«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
Photo
( الدرس الخامس و الخمسون )
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_البروج ❤️✨
◀️ ﷽
﴿وَالسَّماءِ ذاتِ البُروجِوَاليَومِ المَوعودِ﴾ [البروج: ١-٢]
🔲 نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير سورة البروج .الآية هي قوله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (١) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ﴾ [البروج ١، ٢]. البسملة آيةٌ مستقلَّةٌ في الكتاب العزيز ليست من السورة التي قبلها ولا من السورة التي بعدها، يؤتَى بها في أول كلِّ سورة إلا سورة (براءة)، فإنَّ الصحابة رضي الله عنهم لم يكتبوها في هذه السورة فبقيتْ بدون بسملة، وما اشتهر عند العوامِّ من أنَّ الجنَّ اختطفوا بسملة سورة (براءة) فهذا لا شكَّ أنَّه باطلٌ؛ لأنَّ الله يقول: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر ٩]، ولا يمكن أن يُسَلَّط عليه الشياطين أو الجن حتى يختطفوا منه، بل إنَّ الله تعالى حماه حين نزوله وحماه بعد نزوله، وما ذُكِر عن بعض العلماء أنَّها لم يُذكَر فيها البسملة لأنَّها نزلتْ بالسيف ففيها الأمر بقتال المشركين، فهذا أيضًا غير صحيح؛ لأنَّ البسملة بركة، والجهاد في سبيل الله من أعظم ما يُطلَب فيه البركة. على كلِّ حالٍ هي آيةٌ مستقلَّةٌ في أول كلِّ سورةٍ إلا سورة (براءة).
🔁 وليستْ من الفاتحة على القول الراجح الذي دلَّ عليه الحديث القدسي، وهو قوله تبارك وتعالى فيما رواه عنه نبيُّه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: «قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، فَإِذَا قَالَ:» ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ «قَالَ: حَمِدَنِي عَبْدِي ...» إلى آخر الحديث، وهذا يدلُّ على أنَّ البسملة ليستْ من الفاتحة، وكذلك أول ما نزل على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم سورة (اقرأ)، أقرَأَه إيَّاها جبريلُ ولم يكن فيها (بسم الله الرحمن الرحيم)، فدلَّ هذا على أنها ليست من السورة.
🔹قوله تعالى: ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ﴾ [البروج ١] الواو هذه حرف قَسَم؛ يعني يُقسم الله تعالى بالسماء ذاتِ البروج؛ أي: صاحبة البروج.
✴️ والبروج هي جمع بُرج، وهو المجموعة العظيمة من النجوم، وسُمِّيتْ بُروجًا لعُلُوِّها وارتفاعها وظهورها وبيانها، والبروج عند الفلكيِّين اثنا عشر بُرجًا جُمِعتْ في قول الناظم:
حَمْلٌ فَثَوْرُ فَجَوْزَاءُ فَسَرْطَانُ ∗∗∗ فَأَسَـــــــــدٌ سُنْبُـــــــــلَةٌمِـــيـــــــــزَانُ؎فَعَقْرَبٌ قَـوسٌ فَجَدْيٌ وَكَـذَا ∗∗∗ دَلْوٌ وَذِي آخِــــرُهَا الْحِــــيتَانُفهي اثنا عشر برجًا؛ ثلاثةٌ منها للربيع، وثلاثةٌ للصيف، وثلاثةٌ للخريف، وثلاثةٌ للشتاء.
🔸فيُقسِم الله تعالى بالسماء ذاتِ البروج، وله تعالى أن يُقسم بما شاء من خَلْقه، أمَّا نحن فلا نُقسم إلا بالله؛ بأسمائه وصفاته، ولا نُقسم بشيءٍ من المخلوقات؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ»(١)، ولقوله: «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ» أو: «أَشْرَكَ»(٢). ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ﴾ إذَنْ ﴿ذَاتِ الْبُرُوجِ﴾ أي: صاحبة البروج، وهي المجموعة العظيمة من النجوم، وفي السماء اثنا عشر برجًا.
◾وقوله: ﴿وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ﴾ [البروج: ٢] اليوم الموعود هو يوم القيامة، وَعَد اللَّهُ سبحانه وتعالى به وبيَّنه في كتابه، ونصب عليه الأدلَّة العقلية التي تدلُّ على أنَّه واقعٌ حتمًا؛ كما قال تعالى: ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾ [الأنبياء ١٠٤].
(١) أخرجه البخاري (٢٦٧٩) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
(٢) أخرجه الترمذي (١٥٣٥) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_البروج ❤️✨
◀️ ﷽
﴿وَالسَّماءِ ذاتِ البُروجِوَاليَومِ المَوعودِ﴾ [البروج: ١-٢]
🔲 نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير سورة البروج .الآية هي قوله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (١) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ﴾ [البروج ١، ٢]. البسملة آيةٌ مستقلَّةٌ في الكتاب العزيز ليست من السورة التي قبلها ولا من السورة التي بعدها، يؤتَى بها في أول كلِّ سورة إلا سورة (براءة)، فإنَّ الصحابة رضي الله عنهم لم يكتبوها في هذه السورة فبقيتْ بدون بسملة، وما اشتهر عند العوامِّ من أنَّ الجنَّ اختطفوا بسملة سورة (براءة) فهذا لا شكَّ أنَّه باطلٌ؛ لأنَّ الله يقول: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر ٩]، ولا يمكن أن يُسَلَّط عليه الشياطين أو الجن حتى يختطفوا منه، بل إنَّ الله تعالى حماه حين نزوله وحماه بعد نزوله، وما ذُكِر عن بعض العلماء أنَّها لم يُذكَر فيها البسملة لأنَّها نزلتْ بالسيف ففيها الأمر بقتال المشركين، فهذا أيضًا غير صحيح؛ لأنَّ البسملة بركة، والجهاد في سبيل الله من أعظم ما يُطلَب فيه البركة. على كلِّ حالٍ هي آيةٌ مستقلَّةٌ في أول كلِّ سورةٍ إلا سورة (براءة).
🔁 وليستْ من الفاتحة على القول الراجح الذي دلَّ عليه الحديث القدسي، وهو قوله تبارك وتعالى فيما رواه عنه نبيُّه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: «قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، فَإِذَا قَالَ:» ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ «قَالَ: حَمِدَنِي عَبْدِي ...» إلى آخر الحديث، وهذا يدلُّ على أنَّ البسملة ليستْ من الفاتحة، وكذلك أول ما نزل على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم سورة (اقرأ)، أقرَأَه إيَّاها جبريلُ ولم يكن فيها (بسم الله الرحمن الرحيم)، فدلَّ هذا على أنها ليست من السورة.
🔹قوله تعالى: ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ﴾ [البروج ١] الواو هذه حرف قَسَم؛ يعني يُقسم الله تعالى بالسماء ذاتِ البروج؛ أي: صاحبة البروج.
✴️ والبروج هي جمع بُرج، وهو المجموعة العظيمة من النجوم، وسُمِّيتْ بُروجًا لعُلُوِّها وارتفاعها وظهورها وبيانها، والبروج عند الفلكيِّين اثنا عشر بُرجًا جُمِعتْ في قول الناظم:
حَمْلٌ فَثَوْرُ فَجَوْزَاءُ فَسَرْطَانُ ∗∗∗ فَأَسَـــــــــدٌ سُنْبُـــــــــلَةٌمِـــيـــــــــزَانُ؎فَعَقْرَبٌ قَـوسٌ فَجَدْيٌ وَكَـذَا ∗∗∗ دَلْوٌ وَذِي آخِــــرُهَا الْحِــــيتَانُفهي اثنا عشر برجًا؛ ثلاثةٌ منها للربيع، وثلاثةٌ للصيف، وثلاثةٌ للخريف، وثلاثةٌ للشتاء.
🔸فيُقسِم الله تعالى بالسماء ذاتِ البروج، وله تعالى أن يُقسم بما شاء من خَلْقه، أمَّا نحن فلا نُقسم إلا بالله؛ بأسمائه وصفاته، ولا نُقسم بشيءٍ من المخلوقات؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ»(١)، ولقوله: «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ» أو: «أَشْرَكَ»(٢). ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ﴾ إذَنْ ﴿ذَاتِ الْبُرُوجِ﴾ أي: صاحبة البروج، وهي المجموعة العظيمة من النجوم، وفي السماء اثنا عشر برجًا.
◾وقوله: ﴿وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ﴾ [البروج: ٢] اليوم الموعود هو يوم القيامة، وَعَد اللَّهُ سبحانه وتعالى به وبيَّنه في كتابه، ونصب عليه الأدلَّة العقلية التي تدلُّ على أنَّه واقعٌ حتمًا؛ كما قال تعالى: ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾ [الأنبياء ١٠٤].
(١) أخرجه البخاري (٢٦٧٩) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
(٢) أخرجه الترمذي (١٥٣٥) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
Photo
( الدرس السادس و الخمسون )
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_البروج ❤️✨
◀️ ﷽
﴿وَشاهِدٍ وَمَشهودٍقُتِلَ أَصحابُ الأُخدودِالنّارِ ذاتِ الوَقودِإِذ هُم عَلَيها قُعودٌوَهُم عَلى ما يَفعَلونَ بِالمُؤمِنينَ شُهودٌ﴾ [البروج: ٣-٧]
🔲 نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير من سورة (البروج) عند قوله: ﴿وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ﴾ [البروج: ٣] ذكر العلماء -علماء التفسير- في الشاهد والمشهود عِدَّة أقوال، يجمعها أنَّ الله أَقْسم بكلِّ شاهدٍ وبكلِّ مشهودٍ، والشهود كثيرون، ومنهم محمدٌ رسولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم شهيدٌ علينا، ومنهم نحن هذه الأمَّة شهداء على الناس، ومنهم أعضاء الإنسان يوم القيامة تشهد عليه بما عَمِل من خيرٍ وشرٍّ، ومنهم الملائكة يشهدون يوم القيامة، فكلُّ مَن شَهِد بحقٍّ فهو داخلٌ في قوله: ﴿وَشَاهِدٍ﴾.
🔹وأمَّا المشهود فهو يوم القيامة وما يُعْرَض فيه من الأهوال العظيمة؛ كما قال تعالى: ﴿ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ﴾ [هود ١٠٣]. فأقسمَ الله بكلِّ شاهدٍ وبكلِّ مشهودٍ.﴿الْيَوْمِ الْمَوْعُودِ﴾ ما هو؟
* طلبة: يوم القيامة.
* الشيخ: يوم القيامة.
▫️وقوله: ﴿قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ﴾ [البروج: ٤]، ﴿قُتِلَ﴾ يعني: أُهْلِكَ. وقيل: القَتْل هنا بمعنى اللَّعْن وهو الطرد والإبعاد عن رحمة الله.
🔸و﴿أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ﴾ هم قومٌ كُفَّارٌ أحرقوا المؤمنين بالنار، وقد وردتْ قصص متعدِّدة في هؤلاء القوم منها شيءٌ في الشام ومنها شيءٌ في اليمن، والمقصود أنَّ هؤلاء الكفار حاولوا بالمؤمنين أن يرتدُّوا عن دينهم ولكنَّهم عجزوا، فحفروا أُخدودًا -حُفَرًا ممدودةً في الأرض كالنهر- وجمعوا الحطبَ الكثيرَ وأحرقوا المؤمنين بها -والعياذ بالله- ولهذا قال: ﴿النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ﴾ [البروج ٥]؛ يعني أنَّ الأخدود هي أخدود النار.
▫️ ﴿ذَاتِ الْوَقُودِ﴾ أي: الحطب الكثير المتأجِّج.
◾وقوله: ﴿إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ﴾ [البروج: ٦] يعني أنَّ هؤلاء الذين حفروا الأخاديد وألقوا فيها المؤمنين كانوا -والعياذ بالله- عندهم قسوة وجبروت، يَرَوْن النارَ تَلْتَهم هؤلاء البشر وهم قعودٌ عليها على الأسِرَّة فَكِهون كأنَّ شيئًا لم يكن، والعياذ بالله، وهذا من الجبروت أن يَرى الإنسانُ البشرَ تَلْتهمه النارُ وهو جالسٌ على سريره يتفكَّه بالحديث ولا يبالي.
🔹وقوله: ﴿وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ﴾ [البروج: ٧] يعني: هم شهودٌ على ما يفعلون بالمؤمنين؛ أي: حضورٌ لا يغيب عنهم ما فعلوه بالمؤمنين، ولذلك استحقُّوا هذا الوعيد، بل استحقُّوا هذه العقوبة أنَّ الله أهلكهم ولَعَنهم وطَرَدهم وأبعدهم عن رحمته. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يختم لنا ولكم بالخير وأن يُحسِن لنا ولعامَّة المسلمين العاقبة.
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_البروج ❤️✨
◀️ ﷽
﴿وَشاهِدٍ وَمَشهودٍقُتِلَ أَصحابُ الأُخدودِالنّارِ ذاتِ الوَقودِإِذ هُم عَلَيها قُعودٌوَهُم عَلى ما يَفعَلونَ بِالمُؤمِنينَ شُهودٌ﴾ [البروج: ٣-٧]
🔲 نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير من سورة (البروج) عند قوله: ﴿وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ﴾ [البروج: ٣] ذكر العلماء -علماء التفسير- في الشاهد والمشهود عِدَّة أقوال، يجمعها أنَّ الله أَقْسم بكلِّ شاهدٍ وبكلِّ مشهودٍ، والشهود كثيرون، ومنهم محمدٌ رسولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم شهيدٌ علينا، ومنهم نحن هذه الأمَّة شهداء على الناس، ومنهم أعضاء الإنسان يوم القيامة تشهد عليه بما عَمِل من خيرٍ وشرٍّ، ومنهم الملائكة يشهدون يوم القيامة، فكلُّ مَن شَهِد بحقٍّ فهو داخلٌ في قوله: ﴿وَشَاهِدٍ﴾.
🔹وأمَّا المشهود فهو يوم القيامة وما يُعْرَض فيه من الأهوال العظيمة؛ كما قال تعالى: ﴿ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ﴾ [هود ١٠٣]. فأقسمَ الله بكلِّ شاهدٍ وبكلِّ مشهودٍ.﴿الْيَوْمِ الْمَوْعُودِ﴾ ما هو؟
* طلبة: يوم القيامة.
* الشيخ: يوم القيامة.
▫️وقوله: ﴿قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ﴾ [البروج: ٤]، ﴿قُتِلَ﴾ يعني: أُهْلِكَ. وقيل: القَتْل هنا بمعنى اللَّعْن وهو الطرد والإبعاد عن رحمة الله.
🔸و﴿أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ﴾ هم قومٌ كُفَّارٌ أحرقوا المؤمنين بالنار، وقد وردتْ قصص متعدِّدة في هؤلاء القوم منها شيءٌ في الشام ومنها شيءٌ في اليمن، والمقصود أنَّ هؤلاء الكفار حاولوا بالمؤمنين أن يرتدُّوا عن دينهم ولكنَّهم عجزوا، فحفروا أُخدودًا -حُفَرًا ممدودةً في الأرض كالنهر- وجمعوا الحطبَ الكثيرَ وأحرقوا المؤمنين بها -والعياذ بالله- ولهذا قال: ﴿النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ﴾ [البروج ٥]؛ يعني أنَّ الأخدود هي أخدود النار.
▫️ ﴿ذَاتِ الْوَقُودِ﴾ أي: الحطب الكثير المتأجِّج.
◾وقوله: ﴿إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ﴾ [البروج: ٦] يعني أنَّ هؤلاء الذين حفروا الأخاديد وألقوا فيها المؤمنين كانوا -والعياذ بالله- عندهم قسوة وجبروت، يَرَوْن النارَ تَلْتَهم هؤلاء البشر وهم قعودٌ عليها على الأسِرَّة فَكِهون كأنَّ شيئًا لم يكن، والعياذ بالله، وهذا من الجبروت أن يَرى الإنسانُ البشرَ تَلْتهمه النارُ وهو جالسٌ على سريره يتفكَّه بالحديث ولا يبالي.
🔹وقوله: ﴿وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ﴾ [البروج: ٧] يعني: هم شهودٌ على ما يفعلون بالمؤمنين؛ أي: حضورٌ لا يغيب عنهم ما فعلوه بالمؤمنين، ولذلك استحقُّوا هذا الوعيد، بل استحقُّوا هذه العقوبة أنَّ الله أهلكهم ولَعَنهم وطَرَدهم وأبعدهم عن رحمته. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يختم لنا ولكم بالخير وأن يُحسِن لنا ولعامَّة المسلمين العاقبة.
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
Photo
( الدرس السابع و الخمسون )
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_البروج ❤️✨
◀️ ﷽
﴿وَمَا نَقَمُوا۟ مِنۡهُمۡ إِلَّاۤ أَن یُؤۡمِنُوا۟ بِٱللَّهِ ٱلۡعَزِیزِ ٱلۡحَمِیدِ﴾ [البروج ٨]
🔲 كُنَّا تكلَّمنا في الدرس امبارح على أول آيات البروج إلى أن وقفنا على قول الله تعالى: ﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ [البروج ٨] أي: ما أنكر هؤلاء الذين سَعَّروا النارَ بأجساد هؤلاء المؤمنين إلا هذا؛ أي: إلا أنهم آمنوا بالله عز وجل؛ ﴿إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾، وهذا الإنكار أحقُّ أن يُنكَر؛ لأنَّ المؤمن بالله العزيز الحميد يجب أن يُساعَد ويُعان وأن تُسَهَّل له الطرق، أمَّا أن يُمنع ويُردع حتى يَصِل الحدُّ إلى أن يُحرق بالنار فلا شكَّ أنَّ هذا عدوانٌ كبير، وليس هذا بمنكرٍ عليهم، بل هم يُحمدون على ذلك لأنهم عبدوا مَن هو أهلٌ للعبادة، وهو الله جل وعلا الذي خَلَق الخلْقَ ليقوموا بعبادته، فمَن قام بهذه العبادة فقد عرف الحكمة من الخلق وأعطاها حقَّها.
🔹وقوله: ﴿إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ العزيز هو الغالب الذي لا يغلبه شيء، فهو سبحانه وتعالى له الغَلَبة والعزَّة على كلِّ أحد، ولَمَّا قال المنافقون: ﴿لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ﴾ قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [المنافقون ٨].
◾وقوله: ﴿الْحَمِيدِ﴾ بمعنى المحمود، فالله سبحانه وتعالى محمودٌ على كلِّ حال، وكان من هَدْي النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنَّه إذا جاءه ما يُسَرُّ به قال: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ»،وإذا جاءه خلاف ذلك قال: «الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ»(١)، وهذا هو الذي ينبغي للإنسان؛ أن يقول عند المكروه: «الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ»، أمَّا ما نسمعه من بعض الناس يقول: الحمد لله الذي لا يُحمد على مكروهٍ سِواه، فهذا خلافُ ما جاءت به السُّنة، بل قلْ كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: «الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ»، أمَّا أن تقول: الذي لا يُحمد على مكروهٍ سِواه، فكأنَّك الآن تُعلن أنَّك كارهٌ ما قدَّر الله عليك، وهذا لا ينبغي، بل الواجب أن يرضى الإنسانُ بما قدَّر الله عليه مما يسوؤه أو يَسُرُّه؛ لأنَّ الذي قدَّره عليك مَن؟ الله عز وجل، هو ربُّك وأنت عَبْده، هو مالكك وأنت مملوكٌ له، فإذا كان الله هو الذي قدَّر عليك ما تكره فلا تجزع، يجب عليك الرضا والصبر وألَّا تتسخَّط لا بقلبك ولا بلسانك ولا بجوارحك، اصبِرْ وتحمَّل والأمر سيزول، دوام الحال من المحال، قال النبي عليه الصلاة والسلام: «وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا»(٢).
✴️ فقوله جل وعلا: ﴿الْحَمِيدِ﴾ ما معنى ﴿الْحَمِيدِ﴾؟ أجيبوني.
* طلبة: المحمود.
* الشيخ: المحمود على كلِّ حالٍ من سَرَّاء أو ضَرَّاء؛ لأنه إن قدَّر السرَّاء فهو ابتلاءٌ وامتحان؛ قال الله تعالى: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾ [الأنبياء ٣٥].
🔹ولَمَّا رأى سليمانُ عرش بلقيس بين يديه بلحظةٍ ماذا قال؟ ﴿قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ﴾ [النمل ٤٠]، فأنت يا أخي إذا أُصِبتَ بالنعمة لا تأخذها على أنها نعمة فتمرح وتفرح، هي نعمة لا شكَّ، لكن اعلمْ أنَّك ممتحَنٌ بها هل تؤدِّي شُكرها أو لا تؤدِّي، إن أصابتك ضرَّاء فاصبِرْ فإنَّ ذلك أيضًا ابتلاء وامتحان من الله عز وجل ليبلوك هل تصبر أو لا تصبر، وإذا صبرتَ واحتسبتَ الأجر من الله فإنَّ الله يقول: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [الزمر ١٠].
🔁 ويجوز أن يكون معنى قوله: ﴿الْحَمِيدِ﴾ أن يكون له معنًى آخَر وهو الحامد؛ فإنه سبحانه وتعالى يَحمد مَن يستحقُّ الحمد، يُثني على عباده من المرسَلين والأنبياء والصالحين، والثناء عليهم حمدٌ لهم، فهو جل وعلا حامدٌ وهو كذلك محمودٌ، وقد ثبتَ عن النبي عليه الصلاة والسلام «أنَّ الله يرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها، ويشرب الشَّربة فيحمده عليها»(٣)؛ لأنَّه لولا أنَّ الله يَسَّر لك هذه الأكلة والشربة ما حصلتَ عليها؛ قال الله تبارك وتعالى: ﴿أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (٦٣) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ﴾ [الواقعة ٦٣، ٦٤]. أجبْ على هذا السؤال، الله يسألنا: ﴿أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ﴾، ما هو الجواب؟
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_البروج ❤️✨
◀️ ﷽
﴿وَمَا نَقَمُوا۟ مِنۡهُمۡ إِلَّاۤ أَن یُؤۡمِنُوا۟ بِٱللَّهِ ٱلۡعَزِیزِ ٱلۡحَمِیدِ﴾ [البروج ٨]
🔲 كُنَّا تكلَّمنا في الدرس امبارح على أول آيات البروج إلى أن وقفنا على قول الله تعالى: ﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ [البروج ٨] أي: ما أنكر هؤلاء الذين سَعَّروا النارَ بأجساد هؤلاء المؤمنين إلا هذا؛ أي: إلا أنهم آمنوا بالله عز وجل؛ ﴿إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾، وهذا الإنكار أحقُّ أن يُنكَر؛ لأنَّ المؤمن بالله العزيز الحميد يجب أن يُساعَد ويُعان وأن تُسَهَّل له الطرق، أمَّا أن يُمنع ويُردع حتى يَصِل الحدُّ إلى أن يُحرق بالنار فلا شكَّ أنَّ هذا عدوانٌ كبير، وليس هذا بمنكرٍ عليهم، بل هم يُحمدون على ذلك لأنهم عبدوا مَن هو أهلٌ للعبادة، وهو الله جل وعلا الذي خَلَق الخلْقَ ليقوموا بعبادته، فمَن قام بهذه العبادة فقد عرف الحكمة من الخلق وأعطاها حقَّها.
🔹وقوله: ﴿إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ العزيز هو الغالب الذي لا يغلبه شيء، فهو سبحانه وتعالى له الغَلَبة والعزَّة على كلِّ أحد، ولَمَّا قال المنافقون: ﴿لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ﴾ قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [المنافقون ٨].
◾وقوله: ﴿الْحَمِيدِ﴾ بمعنى المحمود، فالله سبحانه وتعالى محمودٌ على كلِّ حال، وكان من هَدْي النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنَّه إذا جاءه ما يُسَرُّ به قال: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ»،وإذا جاءه خلاف ذلك قال: «الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ»(١)، وهذا هو الذي ينبغي للإنسان؛ أن يقول عند المكروه: «الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ»، أمَّا ما نسمعه من بعض الناس يقول: الحمد لله الذي لا يُحمد على مكروهٍ سِواه، فهذا خلافُ ما جاءت به السُّنة، بل قلْ كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: «الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ»، أمَّا أن تقول: الذي لا يُحمد على مكروهٍ سِواه، فكأنَّك الآن تُعلن أنَّك كارهٌ ما قدَّر الله عليك، وهذا لا ينبغي، بل الواجب أن يرضى الإنسانُ بما قدَّر الله عليه مما يسوؤه أو يَسُرُّه؛ لأنَّ الذي قدَّره عليك مَن؟ الله عز وجل، هو ربُّك وأنت عَبْده، هو مالكك وأنت مملوكٌ له، فإذا كان الله هو الذي قدَّر عليك ما تكره فلا تجزع، يجب عليك الرضا والصبر وألَّا تتسخَّط لا بقلبك ولا بلسانك ولا بجوارحك، اصبِرْ وتحمَّل والأمر سيزول، دوام الحال من المحال، قال النبي عليه الصلاة والسلام: «وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا»(٢).
✴️ فقوله جل وعلا: ﴿الْحَمِيدِ﴾ ما معنى ﴿الْحَمِيدِ﴾؟ أجيبوني.
* طلبة: المحمود.
* الشيخ: المحمود على كلِّ حالٍ من سَرَّاء أو ضَرَّاء؛ لأنه إن قدَّر السرَّاء فهو ابتلاءٌ وامتحان؛ قال الله تعالى: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾ [الأنبياء ٣٥].
🔹ولَمَّا رأى سليمانُ عرش بلقيس بين يديه بلحظةٍ ماذا قال؟ ﴿قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ﴾ [النمل ٤٠]، فأنت يا أخي إذا أُصِبتَ بالنعمة لا تأخذها على أنها نعمة فتمرح وتفرح، هي نعمة لا شكَّ، لكن اعلمْ أنَّك ممتحَنٌ بها هل تؤدِّي شُكرها أو لا تؤدِّي، إن أصابتك ضرَّاء فاصبِرْ فإنَّ ذلك أيضًا ابتلاء وامتحان من الله عز وجل ليبلوك هل تصبر أو لا تصبر، وإذا صبرتَ واحتسبتَ الأجر من الله فإنَّ الله يقول: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [الزمر ١٠].
🔁 ويجوز أن يكون معنى قوله: ﴿الْحَمِيدِ﴾ أن يكون له معنًى آخَر وهو الحامد؛ فإنه سبحانه وتعالى يَحمد مَن يستحقُّ الحمد، يُثني على عباده من المرسَلين والأنبياء والصالحين، والثناء عليهم حمدٌ لهم، فهو جل وعلا حامدٌ وهو كذلك محمودٌ، وقد ثبتَ عن النبي عليه الصلاة والسلام «أنَّ الله يرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها، ويشرب الشَّربة فيحمده عليها»(٣)؛ لأنَّه لولا أنَّ الله يَسَّر لك هذه الأكلة والشربة ما حصلتَ عليها؛ قال الله تبارك وتعالى: ﴿أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (٦٣) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ﴾ [الواقعة ٦٣، ٦٤]. أجبْ على هذا السؤال، الله يسألنا: ﴿أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ﴾، ما هو الجواب؟
«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
Photo
( الدرس الثامن و الخمسون )
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_البروج ❤️✨
◀️ ﷽
﴿الَّذي لَهُ مُلكُ السَّماواتِ وَالأَرضِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيءٍ شَهيدٌإِنَّ الَّذينَ فَتَنُوا المُؤمِنينَ وَالمُؤمِناتِ ثُمَّ لَم يَتوبوا فَلَهُم عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُم عَذابُ الحَريقِ﴾ [البروج: ٩-١٠]
🔲 نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير من سورة (البروج) عند قوله تعالي: ﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (٨) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ [البروج: ٨، ٩]. ﴿الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ له وحده مُلك السماوات والأرض، لا يملكها إلا هو عز وجل، فهو يملك السماوات ومَن فيها، والأرضين ومَن فيها، وما بينهما وما فيه، كلُّ شيءٍ ملكٌ لله ولا يشاركه أحدٌ في ملكه، وما يُضاف إلينا من الملك فيقال مثلًا: هذا البيت ملكٌ لفلان، هذه السيارة ملكٌ لفلان، فهو ملكٌ قاصرٌ وليس ملكًا حقيقيًّا؛ لأنَّه لو أنَّ إنسانًا أراد أن يهدم بيتَه بدون سببٍ فهل يملك ذلك؟ أجيبوا.
* الطلبة: لا.
* الشيخ: لا، لو أردتَ أن تهدم بيتك بدون سببٍ ما يمكنك هذا، هذا حرام عليك؛ لأنَّ النبي ﷺ نهى عن إضاعة المال.
🔹 لو أردتَ أن تحرق سيارتك بدون سبب، تملك هذا؟ ما تملك، حتى لو أنَّك فعلتَ لَحَجَر الناسُ، حتى القاضي يحجر عليك، يمنعك من التصرُّف في مالك، مع أنَّ الله مَنَعك قَبْل. إذَنْ ملكُنا قاصر، والملك التامُّ لله. ﴿الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ مُطَّلع عز وجل على كلِّ شيء، ومن جملته ما يفعله هؤلاء الكفار بالمؤمنين من الإحراق بالنار، وسوف يجازيهم.
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
🔸وقوله:﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ فَتَنُوا۟ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ وَٱلۡمُؤۡمِنَـٰتِ ثُمَّ لَمۡ یَتُوبُوا۟ فَلَهُمۡ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمۡ عَذَابُ ٱلۡحَرِیقِ﴾ [البروج ١٠]
◾﴿إنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا﴾ أيْ خالَطُوا مِنَ الأذى بِما لا تَحْتَمِلُهُ القُوى فَلا بُدَّ أنْ يَمِيلَ أوْ يُحِيلَ في أيْ زَمانٍ كانَ ومِن أيِّ قَوْمٍ كانُوا ﴿المُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ﴾ أيْ ذَوِي الرُّسُوخِ في وصْفِ الإيمانِ.ولَمّا كانَتِ التَّوْبَةُ مَقْبُولَةً قَبْلَ الغَرْغَرَةِ ولَوْ طالَ الزَّمانُ، عَبَّرَ بِأداةِ التَّراخِي فَقالَ: ﴿ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا﴾ أيْ عَنْ ذُنُوبِهِمْ وكُفْرِهِمْ. ولَمّا كانَ سُبْحانَهُ لا يُعَذِّبُ أحَدًا إلّا بِسَبَبٍ، سَبَّبَ عَنْ ذَنْبِهِمْ وعَدَمِ تَوْبَتِهِمْ قَوْلُهُ: ﴿فَلَهُمْ﴾ أيْ خاصَّةً لِأجْلِ كُفْرِهِمْ ﴿عَذابُ جَهَنَّمَ﴾ أيِ الطَّبَقَةِ الَّتِي تَلْقى داخِلَها بِغايَةِ الكَراهَةِ والتَّجَهُّمِ، هَذا في الآخِرَةِ ﴿ولَهُمْ﴾ أيْ مَعَ ذَلِكَ في الدّارَيْنِ لِأجْلِ فِتْنَتِهِمْ لِأوْلِياءِ اللَّهِ ﴿عَذابُ الحَرِيقِ﴾ أيِ العَذابَ الَّذِي مِن شَأْنِهِ المُبالَغَةُ في الإحْراقِ بِما أحْرَقُوا مِن قُلُوبِ الأوْلِياءِ، وقَدْ صَدَقَ سُبْحانَهُ قَوْلَهُ هَذا فِيمَن كَذَّبَ النَّبِيَّ ﷺ بِإهْلاكِهِمْ شَرَّ إهْلاكٍ مَغْلُوبِينَ مَقْهُورِينَ مَعَ أنَّهم كانُوا قاطِعِينَ بِأنَّهم غالِبُونَ كَما فَعَلَ بِمَن كانَ قَبْلَهُمْ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلى أنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، فَدَلَّ عَلى أنَّهُ يُبْدِئُ ويُعِيدُ.
(نظم الدرر للبقاعي — البقاعي (٨٨٥ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_البروج ❤️✨
◀️ ﷽
﴿الَّذي لَهُ مُلكُ السَّماواتِ وَالأَرضِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيءٍ شَهيدٌإِنَّ الَّذينَ فَتَنُوا المُؤمِنينَ وَالمُؤمِناتِ ثُمَّ لَم يَتوبوا فَلَهُم عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُم عَذابُ الحَريقِ﴾ [البروج: ٩-١٠]
🔲 نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير من سورة (البروج) عند قوله تعالي: ﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (٨) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ [البروج: ٨، ٩]. ﴿الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ له وحده مُلك السماوات والأرض، لا يملكها إلا هو عز وجل، فهو يملك السماوات ومَن فيها، والأرضين ومَن فيها، وما بينهما وما فيه، كلُّ شيءٍ ملكٌ لله ولا يشاركه أحدٌ في ملكه، وما يُضاف إلينا من الملك فيقال مثلًا: هذا البيت ملكٌ لفلان، هذه السيارة ملكٌ لفلان، فهو ملكٌ قاصرٌ وليس ملكًا حقيقيًّا؛ لأنَّه لو أنَّ إنسانًا أراد أن يهدم بيتَه بدون سببٍ فهل يملك ذلك؟ أجيبوا.
* الطلبة: لا.
* الشيخ: لا، لو أردتَ أن تهدم بيتك بدون سببٍ ما يمكنك هذا، هذا حرام عليك؛ لأنَّ النبي ﷺ نهى عن إضاعة المال.
🔹 لو أردتَ أن تحرق سيارتك بدون سبب، تملك هذا؟ ما تملك، حتى لو أنَّك فعلتَ لَحَجَر الناسُ، حتى القاضي يحجر عليك، يمنعك من التصرُّف في مالك، مع أنَّ الله مَنَعك قَبْل. إذَنْ ملكُنا قاصر، والملك التامُّ لله. ﴿الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ مُطَّلع عز وجل على كلِّ شيء، ومن جملته ما يفعله هؤلاء الكفار بالمؤمنين من الإحراق بالنار، وسوف يجازيهم.
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
🔸وقوله:﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ فَتَنُوا۟ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ وَٱلۡمُؤۡمِنَـٰتِ ثُمَّ لَمۡ یَتُوبُوا۟ فَلَهُمۡ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمۡ عَذَابُ ٱلۡحَرِیقِ﴾ [البروج ١٠]
◾﴿إنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا﴾ أيْ خالَطُوا مِنَ الأذى بِما لا تَحْتَمِلُهُ القُوى فَلا بُدَّ أنْ يَمِيلَ أوْ يُحِيلَ في أيْ زَمانٍ كانَ ومِن أيِّ قَوْمٍ كانُوا ﴿المُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ﴾ أيْ ذَوِي الرُّسُوخِ في وصْفِ الإيمانِ.ولَمّا كانَتِ التَّوْبَةُ مَقْبُولَةً قَبْلَ الغَرْغَرَةِ ولَوْ طالَ الزَّمانُ، عَبَّرَ بِأداةِ التَّراخِي فَقالَ: ﴿ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا﴾ أيْ عَنْ ذُنُوبِهِمْ وكُفْرِهِمْ. ولَمّا كانَ سُبْحانَهُ لا يُعَذِّبُ أحَدًا إلّا بِسَبَبٍ، سَبَّبَ عَنْ ذَنْبِهِمْ وعَدَمِ تَوْبَتِهِمْ قَوْلُهُ: ﴿فَلَهُمْ﴾ أيْ خاصَّةً لِأجْلِ كُفْرِهِمْ ﴿عَذابُ جَهَنَّمَ﴾ أيِ الطَّبَقَةِ الَّتِي تَلْقى داخِلَها بِغايَةِ الكَراهَةِ والتَّجَهُّمِ، هَذا في الآخِرَةِ ﴿ولَهُمْ﴾ أيْ مَعَ ذَلِكَ في الدّارَيْنِ لِأجْلِ فِتْنَتِهِمْ لِأوْلِياءِ اللَّهِ ﴿عَذابُ الحَرِيقِ﴾ أيِ العَذابَ الَّذِي مِن شَأْنِهِ المُبالَغَةُ في الإحْراقِ بِما أحْرَقُوا مِن قُلُوبِ الأوْلِياءِ، وقَدْ صَدَقَ سُبْحانَهُ قَوْلَهُ هَذا فِيمَن كَذَّبَ النَّبِيَّ ﷺ بِإهْلاكِهِمْ شَرَّ إهْلاكٍ مَغْلُوبِينَ مَقْهُورِينَ مَعَ أنَّهم كانُوا قاطِعِينَ بِأنَّهم غالِبُونَ كَما فَعَلَ بِمَن كانَ قَبْلَهُمْ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلى أنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، فَدَلَّ عَلى أنَّهُ يُبْدِئُ ويُعِيدُ.
(نظم الدرر للبقاعي — البقاعي (٨٨٥ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
Photo
( الدرس التاسع و الخمسون )
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_البروج ❤️✨
◀️ ﷽
﴿إِنَّ الَّذينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَهُم جَنّاتٌ تَجري مِن تَحتِهَا الأَنهارُ ذلِكَ الفَوزُ الكَبيرُإِنَّ بَطشَ رَبِّكَ لَشَديدٌإِنَّهُ هُوَ يُبدِئُ وَيُعيدُ﴾ [البروج: ١١-١٣]
🔲 نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير من سورة (البروج) عند قوله: ﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ لَهُمۡ جَنَّـٰتࣱ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُۚ ذَ ٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡكَبِیرُ﴾ [البروج ١١]
ولَمّا ذَكَرَ عِقابَ المُعانِدِينَ بادِئًا بِهِ لِأنَّ المَقامَ لَهُ، أتْبَعَهُ ثَوابَ العابِدِينَ، فَقالَ مُؤَكِّدًا لِما لِأعْدائِهِمْ مِن إنْكارِ ذَلِكَ: ﴿إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أيْ أقَرُّوا بِالإيمانِ ولَوْ عَلى أدْنى الوُجُوهِ مِنَ المَقْذُوفِينَ في النّارِ وغَيْرِهِمْ مِن كُلِّ طائِفَةٍ في كُلِّ زَمانٍ .
🔹﴿وعَمِلُوا الصّالِحاتِ﴾ تَصْدِيقًا لِإيمانِهِمْ وتَحْقِيقًا لَهُ. ولَمّا كانَ اللَّهُ سُبْحانَهُ مَن رَحِمَتِهِ قَدْ تَغَمَّدَ أوْلِياءَهُ بِعِنايَتِهِ ولَمْ يَكِلْهم إلى أعْمالِهِمْ لَمْ يَجْعَلْها سَبَبَ سَعادَتِهِمْ فَلَمْ يَقْرِنْ بِالفاءَ قَوْلَهُ: ﴿لَهُمْ﴾ أيْ جَزاءَ مُقاساتِهِمْ لِنِيرانِ الدُّنْيا مِن نارِ الأُخْدُودِ الحِسِّيَّةِ الَّتِي ذُكِرَتْ، ومِن نِيرانِ الغُمُومِ والأحْزانِ المَعْنَوِيَّةِ الَّتِي يَكُونُ المُباشِرُ لِأسْبابِها غَيْرُهُ سُبْحانَهُ فَيَكُونُ المُقاسِي لَها مَعَ حِفْظِهِ لِلدِّينِ كالقابِضِ عَلى الجَمْرِ ﴿جَنّاتٌ﴾ أيْ فَضْلًا مِنهُ ﴿تَجْرِي﴾ وقَرَّبَ مَنالَها بِالجارِّ فَقالَ: ﴿مِن تَحْتِها﴾ أيْ تَحْتَ غُرَفِها وأُسْرَتِها وجَمِيعِ أماكِنِها ﴿الأنْهارُ﴾ يَتَلَذَّذُونَ بِبَرْدِها في نَظِيرِ ذَلِكَ الحَرِّ الَّذِي صَبَرُوا عَلَيْهِ في الدُّنْيا ويَرُوقُهُمُ النَّظَرُ إلَيْها مَعَ خُضْرَةِ الجِنانِ والوُجُوهِ الحِسانِ الجالِبَةِ [لِلسُّرُورِ الجالِيَةِ -] لِلْأحْزانِ.ولَمّا ذَكَرَ هَذا الَّذِي يُسِرُّ النُّفُوسَ ويُذْهِبُ البُؤْسَ، [فَذْلَكَهُ - ] بِقَوْلِهِ: ﴿ذَلِكَ﴾ أيِ الأمْرُ العالِي الدَّرَجَةِ العَظِيمِ البَرَكَةِ ﴿الفَوْزُ﴾ أيِ الظَّفَرُ بِجَمِيعِ المَطالِبِ لا غَيْرُهُ ﴿الكَبِيرُ﴾ كِبْرًا لا تَفْهَمُونَ مِنهُ أكْثَرَ مَن ذَكَرَهُ بِهَذا الوَصْفِ عَلى سَبِيلِ الإجْمالِ، وذَلِكَ أنَّ مَن كَبَّرَهُ أنَّ هَذا الوُجُودَ كُلَّهُ يَصْغُرُ عَنْ أصْغَرِ شَيْءٍ مِنهُ.
◾وقوله:﴿إِنَّ بَطۡشَ رَبِّكَ لَشَدِیدٌ﴾ [البروج ١٢]
ولَمّا كانَ لا يُثِيبُ ويُعَذِّبُ عَلى هَذا الوَجْهِ إلّا مَن كانَ في غايَةِ العَظَمَةِ، قالَ مُعَلِّلًا لِفِعْلِهِ ذَلِكَ دالًّا بِذَلِكَ التَّعَلُّلِ عَلى ما لَهُ مِنَ العَظَمَةِ الَّتِي تَتَقاصَرُ الأفْكارُ دُونَ عَلْيائِها، مُؤَكِّدًا لِما لِلْأعْداءِ مِنَ الإنْكارِ: ﴿إنَّ بَطْشَ رَبِّكَ﴾ أيْ أخْذَ المُحْسِنِ إلَيْكَ المُدَبِّرِ لِأمْرِكَ أعْداءَ الدِّينِ بِالعُنْفِ والسَّطْوَةِ وغايَةِ الشِّدَّةِ ﴿لَشَدِيدٌ﴾ أيْ شِدَّةٍ يَزِيدُ عُنْفُها عَلى ما في البَطْشِ مِنَ العُنْفِ المَشْرُوطِ في تَسْمِيَتِهِ، فَهو عُنْفٌ مُضاعَفٌ.
🔸وقوله: ﴿إِنَّهُۥ هُوَ یُبۡدِئُ وَیُعِیدُ﴾ [البروج ١٣]
ولَمّا كانَ هَذا البَطْشُ لا يَتَأتّى إلّا لِكامِلِ القُدْرَةِ، دَلَّ عَلى كَمالِ قُدْرَتِهِ واخْتِصاصِهِ بِذَلِكَ بِقَوْلِهِ مُؤَكِّدًا لِما لَهم مِنَ الإنْكارِ: ﴿إنَّهُ﴾ وزادَ التَّأْكِيدَ بِمُبْتَدَأٍ آخَرَ لِيَدُلَّ عَلى الِاخْتِصاصِ فَقالَ: ﴿هُوَ﴾ أيْ وحْدَهُ ﴿يُبْدِئُ﴾ أيْ يُوجَدُ ابْتِداءً أيُّ خَلْقٍ أرادَ عَلى أيِّ هَيْئَةٍ أرادَ ﴿ويُعِيدُ﴾ أيْ ذَلِكَ المَخْلُوقُ بَعْدَ إفْنائِهِ في أيِّ وقْتٍ أرادَهُ، وغَيْرُهُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ مِن ذَلِكَ، ولَيْسَ هَذا الضَّمِيرُ بِفَصْلٍ لِأنَّهُ لا يَكُونُ إلّا والخَبَرُ لا يَكُونُ إلّا مَعْرِفَةً، أوْ شَبِيهٌ بِها في أنَّهُ لا يَلْحَقُهُ ”ألْ“ المَعْرِفَةُ مِثْلُ خَيْرٍ مِنكَ، وأجازَ المازِنِيُّ وُقُوعُهُ قَبْلَ المُضارِعِ لِمُشابَهَتِهِ الِاسْمَ وامْتِناعَ دُخُولِ ”ألْ“ عَلَيْهِ فَأشْبَهَ المَعْرِفَةَ، [و - ] قالَ: ولا يَكُونُ قَبْلَ الماضِي لِأنَّ الماضِي لا يُشْبِهُ الِاسْمَ، قالَ الرَّضِيُّ: وما قالَهُ دَعْوى بِلا حُجَّةٍ [و - ] مِثْلُ ”ومَكْرُ أُولَئِكَ هو يَبُورُ“ لَيْسَ بِنَصٍّ في كَوْنِهِ فَصْلًا لِجَوازِ كَوْنِهِ مُبْتَدَأً بِما بَعْدَهُ خَبَرُهُ، ونَقَضَ قَوْلَهُ في الماضِي بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وأنَّهُ هو أضْحَكَ وأبْكى﴾ [النجم: ٤٣] الآيَةُ.
(نظم الدرر للبقاعي — البقاعي (٨٨٥ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_البروج ❤️✨
◀️ ﷽
﴿إِنَّ الَّذينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَهُم جَنّاتٌ تَجري مِن تَحتِهَا الأَنهارُ ذلِكَ الفَوزُ الكَبيرُإِنَّ بَطشَ رَبِّكَ لَشَديدٌإِنَّهُ هُوَ يُبدِئُ وَيُعيدُ﴾ [البروج: ١١-١٣]
🔲 نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير من سورة (البروج) عند قوله: ﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ لَهُمۡ جَنَّـٰتࣱ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُۚ ذَ ٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡكَبِیرُ﴾ [البروج ١١]
ولَمّا ذَكَرَ عِقابَ المُعانِدِينَ بادِئًا بِهِ لِأنَّ المَقامَ لَهُ، أتْبَعَهُ ثَوابَ العابِدِينَ، فَقالَ مُؤَكِّدًا لِما لِأعْدائِهِمْ مِن إنْكارِ ذَلِكَ: ﴿إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أيْ أقَرُّوا بِالإيمانِ ولَوْ عَلى أدْنى الوُجُوهِ مِنَ المَقْذُوفِينَ في النّارِ وغَيْرِهِمْ مِن كُلِّ طائِفَةٍ في كُلِّ زَمانٍ .
🔹﴿وعَمِلُوا الصّالِحاتِ﴾ تَصْدِيقًا لِإيمانِهِمْ وتَحْقِيقًا لَهُ. ولَمّا كانَ اللَّهُ سُبْحانَهُ مَن رَحِمَتِهِ قَدْ تَغَمَّدَ أوْلِياءَهُ بِعِنايَتِهِ ولَمْ يَكِلْهم إلى أعْمالِهِمْ لَمْ يَجْعَلْها سَبَبَ سَعادَتِهِمْ فَلَمْ يَقْرِنْ بِالفاءَ قَوْلَهُ: ﴿لَهُمْ﴾ أيْ جَزاءَ مُقاساتِهِمْ لِنِيرانِ الدُّنْيا مِن نارِ الأُخْدُودِ الحِسِّيَّةِ الَّتِي ذُكِرَتْ، ومِن نِيرانِ الغُمُومِ والأحْزانِ المَعْنَوِيَّةِ الَّتِي يَكُونُ المُباشِرُ لِأسْبابِها غَيْرُهُ سُبْحانَهُ فَيَكُونُ المُقاسِي لَها مَعَ حِفْظِهِ لِلدِّينِ كالقابِضِ عَلى الجَمْرِ ﴿جَنّاتٌ﴾ أيْ فَضْلًا مِنهُ ﴿تَجْرِي﴾ وقَرَّبَ مَنالَها بِالجارِّ فَقالَ: ﴿مِن تَحْتِها﴾ أيْ تَحْتَ غُرَفِها وأُسْرَتِها وجَمِيعِ أماكِنِها ﴿الأنْهارُ﴾ يَتَلَذَّذُونَ بِبَرْدِها في نَظِيرِ ذَلِكَ الحَرِّ الَّذِي صَبَرُوا عَلَيْهِ في الدُّنْيا ويَرُوقُهُمُ النَّظَرُ إلَيْها مَعَ خُضْرَةِ الجِنانِ والوُجُوهِ الحِسانِ الجالِبَةِ [لِلسُّرُورِ الجالِيَةِ -] لِلْأحْزانِ.ولَمّا ذَكَرَ هَذا الَّذِي يُسِرُّ النُّفُوسَ ويُذْهِبُ البُؤْسَ، [فَذْلَكَهُ - ] بِقَوْلِهِ: ﴿ذَلِكَ﴾ أيِ الأمْرُ العالِي الدَّرَجَةِ العَظِيمِ البَرَكَةِ ﴿الفَوْزُ﴾ أيِ الظَّفَرُ بِجَمِيعِ المَطالِبِ لا غَيْرُهُ ﴿الكَبِيرُ﴾ كِبْرًا لا تَفْهَمُونَ مِنهُ أكْثَرَ مَن ذَكَرَهُ بِهَذا الوَصْفِ عَلى سَبِيلِ الإجْمالِ، وذَلِكَ أنَّ مَن كَبَّرَهُ أنَّ هَذا الوُجُودَ كُلَّهُ يَصْغُرُ عَنْ أصْغَرِ شَيْءٍ مِنهُ.
◾وقوله:﴿إِنَّ بَطۡشَ رَبِّكَ لَشَدِیدٌ﴾ [البروج ١٢]
ولَمّا كانَ لا يُثِيبُ ويُعَذِّبُ عَلى هَذا الوَجْهِ إلّا مَن كانَ في غايَةِ العَظَمَةِ، قالَ مُعَلِّلًا لِفِعْلِهِ ذَلِكَ دالًّا بِذَلِكَ التَّعَلُّلِ عَلى ما لَهُ مِنَ العَظَمَةِ الَّتِي تَتَقاصَرُ الأفْكارُ دُونَ عَلْيائِها، مُؤَكِّدًا لِما لِلْأعْداءِ مِنَ الإنْكارِ: ﴿إنَّ بَطْشَ رَبِّكَ﴾ أيْ أخْذَ المُحْسِنِ إلَيْكَ المُدَبِّرِ لِأمْرِكَ أعْداءَ الدِّينِ بِالعُنْفِ والسَّطْوَةِ وغايَةِ الشِّدَّةِ ﴿لَشَدِيدٌ﴾ أيْ شِدَّةٍ يَزِيدُ عُنْفُها عَلى ما في البَطْشِ مِنَ العُنْفِ المَشْرُوطِ في تَسْمِيَتِهِ، فَهو عُنْفٌ مُضاعَفٌ.
🔸وقوله: ﴿إِنَّهُۥ هُوَ یُبۡدِئُ وَیُعِیدُ﴾ [البروج ١٣]
ولَمّا كانَ هَذا البَطْشُ لا يَتَأتّى إلّا لِكامِلِ القُدْرَةِ، دَلَّ عَلى كَمالِ قُدْرَتِهِ واخْتِصاصِهِ بِذَلِكَ بِقَوْلِهِ مُؤَكِّدًا لِما لَهم مِنَ الإنْكارِ: ﴿إنَّهُ﴾ وزادَ التَّأْكِيدَ بِمُبْتَدَأٍ آخَرَ لِيَدُلَّ عَلى الِاخْتِصاصِ فَقالَ: ﴿هُوَ﴾ أيْ وحْدَهُ ﴿يُبْدِئُ﴾ أيْ يُوجَدُ ابْتِداءً أيُّ خَلْقٍ أرادَ عَلى أيِّ هَيْئَةٍ أرادَ ﴿ويُعِيدُ﴾ أيْ ذَلِكَ المَخْلُوقُ بَعْدَ إفْنائِهِ في أيِّ وقْتٍ أرادَهُ، وغَيْرُهُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ مِن ذَلِكَ، ولَيْسَ هَذا الضَّمِيرُ بِفَصْلٍ لِأنَّهُ لا يَكُونُ إلّا والخَبَرُ لا يَكُونُ إلّا مَعْرِفَةً، أوْ شَبِيهٌ بِها في أنَّهُ لا يَلْحَقُهُ ”ألْ“ المَعْرِفَةُ مِثْلُ خَيْرٍ مِنكَ، وأجازَ المازِنِيُّ وُقُوعُهُ قَبْلَ المُضارِعِ لِمُشابَهَتِهِ الِاسْمَ وامْتِناعَ دُخُولِ ”ألْ“ عَلَيْهِ فَأشْبَهَ المَعْرِفَةَ، [و - ] قالَ: ولا يَكُونُ قَبْلَ الماضِي لِأنَّ الماضِي لا يُشْبِهُ الِاسْمَ، قالَ الرَّضِيُّ: وما قالَهُ دَعْوى بِلا حُجَّةٍ [و - ] مِثْلُ ”ومَكْرُ أُولَئِكَ هو يَبُورُ“ لَيْسَ بِنَصٍّ في كَوْنِهِ فَصْلًا لِجَوازِ كَوْنِهِ مُبْتَدَأً بِما بَعْدَهُ خَبَرُهُ، ونَقَضَ قَوْلَهُ في الماضِي بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وأنَّهُ هو أضْحَكَ وأبْكى﴾ [النجم: ٤٣] الآيَةُ.
(نظم الدرر للبقاعي — البقاعي (٨٨٥ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
Photo
( الدرس ٦٠ )
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_البروج ❤️✨
◀️ ﷽
﴿وَهُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلۡوَدُودُ﴾ [البروج ١٤]
🔲 نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير من سورة (البروج) عند قوله تعالي: ﴿إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (١٣) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (١٤) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ﴾ [البروج: ١٣ - ١٥] ﴿هُوَ الْغَفُورُ﴾ يعني ذا المغفرة، والمغفرة سَتْرُ الذنب والعفوُ عنه، فليست المغفرةُ سَتْر الذنب فقط بل سَتْره وعدم المؤاخذة عليه؛ كما جاء في الحديث الصحيح «أنَّ الله يخلو بعبده المؤمن يوم القيامة ويُقَرِّره بذنوبه حتى يُقِرَّ بها ويعترف، فيقول الله عز وجل: «قَدْ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ»(١).
🔅 ذنوبُنا كثيرة؛ ذنوب قلبية، وذنوب قولية، وذنوب فعلية، ما أكثرها! لكنَّ الله تعالى -ولله الحمد- يسترها. ويُذكر أنَّ بني إسرائيل كانوا إذا أذنبَ الواحدُ منهم ذنبًا وجده مكتوبًا على باب بيته؛ فضيحةً وعارًا والعياذ بالله، لكن نحن -ولله الحمد- قد سَتَر الله علينا، تُبْ إلى الله واستغفرْ من الذنب فتُمحى آثارُه نهائيًّا، ولهذا قال: ﴿وَهُوَ الْغَفُورُ﴾ أي: الساترُ لذنوب عباده المتجاوزُ عنها.
🔹﴿الْوَدُودُ﴾ مأخوذة من الودِّ، والودُّ هو خالص المحبَّة، فهو جل وعلا ودودٌ. وما معنى (ودود)؟ هل معناه أنَّه محبوبٌ أو أنَّه حابٌّ؟ والجواب: يشمل الوجهين جميعًا؛ قال الله تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾ [المائدة ٥٤]، فهو جل وعلا وادٌّ؛ يحبُّ الأعمالَ، ويحبُّ الأشخاصَ، ويحبُّ الأمكنةَ، وهو كذلك أيضًا محبوبٌ يحبُّه أولياؤه؛ ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ [آل عمران ٣١]، فكلَّما كان الإنسان أَتْبع لرسول الله ﷺ كان أحبَّ إلى الله، فهو جل وعلا وادٌّ، وهو أيضًا مودودٌ؛ أي إنَّه يُحِبُّ ويُحَبُّ، يحبُّ سبحانه وتعالى الأعمالَ ويحبُّ العاملين، ويحبُّ الأشخاصَ؛ يعني أنَّ محبَّة الله قد تتعلَّق بشخصٍ معيَّنٍ؛ مثل قول الرسول عليه الصلاة والسلام في يوم خيبر قال: «لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ».
🔸 فباتَ الناسُ ثم غَدَوا إلى رسول الله ﷺ كلُّهم يرجو أن يُعطاها، فقال: «أَيْنَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ»؟ قالوا: يشتكي عينيه. فدعا به فأتى، فبَصَق في عينيه فبرأ كأنْ لم يكن به وجعٌ في الحال، ثم أعطاه الراية وقال: «انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ»(٢). الشاهد قوله: «يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ»، فهنا أثبت أنَّ الله يحبُّ هذا الرجل بعينه؛ علي بن أبي طالب.
✴️ ولَمَّا بعث رجلًا على سريَّةٍ صار يقرأ لهم في الصلاة، ويختم القراءة بـ(قل هو الله أحد)، فلمَّا رجعوا إلى النبيِّ ﷺ أخبروه بذلك؛ لأنَّ عمله هذا غير معروف، أنَّ الإنسان كلَّما قرأ في الصلاة يجعل آخر قراءته (قل هو الله أحد)، فقال: «سَلُوهُ لِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ يَصْنَعُ ذَلِكَ»؟ فسألوه فقال: إنها صفة الله، وأنا أحبُّ أن أقرأها. فقال النبي ﷺ: «أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ»(٣)، فهنا تجدون المحبة عُلِّقت بشخص معيَّن؛ محبة الله. وقد تكون محبَّة الله بمعيَّنين بأوصافهم؛ مثل: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ [التوبة ٤]،﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة ١٩٥]، ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ﴾ [الصف ٤]، هذا ما فيه شخص معيَّن، لكن فيه شخص موصوف بصفة. كذلك يحبُّ الله سبحانه وتعالى الأماكن؛ أَحَبُّ البِقاع إلى الله مساجدها(٤)، وأخبر النبيُّ عليه الصلاة والسلام أنَّ مكة أحبُّ البقاع إلى الله(٥)، هذه المحبَّة متعلِّقة بالأماكن، فالله تعالى يُحِبُّ ويُحَبُّ، ولهذا قال: ﴿وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ﴾.
(١) أخرج البخاري (٤٦٨٥) -واللفظ له- ومسلم (٢٧٦٨ / ٥٢) عن صفوان بن محرز قال: بينا ابن عمر يطوف إذْ عَرَض رجلٌ فقال: يا أبا عبد الرحمن -أو قال: يا ابن عمر- سمعتَ النبيَّ ﷺ في النجوى؟ فقال سمعتُ النبيَّ ﷺ يقول: «يُدنَى المؤمنُ من ربِّه -وقال هشام: يدنو المؤمن- حتى يَضَع عليه كَنَفه فيقرِّره بذنوبه: تعرفُ ذَنْب كذا؟ يقول: أعرفُ. يقول: ربِّ أعرفُ. مرَّتين. فيقول: سترتُها في الدنيا، وأغفرها لك اليوم. ثم تُطوى صحيفة حسناته، وأمَّا الآخرون -أو الكفار- فيُنادى على رؤوس الأشهاد: ﴿هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ [هود: ١٨].
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_البروج ❤️✨
◀️ ﷽
﴿وَهُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلۡوَدُودُ﴾ [البروج ١٤]
🔲 نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير من سورة (البروج) عند قوله تعالي: ﴿إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (١٣) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (١٤) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ﴾ [البروج: ١٣ - ١٥] ﴿هُوَ الْغَفُورُ﴾ يعني ذا المغفرة، والمغفرة سَتْرُ الذنب والعفوُ عنه، فليست المغفرةُ سَتْر الذنب فقط بل سَتْره وعدم المؤاخذة عليه؛ كما جاء في الحديث الصحيح «أنَّ الله يخلو بعبده المؤمن يوم القيامة ويُقَرِّره بذنوبه حتى يُقِرَّ بها ويعترف، فيقول الله عز وجل: «قَدْ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ»(١).
🔅 ذنوبُنا كثيرة؛ ذنوب قلبية، وذنوب قولية، وذنوب فعلية، ما أكثرها! لكنَّ الله تعالى -ولله الحمد- يسترها. ويُذكر أنَّ بني إسرائيل كانوا إذا أذنبَ الواحدُ منهم ذنبًا وجده مكتوبًا على باب بيته؛ فضيحةً وعارًا والعياذ بالله، لكن نحن -ولله الحمد- قد سَتَر الله علينا، تُبْ إلى الله واستغفرْ من الذنب فتُمحى آثارُه نهائيًّا، ولهذا قال: ﴿وَهُوَ الْغَفُورُ﴾ أي: الساترُ لذنوب عباده المتجاوزُ عنها.
🔹﴿الْوَدُودُ﴾ مأخوذة من الودِّ، والودُّ هو خالص المحبَّة، فهو جل وعلا ودودٌ. وما معنى (ودود)؟ هل معناه أنَّه محبوبٌ أو أنَّه حابٌّ؟ والجواب: يشمل الوجهين جميعًا؛ قال الله تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾ [المائدة ٥٤]، فهو جل وعلا وادٌّ؛ يحبُّ الأعمالَ، ويحبُّ الأشخاصَ، ويحبُّ الأمكنةَ، وهو كذلك أيضًا محبوبٌ يحبُّه أولياؤه؛ ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ [آل عمران ٣١]، فكلَّما كان الإنسان أَتْبع لرسول الله ﷺ كان أحبَّ إلى الله، فهو جل وعلا وادٌّ، وهو أيضًا مودودٌ؛ أي إنَّه يُحِبُّ ويُحَبُّ، يحبُّ سبحانه وتعالى الأعمالَ ويحبُّ العاملين، ويحبُّ الأشخاصَ؛ يعني أنَّ محبَّة الله قد تتعلَّق بشخصٍ معيَّنٍ؛ مثل قول الرسول عليه الصلاة والسلام في يوم خيبر قال: «لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ».
🔸 فباتَ الناسُ ثم غَدَوا إلى رسول الله ﷺ كلُّهم يرجو أن يُعطاها، فقال: «أَيْنَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ»؟ قالوا: يشتكي عينيه. فدعا به فأتى، فبَصَق في عينيه فبرأ كأنْ لم يكن به وجعٌ في الحال، ثم أعطاه الراية وقال: «انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ»(٢). الشاهد قوله: «يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ»، فهنا أثبت أنَّ الله يحبُّ هذا الرجل بعينه؛ علي بن أبي طالب.
✴️ ولَمَّا بعث رجلًا على سريَّةٍ صار يقرأ لهم في الصلاة، ويختم القراءة بـ(قل هو الله أحد)، فلمَّا رجعوا إلى النبيِّ ﷺ أخبروه بذلك؛ لأنَّ عمله هذا غير معروف، أنَّ الإنسان كلَّما قرأ في الصلاة يجعل آخر قراءته (قل هو الله أحد)، فقال: «سَلُوهُ لِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ يَصْنَعُ ذَلِكَ»؟ فسألوه فقال: إنها صفة الله، وأنا أحبُّ أن أقرأها. فقال النبي ﷺ: «أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ»(٣)، فهنا تجدون المحبة عُلِّقت بشخص معيَّن؛ محبة الله. وقد تكون محبَّة الله بمعيَّنين بأوصافهم؛ مثل: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ [التوبة ٤]،﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة ١٩٥]، ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ﴾ [الصف ٤]، هذا ما فيه شخص معيَّن، لكن فيه شخص موصوف بصفة. كذلك يحبُّ الله سبحانه وتعالى الأماكن؛ أَحَبُّ البِقاع إلى الله مساجدها(٤)، وأخبر النبيُّ عليه الصلاة والسلام أنَّ مكة أحبُّ البقاع إلى الله(٥)، هذه المحبَّة متعلِّقة بالأماكن، فالله تعالى يُحِبُّ ويُحَبُّ، ولهذا قال: ﴿وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ﴾.
(١) أخرج البخاري (٤٦٨٥) -واللفظ له- ومسلم (٢٧٦٨ / ٥٢) عن صفوان بن محرز قال: بينا ابن عمر يطوف إذْ عَرَض رجلٌ فقال: يا أبا عبد الرحمن -أو قال: يا ابن عمر- سمعتَ النبيَّ ﷺ في النجوى؟ فقال سمعتُ النبيَّ ﷺ يقول: «يُدنَى المؤمنُ من ربِّه -وقال هشام: يدنو المؤمن- حتى يَضَع عليه كَنَفه فيقرِّره بذنوبه: تعرفُ ذَنْب كذا؟ يقول: أعرفُ. يقول: ربِّ أعرفُ. مرَّتين. فيقول: سترتُها في الدنيا، وأغفرها لك اليوم. ثم تُطوى صحيفة حسناته، وأمَّا الآخرون -أو الكفار- فيُنادى على رؤوس الأشهاد: ﴿هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ [هود: ١٨].
«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
Photo
( الدرس ٦١ )
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_البروج ❤️✨
◀️ ﷽
﴿ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (١٥) فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾ [البروج ١٥، ١٦]،
🔲 خدنا في درس امبارح قوله تعالي ﴿وَهُوَ الغَفورُ الوَدودُ﴾ [البروج: ١٤]، ثم بيَّن عظمتَه وتمامَ سلطانه في قوله: ﴿ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (١٥) فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾ [البروج ١٥، ١٦]، ﴿ذُو الْعَرْشِ﴾ أي: صاحب العرش، والعرش هو الذي استوى عليه الله عز وجل، وهو أعظم المخلوقات وأكبرها وأوسعها، وقد جاء في الأثر أنَّ السماوات السبع والأرضين السبع بالنسبة إلى الكرسي كحلقةٍ أُلقِيتْ في فلاةٍ من الأرض، حلقة الدرع صغيرة أُلقيت في فلاةٍ من الأرض ليست بشيءٍ بالنسبة لها، وإنَّ فَضْل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على هذه الحلقة(١).
✴️ إذَن الكرسي لا أحد يقدر عن سعته، وإذا كُنَّا نشاهد من المخلوقات المشهودة الآن التباين العظيم في أحجامها؛ أَطْلعني رجلٌ على صورةِ الشمس، مصوَّرة، وصورةِ الأرض، فوجدتُ أنَّ الأرض بالنسبة لهذه الشمس كنقطةٍ غير كبيرة في تبسي واسع كبير، وأنها لا تُنسَب إلى الشمس إطلاقًا، ما هي شيء، فإذا كان هذا في الأشياء المشهودة التي تُدرَك بالتلسكوب وغيره، فما بالُك بالأشياء الغائبة عنَّا! لأنَّ ما غاب عنَّا أعظم مما نشاهد؛ قال الله تعالى: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء ٨٥]، فالحاصل أنَّ العرش هو هذا الذي هو سَقْف المخلوقات كلِّها، عرشٌ عظيمٌ، استوى عليه الرحمنُ جل وعلا؛ كما قال تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه ٥].
◾وقوله: ﴿ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ﴾ هذه فيها قراءتان: ﴿﴿الْمَجِيدِ﴾ ﴾ و﴿الْمَجِيدُ﴾، فعلى القراءة الأولى تكون وصفًا للعرش، وعلى الثانية تكون وصفًا للربِّ عز وجل، وكلاهما صحيح؛ فالعرش مجيدٌ، وكذلك الربُّ عز وجل مجيدٌ، ونحن نقول في التشهد: إنك حميدٌ مجيدٌ.
🔹﴿فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾ كلُّ ما يريده فإنَّه يفعله عز وجل؛ لأنَّه تامُّ السلطانِ، لا أحد يمانعه، لا معقِّب لحُكمه، ولا رادَّ لقضائه، ﴿وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ﴾ [الرعد ١١]، فكلُّ ما يريده فإنَّه يفعله، لكن ملوك الدنيا وإن عظمتْ ملكيَّتهم لا يفعلون كلَّ ما يريدون، ما أكثر ما يريدون ثم يوجد مانع يمنع، أمَّا الربُّ فهو ذو السلطان الأعظم الذي لا يردُّ ما أراده شيءٌ.
🔸 ﴿فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾، وفي هذا دليلٌ على أن جميع ما وقع في الكون فإنه بإرادة الله عز وجل؛ لأن الله هو الذي خَلَقه فيكون واقعًا بإرادته، ولكن اعلموا أنَّ الله لا يريد شيئًا إلا لحِكمة، فكلُّ ما يقع من أفعال الله فإنه لحِكمةٍ عظيمةٍ قد نعلمها وقد لا نعلمها.ونتوقَّف عند هذه الآية الكريمة، ونسأل الله تعالى أن يجعلنا وإيَّاكم ممن يتلون كتابَه حقَّ تلاوته وأن يرزقنا فَهْمه ويُعيننا على العمل به، إنَّه جوادٌ كريم.
(١) أخرج ابن حبان (٣٦١) عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه أنَّ النبي ﷺ قال: «ما السماوات السبع مع الكرسيِّ إلا كحلقةٍ مُلقاةٍ بأرض فلاة، وفَضْل العرشِ على الكرسيِّ كفضل الفلاة على الحلقة...» الحديث.
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_البروج ❤️✨
◀️ ﷽
﴿ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (١٥) فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾ [البروج ١٥، ١٦]،
🔲 خدنا في درس امبارح قوله تعالي ﴿وَهُوَ الغَفورُ الوَدودُ﴾ [البروج: ١٤]، ثم بيَّن عظمتَه وتمامَ سلطانه في قوله: ﴿ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (١٥) فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾ [البروج ١٥، ١٦]، ﴿ذُو الْعَرْشِ﴾ أي: صاحب العرش، والعرش هو الذي استوى عليه الله عز وجل، وهو أعظم المخلوقات وأكبرها وأوسعها، وقد جاء في الأثر أنَّ السماوات السبع والأرضين السبع بالنسبة إلى الكرسي كحلقةٍ أُلقِيتْ في فلاةٍ من الأرض، حلقة الدرع صغيرة أُلقيت في فلاةٍ من الأرض ليست بشيءٍ بالنسبة لها، وإنَّ فَضْل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على هذه الحلقة(١).
✴️ إذَن الكرسي لا أحد يقدر عن سعته، وإذا كُنَّا نشاهد من المخلوقات المشهودة الآن التباين العظيم في أحجامها؛ أَطْلعني رجلٌ على صورةِ الشمس، مصوَّرة، وصورةِ الأرض، فوجدتُ أنَّ الأرض بالنسبة لهذه الشمس كنقطةٍ غير كبيرة في تبسي واسع كبير، وأنها لا تُنسَب إلى الشمس إطلاقًا، ما هي شيء، فإذا كان هذا في الأشياء المشهودة التي تُدرَك بالتلسكوب وغيره، فما بالُك بالأشياء الغائبة عنَّا! لأنَّ ما غاب عنَّا أعظم مما نشاهد؛ قال الله تعالى: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء ٨٥]، فالحاصل أنَّ العرش هو هذا الذي هو سَقْف المخلوقات كلِّها، عرشٌ عظيمٌ، استوى عليه الرحمنُ جل وعلا؛ كما قال تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه ٥].
◾وقوله: ﴿ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ﴾ هذه فيها قراءتان: ﴿﴿الْمَجِيدِ﴾ ﴾ و﴿الْمَجِيدُ﴾، فعلى القراءة الأولى تكون وصفًا للعرش، وعلى الثانية تكون وصفًا للربِّ عز وجل، وكلاهما صحيح؛ فالعرش مجيدٌ، وكذلك الربُّ عز وجل مجيدٌ، ونحن نقول في التشهد: إنك حميدٌ مجيدٌ.
🔹﴿فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾ كلُّ ما يريده فإنَّه يفعله عز وجل؛ لأنَّه تامُّ السلطانِ، لا أحد يمانعه، لا معقِّب لحُكمه، ولا رادَّ لقضائه، ﴿وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ﴾ [الرعد ١١]، فكلُّ ما يريده فإنَّه يفعله، لكن ملوك الدنيا وإن عظمتْ ملكيَّتهم لا يفعلون كلَّ ما يريدون، ما أكثر ما يريدون ثم يوجد مانع يمنع، أمَّا الربُّ فهو ذو السلطان الأعظم الذي لا يردُّ ما أراده شيءٌ.
🔸 ﴿فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾، وفي هذا دليلٌ على أن جميع ما وقع في الكون فإنه بإرادة الله عز وجل؛ لأن الله هو الذي خَلَقه فيكون واقعًا بإرادته، ولكن اعلموا أنَّ الله لا يريد شيئًا إلا لحِكمة، فكلُّ ما يقع من أفعال الله فإنه لحِكمةٍ عظيمةٍ قد نعلمها وقد لا نعلمها.ونتوقَّف عند هذه الآية الكريمة، ونسأل الله تعالى أن يجعلنا وإيَّاكم ممن يتلون كتابَه حقَّ تلاوته وأن يرزقنا فَهْمه ويُعيننا على العمل به، إنَّه جوادٌ كريم.
(١) أخرج ابن حبان (٣٦١) عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه أنَّ النبي ﷺ قال: «ما السماوات السبع مع الكرسيِّ إلا كحلقةٍ مُلقاةٍ بأرض فلاة، وفَضْل العرشِ على الكرسيِّ كفضل الفلاة على الحلقة...» الحديث.
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
Photo
( الدرس ٦٢ )
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_البروج ❤️✨
◀️ ﷽
﴿هَل أَتاكَ حَديثُ الجُنودِفِرعَونَ وَثَمودَبَلِ الَّذينَ كَفَروا في تَكذيبٍوَاللَّهُ مِن وَرائِهِم مُحيطٌ﴾ [البروج: ١٧-٢٠]
🔲وقفنا امبارح في تدبير وتفسير سورة (البروج) عند قوله تعالي ﴿ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (١٥) فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾ ثم ذكر من أفعاله الدالة على صدق ما جاءت به رسله، فقال: ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ فِرْعَوْنَ وَثَمُود﴾ وكيف كذبوا المرسلين، فجعلهم الله من المهلكين.
◾قوله: ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (١٩) وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ﴾ [البروج ١٩، ٢٠]. ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ يشمل كلَّ مَن كفر بالله ورسوله سواءٌ كان من المشركين أو من اليهود أو النصارى أو غيرهم.
✴️ وذلك لأنَّ اليهود والنصارى الآن وبعد بعثة الرسول ﷺ ليسوا على دين، ولا تنفعهم أديانهم؛ لأنه -أي النبي ﷺ- خاتم الأنبياء، فمَن لم يؤمن به فليس على شيءٍ من دينه، بل إنَّه سبق لنا أنَّ مَن لم يؤمن برسولٍ واحدٍ من الرسل فهو كافرٌ بجميع الرسل
🔁 يعني مثلًا مَن لم يؤمن بنوحٍ أنَّه رسولٌ -ولو آمَن بغيره من الأنبياء- فإنَّه مكذِّبٌ لجميع الأنبياء، والدليل على هذا قوله تعالى: ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ﴾ [الشعراء ١٠٥]، فبيَّن الله أنَّ هؤلاء كذَّبوا جميع الرسل مع أنهم لم يُكَذِّبوا إلا رسولًا واحدًا؛ إذْ إنَّه ليس قَبْل نوحٍ رسولٌ، كذلك الذي كذَّب محمدًا ﷺ هو مُكَذِّب لغيره من الرسل، فإذا ادَّعت اليهود أنهم على دينٍ وأنهم يتَّبعون التوراة التي جاء بها موسى نقول لهم: أنتم كافرون بموسى، كافرون بالتوراة.
🔅 وإذا ادَّعت النصارى الذين يُسَمُّون أنفسَهم اليوم بالمسيحيِّين أنهم مؤمنون بعيسى قُلنا لهم: كَذَبتم، أنتم كافرون بعيسى؛ لأنَّكم كافرون بمحمد عليه الصلاة والسلام. والعجب أنَّ هؤلاء اليهود والنصارى يكفرون بمحمد عليه الصلاة والسلام مع أنهم ﴿يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ﴾ [الأعراف ١٥٧]، ﴿يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ﴾ [البقرة ١٤٦]، لكن العناد والكبرياء والحسد مَنَعهم أن يؤمنوا بمحمد عليه الصلاة والسلام.
🔁 ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ﴾ [البقرة ١٠٩]، فالحاصل أنَّ قوله تعالى: ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ يشمل كلَّ مَن كفر بمحمد حتى من اليهود والنصارى، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَسْمَعُ بِي مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ» -يعني أُمَّة الدعوة- «يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ لَا يُؤْمِنُ بِمَا جِئْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ»(١). كلُّ الكفَّار في تكذيب، وقال: ﴿فِي تَكْذِيبٍ﴾ فجعل التكذيبَ كالظرف لهم؛ يعني أنَّه محيطٌ بهم من كلِّ جانبٍ والعياذُ بالله.
🔹وقوله: ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (١٩) وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ﴾ يعني أنَّ الله تعالى محيطٌ بهم من كلِّ جانبٍ لا يشذُّون عنه؛ لا عن عِلْمه ولا سُلطانه ولا عقابه، ولكنَّه عز وجل قد يُمْلي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفلته.
(١) أخرج مسلم (١٥٣ / ٢٤٠) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله ﷺ قال: «والذي نفس محمدٍ بيده، لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأُمَّة يهوديٌّ ولا نصرانيٌّ ثم يموت ولم يؤمنْ بالذي أُرْسِلتُ به إلَّا كان من أصحاب النار».
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_البروج ❤️✨
◀️ ﷽
﴿هَل أَتاكَ حَديثُ الجُنودِفِرعَونَ وَثَمودَبَلِ الَّذينَ كَفَروا في تَكذيبٍوَاللَّهُ مِن وَرائِهِم مُحيطٌ﴾ [البروج: ١٧-٢٠]
🔲وقفنا امبارح في تدبير وتفسير سورة (البروج) عند قوله تعالي ﴿ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (١٥) فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾ ثم ذكر من أفعاله الدالة على صدق ما جاءت به رسله، فقال: ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ فِرْعَوْنَ وَثَمُود﴾ وكيف كذبوا المرسلين، فجعلهم الله من المهلكين.
◾قوله: ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (١٩) وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ﴾ [البروج ١٩، ٢٠]. ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ يشمل كلَّ مَن كفر بالله ورسوله سواءٌ كان من المشركين أو من اليهود أو النصارى أو غيرهم.
✴️ وذلك لأنَّ اليهود والنصارى الآن وبعد بعثة الرسول ﷺ ليسوا على دين، ولا تنفعهم أديانهم؛ لأنه -أي النبي ﷺ- خاتم الأنبياء، فمَن لم يؤمن به فليس على شيءٍ من دينه، بل إنَّه سبق لنا أنَّ مَن لم يؤمن برسولٍ واحدٍ من الرسل فهو كافرٌ بجميع الرسل
🔁 يعني مثلًا مَن لم يؤمن بنوحٍ أنَّه رسولٌ -ولو آمَن بغيره من الأنبياء- فإنَّه مكذِّبٌ لجميع الأنبياء، والدليل على هذا قوله تعالى: ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ﴾ [الشعراء ١٠٥]، فبيَّن الله أنَّ هؤلاء كذَّبوا جميع الرسل مع أنهم لم يُكَذِّبوا إلا رسولًا واحدًا؛ إذْ إنَّه ليس قَبْل نوحٍ رسولٌ، كذلك الذي كذَّب محمدًا ﷺ هو مُكَذِّب لغيره من الرسل، فإذا ادَّعت اليهود أنهم على دينٍ وأنهم يتَّبعون التوراة التي جاء بها موسى نقول لهم: أنتم كافرون بموسى، كافرون بالتوراة.
🔅 وإذا ادَّعت النصارى الذين يُسَمُّون أنفسَهم اليوم بالمسيحيِّين أنهم مؤمنون بعيسى قُلنا لهم: كَذَبتم، أنتم كافرون بعيسى؛ لأنَّكم كافرون بمحمد عليه الصلاة والسلام. والعجب أنَّ هؤلاء اليهود والنصارى يكفرون بمحمد عليه الصلاة والسلام مع أنهم ﴿يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ﴾ [الأعراف ١٥٧]، ﴿يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ﴾ [البقرة ١٤٦]، لكن العناد والكبرياء والحسد مَنَعهم أن يؤمنوا بمحمد عليه الصلاة والسلام.
🔁 ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ﴾ [البقرة ١٠٩]، فالحاصل أنَّ قوله تعالى: ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ يشمل كلَّ مَن كفر بمحمد حتى من اليهود والنصارى، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَسْمَعُ بِي مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ» -يعني أُمَّة الدعوة- «يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ لَا يُؤْمِنُ بِمَا جِئْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ»(١). كلُّ الكفَّار في تكذيب، وقال: ﴿فِي تَكْذِيبٍ﴾ فجعل التكذيبَ كالظرف لهم؛ يعني أنَّه محيطٌ بهم من كلِّ جانبٍ والعياذُ بالله.
🔹وقوله: ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (١٩) وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ﴾ يعني أنَّ الله تعالى محيطٌ بهم من كلِّ جانبٍ لا يشذُّون عنه؛ لا عن عِلْمه ولا سُلطانه ولا عقابه، ولكنَّه عز وجل قد يُمْلي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفلته.
(١) أخرج مسلم (١٥٣ / ٢٤٠) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله ﷺ قال: «والذي نفس محمدٍ بيده، لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأُمَّة يهوديٌّ ولا نصرانيٌّ ثم يموت ولم يؤمنْ بالذي أُرْسِلتُ به إلَّا كان من أصحاب النار».
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
Photo
( الدرس ٦٣ )
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_البروج ❤️✨
◀️ ﷽
﴿بَلۡ هُوَ قُرۡءَانࣱ مَّجِیدࣱ (٢١) فِی لَوۡحࣲ مَّحۡفُوظِۭ (٢٢)﴾ [البروج ٢١-٢٢]
🔲 نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير من سورة (الانشقاق) عند قوله: ﴿بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (٢١) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ﴾ [البروج: ٢١، ٢٢]. ﴿بَلْ هُوَ﴾ أي: ما جاء به الرسولُ عليه الصلاة والسلام ﴿قُرْآنٌ مَجِيدٌ﴾ أي: ذو عظمةٍ ومجد، ووَصْف القرآنِ بأنَّه مجيدٌ لا يعني أن المجد وصْفٌ للقرآن نفسه فقط، بل هو وصْفٌ للقرآن ولِمَن تحمَّل هذا القرآنَ فحمله وقام بواجبه من تلاوته حقَّ تلاوته، فإنَّه سيكون له المجد والعِزَّة والرِّفعة.
🔹وقوله تعالى: ﴿فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ﴾ يعني بذلك اللوحَ المحفوظَ عند الله عز وجل الذي هو أمُّ الكتاب؛ كما قال الله تبارك وتعالى: ﴿يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ [الرعد ٣٩]. هذا اللوح لو سألَنا سائلٌ: من أيِّ مادَّةٍ هو؟ ماذا نقول؟
* طالب: نقول: الله أعلم.
* الشيخ: نقول: الله أعلم. يعني لو قال: هل من خشب؟ من حديد؟ من زجاج؟ من ذهب؟ من فضة؟ ما ندري، هو لوحٌ كتب الله به مقاديرَ كلِّ شيءٍ، ومن جُملة ما كتب به أنَّ هذا القرآن سينزل على محمد ﷺ، فهو ﴿فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ﴾.قال العلماء: ﴿مَحْفُوظٍ﴾ لا يناله أحدٌ، محفوظٌ عن التغيير والتبديل.
✴️ والتبديلُ والتغييرُ إنما يكون في الكتب الأخرى؛ لأنَّ الكتابة من الله عز وجل أنواعٌ، وأرجو أن تنتبهوا لهذا:النوع الأول: الكتابة في اللوح المحفوظ، وهذه الكتابة لا تُبَدَّل ولا تُغَيَّر، ولهذا سَمَّاه الله لوحًا محفوظًا، لا يمكن أن يُبَدَّل أو يُغَيَّر ما فيه؛ لأنَّه هو النهائي.
🔅 الثاني: الكتابة على بني آدم وهُم في بطون أمَّهاتهم؛ لأنَّ الإنسان في بطن أمِّه إذا تَمَّ له أربعة أشهرٍ بعثَ الله إليه ملكًا موكَّلًا بالأرحام فينفخ فيه الروح بإذن الله، لأنَّ الجسد عبارة عن قطعة من لحم إذا نُفِخت فيه الروح صار إنسانًا، ويؤمَر بأربع كلمات: بكَتْب رِزقه، وأجَله، وعمله، وشقيٌّ أو سعيدٌ(١). هناك كتابة أخرى حوليَّة؛ كلَّ سَنَة، وهي الكتابة التي تكون في ليلة القَدْر؛ فإنَّ الله سبحانه وتعالى يُقَدِّر في هذه الليلة ما يكون في تلك السَّنَة؛ قال الله تبارك وتعالى: ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ [الدخان ٤]، فيُكتَب في هذه الليلة ما يكون في تلك السَّنَة.
🔁 هناك كتابة رابعة، وهي كتابة الصُّحُف التي في أيدي الملائكة، وهذه الكتابة تكون بعد العمل، والكتابات الثلاث السابقة كلُّها قبل العمل، لكن الكتابة الأخيرة هذه تكون بعد العمل، يُكتَب على الإنسان ما يعمل من قولٍ بلسانه أو فعلٍ بجوارحه أو اعتقادٍ بقلبه، فإنَّ الملائكة الموكَّلين بحفظ بني آدم -أي: بحفظ أعمالهم- يكتبون؛ قال الله تعالى: ﴿كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (٩) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (١٠) كِرَامًا كَاتِبِينَ (١١) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [الانفطار ٩ - ١٢].
🔀 لكن هذه الكتابة الأخيرة تختلف عن الكتابات الثلاث السابقة؛ لأنها كتابة ما بعد العمل حتى يُكتَب على الإنسان ما عَمِل، فإذا كان يوم القيامة فإنَّه يُعطى هذا الكتاب؛ كما قال تعالى: ﴿وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (١٣) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾ [الإسراء ١٣، ١٤]، يعني تُعطَى الكتابَ ويُقال: أنت، اقرأْ وحاسبْ نفسَك.
🔘 قال بعض السلف: لقد أَنْصفك مَن جعلك حسيبًا على نفسك. وهذا صحيح، أيُّ إنصافٍ أَبْلغ مِن أن يُقال للشخص: تفضَّل، هذا ما عَمِلْتَ، حاسبْ نفسَك؟! أليس هذا هو الإنصاف؟! أكبرُ إنصافٍ هو هذا، فيوم القيامة تُعطى هذا الكتابَ منشورًا مفتوحًا أمامك ليس مغلقًا، تقرأ، ويتبيَّن لك أنك عملتَ في يوم كذا في مكان كذا: كذا وكذا، شيءٌ مضبوطٌ ما يتغيَّر، وإذا أنكرتَ هنا مَن يشهد عليك؟ ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ﴾ يقول اللسان: نطقتُ بكذا، ﴿أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النور ٢٤]، تقول اليد: بطشتُ، تقول الرِّجل: مشيتُ، بل يقول الجِلد أيضًا، الجلود تشهد بما لمست؛ ﴿وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [فصلت ٢١].
⬅️ المهمُّ الآن أنَّ اللوح المحفوظ هو هذا اللوح الذي كتب الله فيه مقاديرَ كلِّ شيءٍ، هو محفوظٌ من التغيير، محفوظٌ من أن يناله أحدٌ، والله سبحانه وتعالى يعلم ما كتب فيه، وقلنا: إنَّه محفوظٌ لأنه لا يتغيَّر، وما بأيدي الملائكة يتغيَّر.
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_البروج ❤️✨
◀️ ﷽
﴿بَلۡ هُوَ قُرۡءَانࣱ مَّجِیدࣱ (٢١) فِی لَوۡحࣲ مَّحۡفُوظِۭ (٢٢)﴾ [البروج ٢١-٢٢]
🔲 نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير من سورة (الانشقاق) عند قوله: ﴿بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (٢١) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ﴾ [البروج: ٢١، ٢٢]. ﴿بَلْ هُوَ﴾ أي: ما جاء به الرسولُ عليه الصلاة والسلام ﴿قُرْآنٌ مَجِيدٌ﴾ أي: ذو عظمةٍ ومجد، ووَصْف القرآنِ بأنَّه مجيدٌ لا يعني أن المجد وصْفٌ للقرآن نفسه فقط، بل هو وصْفٌ للقرآن ولِمَن تحمَّل هذا القرآنَ فحمله وقام بواجبه من تلاوته حقَّ تلاوته، فإنَّه سيكون له المجد والعِزَّة والرِّفعة.
🔹وقوله تعالى: ﴿فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ﴾ يعني بذلك اللوحَ المحفوظَ عند الله عز وجل الذي هو أمُّ الكتاب؛ كما قال الله تبارك وتعالى: ﴿يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ [الرعد ٣٩]. هذا اللوح لو سألَنا سائلٌ: من أيِّ مادَّةٍ هو؟ ماذا نقول؟
* طالب: نقول: الله أعلم.
* الشيخ: نقول: الله أعلم. يعني لو قال: هل من خشب؟ من حديد؟ من زجاج؟ من ذهب؟ من فضة؟ ما ندري، هو لوحٌ كتب الله به مقاديرَ كلِّ شيءٍ، ومن جُملة ما كتب به أنَّ هذا القرآن سينزل على محمد ﷺ، فهو ﴿فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ﴾.قال العلماء: ﴿مَحْفُوظٍ﴾ لا يناله أحدٌ، محفوظٌ عن التغيير والتبديل.
✴️ والتبديلُ والتغييرُ إنما يكون في الكتب الأخرى؛ لأنَّ الكتابة من الله عز وجل أنواعٌ، وأرجو أن تنتبهوا لهذا:النوع الأول: الكتابة في اللوح المحفوظ، وهذه الكتابة لا تُبَدَّل ولا تُغَيَّر، ولهذا سَمَّاه الله لوحًا محفوظًا، لا يمكن أن يُبَدَّل أو يُغَيَّر ما فيه؛ لأنَّه هو النهائي.
🔅 الثاني: الكتابة على بني آدم وهُم في بطون أمَّهاتهم؛ لأنَّ الإنسان في بطن أمِّه إذا تَمَّ له أربعة أشهرٍ بعثَ الله إليه ملكًا موكَّلًا بالأرحام فينفخ فيه الروح بإذن الله، لأنَّ الجسد عبارة عن قطعة من لحم إذا نُفِخت فيه الروح صار إنسانًا، ويؤمَر بأربع كلمات: بكَتْب رِزقه، وأجَله، وعمله، وشقيٌّ أو سعيدٌ(١). هناك كتابة أخرى حوليَّة؛ كلَّ سَنَة، وهي الكتابة التي تكون في ليلة القَدْر؛ فإنَّ الله سبحانه وتعالى يُقَدِّر في هذه الليلة ما يكون في تلك السَّنَة؛ قال الله تبارك وتعالى: ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ [الدخان ٤]، فيُكتَب في هذه الليلة ما يكون في تلك السَّنَة.
🔁 هناك كتابة رابعة، وهي كتابة الصُّحُف التي في أيدي الملائكة، وهذه الكتابة تكون بعد العمل، والكتابات الثلاث السابقة كلُّها قبل العمل، لكن الكتابة الأخيرة هذه تكون بعد العمل، يُكتَب على الإنسان ما يعمل من قولٍ بلسانه أو فعلٍ بجوارحه أو اعتقادٍ بقلبه، فإنَّ الملائكة الموكَّلين بحفظ بني آدم -أي: بحفظ أعمالهم- يكتبون؛ قال الله تعالى: ﴿كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (٩) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (١٠) كِرَامًا كَاتِبِينَ (١١) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [الانفطار ٩ - ١٢].
🔀 لكن هذه الكتابة الأخيرة تختلف عن الكتابات الثلاث السابقة؛ لأنها كتابة ما بعد العمل حتى يُكتَب على الإنسان ما عَمِل، فإذا كان يوم القيامة فإنَّه يُعطى هذا الكتاب؛ كما قال تعالى: ﴿وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (١٣) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾ [الإسراء ١٣، ١٤]، يعني تُعطَى الكتابَ ويُقال: أنت، اقرأْ وحاسبْ نفسَك.
🔘 قال بعض السلف: لقد أَنْصفك مَن جعلك حسيبًا على نفسك. وهذا صحيح، أيُّ إنصافٍ أَبْلغ مِن أن يُقال للشخص: تفضَّل، هذا ما عَمِلْتَ، حاسبْ نفسَك؟! أليس هذا هو الإنصاف؟! أكبرُ إنصافٍ هو هذا، فيوم القيامة تُعطى هذا الكتابَ منشورًا مفتوحًا أمامك ليس مغلقًا، تقرأ، ويتبيَّن لك أنك عملتَ في يوم كذا في مكان كذا: كذا وكذا، شيءٌ مضبوطٌ ما يتغيَّر، وإذا أنكرتَ هنا مَن يشهد عليك؟ ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ﴾ يقول اللسان: نطقتُ بكذا، ﴿أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النور ٢٤]، تقول اليد: بطشتُ، تقول الرِّجل: مشيتُ، بل يقول الجِلد أيضًا، الجلود تشهد بما لمست؛ ﴿وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [فصلت ٢١].
⬅️ المهمُّ الآن أنَّ اللوح المحفوظ هو هذا اللوح الذي كتب الله فيه مقاديرَ كلِّ شيءٍ، هو محفوظٌ من التغيير، محفوظٌ من أن يناله أحدٌ، والله سبحانه وتعالى يعلم ما كتب فيه، وقلنا: إنَّه محفوظٌ لأنه لا يتغيَّر، وما بأيدي الملائكة يتغيَّر.