة للغرب، لا بدّ أن تكون السياسة مسيرةً تهتدي بهدي النبيّ محمّد صلى الله عليه وسلّم وصحبه الراشدين. وإذا كانت الشريعة تذمّ أن تكون الدنيا أكبر همّنا، فهذا ينطبق على السلوك السياسي في المقام الأول، فالساسة هم الذين يسوسون دنيا الناس ويتّجهون بها إمّا إلى آفاق الدين وآثاره في الدنيا، أو إلى آفاق دنيوية محضة معزولة عن قيم السماء.
من يتحدث عن "القرار العربي" أخبروه أن هؤلاء الذين توسطوا لرفع العقوبات عن سورية عند السيد الأمريكي لم يجرؤ واحد منهم على أن ينبس ببنت شَفة عند لقائه بسيّده بخصوص القطاع وحصاره وأوضاعه المتدهورة التي يندى لها جبين الإنسانية فضلا عن العروبة.
ليس هناك قرار عربي، هناك مزارع عربية كبيرة ضيع قدراتها الأراذل، ومن يحتفي بهؤلاء الأراذل فقد اختار طوعا البقاء في الذل والمهانة. والمضطر لمصانعتهم من الساسة لأنهم يحيطون به ليس مضطرا للمبالغة في مديحهم وخلع أوصاف الكرم والشهامة واللهفة عليهم، فهو يعبث بوعي أمة، وهذا لعمري أخطر من مصالح دنيوية يرجوها بمحاباتهم.
هذا حال السياسي في عصر الضعف والهزيمة، فكيف بالمفكر والإعلامي والداعية الذين لا شأن لهم بالعملية السياسية يخلعون أوصاف السمو والسؤدد على أعداء هذه الأمة الذين يكبلون حريتها ويسرقون مقدّراتها ويرهنونها للقوى الغربية؟ هؤلاء ألا يخافون الله؟ ألا يملكون ذرة من الوعي والولاء لله ولرسوله وللمؤمنين تجعلهم يخجلون من هذا الذي سيُكتب في صحائفهم؟!
ليس هناك قرار عربي، هناك مزارع عربية كبيرة ضيع قدراتها الأراذل، ومن يحتفي بهؤلاء الأراذل فقد اختار طوعا البقاء في الذل والمهانة. والمضطر لمصانعتهم من الساسة لأنهم يحيطون به ليس مضطرا للمبالغة في مديحهم وخلع أوصاف الكرم والشهامة واللهفة عليهم، فهو يعبث بوعي أمة، وهذا لعمري أخطر من مصالح دنيوية يرجوها بمحاباتهم.
هذا حال السياسي في عصر الضعف والهزيمة، فكيف بالمفكر والإعلامي والداعية الذين لا شأن لهم بالعملية السياسية يخلعون أوصاف السمو والسؤدد على أعداء هذه الأمة الذين يكبلون حريتها ويسرقون مقدّراتها ويرهنونها للقوى الغربية؟ هؤلاء ألا يخافون الله؟ ألا يملكون ذرة من الوعي والولاء لله ولرسوله وللمؤمنين تجعلهم يخجلون من هذا الذي سيُكتب في صحائفهم؟!
نفور كثير من أفراد المجتمع المسلم في سورية من الأفكار الإسلامية المتعلّقة بالسياسة ومن قضية إقامة الشريعة بسبب التصرّفات والخطابات السطحية لبعض التنظيمات التي كانت تعمل بينهم وآذتهم خلال الثورة؛ هذا النفور سيكلّفهم كثيرًا من الشقاء مستقبلًا، إلّا أن يتداركهم الله برحمته، بنخبة من قادة المجتمع المسلمين الواعين، الذين يُعيدون صياغة خطاب الشريعة (في مجالي السياسة والاقتصاد تحديدا) وينجحون بإذن الله في جعله قضية أمة راسخة.. هذه مهمة كل داعية واعٍ لم يسقط في فخّ التخلّي عن الخطاب السياسي الإسلامي وتبنّي خطاب سياسي خالٍ من الدين كردّ فعل على خطاب الغلوّ سالف الذكر.
نحن نعيش إحدى أسوأ مراحل الأمة وأكثرها سوادًا..
وقبل أن ينزعج بعضهم لأني أفقأ بهذا الكلام بالونات أحلامهم الوردية أقول: نعم، يتفاءل المرء كثيرا بخصوص مستقبل هذه الأمة في ظلّ معطيات تتعلق بالمدى الاستراتيجي البعيد لأجيالها، ولكنّ هذا التفاؤل في حقيقته "تفاؤل حرج"، لا ينبغي أن يعمينا عن كوننا نعيش إحدى أسوأ مراحل الأمة الإسلامية..
حيث تُستباح دماؤها وتُدمَّر حواضرها في أكثر من بؤرة منذ زمن طويل بلا قدرة لأي قيادة مسلمة على إيقاف ذلك، وحيث يأتي البرتقالي الجشع ليأخذ منهم الجزية عن يدٍ وهم صاغرون، بل ويُرقّصون له فتياتهم بشعورهنّ المكشوفة ويُركّعون رجالهم في مشهد يعبّر عن مستوى المهانة التي نعيشها.
فإذا كان هؤلاء هم الذين يسيطرون على مهد الإسلام، فماذا عن غيرهم؟
وحيث يَمدح رجل – يُفترض أنه زعيم إسلامي انتصر على طاغية – هؤلاء الأراذل بأفخم الألفاظ وأعذبها، وينخرط معهم في شراكات متفائلة بمستقبل وردي (هل يوزع إبليس الورود؟)، وحيث يُطبّل كثيرون للأمريكي أو ولاته في بلادنا وينسون جرائمهم ويرحّبون بانفراجاتهم ووعودهم الاقتصادية، فجعلوا رزقهم تحت ظلّ شعر البرتقالي الكئيب! وحيث تسارع النخب "الإسلامية" في شُكر مَن دمّر العراق واليمن والسودان وغيرها من بلاد المسلمين ونهب ثروات جزيرة العرب ليضعها في خدمة أسياده.
في ظلّ هذا المشهد مع ضحالة الوعي السياسي وغياب خطاب الشريعة والتنكّر لأحكامها وتبنّي العلمانية والسير في طريقها المرسوم وغلبة الآمال الدنيوية على عدد كبير من الناس ومن بينهم نخب "إسلامية" إلّا من رحم ربّك وهم قليل..
أقول: في ظلّ هذا المشهد الكئيب لا يمكن أن نكتفي بخطاب التفاؤل الوردي بأنّ "القادم أفضل" وأننا نتحرر بالفعل وأنّ التمكين للدين قريب إلى آخر هذه الشعارات التي يستهلكها الدعاة منذ عقود، فالوصول إلى هذا المستقبل منوط – بعد توفيق الله – بالسعي إلى معطياته وفق خطوات تلائم هذه المعطيات.
فالعزّة مثلا لا تُنال بالصَّغار، والتحرّر لا ينال بتكبيل البلاد والعباد بالنموذج الاقتصادي الليبرالي الحرّ وفتح الأبواب للنفوذ الأمريكي، والشريعة لا يُتوصّل إلى إقامتها في الحياة العامّة عبر تبنّي القانون العلماني الوضعي.. وقس على ذلك غيره، لتدرك أنّنا نعيش أزمة كبيرة، تحتاج إلى همم العاملين لدين الله وحملة الرسالة المحمّدية، الذي لن يكون دورهم مجرّد التصفيق للوضع الحالي والتسويغ له مع الانعزال في مساجدهم يُعلّمون الأجيال الجديدة دين الله بعيدًا عن كل ذلك السياق!
وقبل أن ينزعج بعضهم لأني أفقأ بهذا الكلام بالونات أحلامهم الوردية أقول: نعم، يتفاءل المرء كثيرا بخصوص مستقبل هذه الأمة في ظلّ معطيات تتعلق بالمدى الاستراتيجي البعيد لأجيالها، ولكنّ هذا التفاؤل في حقيقته "تفاؤل حرج"، لا ينبغي أن يعمينا عن كوننا نعيش إحدى أسوأ مراحل الأمة الإسلامية..
حيث تُستباح دماؤها وتُدمَّر حواضرها في أكثر من بؤرة منذ زمن طويل بلا قدرة لأي قيادة مسلمة على إيقاف ذلك، وحيث يأتي البرتقالي الجشع ليأخذ منهم الجزية عن يدٍ وهم صاغرون، بل ويُرقّصون له فتياتهم بشعورهنّ المكشوفة ويُركّعون رجالهم في مشهد يعبّر عن مستوى المهانة التي نعيشها.
فإذا كان هؤلاء هم الذين يسيطرون على مهد الإسلام، فماذا عن غيرهم؟
وحيث يَمدح رجل – يُفترض أنه زعيم إسلامي انتصر على طاغية – هؤلاء الأراذل بأفخم الألفاظ وأعذبها، وينخرط معهم في شراكات متفائلة بمستقبل وردي (هل يوزع إبليس الورود؟)، وحيث يُطبّل كثيرون للأمريكي أو ولاته في بلادنا وينسون جرائمهم ويرحّبون بانفراجاتهم ووعودهم الاقتصادية، فجعلوا رزقهم تحت ظلّ شعر البرتقالي الكئيب! وحيث تسارع النخب "الإسلامية" في شُكر مَن دمّر العراق واليمن والسودان وغيرها من بلاد المسلمين ونهب ثروات جزيرة العرب ليضعها في خدمة أسياده.
في ظلّ هذا المشهد مع ضحالة الوعي السياسي وغياب خطاب الشريعة والتنكّر لأحكامها وتبنّي العلمانية والسير في طريقها المرسوم وغلبة الآمال الدنيوية على عدد كبير من الناس ومن بينهم نخب "إسلامية" إلّا من رحم ربّك وهم قليل..
أقول: في ظلّ هذا المشهد الكئيب لا يمكن أن نكتفي بخطاب التفاؤل الوردي بأنّ "القادم أفضل" وأننا نتحرر بالفعل وأنّ التمكين للدين قريب إلى آخر هذه الشعارات التي يستهلكها الدعاة منذ عقود، فالوصول إلى هذا المستقبل منوط – بعد توفيق الله – بالسعي إلى معطياته وفق خطوات تلائم هذه المعطيات.
فالعزّة مثلا لا تُنال بالصَّغار، والتحرّر لا ينال بتكبيل البلاد والعباد بالنموذج الاقتصادي الليبرالي الحرّ وفتح الأبواب للنفوذ الأمريكي، والشريعة لا يُتوصّل إلى إقامتها في الحياة العامّة عبر تبنّي القانون العلماني الوضعي.. وقس على ذلك غيره، لتدرك أنّنا نعيش أزمة كبيرة، تحتاج إلى همم العاملين لدين الله وحملة الرسالة المحمّدية، الذي لن يكون دورهم مجرّد التصفيق للوضع الحالي والتسويغ له مع الانعزال في مساجدهم يُعلّمون الأجيال الجديدة دين الله بعيدًا عن كل ذلك السياق!
توضيح شخصي واجب..
كثير من الإخوة المتابعين، خصوصا من تابعني حديثا، يظنّ حين يقرأ كلامي عن حاكمية الشريعة والهوية الإسلامية أنني أنتمي إلى فكر معيّن في باله كان قد سمعه يتحدث بالمفردات نفسِها، ومن ثمّ يُلقي حكمه المتسرّع السطحي بأنني أنتمي إلى هذا الفكر (ولن أذكر أسماء الجماعات).
والواقع أنّني أكتب بهذا النفَس منذ نحو 20 عامًا، وفي عام 2011 أصدرتُ كتابي "الهوية والشرعية: دراسة في التأصيل الإسلامي لمفهوم الهوية ورفع الالتباسات عنه"، فقد كنت وما زلت أرى هذه القضية مفصلية جدّا في نهضة أمّتنا، وأننا كلّما تمسّكنا بالهويّات القطرية وتعصّبنا لها وأثّرت في بناء مواقفنا؛ كانت وبالا علينا وعاملا من عوامل تخلّفنا وضعفنا.
كما أنني في الوقت نفسه كنت في نقاش حادّ منذ نحو عشرين عامًا مع ذلك الفكر الذي ينسبونني إليه، بل كثيرٌ ممّا كتبت من مقالات وكتب كان نتيجة لهذا التفاعل بالنقد مع ذلك الفكر الذي أحب وصفه بفكر الغلوّ، فكتبت قبل عَقد مقالات بعنوان "هوس الرايات السود" في الردّ على من يعتبر مجرّد رفع العلم السوري في الثورة السورية رفعًا لراية شركية، فأصّلت الأمر وبيّنت سطحية هذا الفكر. وكتبت عام 2015 كتاب "الخطاب المريض" الذي كلّه مناقشة لفكر الغلو وأثره السلبي. بل كتبت مقالات عديدة في الردّ على من حرّم الانخراط في مؤسسات الدولة كالبرلمان وغيره بعد ثورات الربيع العربي بحجّة الشركية والتشريع بغير ما أنزل الله وخصوصا في مصر.
فما يظنّه بعض القرّاء بي حين يقرأ عن "الشريعة" و"الهوية" ونقد بعض الخطابات السياسية أوهام ناتجة عن التسرّع في الحكم، وناتجة عن شيء أخطر رصدتُه مؤخّرا: وهو نفور كثير من الشباب – بسبب تجارب تنظيمات الغلوّ – من الكلام بمفردات الشريعة والولاء والأمّة وأشباهها من المصطلحات الشريفة، وهو أمر مؤسف ينبغي لكل من تلبّس به أن يراجع نفسه ويهدأ قليلا ولا يأخذ مفاهيم الدين الأصيلة بجريرة خطاب سطحي عاث فسادًا في عقول المسلمين.
نعم كنت أنقد هذا الفكر وسطحيّته وأفكاره الكارثية، ولكني في الوقت نفسه لا أتخلى عن خطاب الشريعة والهوية الإسلامية، بل أرى وجوب بثّه ومعالجة قضايا الأمة به بالاتّزان الذي نجده في كتاب ربّنا عزّ وجلّ وسنّة نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم.
وقد عايشتُ خلال هذه المدة شخصيات كثيرة قفزتْ من مركب فكر الغلوّ الغارق لتجد ملاذها في الجهة المقابلة، أي في فكر متحرّر من كثير من ثوابت الشرع والهوية والخطاب السياسي مع تبنّي خطاب وطني قُطري تحت حجّة أنّهم نبذوا فكر الغلوّ، وهؤلاء لم يفرّقوا بين آفات فكر الغلوّ وبين الخطاب الشرعي المتّزن الذي ينبغي حمله، وكان أسهل عليهم أن يقفزوا إلى الفكر المتحرّر - الذي يرحّب به الجميع الآن والأقلّ كلفة - من أن يعالجوا بعمق خطاياهم الفكرية القديمة مع التمسّك بالخطاب الشرعي المتّزن.
بعضهم انتقل من "واقعة البواريد" الشهيرة التي تعاهد فيها مع زملائه بقتل من يتّخذ الديمقراطية بهذه البواريد مع ترديد شعارات إقامة الشريعة، إلى المبالغة في شكر سموّ الأمير، ذلك الطاغية الذي يفرض العلمانية والتعرّي والخنوع في بلاد الحرمين!
وآخر انتقل من ذمّ خوض المعترك السياسي ضمن مؤسسات الدولة الحديثة إلى الانخراط فيه، بل صار يردّد في المنافحة عن مسلكه الحجج ذاتها التي كان يردّدها خصومه بالأمس.
وهؤلاء وأمثالهم عالقون في أزمة كبرى تعيشها النخب الإسلامية منذ سقوط آخر المعاقل الكبرى للحكم الإسلامي منذ أكثر من قرن، بل ربما قبل ذلك، وهي مشكلة الانقطاع عن استمرارية الخطاب السياسي الذي أساسه الانطلاق من الشريعة باعتبارها منطلق تفكيره ومصدر معاييره الأول.
فقد مرّت هذه الأمة بمرحلة حرجة جدّا من تاريخها كادت فيها تفقد دينها في باب السياسة حين غرقتْ نخبها في الخطابات القومية والعلمانية. وسرعان ما نشأت الحركة الإسلامية قبل نحو قرن في محاولة – تفتقر إلى كثير من الأسس – لردم هذا الانقطاع وتداركه، لكنّها وجدت نفسها منقطعة عن الخبرة المتواصلة للممارسة الإسلامية، غارقة في عالم علماني تملأ فضاءه المعايير الدنيوية والانتماءات القومية والوطنية، فتخبّطت كثيرا في خطابها، وانقسمت على توجهين رئيسيين ما زالا حتى اللحظة يمثّلان سمتين بارزتين للخطاب الإسلامي السياسي المعاصر:
- التوجه الأول يحمل مضمون الرسالة في مختلف جوانب الحياة، وفي السياسة على مستوى الشعارات، ولكنه يجد صعوبة بالغة في تفعيل مضمون الرسالة في الخطاب السياسي حين ينخرط في العملية السياسية، يجد نفسه مجبرًا على ممارسة السياسة كما يمارسها الآخرون من أيّ ملّة اليوم، وذلك لافتقاره إلى الرؤية المرتبطة بكل ما يفعله في خضم السياسة، وهو يرى هوّة بعيدة بين الأدبيات الإسلامية المعروفة منذ عقود وبين الممارسة الفعلية، ويصعب عليه الربط بينها. إلى جانب تأثّره بالمفاهيم العلمانية والقومية والوطنية الفاسدة.
كثير من الإخوة المتابعين، خصوصا من تابعني حديثا، يظنّ حين يقرأ كلامي عن حاكمية الشريعة والهوية الإسلامية أنني أنتمي إلى فكر معيّن في باله كان قد سمعه يتحدث بالمفردات نفسِها، ومن ثمّ يُلقي حكمه المتسرّع السطحي بأنني أنتمي إلى هذا الفكر (ولن أذكر أسماء الجماعات).
والواقع أنّني أكتب بهذا النفَس منذ نحو 20 عامًا، وفي عام 2011 أصدرتُ كتابي "الهوية والشرعية: دراسة في التأصيل الإسلامي لمفهوم الهوية ورفع الالتباسات عنه"، فقد كنت وما زلت أرى هذه القضية مفصلية جدّا في نهضة أمّتنا، وأننا كلّما تمسّكنا بالهويّات القطرية وتعصّبنا لها وأثّرت في بناء مواقفنا؛ كانت وبالا علينا وعاملا من عوامل تخلّفنا وضعفنا.
كما أنني في الوقت نفسه كنت في نقاش حادّ منذ نحو عشرين عامًا مع ذلك الفكر الذي ينسبونني إليه، بل كثيرٌ ممّا كتبت من مقالات وكتب كان نتيجة لهذا التفاعل بالنقد مع ذلك الفكر الذي أحب وصفه بفكر الغلوّ، فكتبت قبل عَقد مقالات بعنوان "هوس الرايات السود" في الردّ على من يعتبر مجرّد رفع العلم السوري في الثورة السورية رفعًا لراية شركية، فأصّلت الأمر وبيّنت سطحية هذا الفكر. وكتبت عام 2015 كتاب "الخطاب المريض" الذي كلّه مناقشة لفكر الغلو وأثره السلبي. بل كتبت مقالات عديدة في الردّ على من حرّم الانخراط في مؤسسات الدولة كالبرلمان وغيره بعد ثورات الربيع العربي بحجّة الشركية والتشريع بغير ما أنزل الله وخصوصا في مصر.
فما يظنّه بعض القرّاء بي حين يقرأ عن "الشريعة" و"الهوية" ونقد بعض الخطابات السياسية أوهام ناتجة عن التسرّع في الحكم، وناتجة عن شيء أخطر رصدتُه مؤخّرا: وهو نفور كثير من الشباب – بسبب تجارب تنظيمات الغلوّ – من الكلام بمفردات الشريعة والولاء والأمّة وأشباهها من المصطلحات الشريفة، وهو أمر مؤسف ينبغي لكل من تلبّس به أن يراجع نفسه ويهدأ قليلا ولا يأخذ مفاهيم الدين الأصيلة بجريرة خطاب سطحي عاث فسادًا في عقول المسلمين.
نعم كنت أنقد هذا الفكر وسطحيّته وأفكاره الكارثية، ولكني في الوقت نفسه لا أتخلى عن خطاب الشريعة والهوية الإسلامية، بل أرى وجوب بثّه ومعالجة قضايا الأمة به بالاتّزان الذي نجده في كتاب ربّنا عزّ وجلّ وسنّة نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم.
وقد عايشتُ خلال هذه المدة شخصيات كثيرة قفزتْ من مركب فكر الغلوّ الغارق لتجد ملاذها في الجهة المقابلة، أي في فكر متحرّر من كثير من ثوابت الشرع والهوية والخطاب السياسي مع تبنّي خطاب وطني قُطري تحت حجّة أنّهم نبذوا فكر الغلوّ، وهؤلاء لم يفرّقوا بين آفات فكر الغلوّ وبين الخطاب الشرعي المتّزن الذي ينبغي حمله، وكان أسهل عليهم أن يقفزوا إلى الفكر المتحرّر - الذي يرحّب به الجميع الآن والأقلّ كلفة - من أن يعالجوا بعمق خطاياهم الفكرية القديمة مع التمسّك بالخطاب الشرعي المتّزن.
بعضهم انتقل من "واقعة البواريد" الشهيرة التي تعاهد فيها مع زملائه بقتل من يتّخذ الديمقراطية بهذه البواريد مع ترديد شعارات إقامة الشريعة، إلى المبالغة في شكر سموّ الأمير، ذلك الطاغية الذي يفرض العلمانية والتعرّي والخنوع في بلاد الحرمين!
وآخر انتقل من ذمّ خوض المعترك السياسي ضمن مؤسسات الدولة الحديثة إلى الانخراط فيه، بل صار يردّد في المنافحة عن مسلكه الحجج ذاتها التي كان يردّدها خصومه بالأمس.
وهؤلاء وأمثالهم عالقون في أزمة كبرى تعيشها النخب الإسلامية منذ سقوط آخر المعاقل الكبرى للحكم الإسلامي منذ أكثر من قرن، بل ربما قبل ذلك، وهي مشكلة الانقطاع عن استمرارية الخطاب السياسي الذي أساسه الانطلاق من الشريعة باعتبارها منطلق تفكيره ومصدر معاييره الأول.
فقد مرّت هذه الأمة بمرحلة حرجة جدّا من تاريخها كادت فيها تفقد دينها في باب السياسة حين غرقتْ نخبها في الخطابات القومية والعلمانية. وسرعان ما نشأت الحركة الإسلامية قبل نحو قرن في محاولة – تفتقر إلى كثير من الأسس – لردم هذا الانقطاع وتداركه، لكنّها وجدت نفسها منقطعة عن الخبرة المتواصلة للممارسة الإسلامية، غارقة في عالم علماني تملأ فضاءه المعايير الدنيوية والانتماءات القومية والوطنية، فتخبّطت كثيرا في خطابها، وانقسمت على توجهين رئيسيين ما زالا حتى اللحظة يمثّلان سمتين بارزتين للخطاب الإسلامي السياسي المعاصر:
- التوجه الأول يحمل مضمون الرسالة في مختلف جوانب الحياة، وفي السياسة على مستوى الشعارات، ولكنه يجد صعوبة بالغة في تفعيل مضمون الرسالة في الخطاب السياسي حين ينخرط في العملية السياسية، يجد نفسه مجبرًا على ممارسة السياسة كما يمارسها الآخرون من أيّ ملّة اليوم، وذلك لافتقاره إلى الرؤية المرتبطة بكل ما يفعله في خضم السياسة، وهو يرى هوّة بعيدة بين الأدبيات الإسلامية المعروفة منذ عقود وبين الممارسة الفعلية، ويصعب عليه الربط بينها. إلى جانب تأثّره بالمفاهيم العلمانية والقومية والوطنية الفاسدة.
- والتوجه الثاني يحمل مضمون الرسالة بشكل أكثر شمولًا ولكنه أكثر مثاليّة وتركيزا على سؤال "ما ينبغي أن يكون"، فتصبح السياسة عنده خطابًا كلاميّا لا ممارسة، خطابًا غارقًا في "المثال". وهو في العادة لا يمارس السياسة فعليّا، ولا يملك رؤية بخصوص "كيف نتعامل مع ما هو كائن" حاليا في اللحظة الراهنة وفي التحديات القائمة. وحين ينخرط في الممارسة نجد الكوارث التي وجدناها في العراق وسورية وغيرها من بلاد المسلمين.
وكثيرًا ما ينتقل الإسلاميون من التوجه الثاني إلى الأول، فتجدهم ينتقلون من منطق "إدانة كل شيء" إلى منطق "تسويغ كل شيء"، فتجد هوة بعيدة بين ماضيه وحاضره. وما أحاول الاشتغال عليه فيما أكتب هو العودة إلى منطقة التوازن في الخطاب: بين الحفاظ على المبادئ والرؤية وبين القدرة على المناورة والواقعية.
هذا منشور يعبّر عن هذا الطرح: https://t.me/sharefmg/927
ومن أراد التوسّع أحثّه بشدّة على قراءة كتابي "الخطاب المريض" حتى تزول من رأسه كثير من الأوهام، وهو كتاب صغير الحجم وهذا رابطه: https://t.me/sharefmg/119
وكثيرًا ما ينتقل الإسلاميون من التوجه الثاني إلى الأول، فتجدهم ينتقلون من منطق "إدانة كل شيء" إلى منطق "تسويغ كل شيء"، فتجد هوة بعيدة بين ماضيه وحاضره. وما أحاول الاشتغال عليه فيما أكتب هو العودة إلى منطقة التوازن في الخطاب: بين الحفاظ على المبادئ والرؤية وبين القدرة على المناورة والواقعية.
هذا منشور يعبّر عن هذا الطرح: https://t.me/sharefmg/927
ومن أراد التوسّع أحثّه بشدّة على قراءة كتابي "الخطاب المريض" حتى تزول من رأسه كثير من الأوهام، وهو كتاب صغير الحجم وهذا رابطه: https://t.me/sharefmg/119
خاتمة كتابي "منطق القرآن: إصلاح العقل على طريق الحق والصدق والعدل".
للمزيد حول الكتاب وللحصول عليه انظر الرابط: https://bit.ly/4koslfW
للمزيد حول الكتاب وللحصول عليه انظر الرابط: https://bit.ly/4koslfW
شريف محمد جابر
Photo
هذا الكتاب للإمام ابن رجب الحنبلي رحمه الله، "فضل علم السلف على علم الخلف"، من الكتب التي أنصح بها لتصحيح نظرتك إلى مفهوم "العلم"، ولتشذيب حساسيّتك المعاصرة من مصطلح "السلف" ومفهوم الاقتداء بهم ومعنى أفضليّتهم بعيدًا عن أي تشكُّل فكري معاصر جاء تحت شعار "السلفية". فابن رجب أحد أجمل علماء التراث المتأخّرين وأجلّهم، وكم أحب أن ينتشر تراثه بين الدارسين الشباب في هذه المسائل الأصلية الأساسية في مبادئ العلم والإيمان والتوحيد، فمنهجه فيها من خير ما يمكن أن تجد في تراثنا الإسلامي.
وهو كتاب قصير يُقرأ في جلسة أو جلستين، ولكن مع تدبّر عباراته ونُقوله. وقد يحسبه من فُتن بالكتب ذات العبارات المعقّدة خفيفَ المضمون، وهو والله ثقيل على القلب والنفس لمن فقه، ضعه على مسالك نفسك التي لا يعرفها سواك بعد الله وستجد مكمن ثقله.
ونحن في حاجة شديدة في عصرنا هذا إلى مثل هذا التذكير والتصحيح للطريقة التي نتناول بها العلوم الشرعية وغيرها، كي لا يتحوّل طلب العلم إلى ساحة لضياع البوصلة الأخلاقية، والركض في ميادين الجاه والشهرة والعُجب والغفلة، والانشغال بما لا ينفع ولا يجدي على النفس والأمّة خيرا.
وفي آخر الكتاب فصل وجيز خطير "في مشابهة علماء السوء من المسلمين بأهل الكتاب"، وكم نحن في حاجة إلى هذه النظرة النقدية المستندة إلى كتاب الله تعالى، لتذكّرنا دومًا ببوصلتنا القرآنية.
وهو كتاب قصير يُقرأ في جلسة أو جلستين، ولكن مع تدبّر عباراته ونُقوله. وقد يحسبه من فُتن بالكتب ذات العبارات المعقّدة خفيفَ المضمون، وهو والله ثقيل على القلب والنفس لمن فقه، ضعه على مسالك نفسك التي لا يعرفها سواك بعد الله وستجد مكمن ثقله.
ونحن في حاجة شديدة في عصرنا هذا إلى مثل هذا التذكير والتصحيح للطريقة التي نتناول بها العلوم الشرعية وغيرها، كي لا يتحوّل طلب العلم إلى ساحة لضياع البوصلة الأخلاقية، والركض في ميادين الجاه والشهرة والعُجب والغفلة، والانشغال بما لا ينفع ولا يجدي على النفس والأمّة خيرا.
وفي آخر الكتاب فصل وجيز خطير "في مشابهة علماء السوء من المسلمين بأهل الكتاب"، وكم نحن في حاجة إلى هذه النظرة النقدية المستندة إلى كتاب الله تعالى، لتذكّرنا دومًا ببوصلتنا القرآنية.
تشغيل النشيد الوطني السعودي في بعض المدارس في سورية ووضع التلاميذ أيديهم على طريقة ابن سلمان هو وصمة عار تحلّ على كل من ساهم في هذا الفعل الشائن المخزي، وهو إنْ دل فإنّما يدلّ على عقليات صدئة متخلّفة مردت على تغذية الطغيان والتوثين والتملّق، وعلى قابلية للاستعباد يجب على الدعاة الانتباه إليها، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
هذه ليست حالات فردية، بل قرأت لمن ينتسب إلى الفهم والفكر يمدح السعودية "قيادةً" ويشيد بها، لا من باب الضرورة فهؤلاء ليسوا ساسة مضطرّين للمجاملة، بل يبثّون بين عامة الناس ما يزيّن وجه هذا النظام ونموذجه، بل يكذبون على الناس ويزيّفون الواقع ويجعلون هذا النظام المجرم المحارب لدين الله ودعاته نموذجًا محلّ فخر.
على الدعاة اليوم مسؤولية كبيرة، وهي بناء الإنسان المسلم من جديد، في مجتمعات نخرت فيها عوامل الفساد والإفساد لقرون، ثم جاء الاستعمار ليُعظّم فساد الشخصية المسلمة ويطمس عزّتها وكرامتها.. المهمة على الدعاة كبيرة، ليس في سورية وحدها، بل في جميع العالم الإسلامي، والله المستعان.
هذه ليست حالات فردية، بل قرأت لمن ينتسب إلى الفهم والفكر يمدح السعودية "قيادةً" ويشيد بها، لا من باب الضرورة فهؤلاء ليسوا ساسة مضطرّين للمجاملة، بل يبثّون بين عامة الناس ما يزيّن وجه هذا النظام ونموذجه، بل يكذبون على الناس ويزيّفون الواقع ويجعلون هذا النظام المجرم المحارب لدين الله ودعاته نموذجًا محلّ فخر.
على الدعاة اليوم مسؤولية كبيرة، وهي بناء الإنسان المسلم من جديد، في مجتمعات نخرت فيها عوامل الفساد والإفساد لقرون، ثم جاء الاستعمار ليُعظّم فساد الشخصية المسلمة ويطمس عزّتها وكرامتها.. المهمة على الدعاة كبيرة، ليس في سورية وحدها، بل في جميع العالم الإسلامي، والله المستعان.
لا تتشبّع بما لم تُعطَ، لا تتظاهر بما لستَ عليه، فإنّك إنْ فعلتَ فضحكَ عقلُك وخانك لسانُك!
كل مشروع سياسي يعمل على إعادة إنتاج دولة الاستقلال العربية ما بعد الاستعمار بمفرداتها وشعاراتها ومفاهيمها من علمنة ووطنية وقومية وغيرها فهو يُطيل من معاناة الأمة مهما بدا من بوارق تلوح في خضّم المشاعر الجميلة عند نجاح ثورة أو سقوط نظام.
كل مشروع سياسي لا يقوم على مفردات الشريعة ولا يعمل ببوصلتها ويستبدل الذي هو أدنى من المفاهيم العلمانية بالذي هو خير من مفاهيم الشريعة فهو يزيد من مفاقمة الأزمة التي تعيشها الأمة منذ زمن طويل.
والذين يتذرّعون بمعاناة الناس الطويلة أمنيّا واقتصاديّا لتسويغ الابتعاد عن خطاب الشريعة ينبغي أن تكون معاناة الناس هذه نفسها سببًا في اتّعاظهم وتفكيرهم بجدّية في بناء مشروع أصيل جدير بهذه الأمة ورسالتها، وليست المشاريع المتعجّلة وحدها التي أدخلت الأمة في المعاناة، بل كذلك المشاريع المتلكّئة التي ظنّت أنها قادرة على ملاعبة النظام الدولي على أرضيّته وبأدواته، حتى صارت الملاعبة وحْلًا يصعب الخروج منه، وازدادت الضغوط على الأمة بما يتفشّى فيها من ضعف وتخلّف، ومن اجتيال مفهومي وسلوكي تفرضه الحضارة الغربية المريضة على الأجيال الجديدة. وهكذا نعود من حيث بدأنا.
من يتصوّر أنّ مشروعًا سياسيّا في العالم العربي يمكن أن تقوم له قائمة بدون رؤية جديدة مفارقة للمفاهيم الشائعة القائمة، وبدون قاعدة شعبية قوية مستقطَبة بهذه الرؤية وتؤمن بها إيمانًا راسخًا وتتحمّل من أجلها الصعاب.. من يتصوّر إمكان نهوض هذه الأمة بدون مشروع على هذه الصورة، بدون تكاليف وبالتصالح مع أدوات أمريكا في المنطقة والسير في ركابهم؛ فهو واهم، يضحك على نفسه وعلى الناس!
كل مشروع سياسي لا يقوم على مفردات الشريعة ولا يعمل ببوصلتها ويستبدل الذي هو أدنى من المفاهيم العلمانية بالذي هو خير من مفاهيم الشريعة فهو يزيد من مفاقمة الأزمة التي تعيشها الأمة منذ زمن طويل.
والذين يتذرّعون بمعاناة الناس الطويلة أمنيّا واقتصاديّا لتسويغ الابتعاد عن خطاب الشريعة ينبغي أن تكون معاناة الناس هذه نفسها سببًا في اتّعاظهم وتفكيرهم بجدّية في بناء مشروع أصيل جدير بهذه الأمة ورسالتها، وليست المشاريع المتعجّلة وحدها التي أدخلت الأمة في المعاناة، بل كذلك المشاريع المتلكّئة التي ظنّت أنها قادرة على ملاعبة النظام الدولي على أرضيّته وبأدواته، حتى صارت الملاعبة وحْلًا يصعب الخروج منه، وازدادت الضغوط على الأمة بما يتفشّى فيها من ضعف وتخلّف، ومن اجتيال مفهومي وسلوكي تفرضه الحضارة الغربية المريضة على الأجيال الجديدة. وهكذا نعود من حيث بدأنا.
من يتصوّر أنّ مشروعًا سياسيّا في العالم العربي يمكن أن تقوم له قائمة بدون رؤية جديدة مفارقة للمفاهيم الشائعة القائمة، وبدون قاعدة شعبية قوية مستقطَبة بهذه الرؤية وتؤمن بها إيمانًا راسخًا وتتحمّل من أجلها الصعاب.. من يتصوّر إمكان نهوض هذه الأمة بدون مشروع على هذه الصورة، بدون تكاليف وبالتصالح مع أدوات أمريكا في المنطقة والسير في ركابهم؛ فهو واهم، يضحك على نفسه وعلى الناس!
هناك ازدواجية معايير لدى نخبة واسعة من أصحاب الفكر الإسلامي – إن جاز التعبير – الذين يصيحون ليل نهار: لا يمكن تطبيق الشريعة من خلال الدولة الحديثة، القانون الحديث مخالف لنمط الفقه الإسلامي، الدولة الحديثة نمط أوروبي حديث جاء مع الاستعمار بينما كان النمط التراثي للحكم الإسلامي مختلفا تماما..
لكنك حين تنظر إلى معظم هؤلاء المنظّرين تنظيرًا أكاديميّا باردًا خاليًا من ضرورات الخروج من حالة الطوارئ التي يعيشها المسلمون، تجدهم يتبنّون الخطاب الوطني القُطري بقوة، وتختلط به مشاعرهم بانسيابية تامّة، وهو بطبيعة الحال أيديولوجيا غربية دخلت إلى مجتمعاتنا المسلمة مع الاستعمار الغربي. فانظر إلى هذا التناقض بين التنظير والممارسة، ولا تصدّق أحدًا ينظّر عليك بفكرة أو مبدأ حتى تراه يعتنقه في حياته!
وقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ}.
لكنك حين تنظر إلى معظم هؤلاء المنظّرين تنظيرًا أكاديميّا باردًا خاليًا من ضرورات الخروج من حالة الطوارئ التي يعيشها المسلمون، تجدهم يتبنّون الخطاب الوطني القُطري بقوة، وتختلط به مشاعرهم بانسيابية تامّة، وهو بطبيعة الحال أيديولوجيا غربية دخلت إلى مجتمعاتنا المسلمة مع الاستعمار الغربي. فانظر إلى هذا التناقض بين التنظير والممارسة، ولا تصدّق أحدًا ينظّر عليك بفكرة أو مبدأ حتى تراه يعتنقه في حياته!
وقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ}.
لا يمكنني أن أقول إنّ الفكر الإسلامي المعاصر بخير وأنا أرى كل أولئك الذين حدّثونا طوال السنوات الماضية عن آفات الدولة الحديثة وأزمتها الأخلاقية وأفضلية الشريعة وتفوّقها؛ يصمتون اليوم صمتًا طويلا بخصوص الشريعة. بلا مشاريع تتعلق بها. بلا رؤى منبثقة عنها. بلا أي محاولات لربط الواقع بها. بلا محاولات لبثّ خطابها وضرورتها بين المجتمعات التي تحرّرت للتوّ من الطغاة!
هناك تجاهل مخيف لقضية الشريعة ينذر باستمرار مآسي الأمة وتقلّبها بين المسالك السياسية والاقتصادية الجاهلية التي تنافر رسالتها وتزيد معاناتها. وكأنّ هؤلاء لا يرون خطورة تعطيل مساحات واسعة من الشريعة في الحياة العامّة للمسلمين واستبدال غيرها من الشرائع الجاهلية بها منذ نحو مائة عام!
أما مقولة الظروف غير المواتية والمجتمع الدولي الرافض لخطاب الشريعة فهي عذر أقبح من ذنب؛ لأنّك إذا انتظرتَ حتى يقبل الآخرون بالشريعة دون حديثك عنها ولا محاولة لبناء مشروع يمثّلها فسوف تنتظر طويلا جدّا.. ربما إلى يوم القيامة! والمسلم مكلّف بالشريعة، وليس من التكليف أن ينتظر تقبّل الآخرين لها أو عدم اعتراضهم.
قال تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ}.
هناك تجاهل مخيف لقضية الشريعة ينذر باستمرار مآسي الأمة وتقلّبها بين المسالك السياسية والاقتصادية الجاهلية التي تنافر رسالتها وتزيد معاناتها. وكأنّ هؤلاء لا يرون خطورة تعطيل مساحات واسعة من الشريعة في الحياة العامّة للمسلمين واستبدال غيرها من الشرائع الجاهلية بها منذ نحو مائة عام!
أما مقولة الظروف غير المواتية والمجتمع الدولي الرافض لخطاب الشريعة فهي عذر أقبح من ذنب؛ لأنّك إذا انتظرتَ حتى يقبل الآخرون بالشريعة دون حديثك عنها ولا محاولة لبناء مشروع يمثّلها فسوف تنتظر طويلا جدّا.. ربما إلى يوم القيامة! والمسلم مكلّف بالشريعة، وليس من التكليف أن ينتظر تقبّل الآخرين لها أو عدم اعتراضهم.
قال تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ}.
مركزية اسم "الدولة-الوطن" في أي خطاب سياسي أو دعوي أو فكري هو أزمة عميقة تحلّ بعالمنا العربي والإسلامي منذ نحو قرن، وهذا ما أعنيه بالاستناد إلى الخطاب الوطني الفاسد. والمقصود شعارات مثل: نريد أن نبني البلد، سورية أولا، مصر أم الدنيا، العراق مهد الحضارة، نريد أن نرفع شأن بلدنا بين دول العالم.. إلى آخر هذه الشعارات التي هي أقرب إلى تركيز القداسة أو الرمزية نحو الدولة القطرية أو الكيان الوطني، والتي لم تكن ضمن قيم المسلمين قبل لحظة الاستعمار، وقد نما هذا المفهوم وتأسس في شعور الناس في ظلال الاستعمار البريطاني والفرنسي الكئيبة.
والمطلوب هو التركيز على "الإنسان" و"المجتمع" و"القيم" و"الأمة" و"الحضارة" بدلا من محور "رفعة الوطن" و"بناء البلد"، فهي تشكّل معًا رافعة للنهوض المنشود. وهذا ممكن وفعّال أيضًا ضمن إكراهات الدولة القطرية التي لم نخترها. فإذا كنت مضطرًّا على العيش في الزنزانة التي قيّدتكَ فأنت غير مطالب بالتصالح معها وجعلها "عقيدة"، لأنّ هذه في الحقيقة مازوخية سياسية!
لفت نظري في صورة تعود إلى عام 1965 لحظة إعدام كوهين أنّ بعض المواطنين حمل شعارا فيه عبارة "الشعب العربي في سورية"، وبالطبع هذه تعود إلى القوميين البعثيين الذي كانوا يركّزون على أنّنا "أمة عربية واحدة"، وبصرف النظر عن الظلال السيّئة لهذا الحزب وجاهلية أفكاره، لكن القضية ليست في صواب الفكرة بقدر التركيز على إمكانها، أي إمكان تجاوز خطاب الهوية القطرية، فهو ليس ضربة لازب. نعم من الممكن أن تمارس خطابا يتحرّر من تغذية الخطاب الوطني ومن التركيز على "الدولة الوطن" ومن جعلها في مقام "المقدّس" أو "الهوية" أو "الرمز" الذي تستخدمه لتغذية الطاقات الإيجابية المطلوبة.
ففضلا عن مخالفة هذا التركيز على الدولة القطرية وتغذية الرابطة الوطنية للولاء الإسلامي، فقد فشل على مدار نحو قرن في بناء هوية أصيلة ومحور استقطاب حقيقي يمكنه بناء نهضة في بلادنا العربية؛ لأن الهوية الوطنية الفاسدة شديدة الغربة عمّا بنيت عليه المجتمعات والإنسان في هذه البلدان على مدى ألف وثلاثمائة عام، ولهذا وجدنا المحرّك الأهم والأكثر فاعلية في حركة الثورات العربية هو "الإسلام"، ولم يكن الأمر مقصورا على الخروج من المساجد والحشد في خطب الجمعة، بل حتى في الشعارات الدافعة على الاستمرارية مثل "قائدنا للأبد سيدنا محمد"، بل كانت أهم الفصائل التي حققت الحسم فصائل إسلامية الهوية بشكل واضح، ولم يكن للشعارات الوطنية أي دور، سوى أنها فرضت نفسها بسبب الخوف من الوصمات المتعلّقة بالشعارات الإسلامية وبسبب تجارب أليمة لتنظيمات شوّهت الشعارات الإسلامية مع الأسف.
أتفهّم تماما عدم رغبة البعض بحمل شعارات إسلامية واضحة في هذه المرحلة، ولكن هذا لا يستلزم الفرار إلى تقبّل الشعارات الوطنية وتغذيتها والبناء عليها، فهذا استسلام المستسهلين، والمطلوب بناء خطاب حكيم يتخلّص بذكاء من تغذية الخطاب الوطني من خلال الوعي الدقيق على الخطابات السياسية الرسمية والخطاب الإعلامي وعمل المدارس والنقابات، فهذه كلها وسائل تحدّد طبيعة خطاب الهوية، ويُحمّل مكانه خطابًا يشكّل أرضية للخطاب الإسلامي ويستند إلى مفردات بناء الإنسان والمجتمع والقيم والحضارة والترابط مع الأمة، فهذه المفردات يمكن من خلالها تشكيل نسيج من الخطاب قادر على رفع الطاقات الإيجابية المطلوبة لاستقطاب المجتمع في أي قُطر، ويمهّد في الوقت نفسه إلى الخطاب الإسلامي، بينما يُبعدنا تبنّي الخطاب الوطني عن الخطاب الإسلامي ويفاقم أزمة المجتمعات المسلمة التي تعيش في إطار هويّات تعزّز من ضعفها واغترابها وذلّها وهوانها.
قال عمر بن الخطاب: "إنّا كنّا أذلَّ قومٍ فأعزَّنا الله بالإسلام، فمهما نطلبُ العزَّ بغير ما أعزَّنا اللهُ به أذلَّنا الله" (مصنّف ابن أبي شيبة).
والمطلوب هو التركيز على "الإنسان" و"المجتمع" و"القيم" و"الأمة" و"الحضارة" بدلا من محور "رفعة الوطن" و"بناء البلد"، فهي تشكّل معًا رافعة للنهوض المنشود. وهذا ممكن وفعّال أيضًا ضمن إكراهات الدولة القطرية التي لم نخترها. فإذا كنت مضطرًّا على العيش في الزنزانة التي قيّدتكَ فأنت غير مطالب بالتصالح معها وجعلها "عقيدة"، لأنّ هذه في الحقيقة مازوخية سياسية!
لفت نظري في صورة تعود إلى عام 1965 لحظة إعدام كوهين أنّ بعض المواطنين حمل شعارا فيه عبارة "الشعب العربي في سورية"، وبالطبع هذه تعود إلى القوميين البعثيين الذي كانوا يركّزون على أنّنا "أمة عربية واحدة"، وبصرف النظر عن الظلال السيّئة لهذا الحزب وجاهلية أفكاره، لكن القضية ليست في صواب الفكرة بقدر التركيز على إمكانها، أي إمكان تجاوز خطاب الهوية القطرية، فهو ليس ضربة لازب. نعم من الممكن أن تمارس خطابا يتحرّر من تغذية الخطاب الوطني ومن التركيز على "الدولة الوطن" ومن جعلها في مقام "المقدّس" أو "الهوية" أو "الرمز" الذي تستخدمه لتغذية الطاقات الإيجابية المطلوبة.
ففضلا عن مخالفة هذا التركيز على الدولة القطرية وتغذية الرابطة الوطنية للولاء الإسلامي، فقد فشل على مدار نحو قرن في بناء هوية أصيلة ومحور استقطاب حقيقي يمكنه بناء نهضة في بلادنا العربية؛ لأن الهوية الوطنية الفاسدة شديدة الغربة عمّا بنيت عليه المجتمعات والإنسان في هذه البلدان على مدى ألف وثلاثمائة عام، ولهذا وجدنا المحرّك الأهم والأكثر فاعلية في حركة الثورات العربية هو "الإسلام"، ولم يكن الأمر مقصورا على الخروج من المساجد والحشد في خطب الجمعة، بل حتى في الشعارات الدافعة على الاستمرارية مثل "قائدنا للأبد سيدنا محمد"، بل كانت أهم الفصائل التي حققت الحسم فصائل إسلامية الهوية بشكل واضح، ولم يكن للشعارات الوطنية أي دور، سوى أنها فرضت نفسها بسبب الخوف من الوصمات المتعلّقة بالشعارات الإسلامية وبسبب تجارب أليمة لتنظيمات شوّهت الشعارات الإسلامية مع الأسف.
أتفهّم تماما عدم رغبة البعض بحمل شعارات إسلامية واضحة في هذه المرحلة، ولكن هذا لا يستلزم الفرار إلى تقبّل الشعارات الوطنية وتغذيتها والبناء عليها، فهذا استسلام المستسهلين، والمطلوب بناء خطاب حكيم يتخلّص بذكاء من تغذية الخطاب الوطني من خلال الوعي الدقيق على الخطابات السياسية الرسمية والخطاب الإعلامي وعمل المدارس والنقابات، فهذه كلها وسائل تحدّد طبيعة خطاب الهوية، ويُحمّل مكانه خطابًا يشكّل أرضية للخطاب الإسلامي ويستند إلى مفردات بناء الإنسان والمجتمع والقيم والحضارة والترابط مع الأمة، فهذه المفردات يمكن من خلالها تشكيل نسيج من الخطاب قادر على رفع الطاقات الإيجابية المطلوبة لاستقطاب المجتمع في أي قُطر، ويمهّد في الوقت نفسه إلى الخطاب الإسلامي، بينما يُبعدنا تبنّي الخطاب الوطني عن الخطاب الإسلامي ويفاقم أزمة المجتمعات المسلمة التي تعيش في إطار هويّات تعزّز من ضعفها واغترابها وذلّها وهوانها.
قال عمر بن الخطاب: "إنّا كنّا أذلَّ قومٍ فأعزَّنا الله بالإسلام، فمهما نطلبُ العزَّ بغير ما أعزَّنا اللهُ به أذلَّنا الله" (مصنّف ابن أبي شيبة).