«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
Photo
( الدرس ٦٠ )
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_البروج ❤️✨
◀️ ﷽
﴿وَهُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلۡوَدُودُ﴾ [البروج ١٤]
🔲 نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير من سورة (البروج) عند قوله تعالي: ﴿إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (١٣) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (١٤) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ﴾ [البروج: ١٣ - ١٥] ﴿هُوَ الْغَفُورُ﴾ يعني ذا المغفرة، والمغفرة سَتْرُ الذنب والعفوُ عنه، فليست المغفرةُ سَتْر الذنب فقط بل سَتْره وعدم المؤاخذة عليه؛ كما جاء في الحديث الصحيح «أنَّ الله يخلو بعبده المؤمن يوم القيامة ويُقَرِّره بذنوبه حتى يُقِرَّ بها ويعترف، فيقول الله عز وجل: «قَدْ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ»(١).
🔅 ذنوبُنا كثيرة؛ ذنوب قلبية، وذنوب قولية، وذنوب فعلية، ما أكثرها! لكنَّ الله تعالى -ولله الحمد- يسترها. ويُذكر أنَّ بني إسرائيل كانوا إذا أذنبَ الواحدُ منهم ذنبًا وجده مكتوبًا على باب بيته؛ فضيحةً وعارًا والعياذ بالله، لكن نحن -ولله الحمد- قد سَتَر الله علينا، تُبْ إلى الله واستغفرْ من الذنب فتُمحى آثارُه نهائيًّا، ولهذا قال: ﴿وَهُوَ الْغَفُورُ﴾ أي: الساترُ لذنوب عباده المتجاوزُ عنها.
🔹﴿الْوَدُودُ﴾ مأخوذة من الودِّ، والودُّ هو خالص المحبَّة، فهو جل وعلا ودودٌ. وما معنى (ودود)؟ هل معناه أنَّه محبوبٌ أو أنَّه حابٌّ؟ والجواب: يشمل الوجهين جميعًا؛ قال الله تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾ [المائدة ٥٤]، فهو جل وعلا وادٌّ؛ يحبُّ الأعمالَ، ويحبُّ الأشخاصَ، ويحبُّ الأمكنةَ، وهو كذلك أيضًا محبوبٌ يحبُّه أولياؤه؛ ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ [آل عمران ٣١]، فكلَّما كان الإنسان أَتْبع لرسول الله ﷺ كان أحبَّ إلى الله، فهو جل وعلا وادٌّ، وهو أيضًا مودودٌ؛ أي إنَّه يُحِبُّ ويُحَبُّ، يحبُّ سبحانه وتعالى الأعمالَ ويحبُّ العاملين، ويحبُّ الأشخاصَ؛ يعني أنَّ محبَّة الله قد تتعلَّق بشخصٍ معيَّنٍ؛ مثل قول الرسول عليه الصلاة والسلام في يوم خيبر قال: «لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ».
🔸 فباتَ الناسُ ثم غَدَوا إلى رسول الله ﷺ كلُّهم يرجو أن يُعطاها، فقال: «أَيْنَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ»؟ قالوا: يشتكي عينيه. فدعا به فأتى، فبَصَق في عينيه فبرأ كأنْ لم يكن به وجعٌ في الحال، ثم أعطاه الراية وقال: «انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ»(٢). الشاهد قوله: «يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ»، فهنا أثبت أنَّ الله يحبُّ هذا الرجل بعينه؛ علي بن أبي طالب.
✴️ ولَمَّا بعث رجلًا على سريَّةٍ صار يقرأ لهم في الصلاة، ويختم القراءة بـ(قل هو الله أحد)، فلمَّا رجعوا إلى النبيِّ ﷺ أخبروه بذلك؛ لأنَّ عمله هذا غير معروف، أنَّ الإنسان كلَّما قرأ في الصلاة يجعل آخر قراءته (قل هو الله أحد)، فقال: «سَلُوهُ لِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ يَصْنَعُ ذَلِكَ»؟ فسألوه فقال: إنها صفة الله، وأنا أحبُّ أن أقرأها. فقال النبي ﷺ: «أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ»(٣)، فهنا تجدون المحبة عُلِّقت بشخص معيَّن؛ محبة الله. وقد تكون محبَّة الله بمعيَّنين بأوصافهم؛ مثل: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ [التوبة ٤]،﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة ١٩٥]، ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ﴾ [الصف ٤]، هذا ما فيه شخص معيَّن، لكن فيه شخص موصوف بصفة. كذلك يحبُّ الله سبحانه وتعالى الأماكن؛ أَحَبُّ البِقاع إلى الله مساجدها(٤)، وأخبر النبيُّ عليه الصلاة والسلام أنَّ مكة أحبُّ البقاع إلى الله(٥)، هذه المحبَّة متعلِّقة بالأماكن، فالله تعالى يُحِبُّ ويُحَبُّ، ولهذا قال: ﴿وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ﴾.
(١) أخرج البخاري (٤٦٨٥) -واللفظ له- ومسلم (٢٧٦٨ / ٥٢) عن صفوان بن محرز قال: بينا ابن عمر يطوف إذْ عَرَض رجلٌ فقال: يا أبا عبد الرحمن -أو قال: يا ابن عمر- سمعتَ النبيَّ ﷺ في النجوى؟ فقال سمعتُ النبيَّ ﷺ يقول: «يُدنَى المؤمنُ من ربِّه -وقال هشام: يدنو المؤمن- حتى يَضَع عليه كَنَفه فيقرِّره بذنوبه: تعرفُ ذَنْب كذا؟ يقول: أعرفُ. يقول: ربِّ أعرفُ. مرَّتين. فيقول: سترتُها في الدنيا، وأغفرها لك اليوم. ثم تُطوى صحيفة حسناته، وأمَّا الآخرون -أو الكفار- فيُنادى على رؤوس الأشهاد: ﴿هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ [هود: ١٨].
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_البروج ❤️✨
◀️ ﷽
﴿وَهُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلۡوَدُودُ﴾ [البروج ١٤]
🔲 نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير من سورة (البروج) عند قوله تعالي: ﴿إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (١٣) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (١٤) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ﴾ [البروج: ١٣ - ١٥] ﴿هُوَ الْغَفُورُ﴾ يعني ذا المغفرة، والمغفرة سَتْرُ الذنب والعفوُ عنه، فليست المغفرةُ سَتْر الذنب فقط بل سَتْره وعدم المؤاخذة عليه؛ كما جاء في الحديث الصحيح «أنَّ الله يخلو بعبده المؤمن يوم القيامة ويُقَرِّره بذنوبه حتى يُقِرَّ بها ويعترف، فيقول الله عز وجل: «قَدْ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ»(١).
🔅 ذنوبُنا كثيرة؛ ذنوب قلبية، وذنوب قولية، وذنوب فعلية، ما أكثرها! لكنَّ الله تعالى -ولله الحمد- يسترها. ويُذكر أنَّ بني إسرائيل كانوا إذا أذنبَ الواحدُ منهم ذنبًا وجده مكتوبًا على باب بيته؛ فضيحةً وعارًا والعياذ بالله، لكن نحن -ولله الحمد- قد سَتَر الله علينا، تُبْ إلى الله واستغفرْ من الذنب فتُمحى آثارُه نهائيًّا، ولهذا قال: ﴿وَهُوَ الْغَفُورُ﴾ أي: الساترُ لذنوب عباده المتجاوزُ عنها.
🔹﴿الْوَدُودُ﴾ مأخوذة من الودِّ، والودُّ هو خالص المحبَّة، فهو جل وعلا ودودٌ. وما معنى (ودود)؟ هل معناه أنَّه محبوبٌ أو أنَّه حابٌّ؟ والجواب: يشمل الوجهين جميعًا؛ قال الله تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾ [المائدة ٥٤]، فهو جل وعلا وادٌّ؛ يحبُّ الأعمالَ، ويحبُّ الأشخاصَ، ويحبُّ الأمكنةَ، وهو كذلك أيضًا محبوبٌ يحبُّه أولياؤه؛ ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ [آل عمران ٣١]، فكلَّما كان الإنسان أَتْبع لرسول الله ﷺ كان أحبَّ إلى الله، فهو جل وعلا وادٌّ، وهو أيضًا مودودٌ؛ أي إنَّه يُحِبُّ ويُحَبُّ، يحبُّ سبحانه وتعالى الأعمالَ ويحبُّ العاملين، ويحبُّ الأشخاصَ؛ يعني أنَّ محبَّة الله قد تتعلَّق بشخصٍ معيَّنٍ؛ مثل قول الرسول عليه الصلاة والسلام في يوم خيبر قال: «لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ».
🔸 فباتَ الناسُ ثم غَدَوا إلى رسول الله ﷺ كلُّهم يرجو أن يُعطاها، فقال: «أَيْنَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ»؟ قالوا: يشتكي عينيه. فدعا به فأتى، فبَصَق في عينيه فبرأ كأنْ لم يكن به وجعٌ في الحال، ثم أعطاه الراية وقال: «انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ»(٢). الشاهد قوله: «يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ»، فهنا أثبت أنَّ الله يحبُّ هذا الرجل بعينه؛ علي بن أبي طالب.
✴️ ولَمَّا بعث رجلًا على سريَّةٍ صار يقرأ لهم في الصلاة، ويختم القراءة بـ(قل هو الله أحد)، فلمَّا رجعوا إلى النبيِّ ﷺ أخبروه بذلك؛ لأنَّ عمله هذا غير معروف، أنَّ الإنسان كلَّما قرأ في الصلاة يجعل آخر قراءته (قل هو الله أحد)، فقال: «سَلُوهُ لِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ يَصْنَعُ ذَلِكَ»؟ فسألوه فقال: إنها صفة الله، وأنا أحبُّ أن أقرأها. فقال النبي ﷺ: «أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ»(٣)، فهنا تجدون المحبة عُلِّقت بشخص معيَّن؛ محبة الله. وقد تكون محبَّة الله بمعيَّنين بأوصافهم؛ مثل: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ [التوبة ٤]،﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة ١٩٥]، ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ﴾ [الصف ٤]، هذا ما فيه شخص معيَّن، لكن فيه شخص موصوف بصفة. كذلك يحبُّ الله سبحانه وتعالى الأماكن؛ أَحَبُّ البِقاع إلى الله مساجدها(٤)، وأخبر النبيُّ عليه الصلاة والسلام أنَّ مكة أحبُّ البقاع إلى الله(٥)، هذه المحبَّة متعلِّقة بالأماكن، فالله تعالى يُحِبُّ ويُحَبُّ، ولهذا قال: ﴿وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ﴾.
(١) أخرج البخاري (٤٦٨٥) -واللفظ له- ومسلم (٢٧٦٨ / ٥٢) عن صفوان بن محرز قال: بينا ابن عمر يطوف إذْ عَرَض رجلٌ فقال: يا أبا عبد الرحمن -أو قال: يا ابن عمر- سمعتَ النبيَّ ﷺ في النجوى؟ فقال سمعتُ النبيَّ ﷺ يقول: «يُدنَى المؤمنُ من ربِّه -وقال هشام: يدنو المؤمن- حتى يَضَع عليه كَنَفه فيقرِّره بذنوبه: تعرفُ ذَنْب كذا؟ يقول: أعرفُ. يقول: ربِّ أعرفُ. مرَّتين. فيقول: سترتُها في الدنيا، وأغفرها لك اليوم. ثم تُطوى صحيفة حسناته، وأمَّا الآخرون -أو الكفار- فيُنادى على رؤوس الأشهاد: ﴿هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ [هود: ١٨].
«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
Photo
( الدرس ٦١ )
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_البروج ❤️✨
◀️ ﷽
﴿ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (١٥) فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾ [البروج ١٥، ١٦]،
🔲 خدنا في درس امبارح قوله تعالي ﴿وَهُوَ الغَفورُ الوَدودُ﴾ [البروج: ١٤]، ثم بيَّن عظمتَه وتمامَ سلطانه في قوله: ﴿ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (١٥) فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾ [البروج ١٥، ١٦]، ﴿ذُو الْعَرْشِ﴾ أي: صاحب العرش، والعرش هو الذي استوى عليه الله عز وجل، وهو أعظم المخلوقات وأكبرها وأوسعها، وقد جاء في الأثر أنَّ السماوات السبع والأرضين السبع بالنسبة إلى الكرسي كحلقةٍ أُلقِيتْ في فلاةٍ من الأرض، حلقة الدرع صغيرة أُلقيت في فلاةٍ من الأرض ليست بشيءٍ بالنسبة لها، وإنَّ فَضْل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على هذه الحلقة(١).
✴️ إذَن الكرسي لا أحد يقدر عن سعته، وإذا كُنَّا نشاهد من المخلوقات المشهودة الآن التباين العظيم في أحجامها؛ أَطْلعني رجلٌ على صورةِ الشمس، مصوَّرة، وصورةِ الأرض، فوجدتُ أنَّ الأرض بالنسبة لهذه الشمس كنقطةٍ غير كبيرة في تبسي واسع كبير، وأنها لا تُنسَب إلى الشمس إطلاقًا، ما هي شيء، فإذا كان هذا في الأشياء المشهودة التي تُدرَك بالتلسكوب وغيره، فما بالُك بالأشياء الغائبة عنَّا! لأنَّ ما غاب عنَّا أعظم مما نشاهد؛ قال الله تعالى: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء ٨٥]، فالحاصل أنَّ العرش هو هذا الذي هو سَقْف المخلوقات كلِّها، عرشٌ عظيمٌ، استوى عليه الرحمنُ جل وعلا؛ كما قال تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه ٥].
◾وقوله: ﴿ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ﴾ هذه فيها قراءتان: ﴿﴿الْمَجِيدِ﴾ ﴾ و﴿الْمَجِيدُ﴾، فعلى القراءة الأولى تكون وصفًا للعرش، وعلى الثانية تكون وصفًا للربِّ عز وجل، وكلاهما صحيح؛ فالعرش مجيدٌ، وكذلك الربُّ عز وجل مجيدٌ، ونحن نقول في التشهد: إنك حميدٌ مجيدٌ.
🔹﴿فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾ كلُّ ما يريده فإنَّه يفعله عز وجل؛ لأنَّه تامُّ السلطانِ، لا أحد يمانعه، لا معقِّب لحُكمه، ولا رادَّ لقضائه، ﴿وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ﴾ [الرعد ١١]، فكلُّ ما يريده فإنَّه يفعله، لكن ملوك الدنيا وإن عظمتْ ملكيَّتهم لا يفعلون كلَّ ما يريدون، ما أكثر ما يريدون ثم يوجد مانع يمنع، أمَّا الربُّ فهو ذو السلطان الأعظم الذي لا يردُّ ما أراده شيءٌ.
🔸 ﴿فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾، وفي هذا دليلٌ على أن جميع ما وقع في الكون فإنه بإرادة الله عز وجل؛ لأن الله هو الذي خَلَقه فيكون واقعًا بإرادته، ولكن اعلموا أنَّ الله لا يريد شيئًا إلا لحِكمة، فكلُّ ما يقع من أفعال الله فإنه لحِكمةٍ عظيمةٍ قد نعلمها وقد لا نعلمها.ونتوقَّف عند هذه الآية الكريمة، ونسأل الله تعالى أن يجعلنا وإيَّاكم ممن يتلون كتابَه حقَّ تلاوته وأن يرزقنا فَهْمه ويُعيننا على العمل به، إنَّه جوادٌ كريم.
(١) أخرج ابن حبان (٣٦١) عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه أنَّ النبي ﷺ قال: «ما السماوات السبع مع الكرسيِّ إلا كحلقةٍ مُلقاةٍ بأرض فلاة، وفَضْل العرشِ على الكرسيِّ كفضل الفلاة على الحلقة...» الحديث.
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_البروج ❤️✨
◀️ ﷽
﴿ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (١٥) فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾ [البروج ١٥، ١٦]،
🔲 خدنا في درس امبارح قوله تعالي ﴿وَهُوَ الغَفورُ الوَدودُ﴾ [البروج: ١٤]، ثم بيَّن عظمتَه وتمامَ سلطانه في قوله: ﴿ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (١٥) فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾ [البروج ١٥، ١٦]، ﴿ذُو الْعَرْشِ﴾ أي: صاحب العرش، والعرش هو الذي استوى عليه الله عز وجل، وهو أعظم المخلوقات وأكبرها وأوسعها، وقد جاء في الأثر أنَّ السماوات السبع والأرضين السبع بالنسبة إلى الكرسي كحلقةٍ أُلقِيتْ في فلاةٍ من الأرض، حلقة الدرع صغيرة أُلقيت في فلاةٍ من الأرض ليست بشيءٍ بالنسبة لها، وإنَّ فَضْل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على هذه الحلقة(١).
✴️ إذَن الكرسي لا أحد يقدر عن سعته، وإذا كُنَّا نشاهد من المخلوقات المشهودة الآن التباين العظيم في أحجامها؛ أَطْلعني رجلٌ على صورةِ الشمس، مصوَّرة، وصورةِ الأرض، فوجدتُ أنَّ الأرض بالنسبة لهذه الشمس كنقطةٍ غير كبيرة في تبسي واسع كبير، وأنها لا تُنسَب إلى الشمس إطلاقًا، ما هي شيء، فإذا كان هذا في الأشياء المشهودة التي تُدرَك بالتلسكوب وغيره، فما بالُك بالأشياء الغائبة عنَّا! لأنَّ ما غاب عنَّا أعظم مما نشاهد؛ قال الله تعالى: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء ٨٥]، فالحاصل أنَّ العرش هو هذا الذي هو سَقْف المخلوقات كلِّها، عرشٌ عظيمٌ، استوى عليه الرحمنُ جل وعلا؛ كما قال تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه ٥].
◾وقوله: ﴿ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ﴾ هذه فيها قراءتان: ﴿﴿الْمَجِيدِ﴾ ﴾ و﴿الْمَجِيدُ﴾، فعلى القراءة الأولى تكون وصفًا للعرش، وعلى الثانية تكون وصفًا للربِّ عز وجل، وكلاهما صحيح؛ فالعرش مجيدٌ، وكذلك الربُّ عز وجل مجيدٌ، ونحن نقول في التشهد: إنك حميدٌ مجيدٌ.
🔹﴿فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾ كلُّ ما يريده فإنَّه يفعله عز وجل؛ لأنَّه تامُّ السلطانِ، لا أحد يمانعه، لا معقِّب لحُكمه، ولا رادَّ لقضائه، ﴿وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ﴾ [الرعد ١١]، فكلُّ ما يريده فإنَّه يفعله، لكن ملوك الدنيا وإن عظمتْ ملكيَّتهم لا يفعلون كلَّ ما يريدون، ما أكثر ما يريدون ثم يوجد مانع يمنع، أمَّا الربُّ فهو ذو السلطان الأعظم الذي لا يردُّ ما أراده شيءٌ.
🔸 ﴿فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾، وفي هذا دليلٌ على أن جميع ما وقع في الكون فإنه بإرادة الله عز وجل؛ لأن الله هو الذي خَلَقه فيكون واقعًا بإرادته، ولكن اعلموا أنَّ الله لا يريد شيئًا إلا لحِكمة، فكلُّ ما يقع من أفعال الله فإنه لحِكمةٍ عظيمةٍ قد نعلمها وقد لا نعلمها.ونتوقَّف عند هذه الآية الكريمة، ونسأل الله تعالى أن يجعلنا وإيَّاكم ممن يتلون كتابَه حقَّ تلاوته وأن يرزقنا فَهْمه ويُعيننا على العمل به، إنَّه جوادٌ كريم.
(١) أخرج ابن حبان (٣٦١) عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه أنَّ النبي ﷺ قال: «ما السماوات السبع مع الكرسيِّ إلا كحلقةٍ مُلقاةٍ بأرض فلاة، وفَضْل العرشِ على الكرسيِّ كفضل الفلاة على الحلقة...» الحديث.
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
Photo
( الدرس ٦٢ )
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_البروج ❤️✨
◀️ ﷽
﴿هَل أَتاكَ حَديثُ الجُنودِفِرعَونَ وَثَمودَبَلِ الَّذينَ كَفَروا في تَكذيبٍوَاللَّهُ مِن وَرائِهِم مُحيطٌ﴾ [البروج: ١٧-٢٠]
🔲وقفنا امبارح في تدبير وتفسير سورة (البروج) عند قوله تعالي ﴿ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (١٥) فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾ ثم ذكر من أفعاله الدالة على صدق ما جاءت به رسله، فقال: ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ فِرْعَوْنَ وَثَمُود﴾ وكيف كذبوا المرسلين، فجعلهم الله من المهلكين.
◾قوله: ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (١٩) وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ﴾ [البروج ١٩، ٢٠]. ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ يشمل كلَّ مَن كفر بالله ورسوله سواءٌ كان من المشركين أو من اليهود أو النصارى أو غيرهم.
✴️ وذلك لأنَّ اليهود والنصارى الآن وبعد بعثة الرسول ﷺ ليسوا على دين، ولا تنفعهم أديانهم؛ لأنه -أي النبي ﷺ- خاتم الأنبياء، فمَن لم يؤمن به فليس على شيءٍ من دينه، بل إنَّه سبق لنا أنَّ مَن لم يؤمن برسولٍ واحدٍ من الرسل فهو كافرٌ بجميع الرسل
🔁 يعني مثلًا مَن لم يؤمن بنوحٍ أنَّه رسولٌ -ولو آمَن بغيره من الأنبياء- فإنَّه مكذِّبٌ لجميع الأنبياء، والدليل على هذا قوله تعالى: ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ﴾ [الشعراء ١٠٥]، فبيَّن الله أنَّ هؤلاء كذَّبوا جميع الرسل مع أنهم لم يُكَذِّبوا إلا رسولًا واحدًا؛ إذْ إنَّه ليس قَبْل نوحٍ رسولٌ، كذلك الذي كذَّب محمدًا ﷺ هو مُكَذِّب لغيره من الرسل، فإذا ادَّعت اليهود أنهم على دينٍ وأنهم يتَّبعون التوراة التي جاء بها موسى نقول لهم: أنتم كافرون بموسى، كافرون بالتوراة.
🔅 وإذا ادَّعت النصارى الذين يُسَمُّون أنفسَهم اليوم بالمسيحيِّين أنهم مؤمنون بعيسى قُلنا لهم: كَذَبتم، أنتم كافرون بعيسى؛ لأنَّكم كافرون بمحمد عليه الصلاة والسلام. والعجب أنَّ هؤلاء اليهود والنصارى يكفرون بمحمد عليه الصلاة والسلام مع أنهم ﴿يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ﴾ [الأعراف ١٥٧]، ﴿يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ﴾ [البقرة ١٤٦]، لكن العناد والكبرياء والحسد مَنَعهم أن يؤمنوا بمحمد عليه الصلاة والسلام.
🔁 ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ﴾ [البقرة ١٠٩]، فالحاصل أنَّ قوله تعالى: ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ يشمل كلَّ مَن كفر بمحمد حتى من اليهود والنصارى، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَسْمَعُ بِي مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ» -يعني أُمَّة الدعوة- «يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ لَا يُؤْمِنُ بِمَا جِئْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ»(١). كلُّ الكفَّار في تكذيب، وقال: ﴿فِي تَكْذِيبٍ﴾ فجعل التكذيبَ كالظرف لهم؛ يعني أنَّه محيطٌ بهم من كلِّ جانبٍ والعياذُ بالله.
🔹وقوله: ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (١٩) وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ﴾ يعني أنَّ الله تعالى محيطٌ بهم من كلِّ جانبٍ لا يشذُّون عنه؛ لا عن عِلْمه ولا سُلطانه ولا عقابه، ولكنَّه عز وجل قد يُمْلي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفلته.
(١) أخرج مسلم (١٥٣ / ٢٤٠) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله ﷺ قال: «والذي نفس محمدٍ بيده، لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأُمَّة يهوديٌّ ولا نصرانيٌّ ثم يموت ولم يؤمنْ بالذي أُرْسِلتُ به إلَّا كان من أصحاب النار».
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_البروج ❤️✨
◀️ ﷽
﴿هَل أَتاكَ حَديثُ الجُنودِفِرعَونَ وَثَمودَبَلِ الَّذينَ كَفَروا في تَكذيبٍوَاللَّهُ مِن وَرائِهِم مُحيطٌ﴾ [البروج: ١٧-٢٠]
🔲وقفنا امبارح في تدبير وتفسير سورة (البروج) عند قوله تعالي ﴿ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (١٥) فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾ ثم ذكر من أفعاله الدالة على صدق ما جاءت به رسله، فقال: ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ فِرْعَوْنَ وَثَمُود﴾ وكيف كذبوا المرسلين، فجعلهم الله من المهلكين.
◾قوله: ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (١٩) وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ﴾ [البروج ١٩، ٢٠]. ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ يشمل كلَّ مَن كفر بالله ورسوله سواءٌ كان من المشركين أو من اليهود أو النصارى أو غيرهم.
✴️ وذلك لأنَّ اليهود والنصارى الآن وبعد بعثة الرسول ﷺ ليسوا على دين، ولا تنفعهم أديانهم؛ لأنه -أي النبي ﷺ- خاتم الأنبياء، فمَن لم يؤمن به فليس على شيءٍ من دينه، بل إنَّه سبق لنا أنَّ مَن لم يؤمن برسولٍ واحدٍ من الرسل فهو كافرٌ بجميع الرسل
🔁 يعني مثلًا مَن لم يؤمن بنوحٍ أنَّه رسولٌ -ولو آمَن بغيره من الأنبياء- فإنَّه مكذِّبٌ لجميع الأنبياء، والدليل على هذا قوله تعالى: ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ﴾ [الشعراء ١٠٥]، فبيَّن الله أنَّ هؤلاء كذَّبوا جميع الرسل مع أنهم لم يُكَذِّبوا إلا رسولًا واحدًا؛ إذْ إنَّه ليس قَبْل نوحٍ رسولٌ، كذلك الذي كذَّب محمدًا ﷺ هو مُكَذِّب لغيره من الرسل، فإذا ادَّعت اليهود أنهم على دينٍ وأنهم يتَّبعون التوراة التي جاء بها موسى نقول لهم: أنتم كافرون بموسى، كافرون بالتوراة.
🔅 وإذا ادَّعت النصارى الذين يُسَمُّون أنفسَهم اليوم بالمسيحيِّين أنهم مؤمنون بعيسى قُلنا لهم: كَذَبتم، أنتم كافرون بعيسى؛ لأنَّكم كافرون بمحمد عليه الصلاة والسلام. والعجب أنَّ هؤلاء اليهود والنصارى يكفرون بمحمد عليه الصلاة والسلام مع أنهم ﴿يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ﴾ [الأعراف ١٥٧]، ﴿يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ﴾ [البقرة ١٤٦]، لكن العناد والكبرياء والحسد مَنَعهم أن يؤمنوا بمحمد عليه الصلاة والسلام.
🔁 ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ﴾ [البقرة ١٠٩]، فالحاصل أنَّ قوله تعالى: ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ يشمل كلَّ مَن كفر بمحمد حتى من اليهود والنصارى، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَسْمَعُ بِي مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ» -يعني أُمَّة الدعوة- «يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ لَا يُؤْمِنُ بِمَا جِئْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ»(١). كلُّ الكفَّار في تكذيب، وقال: ﴿فِي تَكْذِيبٍ﴾ فجعل التكذيبَ كالظرف لهم؛ يعني أنَّه محيطٌ بهم من كلِّ جانبٍ والعياذُ بالله.
🔹وقوله: ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (١٩) وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ﴾ يعني أنَّ الله تعالى محيطٌ بهم من كلِّ جانبٍ لا يشذُّون عنه؛ لا عن عِلْمه ولا سُلطانه ولا عقابه، ولكنَّه عز وجل قد يُمْلي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفلته.
(١) أخرج مسلم (١٥٣ / ٢٤٠) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله ﷺ قال: «والذي نفس محمدٍ بيده، لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأُمَّة يهوديٌّ ولا نصرانيٌّ ثم يموت ولم يؤمنْ بالذي أُرْسِلتُ به إلَّا كان من أصحاب النار».
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
Photo
( الدرس ٦٣ )
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_البروج ❤️✨
◀️ ﷽
﴿بَلۡ هُوَ قُرۡءَانࣱ مَّجِیدࣱ (٢١) فِی لَوۡحࣲ مَّحۡفُوظِۭ (٢٢)﴾ [البروج ٢١-٢٢]
🔲 نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير من سورة (الانشقاق) عند قوله: ﴿بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (٢١) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ﴾ [البروج: ٢١، ٢٢]. ﴿بَلْ هُوَ﴾ أي: ما جاء به الرسولُ عليه الصلاة والسلام ﴿قُرْآنٌ مَجِيدٌ﴾ أي: ذو عظمةٍ ومجد، ووَصْف القرآنِ بأنَّه مجيدٌ لا يعني أن المجد وصْفٌ للقرآن نفسه فقط، بل هو وصْفٌ للقرآن ولِمَن تحمَّل هذا القرآنَ فحمله وقام بواجبه من تلاوته حقَّ تلاوته، فإنَّه سيكون له المجد والعِزَّة والرِّفعة.
🔹وقوله تعالى: ﴿فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ﴾ يعني بذلك اللوحَ المحفوظَ عند الله عز وجل الذي هو أمُّ الكتاب؛ كما قال الله تبارك وتعالى: ﴿يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ [الرعد ٣٩]. هذا اللوح لو سألَنا سائلٌ: من أيِّ مادَّةٍ هو؟ ماذا نقول؟
* طالب: نقول: الله أعلم.
* الشيخ: نقول: الله أعلم. يعني لو قال: هل من خشب؟ من حديد؟ من زجاج؟ من ذهب؟ من فضة؟ ما ندري، هو لوحٌ كتب الله به مقاديرَ كلِّ شيءٍ، ومن جُملة ما كتب به أنَّ هذا القرآن سينزل على محمد ﷺ، فهو ﴿فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ﴾.قال العلماء: ﴿مَحْفُوظٍ﴾ لا يناله أحدٌ، محفوظٌ عن التغيير والتبديل.
✴️ والتبديلُ والتغييرُ إنما يكون في الكتب الأخرى؛ لأنَّ الكتابة من الله عز وجل أنواعٌ، وأرجو أن تنتبهوا لهذا:النوع الأول: الكتابة في اللوح المحفوظ، وهذه الكتابة لا تُبَدَّل ولا تُغَيَّر، ولهذا سَمَّاه الله لوحًا محفوظًا، لا يمكن أن يُبَدَّل أو يُغَيَّر ما فيه؛ لأنَّه هو النهائي.
🔅 الثاني: الكتابة على بني آدم وهُم في بطون أمَّهاتهم؛ لأنَّ الإنسان في بطن أمِّه إذا تَمَّ له أربعة أشهرٍ بعثَ الله إليه ملكًا موكَّلًا بالأرحام فينفخ فيه الروح بإذن الله، لأنَّ الجسد عبارة عن قطعة من لحم إذا نُفِخت فيه الروح صار إنسانًا، ويؤمَر بأربع كلمات: بكَتْب رِزقه، وأجَله، وعمله، وشقيٌّ أو سعيدٌ(١). هناك كتابة أخرى حوليَّة؛ كلَّ سَنَة، وهي الكتابة التي تكون في ليلة القَدْر؛ فإنَّ الله سبحانه وتعالى يُقَدِّر في هذه الليلة ما يكون في تلك السَّنَة؛ قال الله تبارك وتعالى: ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ [الدخان ٤]، فيُكتَب في هذه الليلة ما يكون في تلك السَّنَة.
🔁 هناك كتابة رابعة، وهي كتابة الصُّحُف التي في أيدي الملائكة، وهذه الكتابة تكون بعد العمل، والكتابات الثلاث السابقة كلُّها قبل العمل، لكن الكتابة الأخيرة هذه تكون بعد العمل، يُكتَب على الإنسان ما يعمل من قولٍ بلسانه أو فعلٍ بجوارحه أو اعتقادٍ بقلبه، فإنَّ الملائكة الموكَّلين بحفظ بني آدم -أي: بحفظ أعمالهم- يكتبون؛ قال الله تعالى: ﴿كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (٩) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (١٠) كِرَامًا كَاتِبِينَ (١١) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [الانفطار ٩ - ١٢].
🔀 لكن هذه الكتابة الأخيرة تختلف عن الكتابات الثلاث السابقة؛ لأنها كتابة ما بعد العمل حتى يُكتَب على الإنسان ما عَمِل، فإذا كان يوم القيامة فإنَّه يُعطى هذا الكتاب؛ كما قال تعالى: ﴿وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (١٣) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾ [الإسراء ١٣، ١٤]، يعني تُعطَى الكتابَ ويُقال: أنت، اقرأْ وحاسبْ نفسَك.
🔘 قال بعض السلف: لقد أَنْصفك مَن جعلك حسيبًا على نفسك. وهذا صحيح، أيُّ إنصافٍ أَبْلغ مِن أن يُقال للشخص: تفضَّل، هذا ما عَمِلْتَ، حاسبْ نفسَك؟! أليس هذا هو الإنصاف؟! أكبرُ إنصافٍ هو هذا، فيوم القيامة تُعطى هذا الكتابَ منشورًا مفتوحًا أمامك ليس مغلقًا، تقرأ، ويتبيَّن لك أنك عملتَ في يوم كذا في مكان كذا: كذا وكذا، شيءٌ مضبوطٌ ما يتغيَّر، وإذا أنكرتَ هنا مَن يشهد عليك؟ ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ﴾ يقول اللسان: نطقتُ بكذا، ﴿أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النور ٢٤]، تقول اليد: بطشتُ، تقول الرِّجل: مشيتُ، بل يقول الجِلد أيضًا، الجلود تشهد بما لمست؛ ﴿وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [فصلت ٢١].
⬅️ المهمُّ الآن أنَّ اللوح المحفوظ هو هذا اللوح الذي كتب الله فيه مقاديرَ كلِّ شيءٍ، هو محفوظٌ من التغيير، محفوظٌ من أن يناله أحدٌ، والله سبحانه وتعالى يعلم ما كتب فيه، وقلنا: إنَّه محفوظٌ لأنه لا يتغيَّر، وما بأيدي الملائكة يتغيَّر.
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_البروج ❤️✨
◀️ ﷽
﴿بَلۡ هُوَ قُرۡءَانࣱ مَّجِیدࣱ (٢١) فِی لَوۡحࣲ مَّحۡفُوظِۭ (٢٢)﴾ [البروج ٢١-٢٢]
🔲 نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير من سورة (الانشقاق) عند قوله: ﴿بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (٢١) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ﴾ [البروج: ٢١، ٢٢]. ﴿بَلْ هُوَ﴾ أي: ما جاء به الرسولُ عليه الصلاة والسلام ﴿قُرْآنٌ مَجِيدٌ﴾ أي: ذو عظمةٍ ومجد، ووَصْف القرآنِ بأنَّه مجيدٌ لا يعني أن المجد وصْفٌ للقرآن نفسه فقط، بل هو وصْفٌ للقرآن ولِمَن تحمَّل هذا القرآنَ فحمله وقام بواجبه من تلاوته حقَّ تلاوته، فإنَّه سيكون له المجد والعِزَّة والرِّفعة.
🔹وقوله تعالى: ﴿فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ﴾ يعني بذلك اللوحَ المحفوظَ عند الله عز وجل الذي هو أمُّ الكتاب؛ كما قال الله تبارك وتعالى: ﴿يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ [الرعد ٣٩]. هذا اللوح لو سألَنا سائلٌ: من أيِّ مادَّةٍ هو؟ ماذا نقول؟
* طالب: نقول: الله أعلم.
* الشيخ: نقول: الله أعلم. يعني لو قال: هل من خشب؟ من حديد؟ من زجاج؟ من ذهب؟ من فضة؟ ما ندري، هو لوحٌ كتب الله به مقاديرَ كلِّ شيءٍ، ومن جُملة ما كتب به أنَّ هذا القرآن سينزل على محمد ﷺ، فهو ﴿فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ﴾.قال العلماء: ﴿مَحْفُوظٍ﴾ لا يناله أحدٌ، محفوظٌ عن التغيير والتبديل.
✴️ والتبديلُ والتغييرُ إنما يكون في الكتب الأخرى؛ لأنَّ الكتابة من الله عز وجل أنواعٌ، وأرجو أن تنتبهوا لهذا:النوع الأول: الكتابة في اللوح المحفوظ، وهذه الكتابة لا تُبَدَّل ولا تُغَيَّر، ولهذا سَمَّاه الله لوحًا محفوظًا، لا يمكن أن يُبَدَّل أو يُغَيَّر ما فيه؛ لأنَّه هو النهائي.
🔅 الثاني: الكتابة على بني آدم وهُم في بطون أمَّهاتهم؛ لأنَّ الإنسان في بطن أمِّه إذا تَمَّ له أربعة أشهرٍ بعثَ الله إليه ملكًا موكَّلًا بالأرحام فينفخ فيه الروح بإذن الله، لأنَّ الجسد عبارة عن قطعة من لحم إذا نُفِخت فيه الروح صار إنسانًا، ويؤمَر بأربع كلمات: بكَتْب رِزقه، وأجَله، وعمله، وشقيٌّ أو سعيدٌ(١). هناك كتابة أخرى حوليَّة؛ كلَّ سَنَة، وهي الكتابة التي تكون في ليلة القَدْر؛ فإنَّ الله سبحانه وتعالى يُقَدِّر في هذه الليلة ما يكون في تلك السَّنَة؛ قال الله تبارك وتعالى: ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ [الدخان ٤]، فيُكتَب في هذه الليلة ما يكون في تلك السَّنَة.
🔁 هناك كتابة رابعة، وهي كتابة الصُّحُف التي في أيدي الملائكة، وهذه الكتابة تكون بعد العمل، والكتابات الثلاث السابقة كلُّها قبل العمل، لكن الكتابة الأخيرة هذه تكون بعد العمل، يُكتَب على الإنسان ما يعمل من قولٍ بلسانه أو فعلٍ بجوارحه أو اعتقادٍ بقلبه، فإنَّ الملائكة الموكَّلين بحفظ بني آدم -أي: بحفظ أعمالهم- يكتبون؛ قال الله تعالى: ﴿كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (٩) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (١٠) كِرَامًا كَاتِبِينَ (١١) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [الانفطار ٩ - ١٢].
🔀 لكن هذه الكتابة الأخيرة تختلف عن الكتابات الثلاث السابقة؛ لأنها كتابة ما بعد العمل حتى يُكتَب على الإنسان ما عَمِل، فإذا كان يوم القيامة فإنَّه يُعطى هذا الكتاب؛ كما قال تعالى: ﴿وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (١٣) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾ [الإسراء ١٣، ١٤]، يعني تُعطَى الكتابَ ويُقال: أنت، اقرأْ وحاسبْ نفسَك.
🔘 قال بعض السلف: لقد أَنْصفك مَن جعلك حسيبًا على نفسك. وهذا صحيح، أيُّ إنصافٍ أَبْلغ مِن أن يُقال للشخص: تفضَّل، هذا ما عَمِلْتَ، حاسبْ نفسَك؟! أليس هذا هو الإنصاف؟! أكبرُ إنصافٍ هو هذا، فيوم القيامة تُعطى هذا الكتابَ منشورًا مفتوحًا أمامك ليس مغلقًا، تقرأ، ويتبيَّن لك أنك عملتَ في يوم كذا في مكان كذا: كذا وكذا، شيءٌ مضبوطٌ ما يتغيَّر، وإذا أنكرتَ هنا مَن يشهد عليك؟ ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ﴾ يقول اللسان: نطقتُ بكذا، ﴿أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النور ٢٤]، تقول اليد: بطشتُ، تقول الرِّجل: مشيتُ، بل يقول الجِلد أيضًا، الجلود تشهد بما لمست؛ ﴿وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [فصلت ٢١].
⬅️ المهمُّ الآن أنَّ اللوح المحفوظ هو هذا اللوح الذي كتب الله فيه مقاديرَ كلِّ شيءٍ، هو محفوظٌ من التغيير، محفوظٌ من أن يناله أحدٌ، والله سبحانه وتعالى يعلم ما كتب فيه، وقلنا: إنَّه محفوظٌ لأنه لا يتغيَّر، وما بأيدي الملائكة يتغيَّر.
«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
Photo
( الدرس ٦٤ )
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_الطارق ❤️✨
◀️ ﷽
﴿وَٱلسَّمَاۤءِ وَٱلطَّارِقِ (١) وَمَاۤ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلطَّارِقُ (٢) ٱلنَّجۡمُ ٱلثَّاقِبُ (٣)﴾ [الطارق ١-٣]
🔲 الحمد لله ربِّ العالمين، وأصلِّي وأسلِّم على نبيِّنا محمد وعلى آله وأصحابه ومَن تَبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.أما بعد، وقد شرعنا في تدبير وتفسير سورة الطارق بعد أنْ أكملنا ما سبقها.يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (١) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (٢) النَّجْمُ الثَّاقِبُ﴾ [الطارق ١ - ٣] وهنا كما تَرَون فيه قَسَم أقسمَ الله تعالى به، وهو (السماء) وكذلك (الطارق).
✴️ وقد يُشكل على بعض الناس كيف يُقسِم الله سبحانه وتعالى بالمخلوقات مع أنَّ القَسَم بالمخلوقات شِركٌ؛ لقول النبي ﷺ: «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَر» أو «أَشْرَكَ»(١)، وقال عليه الصلاة والسلام: «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ»(٢)، فلا يجوز الحلف بغير الله؛ لا بالأنبياء، ولا بالملائكة، ولا بالكعبة، ولا بالوطن، ولا بأيِّ شيءٍ من المخلوقات؟والجواب على هذا الإشكال أن نقول: إنَّ الله سبحانه وتعالى له أن يُقسم بما شاء من خلْقه، وإقسامُه بما يُقسم به من خلْقه يدلُّ على عظمة الله عز وجل.
🔁 لأن عِظَم المخلوق يدلُّ على عِظَم الخالق، وقد أقسمَ الله تعالى بأشياء كثيرة من خلْقه، ومِن أحسن مَن رأيتُه تكلَّم على هذا الموضوع ابن القيم رحمه الله في كتابه التبيان في أقسام القرآن، وهو كتابٌ جيِّدٌ ينفع طالبَ العلم كثيرًا، فهنا يُقسم الله تعالى بالسماء، والسماء هي كلُّ ما علاك، كلُّ ما علاك فهو سماء، حتى السحاب الذي ينزل منه المطر يُسَمَّى سماءً كما قال الله تعالى: ﴿أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا﴾ [الرعد ١٧]، وإذا كان يُطلق على كلِّ ما علاك فإنه يشمل ما بين السماء والأرض ويشمل السماوات كلَّها؛ لأنها كلَّها قد علتْك وهي فوقك.
🔹 وأمَّا قوله: ﴿وَالطَّارِقِ﴾ فهو قَسَمٌ ثانٍ؛ أي إنَّ الله أقسمَ بالطارق، فما هو الطارق؟ ليس الطارق هو الذي يَطْرق أهلَه ليلًا، بل فسَّره الله عز وجل بقوله: ﴿النَّجْمُ الثَّاقِبُ﴾، هذا هو الطارق، والنجم هنا يحتمل أن يكون المراد به جميع النجوم فتكون (أل) للجنس، ويحتمل أنه النجم الثاقب؛ أي: النجم اللامع؛ أي: قويُّ اللمعان؛ لأنه يثقب الظلامَ بنوره، وأيًّا كان فإنَّ هذه النجوم من آيات الله عز وجل الدالَّة على كمال قدرته في سيرها، وانتظامها، واختلاف أشكالها، واختلاف منافعها أيضًا؛ قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ﴾ [النحل ١٦]، وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ﴾ [الملك ٥]، فهي زينةٌ للسماء، ورُجومٌ للشياطين، وعلاماتٌ يُهتدى بها.
(١) أخرجه الترمذي (١٥٣٥) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
(٢) متفق عليه؛ البخاري (٢٦٧٩)، ومسلم (١٦٤٦)، من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_الطارق ❤️✨
◀️ ﷽
﴿وَٱلسَّمَاۤءِ وَٱلطَّارِقِ (١) وَمَاۤ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلطَّارِقُ (٢) ٱلنَّجۡمُ ٱلثَّاقِبُ (٣)﴾ [الطارق ١-٣]
🔲 الحمد لله ربِّ العالمين، وأصلِّي وأسلِّم على نبيِّنا محمد وعلى آله وأصحابه ومَن تَبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.أما بعد، وقد شرعنا في تدبير وتفسير سورة الطارق بعد أنْ أكملنا ما سبقها.يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (١) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (٢) النَّجْمُ الثَّاقِبُ﴾ [الطارق ١ - ٣] وهنا كما تَرَون فيه قَسَم أقسمَ الله تعالى به، وهو (السماء) وكذلك (الطارق).
✴️ وقد يُشكل على بعض الناس كيف يُقسِم الله سبحانه وتعالى بالمخلوقات مع أنَّ القَسَم بالمخلوقات شِركٌ؛ لقول النبي ﷺ: «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَر» أو «أَشْرَكَ»(١)، وقال عليه الصلاة والسلام: «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ»(٢)، فلا يجوز الحلف بغير الله؛ لا بالأنبياء، ولا بالملائكة، ولا بالكعبة، ولا بالوطن، ولا بأيِّ شيءٍ من المخلوقات؟والجواب على هذا الإشكال أن نقول: إنَّ الله سبحانه وتعالى له أن يُقسم بما شاء من خلْقه، وإقسامُه بما يُقسم به من خلْقه يدلُّ على عظمة الله عز وجل.
🔁 لأن عِظَم المخلوق يدلُّ على عِظَم الخالق، وقد أقسمَ الله تعالى بأشياء كثيرة من خلْقه، ومِن أحسن مَن رأيتُه تكلَّم على هذا الموضوع ابن القيم رحمه الله في كتابه التبيان في أقسام القرآن، وهو كتابٌ جيِّدٌ ينفع طالبَ العلم كثيرًا، فهنا يُقسم الله تعالى بالسماء، والسماء هي كلُّ ما علاك، كلُّ ما علاك فهو سماء، حتى السحاب الذي ينزل منه المطر يُسَمَّى سماءً كما قال الله تعالى: ﴿أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا﴾ [الرعد ١٧]، وإذا كان يُطلق على كلِّ ما علاك فإنه يشمل ما بين السماء والأرض ويشمل السماوات كلَّها؛ لأنها كلَّها قد علتْك وهي فوقك.
🔹 وأمَّا قوله: ﴿وَالطَّارِقِ﴾ فهو قَسَمٌ ثانٍ؛ أي إنَّ الله أقسمَ بالطارق، فما هو الطارق؟ ليس الطارق هو الذي يَطْرق أهلَه ليلًا، بل فسَّره الله عز وجل بقوله: ﴿النَّجْمُ الثَّاقِبُ﴾، هذا هو الطارق، والنجم هنا يحتمل أن يكون المراد به جميع النجوم فتكون (أل) للجنس، ويحتمل أنه النجم الثاقب؛ أي: النجم اللامع؛ أي: قويُّ اللمعان؛ لأنه يثقب الظلامَ بنوره، وأيًّا كان فإنَّ هذه النجوم من آيات الله عز وجل الدالَّة على كمال قدرته في سيرها، وانتظامها، واختلاف أشكالها، واختلاف منافعها أيضًا؛ قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ﴾ [النحل ١٦]، وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ﴾ [الملك ٥]، فهي زينةٌ للسماء، ورُجومٌ للشياطين، وعلاماتٌ يُهتدى بها.
(١) أخرجه الترمذي (١٥٣٥) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
(٢) متفق عليه؛ البخاري (٢٦٧٩)، ومسلم (١٦٤٦)، من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
Photo
( الدرس ٦٥ )
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_الطارق ❤️✨
◀️ ﷽
﴿إِن كُلُّ نَفسٍ لَمّا عَلَيها حافِظٌفَليَنظُرِ الإِنسانُ مِمَّ خُلِقَخُلِقَ مِن ماءٍ دافِقٍيَخرُجُ مِن بَينِ الصُّلبِ وَالتَّرائِبِ﴾ [الطارق: ٤-٧]
🔲 نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير من سورة (الانشقاق) عند قوله تعالي: ﴿إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ﴾ [الطارق ٤]، ﴿إِنْ﴾ هنا نافية؛ يعني: ما كلُّ نفسٍ.
▫️ و﴿لَمَّا﴾ بمعنى (إلَّا)؛ يعني: ما كلُّ نفسٍ إلا عليها حافظٌ من الله.
✴️ وبيَّن الله سبحانه وتعالى مُهِمَّة هذا الحافظ بقوله: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (١٠) كِرَامًا كَاتِبِينَ (١١) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [الانفطار ١٠ - ١٢]، هؤلاء الحَفَظة يحفظون على الإنسان عمله؛ ما له وما عليه، ويجده يوم القيامة كتابًا منشورًا، يُقال له: ﴿اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾ [الإسراء ١٤]، هؤلاء الحَفَظة يكتبون ما يقوم به الإنسان من قولٍ وما يقوم به من فعلٍ، سواءٌ كان ظاهرًا كأقوال اللسان وأعمال الجوارح أو باطنًا، حتى ما في القلب مما يعتقده الإنسان فإنَّه يُكتب عليه؛ لقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (١٦) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (١٧) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ [ق ١٦ - ١٨]، هذا الحافظ يحفظ عمل بني آدم، وهناك حَفَظةٌ آخرون ذكرهم الله في قوله: ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾ [الرعد ١١].
◾ وقوله: ﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ﴾ [الطارق: ٥] اللام هنا للأمر، والمراد بالنظر هنا نظر الاعتبار، وهو النظر بالبصيرة؛ يعني: ليفكِّر الإنسانُ: ممَّ خُلِق؟ هل خُلِق من حديد؟ هل خُلِق من فولاذ؟ هل خُلِق من شيءٍ قاسٍ قويٍّ؟ والجواب على هذه التساؤلات أنَّه ﴿خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ﴾ [الطارق ٦] وهو ماء الرجُل، ووَصَفه الله تعالى في آيات أخرى بأنه ماءٌ مَهينٌ ضعيفُ السيلان ليس كالماء العادي المنطلق، ووَصَفه الله تعالى في آيةٍ أخرى أنه نُطْفة؛ أي: قليلٌ من الماء، هذا الذي خُلِق منه الإنسان، والعجب أن يُخلَق الإنسان من هذا الماء المهين ثم يكون قلبُه أقسى من الحجارة -والعياذ بالله- إلا مَن ألانَ الله قلبَه لدين الله.
🔹 ثم بيَّن أنَّ هذا الماء الدافق ﴿يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ﴾ [الطارق ٧]؛ من بين صُلب الرجل وترائبه؛ أعلى صدره، وهذا يدلُّ على عُمق مخرج هذا الماء وأنَّه يخرج من مكانٍ مكينٍ في الجسد، والصواب أنَّ هذا الوصف لماء الرجل، وقال بعض العلماء: ﴿يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ﴾ أي: صُلب الرجل وترائب المرأة. ولكنَّ هذا خلافُ ظاهر اللفظ، والصواب أنَّ الذي يخرج من بين الصلب والترائب هو ماء الرجل؛ لأنَّ الله تعالى وصَفه بذلك.
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_الطارق ❤️✨
◀️ ﷽
﴿إِن كُلُّ نَفسٍ لَمّا عَلَيها حافِظٌفَليَنظُرِ الإِنسانُ مِمَّ خُلِقَخُلِقَ مِن ماءٍ دافِقٍيَخرُجُ مِن بَينِ الصُّلبِ وَالتَّرائِبِ﴾ [الطارق: ٤-٧]
🔲 نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير من سورة (الانشقاق) عند قوله تعالي: ﴿إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ﴾ [الطارق ٤]، ﴿إِنْ﴾ هنا نافية؛ يعني: ما كلُّ نفسٍ.
▫️ و﴿لَمَّا﴾ بمعنى (إلَّا)؛ يعني: ما كلُّ نفسٍ إلا عليها حافظٌ من الله.
✴️ وبيَّن الله سبحانه وتعالى مُهِمَّة هذا الحافظ بقوله: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (١٠) كِرَامًا كَاتِبِينَ (١١) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [الانفطار ١٠ - ١٢]، هؤلاء الحَفَظة يحفظون على الإنسان عمله؛ ما له وما عليه، ويجده يوم القيامة كتابًا منشورًا، يُقال له: ﴿اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾ [الإسراء ١٤]، هؤلاء الحَفَظة يكتبون ما يقوم به الإنسان من قولٍ وما يقوم به من فعلٍ، سواءٌ كان ظاهرًا كأقوال اللسان وأعمال الجوارح أو باطنًا، حتى ما في القلب مما يعتقده الإنسان فإنَّه يُكتب عليه؛ لقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (١٦) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (١٧) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ [ق ١٦ - ١٨]، هذا الحافظ يحفظ عمل بني آدم، وهناك حَفَظةٌ آخرون ذكرهم الله في قوله: ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾ [الرعد ١١].
◾ وقوله: ﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ﴾ [الطارق: ٥] اللام هنا للأمر، والمراد بالنظر هنا نظر الاعتبار، وهو النظر بالبصيرة؛ يعني: ليفكِّر الإنسانُ: ممَّ خُلِق؟ هل خُلِق من حديد؟ هل خُلِق من فولاذ؟ هل خُلِق من شيءٍ قاسٍ قويٍّ؟ والجواب على هذه التساؤلات أنَّه ﴿خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ﴾ [الطارق ٦] وهو ماء الرجُل، ووَصَفه الله تعالى في آيات أخرى بأنه ماءٌ مَهينٌ ضعيفُ السيلان ليس كالماء العادي المنطلق، ووَصَفه الله تعالى في آيةٍ أخرى أنه نُطْفة؛ أي: قليلٌ من الماء، هذا الذي خُلِق منه الإنسان، والعجب أن يُخلَق الإنسان من هذا الماء المهين ثم يكون قلبُه أقسى من الحجارة -والعياذ بالله- إلا مَن ألانَ الله قلبَه لدين الله.
🔹 ثم بيَّن أنَّ هذا الماء الدافق ﴿يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ﴾ [الطارق ٧]؛ من بين صُلب الرجل وترائبه؛ أعلى صدره، وهذا يدلُّ على عُمق مخرج هذا الماء وأنَّه يخرج من مكانٍ مكينٍ في الجسد، والصواب أنَّ هذا الوصف لماء الرجل، وقال بعض العلماء: ﴿يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ﴾ أي: صُلب الرجل وترائب المرأة. ولكنَّ هذا خلافُ ظاهر اللفظ، والصواب أنَّ الذي يخرج من بين الصلب والترائب هو ماء الرجل؛ لأنَّ الله تعالى وصَفه بذلك.
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
Photo
( الدرس ٦٦ )
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_الطارق ❤️✨
◀️ ﷽
﴿إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (٨) يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (٩) فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ﴾ [الطارق ٨ - ١٠].
🔲 نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير من سورة (الطارق) عند قوله تعالى: ﴿إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (٨) يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (٩) فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ﴾ [الطارق ٨ - ١٠]. ﴿إِنَّهُ﴾ أي: الله عز وجل ﴿عَلَى رَجْعِهِ﴾ أي: على رجْع الإنسانِ ﴿لَقَادِرٌ﴾ وذلك يوم القيامة.لقوله: ﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ﴾، فالذي قدر على أن يخلق الإنسانَ من هذا الماء الدافق المهين قادرٌ على أن يُعيده يوم القيامة، وهذا من باب الاستدلال بالمحسوس على المنظور المترقَّب، وهو قياسٌ عقليٌّ؛ فإنَّ الإنسان بعقله يقول: إذا كان الله قادرًا على أن يخلق الإنسانَ من هذا الماء المهين ويُحييه قادرٌ على أن يُعيده مرَّةً ثانية؛ ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ [الروم ٢٧]، ولهذا يستدلُّ الله عز وجل بالمبدأ على المعاد؛ لأنه قياسٌ جلِيٌّ واضحٌ، ينتقل العقل من هذا إلى هذا بسرعةٍ وبدون كُلفة.
◾وقوله: ﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ﴾ أي: تُختبَر السرائر، وهي القلوب؛ فإنَّ الحساب يوم القيامة على ما في القلوب، والحساب في الدنيا على ما في الجوارح، ولهذا عاملَ النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم المنافقين معاملةَ المسلمين؛ حيث كان يُستأذَن في قتلهم فيقال: «لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ»(١)، فكان لا يقتلهم وهو يعلم أنَّ فلانًا منافقٌ وفلانًا منافقٌ، لكن العمل في الدنيا على الظاهر، ويومَ القيامة على الباطن.
🔹 ﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ﴾ أي: تُختبَر، وهذا كقوله: ﴿أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ﴾ [العاديات ٩]، ولهذا يجب علينا يا إخواني، يجب علينا العناية بعمل القلب أكثر من العناية بعمل الجوارح، عملُ الجوارح علامةٌ ظاهرةٌ، لكن عمل القلب هو الذي عليه المدار، ولهذا أَخبر النبيُّ عليه الصلاة والسلام عن الخوارج يخاطب الصحابةَ يقول: «يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ» يعني أنهم يجتهدون في الأعمال الظاهرة، لكن قلوبهم خاليةٌ والعياذ بالله، لا يتجاوز الإسلامُ حناجرهم «يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ»(٢).
✴️ فعلينا أيُّها الإخوة أنْ نعتني بالقلوب وإصلاحِها وأعمالِها وعقائدِها واتجاهاتِها؛ قال الحسن البصري رحمه الله: «واللهِ ما سَبَقهم أبو بكرٍ بصلاةٍ ولا صومٍ، وإنما سَبَقهم بما وَقَرَ في قلبه من الإيمان»(٣). والإيمان إذا وقَرَ في القلب حَمَل الإنسانَ على العمل، لكن العمل الظاهر قد لا يحمل الإنسانَ على إصلاح قلبه، فعلينا أيها الإخوة أنْ نعتني بقلوبنا وإصلاحها وتخليصها من شوائب الشركِ، والبِدَعِ، والحقدِ، والبَغْضاءِ، وكراهةِ ما أنزل الله على رسوله، وكراهةِ الصحابة رضي الله عنهم، وغيرِ ذلك مما يجب تنزيه القلب عنه.
◾ثم قال تعالى: ﴿فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ﴾ [الطارق ١٠] يعني يوم القيامة ما للإنسان قوَّةٌ ذاتيَّةٌ، ﴿وَلَا نَاصِرٍ﴾ وهي القوة الخارجية، هو بنفسه لا يستطيع أن يدافع عن نفسه، ولا أحد يستطيع أن يدافع عنه؛ قال الله تعالى: ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ﴾ [المؤمنون ١٠١]، في الدنيا يتساءلون؛ يسأل بعضُهم بعضًا ويحتمي بعضُهم ببعض، لكن يوم القيامة لا أنساب؛ يعني: لا قَرابة، لا تنفع القرابة ولا يتساءلون. فنسأل الله تعالى أن يُصلح قلوبنا وقلوبكم وأعمالنا وأعمالكم، وأن يَهَب لنا منه رحمةً إنه هو الوهاب.
(١) متفق عليه؛ البخاري (٤٩٠٥)، ومسلم ( ٢٥٨٤ / ٦٣)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
(٢) متفق عليه؛ البخاري (٣٦١٠)، ومسلم (١٠٦٥ / ١٤٨) واللفظ له، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(٣) قال العجلوني في كشف الخفاء (٢ / ١٩٠): ذكره في الإحياء بلفظ: «ما فَضَلَكُم»، وقال مخرِّجه العراقي: لم أجده مرفوعًا، وهو عند الحكيم الترمذي وأبي يعلى عن عائشة، وأحمد بن منيعٍ عن أبي بكر، كلاهما مرفوع، وقال في النوادر: إنَّه من قول بكر بن عبد الله المزني.
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_الطارق ❤️✨
◀️ ﷽
﴿إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (٨) يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (٩) فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ﴾ [الطارق ٨ - ١٠].
🔲 نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير من سورة (الطارق) عند قوله تعالى: ﴿إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (٨) يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (٩) فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ﴾ [الطارق ٨ - ١٠]. ﴿إِنَّهُ﴾ أي: الله عز وجل ﴿عَلَى رَجْعِهِ﴾ أي: على رجْع الإنسانِ ﴿لَقَادِرٌ﴾ وذلك يوم القيامة.لقوله: ﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ﴾، فالذي قدر على أن يخلق الإنسانَ من هذا الماء الدافق المهين قادرٌ على أن يُعيده يوم القيامة، وهذا من باب الاستدلال بالمحسوس على المنظور المترقَّب، وهو قياسٌ عقليٌّ؛ فإنَّ الإنسان بعقله يقول: إذا كان الله قادرًا على أن يخلق الإنسانَ من هذا الماء المهين ويُحييه قادرٌ على أن يُعيده مرَّةً ثانية؛ ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ [الروم ٢٧]، ولهذا يستدلُّ الله عز وجل بالمبدأ على المعاد؛ لأنه قياسٌ جلِيٌّ واضحٌ، ينتقل العقل من هذا إلى هذا بسرعةٍ وبدون كُلفة.
◾وقوله: ﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ﴾ أي: تُختبَر السرائر، وهي القلوب؛ فإنَّ الحساب يوم القيامة على ما في القلوب، والحساب في الدنيا على ما في الجوارح، ولهذا عاملَ النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم المنافقين معاملةَ المسلمين؛ حيث كان يُستأذَن في قتلهم فيقال: «لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ»(١)، فكان لا يقتلهم وهو يعلم أنَّ فلانًا منافقٌ وفلانًا منافقٌ، لكن العمل في الدنيا على الظاهر، ويومَ القيامة على الباطن.
🔹 ﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ﴾ أي: تُختبَر، وهذا كقوله: ﴿أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ﴾ [العاديات ٩]، ولهذا يجب علينا يا إخواني، يجب علينا العناية بعمل القلب أكثر من العناية بعمل الجوارح، عملُ الجوارح علامةٌ ظاهرةٌ، لكن عمل القلب هو الذي عليه المدار، ولهذا أَخبر النبيُّ عليه الصلاة والسلام عن الخوارج يخاطب الصحابةَ يقول: «يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ» يعني أنهم يجتهدون في الأعمال الظاهرة، لكن قلوبهم خاليةٌ والعياذ بالله، لا يتجاوز الإسلامُ حناجرهم «يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ»(٢).
✴️ فعلينا أيُّها الإخوة أنْ نعتني بالقلوب وإصلاحِها وأعمالِها وعقائدِها واتجاهاتِها؛ قال الحسن البصري رحمه الله: «واللهِ ما سَبَقهم أبو بكرٍ بصلاةٍ ولا صومٍ، وإنما سَبَقهم بما وَقَرَ في قلبه من الإيمان»(٣). والإيمان إذا وقَرَ في القلب حَمَل الإنسانَ على العمل، لكن العمل الظاهر قد لا يحمل الإنسانَ على إصلاح قلبه، فعلينا أيها الإخوة أنْ نعتني بقلوبنا وإصلاحها وتخليصها من شوائب الشركِ، والبِدَعِ، والحقدِ، والبَغْضاءِ، وكراهةِ ما أنزل الله على رسوله، وكراهةِ الصحابة رضي الله عنهم، وغيرِ ذلك مما يجب تنزيه القلب عنه.
◾ثم قال تعالى: ﴿فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ﴾ [الطارق ١٠] يعني يوم القيامة ما للإنسان قوَّةٌ ذاتيَّةٌ، ﴿وَلَا نَاصِرٍ﴾ وهي القوة الخارجية، هو بنفسه لا يستطيع أن يدافع عن نفسه، ولا أحد يستطيع أن يدافع عنه؛ قال الله تعالى: ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ﴾ [المؤمنون ١٠١]، في الدنيا يتساءلون؛ يسأل بعضُهم بعضًا ويحتمي بعضُهم ببعض، لكن يوم القيامة لا أنساب؛ يعني: لا قَرابة، لا تنفع القرابة ولا يتساءلون. فنسأل الله تعالى أن يُصلح قلوبنا وقلوبكم وأعمالنا وأعمالكم، وأن يَهَب لنا منه رحمةً إنه هو الوهاب.
(١) متفق عليه؛ البخاري (٤٩٠٥)، ومسلم ( ٢٥٨٤ / ٦٣)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
(٢) متفق عليه؛ البخاري (٣٦١٠)، ومسلم (١٠٦٥ / ١٤٨) واللفظ له، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(٣) قال العجلوني في كشف الخفاء (٢ / ١٩٠): ذكره في الإحياء بلفظ: «ما فَضَلَكُم»، وقال مخرِّجه العراقي: لم أجده مرفوعًا، وهو عند الحكيم الترمذي وأبي يعلى عن عائشة، وأحمد بن منيعٍ عن أبي بكر، كلاهما مرفوع، وقال في النوادر: إنَّه من قول بكر بن عبد الله المزني.
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
Photo
( الدرس ٦٧ )
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_الطارق ❤️✨
◀️ ﷽
﴿وَٱلسَّمَاۤءِ ذَاتِ ٱلرَّجۡعِ (١١) وَٱلۡأَرۡضِ ذَاتِ ٱلصَّدۡعِ (١٢)﴾ [الطارق ١١-١٢]
🔲 الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمد وعلى آله وأصحابه ومَن تَبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.أما بعد، نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا جميعًا بما علَّمنا، وأن يجعلنا هداةً مهتدين وصالحين مصلحين.
◾عادتُنا أن نبدأ هذا اللقاء بتفسير آياتٍ من كتاب الله، وقد ابتدأنا من سورة النبأ، وها نحن الآن في آواخر سورة الطارق.قال الله تبارك وتعالى بعد أن ذكر الإقسامَ بالسماء والطارق إلى آخره، إلى قوله: ﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (٩) فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ﴾ [الطارق ٩ - ١٠]، قال تعالى: ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (١١) وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ﴾ [الطارق ١١ - ١٢]، هذا هو القَسَم الثاني بالسماء، والقَسَم الأول ما كان في أول السورة، فهناك قال: ﴿وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (١) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (٢) النَّجْمُ الثَّاقِبُ﴾ [الطارق ١ - ٣]، وهنا قال: ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (١١) وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ (١٢) إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ﴾ [الطارق ١١ - ١٣]،
▫️ والمناسبة بين القَسَمين -والله أعلم- أنَّ الأول فيه إشارةٌ إلى الطارق الذي هو النجم، والنجم كما نعلم تُرمَى به الشياطين الذين يسترِقون السمعَ، وفي رمْي الشياطين بذلك حفظٌ لكتاب الله عز وجل، أمَّا هنا فأقسمَ بالسماء ذات الرجْع أنَّ هذا القرآن قولٌ فصلٌ، فأقسمَ على أنَّ القرآن قولٌ فصلٌ، فصار القَسَم الأول مناسبتُه أنَّ فيه الإشارة إلى ما يُحفظ به هذا القرآن حال إنزاله، وفي القَسَم الثاني الإشارةُ إلى أنَّ القرآن حياةٌ؛ لأنه قال: ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ﴾ الرجْع هو المطر، يُسمَّى رجْعًا لأنه يرجع ويتكرَّر، ومعلومٌ أنَّ المطر به حياة الأرض.
🔹﴿وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ﴾ الصَّدع هو الانشقاق؛ يعني التشقُّق لخروج النبات منها، فأقسمَ بالمطر الذي هو سببُ خروج النبات، وبالتشقُّق الذي يخرج منه النبات، وكلُّه إشارةٌ إلى حياة الأرض بعد موتها، والقرآن به حياة القلوب بعد موتها كما قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا﴾ [الشورى ٥٢]، فسَمَّى الله القرآنَ روحًا لأنَّه تحيا به القلوب.يقول عز وجل: ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ﴾ أي: ذات المطر. ﴿وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ﴾ أي: ذات الانشقاق لخروج النبات منها.
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_الطارق ❤️✨
◀️ ﷽
﴿وَٱلسَّمَاۤءِ ذَاتِ ٱلرَّجۡعِ (١١) وَٱلۡأَرۡضِ ذَاتِ ٱلصَّدۡعِ (١٢)﴾ [الطارق ١١-١٢]
🔲 الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمد وعلى آله وأصحابه ومَن تَبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.أما بعد، نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا جميعًا بما علَّمنا، وأن يجعلنا هداةً مهتدين وصالحين مصلحين.
◾عادتُنا أن نبدأ هذا اللقاء بتفسير آياتٍ من كتاب الله، وقد ابتدأنا من سورة النبأ، وها نحن الآن في آواخر سورة الطارق.قال الله تبارك وتعالى بعد أن ذكر الإقسامَ بالسماء والطارق إلى آخره، إلى قوله: ﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (٩) فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ﴾ [الطارق ٩ - ١٠]، قال تعالى: ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (١١) وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ﴾ [الطارق ١١ - ١٢]، هذا هو القَسَم الثاني بالسماء، والقَسَم الأول ما كان في أول السورة، فهناك قال: ﴿وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (١) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (٢) النَّجْمُ الثَّاقِبُ﴾ [الطارق ١ - ٣]، وهنا قال: ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (١١) وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ (١٢) إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ﴾ [الطارق ١١ - ١٣]،
▫️ والمناسبة بين القَسَمين -والله أعلم- أنَّ الأول فيه إشارةٌ إلى الطارق الذي هو النجم، والنجم كما نعلم تُرمَى به الشياطين الذين يسترِقون السمعَ، وفي رمْي الشياطين بذلك حفظٌ لكتاب الله عز وجل، أمَّا هنا فأقسمَ بالسماء ذات الرجْع أنَّ هذا القرآن قولٌ فصلٌ، فأقسمَ على أنَّ القرآن قولٌ فصلٌ، فصار القَسَم الأول مناسبتُه أنَّ فيه الإشارة إلى ما يُحفظ به هذا القرآن حال إنزاله، وفي القَسَم الثاني الإشارةُ إلى أنَّ القرآن حياةٌ؛ لأنه قال: ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ﴾ الرجْع هو المطر، يُسمَّى رجْعًا لأنه يرجع ويتكرَّر، ومعلومٌ أنَّ المطر به حياة الأرض.
🔹﴿وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ﴾ الصَّدع هو الانشقاق؛ يعني التشقُّق لخروج النبات منها، فأقسمَ بالمطر الذي هو سببُ خروج النبات، وبالتشقُّق الذي يخرج منه النبات، وكلُّه إشارةٌ إلى حياة الأرض بعد موتها، والقرآن به حياة القلوب بعد موتها كما قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا﴾ [الشورى ٥٢]، فسَمَّى الله القرآنَ روحًا لأنَّه تحيا به القلوب.يقول عز وجل: ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ﴾ أي: ذات المطر. ﴿وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ﴾ أي: ذات الانشقاق لخروج النبات منها.
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
Photo
( الدرس ٦٨ )
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_الطارق ❤️✨
◀️ ﷽
﴿إِنَّهُ لَقَولٌ فَصلٌوَما هُوَ بِالهَزلِ﴾ [الطارق: ١٣-١٤]
🔲 نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير من سورة (الطارق) عند قوله﴿إِنَّهُۥ لَقَوۡلࣱ فَصۡلࣱ﴾ [الطارق ١٣]
﴿إِنَّهُ﴾ أي: القرآن ﴿لَقَوْلٌ فَصْلٌ﴾ [الطارق ١٣] فوصَفه الله بأنَّه قولٌ من قول الله عز وجل، فهو الذي تكلَّم به وألقاه إلى جبريل، ثم نزل به جبريل على قلب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقد أضاف الله القرآنَ قولًا إلى جبريل وإلى محمد عليهما الصلاة والسلام؛
◾ فقال تعالى في الأول: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (١٩) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (٢٠) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ﴾ [التكوير ١٩ - ٢١]،
▫️وقال في الثاني -إضافته إلى الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (٤٠) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ﴾ [الحاقة ٤٠، ٤١]،
✴️ ففي الأول أضاف القولَ إلى جبريل لأنه بلَّغه عن الله إلى محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وفي الثاني أضافه إلى محمد لأنه بلَّغه إلى الناس، وإلَّا فإنَّ الذي قاله ابتداءً هو الله سبحانه وتعالى.
◾﴿إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ﴾، ﴿فَصْلٌ﴾ يفصل بين الحق والباطل، وبين المتقين والظالمين، بل إنَّه ﴿فَصْلٌ﴾ أي: قاطعٌ لكلِّ مَن ناوأه وعاداه، ولهذا نجد المسلمين لَمَّا كانوا يجاهدون الكفار بالقرآن نجدهم غلبوا الكفار وقطعوا دابرهم وقُضِي بينهم وبينهم، فلمَّا أعرضوا عن القرآن هُزِموا وأُذِلُّوا بقدر بُعدهم عن القرآن، وكلَّما أبعد الإنسان عن كتاب الله ابتعدتْ عنه العزَّة وابتعد عنه النصر حتى يرجع إلى كتاب الله عز وجل.
🔹ثم قال: ﴿وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ﴾ [الطارق ١٤] أي: ما هو باللعب والعَبَث واللَّغو، بل هو حقٌّ، كلماته كلُّها حقٌّ، أخباره صدقٌ، وأحكامه عدلٌ، وتلاوته أجرٌ، لو تلاه الإنسانُ كلَّ أوانه لم يملَّ منه، وإذا تلاه بتدبُّرٍ وتفكُّرٍ فتح الله عليه من المعاني ما لم يكن عنده من قبل، وهذا شيءٌ مشاهَد، اقرأ القرآنَ وتدبَّره، كلَّما قرأتَه وتدبَّرتَه حصل لك من معانيه ما لم يكن يحصل لك من قبل، كلُّ هذا لأنه فصلٌ وليس بالهزل، لكن الكلام اللغو من كلام الناس كلَّما كرَّرتَه مججتَه وكَرِهتَه ومللتَه، أمَّا كتاب الله فلا.
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_الطارق ❤️✨
◀️ ﷽
﴿إِنَّهُ لَقَولٌ فَصلٌوَما هُوَ بِالهَزلِ﴾ [الطارق: ١٣-١٤]
🔲 نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير من سورة (الطارق) عند قوله﴿إِنَّهُۥ لَقَوۡلࣱ فَصۡلࣱ﴾ [الطارق ١٣]
﴿إِنَّهُ﴾ أي: القرآن ﴿لَقَوْلٌ فَصْلٌ﴾ [الطارق ١٣] فوصَفه الله بأنَّه قولٌ من قول الله عز وجل، فهو الذي تكلَّم به وألقاه إلى جبريل، ثم نزل به جبريل على قلب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقد أضاف الله القرآنَ قولًا إلى جبريل وإلى محمد عليهما الصلاة والسلام؛
◾ فقال تعالى في الأول: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (١٩) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (٢٠) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ﴾ [التكوير ١٩ - ٢١]،
▫️وقال في الثاني -إضافته إلى الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (٤٠) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ﴾ [الحاقة ٤٠، ٤١]،
✴️ ففي الأول أضاف القولَ إلى جبريل لأنه بلَّغه عن الله إلى محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وفي الثاني أضافه إلى محمد لأنه بلَّغه إلى الناس، وإلَّا فإنَّ الذي قاله ابتداءً هو الله سبحانه وتعالى.
◾﴿إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ﴾، ﴿فَصْلٌ﴾ يفصل بين الحق والباطل، وبين المتقين والظالمين، بل إنَّه ﴿فَصْلٌ﴾ أي: قاطعٌ لكلِّ مَن ناوأه وعاداه، ولهذا نجد المسلمين لَمَّا كانوا يجاهدون الكفار بالقرآن نجدهم غلبوا الكفار وقطعوا دابرهم وقُضِي بينهم وبينهم، فلمَّا أعرضوا عن القرآن هُزِموا وأُذِلُّوا بقدر بُعدهم عن القرآن، وكلَّما أبعد الإنسان عن كتاب الله ابتعدتْ عنه العزَّة وابتعد عنه النصر حتى يرجع إلى كتاب الله عز وجل.
🔹ثم قال: ﴿وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ﴾ [الطارق ١٤] أي: ما هو باللعب والعَبَث واللَّغو، بل هو حقٌّ، كلماته كلُّها حقٌّ، أخباره صدقٌ، وأحكامه عدلٌ، وتلاوته أجرٌ، لو تلاه الإنسانُ كلَّ أوانه لم يملَّ منه، وإذا تلاه بتدبُّرٍ وتفكُّرٍ فتح الله عليه من المعاني ما لم يكن عنده من قبل، وهذا شيءٌ مشاهَد، اقرأ القرآنَ وتدبَّره، كلَّما قرأتَه وتدبَّرتَه حصل لك من معانيه ما لم يكن يحصل لك من قبل، كلُّ هذا لأنه فصلٌ وليس بالهزل، لكن الكلام اللغو من كلام الناس كلَّما كرَّرتَه مججتَه وكَرِهتَه ومللتَه، أمَّا كتاب الله فلا.
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
Photo
( الدرس ٦٩ )
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_الطارق ❤️✨
◀️ ﷽
﴿إِنَّهُمۡ یَكِیدُونَ كَیۡدࣰا (١٥) وَأَكِیدُ كَیۡدࣰا (١٦)﴾ [الطارق ١٥-١٦]
🔲 نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير من سورة (الطارق) عند قوله تعالى: ﴿إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا﴾ [الطارق ١٥] ﴿إِنَّهُمْ﴾ يعني الكفار المكذِّبين للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ﴿يَكِيدُونَ كَيْدًا﴾ أي: كيدًا عظيمًا، يكيدون للرسول عليه الصلاة والسلام ويكيدون لمن اتَّبعه، وانظر ماذا كانوا يفعلون في المؤمنين أيام كانوا في مكة من التعذيب والتوبيخ والتشريد، هاجر المسلمون مرَّتين إلى الحبشة، ثم هاجروا إلى المدينة، كلُّ ذلك فرارًا بدينهم من هؤلاء المجرمين الذين آذَوهم بكل كيد، وأعظم ما فعلوا بالنبي عليه الصلاة والسلام حين الهجرة؛
🔁 حيث اجتمع رؤساؤهم وأشرافهم يتشاورون ماذا يفعلون بمحمد، فكلَّما ذكروا رأيًا نقضوه؛ قالوا: هذا لا يصلح، حتى أشار إليهم -فيما ذكره التاريخ- الشيطانُ الذي جاء بصورة رجُلٍ وقال لهم: إنِّي أرى أن تختاروا عشرة شُبَّان من قبائل متفرِّقة وتعطوا كلَّ واحدٍ منهم سيفًا حتى يقتلوا محمدًا قتْلةَ رجُلٍ واحدٍ، فإذا فعلوا ذلك تفرَّق دمُه في القبائل، فلم تستطع بنو هاشم أن تقتصَّ من القبائل كلِّها فيرضخون إلى أخْذ الدِّية. وهذا هو الذي يريدون، فأجمعوا على هذا الرأي واستحسنوا هذا الرأي، وفِعْلًا جلس الشُّبَّان العشرة ينتظرون خروجَ النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليقتلوه، ولكنَّ النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم خرج من الباب وهُم جلوسٌ ولم يشاهدوه، وذكر التاريخ أنه جعل يذرُّ الترابَ على رؤوسهم إذلالًا لهم ويقرأ قول الله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ﴾ [يس ٩].
✴️ ولا تتعجَّبوا كيف خرج النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم من بينهم ولم يشاهدوه، لا تعجُّب من هذا؛ فها هم قريشٌ حين اختبأ النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الغار لَمَّا خرج من مكة يريد المدينة، اختبأ في الغار ثلاثة أيامٍ ليخِفَّ عنه الطلب؛ لأنَّ قريشًا صارت تطلبه، وجعلتْ لمن جاء به مئة بعير، ولمن جاء به مع أبي بكر مئتَيْ بعير، وهذه جائزة كبيرة، فوقفوا على الغار الذي فيه النبي ﷺ وأبو بكر، وكلُّنا يعلم أنَّ الغار المفتوح إذا كان فيه أحدٌ فسوف يُرى، ولكنَّهم لم يَرَوا النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا أبا بكر رضي الله عنه، فقال: يا رسول الله، لو نظر أحدهم إلى قدمه لأبصرنا. فقال: «لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا، فَمَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا؟!»(١)، فاطمأنَّ أبو بكر.
🔘 هؤلاء القوم الذين وقفوا على الغار ليس عندهم قصورٌ في السمع، ولا قصورٌ في البصر، ولا قصورٌ في الذكاء، ولكن أعمى الله أبصارهم عنه، عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وصاحبه، فلا تعجبوا أنْ خرج من بين هؤلاء الشُّبَّان العشرة كما قال أهل التاريخ وجعل يذرُّ الترابَ على رؤوسهم ويقول: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ﴾ [يس ٩]. هنا يقول عز وجل في سورة الطارق: ﴿إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا﴾، واتلُ قولَ الله تعالى في سورة الأنفال: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ﴾ يعني: يحبسوك ﴿أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ [الأنفال ٣٠].
(١) هذان حديثان في حديث: الأول أخرجه البخاري (٣٦١٥)، ومسلم (٢٠٠٩ / ٧٥)، من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه؛ قول أبي بكر رضي الله عنه: فارتحلنا بعدما مالت الشمس، واتَّبعنا سراقة بن مالك، فقلت: أُتينا يا رسول الله. فقال: «لا تحزن إنَّ الله معنا». والثاني أخرجه البخاري (٤٦٦٣) ومسلم (٢٣٨١ / ١) عن أنسٍ قال: حدثني أبو بكر رضي الله عنه قال: كنتُ مع النبي ﷺ في الغار فرأيتُ آثار المشركين، قلتُ: يا رسول الله، لو أنَّ أحدهم رفع قدمه رآنا. قال: «ما ظنُّك باثنين الله ثالثهما؟!».
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃
#سورة_الطارق ❤️✨
◀️ ﷽
﴿إِنَّهُمۡ یَكِیدُونَ كَیۡدࣰا (١٥) وَأَكِیدُ كَیۡدࣰا (١٦)﴾ [الطارق ١٥-١٦]
🔲 نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير من سورة (الطارق) عند قوله تعالى: ﴿إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا﴾ [الطارق ١٥] ﴿إِنَّهُمْ﴾ يعني الكفار المكذِّبين للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ﴿يَكِيدُونَ كَيْدًا﴾ أي: كيدًا عظيمًا، يكيدون للرسول عليه الصلاة والسلام ويكيدون لمن اتَّبعه، وانظر ماذا كانوا يفعلون في المؤمنين أيام كانوا في مكة من التعذيب والتوبيخ والتشريد، هاجر المسلمون مرَّتين إلى الحبشة، ثم هاجروا إلى المدينة، كلُّ ذلك فرارًا بدينهم من هؤلاء المجرمين الذين آذَوهم بكل كيد، وأعظم ما فعلوا بالنبي عليه الصلاة والسلام حين الهجرة؛
🔁 حيث اجتمع رؤساؤهم وأشرافهم يتشاورون ماذا يفعلون بمحمد، فكلَّما ذكروا رأيًا نقضوه؛ قالوا: هذا لا يصلح، حتى أشار إليهم -فيما ذكره التاريخ- الشيطانُ الذي جاء بصورة رجُلٍ وقال لهم: إنِّي أرى أن تختاروا عشرة شُبَّان من قبائل متفرِّقة وتعطوا كلَّ واحدٍ منهم سيفًا حتى يقتلوا محمدًا قتْلةَ رجُلٍ واحدٍ، فإذا فعلوا ذلك تفرَّق دمُه في القبائل، فلم تستطع بنو هاشم أن تقتصَّ من القبائل كلِّها فيرضخون إلى أخْذ الدِّية. وهذا هو الذي يريدون، فأجمعوا على هذا الرأي واستحسنوا هذا الرأي، وفِعْلًا جلس الشُّبَّان العشرة ينتظرون خروجَ النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليقتلوه، ولكنَّ النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم خرج من الباب وهُم جلوسٌ ولم يشاهدوه، وذكر التاريخ أنه جعل يذرُّ الترابَ على رؤوسهم إذلالًا لهم ويقرأ قول الله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ﴾ [يس ٩].
✴️ ولا تتعجَّبوا كيف خرج النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم من بينهم ولم يشاهدوه، لا تعجُّب من هذا؛ فها هم قريشٌ حين اختبأ النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الغار لَمَّا خرج من مكة يريد المدينة، اختبأ في الغار ثلاثة أيامٍ ليخِفَّ عنه الطلب؛ لأنَّ قريشًا صارت تطلبه، وجعلتْ لمن جاء به مئة بعير، ولمن جاء به مع أبي بكر مئتَيْ بعير، وهذه جائزة كبيرة، فوقفوا على الغار الذي فيه النبي ﷺ وأبو بكر، وكلُّنا يعلم أنَّ الغار المفتوح إذا كان فيه أحدٌ فسوف يُرى، ولكنَّهم لم يَرَوا النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا أبا بكر رضي الله عنه، فقال: يا رسول الله، لو نظر أحدهم إلى قدمه لأبصرنا. فقال: «لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا، فَمَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا؟!»(١)، فاطمأنَّ أبو بكر.
🔘 هؤلاء القوم الذين وقفوا على الغار ليس عندهم قصورٌ في السمع، ولا قصورٌ في البصر، ولا قصورٌ في الذكاء، ولكن أعمى الله أبصارهم عنه، عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وصاحبه، فلا تعجبوا أنْ خرج من بين هؤلاء الشُّبَّان العشرة كما قال أهل التاريخ وجعل يذرُّ الترابَ على رؤوسهم ويقول: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ﴾ [يس ٩]. هنا يقول عز وجل في سورة الطارق: ﴿إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا﴾، واتلُ قولَ الله تعالى في سورة الأنفال: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ﴾ يعني: يحبسوك ﴿أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ [الأنفال ٣٠].
(١) هذان حديثان في حديث: الأول أخرجه البخاري (٣٦١٥)، ومسلم (٢٠٠٩ / ٧٥)، من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه؛ قول أبي بكر رضي الله عنه: فارتحلنا بعدما مالت الشمس، واتَّبعنا سراقة بن مالك، فقلت: أُتينا يا رسول الله. فقال: «لا تحزن إنَّ الله معنا». والثاني أخرجه البخاري (٤٦٦٣) ومسلم (٢٣٨١ / ١) عن أنسٍ قال: حدثني أبو بكر رضي الله عنه قال: كنتُ مع النبي ﷺ في الغار فرأيتُ آثار المشركين، قلتُ: يا رسول الله، لو أنَّ أحدهم رفع قدمه رآنا. قال: «ما ظنُّك باثنين الله ثالثهما؟!».
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️