«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
Photo
( الدرس ٧١ )
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_الأعلي ❤️✨
◀️ ﷽
﴿سَبِّحِ ٱسۡمَ رَبِّكَ ٱلۡأَعۡلَى﴾ [الأعلى ١]
🔲 سُورَةُ سَبِّحْ وتُسَمّى الأعْلىقالَ المَلْوِيُّ: وكانَ النَّبِيُّ ﷺ [يُحِبُّها - ] لِكَثْرَةِ ما اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنَ العُلُومِ والخَيْراتِ – مَقْصُودُها إيجابُ التَّنْزِيهِ لِلْأعْلى سُبْحانَهُ وتَعالى عَنْ أنْ يَلْحَقَ ساحَةَ عَظَمَتِهِ شَيْءٌ مِن شَوائِبِ النَّقْصِ كاسْتِعْجالٍ في أمْرٍ مِن إهْلاكٍ لِلْكافِرِينَ أوْ غَيْرِهِ أوِ العَجْزِ عَنِ البَعْثِ أوْ إهْمالِ الخَلْقِ سُدًى يَبْغِي بَعْضُهم عَلى بَعْضٍ بِغَيْرِ حِسابٍ، أوْ أنْ يَتَكَلَّمَ بِما [لا - ] يُطابِقُ الواقِعَ أوْ بِما يَقْدِرُ أحَدٌ أنْ يَتَكَلَّمَ بِمِثْلِهِ كَما أذِنَتْ بِذَلِكَ الطّارِقُ مُجْمَلًا وشَرَحَتْهُ هَذِهِ مُفَصَّلًا، وعَلى ذَلِكَ دَلَّ كُلٌّ مِنِ اسْمِها سَبِّحْ والأعْلى ( بِسْمِ اللَّهِ ) الَّذِي لَهُ العُلى كُلُّهُ فَلا نَقْصَ يَلْحَقُهُ ( الرَّحْمَنِ ) الَّذِي عَمَّ جُودُهُ، فَكُلُّ مَوْجُودٍ هو الَّذِي أوْجَدَهُ وكُلُّ حَيَوانٍ هو الَّذِي يُرَبِّيهِ ويَرْزُقُهُ ( الرَّحِيمِ ) الَّذِي [مَن - ] كانَ مِن حِزْبِهِ فَإنَّهُ يَلْزَمُهُ الطّاعَةَ ويُيَسِّرُها لَهُ ويُوَفِّقُهُ.
✴️ لِما تَضَمَّنَ أمْرُهُ سُبْحانَهُ في آخِرِ الطّارِقِ بِالإمْهالِ النَّهْيَ عَنِ الِاسْتِعْجالِ الَّذِي هو مُنَزَّهٌ عَنْهُ لِكَوْنِهِ [نَقْصًا- ]، وأشارَ نَفْيُ الهَزْلِ [عَنِ القُرْآنِ -] - إلى أنَّهم وصَمُوهُ بِذَلِكَ وهو في غايَةِ البُعْدِ [عَنْهُ - ] إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِمّا أُشِيرَ إلَيْهِ فِيها ونَزَّهَ نَفْسَهُ الأقْدَسَ سُبْحانَهُ عَنْهُ، أمَرَ أكْمَلَ خَلْقِهِ رَسُولَهُ المُنَزَّلُ عَلَيْهِ هَذا القُرْآنُ ﷺ بِتَنْزِيهِ اسْمِهِ لِأنَّهُ وحْدَهُ العالِمُ بِذَلِكَ حَقَّ عِلْمِهِ، وإذا نُزِّهَ اسْمُهُ عَنْ أنْ يَدْعُوَ بِهِ وثَنًا أوْ غَيْرَهُ أوْ يَضَعُهُ في غَيْرِ ما يَلِيقُ بِهِ، كانَ لِذاتِهِ سُبْحانَهُ أشَدَّ تَنْزِيهًا، فَقالَ مُرَغِّبًا في الذِّكْرِ لا سِيَّما بِالتَّنْزِيهِ الَّذِي هو نَفْيُ المُسْتَحِيلاتِ لِأنَّ التَّخَلِّي قَبْلَ التَّحَلِّي، شارِحًا لِأُصُولِ الدِّينِ مُقَدِّمًا لِلْإلَهِيّاتِ الَّتِي هي النِّهاياتُ مِنَ الذّاتِ ثُمَّ الصِّفاتُ لا سِيَّما القَيُّومِيَّةُ ثُمَّ الأفْعالُ عَلى النُّبُوّاتِ، ثُمَّ أتْبَعَ ذَلِكَ النُّبُوَّةَ لِيَعْرِفَ العَبْدُ رَبَّهُ عَلى ما هو عَلَيْهِ مِنَ الجَلالِ والجَمالِ، فَيَزُولُ عَنْهُ داءُ الجَهْلِ المُوقِعُ في التَّقْلِيدِ، وداءُ الكِبْرِ المُوقِعُ في إنْكارِ الحُقُوقِ، فَيَعْتَرِفُ بِالعُبُودِيَّةِ والرُّبُوبِيَّةِ، لا مُثْنِيًا عَلَيْهِ سُبْحانَهُ بِالجَلالِ ثُمَّ الجَمالِ فَيَعْبُدُهُ عَلى ما يَلِيقُ بِهِ مِنَ امْتِثالِ أمْرِهِ واجْتِنابِ نَهْيِهِ تَعْظِيمًا لِقَدْرِهِ: ﴿سَبِّحِ﴾ أيْ نَزَّهَ وبَرِئَ تَنْزِيهًا وتَبْرِئَةً عَظِيمَتَيْنِ جَدًّا قَوِيَّتَيْنِ شَدِيدَتَيْنِ ﴿اسْمَ رَبِّكَ﴾ أيِ المُحْسِنُ إلَيْكَ بَعْدَ إيجادِكَ عَلى صِفَةِ الكَمالِ بِتَرْبِيَتِكَ عَلى أحْسَنِ الخِلالِ حَتّى كُنْتَ في غايَةِ الجَلالِ والجَمالِ.
🔀 ولَمّا كانَ الإنْسانُ مُحْتاجًا في أنْ تَكُونَ حَياتُهُ طَيِّبَةً لِيَتَمَكَّنَ مِمّا يُرِيدُ إلى ثَلاثَةِ أشْياءَ: كَبِيرٌ يَنْتَمِي إلَيْهِ لِيَكُونَ لَهُ بِهِ رِفْعَةٌ يَنْفَعُهُ بِها عِنْدَ مُهِمّاتِهِ، ويَدْفَعُ عَنْهُ عِنْدَ ضَرُوراتِهِ، ومُقْتَدى يَرْبُطُ بِهِ نَفْسَهُ عِنْدَ مُلِمّاتِهِ، وطَرِيقَةٌ مُثْلى تَرْتَكِبُها كَما أشارَ إلَيْهِ قَوْلُهُ ﷺ «رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا وبِمُحَمَّدٍ ﷺ نَبِيًّا ورَسُولًا وبِالإسْلامِ دِينًا» أرْشَدَهُ ﷺ إلى أنَّ الِانْقِطاعَ إلَيْهِ أعْلى الجاهِ، فَقالَ واصِفًا لِمَن أمَرَهُ بِتَسْبِيحِهِ بِإثْباتِ ما لَهُ مِنَ الواجِباتِ بَعْدَ نَفْيِ المُسْتَحِيلاتِ كَما أشارَ إلَيْهِ ”سُبْحانَكَ وبِحَمْدِكَ“: ﴿الأعْلى﴾ [أيِ - ] الَّذِي لَهُ وصْفُ الأعْلَوِيَّةِ في المَكانَةِ لا المَكانُ عَلى الإطْلاقِ عَنْ كُلِّ شائِبَةِ نَقْصٍ وكُلِّ سُوءٍ مِنَ الإلْحادِ في شَيْءٍ مِن أسْمائِهِ بِالتَّأْوِيلاتِ الزّائِغَةِ وإطْلاقِهِ إلى غَيْرِهِ مَعَ زَعْمٍ أنَّهُما فِيهِ سَواءٌ، وذَكَرَهُ خالِيًا عَنِ التَّعْظِيمِ وغَيْرِ ذَلِكَ لِيَكُونَ راسِخًا في التَّنْزِيهِ فَيَكُونُ مِن أهْلِ العِرْفانِ الَّذِينَ يُضِيئُونَ عَلى النّاسِ مَعَ كَوْنِهِمْ في الرُّسُوخِ كالأوْتادِ الشّامِخَةِ الَّتِي هي مَعَ عُلُوِّها لا تَتَزَحْزَحُ، وقَدْ ذَكَرَ سُبْحانَهُ هَذا المَعْنى مُعَبِّرًا عَنْهُ بِجَمِيعِ جِهاتِهِ [الأرْبَعِ - ] في ابْتِداءِ سُوَرِ أرْبَعٌ اسْتِيعابًا لِهَذِهِ الكَلِمَةِ الحُسْنى الشَّرِيفَةِ مِن جَمِيعِ جِهاتِها.
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_الأعلي ❤️✨
◀️ ﷽
﴿سَبِّحِ ٱسۡمَ رَبِّكَ ٱلۡأَعۡلَى﴾ [الأعلى ١]
🔲 سُورَةُ سَبِّحْ وتُسَمّى الأعْلىقالَ المَلْوِيُّ: وكانَ النَّبِيُّ ﷺ [يُحِبُّها - ] لِكَثْرَةِ ما اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنَ العُلُومِ والخَيْراتِ – مَقْصُودُها إيجابُ التَّنْزِيهِ لِلْأعْلى سُبْحانَهُ وتَعالى عَنْ أنْ يَلْحَقَ ساحَةَ عَظَمَتِهِ شَيْءٌ مِن شَوائِبِ النَّقْصِ كاسْتِعْجالٍ في أمْرٍ مِن إهْلاكٍ لِلْكافِرِينَ أوْ غَيْرِهِ أوِ العَجْزِ عَنِ البَعْثِ أوْ إهْمالِ الخَلْقِ سُدًى يَبْغِي بَعْضُهم عَلى بَعْضٍ بِغَيْرِ حِسابٍ، أوْ أنْ يَتَكَلَّمَ بِما [لا - ] يُطابِقُ الواقِعَ أوْ بِما يَقْدِرُ أحَدٌ أنْ يَتَكَلَّمَ بِمِثْلِهِ كَما أذِنَتْ بِذَلِكَ الطّارِقُ مُجْمَلًا وشَرَحَتْهُ هَذِهِ مُفَصَّلًا، وعَلى ذَلِكَ دَلَّ كُلٌّ مِنِ اسْمِها سَبِّحْ والأعْلى ( بِسْمِ اللَّهِ ) الَّذِي لَهُ العُلى كُلُّهُ فَلا نَقْصَ يَلْحَقُهُ ( الرَّحْمَنِ ) الَّذِي عَمَّ جُودُهُ، فَكُلُّ مَوْجُودٍ هو الَّذِي أوْجَدَهُ وكُلُّ حَيَوانٍ هو الَّذِي يُرَبِّيهِ ويَرْزُقُهُ ( الرَّحِيمِ ) الَّذِي [مَن - ] كانَ مِن حِزْبِهِ فَإنَّهُ يَلْزَمُهُ الطّاعَةَ ويُيَسِّرُها لَهُ ويُوَفِّقُهُ.
✴️ لِما تَضَمَّنَ أمْرُهُ سُبْحانَهُ في آخِرِ الطّارِقِ بِالإمْهالِ النَّهْيَ عَنِ الِاسْتِعْجالِ الَّذِي هو مُنَزَّهٌ عَنْهُ لِكَوْنِهِ [نَقْصًا- ]، وأشارَ نَفْيُ الهَزْلِ [عَنِ القُرْآنِ -] - إلى أنَّهم وصَمُوهُ بِذَلِكَ وهو في غايَةِ البُعْدِ [عَنْهُ - ] إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِمّا أُشِيرَ إلَيْهِ فِيها ونَزَّهَ نَفْسَهُ الأقْدَسَ سُبْحانَهُ عَنْهُ، أمَرَ أكْمَلَ خَلْقِهِ رَسُولَهُ المُنَزَّلُ عَلَيْهِ هَذا القُرْآنُ ﷺ بِتَنْزِيهِ اسْمِهِ لِأنَّهُ وحْدَهُ العالِمُ بِذَلِكَ حَقَّ عِلْمِهِ، وإذا نُزِّهَ اسْمُهُ عَنْ أنْ يَدْعُوَ بِهِ وثَنًا أوْ غَيْرَهُ أوْ يَضَعُهُ في غَيْرِ ما يَلِيقُ بِهِ، كانَ لِذاتِهِ سُبْحانَهُ أشَدَّ تَنْزِيهًا، فَقالَ مُرَغِّبًا في الذِّكْرِ لا سِيَّما بِالتَّنْزِيهِ الَّذِي هو نَفْيُ المُسْتَحِيلاتِ لِأنَّ التَّخَلِّي قَبْلَ التَّحَلِّي، شارِحًا لِأُصُولِ الدِّينِ مُقَدِّمًا لِلْإلَهِيّاتِ الَّتِي هي النِّهاياتُ مِنَ الذّاتِ ثُمَّ الصِّفاتُ لا سِيَّما القَيُّومِيَّةُ ثُمَّ الأفْعالُ عَلى النُّبُوّاتِ، ثُمَّ أتْبَعَ ذَلِكَ النُّبُوَّةَ لِيَعْرِفَ العَبْدُ رَبَّهُ عَلى ما هو عَلَيْهِ مِنَ الجَلالِ والجَمالِ، فَيَزُولُ عَنْهُ داءُ الجَهْلِ المُوقِعُ في التَّقْلِيدِ، وداءُ الكِبْرِ المُوقِعُ في إنْكارِ الحُقُوقِ، فَيَعْتَرِفُ بِالعُبُودِيَّةِ والرُّبُوبِيَّةِ، لا مُثْنِيًا عَلَيْهِ سُبْحانَهُ بِالجَلالِ ثُمَّ الجَمالِ فَيَعْبُدُهُ عَلى ما يَلِيقُ بِهِ مِنَ امْتِثالِ أمْرِهِ واجْتِنابِ نَهْيِهِ تَعْظِيمًا لِقَدْرِهِ: ﴿سَبِّحِ﴾ أيْ نَزَّهَ وبَرِئَ تَنْزِيهًا وتَبْرِئَةً عَظِيمَتَيْنِ جَدًّا قَوِيَّتَيْنِ شَدِيدَتَيْنِ ﴿اسْمَ رَبِّكَ﴾ أيِ المُحْسِنُ إلَيْكَ بَعْدَ إيجادِكَ عَلى صِفَةِ الكَمالِ بِتَرْبِيَتِكَ عَلى أحْسَنِ الخِلالِ حَتّى كُنْتَ في غايَةِ الجَلالِ والجَمالِ.
🔀 ولَمّا كانَ الإنْسانُ مُحْتاجًا في أنْ تَكُونَ حَياتُهُ طَيِّبَةً لِيَتَمَكَّنَ مِمّا يُرِيدُ إلى ثَلاثَةِ أشْياءَ: كَبِيرٌ يَنْتَمِي إلَيْهِ لِيَكُونَ لَهُ بِهِ رِفْعَةٌ يَنْفَعُهُ بِها عِنْدَ مُهِمّاتِهِ، ويَدْفَعُ عَنْهُ عِنْدَ ضَرُوراتِهِ، ومُقْتَدى يَرْبُطُ بِهِ نَفْسَهُ عِنْدَ مُلِمّاتِهِ، وطَرِيقَةٌ مُثْلى تَرْتَكِبُها كَما أشارَ إلَيْهِ قَوْلُهُ ﷺ «رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا وبِمُحَمَّدٍ ﷺ نَبِيًّا ورَسُولًا وبِالإسْلامِ دِينًا» أرْشَدَهُ ﷺ إلى أنَّ الِانْقِطاعَ إلَيْهِ أعْلى الجاهِ، فَقالَ واصِفًا لِمَن أمَرَهُ بِتَسْبِيحِهِ بِإثْباتِ ما لَهُ مِنَ الواجِباتِ بَعْدَ نَفْيِ المُسْتَحِيلاتِ كَما أشارَ إلَيْهِ ”سُبْحانَكَ وبِحَمْدِكَ“: ﴿الأعْلى﴾ [أيِ - ] الَّذِي لَهُ وصْفُ الأعْلَوِيَّةِ في المَكانَةِ لا المَكانُ عَلى الإطْلاقِ عَنْ كُلِّ شائِبَةِ نَقْصٍ وكُلِّ سُوءٍ مِنَ الإلْحادِ في شَيْءٍ مِن أسْمائِهِ بِالتَّأْوِيلاتِ الزّائِغَةِ وإطْلاقِهِ إلى غَيْرِهِ مَعَ زَعْمٍ أنَّهُما فِيهِ سَواءٌ، وذَكَرَهُ خالِيًا عَنِ التَّعْظِيمِ وغَيْرِ ذَلِكَ لِيَكُونَ راسِخًا في التَّنْزِيهِ فَيَكُونُ مِن أهْلِ العِرْفانِ الَّذِينَ يُضِيئُونَ عَلى النّاسِ مَعَ كَوْنِهِمْ في الرُّسُوخِ كالأوْتادِ الشّامِخَةِ الَّتِي هي مَعَ عُلُوِّها لا تَتَزَحْزَحُ، وقَدْ ذَكَرَ سُبْحانَهُ هَذا المَعْنى مُعَبِّرًا عَنْهُ بِجَمِيعِ جِهاتِهِ [الأرْبَعِ - ] في ابْتِداءِ سُوَرِ أرْبَعٌ اسْتِيعابًا لِهَذِهِ الكَلِمَةِ الحُسْنى الشَّرِيفَةِ مِن جَمِيعِ جِهاتِها.
«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
Photo
( الدرس ٧٢ )
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_الأعلي ❤️✨
◀️ ﷽
﴿ٱلَّذِی خَلَقَ فَسَوَّىٰ﴾ [الأعلى ٢]
🔲 نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير من سورة (الاعلي) عند قوله: ﴿الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى﴾ [الأعلى ٢]، ﴿خَلَقَ﴾ يعني: أوجَدَ من العدم، كلُّ المخلوقات أوجدها الله عز وجل؛ قال الله تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ﴾ [الحج ٧٣] سبحان الله! الله يقول: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا﴾ استمع، ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ﴾ [الحج ٧٣]، واللَّهِ مثلٌ عظيم، كلُّ الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابًا ولو اجتمعوا له.
🔹 لو يجتمع جميع الآلهة التي تُعبَد من دون الله وجميع السلاطين وجميع الرؤساء وجميع المهندسين على أن يخلقوا ذبابًا واحدًا ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا، الآن ونحن في هذا العصر وقد تقدَّمت الصناعة هذا التقدم الهائل، لو اجتمع كلُّ هؤلاء الخلق أن يخلقوا ذبابًا ما استطاعوا، حتى لو أنهم كما يقولون: إنهم صنعوا آدميًّا آليًّا، ما يستطيعون أن يخلقوا ذبابًا، هذا الآدمِيُّ الآلِيُّ ما هو إلا آلات تتحرَّك فقط، لكنْ لا تجوع، ولا تعطش، ولا تحترُّ، ولا تَبرد، ولا تتحرَّك إلا بتحريك. الذبابُ لا يمكن أن يخلقه كلُّ مَن سِوى الله، فالله سبحانه وتعالى وحده هو الخالق، وبماذا يَخلق؟ بكلمةٍ واحدةٍ؛ ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [آل عمران ٥٩]، ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يس ٨٢]، كلمة واحدة، الخلائق كلُّها تموت وتفنى وتأكلها الأرض، وتأكلها السباع، وتحرقها النيران، وإذا كان يوم القيامة زَجَرها الله زجرةً واحدةً: اخرجي.
🔸فتخرج؛ ﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (١٣) فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ﴾ [النازعات ١٣، ١٤]، ﴿إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ﴾ [يس ٥٣]، كلُّ العالَم من إنسٍ وجنٍّ ووحوشٍ وحشراتٍ وغيرها، كلُّها يوم القيامة تُحشَر بكلمةٍ واحدة.إذَن فالله عز وجل وحده هو الخالق ولا أحد يَخلق معه، والخلْق لا يُعسره ولا يُعجزه، وهو سهلٌ عليه، ويكون بكلمةٍ واحدة.
◾وقوله: ﴿فَسَوَّى﴾، ﴿خَلَقَ فَسَوَّى﴾ يعني: سَوَّى ما خَلَق على أحسن صورة، وعلى الصورة المناسِبة؛ الإنسان مثلًا قال الله تعالى في سورة الانفطار: ﴿الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (٧) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ﴾ [الانفطار ٧، ٨]، ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ [التين ٤]، لا يوجد في الخلائق شيءٌ أحسنُ من خِلقة الإنسان؛ رأسُه فوق، وقلبُه في الصدر، وعلى هيئةٍ تامَّة، ولهذا أول مَن يدخل في قوله: ﴿فَسَوَّى﴾ هو تسوية الإنسان، ﴿الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى﴾ كلُّ شيءٍ يُسَوَّى على الوجه الذي يكون لائقًا به.
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_الأعلي ❤️✨
◀️ ﷽
﴿ٱلَّذِی خَلَقَ فَسَوَّىٰ﴾ [الأعلى ٢]
🔲 نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير من سورة (الاعلي) عند قوله: ﴿الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى﴾ [الأعلى ٢]، ﴿خَلَقَ﴾ يعني: أوجَدَ من العدم، كلُّ المخلوقات أوجدها الله عز وجل؛ قال الله تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ﴾ [الحج ٧٣] سبحان الله! الله يقول: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا﴾ استمع، ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ﴾ [الحج ٧٣]، واللَّهِ مثلٌ عظيم، كلُّ الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابًا ولو اجتمعوا له.
🔹 لو يجتمع جميع الآلهة التي تُعبَد من دون الله وجميع السلاطين وجميع الرؤساء وجميع المهندسين على أن يخلقوا ذبابًا واحدًا ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا، الآن ونحن في هذا العصر وقد تقدَّمت الصناعة هذا التقدم الهائل، لو اجتمع كلُّ هؤلاء الخلق أن يخلقوا ذبابًا ما استطاعوا، حتى لو أنهم كما يقولون: إنهم صنعوا آدميًّا آليًّا، ما يستطيعون أن يخلقوا ذبابًا، هذا الآدمِيُّ الآلِيُّ ما هو إلا آلات تتحرَّك فقط، لكنْ لا تجوع، ولا تعطش، ولا تحترُّ، ولا تَبرد، ولا تتحرَّك إلا بتحريك. الذبابُ لا يمكن أن يخلقه كلُّ مَن سِوى الله، فالله سبحانه وتعالى وحده هو الخالق، وبماذا يَخلق؟ بكلمةٍ واحدةٍ؛ ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [آل عمران ٥٩]، ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يس ٨٢]، كلمة واحدة، الخلائق كلُّها تموت وتفنى وتأكلها الأرض، وتأكلها السباع، وتحرقها النيران، وإذا كان يوم القيامة زَجَرها الله زجرةً واحدةً: اخرجي.
🔸فتخرج؛ ﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (١٣) فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ﴾ [النازعات ١٣، ١٤]، ﴿إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ﴾ [يس ٥٣]، كلُّ العالَم من إنسٍ وجنٍّ ووحوشٍ وحشراتٍ وغيرها، كلُّها يوم القيامة تُحشَر بكلمةٍ واحدة.إذَن فالله عز وجل وحده هو الخالق ولا أحد يَخلق معه، والخلْق لا يُعسره ولا يُعجزه، وهو سهلٌ عليه، ويكون بكلمةٍ واحدة.
◾وقوله: ﴿فَسَوَّى﴾، ﴿خَلَقَ فَسَوَّى﴾ يعني: سَوَّى ما خَلَق على أحسن صورة، وعلى الصورة المناسِبة؛ الإنسان مثلًا قال الله تعالى في سورة الانفطار: ﴿الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (٧) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ﴾ [الانفطار ٧، ٨]، ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ [التين ٤]، لا يوجد في الخلائق شيءٌ أحسنُ من خِلقة الإنسان؛ رأسُه فوق، وقلبُه في الصدر، وعلى هيئةٍ تامَّة، ولهذا أول مَن يدخل في قوله: ﴿فَسَوَّى﴾ هو تسوية الإنسان، ﴿الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى﴾ كلُّ شيءٍ يُسَوَّى على الوجه الذي يكون لائقًا به.
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
Photo
( الدرس ٧٣ )
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_الأعلي ❤️✨
◀️ ﷽
﴿وَٱلَّذِی قَدَّرَ فَهَدَىٰ﴾ [الأعلى ٣]
🔲 نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير من سورة (الأعلي) عند قوله﴿وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى﴾ [الأعلى: ٣] قدَّرَ كلَّ شيءٍ عز وجل؛ كما قال تعالى: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾ [الفرقان ٢]، قدَّره في حاله وفي مآله، في ذاته وفي صفاته، كلُّ شيءٍ له قَدْرٌ محدودٌ، الآجال محدودة، الأحوال محدودة، الأجسام محدودة، كلُّ شيءٍ مقدَّر تقديرًا كما قال تعالى: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾.
🔹 وقوله: ﴿فَهَدَى﴾ يشمل الهداية الشرعية والهداية الكونية: الهداية الكونية أنَّ الله هدى كلَّ شيءٍ لِمَا خُلِق له؛ قال فرعون لموسى: ﴿قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى (٤٩) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾ [طه ٤٩، ٥٠]، تجد كلَّ مخلوقٍ قد هداه الله تعالى لِمَا يحتاج إليه؛ الطفل الآن.. انظر إلى الطفل إذا خرج من بطن أمِّه وأراد أن يرضع، هل فيه أحد يقول: ارفعْ رأسَك، ارضعْ من الثدي؟ لا.
✴️ ولو كان فيه أحد ما فَقَه، لكن يهديه الله عز وجل إلى هذا الثدي يرتضع منه. وانظر إلى أدنى الحشرات؛ النمل مثلًا، أين تضع بيوتها؟ لا تضع بيوتها إلا في مكانٍ مرتفعٍ من الأرض، على ربوةٍ من الأرض، لماذا؟ تخشى من السيول تدخل بيوتها فتُفسدها، أيضًا إذا جاء المطر وكان في جحورها أو في بيوتها طعامٌ من الحبوب تخرج به إذا طلعت الشمس تنشره، لماذا؟ لئلَّا يعفن، وهي قبل أن تدَّخره تأكل أطرافها -أطرافَ الحبَّة- لئلَّا تنبت فتفسد عليهم، هذا الشيء مشاهَد مجرَّب، مَن الذي هداها لذلك؟ هداها الله عز وجل، هذه هداية كونية؛ أنَّه هَدَى كلَّ مخلوقٍ لِمَا يحتاج إليه.أمَّا الهداية الشرعية -وهي الأهمُّ بالنسبة لبني آدم- فهي أيضًا بيَّنها الله عز وجل، حتى الكفَّار قد هداهم الله؛ يعني بيَّن لهم؛ قال الله تعالى: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾ [فصلت ١٧]، والعياذ بالله، استحبُّوا الكفرَ على الإيمان.
🔁 الهداية الشرعية هي المقصودة من حياة بني آدم؛ ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات ٥٦]، وإنما أخبرنا الله بذلك لأجْل أن نلجأ إليه في جميع أُمورنا؛ إذا عَلِمنا أنَّه هو الخالق بعد العَدَم وأصابنا المرض إلى مَن نلجأ؟ نعم، إلى الله، الجأْ إلى الله؛ لأنَّ الذي خَلَقك وأَوْجدك من العدم قادرٌ على أن يصحِّح بَدَنك، إذَن الجأ إلى ربك، اعتمدْ عليه، ولا حرج أن تتناول ما أباح لك من الدواء لكنْ مع اعتقاد أنَّ هذا الدواء مثلًا سببٌ من الأسباب جَعَله الله عز وجل، وإذا شُفيتَ بهذا السبب فمَن الذي شفاك؟ الله عز وجل، هو الذي جعل هذا الدواءَ سببًا لشفائك، ولو شاء لَجعل هذا الدواء سببًا لهلاكك، فإذا عَلِمنا أنَّ الله هو الخالق فنحن نلجأ في أمورنا كلِّها إلى الله عز وجل، إذا عَلِمنا أنه هو الهادي فإننا نستهدي بهدايته، بشريعته؛ حتى نَصِل إلى ما أعدَّ لنا ربُّنا عز وجل من الكرامة. نسأل الله تعالى أن يهدينا وإيَّاكم الصراط المستقيم، وأن يُحِلَّنا وإيَّاكم دارَ كرامته مع الذين أنعم الله عليهم من النبيِّين والصِّدِّيقين والشهداء والصالحين.
🔴 وإلى هنا ينتهى درس النهاردة ، وأحثُّكم مرَّةً أخرى على تعلُّم معاني آيات القرآن، إذا شئتم أن تنتفعوا به حقيقةً فعليكم بمعرفة معناه، لكن مِن أين؟ من العلماء الموثوقين، أو من تفاسير العلماء الموثوقين؛ لأنَّ الناس تكلموا في كلام الله وبحثوا في معانيه، لكن منهم مَن هُدي إلى الصراط المستقيم، ومنهم مَن حصل له انحرافٌ لسببٍ من الأسباب؛ إمَّا لقُصور عِلْمه أو فَهْمه، أو سوء نيَّته؛ لأنَّ الإنسان قد يُحرَم الصوابَ بسبب سوء النيَّة والعياذ بالله.
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_الأعلي ❤️✨
◀️ ﷽
﴿وَٱلَّذِی قَدَّرَ فَهَدَىٰ﴾ [الأعلى ٣]
🔲 نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير من سورة (الأعلي) عند قوله﴿وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى﴾ [الأعلى: ٣] قدَّرَ كلَّ شيءٍ عز وجل؛ كما قال تعالى: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾ [الفرقان ٢]، قدَّره في حاله وفي مآله، في ذاته وفي صفاته، كلُّ شيءٍ له قَدْرٌ محدودٌ، الآجال محدودة، الأحوال محدودة، الأجسام محدودة، كلُّ شيءٍ مقدَّر تقديرًا كما قال تعالى: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾.
🔹 وقوله: ﴿فَهَدَى﴾ يشمل الهداية الشرعية والهداية الكونية: الهداية الكونية أنَّ الله هدى كلَّ شيءٍ لِمَا خُلِق له؛ قال فرعون لموسى: ﴿قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى (٤٩) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾ [طه ٤٩، ٥٠]، تجد كلَّ مخلوقٍ قد هداه الله تعالى لِمَا يحتاج إليه؛ الطفل الآن.. انظر إلى الطفل إذا خرج من بطن أمِّه وأراد أن يرضع، هل فيه أحد يقول: ارفعْ رأسَك، ارضعْ من الثدي؟ لا.
✴️ ولو كان فيه أحد ما فَقَه، لكن يهديه الله عز وجل إلى هذا الثدي يرتضع منه. وانظر إلى أدنى الحشرات؛ النمل مثلًا، أين تضع بيوتها؟ لا تضع بيوتها إلا في مكانٍ مرتفعٍ من الأرض، على ربوةٍ من الأرض، لماذا؟ تخشى من السيول تدخل بيوتها فتُفسدها، أيضًا إذا جاء المطر وكان في جحورها أو في بيوتها طعامٌ من الحبوب تخرج به إذا طلعت الشمس تنشره، لماذا؟ لئلَّا يعفن، وهي قبل أن تدَّخره تأكل أطرافها -أطرافَ الحبَّة- لئلَّا تنبت فتفسد عليهم، هذا الشيء مشاهَد مجرَّب، مَن الذي هداها لذلك؟ هداها الله عز وجل، هذه هداية كونية؛ أنَّه هَدَى كلَّ مخلوقٍ لِمَا يحتاج إليه.أمَّا الهداية الشرعية -وهي الأهمُّ بالنسبة لبني آدم- فهي أيضًا بيَّنها الله عز وجل، حتى الكفَّار قد هداهم الله؛ يعني بيَّن لهم؛ قال الله تعالى: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾ [فصلت ١٧]، والعياذ بالله، استحبُّوا الكفرَ على الإيمان.
🔁 الهداية الشرعية هي المقصودة من حياة بني آدم؛ ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات ٥٦]، وإنما أخبرنا الله بذلك لأجْل أن نلجأ إليه في جميع أُمورنا؛ إذا عَلِمنا أنَّه هو الخالق بعد العَدَم وأصابنا المرض إلى مَن نلجأ؟ نعم، إلى الله، الجأْ إلى الله؛ لأنَّ الذي خَلَقك وأَوْجدك من العدم قادرٌ على أن يصحِّح بَدَنك، إذَن الجأ إلى ربك، اعتمدْ عليه، ولا حرج أن تتناول ما أباح لك من الدواء لكنْ مع اعتقاد أنَّ هذا الدواء مثلًا سببٌ من الأسباب جَعَله الله عز وجل، وإذا شُفيتَ بهذا السبب فمَن الذي شفاك؟ الله عز وجل، هو الذي جعل هذا الدواءَ سببًا لشفائك، ولو شاء لَجعل هذا الدواء سببًا لهلاكك، فإذا عَلِمنا أنَّ الله هو الخالق فنحن نلجأ في أمورنا كلِّها إلى الله عز وجل، إذا عَلِمنا أنه هو الهادي فإننا نستهدي بهدايته، بشريعته؛ حتى نَصِل إلى ما أعدَّ لنا ربُّنا عز وجل من الكرامة. نسأل الله تعالى أن يهدينا وإيَّاكم الصراط المستقيم، وأن يُحِلَّنا وإيَّاكم دارَ كرامته مع الذين أنعم الله عليهم من النبيِّين والصِّدِّيقين والشهداء والصالحين.
🔴 وإلى هنا ينتهى درس النهاردة ، وأحثُّكم مرَّةً أخرى على تعلُّم معاني آيات القرآن، إذا شئتم أن تنتفعوا به حقيقةً فعليكم بمعرفة معناه، لكن مِن أين؟ من العلماء الموثوقين، أو من تفاسير العلماء الموثوقين؛ لأنَّ الناس تكلموا في كلام الله وبحثوا في معانيه، لكن منهم مَن هُدي إلى الصراط المستقيم، ومنهم مَن حصل له انحرافٌ لسببٍ من الأسباب؛ إمَّا لقُصور عِلْمه أو فَهْمه، أو سوء نيَّته؛ لأنَّ الإنسان قد يُحرَم الصوابَ بسبب سوء النيَّة والعياذ بالله.
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
Photo
( الدرس ٧٤ )
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_الأعلي ❤️✨
◀️ ﷽
﴿وَالَّذي أَخرَجَ المَرعىفَجَعَلَهُ غُثاءً أَحوى﴾ [الأعلى: ٤-٥]
🔲 نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير من سورة (الأعلي) عند قوله﴿وَٱلَّذِیۤ أَخۡرَجَ ٱلۡمَرۡعَىٰ﴾ [الأعلى ٤]
◾ولَمّا كانَتْ دَلائِلُ التَّوْحِيدِ تارَةً بِالنَّفْسِ وتارَةً بِالآفاقِ، ونَبَّهَ بِآياتِ النَّفْسِ، فَلَمْ يَبْقَ إلّا آياتُ الآفاقِ، وكانَ النَّباتُ مِن آياتِها أدَلَّ المَخْلُوقاتِ عَلى البَعْثِ قالَ: ﴿والَّذِي أخْرَجَ﴾ أيْ أوْقَعَ إخْراجَ ﴿المَرْعى﴾ بِما أنْزَلَ مِنَ المُعْصِراتِ فَأنْبَتَ ما تَرْعاهُ الدَّوابُّ مِنَ النَّجْمِ وغَيْرِهِ بَدْءًا وإعادَةً، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلى تَمامِ قُدْرَتِهِ لا سِيَّما عَلى البَعْثِ لِأنَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى أقْدَرُ عَلى جَمْعِ الأمْواتِ مِنَ الأرْضِ بِنَفْسِهِ بَعْدَ أنْ تَفَتَّتُوا مِنَ الماءِ عَلى جَمْعِهِ لِلنَّباتِ الَّذِي كانَ تُفَتَّتُ في الأرْضِ وصارَ [تُرابًا و-] إخْراجُهُ كَما كانَ في العامِ الماضِي بِإذْنِهِ سُبْحانَهُ وتَعالى وهو خَلْقٌ مِن مَخْلُوقاتِهِ.
🔸وقوله﴿فَجَعَلَهُۥ غُثَاۤءً أَحۡوَىٰ﴾ [الأعلى ٥]
ولَمّا كانَ إيباسُهُ وتَسْوِيدُهُ بَعْدَ اخْضِرارِهِ ونُمُوِّهِ في غايَةِ الدَّلالَةِ عَلى تَمامِ القُدْرَةِ وكَمالِ الِاخْتِيارِ بِمُعاقَبَةِ الأضْدادِ عَلى الذّاتِ الواحِدَةِ قالَ تَعالى: ﴿فَجَعَلَهُ﴾ أيْ بَعْدَ أطْوارٍ مِن زَمَنِ إخْراجِهِ ﴿غُثاءً﴾ أيْ كَثِيرًا، ثُمَّ أنْهاهُ فَأيْبَسَهُ وهَشَّمَهُ ومَزَّقَهُ فَجَمَعَ السَّيْلَ بَعْضُهُ إلى بَعْضٍ فَجَعَلَهُ زَبَدًا وهالِكًا وبالِيًا وفُتاتًا عَلى [وجْهِ - ] الأرْضِ ﴿أحْوى﴾ أيْ في غايَةِ الرَّيِّ حَتّى صارَ أسْوَدَ يَضْرِبُ إلى خُضْرَةٍ، أوْ أحْمَرَ يَضْرِبُ إلى سَوادٍ، أوِ اشْتَدَّتْ خُضْرَتُهُ فَصارَتْ تَضْرِبُ إلى سَوادٍ،
▫️وقالَ القَزّازُ رَحِمَهُ اللَّهُ في دِيوانِهِ: الحُوَّةُ شِيَةٌ مِن شِياتِ الخَيْلِ، وهى بَيْنَ الدُّهْمَةِ والكُمْتَةِ، وكَثُرَ هَذا حَتّى سَمَّوْا كُلَّ أسْوَدَ أحَوى - انْتَهى. فَيَجُوزُ أنْ يُرِيدَ حِينَئِذٍ أنَّهُ أسْوَدُ مِن شِدَّةِ يَبْسِهِ فَحَوَتْهُ الرِّياحُ وجَمَعَتْهُ مِن كُلِّ أوْبٍ حَيْثُ تُفَتَّتُ، فَكُلٌّ مِنَ الكَلِمَتَيْنِ فِيها حَياةٌ ومَوْتٌ، وأخَّرَ الثّانِيَةَ لِتَحَمُّلِهِما لِأنَّ دَلالَتَها عَلى الخُضْرَةِ أتَمُّ، فَلَوْ قُدِّمَتْ لَمْ تُصْرَفْ إلى غَيْرِها، فَدَلَّ جَمْعُهُ بَيْنَ الأضْدادِ عَلى الذّاتِ الواحِدَةِ عَلى كَمالِ الِاخْتِيارِ، وأمّا الطَّبائِعُ فَلَيْسَ لَها مِنَ التَّأْثِيرِ الَّذِي أقامَها سُبْحانَهُ فِيهِ إلّا الإيجابِيُّ كالنّارِ مَتى أصابَتْ شَيْئًا أحْرَقَتْهُ، ولا تَقْدِرُ بَعْدَ ذَلِكَ أنْ تَنْقُلَهُ إلى صِفَةٍ أُخْرى غَيْرِ الَّتِي أثَرْتَها فِيهِ، وأشارَ بِالبِدايَةِ والنِّهايَةِ إلى تَذَكُّرِ ذَلِكَ، وأنَّهُ عَلى سَبِيلِ التَّكْرارِ في كُلِّ عامٍ الدّالُّ عَلى بَعْثِ الخَلائِقِ، وخُصَّ المَرْعى لِأنَّهُ أدَلُّ عَلى البَعْثِ لِأنَّهُ مِمّا يُنْبِتُهُ النّاسُ، وإذا انْتَهى تَهَشَّمَ وتَفَتَّتَ وصارَ تُرابًا، ثُمَّ يُعِيدُهُ سُبْحانَهُ بِالماءِ عَلى ما كانَ عَلَيْهِ سَواءٌ [ كَما يَفْعَلُ بِالأمْواتِ سَواءٌ - ] مِن غَيْرِ فَرْقٍ أصْلًا.
(نظم الدرر للبقاعي — البقاعي (٨٨٥ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_الأعلي ❤️✨
◀️ ﷽
﴿وَالَّذي أَخرَجَ المَرعىفَجَعَلَهُ غُثاءً أَحوى﴾ [الأعلى: ٤-٥]
🔲 نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير من سورة (الأعلي) عند قوله﴿وَٱلَّذِیۤ أَخۡرَجَ ٱلۡمَرۡعَىٰ﴾ [الأعلى ٤]
◾ولَمّا كانَتْ دَلائِلُ التَّوْحِيدِ تارَةً بِالنَّفْسِ وتارَةً بِالآفاقِ، ونَبَّهَ بِآياتِ النَّفْسِ، فَلَمْ يَبْقَ إلّا آياتُ الآفاقِ، وكانَ النَّباتُ مِن آياتِها أدَلَّ المَخْلُوقاتِ عَلى البَعْثِ قالَ: ﴿والَّذِي أخْرَجَ﴾ أيْ أوْقَعَ إخْراجَ ﴿المَرْعى﴾ بِما أنْزَلَ مِنَ المُعْصِراتِ فَأنْبَتَ ما تَرْعاهُ الدَّوابُّ مِنَ النَّجْمِ وغَيْرِهِ بَدْءًا وإعادَةً، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلى تَمامِ قُدْرَتِهِ لا سِيَّما عَلى البَعْثِ لِأنَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى أقْدَرُ عَلى جَمْعِ الأمْواتِ مِنَ الأرْضِ بِنَفْسِهِ بَعْدَ أنْ تَفَتَّتُوا مِنَ الماءِ عَلى جَمْعِهِ لِلنَّباتِ الَّذِي كانَ تُفَتَّتُ في الأرْضِ وصارَ [تُرابًا و-] إخْراجُهُ كَما كانَ في العامِ الماضِي بِإذْنِهِ سُبْحانَهُ وتَعالى وهو خَلْقٌ مِن مَخْلُوقاتِهِ.
🔸وقوله﴿فَجَعَلَهُۥ غُثَاۤءً أَحۡوَىٰ﴾ [الأعلى ٥]
ولَمّا كانَ إيباسُهُ وتَسْوِيدُهُ بَعْدَ اخْضِرارِهِ ونُمُوِّهِ في غايَةِ الدَّلالَةِ عَلى تَمامِ القُدْرَةِ وكَمالِ الِاخْتِيارِ بِمُعاقَبَةِ الأضْدادِ عَلى الذّاتِ الواحِدَةِ قالَ تَعالى: ﴿فَجَعَلَهُ﴾ أيْ بَعْدَ أطْوارٍ مِن زَمَنِ إخْراجِهِ ﴿غُثاءً﴾ أيْ كَثِيرًا، ثُمَّ أنْهاهُ فَأيْبَسَهُ وهَشَّمَهُ ومَزَّقَهُ فَجَمَعَ السَّيْلَ بَعْضُهُ إلى بَعْضٍ فَجَعَلَهُ زَبَدًا وهالِكًا وبالِيًا وفُتاتًا عَلى [وجْهِ - ] الأرْضِ ﴿أحْوى﴾ أيْ في غايَةِ الرَّيِّ حَتّى صارَ أسْوَدَ يَضْرِبُ إلى خُضْرَةٍ، أوْ أحْمَرَ يَضْرِبُ إلى سَوادٍ، أوِ اشْتَدَّتْ خُضْرَتُهُ فَصارَتْ تَضْرِبُ إلى سَوادٍ،
▫️وقالَ القَزّازُ رَحِمَهُ اللَّهُ في دِيوانِهِ: الحُوَّةُ شِيَةٌ مِن شِياتِ الخَيْلِ، وهى بَيْنَ الدُّهْمَةِ والكُمْتَةِ، وكَثُرَ هَذا حَتّى سَمَّوْا كُلَّ أسْوَدَ أحَوى - انْتَهى. فَيَجُوزُ أنْ يُرِيدَ حِينَئِذٍ أنَّهُ أسْوَدُ مِن شِدَّةِ يَبْسِهِ فَحَوَتْهُ الرِّياحُ وجَمَعَتْهُ مِن كُلِّ أوْبٍ حَيْثُ تُفَتَّتُ، فَكُلٌّ مِنَ الكَلِمَتَيْنِ فِيها حَياةٌ ومَوْتٌ، وأخَّرَ الثّانِيَةَ لِتَحَمُّلِهِما لِأنَّ دَلالَتَها عَلى الخُضْرَةِ أتَمُّ، فَلَوْ قُدِّمَتْ لَمْ تُصْرَفْ إلى غَيْرِها، فَدَلَّ جَمْعُهُ بَيْنَ الأضْدادِ عَلى الذّاتِ الواحِدَةِ عَلى كَمالِ الِاخْتِيارِ، وأمّا الطَّبائِعُ فَلَيْسَ لَها مِنَ التَّأْثِيرِ الَّذِي أقامَها سُبْحانَهُ فِيهِ إلّا الإيجابِيُّ كالنّارِ مَتى أصابَتْ شَيْئًا أحْرَقَتْهُ، ولا تَقْدِرُ بَعْدَ ذَلِكَ أنْ تَنْقُلَهُ إلى صِفَةٍ أُخْرى غَيْرِ الَّتِي أثَرْتَها فِيهِ، وأشارَ بِالبِدايَةِ والنِّهايَةِ إلى تَذَكُّرِ ذَلِكَ، وأنَّهُ عَلى سَبِيلِ التَّكْرارِ في كُلِّ عامٍ الدّالُّ عَلى بَعْثِ الخَلائِقِ، وخُصَّ المَرْعى لِأنَّهُ أدَلُّ عَلى البَعْثِ لِأنَّهُ مِمّا يُنْبِتُهُ النّاسُ، وإذا انْتَهى تَهَشَّمَ وتَفَتَّتَ وصارَ تُرابًا، ثُمَّ يُعِيدُهُ سُبْحانَهُ بِالماءِ عَلى ما كانَ عَلَيْهِ سَواءٌ [ كَما يَفْعَلُ بِالأمْواتِ سَواءٌ - ] مِن غَيْرِ فَرْقٍ أصْلًا.
(نظم الدرر للبقاعي — البقاعي (٨٨٥ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
Photo
( الدرس ٧٥ )
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_الأعلي ❤️✨
◀️ ﷽
﴿سَنُقۡرِئُكَ فَلَا تَنسَىٰۤ (٦) إِلَّا مَا شَاۤءَ ٱللَّهُۚ إِنَّهُۥ یَعۡلَمُ ٱلۡجَهۡرَ وَمَا یَخۡفَىٰ (٧)﴾ [الأعلى ٦-٧]
🔲 الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمد وعلى آله وأصحابه ومَن تَبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. نتكلَّم على ما بَقِي من سورة (سبح اسم ربك الأعلى)
◾ من قوله تعالى: ﴿سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (٦) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى (٧) وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى﴾ [الأعلى ٦ - ٨]، فهذا وعدٌ من الله سبحانه وتعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنَّه يُقرئه القرآنَ ولا ينساه الرسول، يُقرئه إيَّاه ولا ينساه، وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يتعجَّل إذا جاء جبريل يُلقِي عليه الوحي، فقال الله له: ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾ [القيامة ١٦ - ١٩]، فصار النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم يُنصت حتى ينتهي جبريل من قراءة الوحي ثم يقرؤه👌
🔹 وهنا يقول: ﴿سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (٦) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ﴾ يعني: إلا ما شاء الله أن تنساه، فإنَّ الأمر بيده عز وجل؛ ﴿يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ﴾ [الرعد ٣٩]، ﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٠٦) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾ [البقرة ١٠٦، ١٠٧]، وربما نُسِّيَ النبيُّ ﷺ آيةً من كتاب الله ولكنَّه سرعان ما يذكرها عليه الصلاة والسلام. وقوله تعالى: ﴿إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ﴾ أي إنَّ الله تعالى يعلم الجهر؛ ما يجهر به الإنسان ويتكلَّم به مسموعًا. ﴿وَمَا يَخْفَى﴾ أي: ما يكون خفيًّا لا يُظهَر فإنَّ الله يعلمه؛ كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ﴾ [الفاتحة ١٦]، فهو يعلم -عز وجل- الجهرَ ويعلم أيضًا ما يخفى.
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_الأعلي ❤️✨
◀️ ﷽
﴿سَنُقۡرِئُكَ فَلَا تَنسَىٰۤ (٦) إِلَّا مَا شَاۤءَ ٱللَّهُۚ إِنَّهُۥ یَعۡلَمُ ٱلۡجَهۡرَ وَمَا یَخۡفَىٰ (٧)﴾ [الأعلى ٦-٧]
🔲 الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمد وعلى آله وأصحابه ومَن تَبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. نتكلَّم على ما بَقِي من سورة (سبح اسم ربك الأعلى)
◾ من قوله تعالى: ﴿سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (٦) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى (٧) وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى﴾ [الأعلى ٦ - ٨]، فهذا وعدٌ من الله سبحانه وتعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنَّه يُقرئه القرآنَ ولا ينساه الرسول، يُقرئه إيَّاه ولا ينساه، وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يتعجَّل إذا جاء جبريل يُلقِي عليه الوحي، فقال الله له: ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾ [القيامة ١٦ - ١٩]، فصار النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم يُنصت حتى ينتهي جبريل من قراءة الوحي ثم يقرؤه👌
🔹 وهنا يقول: ﴿سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (٦) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ﴾ يعني: إلا ما شاء الله أن تنساه، فإنَّ الأمر بيده عز وجل؛ ﴿يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ﴾ [الرعد ٣٩]، ﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٠٦) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾ [البقرة ١٠٦، ١٠٧]، وربما نُسِّيَ النبيُّ ﷺ آيةً من كتاب الله ولكنَّه سرعان ما يذكرها عليه الصلاة والسلام. وقوله تعالى: ﴿إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ﴾ أي إنَّ الله تعالى يعلم الجهر؛ ما يجهر به الإنسان ويتكلَّم به مسموعًا. ﴿وَمَا يَخْفَى﴾ أي: ما يكون خفيًّا لا يُظهَر فإنَّ الله يعلمه؛ كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ﴾ [الفاتحة ١٦]، فهو يعلم -عز وجل- الجهرَ ويعلم أيضًا ما يخفى.
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
Photo
( الدرس ٧٦ )
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_الأعلي ❤️✨
◀️ ﷽
﴿وَنُيَسِّرُكَ لِليُسرىفَذَكِّر إِن نَفَعَتِ الذِّكرى﴾ [الأعلى: ٨-٩]
🔲 نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير من سورة (الأعلي) عند قوله﴿وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى﴾ وهذا أيضًا وعدٌ من الله عز وجل لرسوله عليه الصلاة والسلام أن يُيَسِّره لليُسرى، فما هي اليُسرى؟اليُسرى أن تكون أموره مُيَسَّرة، ولا سيَّما في طاعة الله عز وجل، ولَمَّا أخبر النبيُّ عليه الصلاة والسلام أنَّه ما من أحدٍ من الناس إلا وقد كُتِب مقعده من الجنَّة ومقعدُه من النار، كلُّ بني آدم مكتوبٌ مقعده من الجنَّة إن كان من أهل الجنة، ومقعده من النار إن كان من أهل النار، قالوا: يا رسول الله، أفلا نَدَعُ العملَ ونتَّكل -يعني على ما كُتِب- قال: «لَا، اعْمَلُوا، فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ»، فأهل السعادة يُيَسَّرون لعمل أهل السعادة، وأهل الشقاوة يُيَسَّرون لعمل أهل الشقاوة، ثم قرأ قوله تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾ [الليل ٥ - ٧](١).
✴️ وهذا الحديث يقطع حُجَّة مَن يحتجُّ بالقَدَر على معاصي الله فيعصي اللَّهَ ويقول: هذا مكتوبٌ عليَّ. نقول: هذا غلط؛ لأنَّ الرسول عليه الصلاة والسلام قال: «اعْمَلُوا، فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ»، هل أحدٌ يحجزك عن العمل الصالح لو أردتَه؟ أبدًا. هل أحدٌ يجبرك على المعصية لو لم تُرِدها؟ أبدًا، لا أحد. ولهذا لو أنَّ أحدًا أجبرك على المعصية وأكرهك عليها لم يكن عليك إثمٌ، ولا يترتَّب على فِعْلك لها ما يترتَّب على فعل المختار لها، حتى إنَّ الكفر وهو أعظم الذنوب قال الله تعالى فيه: ﴿مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [النحل ١٠٦]،
▫️ إذَنْ نقول: اعملْ أيُّها الإنسان، اعمل الخيرَ، تجنَّب الشرَّ؛ حتى يُيَسِّرك الله لليُسرى ويُجَنِّبك العُسرى، فرسول الله ﷺ وَعَده الله بأن يُيَسِّره لليُسرى فيُسَهِّل عليه الأمور، ولهذا لم يَقَع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في شِدَّةٍ وضَنْكٍ إلا وجد له مخرجًا عليه الصلاة والسلام.
◾ثم أَمَره تعالى أن يُذَكِّر فقال: ﴿فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى﴾ [الأعلى ٩] يعني: ذَكِّر الناس، ذَكِّرهم بآيات الله، ذَكِّرهم بأيام الله، عِظْهم.
🔹﴿إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى﴾ يعني: في محلٍّ تنفع فيه الذِّكْرى، وعلى هذا فتكون ﴿إِنْ﴾ شرطية، والمعنى: إنْ نفعت الذِّكرى فذَكِّر، وإنْ لم تنفع فلا تُذَكِّر؛ لأنَّه لا فائدة من تذكير قومٍ نعلم أنَّهم لا ينتفعون، هذا ما قيل في هذه الآية.
✴️ وقال بعض العلماء: المعنى: ذَكِّرْ على كلِّ حالٍ إنْ كان هؤلاء القوم تنفع فيهم الذِّكرى، فيكون الشرط هنا ليس المقصود به أنَّه لا يُذكِّر إلا إذا نفعتْ، بل المعنى: ذَكِّر إنْ كان هؤلاء القوم ينفع فيهم التذكير. فالمعنى على هذا القول: ذَكِّر بكلِّ حالٍ والذِّكْرى سوف تنفع.
🔁 تنفع مَن؟ تنفع المؤمنين، وتنفع الْمُذكِّر أيضًا، فالْمُذكِّر منتفعٌ على كلِّ حال، والْمُذكَّر إن انتفع بها فهو مؤمن، وإن لم ينتفعْ بها فإنَّ ذلك لا ينقص من أجر المذكِّر شيئًا، إذَنْ نحن نُذَكِّر سواءٌ نفعت الذِّكْرى أمْ لم تنفع.
✴️ وقال بعض العلماء: إنْ ظنَّ أنَّ الذِّكْرى تنفع وجبتْ، وإنْ ظنَّ أنها لا تنفع فهو مخيَّر؛ إنْ شاء ذَكَّر وإن شاء لم يُذَكِّر، ولكن على كلِّ حالٍ نقول: لا بدَّ من التذكير، حتى وإنْ ظننتَ أنها لا تنفع فإنها سوف تنفعك أنت، وسوف يعلم الناسُ أنَّ هذا الشيء الذي ذَكَّرتَ عنه إمَّا واجبٌ وإمَّا حرام، وإذا سكتَّ والناس يفعلون المحرَّم قال الناس: لو كان هذا محرَّمًا لذَكَّر به العلماء، أو: لو كان هذا واجبًا لذَكَّر به العلماء، فلا بدَّ من التذكير، ولا بدَّ من نَشْر الشريعة سواءٌ نفعتْ أمْ لم تنفع.ثم ذكر الله عز وجل مَن سيَذَّكَّر ومَن لا يَذَّكَّر، وسنتكلم عليه إن شاء الله في الجلسة القادمة أو في اللقاء القادم.
(١) أخرجه مسلم (٢٦٤٧ / ٦) عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه بلفظ: «اعملوا، فكلٌّ ميسَّر؛ أمَّا أهل السعادة فيُيَسَّرون لعمل أهل السعادة، وأمَّا أهل الشقاوة فيُيَسَّرون لعمل أهل الشقاوة». ثم قرأ: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (٧) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (٩) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾ [الليل: ٥ - ١٠].
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_الأعلي ❤️✨
◀️ ﷽
﴿وَنُيَسِّرُكَ لِليُسرىفَذَكِّر إِن نَفَعَتِ الذِّكرى﴾ [الأعلى: ٨-٩]
🔲 نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير من سورة (الأعلي) عند قوله﴿وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى﴾ وهذا أيضًا وعدٌ من الله عز وجل لرسوله عليه الصلاة والسلام أن يُيَسِّره لليُسرى، فما هي اليُسرى؟اليُسرى أن تكون أموره مُيَسَّرة، ولا سيَّما في طاعة الله عز وجل، ولَمَّا أخبر النبيُّ عليه الصلاة والسلام أنَّه ما من أحدٍ من الناس إلا وقد كُتِب مقعده من الجنَّة ومقعدُه من النار، كلُّ بني آدم مكتوبٌ مقعده من الجنَّة إن كان من أهل الجنة، ومقعده من النار إن كان من أهل النار، قالوا: يا رسول الله، أفلا نَدَعُ العملَ ونتَّكل -يعني على ما كُتِب- قال: «لَا، اعْمَلُوا، فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ»، فأهل السعادة يُيَسَّرون لعمل أهل السعادة، وأهل الشقاوة يُيَسَّرون لعمل أهل الشقاوة، ثم قرأ قوله تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾ [الليل ٥ - ٧](١).
✴️ وهذا الحديث يقطع حُجَّة مَن يحتجُّ بالقَدَر على معاصي الله فيعصي اللَّهَ ويقول: هذا مكتوبٌ عليَّ. نقول: هذا غلط؛ لأنَّ الرسول عليه الصلاة والسلام قال: «اعْمَلُوا، فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ»، هل أحدٌ يحجزك عن العمل الصالح لو أردتَه؟ أبدًا. هل أحدٌ يجبرك على المعصية لو لم تُرِدها؟ أبدًا، لا أحد. ولهذا لو أنَّ أحدًا أجبرك على المعصية وأكرهك عليها لم يكن عليك إثمٌ، ولا يترتَّب على فِعْلك لها ما يترتَّب على فعل المختار لها، حتى إنَّ الكفر وهو أعظم الذنوب قال الله تعالى فيه: ﴿مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [النحل ١٠٦]،
▫️ إذَنْ نقول: اعملْ أيُّها الإنسان، اعمل الخيرَ، تجنَّب الشرَّ؛ حتى يُيَسِّرك الله لليُسرى ويُجَنِّبك العُسرى، فرسول الله ﷺ وَعَده الله بأن يُيَسِّره لليُسرى فيُسَهِّل عليه الأمور، ولهذا لم يَقَع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في شِدَّةٍ وضَنْكٍ إلا وجد له مخرجًا عليه الصلاة والسلام.
◾ثم أَمَره تعالى أن يُذَكِّر فقال: ﴿فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى﴾ [الأعلى ٩] يعني: ذَكِّر الناس، ذَكِّرهم بآيات الله، ذَكِّرهم بأيام الله، عِظْهم.
🔹﴿إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى﴾ يعني: في محلٍّ تنفع فيه الذِّكْرى، وعلى هذا فتكون ﴿إِنْ﴾ شرطية، والمعنى: إنْ نفعت الذِّكرى فذَكِّر، وإنْ لم تنفع فلا تُذَكِّر؛ لأنَّه لا فائدة من تذكير قومٍ نعلم أنَّهم لا ينتفعون، هذا ما قيل في هذه الآية.
✴️ وقال بعض العلماء: المعنى: ذَكِّرْ على كلِّ حالٍ إنْ كان هؤلاء القوم تنفع فيهم الذِّكرى، فيكون الشرط هنا ليس المقصود به أنَّه لا يُذكِّر إلا إذا نفعتْ، بل المعنى: ذَكِّر إنْ كان هؤلاء القوم ينفع فيهم التذكير. فالمعنى على هذا القول: ذَكِّر بكلِّ حالٍ والذِّكْرى سوف تنفع.
🔁 تنفع مَن؟ تنفع المؤمنين، وتنفع الْمُذكِّر أيضًا، فالْمُذكِّر منتفعٌ على كلِّ حال، والْمُذكَّر إن انتفع بها فهو مؤمن، وإن لم ينتفعْ بها فإنَّ ذلك لا ينقص من أجر المذكِّر شيئًا، إذَنْ نحن نُذَكِّر سواءٌ نفعت الذِّكْرى أمْ لم تنفع.
✴️ وقال بعض العلماء: إنْ ظنَّ أنَّ الذِّكْرى تنفع وجبتْ، وإنْ ظنَّ أنها لا تنفع فهو مخيَّر؛ إنْ شاء ذَكَّر وإن شاء لم يُذَكِّر، ولكن على كلِّ حالٍ نقول: لا بدَّ من التذكير، حتى وإنْ ظننتَ أنها لا تنفع فإنها سوف تنفعك أنت، وسوف يعلم الناسُ أنَّ هذا الشيء الذي ذَكَّرتَ عنه إمَّا واجبٌ وإمَّا حرام، وإذا سكتَّ والناس يفعلون المحرَّم قال الناس: لو كان هذا محرَّمًا لذَكَّر به العلماء، أو: لو كان هذا واجبًا لذَكَّر به العلماء، فلا بدَّ من التذكير، ولا بدَّ من نَشْر الشريعة سواءٌ نفعتْ أمْ لم تنفع.ثم ذكر الله عز وجل مَن سيَذَّكَّر ومَن لا يَذَّكَّر، وسنتكلم عليه إن شاء الله في الجلسة القادمة أو في اللقاء القادم.
(١) أخرجه مسلم (٢٦٤٧ / ٦) عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه بلفظ: «اعملوا، فكلٌّ ميسَّر؛ أمَّا أهل السعادة فيُيَسَّرون لعمل أهل السعادة، وأمَّا أهل الشقاوة فيُيَسَّرون لعمل أهل الشقاوة». ثم قرأ: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (٧) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (٩) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾ [الليل: ٥ - ١٠].
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
Photo
( الدرس ٧٧ )
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_الأعلي ❤️✨
◀️ ﷽
﴿سَیَذَّكَّرُ مَن یَخۡشَىٰ (١٠) وَیَتَجَنَّبُهَا ٱلۡأَشۡقَى (١١) ٱلَّذِی یَصۡلَى ٱلنَّارَ ٱلۡكُبۡرَىٰ (١٢) ثُمَّ لَا یَمُوتُ فِیهَا وَلَا یَحۡیَىٰ (١٣)﴾ [الأعلى ١٠-١٣]
🔲 موضوع مقدمة هذا الدرس هو الكلام على قول الله تبارك وتعالى في سورة الأعلى: ﴿سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (١٠) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى﴾ [الأعلى ١٠، ١١] أَمَر الله سبحانه وتعالى نبيَّه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يُذَكِّر فقال: ﴿فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى﴾، ثم قال: ﴿سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (١٠) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى﴾ فبَيَّن تعالى أنَّ الناس ينقسمون بعد الذِّكرى إلى قِسمين:
🟡 القِسم الأول: مَن يخشى اللَّهَ عز وجل؛ أي: يخافه خوفًا عن علمٍ لعظمة الخالق جل وعلا، فهذا إذا ذُكِّر بآيات ربِّه تذكَّر؛ كما قال تعالى في وصف عباد الرحمن: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا﴾ [الفرقان ٧٣]، فمَن يخشى الله ويخاف الله إذا ذُكِّر ووُعِظ بآيات الله اتَّعظ وانتفع.
🔵 أمَّا القِسم الثاني فقال: ﴿وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى﴾ أي: يتجنَّب هذه الذِّكرى ولا ينتفع بها الأشقى.
🔸﴿الْأَشْقَى﴾ هنا اسم تفضيل من الشقاء، وهو ضدُّ السعادة؛ كما في سورة هود: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ﴾ [هود ١٠٦]، ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ﴾ [هود ١٠٨]، فالأشقى -والعياذ بالله- المتَّصفُ بالشقاوة، يتجنَّب الذِّكرى ولا ينتفع بها، والأشقى هو البالغ في الشقاوة غايتَها، وهذا هو الكافر؛ فإنَّ الكافر يُذَكَّر ولا ينتفع بالذِّكرى، ولهذا قال: ﴿الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى (١٢) ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى﴾ [الأعلى ١٢، ١٣] الذي يَصْلى النارَ الموصوفةَ بأنها الكُبرى، وهي نار جهنم.
✴️ لأنَّ نار الدنيا صُغرى بالنسبة لها؛ فقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنَّ نار الدنيا جزءٌ من سبعين جزءًا من نار الآخرة(١)؛ أي إنَّ نار الآخرة فُضِّلتْ على نار الدنيا بتسعةٍ وستين جزءًا، والمراد نار الدنيا كلِّها، ما هي نار مخصوصة، أشدُّ ما يكون من نار الدنيا فإنَّ نار الآخرة فُضِّلتْ عليها بتسعةٍ وستين جزءًا، ولهذا وَصَفها بقوله: ﴿النَّارَ الْكُبْرَى﴾.
🔹﴿ثُمَّ﴾ إذا صلاها ﴿لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى﴾ المعنى: لا يموت فيستريح، ولا يحيا حياةً سعيدةً، وإلا فهُم أحياءٌ في الواقع، لكن أحياءٌ يُعذَّبون؛ ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا﴾ [النساء ٥٦]، كما قال الله عز وجل ﴿وَنَادَوْا يَا مَالِكُ﴾ وهو خازن النار ﴿لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ﴾ يعني ليُهلِكْنا ويُرِحنا من هذا العذاب ﴿قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ﴾ [الزخرف ٧٧]، ولا راحة، ويقال لهم: ﴿لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ﴾ [الزخرف ٧٨]، هذا معنى قوله: ﴿لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى﴾، لأنه قد يُشْكل على بعض الناس كيف يكون الإنسان لا حيٌّ ولا ميِّت، والإنسانُ إمَّا حيٌّ وإمَّا ميِّت؟ فيقال: لا يموت فيها ميتةً يستريح بها، ولا يحيا حياةً يَسْعد بها، فهو -والعياذ بالله- في عذابٍ وجحيمٍ وشدَّةٍ، يتمنَّى الموتَ ولكن لا يحصل له، هذا هو معنى قوله تعالى: ﴿ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى﴾.
(١) أخرج البخاري (٣٢٦٥)، ومسلم (٢٨٤٣ / ٣٠) واللفظ له، عن أبي هريرة أنَّ النبي ﷺ قال: «نارُكم هذه التي يوقِد ابنُ آدم جزءٌ من سبعين جزءًا من حرِّ جهنم». قالوا: واللهِ إنْ كانت لَكافيةً يا رسول الله. قال: «فإنها فُضِّلتْ عليها بتسعةٍ وستين جزءًا كلُّها مِثْل حرِّها».
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_الأعلي ❤️✨
◀️ ﷽
﴿سَیَذَّكَّرُ مَن یَخۡشَىٰ (١٠) وَیَتَجَنَّبُهَا ٱلۡأَشۡقَى (١١) ٱلَّذِی یَصۡلَى ٱلنَّارَ ٱلۡكُبۡرَىٰ (١٢) ثُمَّ لَا یَمُوتُ فِیهَا وَلَا یَحۡیَىٰ (١٣)﴾ [الأعلى ١٠-١٣]
🔲 موضوع مقدمة هذا الدرس هو الكلام على قول الله تبارك وتعالى في سورة الأعلى: ﴿سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (١٠) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى﴾ [الأعلى ١٠، ١١] أَمَر الله سبحانه وتعالى نبيَّه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يُذَكِّر فقال: ﴿فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى﴾، ثم قال: ﴿سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (١٠) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى﴾ فبَيَّن تعالى أنَّ الناس ينقسمون بعد الذِّكرى إلى قِسمين:
🟡 القِسم الأول: مَن يخشى اللَّهَ عز وجل؛ أي: يخافه خوفًا عن علمٍ لعظمة الخالق جل وعلا، فهذا إذا ذُكِّر بآيات ربِّه تذكَّر؛ كما قال تعالى في وصف عباد الرحمن: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا﴾ [الفرقان ٧٣]، فمَن يخشى الله ويخاف الله إذا ذُكِّر ووُعِظ بآيات الله اتَّعظ وانتفع.
🔵 أمَّا القِسم الثاني فقال: ﴿وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى﴾ أي: يتجنَّب هذه الذِّكرى ولا ينتفع بها الأشقى.
🔸﴿الْأَشْقَى﴾ هنا اسم تفضيل من الشقاء، وهو ضدُّ السعادة؛ كما في سورة هود: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ﴾ [هود ١٠٦]، ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ﴾ [هود ١٠٨]، فالأشقى -والعياذ بالله- المتَّصفُ بالشقاوة، يتجنَّب الذِّكرى ولا ينتفع بها، والأشقى هو البالغ في الشقاوة غايتَها، وهذا هو الكافر؛ فإنَّ الكافر يُذَكَّر ولا ينتفع بالذِّكرى، ولهذا قال: ﴿الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى (١٢) ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى﴾ [الأعلى ١٢، ١٣] الذي يَصْلى النارَ الموصوفةَ بأنها الكُبرى، وهي نار جهنم.
✴️ لأنَّ نار الدنيا صُغرى بالنسبة لها؛ فقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنَّ نار الدنيا جزءٌ من سبعين جزءًا من نار الآخرة(١)؛ أي إنَّ نار الآخرة فُضِّلتْ على نار الدنيا بتسعةٍ وستين جزءًا، والمراد نار الدنيا كلِّها، ما هي نار مخصوصة، أشدُّ ما يكون من نار الدنيا فإنَّ نار الآخرة فُضِّلتْ عليها بتسعةٍ وستين جزءًا، ولهذا وَصَفها بقوله: ﴿النَّارَ الْكُبْرَى﴾.
🔹﴿ثُمَّ﴾ إذا صلاها ﴿لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى﴾ المعنى: لا يموت فيستريح، ولا يحيا حياةً سعيدةً، وإلا فهُم أحياءٌ في الواقع، لكن أحياءٌ يُعذَّبون؛ ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا﴾ [النساء ٥٦]، كما قال الله عز وجل ﴿وَنَادَوْا يَا مَالِكُ﴾ وهو خازن النار ﴿لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ﴾ يعني ليُهلِكْنا ويُرِحنا من هذا العذاب ﴿قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ﴾ [الزخرف ٧٧]، ولا راحة، ويقال لهم: ﴿لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ﴾ [الزخرف ٧٨]، هذا معنى قوله: ﴿لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى﴾، لأنه قد يُشْكل على بعض الناس كيف يكون الإنسان لا حيٌّ ولا ميِّت، والإنسانُ إمَّا حيٌّ وإمَّا ميِّت؟ فيقال: لا يموت فيها ميتةً يستريح بها، ولا يحيا حياةً يَسْعد بها، فهو -والعياذ بالله- في عذابٍ وجحيمٍ وشدَّةٍ، يتمنَّى الموتَ ولكن لا يحصل له، هذا هو معنى قوله تعالى: ﴿ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى﴾.
(١) أخرج البخاري (٣٢٦٥)، ومسلم (٢٨٤٣ / ٣٠) واللفظ له، عن أبي هريرة أنَّ النبي ﷺ قال: «نارُكم هذه التي يوقِد ابنُ آدم جزءٌ من سبعين جزءًا من حرِّ جهنم». قالوا: واللهِ إنْ كانت لَكافيةً يا رسول الله. قال: «فإنها فُضِّلتْ عليها بتسعةٍ وستين جزءًا كلُّها مِثْل حرِّها».
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
Photo
( الدرس ٧٨ )
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_الأعلي ❤️✨
◀️ ﷽
﴿قَدۡ أَفۡلَحَ مَن تَزَكَّىٰ (١٤) وَذَكَرَ ٱسۡمَ رَبِّهِۦ فَصَلَّىٰ (١٥)﴾ [الأعلى ١٤-١٥]
🔲 وقد سبق الكلام على قوله تعالى ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (١٤) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى﴾ [الأعلى ١٤، ١٥]، وبيَّنَّا أنَّ المراد بقوله: ﴿تَزَكَّى﴾ أي: في نفسه؛ أي: زكَّاها وأخرجها من رِجْس الشرك إلى زكاة التوحيد. ويأتي إن شاء الله بقيَّة الكلام على السورة من أجْل أن نُفسح المجال للإخوة.
◾ نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير من سورة (الأعلي) عند قوله تبارك وتعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (١٤) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى﴾ [الأعلى ١٤، ١٥]. ﴿أَفْلَحَ﴾ مأخوذٌ من الفَلَاح، والفَلَاح كلمةٌ جامعةٌ، وهو الفوز بالمطلوب والنجاة من المرهوب، هذا هو معنى الفَلَاح، فهي كلمةٌ جامعةٌ لكلِّ خيرٍ، دافعةٌ لكلِّ شر.
🔹وقوله: ﴿مَنْ تَزَكَّى﴾ مأخوذ من التزكية وهي التطهير، ومنه سُمِّيت الزكاة زكاةً لأنها تُطَهِّر الإنسانَ من أخلاق الرذيلة، أخلاق البخل؛ كما قال تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ﴾ [التوبة ١٠٣]، إذَنْ ﴿تَزَكَّى﴾ يعني تطهَّر.
🔸ومن أيِّ شيءٍ تزكَّى؟ يتزكَّى أولًا من الشرك بالنسبة لمعاملة الله، فيعبد اللَّهَ مخلصًا له الدين لا يُرائي ولا يسمِّع، ولا يطلب جاهًا ولا رئاسةً فيما يتعبَّد به لله عز وجل، وإنما يريد بهذا وجهَ الله والدارَ الآخرة.
✴️ تزكَّى في اتِّباع الرسول عليه الصلاة والسلام؛ بحيث لا يبتدع في شريعته لا بقليل ولا كثير، لا في الاعتقاد، ولا في الأقوال، ولا في الأفعال.
🔹وهذا -أعني التزكِّي بالنسبة للرسول عليه الصلاة والسلام، وهو اتِّباعٌ من غير ابتداع- لا ينطبق تمامًا إلا على الطريقة السلفية؛ طريقة أهل السُّنة والجماعة الذين يؤمنون بكلِّ ما وَصَف الله به نفسَه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، على الطريقة السلفية الذين لا يبتدعون في العبادات القولية ولا في العبادات الفعلية شيئًا في دين الله، تجدهم يتَّبعون ما جاء به الشرع، خلافًا لِمَا يصنعه بعض المبتدِعة في الأذكار المبتدَعة؛ إمَّا في نوعها، وإمَّا في كيفيَّتها وصِفَتها، وإمَّا في أدائها؛ كما يفعله بعض أصحاب الطُّرُق من الصوفية وغيرهم.
🔸كذلك يتزكَّى بالنسبة لمعاملة الخلْق بحيث يطهِّر قلبَه من الغِلِّ والحقد على إخوانه المسلمين، فتجده دائمًا طاهرَ القلب، يحبُّ لإخوانه ما يحبُّ لنفسه، لا يرضى لأحدٍ أن يمسَّه سوءٌ، بل يودُّ أنَّ جميع الناس سالمون من كلِّ شر، موفَّقون لكلِّ خير. فصارت التزكية لها ثلاثة متعلقات: الأول في حق الله، والثاني في حق الرسول، والثالث في حق عامَّة الناس.
▫️في حق الله: يتزكَّى من الشرك، فيعبد الله تعالى مخلصًا له الدين.
🔁 في حق الرسول: يتزكَّى من الابتداع، فيعبد الله على مقتضى شريعة النبي ﷺ في العقيدة والقول والعمل.في معاملة الناس: يتزكَّى من الغِلِّ والحقدِ والعداوةِ والبغضاءِ وكلِّ ما يجلب ذلك، كل ما يجلب العداوةَ والبغضاءَ بين المسلمين يتجنَّبه، ويفعل كلَّ ما فيه المودَّة والمحبَّة، ومن ذلك إفشاء السلام الذي قال فيه الرسول ﷺ: «وَاللَّهِ لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَفَلَا أُخْبِرُكُمْ بِشَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ»(١).
✴️ فالسلام من أقوى الأسباب التي تجلب المحبَّة والمودَّة بين المسلمين، وهذا شيءٌ مشاهَدٌ؛ لو مرَّ بك رجلٌ ولم يسلِّم عليك صار في نفسك شيء، وإذا لم تسلِّم عليه أنت صار في نفسه شيء، لكن لو سلَّمتَ عليه أو سلَّمَ عليك صار هذا كالرِّباط بينكما يوجب المودَّة والمحبَّة، وقد قال النبيُّ عليه الصلاة والسلام في السلام: «وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ»(٢).
🔀 وأكثر الناس اليوم إذا سلَّم يسلِّم على مَن يعرف، وأمَّا مَن لا يعرفه فلا يسلِّم عليه، وهذا غلط؛ لأنَّك إذا سلَّمتَ على مَن تعرف لم يكن السلام خالصًا لله، سلِّم على مَن عرفتَ ومَن لم تعرف من المسلمين حتى تنال بذلك محبَّة المسلمين بعضهم من بعضٍ وتمامَ الإيمان، والنهاية دخول الجنة، جعلنا الله وإيَّاكم من أهلها.
◾وقوله: ﴿وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى﴾ [الأعلى ١٥] يعني: ذكر اسمَ الله تعالى بالتعبُّد له فصلَّى، ويدخل في ذِكْر اسم الله الوضوءُ مثلًا، فالوضوء من ذِكْر اسم الله.
🔵 أولًا: لأنَّ الإنسان لا يتوضأ إلا امتثالًا لأمر الله.
🔴 وثانيًا: أنَّه إذا ابتدأ وضوءَه قال: باسم الله، وإذا انتهى قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهمَّ اجعلني من التوَّابين واجعلني من المتطهِّرين.
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_الأعلي ❤️✨
◀️ ﷽
﴿قَدۡ أَفۡلَحَ مَن تَزَكَّىٰ (١٤) وَذَكَرَ ٱسۡمَ رَبِّهِۦ فَصَلَّىٰ (١٥)﴾ [الأعلى ١٤-١٥]
🔲 وقد سبق الكلام على قوله تعالى ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (١٤) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى﴾ [الأعلى ١٤، ١٥]، وبيَّنَّا أنَّ المراد بقوله: ﴿تَزَكَّى﴾ أي: في نفسه؛ أي: زكَّاها وأخرجها من رِجْس الشرك إلى زكاة التوحيد. ويأتي إن شاء الله بقيَّة الكلام على السورة من أجْل أن نُفسح المجال للإخوة.
◾ نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير من سورة (الأعلي) عند قوله تبارك وتعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (١٤) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى﴾ [الأعلى ١٤، ١٥]. ﴿أَفْلَحَ﴾ مأخوذٌ من الفَلَاح، والفَلَاح كلمةٌ جامعةٌ، وهو الفوز بالمطلوب والنجاة من المرهوب، هذا هو معنى الفَلَاح، فهي كلمةٌ جامعةٌ لكلِّ خيرٍ، دافعةٌ لكلِّ شر.
🔹وقوله: ﴿مَنْ تَزَكَّى﴾ مأخوذ من التزكية وهي التطهير، ومنه سُمِّيت الزكاة زكاةً لأنها تُطَهِّر الإنسانَ من أخلاق الرذيلة، أخلاق البخل؛ كما قال تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ﴾ [التوبة ١٠٣]، إذَنْ ﴿تَزَكَّى﴾ يعني تطهَّر.
🔸ومن أيِّ شيءٍ تزكَّى؟ يتزكَّى أولًا من الشرك بالنسبة لمعاملة الله، فيعبد اللَّهَ مخلصًا له الدين لا يُرائي ولا يسمِّع، ولا يطلب جاهًا ولا رئاسةً فيما يتعبَّد به لله عز وجل، وإنما يريد بهذا وجهَ الله والدارَ الآخرة.
✴️ تزكَّى في اتِّباع الرسول عليه الصلاة والسلام؛ بحيث لا يبتدع في شريعته لا بقليل ولا كثير، لا في الاعتقاد، ولا في الأقوال، ولا في الأفعال.
🔹وهذا -أعني التزكِّي بالنسبة للرسول عليه الصلاة والسلام، وهو اتِّباعٌ من غير ابتداع- لا ينطبق تمامًا إلا على الطريقة السلفية؛ طريقة أهل السُّنة والجماعة الذين يؤمنون بكلِّ ما وَصَف الله به نفسَه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، على الطريقة السلفية الذين لا يبتدعون في العبادات القولية ولا في العبادات الفعلية شيئًا في دين الله، تجدهم يتَّبعون ما جاء به الشرع، خلافًا لِمَا يصنعه بعض المبتدِعة في الأذكار المبتدَعة؛ إمَّا في نوعها، وإمَّا في كيفيَّتها وصِفَتها، وإمَّا في أدائها؛ كما يفعله بعض أصحاب الطُّرُق من الصوفية وغيرهم.
🔸كذلك يتزكَّى بالنسبة لمعاملة الخلْق بحيث يطهِّر قلبَه من الغِلِّ والحقد على إخوانه المسلمين، فتجده دائمًا طاهرَ القلب، يحبُّ لإخوانه ما يحبُّ لنفسه، لا يرضى لأحدٍ أن يمسَّه سوءٌ، بل يودُّ أنَّ جميع الناس سالمون من كلِّ شر، موفَّقون لكلِّ خير. فصارت التزكية لها ثلاثة متعلقات: الأول في حق الله، والثاني في حق الرسول، والثالث في حق عامَّة الناس.
▫️في حق الله: يتزكَّى من الشرك، فيعبد الله تعالى مخلصًا له الدين.
🔁 في حق الرسول: يتزكَّى من الابتداع، فيعبد الله على مقتضى شريعة النبي ﷺ في العقيدة والقول والعمل.في معاملة الناس: يتزكَّى من الغِلِّ والحقدِ والعداوةِ والبغضاءِ وكلِّ ما يجلب ذلك، كل ما يجلب العداوةَ والبغضاءَ بين المسلمين يتجنَّبه، ويفعل كلَّ ما فيه المودَّة والمحبَّة، ومن ذلك إفشاء السلام الذي قال فيه الرسول ﷺ: «وَاللَّهِ لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَفَلَا أُخْبِرُكُمْ بِشَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ»(١).
✴️ فالسلام من أقوى الأسباب التي تجلب المحبَّة والمودَّة بين المسلمين، وهذا شيءٌ مشاهَدٌ؛ لو مرَّ بك رجلٌ ولم يسلِّم عليك صار في نفسك شيء، وإذا لم تسلِّم عليه أنت صار في نفسه شيء، لكن لو سلَّمتَ عليه أو سلَّمَ عليك صار هذا كالرِّباط بينكما يوجب المودَّة والمحبَّة، وقد قال النبيُّ عليه الصلاة والسلام في السلام: «وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ»(٢).
🔀 وأكثر الناس اليوم إذا سلَّم يسلِّم على مَن يعرف، وأمَّا مَن لا يعرفه فلا يسلِّم عليه، وهذا غلط؛ لأنَّك إذا سلَّمتَ على مَن تعرف لم يكن السلام خالصًا لله، سلِّم على مَن عرفتَ ومَن لم تعرف من المسلمين حتى تنال بذلك محبَّة المسلمين بعضهم من بعضٍ وتمامَ الإيمان، والنهاية دخول الجنة، جعلنا الله وإيَّاكم من أهلها.
◾وقوله: ﴿وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى﴾ [الأعلى ١٥] يعني: ذكر اسمَ الله تعالى بالتعبُّد له فصلَّى، ويدخل في ذِكْر اسم الله الوضوءُ مثلًا، فالوضوء من ذِكْر اسم الله.
🔵 أولًا: لأنَّ الإنسان لا يتوضأ إلا امتثالًا لأمر الله.
🔴 وثانيًا: أنَّه إذا ابتدأ وضوءَه قال: باسم الله، وإذا انتهى قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهمَّ اجعلني من التوَّابين واجعلني من المتطهِّرين.
«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
Photo
( الدرس ٧٩ )
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_الأعلي ❤️✨
◀️ ﷽
﴿بَلۡ تُؤۡثِرُونَ ٱلۡحَیَوٰةَ ٱلدُّنۡیَا (١٦) وَٱلۡـَٔاخِرَةُ خَیۡرࣱ وَأَبۡقَىٰۤ (١٧)﴾ [الأعلى ١٦-١٧]
🔲 نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير من سورة (الأعلي) عند قوله تعالى: ﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (١٦) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ [الأعلى ١٦، ١٧] ﴿بَلْ﴾ هنا للإضراب الانتقالي.
🔹 لأنَّ (بل) تأتي للإضراب الإبطالي، وتأتي للإضراب الانتقالي؛ أي إنَّه سبحانه وتعالى انتقل ليبيِّن حالَ الإنسان أنَّه مُؤْثِرٌ للحياة الدنيا لأنها عاجلة، والإنسان خُلِق من عَجَل ويحبُّ ما فيه العجلة، فتجده يُؤْثِر الحياة الدنيا، وهي في الحقيقة على وصْفها دُنيا؛ دُنيا زمنًا، ودُنيا وصفًا؛ أمَّا كونُها دُنيا زمنًا فلأنها سابقةٌ على الآخرة فهي متقدِّمةٌ عليها، والدُّنُوُّ بمعنى القُرب، وأمَّا كونُها دُنيا ناقصة، فكذلك هو الواقع، فإنَّ الدنيا مهما طالت بالإنسان فإنَّ أَمَدَها الفناء، فإنَّ منتهاها الفناء، ومهما ازدهرتْ للإنسان فإن عاقبتها الذبول، ولهذا لا يكاد يمرُّ بك يومٌ في سرورٍ إلا وعقبه حزن، وفي هذا يقول الشاعر:
فَيَوْمٌ عَلَيْنَا وَيَوْمٌ لَنَا ∗∗∗ وَيَوْمٌ نُسَاءُ وَيَوْمٌ نُسَرّْتأمَّلْ حالَك في الدنيا تجدْ أنَّه لا يمرُّ بك وقتٌ ويكون الصفو فيه دائمًا بل لا بدَّ من كَدَر، ولا يكون السرور دائمًا بل لا بدَّ من حزن، ولا تكون راحةٌ دائمًا بل لا بدَّ من تعب، فالدنيا على اسمها دُنيا.
◾﴿وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ الآخرة خيرٌ من الدنيا وأبقى، خيرٌ؛ فيها من النعيم والسرور الدائم الذي لا يُنَغَّص بكَدَر؛ ﴿لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ﴾ [الحجر ٤٨]، كذلك أيضًا هي أبقى من الدنيا؛ لأنَّ بقاء الدنيا -كما أسلفْنا- قليلٌ زائلٌ مضمحِلٌّ، بخلاف بقاء الآخرة فإنَّه أبد الآبدين.
🔹وقوله: ﴿إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (١٨) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى﴾ [الأعلى: ١٨، ١٩].﴿إِنَّ هَذَا﴾ أي: ما ذُكِر من كون الإنسان يُؤْثر الحياة الدنيا على الآخرة وينسى الآخرة، وكذلك ما تضمَّنته الآيات من المواعظ ﴿فِي الصُّحُفِ الْأُولَى﴾ أي: السابقة على هذه الأُمَّة. ﴿صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى﴾ وهي صُحُفٌ جاء بها إبراهيم وموسى عليهما الصلاة والسلام، وفيها من المواعظ ما تلين به القلوبُ وتَصلح به الأحوال.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا و إيَّاكم ممن أُوتي في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً ووقاه الله عذابَ النار.
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي_سورة_الغاشية ❤️
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_الأعلي ❤️✨
◀️ ﷽
﴿بَلۡ تُؤۡثِرُونَ ٱلۡحَیَوٰةَ ٱلدُّنۡیَا (١٦) وَٱلۡـَٔاخِرَةُ خَیۡرࣱ وَأَبۡقَىٰۤ (١٧)﴾ [الأعلى ١٦-١٧]
🔲 نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير من سورة (الأعلي) عند قوله تعالى: ﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (١٦) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ [الأعلى ١٦، ١٧] ﴿بَلْ﴾ هنا للإضراب الانتقالي.
🔹 لأنَّ (بل) تأتي للإضراب الإبطالي، وتأتي للإضراب الانتقالي؛ أي إنَّه سبحانه وتعالى انتقل ليبيِّن حالَ الإنسان أنَّه مُؤْثِرٌ للحياة الدنيا لأنها عاجلة، والإنسان خُلِق من عَجَل ويحبُّ ما فيه العجلة، فتجده يُؤْثِر الحياة الدنيا، وهي في الحقيقة على وصْفها دُنيا؛ دُنيا زمنًا، ودُنيا وصفًا؛ أمَّا كونُها دُنيا زمنًا فلأنها سابقةٌ على الآخرة فهي متقدِّمةٌ عليها، والدُّنُوُّ بمعنى القُرب، وأمَّا كونُها دُنيا ناقصة، فكذلك هو الواقع، فإنَّ الدنيا مهما طالت بالإنسان فإنَّ أَمَدَها الفناء، فإنَّ منتهاها الفناء، ومهما ازدهرتْ للإنسان فإن عاقبتها الذبول، ولهذا لا يكاد يمرُّ بك يومٌ في سرورٍ إلا وعقبه حزن، وفي هذا يقول الشاعر:
فَيَوْمٌ عَلَيْنَا وَيَوْمٌ لَنَا ∗∗∗ وَيَوْمٌ نُسَاءُ وَيَوْمٌ نُسَرّْتأمَّلْ حالَك في الدنيا تجدْ أنَّه لا يمرُّ بك وقتٌ ويكون الصفو فيه دائمًا بل لا بدَّ من كَدَر، ولا يكون السرور دائمًا بل لا بدَّ من حزن، ولا تكون راحةٌ دائمًا بل لا بدَّ من تعب، فالدنيا على اسمها دُنيا.
◾﴿وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ الآخرة خيرٌ من الدنيا وأبقى، خيرٌ؛ فيها من النعيم والسرور الدائم الذي لا يُنَغَّص بكَدَر؛ ﴿لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ﴾ [الحجر ٤٨]، كذلك أيضًا هي أبقى من الدنيا؛ لأنَّ بقاء الدنيا -كما أسلفْنا- قليلٌ زائلٌ مضمحِلٌّ، بخلاف بقاء الآخرة فإنَّه أبد الآبدين.
🔹وقوله: ﴿إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (١٨) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى﴾ [الأعلى: ١٨، ١٩].﴿إِنَّ هَذَا﴾ أي: ما ذُكِر من كون الإنسان يُؤْثر الحياة الدنيا على الآخرة وينسى الآخرة، وكذلك ما تضمَّنته الآيات من المواعظ ﴿فِي الصُّحُفِ الْأُولَى﴾ أي: السابقة على هذه الأُمَّة. ﴿صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى﴾ وهي صُحُفٌ جاء بها إبراهيم وموسى عليهما الصلاة والسلام، وفيها من المواعظ ما تلين به القلوبُ وتَصلح به الأحوال.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا و إيَّاكم ممن أُوتي في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً ووقاه الله عذابَ النار.
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي_سورة_الغاشية ❤️