«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
Photo
( الدرس ٦٣ )
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_البروج ❤️✨
◀️ ﷽
﴿بَلۡ هُوَ قُرۡءَانࣱ مَّجِیدࣱ (٢١) فِی لَوۡحࣲ مَّحۡفُوظِۭ (٢٢)﴾ [البروج ٢١-٢٢]
🔲 نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير من سورة (الانشقاق) عند قوله: ﴿بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (٢١) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ﴾ [البروج: ٢١، ٢٢]. ﴿بَلْ هُوَ﴾ أي: ما جاء به الرسولُ عليه الصلاة والسلام ﴿قُرْآنٌ مَجِيدٌ﴾ أي: ذو عظمةٍ ومجد، ووَصْف القرآنِ بأنَّه مجيدٌ لا يعني أن المجد وصْفٌ للقرآن نفسه فقط، بل هو وصْفٌ للقرآن ولِمَن تحمَّل هذا القرآنَ فحمله وقام بواجبه من تلاوته حقَّ تلاوته، فإنَّه سيكون له المجد والعِزَّة والرِّفعة.
🔹وقوله تعالى: ﴿فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ﴾ يعني بذلك اللوحَ المحفوظَ عند الله عز وجل الذي هو أمُّ الكتاب؛ كما قال الله تبارك وتعالى: ﴿يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ [الرعد ٣٩]. هذا اللوح لو سألَنا سائلٌ: من أيِّ مادَّةٍ هو؟ ماذا نقول؟
* طالب: نقول: الله أعلم.
* الشيخ: نقول: الله أعلم. يعني لو قال: هل من خشب؟ من حديد؟ من زجاج؟ من ذهب؟ من فضة؟ ما ندري، هو لوحٌ كتب الله به مقاديرَ كلِّ شيءٍ، ومن جُملة ما كتب به أنَّ هذا القرآن سينزل على محمد ﷺ، فهو ﴿فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ﴾.قال العلماء: ﴿مَحْفُوظٍ﴾ لا يناله أحدٌ، محفوظٌ عن التغيير والتبديل.
✴️ والتبديلُ والتغييرُ إنما يكون في الكتب الأخرى؛ لأنَّ الكتابة من الله عز وجل أنواعٌ، وأرجو أن تنتبهوا لهذا:النوع الأول: الكتابة في اللوح المحفوظ، وهذه الكتابة لا تُبَدَّل ولا تُغَيَّر، ولهذا سَمَّاه الله لوحًا محفوظًا، لا يمكن أن يُبَدَّل أو يُغَيَّر ما فيه؛ لأنَّه هو النهائي.
🔅 الثاني: الكتابة على بني آدم وهُم في بطون أمَّهاتهم؛ لأنَّ الإنسان في بطن أمِّه إذا تَمَّ له أربعة أشهرٍ بعثَ الله إليه ملكًا موكَّلًا بالأرحام فينفخ فيه الروح بإذن الله، لأنَّ الجسد عبارة عن قطعة من لحم إذا نُفِخت فيه الروح صار إنسانًا، ويؤمَر بأربع كلمات: بكَتْب رِزقه، وأجَله، وعمله، وشقيٌّ أو سعيدٌ(١). هناك كتابة أخرى حوليَّة؛ كلَّ سَنَة، وهي الكتابة التي تكون في ليلة القَدْر؛ فإنَّ الله سبحانه وتعالى يُقَدِّر في هذه الليلة ما يكون في تلك السَّنَة؛ قال الله تبارك وتعالى: ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ [الدخان ٤]، فيُكتَب في هذه الليلة ما يكون في تلك السَّنَة.
🔁 هناك كتابة رابعة، وهي كتابة الصُّحُف التي في أيدي الملائكة، وهذه الكتابة تكون بعد العمل، والكتابات الثلاث السابقة كلُّها قبل العمل، لكن الكتابة الأخيرة هذه تكون بعد العمل، يُكتَب على الإنسان ما يعمل من قولٍ بلسانه أو فعلٍ بجوارحه أو اعتقادٍ بقلبه، فإنَّ الملائكة الموكَّلين بحفظ بني آدم -أي: بحفظ أعمالهم- يكتبون؛ قال الله تعالى: ﴿كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (٩) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (١٠) كِرَامًا كَاتِبِينَ (١١) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [الانفطار ٩ - ١٢].
🔀 لكن هذه الكتابة الأخيرة تختلف عن الكتابات الثلاث السابقة؛ لأنها كتابة ما بعد العمل حتى يُكتَب على الإنسان ما عَمِل، فإذا كان يوم القيامة فإنَّه يُعطى هذا الكتاب؛ كما قال تعالى: ﴿وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (١٣) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾ [الإسراء ١٣، ١٤]، يعني تُعطَى الكتابَ ويُقال: أنت، اقرأْ وحاسبْ نفسَك.
🔘 قال بعض السلف: لقد أَنْصفك مَن جعلك حسيبًا على نفسك. وهذا صحيح، أيُّ إنصافٍ أَبْلغ مِن أن يُقال للشخص: تفضَّل، هذا ما عَمِلْتَ، حاسبْ نفسَك؟! أليس هذا هو الإنصاف؟! أكبرُ إنصافٍ هو هذا، فيوم القيامة تُعطى هذا الكتابَ منشورًا مفتوحًا أمامك ليس مغلقًا، تقرأ، ويتبيَّن لك أنك عملتَ في يوم كذا في مكان كذا: كذا وكذا، شيءٌ مضبوطٌ ما يتغيَّر، وإذا أنكرتَ هنا مَن يشهد عليك؟ ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ﴾ يقول اللسان: نطقتُ بكذا، ﴿أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النور ٢٤]، تقول اليد: بطشتُ، تقول الرِّجل: مشيتُ، بل يقول الجِلد أيضًا، الجلود تشهد بما لمست؛ ﴿وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [فصلت ٢١].
⬅️ المهمُّ الآن أنَّ اللوح المحفوظ هو هذا اللوح الذي كتب الله فيه مقاديرَ كلِّ شيءٍ، هو محفوظٌ من التغيير، محفوظٌ من أن يناله أحدٌ، والله سبحانه وتعالى يعلم ما كتب فيه، وقلنا: إنَّه محفوظٌ لأنه لا يتغيَّر، وما بأيدي الملائكة يتغيَّر.
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_البروج ❤️✨
◀️ ﷽
﴿بَلۡ هُوَ قُرۡءَانࣱ مَّجِیدࣱ (٢١) فِی لَوۡحࣲ مَّحۡفُوظِۭ (٢٢)﴾ [البروج ٢١-٢٢]
🔲 نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير من سورة (الانشقاق) عند قوله: ﴿بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (٢١) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ﴾ [البروج: ٢١، ٢٢]. ﴿بَلْ هُوَ﴾ أي: ما جاء به الرسولُ عليه الصلاة والسلام ﴿قُرْآنٌ مَجِيدٌ﴾ أي: ذو عظمةٍ ومجد، ووَصْف القرآنِ بأنَّه مجيدٌ لا يعني أن المجد وصْفٌ للقرآن نفسه فقط، بل هو وصْفٌ للقرآن ولِمَن تحمَّل هذا القرآنَ فحمله وقام بواجبه من تلاوته حقَّ تلاوته، فإنَّه سيكون له المجد والعِزَّة والرِّفعة.
🔹وقوله تعالى: ﴿فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ﴾ يعني بذلك اللوحَ المحفوظَ عند الله عز وجل الذي هو أمُّ الكتاب؛ كما قال الله تبارك وتعالى: ﴿يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ [الرعد ٣٩]. هذا اللوح لو سألَنا سائلٌ: من أيِّ مادَّةٍ هو؟ ماذا نقول؟
* طالب: نقول: الله أعلم.
* الشيخ: نقول: الله أعلم. يعني لو قال: هل من خشب؟ من حديد؟ من زجاج؟ من ذهب؟ من فضة؟ ما ندري، هو لوحٌ كتب الله به مقاديرَ كلِّ شيءٍ، ومن جُملة ما كتب به أنَّ هذا القرآن سينزل على محمد ﷺ، فهو ﴿فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ﴾.قال العلماء: ﴿مَحْفُوظٍ﴾ لا يناله أحدٌ، محفوظٌ عن التغيير والتبديل.
✴️ والتبديلُ والتغييرُ إنما يكون في الكتب الأخرى؛ لأنَّ الكتابة من الله عز وجل أنواعٌ، وأرجو أن تنتبهوا لهذا:النوع الأول: الكتابة في اللوح المحفوظ، وهذه الكتابة لا تُبَدَّل ولا تُغَيَّر، ولهذا سَمَّاه الله لوحًا محفوظًا، لا يمكن أن يُبَدَّل أو يُغَيَّر ما فيه؛ لأنَّه هو النهائي.
🔅 الثاني: الكتابة على بني آدم وهُم في بطون أمَّهاتهم؛ لأنَّ الإنسان في بطن أمِّه إذا تَمَّ له أربعة أشهرٍ بعثَ الله إليه ملكًا موكَّلًا بالأرحام فينفخ فيه الروح بإذن الله، لأنَّ الجسد عبارة عن قطعة من لحم إذا نُفِخت فيه الروح صار إنسانًا، ويؤمَر بأربع كلمات: بكَتْب رِزقه، وأجَله، وعمله، وشقيٌّ أو سعيدٌ(١). هناك كتابة أخرى حوليَّة؛ كلَّ سَنَة، وهي الكتابة التي تكون في ليلة القَدْر؛ فإنَّ الله سبحانه وتعالى يُقَدِّر في هذه الليلة ما يكون في تلك السَّنَة؛ قال الله تبارك وتعالى: ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ [الدخان ٤]، فيُكتَب في هذه الليلة ما يكون في تلك السَّنَة.
🔁 هناك كتابة رابعة، وهي كتابة الصُّحُف التي في أيدي الملائكة، وهذه الكتابة تكون بعد العمل، والكتابات الثلاث السابقة كلُّها قبل العمل، لكن الكتابة الأخيرة هذه تكون بعد العمل، يُكتَب على الإنسان ما يعمل من قولٍ بلسانه أو فعلٍ بجوارحه أو اعتقادٍ بقلبه، فإنَّ الملائكة الموكَّلين بحفظ بني آدم -أي: بحفظ أعمالهم- يكتبون؛ قال الله تعالى: ﴿كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (٩) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (١٠) كِرَامًا كَاتِبِينَ (١١) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [الانفطار ٩ - ١٢].
🔀 لكن هذه الكتابة الأخيرة تختلف عن الكتابات الثلاث السابقة؛ لأنها كتابة ما بعد العمل حتى يُكتَب على الإنسان ما عَمِل، فإذا كان يوم القيامة فإنَّه يُعطى هذا الكتاب؛ كما قال تعالى: ﴿وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (١٣) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾ [الإسراء ١٣، ١٤]، يعني تُعطَى الكتابَ ويُقال: أنت، اقرأْ وحاسبْ نفسَك.
🔘 قال بعض السلف: لقد أَنْصفك مَن جعلك حسيبًا على نفسك. وهذا صحيح، أيُّ إنصافٍ أَبْلغ مِن أن يُقال للشخص: تفضَّل، هذا ما عَمِلْتَ، حاسبْ نفسَك؟! أليس هذا هو الإنصاف؟! أكبرُ إنصافٍ هو هذا، فيوم القيامة تُعطى هذا الكتابَ منشورًا مفتوحًا أمامك ليس مغلقًا، تقرأ، ويتبيَّن لك أنك عملتَ في يوم كذا في مكان كذا: كذا وكذا، شيءٌ مضبوطٌ ما يتغيَّر، وإذا أنكرتَ هنا مَن يشهد عليك؟ ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ﴾ يقول اللسان: نطقتُ بكذا، ﴿أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النور ٢٤]، تقول اليد: بطشتُ، تقول الرِّجل: مشيتُ، بل يقول الجِلد أيضًا، الجلود تشهد بما لمست؛ ﴿وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [فصلت ٢١].
⬅️ المهمُّ الآن أنَّ اللوح المحفوظ هو هذا اللوح الذي كتب الله فيه مقاديرَ كلِّ شيءٍ، هو محفوظٌ من التغيير، محفوظٌ من أن يناله أحدٌ، والله سبحانه وتعالى يعلم ما كتب فيه، وقلنا: إنَّه محفوظٌ لأنه لا يتغيَّر، وما بأيدي الملائكة يتغيَّر.
«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
Photo
( الدرس ٦٤ )
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_الطارق ❤️✨
◀️ ﷽
﴿وَٱلسَّمَاۤءِ وَٱلطَّارِقِ (١) وَمَاۤ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلطَّارِقُ (٢) ٱلنَّجۡمُ ٱلثَّاقِبُ (٣)﴾ [الطارق ١-٣]
🔲 الحمد لله ربِّ العالمين، وأصلِّي وأسلِّم على نبيِّنا محمد وعلى آله وأصحابه ومَن تَبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.أما بعد، وقد شرعنا في تدبير وتفسير سورة الطارق بعد أنْ أكملنا ما سبقها.يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (١) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (٢) النَّجْمُ الثَّاقِبُ﴾ [الطارق ١ - ٣] وهنا كما تَرَون فيه قَسَم أقسمَ الله تعالى به، وهو (السماء) وكذلك (الطارق).
✴️ وقد يُشكل على بعض الناس كيف يُقسِم الله سبحانه وتعالى بالمخلوقات مع أنَّ القَسَم بالمخلوقات شِركٌ؛ لقول النبي ﷺ: «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَر» أو «أَشْرَكَ»(١)، وقال عليه الصلاة والسلام: «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ»(٢)، فلا يجوز الحلف بغير الله؛ لا بالأنبياء، ولا بالملائكة، ولا بالكعبة، ولا بالوطن، ولا بأيِّ شيءٍ من المخلوقات؟والجواب على هذا الإشكال أن نقول: إنَّ الله سبحانه وتعالى له أن يُقسم بما شاء من خلْقه، وإقسامُه بما يُقسم به من خلْقه يدلُّ على عظمة الله عز وجل.
🔁 لأن عِظَم المخلوق يدلُّ على عِظَم الخالق، وقد أقسمَ الله تعالى بأشياء كثيرة من خلْقه، ومِن أحسن مَن رأيتُه تكلَّم على هذا الموضوع ابن القيم رحمه الله في كتابه التبيان في أقسام القرآن، وهو كتابٌ جيِّدٌ ينفع طالبَ العلم كثيرًا، فهنا يُقسم الله تعالى بالسماء، والسماء هي كلُّ ما علاك، كلُّ ما علاك فهو سماء، حتى السحاب الذي ينزل منه المطر يُسَمَّى سماءً كما قال الله تعالى: ﴿أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا﴾ [الرعد ١٧]، وإذا كان يُطلق على كلِّ ما علاك فإنه يشمل ما بين السماء والأرض ويشمل السماوات كلَّها؛ لأنها كلَّها قد علتْك وهي فوقك.
🔹 وأمَّا قوله: ﴿وَالطَّارِقِ﴾ فهو قَسَمٌ ثانٍ؛ أي إنَّ الله أقسمَ بالطارق، فما هو الطارق؟ ليس الطارق هو الذي يَطْرق أهلَه ليلًا، بل فسَّره الله عز وجل بقوله: ﴿النَّجْمُ الثَّاقِبُ﴾، هذا هو الطارق، والنجم هنا يحتمل أن يكون المراد به جميع النجوم فتكون (أل) للجنس، ويحتمل أنه النجم الثاقب؛ أي: النجم اللامع؛ أي: قويُّ اللمعان؛ لأنه يثقب الظلامَ بنوره، وأيًّا كان فإنَّ هذه النجوم من آيات الله عز وجل الدالَّة على كمال قدرته في سيرها، وانتظامها، واختلاف أشكالها، واختلاف منافعها أيضًا؛ قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ﴾ [النحل ١٦]، وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ﴾ [الملك ٥]، فهي زينةٌ للسماء، ورُجومٌ للشياطين، وعلاماتٌ يُهتدى بها.
(١) أخرجه الترمذي (١٥٣٥) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
(٢) متفق عليه؛ البخاري (٢٦٧٩)، ومسلم (١٦٤٦)، من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_الطارق ❤️✨
◀️ ﷽
﴿وَٱلسَّمَاۤءِ وَٱلطَّارِقِ (١) وَمَاۤ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلطَّارِقُ (٢) ٱلنَّجۡمُ ٱلثَّاقِبُ (٣)﴾ [الطارق ١-٣]
🔲 الحمد لله ربِّ العالمين، وأصلِّي وأسلِّم على نبيِّنا محمد وعلى آله وأصحابه ومَن تَبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.أما بعد، وقد شرعنا في تدبير وتفسير سورة الطارق بعد أنْ أكملنا ما سبقها.يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (١) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (٢) النَّجْمُ الثَّاقِبُ﴾ [الطارق ١ - ٣] وهنا كما تَرَون فيه قَسَم أقسمَ الله تعالى به، وهو (السماء) وكذلك (الطارق).
✴️ وقد يُشكل على بعض الناس كيف يُقسِم الله سبحانه وتعالى بالمخلوقات مع أنَّ القَسَم بالمخلوقات شِركٌ؛ لقول النبي ﷺ: «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَر» أو «أَشْرَكَ»(١)، وقال عليه الصلاة والسلام: «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ»(٢)، فلا يجوز الحلف بغير الله؛ لا بالأنبياء، ولا بالملائكة، ولا بالكعبة، ولا بالوطن، ولا بأيِّ شيءٍ من المخلوقات؟والجواب على هذا الإشكال أن نقول: إنَّ الله سبحانه وتعالى له أن يُقسم بما شاء من خلْقه، وإقسامُه بما يُقسم به من خلْقه يدلُّ على عظمة الله عز وجل.
🔁 لأن عِظَم المخلوق يدلُّ على عِظَم الخالق، وقد أقسمَ الله تعالى بأشياء كثيرة من خلْقه، ومِن أحسن مَن رأيتُه تكلَّم على هذا الموضوع ابن القيم رحمه الله في كتابه التبيان في أقسام القرآن، وهو كتابٌ جيِّدٌ ينفع طالبَ العلم كثيرًا، فهنا يُقسم الله تعالى بالسماء، والسماء هي كلُّ ما علاك، كلُّ ما علاك فهو سماء، حتى السحاب الذي ينزل منه المطر يُسَمَّى سماءً كما قال الله تعالى: ﴿أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا﴾ [الرعد ١٧]، وإذا كان يُطلق على كلِّ ما علاك فإنه يشمل ما بين السماء والأرض ويشمل السماوات كلَّها؛ لأنها كلَّها قد علتْك وهي فوقك.
🔹 وأمَّا قوله: ﴿وَالطَّارِقِ﴾ فهو قَسَمٌ ثانٍ؛ أي إنَّ الله أقسمَ بالطارق، فما هو الطارق؟ ليس الطارق هو الذي يَطْرق أهلَه ليلًا، بل فسَّره الله عز وجل بقوله: ﴿النَّجْمُ الثَّاقِبُ﴾، هذا هو الطارق، والنجم هنا يحتمل أن يكون المراد به جميع النجوم فتكون (أل) للجنس، ويحتمل أنه النجم الثاقب؛ أي: النجم اللامع؛ أي: قويُّ اللمعان؛ لأنه يثقب الظلامَ بنوره، وأيًّا كان فإنَّ هذه النجوم من آيات الله عز وجل الدالَّة على كمال قدرته في سيرها، وانتظامها، واختلاف أشكالها، واختلاف منافعها أيضًا؛ قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ﴾ [النحل ١٦]، وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ﴾ [الملك ٥]، فهي زينةٌ للسماء، ورُجومٌ للشياطين، وعلاماتٌ يُهتدى بها.
(١) أخرجه الترمذي (١٥٣٥) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
(٢) متفق عليه؛ البخاري (٢٦٧٩)، ومسلم (١٦٤٦)، من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
Photo
( الدرس ٦٥ )
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_الطارق ❤️✨
◀️ ﷽
﴿إِن كُلُّ نَفسٍ لَمّا عَلَيها حافِظٌفَليَنظُرِ الإِنسانُ مِمَّ خُلِقَخُلِقَ مِن ماءٍ دافِقٍيَخرُجُ مِن بَينِ الصُّلبِ وَالتَّرائِبِ﴾ [الطارق: ٤-٧]
🔲 نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير من سورة (الانشقاق) عند قوله تعالي: ﴿إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ﴾ [الطارق ٤]، ﴿إِنْ﴾ هنا نافية؛ يعني: ما كلُّ نفسٍ.
▫️ و﴿لَمَّا﴾ بمعنى (إلَّا)؛ يعني: ما كلُّ نفسٍ إلا عليها حافظٌ من الله.
✴️ وبيَّن الله سبحانه وتعالى مُهِمَّة هذا الحافظ بقوله: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (١٠) كِرَامًا كَاتِبِينَ (١١) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [الانفطار ١٠ - ١٢]، هؤلاء الحَفَظة يحفظون على الإنسان عمله؛ ما له وما عليه، ويجده يوم القيامة كتابًا منشورًا، يُقال له: ﴿اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾ [الإسراء ١٤]، هؤلاء الحَفَظة يكتبون ما يقوم به الإنسان من قولٍ وما يقوم به من فعلٍ، سواءٌ كان ظاهرًا كأقوال اللسان وأعمال الجوارح أو باطنًا، حتى ما في القلب مما يعتقده الإنسان فإنَّه يُكتب عليه؛ لقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (١٦) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (١٧) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ [ق ١٦ - ١٨]، هذا الحافظ يحفظ عمل بني آدم، وهناك حَفَظةٌ آخرون ذكرهم الله في قوله: ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾ [الرعد ١١].
◾ وقوله: ﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ﴾ [الطارق: ٥] اللام هنا للأمر، والمراد بالنظر هنا نظر الاعتبار، وهو النظر بالبصيرة؛ يعني: ليفكِّر الإنسانُ: ممَّ خُلِق؟ هل خُلِق من حديد؟ هل خُلِق من فولاذ؟ هل خُلِق من شيءٍ قاسٍ قويٍّ؟ والجواب على هذه التساؤلات أنَّه ﴿خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ﴾ [الطارق ٦] وهو ماء الرجُل، ووَصَفه الله تعالى في آيات أخرى بأنه ماءٌ مَهينٌ ضعيفُ السيلان ليس كالماء العادي المنطلق، ووَصَفه الله تعالى في آيةٍ أخرى أنه نُطْفة؛ أي: قليلٌ من الماء، هذا الذي خُلِق منه الإنسان، والعجب أن يُخلَق الإنسان من هذا الماء المهين ثم يكون قلبُه أقسى من الحجارة -والعياذ بالله- إلا مَن ألانَ الله قلبَه لدين الله.
🔹 ثم بيَّن أنَّ هذا الماء الدافق ﴿يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ﴾ [الطارق ٧]؛ من بين صُلب الرجل وترائبه؛ أعلى صدره، وهذا يدلُّ على عُمق مخرج هذا الماء وأنَّه يخرج من مكانٍ مكينٍ في الجسد، والصواب أنَّ هذا الوصف لماء الرجل، وقال بعض العلماء: ﴿يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ﴾ أي: صُلب الرجل وترائب المرأة. ولكنَّ هذا خلافُ ظاهر اللفظ، والصواب أنَّ الذي يخرج من بين الصلب والترائب هو ماء الرجل؛ لأنَّ الله تعالى وصَفه بذلك.
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_الطارق ❤️✨
◀️ ﷽
﴿إِن كُلُّ نَفسٍ لَمّا عَلَيها حافِظٌفَليَنظُرِ الإِنسانُ مِمَّ خُلِقَخُلِقَ مِن ماءٍ دافِقٍيَخرُجُ مِن بَينِ الصُّلبِ وَالتَّرائِبِ﴾ [الطارق: ٤-٧]
🔲 نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير من سورة (الانشقاق) عند قوله تعالي: ﴿إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ﴾ [الطارق ٤]، ﴿إِنْ﴾ هنا نافية؛ يعني: ما كلُّ نفسٍ.
▫️ و﴿لَمَّا﴾ بمعنى (إلَّا)؛ يعني: ما كلُّ نفسٍ إلا عليها حافظٌ من الله.
✴️ وبيَّن الله سبحانه وتعالى مُهِمَّة هذا الحافظ بقوله: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (١٠) كِرَامًا كَاتِبِينَ (١١) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [الانفطار ١٠ - ١٢]، هؤلاء الحَفَظة يحفظون على الإنسان عمله؛ ما له وما عليه، ويجده يوم القيامة كتابًا منشورًا، يُقال له: ﴿اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾ [الإسراء ١٤]، هؤلاء الحَفَظة يكتبون ما يقوم به الإنسان من قولٍ وما يقوم به من فعلٍ، سواءٌ كان ظاهرًا كأقوال اللسان وأعمال الجوارح أو باطنًا، حتى ما في القلب مما يعتقده الإنسان فإنَّه يُكتب عليه؛ لقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (١٦) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (١٧) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ [ق ١٦ - ١٨]، هذا الحافظ يحفظ عمل بني آدم، وهناك حَفَظةٌ آخرون ذكرهم الله في قوله: ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾ [الرعد ١١].
◾ وقوله: ﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ﴾ [الطارق: ٥] اللام هنا للأمر، والمراد بالنظر هنا نظر الاعتبار، وهو النظر بالبصيرة؛ يعني: ليفكِّر الإنسانُ: ممَّ خُلِق؟ هل خُلِق من حديد؟ هل خُلِق من فولاذ؟ هل خُلِق من شيءٍ قاسٍ قويٍّ؟ والجواب على هذه التساؤلات أنَّه ﴿خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ﴾ [الطارق ٦] وهو ماء الرجُل، ووَصَفه الله تعالى في آيات أخرى بأنه ماءٌ مَهينٌ ضعيفُ السيلان ليس كالماء العادي المنطلق، ووَصَفه الله تعالى في آيةٍ أخرى أنه نُطْفة؛ أي: قليلٌ من الماء، هذا الذي خُلِق منه الإنسان، والعجب أن يُخلَق الإنسان من هذا الماء المهين ثم يكون قلبُه أقسى من الحجارة -والعياذ بالله- إلا مَن ألانَ الله قلبَه لدين الله.
🔹 ثم بيَّن أنَّ هذا الماء الدافق ﴿يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ﴾ [الطارق ٧]؛ من بين صُلب الرجل وترائبه؛ أعلى صدره، وهذا يدلُّ على عُمق مخرج هذا الماء وأنَّه يخرج من مكانٍ مكينٍ في الجسد، والصواب أنَّ هذا الوصف لماء الرجل، وقال بعض العلماء: ﴿يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ﴾ أي: صُلب الرجل وترائب المرأة. ولكنَّ هذا خلافُ ظاهر اللفظ، والصواب أنَّ الذي يخرج من بين الصلب والترائب هو ماء الرجل؛ لأنَّ الله تعالى وصَفه بذلك.
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
Photo
( الدرس ٦٦ )
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_الطارق ❤️✨
◀️ ﷽
﴿إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (٨) يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (٩) فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ﴾ [الطارق ٨ - ١٠].
🔲 نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير من سورة (الطارق) عند قوله تعالى: ﴿إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (٨) يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (٩) فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ﴾ [الطارق ٨ - ١٠]. ﴿إِنَّهُ﴾ أي: الله عز وجل ﴿عَلَى رَجْعِهِ﴾ أي: على رجْع الإنسانِ ﴿لَقَادِرٌ﴾ وذلك يوم القيامة.لقوله: ﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ﴾، فالذي قدر على أن يخلق الإنسانَ من هذا الماء الدافق المهين قادرٌ على أن يُعيده يوم القيامة، وهذا من باب الاستدلال بالمحسوس على المنظور المترقَّب، وهو قياسٌ عقليٌّ؛ فإنَّ الإنسان بعقله يقول: إذا كان الله قادرًا على أن يخلق الإنسانَ من هذا الماء المهين ويُحييه قادرٌ على أن يُعيده مرَّةً ثانية؛ ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ [الروم ٢٧]، ولهذا يستدلُّ الله عز وجل بالمبدأ على المعاد؛ لأنه قياسٌ جلِيٌّ واضحٌ، ينتقل العقل من هذا إلى هذا بسرعةٍ وبدون كُلفة.
◾وقوله: ﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ﴾ أي: تُختبَر السرائر، وهي القلوب؛ فإنَّ الحساب يوم القيامة على ما في القلوب، والحساب في الدنيا على ما في الجوارح، ولهذا عاملَ النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم المنافقين معاملةَ المسلمين؛ حيث كان يُستأذَن في قتلهم فيقال: «لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ»(١)، فكان لا يقتلهم وهو يعلم أنَّ فلانًا منافقٌ وفلانًا منافقٌ، لكن العمل في الدنيا على الظاهر، ويومَ القيامة على الباطن.
🔹 ﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ﴾ أي: تُختبَر، وهذا كقوله: ﴿أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ﴾ [العاديات ٩]، ولهذا يجب علينا يا إخواني، يجب علينا العناية بعمل القلب أكثر من العناية بعمل الجوارح، عملُ الجوارح علامةٌ ظاهرةٌ، لكن عمل القلب هو الذي عليه المدار، ولهذا أَخبر النبيُّ عليه الصلاة والسلام عن الخوارج يخاطب الصحابةَ يقول: «يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ» يعني أنهم يجتهدون في الأعمال الظاهرة، لكن قلوبهم خاليةٌ والعياذ بالله، لا يتجاوز الإسلامُ حناجرهم «يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ»(٢).
✴️ فعلينا أيُّها الإخوة أنْ نعتني بالقلوب وإصلاحِها وأعمالِها وعقائدِها واتجاهاتِها؛ قال الحسن البصري رحمه الله: «واللهِ ما سَبَقهم أبو بكرٍ بصلاةٍ ولا صومٍ، وإنما سَبَقهم بما وَقَرَ في قلبه من الإيمان»(٣). والإيمان إذا وقَرَ في القلب حَمَل الإنسانَ على العمل، لكن العمل الظاهر قد لا يحمل الإنسانَ على إصلاح قلبه، فعلينا أيها الإخوة أنْ نعتني بقلوبنا وإصلاحها وتخليصها من شوائب الشركِ، والبِدَعِ، والحقدِ، والبَغْضاءِ، وكراهةِ ما أنزل الله على رسوله، وكراهةِ الصحابة رضي الله عنهم، وغيرِ ذلك مما يجب تنزيه القلب عنه.
◾ثم قال تعالى: ﴿فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ﴾ [الطارق ١٠] يعني يوم القيامة ما للإنسان قوَّةٌ ذاتيَّةٌ، ﴿وَلَا نَاصِرٍ﴾ وهي القوة الخارجية، هو بنفسه لا يستطيع أن يدافع عن نفسه، ولا أحد يستطيع أن يدافع عنه؛ قال الله تعالى: ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ﴾ [المؤمنون ١٠١]، في الدنيا يتساءلون؛ يسأل بعضُهم بعضًا ويحتمي بعضُهم ببعض، لكن يوم القيامة لا أنساب؛ يعني: لا قَرابة، لا تنفع القرابة ولا يتساءلون. فنسأل الله تعالى أن يُصلح قلوبنا وقلوبكم وأعمالنا وأعمالكم، وأن يَهَب لنا منه رحمةً إنه هو الوهاب.
(١) متفق عليه؛ البخاري (٤٩٠٥)، ومسلم ( ٢٥٨٤ / ٦٣)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
(٢) متفق عليه؛ البخاري (٣٦١٠)، ومسلم (١٠٦٥ / ١٤٨) واللفظ له، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(٣) قال العجلوني في كشف الخفاء (٢ / ١٩٠): ذكره في الإحياء بلفظ: «ما فَضَلَكُم»، وقال مخرِّجه العراقي: لم أجده مرفوعًا، وهو عند الحكيم الترمذي وأبي يعلى عن عائشة، وأحمد بن منيعٍ عن أبي بكر، كلاهما مرفوع، وقال في النوادر: إنَّه من قول بكر بن عبد الله المزني.
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_الطارق ❤️✨
◀️ ﷽
﴿إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (٨) يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (٩) فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ﴾ [الطارق ٨ - ١٠].
🔲 نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير من سورة (الطارق) عند قوله تعالى: ﴿إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (٨) يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (٩) فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ﴾ [الطارق ٨ - ١٠]. ﴿إِنَّهُ﴾ أي: الله عز وجل ﴿عَلَى رَجْعِهِ﴾ أي: على رجْع الإنسانِ ﴿لَقَادِرٌ﴾ وذلك يوم القيامة.لقوله: ﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ﴾، فالذي قدر على أن يخلق الإنسانَ من هذا الماء الدافق المهين قادرٌ على أن يُعيده يوم القيامة، وهذا من باب الاستدلال بالمحسوس على المنظور المترقَّب، وهو قياسٌ عقليٌّ؛ فإنَّ الإنسان بعقله يقول: إذا كان الله قادرًا على أن يخلق الإنسانَ من هذا الماء المهين ويُحييه قادرٌ على أن يُعيده مرَّةً ثانية؛ ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ [الروم ٢٧]، ولهذا يستدلُّ الله عز وجل بالمبدأ على المعاد؛ لأنه قياسٌ جلِيٌّ واضحٌ، ينتقل العقل من هذا إلى هذا بسرعةٍ وبدون كُلفة.
◾وقوله: ﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ﴾ أي: تُختبَر السرائر، وهي القلوب؛ فإنَّ الحساب يوم القيامة على ما في القلوب، والحساب في الدنيا على ما في الجوارح، ولهذا عاملَ النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم المنافقين معاملةَ المسلمين؛ حيث كان يُستأذَن في قتلهم فيقال: «لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ»(١)، فكان لا يقتلهم وهو يعلم أنَّ فلانًا منافقٌ وفلانًا منافقٌ، لكن العمل في الدنيا على الظاهر، ويومَ القيامة على الباطن.
🔹 ﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ﴾ أي: تُختبَر، وهذا كقوله: ﴿أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ﴾ [العاديات ٩]، ولهذا يجب علينا يا إخواني، يجب علينا العناية بعمل القلب أكثر من العناية بعمل الجوارح، عملُ الجوارح علامةٌ ظاهرةٌ، لكن عمل القلب هو الذي عليه المدار، ولهذا أَخبر النبيُّ عليه الصلاة والسلام عن الخوارج يخاطب الصحابةَ يقول: «يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ» يعني أنهم يجتهدون في الأعمال الظاهرة، لكن قلوبهم خاليةٌ والعياذ بالله، لا يتجاوز الإسلامُ حناجرهم «يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ»(٢).
✴️ فعلينا أيُّها الإخوة أنْ نعتني بالقلوب وإصلاحِها وأعمالِها وعقائدِها واتجاهاتِها؛ قال الحسن البصري رحمه الله: «واللهِ ما سَبَقهم أبو بكرٍ بصلاةٍ ولا صومٍ، وإنما سَبَقهم بما وَقَرَ في قلبه من الإيمان»(٣). والإيمان إذا وقَرَ في القلب حَمَل الإنسانَ على العمل، لكن العمل الظاهر قد لا يحمل الإنسانَ على إصلاح قلبه، فعلينا أيها الإخوة أنْ نعتني بقلوبنا وإصلاحها وتخليصها من شوائب الشركِ، والبِدَعِ، والحقدِ، والبَغْضاءِ، وكراهةِ ما أنزل الله على رسوله، وكراهةِ الصحابة رضي الله عنهم، وغيرِ ذلك مما يجب تنزيه القلب عنه.
◾ثم قال تعالى: ﴿فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ﴾ [الطارق ١٠] يعني يوم القيامة ما للإنسان قوَّةٌ ذاتيَّةٌ، ﴿وَلَا نَاصِرٍ﴾ وهي القوة الخارجية، هو بنفسه لا يستطيع أن يدافع عن نفسه، ولا أحد يستطيع أن يدافع عنه؛ قال الله تعالى: ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ﴾ [المؤمنون ١٠١]، في الدنيا يتساءلون؛ يسأل بعضُهم بعضًا ويحتمي بعضُهم ببعض، لكن يوم القيامة لا أنساب؛ يعني: لا قَرابة، لا تنفع القرابة ولا يتساءلون. فنسأل الله تعالى أن يُصلح قلوبنا وقلوبكم وأعمالنا وأعمالكم، وأن يَهَب لنا منه رحمةً إنه هو الوهاب.
(١) متفق عليه؛ البخاري (٤٩٠٥)، ومسلم ( ٢٥٨٤ / ٦٣)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
(٢) متفق عليه؛ البخاري (٣٦١٠)، ومسلم (١٠٦٥ / ١٤٨) واللفظ له، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(٣) قال العجلوني في كشف الخفاء (٢ / ١٩٠): ذكره في الإحياء بلفظ: «ما فَضَلَكُم»، وقال مخرِّجه العراقي: لم أجده مرفوعًا، وهو عند الحكيم الترمذي وأبي يعلى عن عائشة، وأحمد بن منيعٍ عن أبي بكر، كلاهما مرفوع، وقال في النوادر: إنَّه من قول بكر بن عبد الله المزني.
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
Photo
( الدرس ٦٧ )
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_الطارق ❤️✨
◀️ ﷽
﴿وَٱلسَّمَاۤءِ ذَاتِ ٱلرَّجۡعِ (١١) وَٱلۡأَرۡضِ ذَاتِ ٱلصَّدۡعِ (١٢)﴾ [الطارق ١١-١٢]
🔲 الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمد وعلى آله وأصحابه ومَن تَبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.أما بعد، نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا جميعًا بما علَّمنا، وأن يجعلنا هداةً مهتدين وصالحين مصلحين.
◾عادتُنا أن نبدأ هذا اللقاء بتفسير آياتٍ من كتاب الله، وقد ابتدأنا من سورة النبأ، وها نحن الآن في آواخر سورة الطارق.قال الله تبارك وتعالى بعد أن ذكر الإقسامَ بالسماء والطارق إلى آخره، إلى قوله: ﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (٩) فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ﴾ [الطارق ٩ - ١٠]، قال تعالى: ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (١١) وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ﴾ [الطارق ١١ - ١٢]، هذا هو القَسَم الثاني بالسماء، والقَسَم الأول ما كان في أول السورة، فهناك قال: ﴿وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (١) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (٢) النَّجْمُ الثَّاقِبُ﴾ [الطارق ١ - ٣]، وهنا قال: ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (١١) وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ (١٢) إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ﴾ [الطارق ١١ - ١٣]،
▫️ والمناسبة بين القَسَمين -والله أعلم- أنَّ الأول فيه إشارةٌ إلى الطارق الذي هو النجم، والنجم كما نعلم تُرمَى به الشياطين الذين يسترِقون السمعَ، وفي رمْي الشياطين بذلك حفظٌ لكتاب الله عز وجل، أمَّا هنا فأقسمَ بالسماء ذات الرجْع أنَّ هذا القرآن قولٌ فصلٌ، فأقسمَ على أنَّ القرآن قولٌ فصلٌ، فصار القَسَم الأول مناسبتُه أنَّ فيه الإشارة إلى ما يُحفظ به هذا القرآن حال إنزاله، وفي القَسَم الثاني الإشارةُ إلى أنَّ القرآن حياةٌ؛ لأنه قال: ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ﴾ الرجْع هو المطر، يُسمَّى رجْعًا لأنه يرجع ويتكرَّر، ومعلومٌ أنَّ المطر به حياة الأرض.
🔹﴿وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ﴾ الصَّدع هو الانشقاق؛ يعني التشقُّق لخروج النبات منها، فأقسمَ بالمطر الذي هو سببُ خروج النبات، وبالتشقُّق الذي يخرج منه النبات، وكلُّه إشارةٌ إلى حياة الأرض بعد موتها، والقرآن به حياة القلوب بعد موتها كما قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا﴾ [الشورى ٥٢]، فسَمَّى الله القرآنَ روحًا لأنَّه تحيا به القلوب.يقول عز وجل: ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ﴾ أي: ذات المطر. ﴿وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ﴾ أي: ذات الانشقاق لخروج النبات منها.
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_الطارق ❤️✨
◀️ ﷽
﴿وَٱلسَّمَاۤءِ ذَاتِ ٱلرَّجۡعِ (١١) وَٱلۡأَرۡضِ ذَاتِ ٱلصَّدۡعِ (١٢)﴾ [الطارق ١١-١٢]
🔲 الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمد وعلى آله وأصحابه ومَن تَبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.أما بعد، نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا جميعًا بما علَّمنا، وأن يجعلنا هداةً مهتدين وصالحين مصلحين.
◾عادتُنا أن نبدأ هذا اللقاء بتفسير آياتٍ من كتاب الله، وقد ابتدأنا من سورة النبأ، وها نحن الآن في آواخر سورة الطارق.قال الله تبارك وتعالى بعد أن ذكر الإقسامَ بالسماء والطارق إلى آخره، إلى قوله: ﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (٩) فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ﴾ [الطارق ٩ - ١٠]، قال تعالى: ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (١١) وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ﴾ [الطارق ١١ - ١٢]، هذا هو القَسَم الثاني بالسماء، والقَسَم الأول ما كان في أول السورة، فهناك قال: ﴿وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (١) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (٢) النَّجْمُ الثَّاقِبُ﴾ [الطارق ١ - ٣]، وهنا قال: ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (١١) وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ (١٢) إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ﴾ [الطارق ١١ - ١٣]،
▫️ والمناسبة بين القَسَمين -والله أعلم- أنَّ الأول فيه إشارةٌ إلى الطارق الذي هو النجم، والنجم كما نعلم تُرمَى به الشياطين الذين يسترِقون السمعَ، وفي رمْي الشياطين بذلك حفظٌ لكتاب الله عز وجل، أمَّا هنا فأقسمَ بالسماء ذات الرجْع أنَّ هذا القرآن قولٌ فصلٌ، فأقسمَ على أنَّ القرآن قولٌ فصلٌ، فصار القَسَم الأول مناسبتُه أنَّ فيه الإشارة إلى ما يُحفظ به هذا القرآن حال إنزاله، وفي القَسَم الثاني الإشارةُ إلى أنَّ القرآن حياةٌ؛ لأنه قال: ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ﴾ الرجْع هو المطر، يُسمَّى رجْعًا لأنه يرجع ويتكرَّر، ومعلومٌ أنَّ المطر به حياة الأرض.
🔹﴿وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ﴾ الصَّدع هو الانشقاق؛ يعني التشقُّق لخروج النبات منها، فأقسمَ بالمطر الذي هو سببُ خروج النبات، وبالتشقُّق الذي يخرج منه النبات، وكلُّه إشارةٌ إلى حياة الأرض بعد موتها، والقرآن به حياة القلوب بعد موتها كما قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا﴾ [الشورى ٥٢]، فسَمَّى الله القرآنَ روحًا لأنَّه تحيا به القلوب.يقول عز وجل: ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ﴾ أي: ذات المطر. ﴿وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ﴾ أي: ذات الانشقاق لخروج النبات منها.
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
Photo
( الدرس ٦٨ )
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_الطارق ❤️✨
◀️ ﷽
﴿إِنَّهُ لَقَولٌ فَصلٌوَما هُوَ بِالهَزلِ﴾ [الطارق: ١٣-١٤]
🔲 نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير من سورة (الطارق) عند قوله﴿إِنَّهُۥ لَقَوۡلࣱ فَصۡلࣱ﴾ [الطارق ١٣]
﴿إِنَّهُ﴾ أي: القرآن ﴿لَقَوْلٌ فَصْلٌ﴾ [الطارق ١٣] فوصَفه الله بأنَّه قولٌ من قول الله عز وجل، فهو الذي تكلَّم به وألقاه إلى جبريل، ثم نزل به جبريل على قلب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقد أضاف الله القرآنَ قولًا إلى جبريل وإلى محمد عليهما الصلاة والسلام؛
◾ فقال تعالى في الأول: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (١٩) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (٢٠) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ﴾ [التكوير ١٩ - ٢١]،
▫️وقال في الثاني -إضافته إلى الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (٤٠) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ﴾ [الحاقة ٤٠، ٤١]،
✴️ ففي الأول أضاف القولَ إلى جبريل لأنه بلَّغه عن الله إلى محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وفي الثاني أضافه إلى محمد لأنه بلَّغه إلى الناس، وإلَّا فإنَّ الذي قاله ابتداءً هو الله سبحانه وتعالى.
◾﴿إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ﴾، ﴿فَصْلٌ﴾ يفصل بين الحق والباطل، وبين المتقين والظالمين، بل إنَّه ﴿فَصْلٌ﴾ أي: قاطعٌ لكلِّ مَن ناوأه وعاداه، ولهذا نجد المسلمين لَمَّا كانوا يجاهدون الكفار بالقرآن نجدهم غلبوا الكفار وقطعوا دابرهم وقُضِي بينهم وبينهم، فلمَّا أعرضوا عن القرآن هُزِموا وأُذِلُّوا بقدر بُعدهم عن القرآن، وكلَّما أبعد الإنسان عن كتاب الله ابتعدتْ عنه العزَّة وابتعد عنه النصر حتى يرجع إلى كتاب الله عز وجل.
🔹ثم قال: ﴿وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ﴾ [الطارق ١٤] أي: ما هو باللعب والعَبَث واللَّغو، بل هو حقٌّ، كلماته كلُّها حقٌّ، أخباره صدقٌ، وأحكامه عدلٌ، وتلاوته أجرٌ، لو تلاه الإنسانُ كلَّ أوانه لم يملَّ منه، وإذا تلاه بتدبُّرٍ وتفكُّرٍ فتح الله عليه من المعاني ما لم يكن عنده من قبل، وهذا شيءٌ مشاهَد، اقرأ القرآنَ وتدبَّره، كلَّما قرأتَه وتدبَّرتَه حصل لك من معانيه ما لم يكن يحصل لك من قبل، كلُّ هذا لأنه فصلٌ وليس بالهزل، لكن الكلام اللغو من كلام الناس كلَّما كرَّرتَه مججتَه وكَرِهتَه ومللتَه، أمَّا كتاب الله فلا.
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_الطارق ❤️✨
◀️ ﷽
﴿إِنَّهُ لَقَولٌ فَصلٌوَما هُوَ بِالهَزلِ﴾ [الطارق: ١٣-١٤]
🔲 نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير من سورة (الطارق) عند قوله﴿إِنَّهُۥ لَقَوۡلࣱ فَصۡلࣱ﴾ [الطارق ١٣]
﴿إِنَّهُ﴾ أي: القرآن ﴿لَقَوْلٌ فَصْلٌ﴾ [الطارق ١٣] فوصَفه الله بأنَّه قولٌ من قول الله عز وجل، فهو الذي تكلَّم به وألقاه إلى جبريل، ثم نزل به جبريل على قلب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقد أضاف الله القرآنَ قولًا إلى جبريل وإلى محمد عليهما الصلاة والسلام؛
◾ فقال تعالى في الأول: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (١٩) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (٢٠) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ﴾ [التكوير ١٩ - ٢١]،
▫️وقال في الثاني -إضافته إلى الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (٤٠) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ﴾ [الحاقة ٤٠، ٤١]،
✴️ ففي الأول أضاف القولَ إلى جبريل لأنه بلَّغه عن الله إلى محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وفي الثاني أضافه إلى محمد لأنه بلَّغه إلى الناس، وإلَّا فإنَّ الذي قاله ابتداءً هو الله سبحانه وتعالى.
◾﴿إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ﴾، ﴿فَصْلٌ﴾ يفصل بين الحق والباطل، وبين المتقين والظالمين، بل إنَّه ﴿فَصْلٌ﴾ أي: قاطعٌ لكلِّ مَن ناوأه وعاداه، ولهذا نجد المسلمين لَمَّا كانوا يجاهدون الكفار بالقرآن نجدهم غلبوا الكفار وقطعوا دابرهم وقُضِي بينهم وبينهم، فلمَّا أعرضوا عن القرآن هُزِموا وأُذِلُّوا بقدر بُعدهم عن القرآن، وكلَّما أبعد الإنسان عن كتاب الله ابتعدتْ عنه العزَّة وابتعد عنه النصر حتى يرجع إلى كتاب الله عز وجل.
🔹ثم قال: ﴿وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ﴾ [الطارق ١٤] أي: ما هو باللعب والعَبَث واللَّغو، بل هو حقٌّ، كلماته كلُّها حقٌّ، أخباره صدقٌ، وأحكامه عدلٌ، وتلاوته أجرٌ، لو تلاه الإنسانُ كلَّ أوانه لم يملَّ منه، وإذا تلاه بتدبُّرٍ وتفكُّرٍ فتح الله عليه من المعاني ما لم يكن عنده من قبل، وهذا شيءٌ مشاهَد، اقرأ القرآنَ وتدبَّره، كلَّما قرأتَه وتدبَّرتَه حصل لك من معانيه ما لم يكن يحصل لك من قبل، كلُّ هذا لأنه فصلٌ وليس بالهزل، لكن الكلام اللغو من كلام الناس كلَّما كرَّرتَه مججتَه وكَرِهتَه ومللتَه، أمَّا كتاب الله فلا.
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
Photo
( الدرس ٦٩ )
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_الطارق ❤️✨
◀️ ﷽
﴿إِنَّهُمۡ یَكِیدُونَ كَیۡدࣰا (١٥) وَأَكِیدُ كَیۡدࣰا (١٦)﴾ [الطارق ١٥-١٦]
🔲 نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير من سورة (الطارق) عند قوله تعالى: ﴿إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا﴾ [الطارق ١٥] ﴿إِنَّهُمْ﴾ يعني الكفار المكذِّبين للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ﴿يَكِيدُونَ كَيْدًا﴾ أي: كيدًا عظيمًا، يكيدون للرسول عليه الصلاة والسلام ويكيدون لمن اتَّبعه، وانظر ماذا كانوا يفعلون في المؤمنين أيام كانوا في مكة من التعذيب والتوبيخ والتشريد، هاجر المسلمون مرَّتين إلى الحبشة، ثم هاجروا إلى المدينة، كلُّ ذلك فرارًا بدينهم من هؤلاء المجرمين الذين آذَوهم بكل كيد، وأعظم ما فعلوا بالنبي عليه الصلاة والسلام حين الهجرة؛
🔁 حيث اجتمع رؤساؤهم وأشرافهم يتشاورون ماذا يفعلون بمحمد، فكلَّما ذكروا رأيًا نقضوه؛ قالوا: هذا لا يصلح، حتى أشار إليهم -فيما ذكره التاريخ- الشيطانُ الذي جاء بصورة رجُلٍ وقال لهم: إنِّي أرى أن تختاروا عشرة شُبَّان من قبائل متفرِّقة وتعطوا كلَّ واحدٍ منهم سيفًا حتى يقتلوا محمدًا قتْلةَ رجُلٍ واحدٍ، فإذا فعلوا ذلك تفرَّق دمُه في القبائل، فلم تستطع بنو هاشم أن تقتصَّ من القبائل كلِّها فيرضخون إلى أخْذ الدِّية. وهذا هو الذي يريدون، فأجمعوا على هذا الرأي واستحسنوا هذا الرأي، وفِعْلًا جلس الشُّبَّان العشرة ينتظرون خروجَ النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليقتلوه، ولكنَّ النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم خرج من الباب وهُم جلوسٌ ولم يشاهدوه، وذكر التاريخ أنه جعل يذرُّ الترابَ على رؤوسهم إذلالًا لهم ويقرأ قول الله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ﴾ [يس ٩].
✴️ ولا تتعجَّبوا كيف خرج النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم من بينهم ولم يشاهدوه، لا تعجُّب من هذا؛ فها هم قريشٌ حين اختبأ النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الغار لَمَّا خرج من مكة يريد المدينة، اختبأ في الغار ثلاثة أيامٍ ليخِفَّ عنه الطلب؛ لأنَّ قريشًا صارت تطلبه، وجعلتْ لمن جاء به مئة بعير، ولمن جاء به مع أبي بكر مئتَيْ بعير، وهذه جائزة كبيرة، فوقفوا على الغار الذي فيه النبي ﷺ وأبو بكر، وكلُّنا يعلم أنَّ الغار المفتوح إذا كان فيه أحدٌ فسوف يُرى، ولكنَّهم لم يَرَوا النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا أبا بكر رضي الله عنه، فقال: يا رسول الله، لو نظر أحدهم إلى قدمه لأبصرنا. فقال: «لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا، فَمَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا؟!»(١)، فاطمأنَّ أبو بكر.
🔘 هؤلاء القوم الذين وقفوا على الغار ليس عندهم قصورٌ في السمع، ولا قصورٌ في البصر، ولا قصورٌ في الذكاء، ولكن أعمى الله أبصارهم عنه، عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وصاحبه، فلا تعجبوا أنْ خرج من بين هؤلاء الشُّبَّان العشرة كما قال أهل التاريخ وجعل يذرُّ الترابَ على رؤوسهم ويقول: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ﴾ [يس ٩]. هنا يقول عز وجل في سورة الطارق: ﴿إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا﴾، واتلُ قولَ الله تعالى في سورة الأنفال: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ﴾ يعني: يحبسوك ﴿أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ [الأنفال ٣٠].
(١) هذان حديثان في حديث: الأول أخرجه البخاري (٣٦١٥)، ومسلم (٢٠٠٩ / ٧٥)، من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه؛ قول أبي بكر رضي الله عنه: فارتحلنا بعدما مالت الشمس، واتَّبعنا سراقة بن مالك، فقلت: أُتينا يا رسول الله. فقال: «لا تحزن إنَّ الله معنا». والثاني أخرجه البخاري (٤٦٦٣) ومسلم (٢٣٨١ / ١) عن أنسٍ قال: حدثني أبو بكر رضي الله عنه قال: كنتُ مع النبي ﷺ في الغار فرأيتُ آثار المشركين، قلتُ: يا رسول الله، لو أنَّ أحدهم رفع قدمه رآنا. قال: «ما ظنُّك باثنين الله ثالثهما؟!».
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_الطارق ❤️✨
◀️ ﷽
﴿إِنَّهُمۡ یَكِیدُونَ كَیۡدࣰا (١٥) وَأَكِیدُ كَیۡدࣰا (١٦)﴾ [الطارق ١٥-١٦]
🔲 نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير من سورة (الطارق) عند قوله تعالى: ﴿إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا﴾ [الطارق ١٥] ﴿إِنَّهُمْ﴾ يعني الكفار المكذِّبين للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ﴿يَكِيدُونَ كَيْدًا﴾ أي: كيدًا عظيمًا، يكيدون للرسول عليه الصلاة والسلام ويكيدون لمن اتَّبعه، وانظر ماذا كانوا يفعلون في المؤمنين أيام كانوا في مكة من التعذيب والتوبيخ والتشريد، هاجر المسلمون مرَّتين إلى الحبشة، ثم هاجروا إلى المدينة، كلُّ ذلك فرارًا بدينهم من هؤلاء المجرمين الذين آذَوهم بكل كيد، وأعظم ما فعلوا بالنبي عليه الصلاة والسلام حين الهجرة؛
🔁 حيث اجتمع رؤساؤهم وأشرافهم يتشاورون ماذا يفعلون بمحمد، فكلَّما ذكروا رأيًا نقضوه؛ قالوا: هذا لا يصلح، حتى أشار إليهم -فيما ذكره التاريخ- الشيطانُ الذي جاء بصورة رجُلٍ وقال لهم: إنِّي أرى أن تختاروا عشرة شُبَّان من قبائل متفرِّقة وتعطوا كلَّ واحدٍ منهم سيفًا حتى يقتلوا محمدًا قتْلةَ رجُلٍ واحدٍ، فإذا فعلوا ذلك تفرَّق دمُه في القبائل، فلم تستطع بنو هاشم أن تقتصَّ من القبائل كلِّها فيرضخون إلى أخْذ الدِّية. وهذا هو الذي يريدون، فأجمعوا على هذا الرأي واستحسنوا هذا الرأي، وفِعْلًا جلس الشُّبَّان العشرة ينتظرون خروجَ النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليقتلوه، ولكنَّ النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم خرج من الباب وهُم جلوسٌ ولم يشاهدوه، وذكر التاريخ أنه جعل يذرُّ الترابَ على رؤوسهم إذلالًا لهم ويقرأ قول الله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ﴾ [يس ٩].
✴️ ولا تتعجَّبوا كيف خرج النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم من بينهم ولم يشاهدوه، لا تعجُّب من هذا؛ فها هم قريشٌ حين اختبأ النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الغار لَمَّا خرج من مكة يريد المدينة، اختبأ في الغار ثلاثة أيامٍ ليخِفَّ عنه الطلب؛ لأنَّ قريشًا صارت تطلبه، وجعلتْ لمن جاء به مئة بعير، ولمن جاء به مع أبي بكر مئتَيْ بعير، وهذه جائزة كبيرة، فوقفوا على الغار الذي فيه النبي ﷺ وأبو بكر، وكلُّنا يعلم أنَّ الغار المفتوح إذا كان فيه أحدٌ فسوف يُرى، ولكنَّهم لم يَرَوا النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا أبا بكر رضي الله عنه، فقال: يا رسول الله، لو نظر أحدهم إلى قدمه لأبصرنا. فقال: «لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا، فَمَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا؟!»(١)، فاطمأنَّ أبو بكر.
🔘 هؤلاء القوم الذين وقفوا على الغار ليس عندهم قصورٌ في السمع، ولا قصورٌ في البصر، ولا قصورٌ في الذكاء، ولكن أعمى الله أبصارهم عنه، عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وصاحبه، فلا تعجبوا أنْ خرج من بين هؤلاء الشُّبَّان العشرة كما قال أهل التاريخ وجعل يذرُّ الترابَ على رؤوسهم ويقول: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ﴾ [يس ٩]. هنا يقول عز وجل في سورة الطارق: ﴿إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا﴾، واتلُ قولَ الله تعالى في سورة الأنفال: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ﴾ يعني: يحبسوك ﴿أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ [الأنفال ٣٠].
(١) هذان حديثان في حديث: الأول أخرجه البخاري (٣٦١٥)، ومسلم (٢٠٠٩ / ٧٥)، من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه؛ قول أبي بكر رضي الله عنه: فارتحلنا بعدما مالت الشمس، واتَّبعنا سراقة بن مالك، فقلت: أُتينا يا رسول الله. فقال: «لا تحزن إنَّ الله معنا». والثاني أخرجه البخاري (٤٦٦٣) ومسلم (٢٣٨١ / ١) عن أنسٍ قال: حدثني أبو بكر رضي الله عنه قال: كنتُ مع النبي ﷺ في الغار فرأيتُ آثار المشركين، قلتُ: يا رسول الله، لو أنَّ أحدهم رفع قدمه رآنا. قال: «ما ظنُّك باثنين الله ثالثهما؟!».
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
Photo
( الدرس ٧٠ )
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_الطارق ❤️✨
◀️ ﷽
﴿فَمَهِّلِ ٱلۡكَـٰفِرِینَ أَمۡهِلۡهُمۡ رُوَیۡدَۢا﴾ [الطارق ١٧]
🔲 نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير من سورة (الطارق) قال عز وجل: ﴿فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا﴾ [الطارق ١٧] (مَهِّلْ) و(أَمْهِلْ) معناهما واحدٌ؛ يعني: انتظِرْ بِمُهلة، ولا تنتظرْ بِمُهلةٍ طويلة، ﴿أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا﴾ أي: قليلًا. و﴿رُوَيْدًا﴾ تصغير (رَوْد) أو (إرواد)، والمراد به الشيء القليل.
✴️ وفي هذه الآية تهديدٌ لقريش، وتسليةٌ للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ووعدٌ له بالنصر، وحصل الأمر كما أخبر الله عز وجل؛ خرج النبيُّ عليه الصلاة والسلام مهاجرًا منهم وحصل بينه وبينهم حروب، وفي السنة الثانية من الهجرة قُتِل من صناديد قريش وكُبَرائهم وزعمائهم نحو أربعةٍ وعشرين رجلًا منهم قائدهم أبو جهل، وبعد ثماني سنوات، بل أقل من ثماني سنوات، دخل النبيُّ ﷺ مكة فاتحًا منصورًا ظافرًا، حتى إنَّه قال -كما جاء في التاريخ- قال وهو ممسِكٌ بعِضَادتَيْ(١) باب الكعبة وقريش تحته، قال لهم: «مَا تُرَوْنَ أَنِّي فَاعِلٌ بِكُمْ؟»؛
🔹 لأنَّ الأمر أصبح أمرُهم بيده عليه الصلاة والسلام، «مَا تُرَوْنَ أَنِّي فَاعِلٌ بِكُمْ؟» قالوا: أخٌ كريم، وابنُ أخٍ كريم. فقال: «إِنِّي أَقُولُ لَكُمْ كَمَا قَالَ يُوسُفُ لِإِخْوَتِهِ:» ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ «[يوسف: ٩٢]، اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ»(٢).
🔸 وإنما مَنَّ عليهم هذه المنَّة عليه الصلاة والسلام لأنهم أسلموا، وقد قال الله تعالى: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ﴾ [الأنفال ٣٨]. هذا هو آخر هذه السورة من كتاب الله عز وجل، وإنِّي في نهايتها أحثُّكم على تدبُّر القرآن وتفهُّم معناه، خذوا معناه من أفواه العلماء الموثوقين أو مِن كُتُب التفسير الموثوقة؛ مثل: تفسير ابن كثير، تفسير الشيخ عبد الرحمن بن سعدي، وما أشبههما من التفاسير التي تعرفون أصحابها أنهم موثوقون في عقيدتهم وفي آرائهم. نسأل الله أن يجعلنا جميعًا ممن يتلون كتابَ الله حقَّ تلاوته، وأن ينفعنا به، وأن يجعله شفيعًا لنا يوم القيامة، إنه على كل شيء قدير، وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
(١) عِضادتَا الباب هما خشبتاه من جانبيه.
(٢) أخرجه النسائي في السنن الكبرى (١١٢٣٤)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (٥٣٣١) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. إلا قوله: «اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ» فأخرجه الطبري في التاريخ (٣ / ٦١) من حديث قتادة بن دعامة مرسلًا.
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي_سورة_الأعلي ❤️
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_الطارق ❤️✨
◀️ ﷽
﴿فَمَهِّلِ ٱلۡكَـٰفِرِینَ أَمۡهِلۡهُمۡ رُوَیۡدَۢا﴾ [الطارق ١٧]
🔲 نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير من سورة (الطارق) قال عز وجل: ﴿فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا﴾ [الطارق ١٧] (مَهِّلْ) و(أَمْهِلْ) معناهما واحدٌ؛ يعني: انتظِرْ بِمُهلة، ولا تنتظرْ بِمُهلةٍ طويلة، ﴿أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا﴾ أي: قليلًا. و﴿رُوَيْدًا﴾ تصغير (رَوْد) أو (إرواد)، والمراد به الشيء القليل.
✴️ وفي هذه الآية تهديدٌ لقريش، وتسليةٌ للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ووعدٌ له بالنصر، وحصل الأمر كما أخبر الله عز وجل؛ خرج النبيُّ عليه الصلاة والسلام مهاجرًا منهم وحصل بينه وبينهم حروب، وفي السنة الثانية من الهجرة قُتِل من صناديد قريش وكُبَرائهم وزعمائهم نحو أربعةٍ وعشرين رجلًا منهم قائدهم أبو جهل، وبعد ثماني سنوات، بل أقل من ثماني سنوات، دخل النبيُّ ﷺ مكة فاتحًا منصورًا ظافرًا، حتى إنَّه قال -كما جاء في التاريخ- قال وهو ممسِكٌ بعِضَادتَيْ(١) باب الكعبة وقريش تحته، قال لهم: «مَا تُرَوْنَ أَنِّي فَاعِلٌ بِكُمْ؟»؛
🔹 لأنَّ الأمر أصبح أمرُهم بيده عليه الصلاة والسلام، «مَا تُرَوْنَ أَنِّي فَاعِلٌ بِكُمْ؟» قالوا: أخٌ كريم، وابنُ أخٍ كريم. فقال: «إِنِّي أَقُولُ لَكُمْ كَمَا قَالَ يُوسُفُ لِإِخْوَتِهِ:» ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ «[يوسف: ٩٢]، اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ»(٢).
🔸 وإنما مَنَّ عليهم هذه المنَّة عليه الصلاة والسلام لأنهم أسلموا، وقد قال الله تعالى: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ﴾ [الأنفال ٣٨]. هذا هو آخر هذه السورة من كتاب الله عز وجل، وإنِّي في نهايتها أحثُّكم على تدبُّر القرآن وتفهُّم معناه، خذوا معناه من أفواه العلماء الموثوقين أو مِن كُتُب التفسير الموثوقة؛ مثل: تفسير ابن كثير، تفسير الشيخ عبد الرحمن بن سعدي، وما أشبههما من التفاسير التي تعرفون أصحابها أنهم موثوقون في عقيدتهم وفي آرائهم. نسأل الله أن يجعلنا جميعًا ممن يتلون كتابَ الله حقَّ تلاوته، وأن ينفعنا به، وأن يجعله شفيعًا لنا يوم القيامة، إنه على كل شيء قدير، وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
(١) عِضادتَا الباب هما خشبتاه من جانبيه.
(٢) أخرجه النسائي في السنن الكبرى (١١٢٣٤)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (٥٣٣١) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. إلا قوله: «اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ» فأخرجه الطبري في التاريخ (٣ / ٦١) من حديث قتادة بن دعامة مرسلًا.
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي_سورة_الأعلي ❤️
«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
Photo
( الدرس ٧١ )
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_الأعلي ❤️✨
◀️ ﷽
﴿سَبِّحِ ٱسۡمَ رَبِّكَ ٱلۡأَعۡلَى﴾ [الأعلى ١]
🔲 سُورَةُ سَبِّحْ وتُسَمّى الأعْلىقالَ المَلْوِيُّ: وكانَ النَّبِيُّ ﷺ [يُحِبُّها - ] لِكَثْرَةِ ما اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنَ العُلُومِ والخَيْراتِ – مَقْصُودُها إيجابُ التَّنْزِيهِ لِلْأعْلى سُبْحانَهُ وتَعالى عَنْ أنْ يَلْحَقَ ساحَةَ عَظَمَتِهِ شَيْءٌ مِن شَوائِبِ النَّقْصِ كاسْتِعْجالٍ في أمْرٍ مِن إهْلاكٍ لِلْكافِرِينَ أوْ غَيْرِهِ أوِ العَجْزِ عَنِ البَعْثِ أوْ إهْمالِ الخَلْقِ سُدًى يَبْغِي بَعْضُهم عَلى بَعْضٍ بِغَيْرِ حِسابٍ، أوْ أنْ يَتَكَلَّمَ بِما [لا - ] يُطابِقُ الواقِعَ أوْ بِما يَقْدِرُ أحَدٌ أنْ يَتَكَلَّمَ بِمِثْلِهِ كَما أذِنَتْ بِذَلِكَ الطّارِقُ مُجْمَلًا وشَرَحَتْهُ هَذِهِ مُفَصَّلًا، وعَلى ذَلِكَ دَلَّ كُلٌّ مِنِ اسْمِها سَبِّحْ والأعْلى ( بِسْمِ اللَّهِ ) الَّذِي لَهُ العُلى كُلُّهُ فَلا نَقْصَ يَلْحَقُهُ ( الرَّحْمَنِ ) الَّذِي عَمَّ جُودُهُ، فَكُلُّ مَوْجُودٍ هو الَّذِي أوْجَدَهُ وكُلُّ حَيَوانٍ هو الَّذِي يُرَبِّيهِ ويَرْزُقُهُ ( الرَّحِيمِ ) الَّذِي [مَن - ] كانَ مِن حِزْبِهِ فَإنَّهُ يَلْزَمُهُ الطّاعَةَ ويُيَسِّرُها لَهُ ويُوَفِّقُهُ.
✴️ لِما تَضَمَّنَ أمْرُهُ سُبْحانَهُ في آخِرِ الطّارِقِ بِالإمْهالِ النَّهْيَ عَنِ الِاسْتِعْجالِ الَّذِي هو مُنَزَّهٌ عَنْهُ لِكَوْنِهِ [نَقْصًا- ]، وأشارَ نَفْيُ الهَزْلِ [عَنِ القُرْآنِ -] - إلى أنَّهم وصَمُوهُ بِذَلِكَ وهو في غايَةِ البُعْدِ [عَنْهُ - ] إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِمّا أُشِيرَ إلَيْهِ فِيها ونَزَّهَ نَفْسَهُ الأقْدَسَ سُبْحانَهُ عَنْهُ، أمَرَ أكْمَلَ خَلْقِهِ رَسُولَهُ المُنَزَّلُ عَلَيْهِ هَذا القُرْآنُ ﷺ بِتَنْزِيهِ اسْمِهِ لِأنَّهُ وحْدَهُ العالِمُ بِذَلِكَ حَقَّ عِلْمِهِ، وإذا نُزِّهَ اسْمُهُ عَنْ أنْ يَدْعُوَ بِهِ وثَنًا أوْ غَيْرَهُ أوْ يَضَعُهُ في غَيْرِ ما يَلِيقُ بِهِ، كانَ لِذاتِهِ سُبْحانَهُ أشَدَّ تَنْزِيهًا، فَقالَ مُرَغِّبًا في الذِّكْرِ لا سِيَّما بِالتَّنْزِيهِ الَّذِي هو نَفْيُ المُسْتَحِيلاتِ لِأنَّ التَّخَلِّي قَبْلَ التَّحَلِّي، شارِحًا لِأُصُولِ الدِّينِ مُقَدِّمًا لِلْإلَهِيّاتِ الَّتِي هي النِّهاياتُ مِنَ الذّاتِ ثُمَّ الصِّفاتُ لا سِيَّما القَيُّومِيَّةُ ثُمَّ الأفْعالُ عَلى النُّبُوّاتِ، ثُمَّ أتْبَعَ ذَلِكَ النُّبُوَّةَ لِيَعْرِفَ العَبْدُ رَبَّهُ عَلى ما هو عَلَيْهِ مِنَ الجَلالِ والجَمالِ، فَيَزُولُ عَنْهُ داءُ الجَهْلِ المُوقِعُ في التَّقْلِيدِ، وداءُ الكِبْرِ المُوقِعُ في إنْكارِ الحُقُوقِ، فَيَعْتَرِفُ بِالعُبُودِيَّةِ والرُّبُوبِيَّةِ، لا مُثْنِيًا عَلَيْهِ سُبْحانَهُ بِالجَلالِ ثُمَّ الجَمالِ فَيَعْبُدُهُ عَلى ما يَلِيقُ بِهِ مِنَ امْتِثالِ أمْرِهِ واجْتِنابِ نَهْيِهِ تَعْظِيمًا لِقَدْرِهِ: ﴿سَبِّحِ﴾ أيْ نَزَّهَ وبَرِئَ تَنْزِيهًا وتَبْرِئَةً عَظِيمَتَيْنِ جَدًّا قَوِيَّتَيْنِ شَدِيدَتَيْنِ ﴿اسْمَ رَبِّكَ﴾ أيِ المُحْسِنُ إلَيْكَ بَعْدَ إيجادِكَ عَلى صِفَةِ الكَمالِ بِتَرْبِيَتِكَ عَلى أحْسَنِ الخِلالِ حَتّى كُنْتَ في غايَةِ الجَلالِ والجَمالِ.
🔀 ولَمّا كانَ الإنْسانُ مُحْتاجًا في أنْ تَكُونَ حَياتُهُ طَيِّبَةً لِيَتَمَكَّنَ مِمّا يُرِيدُ إلى ثَلاثَةِ أشْياءَ: كَبِيرٌ يَنْتَمِي إلَيْهِ لِيَكُونَ لَهُ بِهِ رِفْعَةٌ يَنْفَعُهُ بِها عِنْدَ مُهِمّاتِهِ، ويَدْفَعُ عَنْهُ عِنْدَ ضَرُوراتِهِ، ومُقْتَدى يَرْبُطُ بِهِ نَفْسَهُ عِنْدَ مُلِمّاتِهِ، وطَرِيقَةٌ مُثْلى تَرْتَكِبُها كَما أشارَ إلَيْهِ قَوْلُهُ ﷺ «رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا وبِمُحَمَّدٍ ﷺ نَبِيًّا ورَسُولًا وبِالإسْلامِ دِينًا» أرْشَدَهُ ﷺ إلى أنَّ الِانْقِطاعَ إلَيْهِ أعْلى الجاهِ، فَقالَ واصِفًا لِمَن أمَرَهُ بِتَسْبِيحِهِ بِإثْباتِ ما لَهُ مِنَ الواجِباتِ بَعْدَ نَفْيِ المُسْتَحِيلاتِ كَما أشارَ إلَيْهِ ”سُبْحانَكَ وبِحَمْدِكَ“: ﴿الأعْلى﴾ [أيِ - ] الَّذِي لَهُ وصْفُ الأعْلَوِيَّةِ في المَكانَةِ لا المَكانُ عَلى الإطْلاقِ عَنْ كُلِّ شائِبَةِ نَقْصٍ وكُلِّ سُوءٍ مِنَ الإلْحادِ في شَيْءٍ مِن أسْمائِهِ بِالتَّأْوِيلاتِ الزّائِغَةِ وإطْلاقِهِ إلى غَيْرِهِ مَعَ زَعْمٍ أنَّهُما فِيهِ سَواءٌ، وذَكَرَهُ خالِيًا عَنِ التَّعْظِيمِ وغَيْرِ ذَلِكَ لِيَكُونَ راسِخًا في التَّنْزِيهِ فَيَكُونُ مِن أهْلِ العِرْفانِ الَّذِينَ يُضِيئُونَ عَلى النّاسِ مَعَ كَوْنِهِمْ في الرُّسُوخِ كالأوْتادِ الشّامِخَةِ الَّتِي هي مَعَ عُلُوِّها لا تَتَزَحْزَحُ، وقَدْ ذَكَرَ سُبْحانَهُ هَذا المَعْنى مُعَبِّرًا عَنْهُ بِجَمِيعِ جِهاتِهِ [الأرْبَعِ - ] في ابْتِداءِ سُوَرِ أرْبَعٌ اسْتِيعابًا لِهَذِهِ الكَلِمَةِ الحُسْنى الشَّرِيفَةِ مِن جَمِيعِ جِهاتِها.
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_الأعلي ❤️✨
◀️ ﷽
﴿سَبِّحِ ٱسۡمَ رَبِّكَ ٱلۡأَعۡلَى﴾ [الأعلى ١]
🔲 سُورَةُ سَبِّحْ وتُسَمّى الأعْلىقالَ المَلْوِيُّ: وكانَ النَّبِيُّ ﷺ [يُحِبُّها - ] لِكَثْرَةِ ما اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنَ العُلُومِ والخَيْراتِ – مَقْصُودُها إيجابُ التَّنْزِيهِ لِلْأعْلى سُبْحانَهُ وتَعالى عَنْ أنْ يَلْحَقَ ساحَةَ عَظَمَتِهِ شَيْءٌ مِن شَوائِبِ النَّقْصِ كاسْتِعْجالٍ في أمْرٍ مِن إهْلاكٍ لِلْكافِرِينَ أوْ غَيْرِهِ أوِ العَجْزِ عَنِ البَعْثِ أوْ إهْمالِ الخَلْقِ سُدًى يَبْغِي بَعْضُهم عَلى بَعْضٍ بِغَيْرِ حِسابٍ، أوْ أنْ يَتَكَلَّمَ بِما [لا - ] يُطابِقُ الواقِعَ أوْ بِما يَقْدِرُ أحَدٌ أنْ يَتَكَلَّمَ بِمِثْلِهِ كَما أذِنَتْ بِذَلِكَ الطّارِقُ مُجْمَلًا وشَرَحَتْهُ هَذِهِ مُفَصَّلًا، وعَلى ذَلِكَ دَلَّ كُلٌّ مِنِ اسْمِها سَبِّحْ والأعْلى ( بِسْمِ اللَّهِ ) الَّذِي لَهُ العُلى كُلُّهُ فَلا نَقْصَ يَلْحَقُهُ ( الرَّحْمَنِ ) الَّذِي عَمَّ جُودُهُ، فَكُلُّ مَوْجُودٍ هو الَّذِي أوْجَدَهُ وكُلُّ حَيَوانٍ هو الَّذِي يُرَبِّيهِ ويَرْزُقُهُ ( الرَّحِيمِ ) الَّذِي [مَن - ] كانَ مِن حِزْبِهِ فَإنَّهُ يَلْزَمُهُ الطّاعَةَ ويُيَسِّرُها لَهُ ويُوَفِّقُهُ.
✴️ لِما تَضَمَّنَ أمْرُهُ سُبْحانَهُ في آخِرِ الطّارِقِ بِالإمْهالِ النَّهْيَ عَنِ الِاسْتِعْجالِ الَّذِي هو مُنَزَّهٌ عَنْهُ لِكَوْنِهِ [نَقْصًا- ]، وأشارَ نَفْيُ الهَزْلِ [عَنِ القُرْآنِ -] - إلى أنَّهم وصَمُوهُ بِذَلِكَ وهو في غايَةِ البُعْدِ [عَنْهُ - ] إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِمّا أُشِيرَ إلَيْهِ فِيها ونَزَّهَ نَفْسَهُ الأقْدَسَ سُبْحانَهُ عَنْهُ، أمَرَ أكْمَلَ خَلْقِهِ رَسُولَهُ المُنَزَّلُ عَلَيْهِ هَذا القُرْآنُ ﷺ بِتَنْزِيهِ اسْمِهِ لِأنَّهُ وحْدَهُ العالِمُ بِذَلِكَ حَقَّ عِلْمِهِ، وإذا نُزِّهَ اسْمُهُ عَنْ أنْ يَدْعُوَ بِهِ وثَنًا أوْ غَيْرَهُ أوْ يَضَعُهُ في غَيْرِ ما يَلِيقُ بِهِ، كانَ لِذاتِهِ سُبْحانَهُ أشَدَّ تَنْزِيهًا، فَقالَ مُرَغِّبًا في الذِّكْرِ لا سِيَّما بِالتَّنْزِيهِ الَّذِي هو نَفْيُ المُسْتَحِيلاتِ لِأنَّ التَّخَلِّي قَبْلَ التَّحَلِّي، شارِحًا لِأُصُولِ الدِّينِ مُقَدِّمًا لِلْإلَهِيّاتِ الَّتِي هي النِّهاياتُ مِنَ الذّاتِ ثُمَّ الصِّفاتُ لا سِيَّما القَيُّومِيَّةُ ثُمَّ الأفْعالُ عَلى النُّبُوّاتِ، ثُمَّ أتْبَعَ ذَلِكَ النُّبُوَّةَ لِيَعْرِفَ العَبْدُ رَبَّهُ عَلى ما هو عَلَيْهِ مِنَ الجَلالِ والجَمالِ، فَيَزُولُ عَنْهُ داءُ الجَهْلِ المُوقِعُ في التَّقْلِيدِ، وداءُ الكِبْرِ المُوقِعُ في إنْكارِ الحُقُوقِ، فَيَعْتَرِفُ بِالعُبُودِيَّةِ والرُّبُوبِيَّةِ، لا مُثْنِيًا عَلَيْهِ سُبْحانَهُ بِالجَلالِ ثُمَّ الجَمالِ فَيَعْبُدُهُ عَلى ما يَلِيقُ بِهِ مِنَ امْتِثالِ أمْرِهِ واجْتِنابِ نَهْيِهِ تَعْظِيمًا لِقَدْرِهِ: ﴿سَبِّحِ﴾ أيْ نَزَّهَ وبَرِئَ تَنْزِيهًا وتَبْرِئَةً عَظِيمَتَيْنِ جَدًّا قَوِيَّتَيْنِ شَدِيدَتَيْنِ ﴿اسْمَ رَبِّكَ﴾ أيِ المُحْسِنُ إلَيْكَ بَعْدَ إيجادِكَ عَلى صِفَةِ الكَمالِ بِتَرْبِيَتِكَ عَلى أحْسَنِ الخِلالِ حَتّى كُنْتَ في غايَةِ الجَلالِ والجَمالِ.
🔀 ولَمّا كانَ الإنْسانُ مُحْتاجًا في أنْ تَكُونَ حَياتُهُ طَيِّبَةً لِيَتَمَكَّنَ مِمّا يُرِيدُ إلى ثَلاثَةِ أشْياءَ: كَبِيرٌ يَنْتَمِي إلَيْهِ لِيَكُونَ لَهُ بِهِ رِفْعَةٌ يَنْفَعُهُ بِها عِنْدَ مُهِمّاتِهِ، ويَدْفَعُ عَنْهُ عِنْدَ ضَرُوراتِهِ، ومُقْتَدى يَرْبُطُ بِهِ نَفْسَهُ عِنْدَ مُلِمّاتِهِ، وطَرِيقَةٌ مُثْلى تَرْتَكِبُها كَما أشارَ إلَيْهِ قَوْلُهُ ﷺ «رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا وبِمُحَمَّدٍ ﷺ نَبِيًّا ورَسُولًا وبِالإسْلامِ دِينًا» أرْشَدَهُ ﷺ إلى أنَّ الِانْقِطاعَ إلَيْهِ أعْلى الجاهِ، فَقالَ واصِفًا لِمَن أمَرَهُ بِتَسْبِيحِهِ بِإثْباتِ ما لَهُ مِنَ الواجِباتِ بَعْدَ نَفْيِ المُسْتَحِيلاتِ كَما أشارَ إلَيْهِ ”سُبْحانَكَ وبِحَمْدِكَ“: ﴿الأعْلى﴾ [أيِ - ] الَّذِي لَهُ وصْفُ الأعْلَوِيَّةِ في المَكانَةِ لا المَكانُ عَلى الإطْلاقِ عَنْ كُلِّ شائِبَةِ نَقْصٍ وكُلِّ سُوءٍ مِنَ الإلْحادِ في شَيْءٍ مِن أسْمائِهِ بِالتَّأْوِيلاتِ الزّائِغَةِ وإطْلاقِهِ إلى غَيْرِهِ مَعَ زَعْمٍ أنَّهُما فِيهِ سَواءٌ، وذَكَرَهُ خالِيًا عَنِ التَّعْظِيمِ وغَيْرِ ذَلِكَ لِيَكُونَ راسِخًا في التَّنْزِيهِ فَيَكُونُ مِن أهْلِ العِرْفانِ الَّذِينَ يُضِيئُونَ عَلى النّاسِ مَعَ كَوْنِهِمْ في الرُّسُوخِ كالأوْتادِ الشّامِخَةِ الَّتِي هي مَعَ عُلُوِّها لا تَتَزَحْزَحُ، وقَدْ ذَكَرَ سُبْحانَهُ هَذا المَعْنى مُعَبِّرًا عَنْهُ بِجَمِيعِ جِهاتِهِ [الأرْبَعِ - ] في ابْتِداءِ سُوَرِ أرْبَعٌ اسْتِيعابًا لِهَذِهِ الكَلِمَةِ الحُسْنى الشَّرِيفَةِ مِن جَمِيعِ جِهاتِها.
«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
Photo
( الدرس ٧٢ )
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_الأعلي ❤️✨
◀️ ﷽
﴿ٱلَّذِی خَلَقَ فَسَوَّىٰ﴾ [الأعلى ٢]
🔲 نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير من سورة (الاعلي) عند قوله: ﴿الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى﴾ [الأعلى ٢]، ﴿خَلَقَ﴾ يعني: أوجَدَ من العدم، كلُّ المخلوقات أوجدها الله عز وجل؛ قال الله تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ﴾ [الحج ٧٣] سبحان الله! الله يقول: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا﴾ استمع، ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ﴾ [الحج ٧٣]، واللَّهِ مثلٌ عظيم، كلُّ الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابًا ولو اجتمعوا له.
🔹 لو يجتمع جميع الآلهة التي تُعبَد من دون الله وجميع السلاطين وجميع الرؤساء وجميع المهندسين على أن يخلقوا ذبابًا واحدًا ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا، الآن ونحن في هذا العصر وقد تقدَّمت الصناعة هذا التقدم الهائل، لو اجتمع كلُّ هؤلاء الخلق أن يخلقوا ذبابًا ما استطاعوا، حتى لو أنهم كما يقولون: إنهم صنعوا آدميًّا آليًّا، ما يستطيعون أن يخلقوا ذبابًا، هذا الآدمِيُّ الآلِيُّ ما هو إلا آلات تتحرَّك فقط، لكنْ لا تجوع، ولا تعطش، ولا تحترُّ، ولا تَبرد، ولا تتحرَّك إلا بتحريك. الذبابُ لا يمكن أن يخلقه كلُّ مَن سِوى الله، فالله سبحانه وتعالى وحده هو الخالق، وبماذا يَخلق؟ بكلمةٍ واحدةٍ؛ ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [آل عمران ٥٩]، ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يس ٨٢]، كلمة واحدة، الخلائق كلُّها تموت وتفنى وتأكلها الأرض، وتأكلها السباع، وتحرقها النيران، وإذا كان يوم القيامة زَجَرها الله زجرةً واحدةً: اخرجي.
🔸فتخرج؛ ﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (١٣) فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ﴾ [النازعات ١٣، ١٤]، ﴿إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ﴾ [يس ٥٣]، كلُّ العالَم من إنسٍ وجنٍّ ووحوشٍ وحشراتٍ وغيرها، كلُّها يوم القيامة تُحشَر بكلمةٍ واحدة.إذَن فالله عز وجل وحده هو الخالق ولا أحد يَخلق معه، والخلْق لا يُعسره ولا يُعجزه، وهو سهلٌ عليه، ويكون بكلمةٍ واحدة.
◾وقوله: ﴿فَسَوَّى﴾، ﴿خَلَقَ فَسَوَّى﴾ يعني: سَوَّى ما خَلَق على أحسن صورة، وعلى الصورة المناسِبة؛ الإنسان مثلًا قال الله تعالى في سورة الانفطار: ﴿الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (٧) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ﴾ [الانفطار ٧، ٨]، ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ [التين ٤]، لا يوجد في الخلائق شيءٌ أحسنُ من خِلقة الإنسان؛ رأسُه فوق، وقلبُه في الصدر، وعلى هيئةٍ تامَّة، ولهذا أول مَن يدخل في قوله: ﴿فَسَوَّى﴾ هو تسوية الإنسان، ﴿الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى﴾ كلُّ شيءٍ يُسَوَّى على الوجه الذي يكون لائقًا به.
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_الأعلي ❤️✨
◀️ ﷽
﴿ٱلَّذِی خَلَقَ فَسَوَّىٰ﴾ [الأعلى ٢]
🔲 نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير من سورة (الاعلي) عند قوله: ﴿الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى﴾ [الأعلى ٢]، ﴿خَلَقَ﴾ يعني: أوجَدَ من العدم، كلُّ المخلوقات أوجدها الله عز وجل؛ قال الله تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ﴾ [الحج ٧٣] سبحان الله! الله يقول: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا﴾ استمع، ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ﴾ [الحج ٧٣]، واللَّهِ مثلٌ عظيم، كلُّ الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابًا ولو اجتمعوا له.
🔹 لو يجتمع جميع الآلهة التي تُعبَد من دون الله وجميع السلاطين وجميع الرؤساء وجميع المهندسين على أن يخلقوا ذبابًا واحدًا ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا، الآن ونحن في هذا العصر وقد تقدَّمت الصناعة هذا التقدم الهائل، لو اجتمع كلُّ هؤلاء الخلق أن يخلقوا ذبابًا ما استطاعوا، حتى لو أنهم كما يقولون: إنهم صنعوا آدميًّا آليًّا، ما يستطيعون أن يخلقوا ذبابًا، هذا الآدمِيُّ الآلِيُّ ما هو إلا آلات تتحرَّك فقط، لكنْ لا تجوع، ولا تعطش، ولا تحترُّ، ولا تَبرد، ولا تتحرَّك إلا بتحريك. الذبابُ لا يمكن أن يخلقه كلُّ مَن سِوى الله، فالله سبحانه وتعالى وحده هو الخالق، وبماذا يَخلق؟ بكلمةٍ واحدةٍ؛ ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [آل عمران ٥٩]، ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يس ٨٢]، كلمة واحدة، الخلائق كلُّها تموت وتفنى وتأكلها الأرض، وتأكلها السباع، وتحرقها النيران، وإذا كان يوم القيامة زَجَرها الله زجرةً واحدةً: اخرجي.
🔸فتخرج؛ ﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (١٣) فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ﴾ [النازعات ١٣، ١٤]، ﴿إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ﴾ [يس ٥٣]، كلُّ العالَم من إنسٍ وجنٍّ ووحوشٍ وحشراتٍ وغيرها، كلُّها يوم القيامة تُحشَر بكلمةٍ واحدة.إذَن فالله عز وجل وحده هو الخالق ولا أحد يَخلق معه، والخلْق لا يُعسره ولا يُعجزه، وهو سهلٌ عليه، ويكون بكلمةٍ واحدة.
◾وقوله: ﴿فَسَوَّى﴾، ﴿خَلَقَ فَسَوَّى﴾ يعني: سَوَّى ما خَلَق على أحسن صورة، وعلى الصورة المناسِبة؛ الإنسان مثلًا قال الله تعالى في سورة الانفطار: ﴿الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (٧) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ﴾ [الانفطار ٧، ٨]، ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ [التين ٤]، لا يوجد في الخلائق شيءٌ أحسنُ من خِلقة الإنسان؛ رأسُه فوق، وقلبُه في الصدر، وعلى هيئةٍ تامَّة، ولهذا أول مَن يدخل في قوله: ﴿فَسَوَّى﴾ هو تسوية الإنسان، ﴿الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى﴾ كلُّ شيءٍ يُسَوَّى على الوجه الذي يكون لائقًا به.
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
Photo
( الدرس ٧٣ )
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_الأعلي ❤️✨
◀️ ﷽
﴿وَٱلَّذِی قَدَّرَ فَهَدَىٰ﴾ [الأعلى ٣]
🔲 نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير من سورة (الأعلي) عند قوله﴿وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى﴾ [الأعلى: ٣] قدَّرَ كلَّ شيءٍ عز وجل؛ كما قال تعالى: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾ [الفرقان ٢]، قدَّره في حاله وفي مآله، في ذاته وفي صفاته، كلُّ شيءٍ له قَدْرٌ محدودٌ، الآجال محدودة، الأحوال محدودة، الأجسام محدودة، كلُّ شيءٍ مقدَّر تقديرًا كما قال تعالى: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾.
🔹 وقوله: ﴿فَهَدَى﴾ يشمل الهداية الشرعية والهداية الكونية: الهداية الكونية أنَّ الله هدى كلَّ شيءٍ لِمَا خُلِق له؛ قال فرعون لموسى: ﴿قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى (٤٩) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾ [طه ٤٩، ٥٠]، تجد كلَّ مخلوقٍ قد هداه الله تعالى لِمَا يحتاج إليه؛ الطفل الآن.. انظر إلى الطفل إذا خرج من بطن أمِّه وأراد أن يرضع، هل فيه أحد يقول: ارفعْ رأسَك، ارضعْ من الثدي؟ لا.
✴️ ولو كان فيه أحد ما فَقَه، لكن يهديه الله عز وجل إلى هذا الثدي يرتضع منه. وانظر إلى أدنى الحشرات؛ النمل مثلًا، أين تضع بيوتها؟ لا تضع بيوتها إلا في مكانٍ مرتفعٍ من الأرض، على ربوةٍ من الأرض، لماذا؟ تخشى من السيول تدخل بيوتها فتُفسدها، أيضًا إذا جاء المطر وكان في جحورها أو في بيوتها طعامٌ من الحبوب تخرج به إذا طلعت الشمس تنشره، لماذا؟ لئلَّا يعفن، وهي قبل أن تدَّخره تأكل أطرافها -أطرافَ الحبَّة- لئلَّا تنبت فتفسد عليهم، هذا الشيء مشاهَد مجرَّب، مَن الذي هداها لذلك؟ هداها الله عز وجل، هذه هداية كونية؛ أنَّه هَدَى كلَّ مخلوقٍ لِمَا يحتاج إليه.أمَّا الهداية الشرعية -وهي الأهمُّ بالنسبة لبني آدم- فهي أيضًا بيَّنها الله عز وجل، حتى الكفَّار قد هداهم الله؛ يعني بيَّن لهم؛ قال الله تعالى: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾ [فصلت ١٧]، والعياذ بالله، استحبُّوا الكفرَ على الإيمان.
🔁 الهداية الشرعية هي المقصودة من حياة بني آدم؛ ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات ٥٦]، وإنما أخبرنا الله بذلك لأجْل أن نلجأ إليه في جميع أُمورنا؛ إذا عَلِمنا أنَّه هو الخالق بعد العَدَم وأصابنا المرض إلى مَن نلجأ؟ نعم، إلى الله، الجأْ إلى الله؛ لأنَّ الذي خَلَقك وأَوْجدك من العدم قادرٌ على أن يصحِّح بَدَنك، إذَن الجأ إلى ربك، اعتمدْ عليه، ولا حرج أن تتناول ما أباح لك من الدواء لكنْ مع اعتقاد أنَّ هذا الدواء مثلًا سببٌ من الأسباب جَعَله الله عز وجل، وإذا شُفيتَ بهذا السبب فمَن الذي شفاك؟ الله عز وجل، هو الذي جعل هذا الدواءَ سببًا لشفائك، ولو شاء لَجعل هذا الدواء سببًا لهلاكك، فإذا عَلِمنا أنَّ الله هو الخالق فنحن نلجأ في أمورنا كلِّها إلى الله عز وجل، إذا عَلِمنا أنه هو الهادي فإننا نستهدي بهدايته، بشريعته؛ حتى نَصِل إلى ما أعدَّ لنا ربُّنا عز وجل من الكرامة. نسأل الله تعالى أن يهدينا وإيَّاكم الصراط المستقيم، وأن يُحِلَّنا وإيَّاكم دارَ كرامته مع الذين أنعم الله عليهم من النبيِّين والصِّدِّيقين والشهداء والصالحين.
🔴 وإلى هنا ينتهى درس النهاردة ، وأحثُّكم مرَّةً أخرى على تعلُّم معاني آيات القرآن، إذا شئتم أن تنتفعوا به حقيقةً فعليكم بمعرفة معناه، لكن مِن أين؟ من العلماء الموثوقين، أو من تفاسير العلماء الموثوقين؛ لأنَّ الناس تكلموا في كلام الله وبحثوا في معانيه، لكن منهم مَن هُدي إلى الصراط المستقيم، ومنهم مَن حصل له انحرافٌ لسببٍ من الأسباب؛ إمَّا لقُصور عِلْمه أو فَهْمه، أو سوء نيَّته؛ لأنَّ الإنسان قد يُحرَم الصوابَ بسبب سوء النيَّة والعياذ بالله.
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_الأعلي ❤️✨
◀️ ﷽
﴿وَٱلَّذِی قَدَّرَ فَهَدَىٰ﴾ [الأعلى ٣]
🔲 نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير من سورة (الأعلي) عند قوله﴿وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى﴾ [الأعلى: ٣] قدَّرَ كلَّ شيءٍ عز وجل؛ كما قال تعالى: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾ [الفرقان ٢]، قدَّره في حاله وفي مآله، في ذاته وفي صفاته، كلُّ شيءٍ له قَدْرٌ محدودٌ، الآجال محدودة، الأحوال محدودة، الأجسام محدودة، كلُّ شيءٍ مقدَّر تقديرًا كما قال تعالى: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾.
🔹 وقوله: ﴿فَهَدَى﴾ يشمل الهداية الشرعية والهداية الكونية: الهداية الكونية أنَّ الله هدى كلَّ شيءٍ لِمَا خُلِق له؛ قال فرعون لموسى: ﴿قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى (٤٩) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾ [طه ٤٩، ٥٠]، تجد كلَّ مخلوقٍ قد هداه الله تعالى لِمَا يحتاج إليه؛ الطفل الآن.. انظر إلى الطفل إذا خرج من بطن أمِّه وأراد أن يرضع، هل فيه أحد يقول: ارفعْ رأسَك، ارضعْ من الثدي؟ لا.
✴️ ولو كان فيه أحد ما فَقَه، لكن يهديه الله عز وجل إلى هذا الثدي يرتضع منه. وانظر إلى أدنى الحشرات؛ النمل مثلًا، أين تضع بيوتها؟ لا تضع بيوتها إلا في مكانٍ مرتفعٍ من الأرض، على ربوةٍ من الأرض، لماذا؟ تخشى من السيول تدخل بيوتها فتُفسدها، أيضًا إذا جاء المطر وكان في جحورها أو في بيوتها طعامٌ من الحبوب تخرج به إذا طلعت الشمس تنشره، لماذا؟ لئلَّا يعفن، وهي قبل أن تدَّخره تأكل أطرافها -أطرافَ الحبَّة- لئلَّا تنبت فتفسد عليهم، هذا الشيء مشاهَد مجرَّب، مَن الذي هداها لذلك؟ هداها الله عز وجل، هذه هداية كونية؛ أنَّه هَدَى كلَّ مخلوقٍ لِمَا يحتاج إليه.أمَّا الهداية الشرعية -وهي الأهمُّ بالنسبة لبني آدم- فهي أيضًا بيَّنها الله عز وجل، حتى الكفَّار قد هداهم الله؛ يعني بيَّن لهم؛ قال الله تعالى: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾ [فصلت ١٧]، والعياذ بالله، استحبُّوا الكفرَ على الإيمان.
🔁 الهداية الشرعية هي المقصودة من حياة بني آدم؛ ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات ٥٦]، وإنما أخبرنا الله بذلك لأجْل أن نلجأ إليه في جميع أُمورنا؛ إذا عَلِمنا أنَّه هو الخالق بعد العَدَم وأصابنا المرض إلى مَن نلجأ؟ نعم، إلى الله، الجأْ إلى الله؛ لأنَّ الذي خَلَقك وأَوْجدك من العدم قادرٌ على أن يصحِّح بَدَنك، إذَن الجأ إلى ربك، اعتمدْ عليه، ولا حرج أن تتناول ما أباح لك من الدواء لكنْ مع اعتقاد أنَّ هذا الدواء مثلًا سببٌ من الأسباب جَعَله الله عز وجل، وإذا شُفيتَ بهذا السبب فمَن الذي شفاك؟ الله عز وجل، هو الذي جعل هذا الدواءَ سببًا لشفائك، ولو شاء لَجعل هذا الدواء سببًا لهلاكك، فإذا عَلِمنا أنَّ الله هو الخالق فنحن نلجأ في أمورنا كلِّها إلى الله عز وجل، إذا عَلِمنا أنه هو الهادي فإننا نستهدي بهدايته، بشريعته؛ حتى نَصِل إلى ما أعدَّ لنا ربُّنا عز وجل من الكرامة. نسأل الله تعالى أن يهدينا وإيَّاكم الصراط المستقيم، وأن يُحِلَّنا وإيَّاكم دارَ كرامته مع الذين أنعم الله عليهم من النبيِّين والصِّدِّيقين والشهداء والصالحين.
🔴 وإلى هنا ينتهى درس النهاردة ، وأحثُّكم مرَّةً أخرى على تعلُّم معاني آيات القرآن، إذا شئتم أن تنتفعوا به حقيقةً فعليكم بمعرفة معناه، لكن مِن أين؟ من العلماء الموثوقين، أو من تفاسير العلماء الموثوقين؛ لأنَّ الناس تكلموا في كلام الله وبحثوا في معانيه، لكن منهم مَن هُدي إلى الصراط المستقيم، ومنهم مَن حصل له انحرافٌ لسببٍ من الأسباب؛ إمَّا لقُصور عِلْمه أو فَهْمه، أو سوء نيَّته؛ لأنَّ الإنسان قد يُحرَم الصوابَ بسبب سوء النيَّة والعياذ بالله.
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
Photo
( الدرس ٧٤ )
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_الأعلي ❤️✨
◀️ ﷽
﴿وَالَّذي أَخرَجَ المَرعىفَجَعَلَهُ غُثاءً أَحوى﴾ [الأعلى: ٤-٥]
🔲 نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير من سورة (الأعلي) عند قوله﴿وَٱلَّذِیۤ أَخۡرَجَ ٱلۡمَرۡعَىٰ﴾ [الأعلى ٤]
◾ولَمّا كانَتْ دَلائِلُ التَّوْحِيدِ تارَةً بِالنَّفْسِ وتارَةً بِالآفاقِ، ونَبَّهَ بِآياتِ النَّفْسِ، فَلَمْ يَبْقَ إلّا آياتُ الآفاقِ، وكانَ النَّباتُ مِن آياتِها أدَلَّ المَخْلُوقاتِ عَلى البَعْثِ قالَ: ﴿والَّذِي أخْرَجَ﴾ أيْ أوْقَعَ إخْراجَ ﴿المَرْعى﴾ بِما أنْزَلَ مِنَ المُعْصِراتِ فَأنْبَتَ ما تَرْعاهُ الدَّوابُّ مِنَ النَّجْمِ وغَيْرِهِ بَدْءًا وإعادَةً، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلى تَمامِ قُدْرَتِهِ لا سِيَّما عَلى البَعْثِ لِأنَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى أقْدَرُ عَلى جَمْعِ الأمْواتِ مِنَ الأرْضِ بِنَفْسِهِ بَعْدَ أنْ تَفَتَّتُوا مِنَ الماءِ عَلى جَمْعِهِ لِلنَّباتِ الَّذِي كانَ تُفَتَّتُ في الأرْضِ وصارَ [تُرابًا و-] إخْراجُهُ كَما كانَ في العامِ الماضِي بِإذْنِهِ سُبْحانَهُ وتَعالى وهو خَلْقٌ مِن مَخْلُوقاتِهِ.
🔸وقوله﴿فَجَعَلَهُۥ غُثَاۤءً أَحۡوَىٰ﴾ [الأعلى ٥]
ولَمّا كانَ إيباسُهُ وتَسْوِيدُهُ بَعْدَ اخْضِرارِهِ ونُمُوِّهِ في غايَةِ الدَّلالَةِ عَلى تَمامِ القُدْرَةِ وكَمالِ الِاخْتِيارِ بِمُعاقَبَةِ الأضْدادِ عَلى الذّاتِ الواحِدَةِ قالَ تَعالى: ﴿فَجَعَلَهُ﴾ أيْ بَعْدَ أطْوارٍ مِن زَمَنِ إخْراجِهِ ﴿غُثاءً﴾ أيْ كَثِيرًا، ثُمَّ أنْهاهُ فَأيْبَسَهُ وهَشَّمَهُ ومَزَّقَهُ فَجَمَعَ السَّيْلَ بَعْضُهُ إلى بَعْضٍ فَجَعَلَهُ زَبَدًا وهالِكًا وبالِيًا وفُتاتًا عَلى [وجْهِ - ] الأرْضِ ﴿أحْوى﴾ أيْ في غايَةِ الرَّيِّ حَتّى صارَ أسْوَدَ يَضْرِبُ إلى خُضْرَةٍ، أوْ أحْمَرَ يَضْرِبُ إلى سَوادٍ، أوِ اشْتَدَّتْ خُضْرَتُهُ فَصارَتْ تَضْرِبُ إلى سَوادٍ،
▫️وقالَ القَزّازُ رَحِمَهُ اللَّهُ في دِيوانِهِ: الحُوَّةُ شِيَةٌ مِن شِياتِ الخَيْلِ، وهى بَيْنَ الدُّهْمَةِ والكُمْتَةِ، وكَثُرَ هَذا حَتّى سَمَّوْا كُلَّ أسْوَدَ أحَوى - انْتَهى. فَيَجُوزُ أنْ يُرِيدَ حِينَئِذٍ أنَّهُ أسْوَدُ مِن شِدَّةِ يَبْسِهِ فَحَوَتْهُ الرِّياحُ وجَمَعَتْهُ مِن كُلِّ أوْبٍ حَيْثُ تُفَتَّتُ، فَكُلٌّ مِنَ الكَلِمَتَيْنِ فِيها حَياةٌ ومَوْتٌ، وأخَّرَ الثّانِيَةَ لِتَحَمُّلِهِما لِأنَّ دَلالَتَها عَلى الخُضْرَةِ أتَمُّ، فَلَوْ قُدِّمَتْ لَمْ تُصْرَفْ إلى غَيْرِها، فَدَلَّ جَمْعُهُ بَيْنَ الأضْدادِ عَلى الذّاتِ الواحِدَةِ عَلى كَمالِ الِاخْتِيارِ، وأمّا الطَّبائِعُ فَلَيْسَ لَها مِنَ التَّأْثِيرِ الَّذِي أقامَها سُبْحانَهُ فِيهِ إلّا الإيجابِيُّ كالنّارِ مَتى أصابَتْ شَيْئًا أحْرَقَتْهُ، ولا تَقْدِرُ بَعْدَ ذَلِكَ أنْ تَنْقُلَهُ إلى صِفَةٍ أُخْرى غَيْرِ الَّتِي أثَرْتَها فِيهِ، وأشارَ بِالبِدايَةِ والنِّهايَةِ إلى تَذَكُّرِ ذَلِكَ، وأنَّهُ عَلى سَبِيلِ التَّكْرارِ في كُلِّ عامٍ الدّالُّ عَلى بَعْثِ الخَلائِقِ، وخُصَّ المَرْعى لِأنَّهُ أدَلُّ عَلى البَعْثِ لِأنَّهُ مِمّا يُنْبِتُهُ النّاسُ، وإذا انْتَهى تَهَشَّمَ وتَفَتَّتَ وصارَ تُرابًا، ثُمَّ يُعِيدُهُ سُبْحانَهُ بِالماءِ عَلى ما كانَ عَلَيْهِ سَواءٌ [ كَما يَفْعَلُ بِالأمْواتِ سَواءٌ - ] مِن غَيْرِ فَرْقٍ أصْلًا.
(نظم الدرر للبقاعي — البقاعي (٨٨٥ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_الأعلي ❤️✨
◀️ ﷽
﴿وَالَّذي أَخرَجَ المَرعىفَجَعَلَهُ غُثاءً أَحوى﴾ [الأعلى: ٤-٥]
🔲 نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير من سورة (الأعلي) عند قوله﴿وَٱلَّذِیۤ أَخۡرَجَ ٱلۡمَرۡعَىٰ﴾ [الأعلى ٤]
◾ولَمّا كانَتْ دَلائِلُ التَّوْحِيدِ تارَةً بِالنَّفْسِ وتارَةً بِالآفاقِ، ونَبَّهَ بِآياتِ النَّفْسِ، فَلَمْ يَبْقَ إلّا آياتُ الآفاقِ، وكانَ النَّباتُ مِن آياتِها أدَلَّ المَخْلُوقاتِ عَلى البَعْثِ قالَ: ﴿والَّذِي أخْرَجَ﴾ أيْ أوْقَعَ إخْراجَ ﴿المَرْعى﴾ بِما أنْزَلَ مِنَ المُعْصِراتِ فَأنْبَتَ ما تَرْعاهُ الدَّوابُّ مِنَ النَّجْمِ وغَيْرِهِ بَدْءًا وإعادَةً، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلى تَمامِ قُدْرَتِهِ لا سِيَّما عَلى البَعْثِ لِأنَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى أقْدَرُ عَلى جَمْعِ الأمْواتِ مِنَ الأرْضِ بِنَفْسِهِ بَعْدَ أنْ تَفَتَّتُوا مِنَ الماءِ عَلى جَمْعِهِ لِلنَّباتِ الَّذِي كانَ تُفَتَّتُ في الأرْضِ وصارَ [تُرابًا و-] إخْراجُهُ كَما كانَ في العامِ الماضِي بِإذْنِهِ سُبْحانَهُ وتَعالى وهو خَلْقٌ مِن مَخْلُوقاتِهِ.
🔸وقوله﴿فَجَعَلَهُۥ غُثَاۤءً أَحۡوَىٰ﴾ [الأعلى ٥]
ولَمّا كانَ إيباسُهُ وتَسْوِيدُهُ بَعْدَ اخْضِرارِهِ ونُمُوِّهِ في غايَةِ الدَّلالَةِ عَلى تَمامِ القُدْرَةِ وكَمالِ الِاخْتِيارِ بِمُعاقَبَةِ الأضْدادِ عَلى الذّاتِ الواحِدَةِ قالَ تَعالى: ﴿فَجَعَلَهُ﴾ أيْ بَعْدَ أطْوارٍ مِن زَمَنِ إخْراجِهِ ﴿غُثاءً﴾ أيْ كَثِيرًا، ثُمَّ أنْهاهُ فَأيْبَسَهُ وهَشَّمَهُ ومَزَّقَهُ فَجَمَعَ السَّيْلَ بَعْضُهُ إلى بَعْضٍ فَجَعَلَهُ زَبَدًا وهالِكًا وبالِيًا وفُتاتًا عَلى [وجْهِ - ] الأرْضِ ﴿أحْوى﴾ أيْ في غايَةِ الرَّيِّ حَتّى صارَ أسْوَدَ يَضْرِبُ إلى خُضْرَةٍ، أوْ أحْمَرَ يَضْرِبُ إلى سَوادٍ، أوِ اشْتَدَّتْ خُضْرَتُهُ فَصارَتْ تَضْرِبُ إلى سَوادٍ،
▫️وقالَ القَزّازُ رَحِمَهُ اللَّهُ في دِيوانِهِ: الحُوَّةُ شِيَةٌ مِن شِياتِ الخَيْلِ، وهى بَيْنَ الدُّهْمَةِ والكُمْتَةِ، وكَثُرَ هَذا حَتّى سَمَّوْا كُلَّ أسْوَدَ أحَوى - انْتَهى. فَيَجُوزُ أنْ يُرِيدَ حِينَئِذٍ أنَّهُ أسْوَدُ مِن شِدَّةِ يَبْسِهِ فَحَوَتْهُ الرِّياحُ وجَمَعَتْهُ مِن كُلِّ أوْبٍ حَيْثُ تُفَتَّتُ، فَكُلٌّ مِنَ الكَلِمَتَيْنِ فِيها حَياةٌ ومَوْتٌ، وأخَّرَ الثّانِيَةَ لِتَحَمُّلِهِما لِأنَّ دَلالَتَها عَلى الخُضْرَةِ أتَمُّ، فَلَوْ قُدِّمَتْ لَمْ تُصْرَفْ إلى غَيْرِها، فَدَلَّ جَمْعُهُ بَيْنَ الأضْدادِ عَلى الذّاتِ الواحِدَةِ عَلى كَمالِ الِاخْتِيارِ، وأمّا الطَّبائِعُ فَلَيْسَ لَها مِنَ التَّأْثِيرِ الَّذِي أقامَها سُبْحانَهُ فِيهِ إلّا الإيجابِيُّ كالنّارِ مَتى أصابَتْ شَيْئًا أحْرَقَتْهُ، ولا تَقْدِرُ بَعْدَ ذَلِكَ أنْ تَنْقُلَهُ إلى صِفَةٍ أُخْرى غَيْرِ الَّتِي أثَرْتَها فِيهِ، وأشارَ بِالبِدايَةِ والنِّهايَةِ إلى تَذَكُّرِ ذَلِكَ، وأنَّهُ عَلى سَبِيلِ التَّكْرارِ في كُلِّ عامٍ الدّالُّ عَلى بَعْثِ الخَلائِقِ، وخُصَّ المَرْعى لِأنَّهُ أدَلُّ عَلى البَعْثِ لِأنَّهُ مِمّا يُنْبِتُهُ النّاسُ، وإذا انْتَهى تَهَشَّمَ وتَفَتَّتَ وصارَ تُرابًا، ثُمَّ يُعِيدُهُ سُبْحانَهُ بِالماءِ عَلى ما كانَ عَلَيْهِ سَواءٌ [ كَما يَفْعَلُ بِالأمْواتِ سَواءٌ - ] مِن غَيْرِ فَرْقٍ أصْلًا.
(نظم الدرر للبقاعي — البقاعي (٨٨٥ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
Photo
( الدرس ٧٥ )
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_الأعلي ❤️✨
◀️ ﷽
﴿سَنُقۡرِئُكَ فَلَا تَنسَىٰۤ (٦) إِلَّا مَا شَاۤءَ ٱللَّهُۚ إِنَّهُۥ یَعۡلَمُ ٱلۡجَهۡرَ وَمَا یَخۡفَىٰ (٧)﴾ [الأعلى ٦-٧]
🔲 الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمد وعلى آله وأصحابه ومَن تَبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. نتكلَّم على ما بَقِي من سورة (سبح اسم ربك الأعلى)
◾ من قوله تعالى: ﴿سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (٦) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى (٧) وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى﴾ [الأعلى ٦ - ٨]، فهذا وعدٌ من الله سبحانه وتعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنَّه يُقرئه القرآنَ ولا ينساه الرسول، يُقرئه إيَّاه ولا ينساه، وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يتعجَّل إذا جاء جبريل يُلقِي عليه الوحي، فقال الله له: ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾ [القيامة ١٦ - ١٩]، فصار النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم يُنصت حتى ينتهي جبريل من قراءة الوحي ثم يقرؤه👌
🔹 وهنا يقول: ﴿سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (٦) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ﴾ يعني: إلا ما شاء الله أن تنساه، فإنَّ الأمر بيده عز وجل؛ ﴿يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ﴾ [الرعد ٣٩]، ﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٠٦) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾ [البقرة ١٠٦، ١٠٧]، وربما نُسِّيَ النبيُّ ﷺ آيةً من كتاب الله ولكنَّه سرعان ما يذكرها عليه الصلاة والسلام. وقوله تعالى: ﴿إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ﴾ أي إنَّ الله تعالى يعلم الجهر؛ ما يجهر به الإنسان ويتكلَّم به مسموعًا. ﴿وَمَا يَخْفَى﴾ أي: ما يكون خفيًّا لا يُظهَر فإنَّ الله يعلمه؛ كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ﴾ [الفاتحة ١٦]، فهو يعلم -عز وجل- الجهرَ ويعلم أيضًا ما يخفى.
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_الأعلي ❤️✨
◀️ ﷽
﴿سَنُقۡرِئُكَ فَلَا تَنسَىٰۤ (٦) إِلَّا مَا شَاۤءَ ٱللَّهُۚ إِنَّهُۥ یَعۡلَمُ ٱلۡجَهۡرَ وَمَا یَخۡفَىٰ (٧)﴾ [الأعلى ٦-٧]
🔲 الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمد وعلى آله وأصحابه ومَن تَبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. نتكلَّم على ما بَقِي من سورة (سبح اسم ربك الأعلى)
◾ من قوله تعالى: ﴿سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (٦) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى (٧) وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى﴾ [الأعلى ٦ - ٨]، فهذا وعدٌ من الله سبحانه وتعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنَّه يُقرئه القرآنَ ولا ينساه الرسول، يُقرئه إيَّاه ولا ينساه، وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يتعجَّل إذا جاء جبريل يُلقِي عليه الوحي، فقال الله له: ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾ [القيامة ١٦ - ١٩]، فصار النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم يُنصت حتى ينتهي جبريل من قراءة الوحي ثم يقرؤه👌
🔹 وهنا يقول: ﴿سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (٦) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ﴾ يعني: إلا ما شاء الله أن تنساه، فإنَّ الأمر بيده عز وجل؛ ﴿يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ﴾ [الرعد ٣٩]، ﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٠٦) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾ [البقرة ١٠٦، ١٠٧]، وربما نُسِّيَ النبيُّ ﷺ آيةً من كتاب الله ولكنَّه سرعان ما يذكرها عليه الصلاة والسلام. وقوله تعالى: ﴿إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ﴾ أي إنَّ الله تعالى يعلم الجهر؛ ما يجهر به الإنسان ويتكلَّم به مسموعًا. ﴿وَمَا يَخْفَى﴾ أي: ما يكون خفيًّا لا يُظهَر فإنَّ الله يعلمه؛ كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ﴾ [الفاتحة ١٦]، فهو يعلم -عز وجل- الجهرَ ويعلم أيضًا ما يخفى.
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
Photo
( الدرس ٧٦ )
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_الأعلي ❤️✨
◀️ ﷽
﴿وَنُيَسِّرُكَ لِليُسرىفَذَكِّر إِن نَفَعَتِ الذِّكرى﴾ [الأعلى: ٨-٩]
🔲 نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير من سورة (الأعلي) عند قوله﴿وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى﴾ وهذا أيضًا وعدٌ من الله عز وجل لرسوله عليه الصلاة والسلام أن يُيَسِّره لليُسرى، فما هي اليُسرى؟اليُسرى أن تكون أموره مُيَسَّرة، ولا سيَّما في طاعة الله عز وجل، ولَمَّا أخبر النبيُّ عليه الصلاة والسلام أنَّه ما من أحدٍ من الناس إلا وقد كُتِب مقعده من الجنَّة ومقعدُه من النار، كلُّ بني آدم مكتوبٌ مقعده من الجنَّة إن كان من أهل الجنة، ومقعده من النار إن كان من أهل النار، قالوا: يا رسول الله، أفلا نَدَعُ العملَ ونتَّكل -يعني على ما كُتِب- قال: «لَا، اعْمَلُوا، فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ»، فأهل السعادة يُيَسَّرون لعمل أهل السعادة، وأهل الشقاوة يُيَسَّرون لعمل أهل الشقاوة، ثم قرأ قوله تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾ [الليل ٥ - ٧](١).
✴️ وهذا الحديث يقطع حُجَّة مَن يحتجُّ بالقَدَر على معاصي الله فيعصي اللَّهَ ويقول: هذا مكتوبٌ عليَّ. نقول: هذا غلط؛ لأنَّ الرسول عليه الصلاة والسلام قال: «اعْمَلُوا، فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ»، هل أحدٌ يحجزك عن العمل الصالح لو أردتَه؟ أبدًا. هل أحدٌ يجبرك على المعصية لو لم تُرِدها؟ أبدًا، لا أحد. ولهذا لو أنَّ أحدًا أجبرك على المعصية وأكرهك عليها لم يكن عليك إثمٌ، ولا يترتَّب على فِعْلك لها ما يترتَّب على فعل المختار لها، حتى إنَّ الكفر وهو أعظم الذنوب قال الله تعالى فيه: ﴿مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [النحل ١٠٦]،
▫️ إذَنْ نقول: اعملْ أيُّها الإنسان، اعمل الخيرَ، تجنَّب الشرَّ؛ حتى يُيَسِّرك الله لليُسرى ويُجَنِّبك العُسرى، فرسول الله ﷺ وَعَده الله بأن يُيَسِّره لليُسرى فيُسَهِّل عليه الأمور، ولهذا لم يَقَع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في شِدَّةٍ وضَنْكٍ إلا وجد له مخرجًا عليه الصلاة والسلام.
◾ثم أَمَره تعالى أن يُذَكِّر فقال: ﴿فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى﴾ [الأعلى ٩] يعني: ذَكِّر الناس، ذَكِّرهم بآيات الله، ذَكِّرهم بأيام الله، عِظْهم.
🔹﴿إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى﴾ يعني: في محلٍّ تنفع فيه الذِّكْرى، وعلى هذا فتكون ﴿إِنْ﴾ شرطية، والمعنى: إنْ نفعت الذِّكرى فذَكِّر، وإنْ لم تنفع فلا تُذَكِّر؛ لأنَّه لا فائدة من تذكير قومٍ نعلم أنَّهم لا ينتفعون، هذا ما قيل في هذه الآية.
✴️ وقال بعض العلماء: المعنى: ذَكِّرْ على كلِّ حالٍ إنْ كان هؤلاء القوم تنفع فيهم الذِّكرى، فيكون الشرط هنا ليس المقصود به أنَّه لا يُذكِّر إلا إذا نفعتْ، بل المعنى: ذَكِّر إنْ كان هؤلاء القوم ينفع فيهم التذكير. فالمعنى على هذا القول: ذَكِّر بكلِّ حالٍ والذِّكْرى سوف تنفع.
🔁 تنفع مَن؟ تنفع المؤمنين، وتنفع الْمُذكِّر أيضًا، فالْمُذكِّر منتفعٌ على كلِّ حال، والْمُذكَّر إن انتفع بها فهو مؤمن، وإن لم ينتفعْ بها فإنَّ ذلك لا ينقص من أجر المذكِّر شيئًا، إذَنْ نحن نُذَكِّر سواءٌ نفعت الذِّكْرى أمْ لم تنفع.
✴️ وقال بعض العلماء: إنْ ظنَّ أنَّ الذِّكْرى تنفع وجبتْ، وإنْ ظنَّ أنها لا تنفع فهو مخيَّر؛ إنْ شاء ذَكَّر وإن شاء لم يُذَكِّر، ولكن على كلِّ حالٍ نقول: لا بدَّ من التذكير، حتى وإنْ ظننتَ أنها لا تنفع فإنها سوف تنفعك أنت، وسوف يعلم الناسُ أنَّ هذا الشيء الذي ذَكَّرتَ عنه إمَّا واجبٌ وإمَّا حرام، وإذا سكتَّ والناس يفعلون المحرَّم قال الناس: لو كان هذا محرَّمًا لذَكَّر به العلماء، أو: لو كان هذا واجبًا لذَكَّر به العلماء، فلا بدَّ من التذكير، ولا بدَّ من نَشْر الشريعة سواءٌ نفعتْ أمْ لم تنفع.ثم ذكر الله عز وجل مَن سيَذَّكَّر ومَن لا يَذَّكَّر، وسنتكلم عليه إن شاء الله في الجلسة القادمة أو في اللقاء القادم.
(١) أخرجه مسلم (٢٦٤٧ / ٦) عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه بلفظ: «اعملوا، فكلٌّ ميسَّر؛ أمَّا أهل السعادة فيُيَسَّرون لعمل أهل السعادة، وأمَّا أهل الشقاوة فيُيَسَّرون لعمل أهل الشقاوة». ثم قرأ: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (٧) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (٩) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾ [الليل: ٥ - ١٠].
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_الأعلي ❤️✨
◀️ ﷽
﴿وَنُيَسِّرُكَ لِليُسرىفَذَكِّر إِن نَفَعَتِ الذِّكرى﴾ [الأعلى: ٨-٩]
🔲 نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير من سورة (الأعلي) عند قوله﴿وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى﴾ وهذا أيضًا وعدٌ من الله عز وجل لرسوله عليه الصلاة والسلام أن يُيَسِّره لليُسرى، فما هي اليُسرى؟اليُسرى أن تكون أموره مُيَسَّرة، ولا سيَّما في طاعة الله عز وجل، ولَمَّا أخبر النبيُّ عليه الصلاة والسلام أنَّه ما من أحدٍ من الناس إلا وقد كُتِب مقعده من الجنَّة ومقعدُه من النار، كلُّ بني آدم مكتوبٌ مقعده من الجنَّة إن كان من أهل الجنة، ومقعده من النار إن كان من أهل النار، قالوا: يا رسول الله، أفلا نَدَعُ العملَ ونتَّكل -يعني على ما كُتِب- قال: «لَا، اعْمَلُوا، فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ»، فأهل السعادة يُيَسَّرون لعمل أهل السعادة، وأهل الشقاوة يُيَسَّرون لعمل أهل الشقاوة، ثم قرأ قوله تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾ [الليل ٥ - ٧](١).
✴️ وهذا الحديث يقطع حُجَّة مَن يحتجُّ بالقَدَر على معاصي الله فيعصي اللَّهَ ويقول: هذا مكتوبٌ عليَّ. نقول: هذا غلط؛ لأنَّ الرسول عليه الصلاة والسلام قال: «اعْمَلُوا، فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ»، هل أحدٌ يحجزك عن العمل الصالح لو أردتَه؟ أبدًا. هل أحدٌ يجبرك على المعصية لو لم تُرِدها؟ أبدًا، لا أحد. ولهذا لو أنَّ أحدًا أجبرك على المعصية وأكرهك عليها لم يكن عليك إثمٌ، ولا يترتَّب على فِعْلك لها ما يترتَّب على فعل المختار لها، حتى إنَّ الكفر وهو أعظم الذنوب قال الله تعالى فيه: ﴿مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [النحل ١٠٦]،
▫️ إذَنْ نقول: اعملْ أيُّها الإنسان، اعمل الخيرَ، تجنَّب الشرَّ؛ حتى يُيَسِّرك الله لليُسرى ويُجَنِّبك العُسرى، فرسول الله ﷺ وَعَده الله بأن يُيَسِّره لليُسرى فيُسَهِّل عليه الأمور، ولهذا لم يَقَع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في شِدَّةٍ وضَنْكٍ إلا وجد له مخرجًا عليه الصلاة والسلام.
◾ثم أَمَره تعالى أن يُذَكِّر فقال: ﴿فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى﴾ [الأعلى ٩] يعني: ذَكِّر الناس، ذَكِّرهم بآيات الله، ذَكِّرهم بأيام الله، عِظْهم.
🔹﴿إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى﴾ يعني: في محلٍّ تنفع فيه الذِّكْرى، وعلى هذا فتكون ﴿إِنْ﴾ شرطية، والمعنى: إنْ نفعت الذِّكرى فذَكِّر، وإنْ لم تنفع فلا تُذَكِّر؛ لأنَّه لا فائدة من تذكير قومٍ نعلم أنَّهم لا ينتفعون، هذا ما قيل في هذه الآية.
✴️ وقال بعض العلماء: المعنى: ذَكِّرْ على كلِّ حالٍ إنْ كان هؤلاء القوم تنفع فيهم الذِّكرى، فيكون الشرط هنا ليس المقصود به أنَّه لا يُذكِّر إلا إذا نفعتْ، بل المعنى: ذَكِّر إنْ كان هؤلاء القوم ينفع فيهم التذكير. فالمعنى على هذا القول: ذَكِّر بكلِّ حالٍ والذِّكْرى سوف تنفع.
🔁 تنفع مَن؟ تنفع المؤمنين، وتنفع الْمُذكِّر أيضًا، فالْمُذكِّر منتفعٌ على كلِّ حال، والْمُذكَّر إن انتفع بها فهو مؤمن، وإن لم ينتفعْ بها فإنَّ ذلك لا ينقص من أجر المذكِّر شيئًا، إذَنْ نحن نُذَكِّر سواءٌ نفعت الذِّكْرى أمْ لم تنفع.
✴️ وقال بعض العلماء: إنْ ظنَّ أنَّ الذِّكْرى تنفع وجبتْ، وإنْ ظنَّ أنها لا تنفع فهو مخيَّر؛ إنْ شاء ذَكَّر وإن شاء لم يُذَكِّر، ولكن على كلِّ حالٍ نقول: لا بدَّ من التذكير، حتى وإنْ ظننتَ أنها لا تنفع فإنها سوف تنفعك أنت، وسوف يعلم الناسُ أنَّ هذا الشيء الذي ذَكَّرتَ عنه إمَّا واجبٌ وإمَّا حرام، وإذا سكتَّ والناس يفعلون المحرَّم قال الناس: لو كان هذا محرَّمًا لذَكَّر به العلماء، أو: لو كان هذا واجبًا لذَكَّر به العلماء، فلا بدَّ من التذكير، ولا بدَّ من نَشْر الشريعة سواءٌ نفعتْ أمْ لم تنفع.ثم ذكر الله عز وجل مَن سيَذَّكَّر ومَن لا يَذَّكَّر، وسنتكلم عليه إن شاء الله في الجلسة القادمة أو في اللقاء القادم.
(١) أخرجه مسلم (٢٦٤٧ / ٦) عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه بلفظ: «اعملوا، فكلٌّ ميسَّر؛ أمَّا أهل السعادة فيُيَسَّرون لعمل أهل السعادة، وأمَّا أهل الشقاوة فيُيَسَّرون لعمل أهل الشقاوة». ثم قرأ: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (٧) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (٩) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾ [الليل: ٥ - ١٠].
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
Photo
( الدرس ٧٧ )
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_الأعلي ❤️✨
◀️ ﷽
﴿سَیَذَّكَّرُ مَن یَخۡشَىٰ (١٠) وَیَتَجَنَّبُهَا ٱلۡأَشۡقَى (١١) ٱلَّذِی یَصۡلَى ٱلنَّارَ ٱلۡكُبۡرَىٰ (١٢) ثُمَّ لَا یَمُوتُ فِیهَا وَلَا یَحۡیَىٰ (١٣)﴾ [الأعلى ١٠-١٣]
🔲 موضوع مقدمة هذا الدرس هو الكلام على قول الله تبارك وتعالى في سورة الأعلى: ﴿سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (١٠) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى﴾ [الأعلى ١٠، ١١] أَمَر الله سبحانه وتعالى نبيَّه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يُذَكِّر فقال: ﴿فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى﴾، ثم قال: ﴿سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (١٠) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى﴾ فبَيَّن تعالى أنَّ الناس ينقسمون بعد الذِّكرى إلى قِسمين:
🟡 القِسم الأول: مَن يخشى اللَّهَ عز وجل؛ أي: يخافه خوفًا عن علمٍ لعظمة الخالق جل وعلا، فهذا إذا ذُكِّر بآيات ربِّه تذكَّر؛ كما قال تعالى في وصف عباد الرحمن: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا﴾ [الفرقان ٧٣]، فمَن يخشى الله ويخاف الله إذا ذُكِّر ووُعِظ بآيات الله اتَّعظ وانتفع.
🔵 أمَّا القِسم الثاني فقال: ﴿وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى﴾ أي: يتجنَّب هذه الذِّكرى ولا ينتفع بها الأشقى.
🔸﴿الْأَشْقَى﴾ هنا اسم تفضيل من الشقاء، وهو ضدُّ السعادة؛ كما في سورة هود: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ﴾ [هود ١٠٦]، ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ﴾ [هود ١٠٨]، فالأشقى -والعياذ بالله- المتَّصفُ بالشقاوة، يتجنَّب الذِّكرى ولا ينتفع بها، والأشقى هو البالغ في الشقاوة غايتَها، وهذا هو الكافر؛ فإنَّ الكافر يُذَكَّر ولا ينتفع بالذِّكرى، ولهذا قال: ﴿الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى (١٢) ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى﴾ [الأعلى ١٢، ١٣] الذي يَصْلى النارَ الموصوفةَ بأنها الكُبرى، وهي نار جهنم.
✴️ لأنَّ نار الدنيا صُغرى بالنسبة لها؛ فقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنَّ نار الدنيا جزءٌ من سبعين جزءًا من نار الآخرة(١)؛ أي إنَّ نار الآخرة فُضِّلتْ على نار الدنيا بتسعةٍ وستين جزءًا، والمراد نار الدنيا كلِّها، ما هي نار مخصوصة، أشدُّ ما يكون من نار الدنيا فإنَّ نار الآخرة فُضِّلتْ عليها بتسعةٍ وستين جزءًا، ولهذا وَصَفها بقوله: ﴿النَّارَ الْكُبْرَى﴾.
🔹﴿ثُمَّ﴾ إذا صلاها ﴿لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى﴾ المعنى: لا يموت فيستريح، ولا يحيا حياةً سعيدةً، وإلا فهُم أحياءٌ في الواقع، لكن أحياءٌ يُعذَّبون؛ ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا﴾ [النساء ٥٦]، كما قال الله عز وجل ﴿وَنَادَوْا يَا مَالِكُ﴾ وهو خازن النار ﴿لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ﴾ يعني ليُهلِكْنا ويُرِحنا من هذا العذاب ﴿قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ﴾ [الزخرف ٧٧]، ولا راحة، ويقال لهم: ﴿لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ﴾ [الزخرف ٧٨]، هذا معنى قوله: ﴿لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى﴾، لأنه قد يُشْكل على بعض الناس كيف يكون الإنسان لا حيٌّ ولا ميِّت، والإنسانُ إمَّا حيٌّ وإمَّا ميِّت؟ فيقال: لا يموت فيها ميتةً يستريح بها، ولا يحيا حياةً يَسْعد بها، فهو -والعياذ بالله- في عذابٍ وجحيمٍ وشدَّةٍ، يتمنَّى الموتَ ولكن لا يحصل له، هذا هو معنى قوله تعالى: ﴿ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى﴾.
(١) أخرج البخاري (٣٢٦٥)، ومسلم (٢٨٤٣ / ٣٠) واللفظ له، عن أبي هريرة أنَّ النبي ﷺ قال: «نارُكم هذه التي يوقِد ابنُ آدم جزءٌ من سبعين جزءًا من حرِّ جهنم». قالوا: واللهِ إنْ كانت لَكافيةً يا رسول الله. قال: «فإنها فُضِّلتْ عليها بتسعةٍ وستين جزءًا كلُّها مِثْل حرِّها».
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_الأعلي ❤️✨
◀️ ﷽
﴿سَیَذَّكَّرُ مَن یَخۡشَىٰ (١٠) وَیَتَجَنَّبُهَا ٱلۡأَشۡقَى (١١) ٱلَّذِی یَصۡلَى ٱلنَّارَ ٱلۡكُبۡرَىٰ (١٢) ثُمَّ لَا یَمُوتُ فِیهَا وَلَا یَحۡیَىٰ (١٣)﴾ [الأعلى ١٠-١٣]
🔲 موضوع مقدمة هذا الدرس هو الكلام على قول الله تبارك وتعالى في سورة الأعلى: ﴿سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (١٠) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى﴾ [الأعلى ١٠، ١١] أَمَر الله سبحانه وتعالى نبيَّه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يُذَكِّر فقال: ﴿فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى﴾، ثم قال: ﴿سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (١٠) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى﴾ فبَيَّن تعالى أنَّ الناس ينقسمون بعد الذِّكرى إلى قِسمين:
🟡 القِسم الأول: مَن يخشى اللَّهَ عز وجل؛ أي: يخافه خوفًا عن علمٍ لعظمة الخالق جل وعلا، فهذا إذا ذُكِّر بآيات ربِّه تذكَّر؛ كما قال تعالى في وصف عباد الرحمن: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا﴾ [الفرقان ٧٣]، فمَن يخشى الله ويخاف الله إذا ذُكِّر ووُعِظ بآيات الله اتَّعظ وانتفع.
🔵 أمَّا القِسم الثاني فقال: ﴿وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى﴾ أي: يتجنَّب هذه الذِّكرى ولا ينتفع بها الأشقى.
🔸﴿الْأَشْقَى﴾ هنا اسم تفضيل من الشقاء، وهو ضدُّ السعادة؛ كما في سورة هود: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ﴾ [هود ١٠٦]، ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ﴾ [هود ١٠٨]، فالأشقى -والعياذ بالله- المتَّصفُ بالشقاوة، يتجنَّب الذِّكرى ولا ينتفع بها، والأشقى هو البالغ في الشقاوة غايتَها، وهذا هو الكافر؛ فإنَّ الكافر يُذَكَّر ولا ينتفع بالذِّكرى، ولهذا قال: ﴿الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى (١٢) ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى﴾ [الأعلى ١٢، ١٣] الذي يَصْلى النارَ الموصوفةَ بأنها الكُبرى، وهي نار جهنم.
✴️ لأنَّ نار الدنيا صُغرى بالنسبة لها؛ فقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنَّ نار الدنيا جزءٌ من سبعين جزءًا من نار الآخرة(١)؛ أي إنَّ نار الآخرة فُضِّلتْ على نار الدنيا بتسعةٍ وستين جزءًا، والمراد نار الدنيا كلِّها، ما هي نار مخصوصة، أشدُّ ما يكون من نار الدنيا فإنَّ نار الآخرة فُضِّلتْ عليها بتسعةٍ وستين جزءًا، ولهذا وَصَفها بقوله: ﴿النَّارَ الْكُبْرَى﴾.
🔹﴿ثُمَّ﴾ إذا صلاها ﴿لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى﴾ المعنى: لا يموت فيستريح، ولا يحيا حياةً سعيدةً، وإلا فهُم أحياءٌ في الواقع، لكن أحياءٌ يُعذَّبون؛ ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا﴾ [النساء ٥٦]، كما قال الله عز وجل ﴿وَنَادَوْا يَا مَالِكُ﴾ وهو خازن النار ﴿لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ﴾ يعني ليُهلِكْنا ويُرِحنا من هذا العذاب ﴿قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ﴾ [الزخرف ٧٧]، ولا راحة، ويقال لهم: ﴿لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ﴾ [الزخرف ٧٨]، هذا معنى قوله: ﴿لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى﴾، لأنه قد يُشْكل على بعض الناس كيف يكون الإنسان لا حيٌّ ولا ميِّت، والإنسانُ إمَّا حيٌّ وإمَّا ميِّت؟ فيقال: لا يموت فيها ميتةً يستريح بها، ولا يحيا حياةً يَسْعد بها، فهو -والعياذ بالله- في عذابٍ وجحيمٍ وشدَّةٍ، يتمنَّى الموتَ ولكن لا يحصل له، هذا هو معنى قوله تعالى: ﴿ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى﴾.
(١) أخرج البخاري (٣٢٦٥)، ومسلم (٢٨٤٣ / ٣٠) واللفظ له، عن أبي هريرة أنَّ النبي ﷺ قال: «نارُكم هذه التي يوقِد ابنُ آدم جزءٌ من سبعين جزءًا من حرِّ جهنم». قالوا: واللهِ إنْ كانت لَكافيةً يا رسول الله. قال: «فإنها فُضِّلتْ عليها بتسعةٍ وستين جزءًا كلُّها مِثْل حرِّها».
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
Photo
( الدرس ٧٨ )
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_الأعلي ❤️✨
◀️ ﷽
﴿قَدۡ أَفۡلَحَ مَن تَزَكَّىٰ (١٤) وَذَكَرَ ٱسۡمَ رَبِّهِۦ فَصَلَّىٰ (١٥)﴾ [الأعلى ١٤-١٥]
🔲 وقد سبق الكلام على قوله تعالى ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (١٤) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى﴾ [الأعلى ١٤، ١٥]، وبيَّنَّا أنَّ المراد بقوله: ﴿تَزَكَّى﴾ أي: في نفسه؛ أي: زكَّاها وأخرجها من رِجْس الشرك إلى زكاة التوحيد. ويأتي إن شاء الله بقيَّة الكلام على السورة من أجْل أن نُفسح المجال للإخوة.
◾ نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير من سورة (الأعلي) عند قوله تبارك وتعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (١٤) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى﴾ [الأعلى ١٤، ١٥]. ﴿أَفْلَحَ﴾ مأخوذٌ من الفَلَاح، والفَلَاح كلمةٌ جامعةٌ، وهو الفوز بالمطلوب والنجاة من المرهوب، هذا هو معنى الفَلَاح، فهي كلمةٌ جامعةٌ لكلِّ خيرٍ، دافعةٌ لكلِّ شر.
🔹وقوله: ﴿مَنْ تَزَكَّى﴾ مأخوذ من التزكية وهي التطهير، ومنه سُمِّيت الزكاة زكاةً لأنها تُطَهِّر الإنسانَ من أخلاق الرذيلة، أخلاق البخل؛ كما قال تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ﴾ [التوبة ١٠٣]، إذَنْ ﴿تَزَكَّى﴾ يعني تطهَّر.
🔸ومن أيِّ شيءٍ تزكَّى؟ يتزكَّى أولًا من الشرك بالنسبة لمعاملة الله، فيعبد اللَّهَ مخلصًا له الدين لا يُرائي ولا يسمِّع، ولا يطلب جاهًا ولا رئاسةً فيما يتعبَّد به لله عز وجل، وإنما يريد بهذا وجهَ الله والدارَ الآخرة.
✴️ تزكَّى في اتِّباع الرسول عليه الصلاة والسلام؛ بحيث لا يبتدع في شريعته لا بقليل ولا كثير، لا في الاعتقاد، ولا في الأقوال، ولا في الأفعال.
🔹وهذا -أعني التزكِّي بالنسبة للرسول عليه الصلاة والسلام، وهو اتِّباعٌ من غير ابتداع- لا ينطبق تمامًا إلا على الطريقة السلفية؛ طريقة أهل السُّنة والجماعة الذين يؤمنون بكلِّ ما وَصَف الله به نفسَه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، على الطريقة السلفية الذين لا يبتدعون في العبادات القولية ولا في العبادات الفعلية شيئًا في دين الله، تجدهم يتَّبعون ما جاء به الشرع، خلافًا لِمَا يصنعه بعض المبتدِعة في الأذكار المبتدَعة؛ إمَّا في نوعها، وإمَّا في كيفيَّتها وصِفَتها، وإمَّا في أدائها؛ كما يفعله بعض أصحاب الطُّرُق من الصوفية وغيرهم.
🔸كذلك يتزكَّى بالنسبة لمعاملة الخلْق بحيث يطهِّر قلبَه من الغِلِّ والحقد على إخوانه المسلمين، فتجده دائمًا طاهرَ القلب، يحبُّ لإخوانه ما يحبُّ لنفسه، لا يرضى لأحدٍ أن يمسَّه سوءٌ، بل يودُّ أنَّ جميع الناس سالمون من كلِّ شر، موفَّقون لكلِّ خير. فصارت التزكية لها ثلاثة متعلقات: الأول في حق الله، والثاني في حق الرسول، والثالث في حق عامَّة الناس.
▫️في حق الله: يتزكَّى من الشرك، فيعبد الله تعالى مخلصًا له الدين.
🔁 في حق الرسول: يتزكَّى من الابتداع، فيعبد الله على مقتضى شريعة النبي ﷺ في العقيدة والقول والعمل.في معاملة الناس: يتزكَّى من الغِلِّ والحقدِ والعداوةِ والبغضاءِ وكلِّ ما يجلب ذلك، كل ما يجلب العداوةَ والبغضاءَ بين المسلمين يتجنَّبه، ويفعل كلَّ ما فيه المودَّة والمحبَّة، ومن ذلك إفشاء السلام الذي قال فيه الرسول ﷺ: «وَاللَّهِ لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَفَلَا أُخْبِرُكُمْ بِشَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ»(١).
✴️ فالسلام من أقوى الأسباب التي تجلب المحبَّة والمودَّة بين المسلمين، وهذا شيءٌ مشاهَدٌ؛ لو مرَّ بك رجلٌ ولم يسلِّم عليك صار في نفسك شيء، وإذا لم تسلِّم عليه أنت صار في نفسه شيء، لكن لو سلَّمتَ عليه أو سلَّمَ عليك صار هذا كالرِّباط بينكما يوجب المودَّة والمحبَّة، وقد قال النبيُّ عليه الصلاة والسلام في السلام: «وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ»(٢).
🔀 وأكثر الناس اليوم إذا سلَّم يسلِّم على مَن يعرف، وأمَّا مَن لا يعرفه فلا يسلِّم عليه، وهذا غلط؛ لأنَّك إذا سلَّمتَ على مَن تعرف لم يكن السلام خالصًا لله، سلِّم على مَن عرفتَ ومَن لم تعرف من المسلمين حتى تنال بذلك محبَّة المسلمين بعضهم من بعضٍ وتمامَ الإيمان، والنهاية دخول الجنة، جعلنا الله وإيَّاكم من أهلها.
◾وقوله: ﴿وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى﴾ [الأعلى ١٥] يعني: ذكر اسمَ الله تعالى بالتعبُّد له فصلَّى، ويدخل في ذِكْر اسم الله الوضوءُ مثلًا، فالوضوء من ذِكْر اسم الله.
🔵 أولًا: لأنَّ الإنسان لا يتوضأ إلا امتثالًا لأمر الله.
🔴 وثانيًا: أنَّه إذا ابتدأ وضوءَه قال: باسم الله، وإذا انتهى قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهمَّ اجعلني من التوَّابين واجعلني من المتطهِّرين.
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_الأعلي ❤️✨
◀️ ﷽
﴿قَدۡ أَفۡلَحَ مَن تَزَكَّىٰ (١٤) وَذَكَرَ ٱسۡمَ رَبِّهِۦ فَصَلَّىٰ (١٥)﴾ [الأعلى ١٤-١٥]
🔲 وقد سبق الكلام على قوله تعالى ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (١٤) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى﴾ [الأعلى ١٤، ١٥]، وبيَّنَّا أنَّ المراد بقوله: ﴿تَزَكَّى﴾ أي: في نفسه؛ أي: زكَّاها وأخرجها من رِجْس الشرك إلى زكاة التوحيد. ويأتي إن شاء الله بقيَّة الكلام على السورة من أجْل أن نُفسح المجال للإخوة.
◾ نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير من سورة (الأعلي) عند قوله تبارك وتعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (١٤) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى﴾ [الأعلى ١٤، ١٥]. ﴿أَفْلَحَ﴾ مأخوذٌ من الفَلَاح، والفَلَاح كلمةٌ جامعةٌ، وهو الفوز بالمطلوب والنجاة من المرهوب، هذا هو معنى الفَلَاح، فهي كلمةٌ جامعةٌ لكلِّ خيرٍ، دافعةٌ لكلِّ شر.
🔹وقوله: ﴿مَنْ تَزَكَّى﴾ مأخوذ من التزكية وهي التطهير، ومنه سُمِّيت الزكاة زكاةً لأنها تُطَهِّر الإنسانَ من أخلاق الرذيلة، أخلاق البخل؛ كما قال تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ﴾ [التوبة ١٠٣]، إذَنْ ﴿تَزَكَّى﴾ يعني تطهَّر.
🔸ومن أيِّ شيءٍ تزكَّى؟ يتزكَّى أولًا من الشرك بالنسبة لمعاملة الله، فيعبد اللَّهَ مخلصًا له الدين لا يُرائي ولا يسمِّع، ولا يطلب جاهًا ولا رئاسةً فيما يتعبَّد به لله عز وجل، وإنما يريد بهذا وجهَ الله والدارَ الآخرة.
✴️ تزكَّى في اتِّباع الرسول عليه الصلاة والسلام؛ بحيث لا يبتدع في شريعته لا بقليل ولا كثير، لا في الاعتقاد، ولا في الأقوال، ولا في الأفعال.
🔹وهذا -أعني التزكِّي بالنسبة للرسول عليه الصلاة والسلام، وهو اتِّباعٌ من غير ابتداع- لا ينطبق تمامًا إلا على الطريقة السلفية؛ طريقة أهل السُّنة والجماعة الذين يؤمنون بكلِّ ما وَصَف الله به نفسَه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، على الطريقة السلفية الذين لا يبتدعون في العبادات القولية ولا في العبادات الفعلية شيئًا في دين الله، تجدهم يتَّبعون ما جاء به الشرع، خلافًا لِمَا يصنعه بعض المبتدِعة في الأذكار المبتدَعة؛ إمَّا في نوعها، وإمَّا في كيفيَّتها وصِفَتها، وإمَّا في أدائها؛ كما يفعله بعض أصحاب الطُّرُق من الصوفية وغيرهم.
🔸كذلك يتزكَّى بالنسبة لمعاملة الخلْق بحيث يطهِّر قلبَه من الغِلِّ والحقد على إخوانه المسلمين، فتجده دائمًا طاهرَ القلب، يحبُّ لإخوانه ما يحبُّ لنفسه، لا يرضى لأحدٍ أن يمسَّه سوءٌ، بل يودُّ أنَّ جميع الناس سالمون من كلِّ شر، موفَّقون لكلِّ خير. فصارت التزكية لها ثلاثة متعلقات: الأول في حق الله، والثاني في حق الرسول، والثالث في حق عامَّة الناس.
▫️في حق الله: يتزكَّى من الشرك، فيعبد الله تعالى مخلصًا له الدين.
🔁 في حق الرسول: يتزكَّى من الابتداع، فيعبد الله على مقتضى شريعة النبي ﷺ في العقيدة والقول والعمل.في معاملة الناس: يتزكَّى من الغِلِّ والحقدِ والعداوةِ والبغضاءِ وكلِّ ما يجلب ذلك، كل ما يجلب العداوةَ والبغضاءَ بين المسلمين يتجنَّبه، ويفعل كلَّ ما فيه المودَّة والمحبَّة، ومن ذلك إفشاء السلام الذي قال فيه الرسول ﷺ: «وَاللَّهِ لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَفَلَا أُخْبِرُكُمْ بِشَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ»(١).
✴️ فالسلام من أقوى الأسباب التي تجلب المحبَّة والمودَّة بين المسلمين، وهذا شيءٌ مشاهَدٌ؛ لو مرَّ بك رجلٌ ولم يسلِّم عليك صار في نفسك شيء، وإذا لم تسلِّم عليه أنت صار في نفسه شيء، لكن لو سلَّمتَ عليه أو سلَّمَ عليك صار هذا كالرِّباط بينكما يوجب المودَّة والمحبَّة، وقد قال النبيُّ عليه الصلاة والسلام في السلام: «وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ»(٢).
🔀 وأكثر الناس اليوم إذا سلَّم يسلِّم على مَن يعرف، وأمَّا مَن لا يعرفه فلا يسلِّم عليه، وهذا غلط؛ لأنَّك إذا سلَّمتَ على مَن تعرف لم يكن السلام خالصًا لله، سلِّم على مَن عرفتَ ومَن لم تعرف من المسلمين حتى تنال بذلك محبَّة المسلمين بعضهم من بعضٍ وتمامَ الإيمان، والنهاية دخول الجنة، جعلنا الله وإيَّاكم من أهلها.
◾وقوله: ﴿وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى﴾ [الأعلى ١٥] يعني: ذكر اسمَ الله تعالى بالتعبُّد له فصلَّى، ويدخل في ذِكْر اسم الله الوضوءُ مثلًا، فالوضوء من ذِكْر اسم الله.
🔵 أولًا: لأنَّ الإنسان لا يتوضأ إلا امتثالًا لأمر الله.
🔴 وثانيًا: أنَّه إذا ابتدأ وضوءَه قال: باسم الله، وإذا انتهى قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهمَّ اجعلني من التوَّابين واجعلني من المتطهِّرين.
«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
Photo
( الدرس ٧٩ )
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_الأعلي ❤️✨
◀️ ﷽
﴿بَلۡ تُؤۡثِرُونَ ٱلۡحَیَوٰةَ ٱلدُّنۡیَا (١٦) وَٱلۡـَٔاخِرَةُ خَیۡرࣱ وَأَبۡقَىٰۤ (١٧)﴾ [الأعلى ١٦-١٧]
🔲 نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير من سورة (الأعلي) عند قوله تعالى: ﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (١٦) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ [الأعلى ١٦، ١٧] ﴿بَلْ﴾ هنا للإضراب الانتقالي.
🔹 لأنَّ (بل) تأتي للإضراب الإبطالي، وتأتي للإضراب الانتقالي؛ أي إنَّه سبحانه وتعالى انتقل ليبيِّن حالَ الإنسان أنَّه مُؤْثِرٌ للحياة الدنيا لأنها عاجلة، والإنسان خُلِق من عَجَل ويحبُّ ما فيه العجلة، فتجده يُؤْثِر الحياة الدنيا، وهي في الحقيقة على وصْفها دُنيا؛ دُنيا زمنًا، ودُنيا وصفًا؛ أمَّا كونُها دُنيا زمنًا فلأنها سابقةٌ على الآخرة فهي متقدِّمةٌ عليها، والدُّنُوُّ بمعنى القُرب، وأمَّا كونُها دُنيا ناقصة، فكذلك هو الواقع، فإنَّ الدنيا مهما طالت بالإنسان فإنَّ أَمَدَها الفناء، فإنَّ منتهاها الفناء، ومهما ازدهرتْ للإنسان فإن عاقبتها الذبول، ولهذا لا يكاد يمرُّ بك يومٌ في سرورٍ إلا وعقبه حزن، وفي هذا يقول الشاعر:
فَيَوْمٌ عَلَيْنَا وَيَوْمٌ لَنَا ∗∗∗ وَيَوْمٌ نُسَاءُ وَيَوْمٌ نُسَرّْتأمَّلْ حالَك في الدنيا تجدْ أنَّه لا يمرُّ بك وقتٌ ويكون الصفو فيه دائمًا بل لا بدَّ من كَدَر، ولا يكون السرور دائمًا بل لا بدَّ من حزن، ولا تكون راحةٌ دائمًا بل لا بدَّ من تعب، فالدنيا على اسمها دُنيا.
◾﴿وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ الآخرة خيرٌ من الدنيا وأبقى، خيرٌ؛ فيها من النعيم والسرور الدائم الذي لا يُنَغَّص بكَدَر؛ ﴿لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ﴾ [الحجر ٤٨]، كذلك أيضًا هي أبقى من الدنيا؛ لأنَّ بقاء الدنيا -كما أسلفْنا- قليلٌ زائلٌ مضمحِلٌّ، بخلاف بقاء الآخرة فإنَّه أبد الآبدين.
🔹وقوله: ﴿إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (١٨) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى﴾ [الأعلى: ١٨، ١٩].﴿إِنَّ هَذَا﴾ أي: ما ذُكِر من كون الإنسان يُؤْثر الحياة الدنيا على الآخرة وينسى الآخرة، وكذلك ما تضمَّنته الآيات من المواعظ ﴿فِي الصُّحُفِ الْأُولَى﴾ أي: السابقة على هذه الأُمَّة. ﴿صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى﴾ وهي صُحُفٌ جاء بها إبراهيم وموسى عليهما الصلاة والسلام، وفيها من المواعظ ما تلين به القلوبُ وتَصلح به الأحوال.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا و إيَّاكم ممن أُوتي في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً ووقاه الله عذابَ النار.
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي_سورة_الغاشية ❤️
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_الأعلي ❤️✨
◀️ ﷽
﴿بَلۡ تُؤۡثِرُونَ ٱلۡحَیَوٰةَ ٱلدُّنۡیَا (١٦) وَٱلۡـَٔاخِرَةُ خَیۡرࣱ وَأَبۡقَىٰۤ (١٧)﴾ [الأعلى ١٦-١٧]
🔲 نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير من سورة (الأعلي) عند قوله تعالى: ﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (١٦) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ [الأعلى ١٦، ١٧] ﴿بَلْ﴾ هنا للإضراب الانتقالي.
🔹 لأنَّ (بل) تأتي للإضراب الإبطالي، وتأتي للإضراب الانتقالي؛ أي إنَّه سبحانه وتعالى انتقل ليبيِّن حالَ الإنسان أنَّه مُؤْثِرٌ للحياة الدنيا لأنها عاجلة، والإنسان خُلِق من عَجَل ويحبُّ ما فيه العجلة، فتجده يُؤْثِر الحياة الدنيا، وهي في الحقيقة على وصْفها دُنيا؛ دُنيا زمنًا، ودُنيا وصفًا؛ أمَّا كونُها دُنيا زمنًا فلأنها سابقةٌ على الآخرة فهي متقدِّمةٌ عليها، والدُّنُوُّ بمعنى القُرب، وأمَّا كونُها دُنيا ناقصة، فكذلك هو الواقع، فإنَّ الدنيا مهما طالت بالإنسان فإنَّ أَمَدَها الفناء، فإنَّ منتهاها الفناء، ومهما ازدهرتْ للإنسان فإن عاقبتها الذبول، ولهذا لا يكاد يمرُّ بك يومٌ في سرورٍ إلا وعقبه حزن، وفي هذا يقول الشاعر:
فَيَوْمٌ عَلَيْنَا وَيَوْمٌ لَنَا ∗∗∗ وَيَوْمٌ نُسَاءُ وَيَوْمٌ نُسَرّْتأمَّلْ حالَك في الدنيا تجدْ أنَّه لا يمرُّ بك وقتٌ ويكون الصفو فيه دائمًا بل لا بدَّ من كَدَر، ولا يكون السرور دائمًا بل لا بدَّ من حزن، ولا تكون راحةٌ دائمًا بل لا بدَّ من تعب، فالدنيا على اسمها دُنيا.
◾﴿وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ الآخرة خيرٌ من الدنيا وأبقى، خيرٌ؛ فيها من النعيم والسرور الدائم الذي لا يُنَغَّص بكَدَر؛ ﴿لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ﴾ [الحجر ٤٨]، كذلك أيضًا هي أبقى من الدنيا؛ لأنَّ بقاء الدنيا -كما أسلفْنا- قليلٌ زائلٌ مضمحِلٌّ، بخلاف بقاء الآخرة فإنَّه أبد الآبدين.
🔹وقوله: ﴿إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (١٨) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى﴾ [الأعلى: ١٨، ١٩].﴿إِنَّ هَذَا﴾ أي: ما ذُكِر من كون الإنسان يُؤْثر الحياة الدنيا على الآخرة وينسى الآخرة، وكذلك ما تضمَّنته الآيات من المواعظ ﴿فِي الصُّحُفِ الْأُولَى﴾ أي: السابقة على هذه الأُمَّة. ﴿صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى﴾ وهي صُحُفٌ جاء بها إبراهيم وموسى عليهما الصلاة والسلام، وفيها من المواعظ ما تلين به القلوبُ وتَصلح به الأحوال.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا و إيَّاكم ممن أُوتي في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً ووقاه الله عذابَ النار.
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي_سورة_الغاشية ❤️
«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
Photo
( الدرس ٨٠ )
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_الغاشية ❤️✨
◀️ ﷽
﴿هَل أَتاكَ حَديثُ الغاشِيَةِوُجوهٌ يَومَئِذٍ خاشِعَةٌعامِلَةٌ ناصِبَةٌ﴾ [الغاشية: ١-٣]
🔲 نبدأ هذا المجلس بتفسير سورة الغاشية، يقول الله عز وجل: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ﴾ [الغاشية ١]، والبسملة آيةٌ من كتاب الله مستقلَّة، ليستْ من السورة التي قبلها ولا من السورة التي بعدها، بل هي آيةٌ مستقلَّة، ولهذا كان القول الراجح أنها ليست من الفاتحة، وأنَّ أول الفاتحة هو ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، وهلُمَّ جرًّا.
◾يقول الله تعالى: ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ﴾ الخِطاب إمَّا للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وإمَّا لكلِّ مَن يصحُّ خطابُه، وهذا يأتي في القرآن كثيرًا؛ يوجِّه الله الخطابَ ويكون للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو لكلِّ مَن يتأتَّى خطابُه ويصحُّ خطابُه، إلا أنَّه أحيانًا يتعيَّن أن يكون للرسول عليه الصلاة والسلام؛ مثل ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾ [الشرح ١] هذا لا يمكن أن يكون إلا للرسول عليه الصلاة والسلام، ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾ [المائدة ٦٧] هذا لا يمكن أن يكون إلا للرسول ﷺ.وأحيانًا يترجَّح العموم؛ مثل ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ﴾ [الطلاق ١]، فهذا أول الخطاب للنبي عليه الصلاة والسلام، وآخره ﴿إِذَا طَلَّقْتُمُ﴾ عامٌّ.
▫️فقوله: ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ﴾ يجوز أن يكون الخطاب موجَّهًا للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وحده وأُمَّتُه تَبَعٌ له، ويجوز أن يكون عامًّا لكلِّ مَن يتأتَّى خطابهم.
✴️ والاستفهام هنا للتشويق، فهو كقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الصف ١٠]، ويجوز أن يكون للتعظيم؛ لعِظَم هذا الحديث عن الغاشية.﴿حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ﴾ أي: نَبَؤُها، فالغاشية هي الداهية العظيمة التي تَغْشى الناسَ، وهي يوم القيامة التي تحدَّث الله عنها في القرآن كثيرًا ووَصَفها بأوصافٍ عظيمة؛ مثل قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (١) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾ [الحج ١، ٢].
🔹ثم قَسَّم الله سبحانه وتعالى الناسَ في هذا اليوم إلى قِسمين فقال: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (٢) عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ﴾ [الغاشية ٢، ٣]، ﴿خَاشِعَةٌ﴾ أي: ذليلة؛ كما قال الله تعالى: ﴿وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ﴾ [الشورى ٤٥]، فمعنى ﴿خَاشِعَةٌ﴾ يعني ذليلة.
﴿عَامِلَةࣱ نَّاصِبَةࣱ﴾ [الغاشية ٣]
◾وقوله ﴿عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ﴾ عاملةٌ عملًا يكون به النَّصَب، وهو التعب.قال العلماء: وذلك أنَّهم يُكلَّفون يوم القيامة بجرِّ السلاسل والأغلال والخوضِ في نار جهنم -والعياذ بالله- كما يخوض الرجُل في الوحل، فهي عاملةٌ تَعِبةٌ من العمل الذي تُكَلَّف به يوم القيامة؛ لأنه عملُ عذابٍ وعقابٍ -نسأل الله العافية- وليس كما قال بعض الناس: إن المراد بها الكفار الذين ضلَّ سعيُهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صُنعًا.
🔹وذلك لأنَّ الله قيَّد هذا بقوله: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ﴾ أي: يومَ إذْ تأتي الغاشية، وهذا لا يكون إلا يوم القيامة، إذَنْ فهي ﴿عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ﴾ بما تُكَلَّف به من جرِّ السلاسل والأغلال والخوضِ في نار جهنم، أعاذنا الله وإيَّاكم منها.
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_الغاشية ❤️✨
◀️ ﷽
﴿هَل أَتاكَ حَديثُ الغاشِيَةِوُجوهٌ يَومَئِذٍ خاشِعَةٌعامِلَةٌ ناصِبَةٌ﴾ [الغاشية: ١-٣]
🔲 نبدأ هذا المجلس بتفسير سورة الغاشية، يقول الله عز وجل: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ﴾ [الغاشية ١]، والبسملة آيةٌ من كتاب الله مستقلَّة، ليستْ من السورة التي قبلها ولا من السورة التي بعدها، بل هي آيةٌ مستقلَّة، ولهذا كان القول الراجح أنها ليست من الفاتحة، وأنَّ أول الفاتحة هو ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، وهلُمَّ جرًّا.
◾يقول الله تعالى: ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ﴾ الخِطاب إمَّا للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وإمَّا لكلِّ مَن يصحُّ خطابُه، وهذا يأتي في القرآن كثيرًا؛ يوجِّه الله الخطابَ ويكون للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو لكلِّ مَن يتأتَّى خطابُه ويصحُّ خطابُه، إلا أنَّه أحيانًا يتعيَّن أن يكون للرسول عليه الصلاة والسلام؛ مثل ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾ [الشرح ١] هذا لا يمكن أن يكون إلا للرسول عليه الصلاة والسلام، ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾ [المائدة ٦٧] هذا لا يمكن أن يكون إلا للرسول ﷺ.وأحيانًا يترجَّح العموم؛ مثل ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ﴾ [الطلاق ١]، فهذا أول الخطاب للنبي عليه الصلاة والسلام، وآخره ﴿إِذَا طَلَّقْتُمُ﴾ عامٌّ.
▫️فقوله: ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ﴾ يجوز أن يكون الخطاب موجَّهًا للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وحده وأُمَّتُه تَبَعٌ له، ويجوز أن يكون عامًّا لكلِّ مَن يتأتَّى خطابهم.
✴️ والاستفهام هنا للتشويق، فهو كقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الصف ١٠]، ويجوز أن يكون للتعظيم؛ لعِظَم هذا الحديث عن الغاشية.﴿حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ﴾ أي: نَبَؤُها، فالغاشية هي الداهية العظيمة التي تَغْشى الناسَ، وهي يوم القيامة التي تحدَّث الله عنها في القرآن كثيرًا ووَصَفها بأوصافٍ عظيمة؛ مثل قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (١) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾ [الحج ١، ٢].
🔹ثم قَسَّم الله سبحانه وتعالى الناسَ في هذا اليوم إلى قِسمين فقال: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (٢) عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ﴾ [الغاشية ٢، ٣]، ﴿خَاشِعَةٌ﴾ أي: ذليلة؛ كما قال الله تعالى: ﴿وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ﴾ [الشورى ٤٥]، فمعنى ﴿خَاشِعَةٌ﴾ يعني ذليلة.
﴿عَامِلَةࣱ نَّاصِبَةࣱ﴾ [الغاشية ٣]
◾وقوله ﴿عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ﴾ عاملةٌ عملًا يكون به النَّصَب، وهو التعب.قال العلماء: وذلك أنَّهم يُكلَّفون يوم القيامة بجرِّ السلاسل والأغلال والخوضِ في نار جهنم -والعياذ بالله- كما يخوض الرجُل في الوحل، فهي عاملةٌ تَعِبةٌ من العمل الذي تُكَلَّف به يوم القيامة؛ لأنه عملُ عذابٍ وعقابٍ -نسأل الله العافية- وليس كما قال بعض الناس: إن المراد بها الكفار الذين ضلَّ سعيُهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صُنعًا.
🔹وذلك لأنَّ الله قيَّد هذا بقوله: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ﴾ أي: يومَ إذْ تأتي الغاشية، وهذا لا يكون إلا يوم القيامة، إذَنْ فهي ﴿عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ﴾ بما تُكَلَّف به من جرِّ السلاسل والأغلال والخوضِ في نار جهنم، أعاذنا الله وإيَّاكم منها.
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
Photo
( الدرس ٨١ )
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_الغاشية ❤️✨
◀️ ﷽
﴿تَصلى نارًا حامِيَةًتُسقى مِن عَينٍ آنِيَةٍلَيسَ لَهُم طَعامٌ إِلّا مِن ضَريعٍلا يُسمِنُ وَلا يُغني مِن جوعٍ﴾ [الغاشية: ٤-٧]
🔲 نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير من سورة (الغاشية) عند قوله: ﴿تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً﴾ [الغاشية: ٤] أي: تُدخَل في نارِ جهنَّم -والعياذ بالله- النار الحامية التي بلغتْ من حموها أنها فضِّلتْ على نار الدنيا بتسعةٍ وستين جزءًا؛ يعني نار الدنيا كلُّها بما فيها من أشدِّ ما يكون من حرارةٍ، نارُ جهنم أشدُّ منها بتسعةٍ وستين جزءًا.ويدلُّك على شدَّة حرارتها أنَّ هذه الشمس حرارتها تَصِل إلينا مع بُعد ما بيننا وبينها، ومع أنها تنفذ من خلال أجواءٍ باردةٍ غاية البرودة تَصِل إلينا هذه الحرارة التي تُدركونها، ولا سيَّما في أيام الصيف، فالنار -أعاذنا الله وإيَّاكم منها- نارٌ حاميةٌ.
◾ثم قال ﴿تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (٥) لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ﴾ [الغاشية: ٥، ٦] لَمَّا بيَّن مكانَهم -والعياذ بالله- وأنهم في نار جهنم الحامية، بيَّن طعامَهم وشرابَهم فقال: ﴿تُسْقَى﴾ أي: هذه الوجوه ﴿مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ﴾ أي: شديدة الحرارة، هذا بالنسبة لشرابهم، ومع هذا لا يأتي هذا الشراب بكلِّ سهولةٍ أو كلَّما عطشوا سُقُوا، لا، إنما يُؤتَون كلَّما اشتدَّ عطشُهم -والعياذ بالله- واستغاثوا كما قال تعالى: ﴿وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ﴾ [الكهف ٢٩]، هذا الماء إذا قَرُبَ من وُجوههم شواها وتساقط لحمُها، وإذا دخل في أجوافهم يقول عز وجل: ﴿وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ﴾ [محمد ١٥]، إذَنْ لا يستفيدون منه لا ظاهرًا ولا باطنًا؛ لا ظاهرًا بالبرودة يُبَرِّد الوجوه، ولا باطنًا بالرِّيِّ، ولكنهم -والعياذ بالله- يُغاثون بهذا الماء، ولهذا قال: ﴿تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ﴾.
✴️ فإذا قال قائل: كيف تكون هذه العين في نار جهنم والعادةُ أنَّ الماء يُطفئ النار؟ أليس كذلك؟فالجواب: إنَّ أُمور الآخرة لا تُقاس بأُمور الدنيا، لو أنها قِيستْ بأمور الدنيا ما استطعنا أن نتصوَّر كيف يكون؛ أليست الشمس تدنو يوم القيامة من رؤوس الناس على قدر مِيلٍ! والميل إمَّا مِيل المكحلة وهو نصف الإصبع، أو مِيل المسافة؛ كيلو وثُلث أو نحو ذلك، وحتى لو كان كذلك فإنَّه لو كانت الآخرة كالدنيا لَشوت الناسَ شيًّا، لكن الآخرة لا تقاس بالدنيا.أيضًا يُحشَر الناس يوم القيامة في مكانٍ واحدٍ، منهم مَن هو في ظُلمةٍ شديدةٍ، ومنهم مَن هو في نورٍ؛ ﴿نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ﴾ [التحريم ٨]، يُحشَرون في مكانٍ واحدٍ ويعرقون.
🔹 منهم مَن يَصِل العرق إلى كعبيه، ومنهم مَن يَصِل إلى رُكبتيه، ومنهم مَن يَصِل إلى حقويه، ومع ذلك هم في مكانٍ واحد، إذَنْ أحوال الآخرة لا يجوز أن تُقاس بأحوال الدنيا. فلو قال قائل: كيف يكون الماء في النار؟ قلنا:
🔵 أولًا: أحوال الآخرة لا تُقاس بأحوال الدنيا.
🟡 ثانيًا: إنَّ الله على كلِّ شيءٍ قدير.
🔹ها نحن الآن نجد أنَّ الشجر الأخضر تُوقَد منه النار كما قال تعالى: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ﴾ [يس ٨٠] الشجر الأخضر رطب، ومع ذلك إذا ضُرِب بعضُه ببعض أو ضُرِب بالزند انقدح، خرج منه نارٌ حارَّة يابسة وهو رطبٌ بارد، فالله على كلِّ شيءٍ قدير، فهُم يُسقَون من عينٍ آنيةٍ في النار، ولا يتنافى ذلك مع قدرة الله عز وجل.
🔸أمَّا طعامُهم فقال: ﴿لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (٦) لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ﴾ [الغاشية ٦، ٧].(الضريع) قالوا: إنَّه شجرٌ ذو شوكٍ عظيمٍ إذا يَبِس لا يرعاه ولا البهائم، وإن كان أخضر رَعَتْه الإبل، ويُسَمَّى عندنا الشبرق، هذا الضريع؛ هو شجرٌ ذو شوك، إذا يَبِس لا يُرعى لأنه شوك، وإذا كان أخضر ترعاه الإبل.
🔸هم -والعياذ بالله- في نار جهنم ليس لهم طعامٌ إلا من هذا الضريع، ولكن لا تظنوا أنَّ الضريع الذي في نار جهنم كالضريع الذي في الدنيا، يختلف عنه اختلافًا عظيمًا، ولهذا قال: ﴿لَا يُسْمِنُ﴾ فلا ينفع الأبدانَ في ظاهرها ﴿وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ﴾ فلا ينفعها في باطنها، فهو لا خير فيه، ليس فيه إلا الشوك، والتجرُّع العظيم، والمرارة، والرائحة المنتنة التي لا يستفيدون منها شيئًا.
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_الغاشية ❤️✨
◀️ ﷽
﴿تَصلى نارًا حامِيَةًتُسقى مِن عَينٍ آنِيَةٍلَيسَ لَهُم طَعامٌ إِلّا مِن ضَريعٍلا يُسمِنُ وَلا يُغني مِن جوعٍ﴾ [الغاشية: ٤-٧]
🔲 نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير من سورة (الغاشية) عند قوله: ﴿تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً﴾ [الغاشية: ٤] أي: تُدخَل في نارِ جهنَّم -والعياذ بالله- النار الحامية التي بلغتْ من حموها أنها فضِّلتْ على نار الدنيا بتسعةٍ وستين جزءًا؛ يعني نار الدنيا كلُّها بما فيها من أشدِّ ما يكون من حرارةٍ، نارُ جهنم أشدُّ منها بتسعةٍ وستين جزءًا.ويدلُّك على شدَّة حرارتها أنَّ هذه الشمس حرارتها تَصِل إلينا مع بُعد ما بيننا وبينها، ومع أنها تنفذ من خلال أجواءٍ باردةٍ غاية البرودة تَصِل إلينا هذه الحرارة التي تُدركونها، ولا سيَّما في أيام الصيف، فالنار -أعاذنا الله وإيَّاكم منها- نارٌ حاميةٌ.
◾ثم قال ﴿تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (٥) لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ﴾ [الغاشية: ٥، ٦] لَمَّا بيَّن مكانَهم -والعياذ بالله- وأنهم في نار جهنم الحامية، بيَّن طعامَهم وشرابَهم فقال: ﴿تُسْقَى﴾ أي: هذه الوجوه ﴿مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ﴾ أي: شديدة الحرارة، هذا بالنسبة لشرابهم، ومع هذا لا يأتي هذا الشراب بكلِّ سهولةٍ أو كلَّما عطشوا سُقُوا، لا، إنما يُؤتَون كلَّما اشتدَّ عطشُهم -والعياذ بالله- واستغاثوا كما قال تعالى: ﴿وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ﴾ [الكهف ٢٩]، هذا الماء إذا قَرُبَ من وُجوههم شواها وتساقط لحمُها، وإذا دخل في أجوافهم يقول عز وجل: ﴿وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ﴾ [محمد ١٥]، إذَنْ لا يستفيدون منه لا ظاهرًا ولا باطنًا؛ لا ظاهرًا بالبرودة يُبَرِّد الوجوه، ولا باطنًا بالرِّيِّ، ولكنهم -والعياذ بالله- يُغاثون بهذا الماء، ولهذا قال: ﴿تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ﴾.
✴️ فإذا قال قائل: كيف تكون هذه العين في نار جهنم والعادةُ أنَّ الماء يُطفئ النار؟ أليس كذلك؟فالجواب: إنَّ أُمور الآخرة لا تُقاس بأُمور الدنيا، لو أنها قِيستْ بأمور الدنيا ما استطعنا أن نتصوَّر كيف يكون؛ أليست الشمس تدنو يوم القيامة من رؤوس الناس على قدر مِيلٍ! والميل إمَّا مِيل المكحلة وهو نصف الإصبع، أو مِيل المسافة؛ كيلو وثُلث أو نحو ذلك، وحتى لو كان كذلك فإنَّه لو كانت الآخرة كالدنيا لَشوت الناسَ شيًّا، لكن الآخرة لا تقاس بالدنيا.أيضًا يُحشَر الناس يوم القيامة في مكانٍ واحدٍ، منهم مَن هو في ظُلمةٍ شديدةٍ، ومنهم مَن هو في نورٍ؛ ﴿نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ﴾ [التحريم ٨]، يُحشَرون في مكانٍ واحدٍ ويعرقون.
🔹 منهم مَن يَصِل العرق إلى كعبيه، ومنهم مَن يَصِل إلى رُكبتيه، ومنهم مَن يَصِل إلى حقويه، ومع ذلك هم في مكانٍ واحد، إذَنْ أحوال الآخرة لا يجوز أن تُقاس بأحوال الدنيا. فلو قال قائل: كيف يكون الماء في النار؟ قلنا:
🔵 أولًا: أحوال الآخرة لا تُقاس بأحوال الدنيا.
🟡 ثانيًا: إنَّ الله على كلِّ شيءٍ قدير.
🔹ها نحن الآن نجد أنَّ الشجر الأخضر تُوقَد منه النار كما قال تعالى: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ﴾ [يس ٨٠] الشجر الأخضر رطب، ومع ذلك إذا ضُرِب بعضُه ببعض أو ضُرِب بالزند انقدح، خرج منه نارٌ حارَّة يابسة وهو رطبٌ بارد، فالله على كلِّ شيءٍ قدير، فهُم يُسقَون من عينٍ آنيةٍ في النار، ولا يتنافى ذلك مع قدرة الله عز وجل.
🔸أمَّا طعامُهم فقال: ﴿لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (٦) لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ﴾ [الغاشية ٦، ٧].(الضريع) قالوا: إنَّه شجرٌ ذو شوكٍ عظيمٍ إذا يَبِس لا يرعاه ولا البهائم، وإن كان أخضر رَعَتْه الإبل، ويُسَمَّى عندنا الشبرق، هذا الضريع؛ هو شجرٌ ذو شوك، إذا يَبِس لا يُرعى لأنه شوك، وإذا كان أخضر ترعاه الإبل.
🔸هم -والعياذ بالله- في نار جهنم ليس لهم طعامٌ إلا من هذا الضريع، ولكن لا تظنوا أنَّ الضريع الذي في نار جهنم كالضريع الذي في الدنيا، يختلف عنه اختلافًا عظيمًا، ولهذا قال: ﴿لَا يُسْمِنُ﴾ فلا ينفع الأبدانَ في ظاهرها ﴿وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ﴾ فلا ينفعها في باطنها، فهو لا خير فيه، ليس فيه إلا الشوك، والتجرُّع العظيم، والمرارة، والرائحة المنتنة التي لا يستفيدون منها شيئًا.
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
Photo
( الدرس ٨٢ )
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_الغاشية ❤️✨
◀️ ﷽
﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ (٨) لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ (٩) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (١٠) لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً﴾ [الغاشية ٨ - ١١]
🔲 هذا الدرس نتكلم على قول الله تبارك وتعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ (٨) لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ (٩) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (١٠) لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً﴾ [الغاشية ٨ - ١١] قسَّم الله سبحانه وتعالى الناسَ يوم القيامة إلى قِسمين:
🔵 القِسم الأول: وجوهٌ عاملةٌ خاشعةٌ ناصبةٌ، وسبق الكلامُ على ذلك.
🟡 القِسم الثاني: وجوهٌ ناعمةٌ؛ أي: ناعمةٌ بما أعطاها الله عز وجل من السرور والثواب الجزيل؛ لأنها عَلِمت ذلك وهي في قبورها؛ فإنَّ الإنسان في قبره يُنَعَّم، يُفتَح له بابٌ إلى الجنة فيأتيه من رَوحها ونعيمها، فهي ناعمة.
🔹وقوله﴿لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ﴾ [الغاشية: ٩] أي: لعملها الذي عَمِلتْه في الدنيا راضية؛ لأنها وصلتْ به إلى هذا النعيم وهذا السرور وهذا الفرح، فهي راضيةٌ لسَعْيها، بخلاف الوجوه الأولى فإنها غاضبةٌ -والعياذ بالله- غيرُ راضيةٍ على ما قدَّمت.
◾وقوله ﴿فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ﴾ [الغاشية: ١٠] الجنَّة هي دار النعيم التي أعدَّها الله عز وجل لأوليائه يوم القيامة، فيها ما لا عينٌ رأتْ، ولا أُذنٌ سمعتْ، ولا خَطَر على قلب بَشَر؛ قال الله تبارك وتعالى: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [السجدة ١٧]، وقال الله تبارك وتعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (٢) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (٣) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ﴾ إلى قوله: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (١٠) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [المؤمنون ١ - ١١]، وقال الله تعالى: ﴿وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [الزخرف ٧١]، فهُم في جنَّةٍ عالية، العلوُّ ضدُّ السُّفول، فهي فوق السماوات السبع، ومن المعلوم أنَّه في يوم القيامة تزول السماوات السبع والأرضون ولا يبقى إلا الجنة والنار، فهي عالية، وأعلاها ووسطها الفردوس الذي فوقه عرش الربِّ جل وعلا.
🔸وقوله ﴿لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً﴾ [الغاشية: ١١] أي: لا تَسمع في هذه الجنة قولةً لاغيةً أو نفْسًا لاغيةً، بل كلُّ ما فيها جِدٌّ، كلُّ ما فيها سلامٌ، كلُّ ما فيها تسبيح، تحميد، تهليل، تكبير؛ يُلهَمون التسبيحَ كما يُلهَمون النَّفَس؛ أي إنَّه لا يشقُّ عليهم ولا يتأثَّرون به، فهُم دائمًا في ذِكر الله عز وجل وتسبيحٍ وأُنسٍ وسرورٍ، يأتي بعضهم إلى بعضٍ، يزور بعضهم بعضًا، في حبورٍ لا نظير له، نسأل الله أن يجعلنا وإيَّاكم من أهلها.
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_الغاشية ❤️✨
◀️ ﷽
﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ (٨) لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ (٩) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (١٠) لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً﴾ [الغاشية ٨ - ١١]
🔲 هذا الدرس نتكلم على قول الله تبارك وتعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ (٨) لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ (٩) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (١٠) لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً﴾ [الغاشية ٨ - ١١] قسَّم الله سبحانه وتعالى الناسَ يوم القيامة إلى قِسمين:
🔵 القِسم الأول: وجوهٌ عاملةٌ خاشعةٌ ناصبةٌ، وسبق الكلامُ على ذلك.
🟡 القِسم الثاني: وجوهٌ ناعمةٌ؛ أي: ناعمةٌ بما أعطاها الله عز وجل من السرور والثواب الجزيل؛ لأنها عَلِمت ذلك وهي في قبورها؛ فإنَّ الإنسان في قبره يُنَعَّم، يُفتَح له بابٌ إلى الجنة فيأتيه من رَوحها ونعيمها، فهي ناعمة.
🔹وقوله﴿لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ﴾ [الغاشية: ٩] أي: لعملها الذي عَمِلتْه في الدنيا راضية؛ لأنها وصلتْ به إلى هذا النعيم وهذا السرور وهذا الفرح، فهي راضيةٌ لسَعْيها، بخلاف الوجوه الأولى فإنها غاضبةٌ -والعياذ بالله- غيرُ راضيةٍ على ما قدَّمت.
◾وقوله ﴿فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ﴾ [الغاشية: ١٠] الجنَّة هي دار النعيم التي أعدَّها الله عز وجل لأوليائه يوم القيامة، فيها ما لا عينٌ رأتْ، ولا أُذنٌ سمعتْ، ولا خَطَر على قلب بَشَر؛ قال الله تبارك وتعالى: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [السجدة ١٧]، وقال الله تبارك وتعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (٢) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (٣) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ﴾ إلى قوله: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (١٠) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [المؤمنون ١ - ١١]، وقال الله تعالى: ﴿وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [الزخرف ٧١]، فهُم في جنَّةٍ عالية، العلوُّ ضدُّ السُّفول، فهي فوق السماوات السبع، ومن المعلوم أنَّه في يوم القيامة تزول السماوات السبع والأرضون ولا يبقى إلا الجنة والنار، فهي عالية، وأعلاها ووسطها الفردوس الذي فوقه عرش الربِّ جل وعلا.
🔸وقوله ﴿لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً﴾ [الغاشية: ١١] أي: لا تَسمع في هذه الجنة قولةً لاغيةً أو نفْسًا لاغيةً، بل كلُّ ما فيها جِدٌّ، كلُّ ما فيها سلامٌ، كلُّ ما فيها تسبيح، تحميد، تهليل، تكبير؛ يُلهَمون التسبيحَ كما يُلهَمون النَّفَس؛ أي إنَّه لا يشقُّ عليهم ولا يتأثَّرون به، فهُم دائمًا في ذِكر الله عز وجل وتسبيحٍ وأُنسٍ وسرورٍ، يأتي بعضهم إلى بعضٍ، يزور بعضهم بعضًا، في حبورٍ لا نظير له، نسأل الله أن يجعلنا وإيَّاكم من أهلها.
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️