( الدرس السادس )
#سلسله_تدبير_وتفسير_سورة_الحجرات 💛🍃
◀️ ﷽
﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِن جَاۤءَكُمۡ فَاسِقُۢ بِنَبَإࣲ فَتَبَیَّنُوۤا۟ أَن تُصِیبُوا۟ قَوۡمَۢا بِجَهَـٰلَةࣲ فَتُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَا فَعَلۡتُمۡ نَـٰدِمِینَ (٦)﴾ [الحجرات ٦]
🔲 ثم قال الله تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ [الحجرات ٦].قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ قال ابن مسعود رضي الله عنه: «إذا سمعت الله يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ فأرْعِها سمعَك -يعني: استمع لها- فإما خير تُؤمَر به، وإما شَرٌّ تُنْهى عنه»(١)؛ لأن هذه نداء بأشرف الأوصاف وهو الإيمان ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ فمن هو الفاسق؟ الفاسق هو مَن انحرف في دينه ومروءته، وضده العدل: وهو من استقام في دينه ومروءته، وهو ضد الفاسق، فإذا جاءنا فاسق منحرف في دينه ومروءته، بمعنى أنه مُصِرٌّ على المعاصي تارك للواجبات، لكنه لم يصل إلى حد الكفر، أو منحرف في مروءته، لا يبالي بنفسه يمشي بين الناس مشية الهوجاء، ويتحدث برفع صوت، ويأتي معه بأغراض بيته يطوف بها في الأسواق وما أشبه ذلك مما يخالف المروءة، فهذا عند العلماء ليس بعدل.
◾في هذه الآية يقول الله عز وجل: ﴿إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ﴾ خبر، أي: خبر من الأخبار وهو فاسق، ولنطبق هذه المسألة على الواقع: جاءنا رجل حالق اللحية، حالق اللحية فاسق؛ لماذا؟ لأنَّه مُصِرٌّ على معصية الله ورسوله، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: «أَعْفُوا اللِّحَى»(٢) وهذا لم يعفُ لحيَتَه، بل حلقها، فهذا الرجل من الفاسقين؛ لأنه مُصِرٌّ على معصية، جاءنا بخبرٍ، هل نقبله؟ لا، هل نرده؟ لا، لا نقبله؛ لما عنده من الفسق، ولا نرده؛ لاحتمال أن يكون صادقًا؛ ولهذا قال الله عز وجل: ﴿فَتَبَيَّنُوا﴾ ولم يقل: فردُّوه، ولم يقل: فاقبَلوه، بل يجب علينا أن نتبين، وفي قراءة: ﴿فَتَثَبَّتُوا﴾ وهما بمعنى متقارب، المعنى: أن نتثبت.فإذا قال قائل: إذن لا فائدة مِن خبرِه، قلنا: لا، بل في خبره فائدة؛ وهو أنه يحرِّك النفس، حتى نسأل ونبحث؛ لأنه لولا خبرُه ما حرَّكنا ساكنًا، لكن لما جاء بالخبرِ نقول: لعلَّه كان صادقًا فنتحرك، ونسأل ونبحث، فإنْ شَهِدَ له الواقعُ بالحقِّ قبلْناه؛ لوجودِ القرينة الدالة على صدقه وإلا رددناه.
🔹وقوله سبحانه وتعالى: ﴿إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ يفيد أنه إذا جاءنا عدل فإننا نقبل الخبر، لكن هذا فيه تفصيل عند العلماء دلَّ عليه القرآن والسنة، فمثلًا: الشهادة بالزنا؛ لو جاءنا رجل عدل في دينه مستقيم في مروءته وشهد أن فلانًا زنى، هل نقبل شهادته؟ لا، وإن كان عدلًا، بل نجلِدُه ثمانين جلدةً؛ لأنه قذف هذا الرجل البريء بالزنا، وقد قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَة﴾ [النور ٤]، فنجلده ثمانين جلدة ولا نقبل له شهادة أبدًا، ونحكم بأنه فاسق، وإن كان عدلًا حتى يتوب.
▫️شهد رجلان عدلان على زيدٍ أنه زنى، نقبل شهادتَهما؟ لا، ثلاثة؟ لا، أربعة؟ نعم؛ لأن الله تعالى قال: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾، وقال تعالى: ﴿لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾ [النور ١٣] حتى وإن كانوا صادقين، لو جاءنا ثلاثة نعرف أنهم ثقات عدول وشهدوا بالزنا على شخص، فهم عند الله كاذبون غير مقبولين، وكما قلت لكم: نجلد كل واحد ثمانين جلدة.
🔴 جاءنا رجل شهد على شخص بأنه سرق، هل نقبل شهادته؟ لا، لا بد من رجلين.
🔹جاءنا رجل شهد بأنَّه رأى هلال رمضان، نقبل شهادته؟ نعم، نقبلها؛ لأن السنة وردت بذلك، فقد قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: «تَراءى النَّاسُ الهِلالَ» -يعني: ليلة الثلاثين من شعبان- «فأخْبَرْتُ النَّبِيَّ ﷺ أنِّي رأيتُه فصام وأمر الناس بالصيام»(٣).
رجل كان غنيًّا فأُصيبَ بجائحة، ثم جاء يسأل من الزكاة، وأتى بشاهد أنه كان غنيًّا أصابته جائحة وافتقر، فهل نقبل شهادة الواحد؟ لا، نقبل شهادة اثنين؟ لا، لا بد من ثلاثةٍ؛ لأن النبي ﷺ قال لقبيصة: «إنَّهَا لا تَحِلُّ المَسْأَلَةُ» » وذكر منها: «رَجُلٌ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ » -يعني: اجْتاحَتْ ماله- «فَشَهِدَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ: أَنَّ فُلَانًا أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ»(٤)؛ «ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا» يعني: من ذوي العقل.فالحاصل: أن الفاسقَ ما موقفنا مِن خبرِه؟ التَّوقُّف حتى يتبينَ الأمر، غير الفاسق، فيه تفصيل، قد لا نقبل
#سلسله_تدبير_وتفسير_سورة_الحجرات 💛🍃
◀️ ﷽
﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِن جَاۤءَكُمۡ فَاسِقُۢ بِنَبَإࣲ فَتَبَیَّنُوۤا۟ أَن تُصِیبُوا۟ قَوۡمَۢا بِجَهَـٰلَةࣲ فَتُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَا فَعَلۡتُمۡ نَـٰدِمِینَ (٦)﴾ [الحجرات ٦]
🔲 ثم قال الله تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ [الحجرات ٦].قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ قال ابن مسعود رضي الله عنه: «إذا سمعت الله يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ فأرْعِها سمعَك -يعني: استمع لها- فإما خير تُؤمَر به، وإما شَرٌّ تُنْهى عنه»(١)؛ لأن هذه نداء بأشرف الأوصاف وهو الإيمان ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ فمن هو الفاسق؟ الفاسق هو مَن انحرف في دينه ومروءته، وضده العدل: وهو من استقام في دينه ومروءته، وهو ضد الفاسق، فإذا جاءنا فاسق منحرف في دينه ومروءته، بمعنى أنه مُصِرٌّ على المعاصي تارك للواجبات، لكنه لم يصل إلى حد الكفر، أو منحرف في مروءته، لا يبالي بنفسه يمشي بين الناس مشية الهوجاء، ويتحدث برفع صوت، ويأتي معه بأغراض بيته يطوف بها في الأسواق وما أشبه ذلك مما يخالف المروءة، فهذا عند العلماء ليس بعدل.
◾في هذه الآية يقول الله عز وجل: ﴿إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ﴾ خبر، أي: خبر من الأخبار وهو فاسق، ولنطبق هذه المسألة على الواقع: جاءنا رجل حالق اللحية، حالق اللحية فاسق؛ لماذا؟ لأنَّه مُصِرٌّ على معصية الله ورسوله، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: «أَعْفُوا اللِّحَى»(٢) وهذا لم يعفُ لحيَتَه، بل حلقها، فهذا الرجل من الفاسقين؛ لأنه مُصِرٌّ على معصية، جاءنا بخبرٍ، هل نقبله؟ لا، هل نرده؟ لا، لا نقبله؛ لما عنده من الفسق، ولا نرده؛ لاحتمال أن يكون صادقًا؛ ولهذا قال الله عز وجل: ﴿فَتَبَيَّنُوا﴾ ولم يقل: فردُّوه، ولم يقل: فاقبَلوه، بل يجب علينا أن نتبين، وفي قراءة: ﴿فَتَثَبَّتُوا﴾ وهما بمعنى متقارب، المعنى: أن نتثبت.فإذا قال قائل: إذن لا فائدة مِن خبرِه، قلنا: لا، بل في خبره فائدة؛ وهو أنه يحرِّك النفس، حتى نسأل ونبحث؛ لأنه لولا خبرُه ما حرَّكنا ساكنًا، لكن لما جاء بالخبرِ نقول: لعلَّه كان صادقًا فنتحرك، ونسأل ونبحث، فإنْ شَهِدَ له الواقعُ بالحقِّ قبلْناه؛ لوجودِ القرينة الدالة على صدقه وإلا رددناه.
🔹وقوله سبحانه وتعالى: ﴿إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ يفيد أنه إذا جاءنا عدل فإننا نقبل الخبر، لكن هذا فيه تفصيل عند العلماء دلَّ عليه القرآن والسنة، فمثلًا: الشهادة بالزنا؛ لو جاءنا رجل عدل في دينه مستقيم في مروءته وشهد أن فلانًا زنى، هل نقبل شهادته؟ لا، وإن كان عدلًا، بل نجلِدُه ثمانين جلدةً؛ لأنه قذف هذا الرجل البريء بالزنا، وقد قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَة﴾ [النور ٤]، فنجلده ثمانين جلدة ولا نقبل له شهادة أبدًا، ونحكم بأنه فاسق، وإن كان عدلًا حتى يتوب.
▫️شهد رجلان عدلان على زيدٍ أنه زنى، نقبل شهادتَهما؟ لا، ثلاثة؟ لا، أربعة؟ نعم؛ لأن الله تعالى قال: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾، وقال تعالى: ﴿لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾ [النور ١٣] حتى وإن كانوا صادقين، لو جاءنا ثلاثة نعرف أنهم ثقات عدول وشهدوا بالزنا على شخص، فهم عند الله كاذبون غير مقبولين، وكما قلت لكم: نجلد كل واحد ثمانين جلدة.
🔴 جاءنا رجل شهد على شخص بأنه سرق، هل نقبل شهادته؟ لا، لا بد من رجلين.
🔹جاءنا رجل شهد بأنَّه رأى هلال رمضان، نقبل شهادته؟ نعم، نقبلها؛ لأن السنة وردت بذلك، فقد قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: «تَراءى النَّاسُ الهِلالَ» -يعني: ليلة الثلاثين من شعبان- «فأخْبَرْتُ النَّبِيَّ ﷺ أنِّي رأيتُه فصام وأمر الناس بالصيام»(٣).
رجل كان غنيًّا فأُصيبَ بجائحة، ثم جاء يسأل من الزكاة، وأتى بشاهد أنه كان غنيًّا أصابته جائحة وافتقر، فهل نقبل شهادة الواحد؟ لا، نقبل شهادة اثنين؟ لا، لا بد من ثلاثةٍ؛ لأن النبي ﷺ قال لقبيصة: «إنَّهَا لا تَحِلُّ المَسْأَلَةُ» » وذكر منها: «رَجُلٌ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ » -يعني: اجْتاحَتْ ماله- «فَشَهِدَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ: أَنَّ فُلَانًا أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ»(٤)؛ «ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا» يعني: من ذوي العقل.فالحاصل: أن الفاسقَ ما موقفنا مِن خبرِه؟ التَّوقُّف حتى يتبينَ الأمر، غير الفاسق، فيه تفصيل، قد لا نقبل
( الدرس السابع )
#سلسله_تدبير_وتفسير_سورة_الحجرات 💛🍃
◀️ ﷽
﴿ وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ فِیكُمۡ رَسُولَ ٱللَّهِۚ لَوۡ یُطِیعُكُمۡ فِی كَثِیرࣲ مِّنَ ٱلۡأَمۡرِ لَعَنِتُّمۡ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَیۡكُمُ ٱلۡإِیمَـٰنَ وَزَیَّنَهُۥ فِی قُلُوبِكُمۡ وَكَرَّهَ إِلَیۡكُمُ ٱلۡكُفۡرَ وَٱلۡفُسُوقَ وَٱلۡعِصۡیَانَۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلرَّ ٰشِدُونَ (٧) فَضۡلࣰا مِّنَ ٱللَّهِ وَنِعۡمَةࣰۚ وَٱللَّهُ عَلِیمٌ حَكِیمࣱ (٨)﴾ [الحجرات ٧-٨]
🔲 نبدأ فيه كما هو العادة بتفسير آيات من كتاب الله عز وجل، ونحن في سورة (الحجرات) عند قوله تبارك وتعالى﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ [الحجرات ٧]، هذه الآية كما تعلمون جاءت بعد قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (٦) وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ﴾ [الحجرات ٦، ٧].
▫️وسبب ما سبق أن النبي ﷺ بلَغَه عن قومٍ ما ليس فيهم، فأمر الله تعالى بالتأكُّد من الأخبار إذا جاء بها مَن لا تعرف عدالته، وكأن بعض الصحابة رضي الله عنهم أرادوا من النبي ﷺ أن يعاقب هؤلاء الذين بلغه عنهم ما بلغه، ولكن النبي ﷺ لم يفعل بعد أن نزلت عليه الآية: ﴿إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾.
🔹ولكن العبرة بعموم اللفظ، وهو قوله: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ﴾ أي: لشَقَّ عليكم ما تطلبونه من الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
🔵 وهذا له أمثلة كثيرة؛ منها: أن النبيَّ ﷺ قام بأصحابِه في رمضان يصلِّي بهم صلاة القيام، فانصرف وقد بقي من الليل ما بقي، فقالوا: يا رسول الله! لو نفلتنا بقية ليلتنا -يعني: طلبوا منه أن يقيم بهم كل الليل- ولكنه ﷺ قال لهم: «مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ»(١) ولم يوافقهم على طلبهم، لما في ذلك من العَنَتِ والمشقة.
🔴 ومنها: أن نفرًا من أصحابِ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بحثوا عن عمله في السِّرِّ -يعني: فيما لا يَظْهَرُ للنَّاس- وهو العمل الذي يفعله في بيتِه من العبادات فكأنَّهم تقالُّوها، فقالوا: إن رسول الله ﷺ غفر الله له ما تقدَّم من ذنبِه وما تأخَّر؛ يعني: وأمَّا هم فلم يكن لهم ذلك، فقال أحدهم: أنا أصوم ولا أفطر، وقال الثاني: أنا أقوم ولا أنام، وقال الثالث: وأنا لا أتزوَّج النساء، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: «أَمَّا أَنَا فَأَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَقُومُ وَأَنَامُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ؛ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي»(٢) فحذَّرهم أن يعملوا عملًا يشق عليهم.
▫️ومن ذلك أيضًا: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه وعن أبيه أنَّه «بلَغَ النبي ﷺ قولَه: أنه ليصومن النهار وليقومن الليل ما عاش، فدعاه النبي ﷺ وقال: «أَنْتَ قُلْتَ هَذَا؟» قال: نعم، قال: «إِنَّكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ»(٣) ثم أرشده إلى ما هو أفضل وأهون.والحاصل: أنه يوجد من الصحابة رضي الله عنهم مَنْ له هِمَّةٌ عالية، لكنَّ الرسول عليه الصلاة والسلام لا يطيعهم في كثيرٍ من الأمر؛ لأنَّ ذلك يَشُقُّ عليهم لو أنَّه أطاعَهم.
◾ثم قال: ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ﴾.قد يقولُ قائلٌ: ما هو ارتباط قوله: ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ﴾ بقوله: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ﴾؟والجواب: أنَّكم تطيعونه -أي: الرسول عليه الصلاة والسلام- فيما يخالفكم فيه؛ لأن اللهَ حبب إليكم الإيمان، فتُقَدِّمون طاعةَ النبيِّ ﷺ فيما خالفكم فيه؛ لأنَّ الله حبَّب إليكم الإيمان وزيَّنه في قلوبكم، وهذا استدراكٌ من أبلغ ما يكون من الاستدراك؛ يعني: ولكن إذا خالفكم النبي ﷺ في كثير من الأمر الذي تريدونه فإنَّكم لن تكرهوا ذلك، ولن تخالفوه ولن تحملوا على الرسول ﷺ بسببه ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ﴾ أي: جعله محبوبًا في قلوبكم ﴿وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ يعني: جعلكم تحبونه، وزيَّنه في قلوبكم بحيث لا تتركونه بعد أن تقوموا به؛ وذلك أن فعل الإنسان الشيء للمحبة قد يكون محبةً عارضة، لكن إذا زُيِّنَ له الشيء ثبتَت المحبة ودامت؛ ولهذا قال: ﴿حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ﴾ وهذا في القلب، ﴿وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ أيضًا في القلب، لكن إذا زين الشيء المحبوب إلى الإنسان فإنه يستمر عليه ويثبت عليه.
#سلسله_تدبير_وتفسير_سورة_الحجرات 💛🍃
◀️ ﷽
﴿ وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ فِیكُمۡ رَسُولَ ٱللَّهِۚ لَوۡ یُطِیعُكُمۡ فِی كَثِیرࣲ مِّنَ ٱلۡأَمۡرِ لَعَنِتُّمۡ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَیۡكُمُ ٱلۡإِیمَـٰنَ وَزَیَّنَهُۥ فِی قُلُوبِكُمۡ وَكَرَّهَ إِلَیۡكُمُ ٱلۡكُفۡرَ وَٱلۡفُسُوقَ وَٱلۡعِصۡیَانَۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلرَّ ٰشِدُونَ (٧) فَضۡلࣰا مِّنَ ٱللَّهِ وَنِعۡمَةࣰۚ وَٱللَّهُ عَلِیمٌ حَكِیمࣱ (٨)﴾ [الحجرات ٧-٨]
🔲 نبدأ فيه كما هو العادة بتفسير آيات من كتاب الله عز وجل، ونحن في سورة (الحجرات) عند قوله تبارك وتعالى﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ [الحجرات ٧]، هذه الآية كما تعلمون جاءت بعد قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (٦) وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ﴾ [الحجرات ٦، ٧].
▫️وسبب ما سبق أن النبي ﷺ بلَغَه عن قومٍ ما ليس فيهم، فأمر الله تعالى بالتأكُّد من الأخبار إذا جاء بها مَن لا تعرف عدالته، وكأن بعض الصحابة رضي الله عنهم أرادوا من النبي ﷺ أن يعاقب هؤلاء الذين بلغه عنهم ما بلغه، ولكن النبي ﷺ لم يفعل بعد أن نزلت عليه الآية: ﴿إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾.
🔹ولكن العبرة بعموم اللفظ، وهو قوله: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ﴾ أي: لشَقَّ عليكم ما تطلبونه من الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
🔵 وهذا له أمثلة كثيرة؛ منها: أن النبيَّ ﷺ قام بأصحابِه في رمضان يصلِّي بهم صلاة القيام، فانصرف وقد بقي من الليل ما بقي، فقالوا: يا رسول الله! لو نفلتنا بقية ليلتنا -يعني: طلبوا منه أن يقيم بهم كل الليل- ولكنه ﷺ قال لهم: «مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ»(١) ولم يوافقهم على طلبهم، لما في ذلك من العَنَتِ والمشقة.
🔴 ومنها: أن نفرًا من أصحابِ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بحثوا عن عمله في السِّرِّ -يعني: فيما لا يَظْهَرُ للنَّاس- وهو العمل الذي يفعله في بيتِه من العبادات فكأنَّهم تقالُّوها، فقالوا: إن رسول الله ﷺ غفر الله له ما تقدَّم من ذنبِه وما تأخَّر؛ يعني: وأمَّا هم فلم يكن لهم ذلك، فقال أحدهم: أنا أصوم ولا أفطر، وقال الثاني: أنا أقوم ولا أنام، وقال الثالث: وأنا لا أتزوَّج النساء، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: «أَمَّا أَنَا فَأَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَقُومُ وَأَنَامُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ؛ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي»(٢) فحذَّرهم أن يعملوا عملًا يشق عليهم.
▫️ومن ذلك أيضًا: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه وعن أبيه أنَّه «بلَغَ النبي ﷺ قولَه: أنه ليصومن النهار وليقومن الليل ما عاش، فدعاه النبي ﷺ وقال: «أَنْتَ قُلْتَ هَذَا؟» قال: نعم، قال: «إِنَّكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ»(٣) ثم أرشده إلى ما هو أفضل وأهون.والحاصل: أنه يوجد من الصحابة رضي الله عنهم مَنْ له هِمَّةٌ عالية، لكنَّ الرسول عليه الصلاة والسلام لا يطيعهم في كثيرٍ من الأمر؛ لأنَّ ذلك يَشُقُّ عليهم لو أنَّه أطاعَهم.
◾ثم قال: ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ﴾.قد يقولُ قائلٌ: ما هو ارتباط قوله: ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ﴾ بقوله: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ﴾؟والجواب: أنَّكم تطيعونه -أي: الرسول عليه الصلاة والسلام- فيما يخالفكم فيه؛ لأن اللهَ حبب إليكم الإيمان، فتُقَدِّمون طاعةَ النبيِّ ﷺ فيما خالفكم فيه؛ لأنَّ الله حبَّب إليكم الإيمان وزيَّنه في قلوبكم، وهذا استدراكٌ من أبلغ ما يكون من الاستدراك؛ يعني: ولكن إذا خالفكم النبي ﷺ في كثير من الأمر الذي تريدونه فإنَّكم لن تكرهوا ذلك، ولن تخالفوه ولن تحملوا على الرسول ﷺ بسببه ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ﴾ أي: جعله محبوبًا في قلوبكم ﴿وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ يعني: جعلكم تحبونه، وزيَّنه في قلوبكم بحيث لا تتركونه بعد أن تقوموا به؛ وذلك أن فعل الإنسان الشيء للمحبة قد يكون محبةً عارضة، لكن إذا زُيِّنَ له الشيء ثبتَت المحبة ودامت؛ ولهذا قال: ﴿حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ﴾ وهذا في القلب، ﴿وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ أيضًا في القلب، لكن إذا زين الشيء المحبوب إلى الإنسان فإنه يستمر عليه ويثبت عليه.
«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
Photo
( الدرس الثامن )
#سلسله_تدبير_وتفسير_سورة_الحجرات 💛🍃
◀️ ﷽
﴿وَإِن طَاۤىِٕفَتَانِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ ٱقۡتَتَلُوا۟ فَأَصۡلِحُوا۟ بَیۡنَهُمَاۖ فَإِنۢ بَغَتۡ إِحۡدَىٰهُمَا عَلَى ٱلۡأُخۡرَىٰ فَقَـٰتِلُوا۟ ٱلَّتِی تَبۡغِی حَتَّىٰ تَفِیۤءَ إِلَىٰۤ أَمۡرِ ٱللَّهِۚ فَإِن فَاۤءَتۡ فَأَصۡلِحُوا۟ بَیۡنَهُمَا بِٱلۡعَدۡلِ وَأَقۡسِطُوۤا۟ۖ إِنَّ ٱللَّهَ یُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِینَ﴾ [الحجرات ٩]
🔲 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.في هذا اللقاء نتكلَّم على قولِ الله تبارك وتعالى: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الحجرات ٩].
▫️﴿طَائِفَتَانِ﴾ مفردها طائفة: وهي الجماعة من الناس.وقوله: ﴿اقْتَتَلُوا﴾ جمع؛ وإنما جَمَع؛ لأن الطائفة تشتمل على أفرادٍ كثيرين؛ فلذلك صَحَّ أن يعود الضمير على المثنى بصيغة الجمع مراعاة للمعنى، وإلَّا لكان مقتضى التثنية أن يقول: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلا، ليطابق الضمير مرجعه، لكنه عاد إليه بالمعنى.
🔹والاقتتال بين المؤمنين له أسباب متعددة: إما دماء تقع بينهم، وإما نعرة قبليَّة ودعوة جاهلية، وإما خلاف بينهم في حدود، أو غير ذلك، المهم أن أسبابه متعددة، و«الشَّيْطَانُ قَدْ يَئِسَ أَنْ يُعْبَدَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَلَكِنَّهُ رَضِيَ بِالتَّحَرِيشِ بَيْنَكُمْ»(١) يحرِّش بينهم حتى يكون بعضهم يقتل بعضًا، فإذا حصل الاقتتالُ فالواجب على المؤمنين الآخرين الصلح بينهما؛ ولهذا قال: ﴿فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا﴾ أي: اسعوا للصلح بكل وسيلة حتى ولو كان ببذل المال، والتنازل عن الحق لأحدهما عن الآخر؛ لأن الصلح لا بُدَّ فيه من أن يتنازل أحد الطرفين عما يريد من كمال حقه، وإلا لما تم الصلح؛
🔸ولهذا لما قال الله تعالى: ﴿وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾ قال: ﴿وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ﴾ [النساء ١٢٨] كل إنسان يريد أن يتم قوله فلا بد من التنازل.فإذا أصلحنا بينهما قال: ﴿فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي﴾ يعني: لو فُرِضَ أنَّ بعد الصلح عادت إحدى الطائفتين تقاتل الأخرى، فهنا لا صُلْح، ماذا نصنع معهما؟ نقاتل التي تبغي ﴿حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ﴾ أي: ترجِعَ إليه، وأمر الله يعني: دينه وشرعه.فانظر في أول الأمر الإصلاح، فإذا تم الصلح وبغت إحداهما على الأخرى وجب أن نساعد المبغي عليها فنقاتل معها من بغت ﴿فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ﴾ فإذا فاءت فإنه يجب الكف عن قتالها، ولا يجوز أن نُجْهِزَ على جريح، ولا أن نتبع مُدْبِرًا، ولا أن نَسْبِيَ ذرية، ولا أن نغنَمَ مالًا؛ لأنَّ هؤلاء مؤمنون.
◾﴿فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ إن فاءت إلى أمر الله بعد أن قاتلناها ورجعت ووضعت الحرب وجب أن نصلح بينهما بالعدل.وهذا غير الإصلاح الأول؛ الإصلاح الأول بوقف القتال، وهذا الإصلاح بالتضمين، أي: أن ننظر ماذا تَلَف على كل طائفة ثم نسوي بينهما بالعدل، فمثلًا: إذا كانت إحدى الطائفتين أتلفت على الأخرى ما قيمته مليون ريال،
▫️والثانية أتلفت على الأخرى ما قيمته مليون ريال، فحينئذ أيش؟ تتعادل الطائفتان وتتساقطا، فإن كانت إحداهما أتلفت على الأخرى ما قيمته ثمان مئة ألف ريال، والأخرى أتلفت ما قيمته مليون، فالفرق إذن مئتا ألف ريال نحملها على الأخرى التي أتلفت ما قيمته مليون؛ ولهذا قال: ﴿فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ﴾.
🔹﴿وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ ﴿أَقْسِطُوا﴾ هذا أمر بالقسط وهو العدل، وهذا تأكيد لقوله: ﴿فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ﴾.﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ أي: يحبُّ العادلين، وقد ثبت عن النبي صلى عليه وعلى آله وسلم: «أَنَّ الْمُقْسِطِينَ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ اللَّهِ: الَّذين يَعْدِلُون فِي أَهْلِيهِمْ وَما وَلُوا مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ»(٢).
(١) أخرجه مسلم (٢٨١٢ / ٦٥) من حديث جابر بن عبد الله.
(٢) أخرجه مسلم (١٨٢٧ / ١٨) من حديث عبد الله بن عمرو.
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
#قناة_التلجرام ✨💕
https://t.me/refk65
#سلسله_تدبير_وتفسير_سورة_الحجرات 💛🍃
◀️ ﷽
﴿وَإِن طَاۤىِٕفَتَانِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ ٱقۡتَتَلُوا۟ فَأَصۡلِحُوا۟ بَیۡنَهُمَاۖ فَإِنۢ بَغَتۡ إِحۡدَىٰهُمَا عَلَى ٱلۡأُخۡرَىٰ فَقَـٰتِلُوا۟ ٱلَّتِی تَبۡغِی حَتَّىٰ تَفِیۤءَ إِلَىٰۤ أَمۡرِ ٱللَّهِۚ فَإِن فَاۤءَتۡ فَأَصۡلِحُوا۟ بَیۡنَهُمَا بِٱلۡعَدۡلِ وَأَقۡسِطُوۤا۟ۖ إِنَّ ٱللَّهَ یُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِینَ﴾ [الحجرات ٩]
🔲 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.في هذا اللقاء نتكلَّم على قولِ الله تبارك وتعالى: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الحجرات ٩].
▫️﴿طَائِفَتَانِ﴾ مفردها طائفة: وهي الجماعة من الناس.وقوله: ﴿اقْتَتَلُوا﴾ جمع؛ وإنما جَمَع؛ لأن الطائفة تشتمل على أفرادٍ كثيرين؛ فلذلك صَحَّ أن يعود الضمير على المثنى بصيغة الجمع مراعاة للمعنى، وإلَّا لكان مقتضى التثنية أن يقول: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلا، ليطابق الضمير مرجعه، لكنه عاد إليه بالمعنى.
🔹والاقتتال بين المؤمنين له أسباب متعددة: إما دماء تقع بينهم، وإما نعرة قبليَّة ودعوة جاهلية، وإما خلاف بينهم في حدود، أو غير ذلك، المهم أن أسبابه متعددة، و«الشَّيْطَانُ قَدْ يَئِسَ أَنْ يُعْبَدَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَلَكِنَّهُ رَضِيَ بِالتَّحَرِيشِ بَيْنَكُمْ»(١) يحرِّش بينهم حتى يكون بعضهم يقتل بعضًا، فإذا حصل الاقتتالُ فالواجب على المؤمنين الآخرين الصلح بينهما؛ ولهذا قال: ﴿فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا﴾ أي: اسعوا للصلح بكل وسيلة حتى ولو كان ببذل المال، والتنازل عن الحق لأحدهما عن الآخر؛ لأن الصلح لا بُدَّ فيه من أن يتنازل أحد الطرفين عما يريد من كمال حقه، وإلا لما تم الصلح؛
🔸ولهذا لما قال الله تعالى: ﴿وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾ قال: ﴿وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ﴾ [النساء ١٢٨] كل إنسان يريد أن يتم قوله فلا بد من التنازل.فإذا أصلحنا بينهما قال: ﴿فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي﴾ يعني: لو فُرِضَ أنَّ بعد الصلح عادت إحدى الطائفتين تقاتل الأخرى، فهنا لا صُلْح، ماذا نصنع معهما؟ نقاتل التي تبغي ﴿حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ﴾ أي: ترجِعَ إليه، وأمر الله يعني: دينه وشرعه.فانظر في أول الأمر الإصلاح، فإذا تم الصلح وبغت إحداهما على الأخرى وجب أن نساعد المبغي عليها فنقاتل معها من بغت ﴿فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ﴾ فإذا فاءت فإنه يجب الكف عن قتالها، ولا يجوز أن نُجْهِزَ على جريح، ولا أن نتبع مُدْبِرًا، ولا أن نَسْبِيَ ذرية، ولا أن نغنَمَ مالًا؛ لأنَّ هؤلاء مؤمنون.
◾﴿فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ إن فاءت إلى أمر الله بعد أن قاتلناها ورجعت ووضعت الحرب وجب أن نصلح بينهما بالعدل.وهذا غير الإصلاح الأول؛ الإصلاح الأول بوقف القتال، وهذا الإصلاح بالتضمين، أي: أن ننظر ماذا تَلَف على كل طائفة ثم نسوي بينهما بالعدل، فمثلًا: إذا كانت إحدى الطائفتين أتلفت على الأخرى ما قيمته مليون ريال،
▫️والثانية أتلفت على الأخرى ما قيمته مليون ريال، فحينئذ أيش؟ تتعادل الطائفتان وتتساقطا، فإن كانت إحداهما أتلفت على الأخرى ما قيمته ثمان مئة ألف ريال، والأخرى أتلفت ما قيمته مليون، فالفرق إذن مئتا ألف ريال نحملها على الأخرى التي أتلفت ما قيمته مليون؛ ولهذا قال: ﴿فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ﴾.
🔹﴿وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ ﴿أَقْسِطُوا﴾ هذا أمر بالقسط وهو العدل، وهذا تأكيد لقوله: ﴿فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ﴾.﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ أي: يحبُّ العادلين، وقد ثبت عن النبي صلى عليه وعلى آله وسلم: «أَنَّ الْمُقْسِطِينَ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ اللَّهِ: الَّذين يَعْدِلُون فِي أَهْلِيهِمْ وَما وَلُوا مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ»(٢).
(١) أخرجه مسلم (٢٨١٢ / ٦٥) من حديث جابر بن عبد الله.
(٢) أخرجه مسلم (١٨٢٧ / ١٨) من حديث عبد الله بن عمرو.
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
#قناة_التلجرام ✨💕
https://t.me/refk65
«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
Photo
( الدرس التاسع )
#سلسله_تدبير_وتفسير_سورة_الحجرات 💛🍃
◀️ ﷽
﴿إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَةࣱ فَأَصۡلِحُوا۟ بَیۡنَ أَخَوَیۡكُمۡۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ﴾ [الحجرات ١٠]
🔲 ثم قال الله عز وجل: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [الحجرات ١٠] هذا كالتعليل لقوله: ﴿فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا﴾، يعني: إنما أوجب الله علينا الإصلاح بين الطائفتين المقتتلتين؛ لأن المؤمنين إخوة، الطائفتان المقتتلتان هما أخوان، ونحن أيضًا إخوة لهم، حتى مع الاقتتال.فإذا قال قائل: أليس النبي ﷺ قد قال: «سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ»(١)، والكافر ليس أخًا للمؤمن؟فالجواب أن يقال: إن الكفر الذي ذكره النبي عليه الصلاة والسلام هو كفر دون كفر، فليس كل ما أطلَقَ الشَّرْعُ عليه أنه كفر يكون كفرًا، فهنا صرَّح الله عز وجل بأن هاتين الطائفتين المقتتلتين إخوة لنا، مع أن قتال المؤمن كفر، فيقال: هذا كفر دون كفر، وقال النبي ﷺ: «اثْنَتَانِ فِي النَّاسِ هُمَا بِهِمْ كُفْرٌ: الطَّعْنُ فِي النَّسَبِ، وَالنِّيَاحَةُ عَلَى الْمَيِّتِ»(٢) ومعلوم أن الطاعن في النسب والنائحة على الميت لا يُكَفَّر كفرًا أكبر، فدلَّ ذلك على أن الكُفْرَ في شريعة الله في الكتاب وفي السنة كفران: كفرٌ مُخْرِجٌ عن الملَّةِ، وكفر لا يخرج عن الملة.
◾﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾ [الحجرات ١٠] وفي هذا من الحمل على العطف على هاتين الطائفتين المقتتلتين ما هو ظاهر؛ لقوله: ﴿إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾ كما أنك تصلح بين أخويك الأشقاء من النسب فأصلح بين أخويك في الإيمان.
🔹﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الحجرات ١٠] يعني اتقوا الله تعالى بأن تفعلوا ما أمركم به، وتتركوا ما نهاكم عنه؛ لأنكم إذا قمتم بهذا فقد اتخذتم وقاية من عذاب الله وهذه هي التقوى، وعلى هذا فكلما سمعت كلمة تقوى في القرآن فالمعنى: أنها اتخاذ وقاية من عذاب الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه.
🔸﴿لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ أي: ليرحمكم الله عز وجل إذا اتقيتموه.هنا نسأل عما قلنا الآن: كيف يقول: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾ مع أن الرسول ﷺ قال: «سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ»(٣)
🔵 طالب: نقول: إن الكفر الذي ذكره النبي ﷺ كفرٌ دون كفر، لا يقصد النبي صلى الله عله وسلم إطلاقَ لفظِ الكُفْرِ يقصد به الكفرَ الذي يخرِجُ مِن الملَّة.
🔴 الشيخ: أحسنت -بارك الله فيك- نقول: كفر دون كفر، وليس الكفر الذي يخرج من الملة، وبهذا تجتمع الأدلة ولا تتناقض. (...)
(١) متفق عليه؛ البخاري (٤٨)، ومسلم (٦٤ / ١١٦) من حديث عبد الله بن مسعود.
(٢) أخرجه مسلم (٦٧ / ١٢١) من حديث أبي هريرة.
(٣) متفق عليه؛ البخاري (٤٨)، ومسلم (٦٤ / ١١٦) من حديث عبد الله بن مسعود.
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
#قناة_التلجرام ✨💕
https://t.me/refk65
#سلسله_تدبير_وتفسير_سورة_الحجرات 💛🍃
◀️ ﷽
﴿إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَةࣱ فَأَصۡلِحُوا۟ بَیۡنَ أَخَوَیۡكُمۡۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ﴾ [الحجرات ١٠]
🔲 ثم قال الله عز وجل: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [الحجرات ١٠] هذا كالتعليل لقوله: ﴿فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا﴾، يعني: إنما أوجب الله علينا الإصلاح بين الطائفتين المقتتلتين؛ لأن المؤمنين إخوة، الطائفتان المقتتلتان هما أخوان، ونحن أيضًا إخوة لهم، حتى مع الاقتتال.فإذا قال قائل: أليس النبي ﷺ قد قال: «سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ»(١)، والكافر ليس أخًا للمؤمن؟فالجواب أن يقال: إن الكفر الذي ذكره النبي عليه الصلاة والسلام هو كفر دون كفر، فليس كل ما أطلَقَ الشَّرْعُ عليه أنه كفر يكون كفرًا، فهنا صرَّح الله عز وجل بأن هاتين الطائفتين المقتتلتين إخوة لنا، مع أن قتال المؤمن كفر، فيقال: هذا كفر دون كفر، وقال النبي ﷺ: «اثْنَتَانِ فِي النَّاسِ هُمَا بِهِمْ كُفْرٌ: الطَّعْنُ فِي النَّسَبِ، وَالنِّيَاحَةُ عَلَى الْمَيِّتِ»(٢) ومعلوم أن الطاعن في النسب والنائحة على الميت لا يُكَفَّر كفرًا أكبر، فدلَّ ذلك على أن الكُفْرَ في شريعة الله في الكتاب وفي السنة كفران: كفرٌ مُخْرِجٌ عن الملَّةِ، وكفر لا يخرج عن الملة.
◾﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾ [الحجرات ١٠] وفي هذا من الحمل على العطف على هاتين الطائفتين المقتتلتين ما هو ظاهر؛ لقوله: ﴿إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾ كما أنك تصلح بين أخويك الأشقاء من النسب فأصلح بين أخويك في الإيمان.
🔹﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الحجرات ١٠] يعني اتقوا الله تعالى بأن تفعلوا ما أمركم به، وتتركوا ما نهاكم عنه؛ لأنكم إذا قمتم بهذا فقد اتخذتم وقاية من عذاب الله وهذه هي التقوى، وعلى هذا فكلما سمعت كلمة تقوى في القرآن فالمعنى: أنها اتخاذ وقاية من عذاب الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه.
🔸﴿لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ أي: ليرحمكم الله عز وجل إذا اتقيتموه.هنا نسأل عما قلنا الآن: كيف يقول: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾ مع أن الرسول ﷺ قال: «سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ»(٣)
🔵 طالب: نقول: إن الكفر الذي ذكره النبي ﷺ كفرٌ دون كفر، لا يقصد النبي صلى الله عله وسلم إطلاقَ لفظِ الكُفْرِ يقصد به الكفرَ الذي يخرِجُ مِن الملَّة.
🔴 الشيخ: أحسنت -بارك الله فيك- نقول: كفر دون كفر، وليس الكفر الذي يخرج من الملة، وبهذا تجتمع الأدلة ولا تتناقض. (...)
(١) متفق عليه؛ البخاري (٤٨)، ومسلم (٦٤ / ١١٦) من حديث عبد الله بن مسعود.
(٢) أخرجه مسلم (٦٧ / ١٢١) من حديث أبي هريرة.
(٣) متفق عليه؛ البخاري (٤٨)، ومسلم (٦٤ / ١١٦) من حديث عبد الله بن مسعود.
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
#قناة_التلجرام ✨💕
https://t.me/refk65
Telegram
«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
قال ﷺ : (بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً)
*🍃🌹(( من جماليات وسائل التواصل أن يفتح الله لك فتكتب نورًا يُهتدى به.. أو فائدة يُنتفعُ بها.. أو مواساة طيّبة فيتناقلها الناس من بعدك.. تظلّ سلوى في أحزانهم.. وأُنساً في وحشتهم.. تموتُ أنت ويبقى ما كتبته يداك حيًّا
*🍃🌹(( من جماليات وسائل التواصل أن يفتح الله لك فتكتب نورًا يُهتدى به.. أو فائدة يُنتفعُ بها.. أو مواساة طيّبة فيتناقلها الناس من بعدك.. تظلّ سلوى في أحزانهم.. وأُنساً في وحشتهم.. تموتُ أنت ويبقى ما كتبته يداك حيًّا
«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
صورة من WR_Mirvt
( الدرس العاشر )
#سلسله_تدبير_وتفسير_سورة_الحجرات 💛🍃
◀️ ﷽
﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا یَسۡخَرۡ قَوۡمࣱ مِّن قَوۡمٍ عَسَىٰۤ أَن یَكُونُوا۟ خَیۡرࣰا مِّنۡهُمۡ وَلَا نِسَاۤءࣱ مِّن نِّسَاۤءٍ عَسَىٰۤ أَن یَكُنَّ خَیۡرࣰا مِّنۡهُنَّۖ وَلَا تَلۡمِزُوۤا۟ أَنفُسَكُمۡ وَلَا تَنَابَزُوا۟ بِٱلۡأَلۡقَـٰبِۖ بِئۡسَ ٱلِٱسۡمُ ٱلۡفُسُوقُ بَعۡدَ ٱلۡإِیمَـٰنِۚ وَمَن لَّمۡ یَتُبۡ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ﴾ [الحجرات ١١]
🔲 نكمل فيهما سبق أن بدأنا به من آية الحجرات وهو قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ﴾ [الحجرات ١١]. والسخرية: سبق أنها الاحتقار والازدراء، وأن قوله: ﴿عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ﴾ و﴿خَيْرًا مِنْهُنَّ﴾ يعني: عند الله أو في المستقبل أو في الواقع، يعني أنه إذا سخر رجل من آخر فهذا المسخور منه قد يكون عند الله خيرًا من الساخر، وقد يكون في نفس الوقت خيرًا من الساخر، وقد يكون في المستقبل خيرًا من الساخر.
▫️ثم قال عزَّ وجل: ﴿وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [الحجرات ١١] اللَّمز: العيب، بأن تقول: فلان بليد، فلان طويل، فلان قصير، فلان أسود، فلان أحمر، وما أشبه ذلك مما يَعُدُّ عيبًا.
▫️وقوله: ﴿وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ فُسِّرت بمعنَيَيْنِ: المعنى الأول: لا يلمِزُ بعضُكم بعضًا؛ لأنَّ كل واحد منا بمنزلة نفسِ الإنسان، أخوك بمنزلة نفسك، فإذا لمزته فكأنما لمزت نفسك.
⬅️ وقيل: إن المعنى لا تلمز أخاك؛ لأنك إذا لمزتَه لمزَك، فلمزُكَ إيَّاه سببٌ لكونه يلمِزُك، وحينئذ تكون كأنك لَمَزْتَ نفسَك، وعليه قول النبي ﷺ: «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَيْهِ» فقالوا: يا رسول الله، كيف يلعن الرجل والدَيْه؟! قال: يسُبُّ أبا الرَّجُلِ فيَسُبُّ أباه، ويسُبُّ أُمَّه فيَسُبُّ أُمَّه»(١).
▫️على كل حال في الآية: تحريم عيب المؤمنين بعضهم بعضًا، فلا يجوز لك أن تعيبَ أخاك بصفة خَلْقِيَّة أو صفة خُلُقِيَّة.
🔘 أما الصفة الخَلْقِيَّة التي تعود إلى الخِلْقَةِ، فإن عيبَك إيَّاه في الحقيقة عيب لخالقه عز وجل، مَن الذي خلق الإنسان؟ الله عز وجل، مَن الذي جعله على هذه الصفة؟ الله عز وجل، هل الإنسان يمكن أن يكمل خِلْقَتَه، فيكون الطويلُ قصيرًا أو القصير طويلًا، أو القبيح جميلًا أو الجميل قبيحًا؟ هذا لا يمكن، فأنت إذا لمزْتَ إنسانًا وعبْتَه في خلقته؛ فقد عبت الخالق في الواقع، أليس كذلك؟ولهذا لو وجدنا جدارًا مبنيًّا مائلًا، وعبْنا الجِدار، هل عيبُنا للجدارِ أو لباني الجِدار؟ لباني الجدار، إذن، إذا عِبْتَ إنسانًا في خِلْقَتَه، فكأنَّما عِبْتَ الخالقَ عزَّ وجلَّ، فالمسألة خطيرة.
⬅️ أما عيبُه في الخُلُقِ بأنْ يكونَ هذا الرَّجل سريعَ الغضب، شديد الانتقام، بذيء اللسانِ، فلا تُعِبْه؛ لأنه ربما إذا عِبْتَه ابتلاكَ اللهُ بنفسِ العيبِ؛ ولهذا جاء في الأثر: لا تُظْهِر الشماتَةَ في أخيك فيعافيه الله ويبتليكَ(٢)، لكن إذا وجدتَ فيه سوء خلق فالواجب النصيحة، أن تتصل به إن كان يمكنك الاتصال به، وتبين له ما كان عليه من عيب، أو تكتب له كتابًا رسالة باسمك أو باسم ناصح مثلًا.
◾﴿وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ﴾ [الحجرات ١١] يعني: لا ينبز بعضكم بعضًا باللقب، فتقول له مثلًا: يا فاسد! يا فاجر! يا كافر! يا شارب الخمر! يا سارق! يا زان! لا تفعل هذا؛ لأنك إذا نبزتَه باللَّقب؛ فإما أن يكون اللَّقَبُ فيه، وإما ألا يكون فيه، فإن كان فيه فقد ارتكبْتَ هذا النهي، وإن لم يكن فيه فَقَدْ بَهَتَّه، وارتكبت النَّهي أيضًا.ثم قال عز وجل: ﴿بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ﴾ [الحجرات ١١] يعني: بئس لكم أن تنتقلوا من وصفِ الإيمانِ إلى وصف الفسوق، متى؟ إذا ارتكبْتُم ما نهى اللهُ عنه صرتم فسقة، فالإنسان إذا ارتكب كبيرة واحدة من الكبائر صار فاسقًا، وإذا ارتكب صغيرة فإن كرَّرها وأصرَّ عليها صار فاسقًا، فلا تجعل نفسَك بعد الإيمانِ، وكمال الإيمانِ لا تجعل نفسك فاسقًا، هذا معنى قوله: ﴿بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ﴾؛
▫️ لأن هذه الجملة جملة إنشائية تفيد الذَّمِّ، وما أفاد الذم فإنه مَنْهِيٌّ عنه بلا شك.
🔴 استفدنا من هذه الآية الكريمة: تحريم السخرية، وتحريمُ لمزِ الغَيْرِ، وتحريم التنابز بالألقاب، وأن من صنع ذلك فهو فاسق بعد أن كان مؤمنًا، والفسق ليس وصفًا على اللِّسان فقط يترتب عليه أحكام، فمثلًا قال العلماء: الفاسق لا يصح أن يكون وليًّا على بنته فيزوجها؛ إنسان فاسق يريد أن يزوِّج ابنته، لا يزوجها، مَنْ يزوِّجها؟ أخوها، إذا كان لها أخ يصح أن يكون وليًّا، عمُّها، إن لم يكنْ لها أقارب، أو خافوا من أبيها إن زوجوها، يزوِّجها القاضي.
#سلسله_تدبير_وتفسير_سورة_الحجرات 💛🍃
◀️ ﷽
﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا یَسۡخَرۡ قَوۡمࣱ مِّن قَوۡمٍ عَسَىٰۤ أَن یَكُونُوا۟ خَیۡرࣰا مِّنۡهُمۡ وَلَا نِسَاۤءࣱ مِّن نِّسَاۤءٍ عَسَىٰۤ أَن یَكُنَّ خَیۡرࣰا مِّنۡهُنَّۖ وَلَا تَلۡمِزُوۤا۟ أَنفُسَكُمۡ وَلَا تَنَابَزُوا۟ بِٱلۡأَلۡقَـٰبِۖ بِئۡسَ ٱلِٱسۡمُ ٱلۡفُسُوقُ بَعۡدَ ٱلۡإِیمَـٰنِۚ وَمَن لَّمۡ یَتُبۡ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ﴾ [الحجرات ١١]
🔲 نكمل فيهما سبق أن بدأنا به من آية الحجرات وهو قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ﴾ [الحجرات ١١]. والسخرية: سبق أنها الاحتقار والازدراء، وأن قوله: ﴿عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ﴾ و﴿خَيْرًا مِنْهُنَّ﴾ يعني: عند الله أو في المستقبل أو في الواقع، يعني أنه إذا سخر رجل من آخر فهذا المسخور منه قد يكون عند الله خيرًا من الساخر، وقد يكون في نفس الوقت خيرًا من الساخر، وقد يكون في المستقبل خيرًا من الساخر.
▫️ثم قال عزَّ وجل: ﴿وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [الحجرات ١١] اللَّمز: العيب، بأن تقول: فلان بليد، فلان طويل، فلان قصير، فلان أسود، فلان أحمر، وما أشبه ذلك مما يَعُدُّ عيبًا.
▫️وقوله: ﴿وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ فُسِّرت بمعنَيَيْنِ: المعنى الأول: لا يلمِزُ بعضُكم بعضًا؛ لأنَّ كل واحد منا بمنزلة نفسِ الإنسان، أخوك بمنزلة نفسك، فإذا لمزته فكأنما لمزت نفسك.
⬅️ وقيل: إن المعنى لا تلمز أخاك؛ لأنك إذا لمزتَه لمزَك، فلمزُكَ إيَّاه سببٌ لكونه يلمِزُك، وحينئذ تكون كأنك لَمَزْتَ نفسَك، وعليه قول النبي ﷺ: «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَيْهِ» فقالوا: يا رسول الله، كيف يلعن الرجل والدَيْه؟! قال: يسُبُّ أبا الرَّجُلِ فيَسُبُّ أباه، ويسُبُّ أُمَّه فيَسُبُّ أُمَّه»(١).
▫️على كل حال في الآية: تحريم عيب المؤمنين بعضهم بعضًا، فلا يجوز لك أن تعيبَ أخاك بصفة خَلْقِيَّة أو صفة خُلُقِيَّة.
🔘 أما الصفة الخَلْقِيَّة التي تعود إلى الخِلْقَةِ، فإن عيبَك إيَّاه في الحقيقة عيب لخالقه عز وجل، مَن الذي خلق الإنسان؟ الله عز وجل، مَن الذي جعله على هذه الصفة؟ الله عز وجل، هل الإنسان يمكن أن يكمل خِلْقَتَه، فيكون الطويلُ قصيرًا أو القصير طويلًا، أو القبيح جميلًا أو الجميل قبيحًا؟ هذا لا يمكن، فأنت إذا لمزْتَ إنسانًا وعبْتَه في خلقته؛ فقد عبت الخالق في الواقع، أليس كذلك؟ولهذا لو وجدنا جدارًا مبنيًّا مائلًا، وعبْنا الجِدار، هل عيبُنا للجدارِ أو لباني الجِدار؟ لباني الجدار، إذن، إذا عِبْتَ إنسانًا في خِلْقَتَه، فكأنَّما عِبْتَ الخالقَ عزَّ وجلَّ، فالمسألة خطيرة.
⬅️ أما عيبُه في الخُلُقِ بأنْ يكونَ هذا الرَّجل سريعَ الغضب، شديد الانتقام، بذيء اللسانِ، فلا تُعِبْه؛ لأنه ربما إذا عِبْتَه ابتلاكَ اللهُ بنفسِ العيبِ؛ ولهذا جاء في الأثر: لا تُظْهِر الشماتَةَ في أخيك فيعافيه الله ويبتليكَ(٢)، لكن إذا وجدتَ فيه سوء خلق فالواجب النصيحة، أن تتصل به إن كان يمكنك الاتصال به، وتبين له ما كان عليه من عيب، أو تكتب له كتابًا رسالة باسمك أو باسم ناصح مثلًا.
◾﴿وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ﴾ [الحجرات ١١] يعني: لا ينبز بعضكم بعضًا باللقب، فتقول له مثلًا: يا فاسد! يا فاجر! يا كافر! يا شارب الخمر! يا سارق! يا زان! لا تفعل هذا؛ لأنك إذا نبزتَه باللَّقب؛ فإما أن يكون اللَّقَبُ فيه، وإما ألا يكون فيه، فإن كان فيه فقد ارتكبْتَ هذا النهي، وإن لم يكن فيه فَقَدْ بَهَتَّه، وارتكبت النَّهي أيضًا.ثم قال عز وجل: ﴿بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ﴾ [الحجرات ١١] يعني: بئس لكم أن تنتقلوا من وصفِ الإيمانِ إلى وصف الفسوق، متى؟ إذا ارتكبْتُم ما نهى اللهُ عنه صرتم فسقة، فالإنسان إذا ارتكب كبيرة واحدة من الكبائر صار فاسقًا، وإذا ارتكب صغيرة فإن كرَّرها وأصرَّ عليها صار فاسقًا، فلا تجعل نفسَك بعد الإيمانِ، وكمال الإيمانِ لا تجعل نفسك فاسقًا، هذا معنى قوله: ﴿بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ﴾؛
▫️ لأن هذه الجملة جملة إنشائية تفيد الذَّمِّ، وما أفاد الذم فإنه مَنْهِيٌّ عنه بلا شك.
🔴 استفدنا من هذه الآية الكريمة: تحريم السخرية، وتحريمُ لمزِ الغَيْرِ، وتحريم التنابز بالألقاب، وأن من صنع ذلك فهو فاسق بعد أن كان مؤمنًا، والفسق ليس وصفًا على اللِّسان فقط يترتب عليه أحكام، فمثلًا قال العلماء: الفاسق لا يصح أن يكون وليًّا على بنته فيزوجها؛ إنسان فاسق يريد أن يزوِّج ابنته، لا يزوجها، مَنْ يزوِّجها؟ أخوها، إذا كان لها أخ يصح أن يكون وليًّا، عمُّها، إن لم يكنْ لها أقارب، أو خافوا من أبيها إن زوجوها، يزوِّجها القاضي.
«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
صورة من WR_Mirvt
( الدرس الحادي عشر )
#سلسله_تدبير_وتفسير_سورة_الحجرات 💛🍃
◀️ ﷽
﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱجۡتَنِبُوا۟ كَثِیرࣰا مِّنَ ٱلظَّنِّ إِنَّ بَعۡضَ ٱلظَّنِّ إِثۡمࣱۖ وَلَا تَجَسَّسُوا۟ وَلَا یَغۡتَب بَّعۡضُكُم بَعۡضًاۚ أَیُحِبُّ أَحَدُكُمۡ أَن یَأۡكُلَ لَحۡمَ أَخِیهِ مَیۡتࣰا فَكَرِهۡتُمُوهُۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ تَوَّابࣱ رَّحِیمࣱ﴾ [الحجرات ١٢]
🔲 ولَمّا كانَ الإنْسانُ رُبَّما دَعا صاحِبَهُ بِلَقَبٍ لَهُ شَيْءٌ غَيْرُ قاصِدٍ بِهِ عَيْبَهُ، أوْ فَعَلَ فِعْلًا يَتَنَزَّلُ عَلى الهُزْءِ غَيْرَ قاصِدٍ بِهِ الهُزْءَ، نَهى تَعالى عَنِ المُبادَرَةِ إلى الظَّنِّ مِن غَيْرِ تَثَبُّتٍ؛ لِأنَّ ذَلِكَ مِن وضْعِ الأشْياءِ في غَيْرِ مَواضِعِها، الَّذِي هو مَعْنى الظُّلْمِ فَقالَ خاتِمًا بِالقَسَمِ الخامِسِ مُنَبِّهًا عَلى ما فِيهِ مِن المَعالِي والنَّفائِسِ: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أيِ اعْتَرَفُوا بِالإيمانِ وإنْ كانُوا في أوَّلِ مَراتِبِهِ ﴿اجْتَنِبُوا﴾ أيْ: كَلِّفُوا أنْفُسَكم أنْ تَتْرُكُوا وتَبْعُدُوا وتَجْعَلُوا في جانِبٍ بَعِيدٍ عَنْكم
◾﴿كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ﴾ أيْ: في النّاسِ وغَيْرِهِمْ فاحْتاطُوا في كُلِّ ظَنٍّ ولا تَمادَوْا مَعَهُ حَتّى تَجْزِمُوا بِهِ فَتَقَدَّمُوا بِسَبَبِهِ عَلى ما يَقْتَضِيهِ مِنَ الشَّرِّ إلّا بَعْدَ التَّبَيُّنِ لِحَقِّهِ مِن باطِلِهِ بِأنْ يَظْهَرَ عَلَيْهِ أمارَةٌ صَحِيحَةٌ وسَبَبٌ ظاهِرٌ، والبَحْثُ عَنْ ذَلِكَ الَّذِي أوْجَبُ الظَّنِّ لَيْسَ بِمَنهِيٍّ عَنْهُ كَما فَتَّشَ النَّبِيُّ ﷺ في قِصَّةِ الإفْكِ وتَثَبَّتَ حَتّى جاءَهُ الخَبَرُ اليَقِينُ مِنَ اللَّهِ، وأفْهَمَ هَذا أنَّ كَثِيرًا مِنهُ مُجْتَنَبٌ كَما في الِاجْتِهادِ حَيْثُ لا قاطِعَ، وكَما في ظَنِّ الخَيْرِ بِاللَّهِ تَعالى، بَلْ [قَدْ] يَجِبُ كَما [قالَ] تَعالى: ﴿لَوْلا إذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المُؤْمِنُونَ والمُؤْمِناتُ بِأنْفُسِهِمْ خَيْرًا﴾ [النور: ١٢] وقَدْ أفادَ التَّنْكِيرُ شِياعَ النَّهْيِ في كُلِّ ظَنٍّ، فَكانَ بِمَعْنى ”بَعْضٍ“ مَعَ الكَفالَةِ بِأنَّ كَثِيرًا مِنهُ مَنهِيٌّ عَنِ الإقْدامِ عَلَيْهِ إلّا بَعْدَ تَبَيُّنِ أمْرِهِ، ولَوْ عُرِفَ لَأفْهَمَ أنَّهُ لا يُجْتَنَبُ إلّا إذا اتَّصَفَ بِالكَثْرَةِ، قالَ القُشَيْرِيُّ: والنَّفْسُ لا تُصَدِّقُ، والقَلْبُ لا يُكَذِّبُ، والتَّمْيِيزُ بَيْنَ النَّفْسِ والقَلْبِ مُشْكِلٌ، ومَن بَقِيَتْ عَلَيْهِ مِن حُظُوظِهِ بَقِيَّةٌ وإنْ قَلَّتْ فَلَيْسَ لَهُ أنْ يُدْعى بَيانَ القَلْبِ، بَلْ هو بِنَفْسِهِ [ما] دامَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِن بَقِيَّتِهِ، ويَجِبُ عَلَيْهِ أنْ يَتَّهِمَ نَفْسَهُ في كُلِّ ما يَقَعُ لَهُ مِن نُقْصانِ غَيْرِهِ، ثُمَّ عَلَّلَ ذَلِكَ مُثِيرًا إلى أنَّ العاقِلَ مَن يَكُفُّ نَفْسَهُ عَنْ أدْنى احْتِمالٍ مِنَ الضَّرَرِ احْتِمالًا مُؤَكَّدًا؛ لِأنَّ أفْعالَ النّاسِ عِنْدَ الظُّنُونِ أفْعالُ مَن هو جازِمٌ بِأنَّهُ بَرِيءٌ مِنَ الإثْمِ: ﴿إنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إثْمٌ﴾ أيْ: ذَنْبٌ يُوصِلُ صاحِبَهُ لِاسْتِحْقاقِ العُقُوبَةِ كالظَّنِّ في أُصُولِ الدِّينِ، وحَيْثُ يُخالِفُهُ قاطِعٌ، قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعالى: الهَمْزَةُ في الإثْمِ عَنِ الواوِ وكَأنَّهُ يَثِمُ الأعْمالَ أيْ يَكْسِرُها بِإحْباطِهِ.ولَمّا نَهى عَنِ اتِّباعِ الظَّنِّ، أتْبَعَهُ ما يَتَفَرَّعُ عَنْهُ فَقالَ: ﴿ولا تَجَسَّسُوا﴾ أيْ: تَمَعَّنُوا في البَحْثِ عَنِ العَوْراتِ ولا يَكُونُ ذَلِكَ إلّا في المَسْتُورِينَ.ولَمّا كانَتِ الغِيبَةُ أعَمَّ مِنَ التَّجَسُّسِ، قالَ: ﴿ولا يَغْتَبْ﴾ أيْ: يَتَعَمَّدْ أنْ يَذْكُرَ ﴿بَعْضُكم بَعْضًا﴾ في غَيْبَتِهِ بِما يَكْرَهُ، قالَ القُشَيْرِيُّ: ولَيْسَ تَحْصُلُ الغِيبَةُ مِنَ الخَلْقِ إلّا بِالغَيْبَةِ عَنِ الحَقِّ، وقالَ أبُو حَيّانَ: قالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: الغِيبَةُ إدامُ كِلابِ النّاسِ.
🔹ولَمّا كانَ تَمْزِيقُ عِرْضِ النّاسِ كَتَمْزِيقِ أدِيمِهِمْ ولا يَكُونُ ذَلِكَ ساتِرَ عَظَمَةِ الَّذِي بِهِ قِوامُهُ كَما أنَّ عِرْضَهُ ساتِرٌ عَلَيْهِ، وكَوْنُهُ لا يَرُدُّ عَنْ نَفْسِهِ بِسَبَبِ غَيْبَتِهِ كَمَوْتِهِ وأعْمالِ الفَمِ والجَوْفِ في ذَلِكَ كُلِّهِ، وكانَ هَذا لَوْ تَأمَّلَهُ العاقِلُ كانَ مِنهُ عَلى غايَةِ النُّفْرَةِ، ولَكِنَّهُ لِخَفائِهِ لا يَخْطُرُ بِبالِهِ، جَلّاهُ لَهُ في قَوْلِهِ تَقْرِيرًا وتَعْبِيرًا بِالحُبِّ عَمّا هو في غايَةِ الكَراهَةِ لِما لِلْمُغْتابِ مِنَ الشَّهْوَةِ [فِي الغِيبَةِ] لِيَكُونَ التَّصْوِيرُ بِذَلِكَ رادًّا لَهُ عَنْها ومُكَرِّهًا فِيها: ﴿أيُحِبُّ﴾ وعَمَّ بِقَوْلِهِ: ﴿أحَدُكُمْ﴾ وعَبَّرَ بِأنْ والفِعْلِ تَصْوِيرًا لِلْفِعْلِ فَقالَ: ﴿أنْ يَأْكُلَ﴾ وزادَ في التَّنْفِيرِ بِجَعْلِهِ في إنْسانٍ هو أخٌ
#سلسله_تدبير_وتفسير_سورة_الحجرات 💛🍃
◀️ ﷽
﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱجۡتَنِبُوا۟ كَثِیرࣰا مِّنَ ٱلظَّنِّ إِنَّ بَعۡضَ ٱلظَّنِّ إِثۡمࣱۖ وَلَا تَجَسَّسُوا۟ وَلَا یَغۡتَب بَّعۡضُكُم بَعۡضًاۚ أَیُحِبُّ أَحَدُكُمۡ أَن یَأۡكُلَ لَحۡمَ أَخِیهِ مَیۡتࣰا فَكَرِهۡتُمُوهُۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ تَوَّابࣱ رَّحِیمࣱ﴾ [الحجرات ١٢]
🔲 ولَمّا كانَ الإنْسانُ رُبَّما دَعا صاحِبَهُ بِلَقَبٍ لَهُ شَيْءٌ غَيْرُ قاصِدٍ بِهِ عَيْبَهُ، أوْ فَعَلَ فِعْلًا يَتَنَزَّلُ عَلى الهُزْءِ غَيْرَ قاصِدٍ بِهِ الهُزْءَ، نَهى تَعالى عَنِ المُبادَرَةِ إلى الظَّنِّ مِن غَيْرِ تَثَبُّتٍ؛ لِأنَّ ذَلِكَ مِن وضْعِ الأشْياءِ في غَيْرِ مَواضِعِها، الَّذِي هو مَعْنى الظُّلْمِ فَقالَ خاتِمًا بِالقَسَمِ الخامِسِ مُنَبِّهًا عَلى ما فِيهِ مِن المَعالِي والنَّفائِسِ: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أيِ اعْتَرَفُوا بِالإيمانِ وإنْ كانُوا في أوَّلِ مَراتِبِهِ ﴿اجْتَنِبُوا﴾ أيْ: كَلِّفُوا أنْفُسَكم أنْ تَتْرُكُوا وتَبْعُدُوا وتَجْعَلُوا في جانِبٍ بَعِيدٍ عَنْكم
◾﴿كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ﴾ أيْ: في النّاسِ وغَيْرِهِمْ فاحْتاطُوا في كُلِّ ظَنٍّ ولا تَمادَوْا مَعَهُ حَتّى تَجْزِمُوا بِهِ فَتَقَدَّمُوا بِسَبَبِهِ عَلى ما يَقْتَضِيهِ مِنَ الشَّرِّ إلّا بَعْدَ التَّبَيُّنِ لِحَقِّهِ مِن باطِلِهِ بِأنْ يَظْهَرَ عَلَيْهِ أمارَةٌ صَحِيحَةٌ وسَبَبٌ ظاهِرٌ، والبَحْثُ عَنْ ذَلِكَ الَّذِي أوْجَبُ الظَّنِّ لَيْسَ بِمَنهِيٍّ عَنْهُ كَما فَتَّشَ النَّبِيُّ ﷺ في قِصَّةِ الإفْكِ وتَثَبَّتَ حَتّى جاءَهُ الخَبَرُ اليَقِينُ مِنَ اللَّهِ، وأفْهَمَ هَذا أنَّ كَثِيرًا مِنهُ مُجْتَنَبٌ كَما في الِاجْتِهادِ حَيْثُ لا قاطِعَ، وكَما في ظَنِّ الخَيْرِ بِاللَّهِ تَعالى، بَلْ [قَدْ] يَجِبُ كَما [قالَ] تَعالى: ﴿لَوْلا إذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المُؤْمِنُونَ والمُؤْمِناتُ بِأنْفُسِهِمْ خَيْرًا﴾ [النور: ١٢] وقَدْ أفادَ التَّنْكِيرُ شِياعَ النَّهْيِ في كُلِّ ظَنٍّ، فَكانَ بِمَعْنى ”بَعْضٍ“ مَعَ الكَفالَةِ بِأنَّ كَثِيرًا مِنهُ مَنهِيٌّ عَنِ الإقْدامِ عَلَيْهِ إلّا بَعْدَ تَبَيُّنِ أمْرِهِ، ولَوْ عُرِفَ لَأفْهَمَ أنَّهُ لا يُجْتَنَبُ إلّا إذا اتَّصَفَ بِالكَثْرَةِ، قالَ القُشَيْرِيُّ: والنَّفْسُ لا تُصَدِّقُ، والقَلْبُ لا يُكَذِّبُ، والتَّمْيِيزُ بَيْنَ النَّفْسِ والقَلْبِ مُشْكِلٌ، ومَن بَقِيَتْ عَلَيْهِ مِن حُظُوظِهِ بَقِيَّةٌ وإنْ قَلَّتْ فَلَيْسَ لَهُ أنْ يُدْعى بَيانَ القَلْبِ، بَلْ هو بِنَفْسِهِ [ما] دامَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِن بَقِيَّتِهِ، ويَجِبُ عَلَيْهِ أنْ يَتَّهِمَ نَفْسَهُ في كُلِّ ما يَقَعُ لَهُ مِن نُقْصانِ غَيْرِهِ، ثُمَّ عَلَّلَ ذَلِكَ مُثِيرًا إلى أنَّ العاقِلَ مَن يَكُفُّ نَفْسَهُ عَنْ أدْنى احْتِمالٍ مِنَ الضَّرَرِ احْتِمالًا مُؤَكَّدًا؛ لِأنَّ أفْعالَ النّاسِ عِنْدَ الظُّنُونِ أفْعالُ مَن هو جازِمٌ بِأنَّهُ بَرِيءٌ مِنَ الإثْمِ: ﴿إنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إثْمٌ﴾ أيْ: ذَنْبٌ يُوصِلُ صاحِبَهُ لِاسْتِحْقاقِ العُقُوبَةِ كالظَّنِّ في أُصُولِ الدِّينِ، وحَيْثُ يُخالِفُهُ قاطِعٌ، قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعالى: الهَمْزَةُ في الإثْمِ عَنِ الواوِ وكَأنَّهُ يَثِمُ الأعْمالَ أيْ يَكْسِرُها بِإحْباطِهِ.ولَمّا نَهى عَنِ اتِّباعِ الظَّنِّ، أتْبَعَهُ ما يَتَفَرَّعُ عَنْهُ فَقالَ: ﴿ولا تَجَسَّسُوا﴾ أيْ: تَمَعَّنُوا في البَحْثِ عَنِ العَوْراتِ ولا يَكُونُ ذَلِكَ إلّا في المَسْتُورِينَ.ولَمّا كانَتِ الغِيبَةُ أعَمَّ مِنَ التَّجَسُّسِ، قالَ: ﴿ولا يَغْتَبْ﴾ أيْ: يَتَعَمَّدْ أنْ يَذْكُرَ ﴿بَعْضُكم بَعْضًا﴾ في غَيْبَتِهِ بِما يَكْرَهُ، قالَ القُشَيْرِيُّ: ولَيْسَ تَحْصُلُ الغِيبَةُ مِنَ الخَلْقِ إلّا بِالغَيْبَةِ عَنِ الحَقِّ، وقالَ أبُو حَيّانَ: قالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: الغِيبَةُ إدامُ كِلابِ النّاسِ.
🔹ولَمّا كانَ تَمْزِيقُ عِرْضِ النّاسِ كَتَمْزِيقِ أدِيمِهِمْ ولا يَكُونُ ذَلِكَ ساتِرَ عَظَمَةِ الَّذِي بِهِ قِوامُهُ كَما أنَّ عِرْضَهُ ساتِرٌ عَلَيْهِ، وكَوْنُهُ لا يَرُدُّ عَنْ نَفْسِهِ بِسَبَبِ غَيْبَتِهِ كَمَوْتِهِ وأعْمالِ الفَمِ والجَوْفِ في ذَلِكَ كُلِّهِ، وكانَ هَذا لَوْ تَأمَّلَهُ العاقِلُ كانَ مِنهُ عَلى غايَةِ النُّفْرَةِ، ولَكِنَّهُ لِخَفائِهِ لا يَخْطُرُ بِبالِهِ، جَلّاهُ لَهُ في قَوْلِهِ تَقْرِيرًا وتَعْبِيرًا بِالحُبِّ عَمّا هو في غايَةِ الكَراهَةِ لِما لِلْمُغْتابِ مِنَ الشَّهْوَةِ [فِي الغِيبَةِ] لِيَكُونَ التَّصْوِيرُ بِذَلِكَ رادًّا لَهُ عَنْها ومُكَرِّهًا فِيها: ﴿أيُحِبُّ﴾ وعَمَّ بِقَوْلِهِ: ﴿أحَدُكُمْ﴾ وعَبَّرَ بِأنْ والفِعْلِ تَصْوِيرًا لِلْفِعْلِ فَقالَ: ﴿أنْ يَأْكُلَ﴾ وزادَ في التَّنْفِيرِ بِجَعْلِهِ في إنْسانٍ هو أخٌ
«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
Photo
( الدرس الثاني عشر )
#سلسله_تدبير_وتفسير_سورة_الحجرات 💛🍃
◀️ ﷽
﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَـٰكُم مِّن ذَكَرࣲ وَأُنثَىٰ وَجَعَلۡنَـٰكُمۡ شُعُوبࣰا وَقَبَاۤىِٕلَ لِتَعَارَفُوۤا۟ۚ إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِیمٌ خَبِیرࣱ﴾ [الحجرات ١٣]
🔲النهاردة نتكلم فيه على قول الله تبارك وتعالى من سورة الحجرات: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾ [الحجرات ١٣].الخطاب هنا مُصَدَّر بنداء الناسِ عمومًا: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾، مع أنَّ أول السورة وُجِّه الخطابُ فيه للذين آمنوا، وسبب ذلك: أن هذا الخطاب في الآية التي نحن بصدد الكلام عليها موجَّهٌ لكل إنسان؛ لأنه يقع التفاخر بالأنساب والأحساب من كل إنسان، فيقول الله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾، والخطاب للمؤمن والكافر، والبر والفاجر.
◾﴿إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى﴾، ﴿مِنْ ذَكَرٍ﴾: هو آدم، ﴿وَأُنْثَى﴾: هي حواء، هذا هو المشهور عند علماء التفسير، وذهب بعضهم إلى أن المرادَ بالذكر والأنثى هنا الجنس؛ يعني: أن بني آدم خُلِقوا من هذا الجنس: من ذكر، وأنثى.
▫️وهذا دليل يعني في الآية دليل على أن الإنسان يتكوَّن من أبيه وأمه، أي: يُخلَق من الأم والأب، ولا يعارض هذا قولُ الله تعالى: ﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (٥) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (٦) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ﴾ [الطارق ٥ - ٧]؛ وذلك لأنَّا إن قلنا: إن المراد بالصلب: صلب الرجل، والترائب: ترائب المرأة، فلا إشكال، وإن قلنا بالقول الراجح: أن الصلب والترائب وصفان للرجل؛ لأن الماء الدَّافق هو ماء الرجل، أما المرأة فلا يكون ماؤها دافقًا، وعلى هذا فيكون الإنسان مخلوقًا من ماء الرجل، لكن ماء الرجل وحده لا يكفي، لا بد أن يتَّصلَ بالبوُيْضَةِ التي يُفرِزُها رحم المرأة، فيزدوج هذا بهذا، ويكون الإنسان مخلوقًا من الأمرين جميعًا، أي: من أبيه وأمه.
🔹﴿خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى﴾ إذن: ذكر وأنثى: يحتمل أن يكون المراد بهما شخصين معينين، وهما من؟ آدم وحواء، أو أن المراد الجنس.أي: الذكر من بني آدم والأنثى من بني آدم، وعلى هذا التقدير –أي: على التفسير الثاني- يُشكِلُ أنَّ الله تعالى ذكر في آيات أخرى أن الإنسان خُلِقَ من ماءٍ دافقٍ وهو ماء الرجل.
🔸والجواب عنه: أن يقال: إن هذا الماء الدافق لا يمكن أن يتكونَ منه الجنين وحده، بل لا بد أن يتَّصلَ بالبويضة التي يفرزها رحم المرأة، وحينئذ يكون مخلوقًا من ذكر وأنثى.﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا﴾ [الحجرات ١٣]: يعني صيرناكم شعوبًا وقبائل، فالله تعالى جعل بني آدم شعوبًا وهم أصول القبائل.
◾﴿وَقَبَائِلَ﴾ وهم ما دون الشعوب، فمثلًا: بنو تميم يعتبرون شعبًا، وأفخاذ بني تميم المتفرعون من الأصل يسمون قبائل، ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ﴾.ما هي الحكمة؟ هل الحكمة من هذا الجعل أن يتفاخر الناس بعضهم على بعض، فيقول هذا الرجل: أنا من قريش، وهذا يقول: أنا من تميم، وهذا يقول: أنا من كذا، أنا من كذا؟لا، ليس هذا المراد؛ المراد التعارف؛ أن يعرف الناس بعضهم بعضًا؛ إذ لولا هذا الذي صيَّره الله عز وجل ما عرف الإنسان من أي قبيلة هو؛ ولهذا كان من كبائر الذنوب أن ينتسبَ الإنسانُ إلى غير أبيه؛ لأنه إذا انتسب إلى غير أبيه غيَّر هذه الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وهم أنهم شعوب وقبائل من أجل التعارف، فيقال: هذا فلان بن فلان بن فلان إلى آخر الجد الذي كان أبًا للقبيلة.﴿لِتَعَارَفُوا﴾ يعني: لا لتفاخروا بالأحسابِ والأنساب.
◾﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [الحجرات ١٣] ليس الكرم بأن يكون الإنسان من القبيلة الفلانية أو من الشعب الفلاني، الكرم هو: التقوى، وليس الكرم الذي هو كرم حقيقة إلا الكرم عند الله عز وجل، كرم الإنسان عند بني جنسِه كرم لا شك، ويُحمَدُ عليه الإنسان إذا ابتغى به وجه الله؛ لكن الكرم الحقيقي النافع هو الكرم عند مَن؟ عند الله، وبأي شيء يكون؟ بالتقوى، كلما كان الإنسان أتقى لله كان عند الله أكرم، فإذا أحببت أن تكون كريمًا عند الله عز وجل، فعليك بالتقوى، عليك بتقوى الله عز وجل، فكلها الخير، كلها البركة، كلها السعادة في الدنيا والآخرة، ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾ [يونس ٦٢، ٦٣].
🔹وما أكثر ما تَرِدُ على أسماعنا كلمة التقوى، فما هي التقوى؟ هل هي لفظ يجري على الألسن، ويمر بالآذان؟ لا، يجب أن يكون لفظًا عظيمًا موقَّرًا معظَّمًا محترمًا.التقوى: أن تقومَ بطاعةِ الله عز وجل، هذه التقوى، فتِّش هل أنت قائم بطاعة الله؟! فأنت متق، هل أنت مخالف؟! فأنت غير متق، ويفوت الإنسان من التقوى بقدر ما خالف فيه أمر الله ورسوله.
#سلسله_تدبير_وتفسير_سورة_الحجرات 💛🍃
◀️ ﷽
﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَـٰكُم مِّن ذَكَرࣲ وَأُنثَىٰ وَجَعَلۡنَـٰكُمۡ شُعُوبࣰا وَقَبَاۤىِٕلَ لِتَعَارَفُوۤا۟ۚ إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِیمٌ خَبِیرࣱ﴾ [الحجرات ١٣]
🔲النهاردة نتكلم فيه على قول الله تبارك وتعالى من سورة الحجرات: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾ [الحجرات ١٣].الخطاب هنا مُصَدَّر بنداء الناسِ عمومًا: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾، مع أنَّ أول السورة وُجِّه الخطابُ فيه للذين آمنوا، وسبب ذلك: أن هذا الخطاب في الآية التي نحن بصدد الكلام عليها موجَّهٌ لكل إنسان؛ لأنه يقع التفاخر بالأنساب والأحساب من كل إنسان، فيقول الله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾، والخطاب للمؤمن والكافر، والبر والفاجر.
◾﴿إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى﴾، ﴿مِنْ ذَكَرٍ﴾: هو آدم، ﴿وَأُنْثَى﴾: هي حواء، هذا هو المشهور عند علماء التفسير، وذهب بعضهم إلى أن المرادَ بالذكر والأنثى هنا الجنس؛ يعني: أن بني آدم خُلِقوا من هذا الجنس: من ذكر، وأنثى.
▫️وهذا دليل يعني في الآية دليل على أن الإنسان يتكوَّن من أبيه وأمه، أي: يُخلَق من الأم والأب، ولا يعارض هذا قولُ الله تعالى: ﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (٥) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (٦) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ﴾ [الطارق ٥ - ٧]؛ وذلك لأنَّا إن قلنا: إن المراد بالصلب: صلب الرجل، والترائب: ترائب المرأة، فلا إشكال، وإن قلنا بالقول الراجح: أن الصلب والترائب وصفان للرجل؛ لأن الماء الدَّافق هو ماء الرجل، أما المرأة فلا يكون ماؤها دافقًا، وعلى هذا فيكون الإنسان مخلوقًا من ماء الرجل، لكن ماء الرجل وحده لا يكفي، لا بد أن يتَّصلَ بالبوُيْضَةِ التي يُفرِزُها رحم المرأة، فيزدوج هذا بهذا، ويكون الإنسان مخلوقًا من الأمرين جميعًا، أي: من أبيه وأمه.
🔹﴿خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى﴾ إذن: ذكر وأنثى: يحتمل أن يكون المراد بهما شخصين معينين، وهما من؟ آدم وحواء، أو أن المراد الجنس.أي: الذكر من بني آدم والأنثى من بني آدم، وعلى هذا التقدير –أي: على التفسير الثاني- يُشكِلُ أنَّ الله تعالى ذكر في آيات أخرى أن الإنسان خُلِقَ من ماءٍ دافقٍ وهو ماء الرجل.
🔸والجواب عنه: أن يقال: إن هذا الماء الدافق لا يمكن أن يتكونَ منه الجنين وحده، بل لا بد أن يتَّصلَ بالبويضة التي يفرزها رحم المرأة، وحينئذ يكون مخلوقًا من ذكر وأنثى.﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا﴾ [الحجرات ١٣]: يعني صيرناكم شعوبًا وقبائل، فالله تعالى جعل بني آدم شعوبًا وهم أصول القبائل.
◾﴿وَقَبَائِلَ﴾ وهم ما دون الشعوب، فمثلًا: بنو تميم يعتبرون شعبًا، وأفخاذ بني تميم المتفرعون من الأصل يسمون قبائل، ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ﴾.ما هي الحكمة؟ هل الحكمة من هذا الجعل أن يتفاخر الناس بعضهم على بعض، فيقول هذا الرجل: أنا من قريش، وهذا يقول: أنا من تميم، وهذا يقول: أنا من كذا، أنا من كذا؟لا، ليس هذا المراد؛ المراد التعارف؛ أن يعرف الناس بعضهم بعضًا؛ إذ لولا هذا الذي صيَّره الله عز وجل ما عرف الإنسان من أي قبيلة هو؛ ولهذا كان من كبائر الذنوب أن ينتسبَ الإنسانُ إلى غير أبيه؛ لأنه إذا انتسب إلى غير أبيه غيَّر هذه الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وهم أنهم شعوب وقبائل من أجل التعارف، فيقال: هذا فلان بن فلان بن فلان إلى آخر الجد الذي كان أبًا للقبيلة.﴿لِتَعَارَفُوا﴾ يعني: لا لتفاخروا بالأحسابِ والأنساب.
◾﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [الحجرات ١٣] ليس الكرم بأن يكون الإنسان من القبيلة الفلانية أو من الشعب الفلاني، الكرم هو: التقوى، وليس الكرم الذي هو كرم حقيقة إلا الكرم عند الله عز وجل، كرم الإنسان عند بني جنسِه كرم لا شك، ويُحمَدُ عليه الإنسان إذا ابتغى به وجه الله؛ لكن الكرم الحقيقي النافع هو الكرم عند مَن؟ عند الله، وبأي شيء يكون؟ بالتقوى، كلما كان الإنسان أتقى لله كان عند الله أكرم، فإذا أحببت أن تكون كريمًا عند الله عز وجل، فعليك بالتقوى، عليك بتقوى الله عز وجل، فكلها الخير، كلها البركة، كلها السعادة في الدنيا والآخرة، ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾ [يونس ٦٢، ٦٣].
🔹وما أكثر ما تَرِدُ على أسماعنا كلمة التقوى، فما هي التقوى؟ هل هي لفظ يجري على الألسن، ويمر بالآذان؟ لا، يجب أن يكون لفظًا عظيمًا موقَّرًا معظَّمًا محترمًا.التقوى: أن تقومَ بطاعةِ الله عز وجل، هذه التقوى، فتِّش هل أنت قائم بطاعة الله؟! فأنت متق، هل أنت مخالف؟! فأنت غير متق، ويفوت الإنسان من التقوى بقدر ما خالف فيه أمر الله ورسوله.
«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
Photo
( الدرس الثالث عشر )
#سلسله_تدبير_وتفسير_سورة_الحجرات 💛🍃
◀️ ﷽
﴿۞ قَالَتِ ٱلۡأَعۡرَابُ ءَامَنَّاۖ قُل لَّمۡ تُؤۡمِنُوا۟ وَلَـٰكِن قُولُوۤا۟ أَسۡلَمۡنَا وَلَمَّا یَدۡخُلِ ٱلۡإِیمَـٰنُ فِی قُلُوبِكُمۡۖ وَإِن تُطِیعُوا۟ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ لَا یَلِتۡكُم مِّنۡ أَعۡمَـٰلِكُمۡ شَیۡـًٔاۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورࣱ رَّحِیمٌ﴾ [الحجرات ١٤]
🔲 نبدأ فيه كما هو العادة بتفسير آيات من كتاب الله عز وجل، ونحن في سورة (الحجرات) عند قوله تبارك وتعالى ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا﴾ الأعراب: اسم جمع لـ(أعرابي)، والأعرابي هو ساكن البادية كالبدوي تمامًا، الأعراب افتخروا فقالوا: آمنَّا، آمنا، افتخروا بإيمانهم.
◾فقال الله عز وجل: ﴿قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ [الحجرات ١٤]، قيل: إن هؤلاء من المنافقين؛ لقول الله تعالى: ﴿وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ﴾ [التوبة ١٠١]، والمنافق مسلم، ولكنَّه ليس بمؤمن؛ مسلم، لأنه مستسلم ظاهرًا؛ إذ أن حال المنافق أنه كالمسلمين؛ ولهذا لم يقتلهم النبي عليه الصلاة والسلام مع علمه بنفاقهم؛ لأنهم مسلمون ظاهرًا لا يخالفون، ﴿وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا﴾ [البقرة ١٤]. وقيل: إنهم أعراب غير منافقين؛ لكنهم ضعفاء الإيمان، يمشون مع الناس في ظواهر الشرع؛ لكن قلوبهم ضعيفة، إيمانهم ضعيف.
🔹فعلى القول الأول يكون قوله: ﴿وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ [الحجرات ١٤] أنه لم يدخل أصلًا، هذا على القول بأنهم أيش؟ منافقون.وعلى الثاني: أي: لمَّا يدخل الإيمان الدخول الكامل المطلق، فيهم إيمان؛ لكن لم يصل الإيمان إلى قلوبهم على وجه الكمال.
🔸والقاعدة عندنا في التفسير: أن الآية إذا احتملت معنيين فإنها تُحمَل عليهما جميعًا ما لم يتنافيا، فإن تنافيا طلب المرجح.﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [الحجرات ١٤] يعني: طاعة في الظاهر يحملُ عليها الإيمان في الباطن.
◾﴿لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا﴾ ﴿لَا يَلِتْكُمْ﴾ يعني: لا ينقصكم من أعمالكم شيئًا؛ لأن الله تعالى لا يظلم أحدًا.﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [الزلزلة ٧، ٨] أي شيء فإنَّه موفى للإنسان، لكن سبحان الله رحمة الله سبقت غضبه، ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ﴾ [الزلزلة٧] ويثاب عليه ولَّا لا؟ أجيبوا.
* طالب: يثاب عليه.
* الشيخ: يثاب عليه، ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [الزلزلة٨] وهل يعاقب؟ قد يعاقب وقد يعفو الله عنه.فالسيئات يمكن أن تُمحَى، والحسنات لا يمكن أن تُنقَص؛ ولهذا قال: ﴿لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا﴾ بعدها: ﴿إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾، وسبق معنى هذين الاسمين الكريمين، ونقتصر على هذا القدر ويأتي إن شاء الله ما يستفاد من هذه الآية.
◾لقاؤنا هذا يُفتَتَح بالكلام في تفسير آخر سورة الحجرات؛ قال الله تعالى: ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ [الحجرات ١٤]، وبيَّنَّا فيما سبق أن هؤلاء القوم قوم لم يتحقق فيهم كمال الإيمان، معهم أصل الإيمان فقالوا: آمنا، والإيمان المُطلَق لا يعطى لمن لم يَتِمَّ إيمانه؛ ولهذا قال الله عز وجل: ﴿وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ أي: لم يدخل الإيمان الكامل في قلوبكم، ولكنه قريب؛ لأن (لَمَّا) تفيد قُربَ مدخولها.قال الله عز وجل: ﴿وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا﴾؛ أي: إن قمتم بطاعة الله ورسوله بامتثال أوامر الله ورسوله، واجتنابِ نهي الله ورسوله، فإن الله لن ينقصكم من أعمالكم شيئًا، سيعطيكموها تامة بلا نقص، وقد تقَرَّر أنَّ من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وأن من جاء بالسيئة فإنه لا يُجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون.
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
#سلسله_تدبير_وتفسير_سورة_الحجرات 💛🍃
◀️ ﷽
﴿۞ قَالَتِ ٱلۡأَعۡرَابُ ءَامَنَّاۖ قُل لَّمۡ تُؤۡمِنُوا۟ وَلَـٰكِن قُولُوۤا۟ أَسۡلَمۡنَا وَلَمَّا یَدۡخُلِ ٱلۡإِیمَـٰنُ فِی قُلُوبِكُمۡۖ وَإِن تُطِیعُوا۟ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ لَا یَلِتۡكُم مِّنۡ أَعۡمَـٰلِكُمۡ شَیۡـًٔاۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورࣱ رَّحِیمٌ﴾ [الحجرات ١٤]
🔲 نبدأ فيه كما هو العادة بتفسير آيات من كتاب الله عز وجل، ونحن في سورة (الحجرات) عند قوله تبارك وتعالى ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا﴾ الأعراب: اسم جمع لـ(أعرابي)، والأعرابي هو ساكن البادية كالبدوي تمامًا، الأعراب افتخروا فقالوا: آمنَّا، آمنا، افتخروا بإيمانهم.
◾فقال الله عز وجل: ﴿قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ [الحجرات ١٤]، قيل: إن هؤلاء من المنافقين؛ لقول الله تعالى: ﴿وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ﴾ [التوبة ١٠١]، والمنافق مسلم، ولكنَّه ليس بمؤمن؛ مسلم، لأنه مستسلم ظاهرًا؛ إذ أن حال المنافق أنه كالمسلمين؛ ولهذا لم يقتلهم النبي عليه الصلاة والسلام مع علمه بنفاقهم؛ لأنهم مسلمون ظاهرًا لا يخالفون، ﴿وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا﴾ [البقرة ١٤]. وقيل: إنهم أعراب غير منافقين؛ لكنهم ضعفاء الإيمان، يمشون مع الناس في ظواهر الشرع؛ لكن قلوبهم ضعيفة، إيمانهم ضعيف.
🔹فعلى القول الأول يكون قوله: ﴿وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ [الحجرات ١٤] أنه لم يدخل أصلًا، هذا على القول بأنهم أيش؟ منافقون.وعلى الثاني: أي: لمَّا يدخل الإيمان الدخول الكامل المطلق، فيهم إيمان؛ لكن لم يصل الإيمان إلى قلوبهم على وجه الكمال.
🔸والقاعدة عندنا في التفسير: أن الآية إذا احتملت معنيين فإنها تُحمَل عليهما جميعًا ما لم يتنافيا، فإن تنافيا طلب المرجح.﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [الحجرات ١٤] يعني: طاعة في الظاهر يحملُ عليها الإيمان في الباطن.
◾﴿لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا﴾ ﴿لَا يَلِتْكُمْ﴾ يعني: لا ينقصكم من أعمالكم شيئًا؛ لأن الله تعالى لا يظلم أحدًا.﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [الزلزلة ٧، ٨] أي شيء فإنَّه موفى للإنسان، لكن سبحان الله رحمة الله سبقت غضبه، ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ﴾ [الزلزلة٧] ويثاب عليه ولَّا لا؟ أجيبوا.
* طالب: يثاب عليه.
* الشيخ: يثاب عليه، ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [الزلزلة٨] وهل يعاقب؟ قد يعاقب وقد يعفو الله عنه.فالسيئات يمكن أن تُمحَى، والحسنات لا يمكن أن تُنقَص؛ ولهذا قال: ﴿لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا﴾ بعدها: ﴿إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾، وسبق معنى هذين الاسمين الكريمين، ونقتصر على هذا القدر ويأتي إن شاء الله ما يستفاد من هذه الآية.
◾لقاؤنا هذا يُفتَتَح بالكلام في تفسير آخر سورة الحجرات؛ قال الله تعالى: ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ [الحجرات ١٤]، وبيَّنَّا فيما سبق أن هؤلاء القوم قوم لم يتحقق فيهم كمال الإيمان، معهم أصل الإيمان فقالوا: آمنا، والإيمان المُطلَق لا يعطى لمن لم يَتِمَّ إيمانه؛ ولهذا قال الله عز وجل: ﴿وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ أي: لم يدخل الإيمان الكامل في قلوبكم، ولكنه قريب؛ لأن (لَمَّا) تفيد قُربَ مدخولها.قال الله عز وجل: ﴿وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا﴾؛ أي: إن قمتم بطاعة الله ورسوله بامتثال أوامر الله ورسوله، واجتنابِ نهي الله ورسوله، فإن الله لن ينقصكم من أعمالكم شيئًا، سيعطيكموها تامة بلا نقص، وقد تقَرَّر أنَّ من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وأن من جاء بالسيئة فإنه لا يُجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون.
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
صورة من WR_Mirvt
( الدرس الرابع عشر )
#سلسله_تدبير_وتفسير_سورة_الحجرات 💛🍃
◀️ ﷽
﴿إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ ثُمَّ لَمۡ یَرۡتَابُوا۟ وَجَـٰهَدُوا۟ بِأَمۡوَ ٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلصَّـٰدِقُونَ﴾ [الحجرات ١٥]
🔲 نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير سورة الحجرات .الآية هي قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا﴾ [الحجرات ١٥]، ﴿إِنَّمَا﴾ أداة حصر تفيد إثبات الحكم في المذكور، ونفيه عما سواه، أي: ما المؤمنون إلا هؤلاء، والمراد ما المؤمنون حقَّا الذين تم إيمانهم إلا هؤلاء الذين آمنوا بالله ورسوله.
▫️﴿آمَنُوا﴾ أقرُّوا إقرارًا مستلزمًا للقبول والإذعان، وليس مجرد الإقرار كافيًا، بل لا بد من قبول وإذعان، والدليل على أن مجرد الإقرار ليس بكاف: أن النبيَّ ﷺ أخبر عن عمه أبي طالب أنه في النار(١)، مع أنه مؤمن بالرسول عليه الصلاة والسلام مصدق به، يقول في لاميته المشهورة:
لَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ ابْنَنَا لَا مُكَذَّبٌ ∗∗∗ لَدَيْنَا وَلَا يُعْنَى بِقَــــوْلِالْأَبَاطِلِويقول عن دين الرسول:
وَلَقَـــدْ عَلِمْتُ بِأَنَّ دِينَ مُحَمَّدٍ ∗∗∗ مِنْ خَــــــيْرِ أَدْيَانِ الْــــبَرِيَّــــةِدِيـــــنَالكنه -والعياذ بالله- لم يقبل هذا الدين، ولم يذعن به، وكان آخر ما قال: إنه على الشرك؛ على ملة عبد المطلب.
🔹فالذين آمنوا بالله ورسوله: هم الذين أقروا إقرارًا تامًّا بما يستحقه الله عز وجل، وبما يستحقه الرسول عليه الصلاة والسلام وقبلوا ذلك وأذعنوا له.﴿ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا﴾ كلمة ﴿ثُمَّ﴾ هنا في موقع من أحسن المواقع، ﴿ثُمَّ﴾ تدل على الترتيب بمهلة؛ يعني: ثم استقروا وثبتوا على الإيمان مع طول المدة: و﴿لَمْ يَرْتَابُوا﴾ أي: لم يلحقهم شك في الإيمان بالله ورسوله. وهنا ننبه إلى مسألة يكثُر السؤال عنها في هذا الوقت، وإن كان أصلها موجودًا في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام؛ وهي الوساوس التي يلقيها الشيطان في قلب الإنسان، يلقي الشيطان في قلب الإنسان أحيانًا وساوس وشكوكًا في الإيمان؛ في القرآن، في الرسول، في الرب عز وجل، وساوس يحب الإنسان أن يُمزَّق لحمُه ويكْسَر عظمُه ولا يتكلم بذلك، فما موقف الإنسان من هذا؟موقف الإنسان من هذا: أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وينتهي، يُعرِض عن هذا، ولا يفكر فيه إطلاقًا، وقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن مثل هذه الوساوس صريح الإيمان، أي: خالص الإيمان، هذا إنما كان صريح الإيمان؛ لأن الشيطان لا يأتي لإنسان شاك يشككه في دينه، وإنما يأتي لإنسان ثابت مستقر ليشككه في دينه فيفسده عليه، وأما المؤمن الذي استقر الإيمان في قلبه، واطمأن قلبه بالإيمان؛ فإنه هو الذي يأتيه الشيطان ليفسد عليه، أمَّا من ليس بمؤمن فإن الشيطان لا يأتيه بمثل هذه الوسواس؛ لأنه منته منه.
🔸والمهم أن قوله: ﴿ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا﴾ يدل على أنهم ثبتوا على الإيمان، ولو طالت المدة، فإذا قال قائل: ما هي الطريق التي توجب للإنسان ثبوت الإيمان واستقراره؟قلنا: أولًا: أن يتفكر في مخلوقات الله سبحانه وتعالى، وأن هذه المخلوقات العظيمة لم تكن وليدة الصدفة، ولم تكن وليدة بنفسها، وأن يتفكر أيضًا في شريعة الله وكمالها، وأن يتفكر في سيرة النبي ﷺ وآياته، وما إلى ذلك، وكذلك أيضًا يُكثِر من ذكر الله عز وجل، فإن بذكر الله تطمئن القلوب، ويكثر من الطاعات والأعمال الصالحة؛ لأن الطاعات والأعمال الصالحة تزيد في الإيمان كما هو مذهب أهل السنة والجماعة رحمهم الله.
◾﴿وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [الحجرات ١٥]، هذا أيضًا معطوف على قوله: ﴿آمَنُوا﴾ أي: هم الذين مع إيمانهم بالله عز وجل، ويقينهم وعدم ارتيابهم يريدون أن يصلحوا عباد الله، بماذا؟ بالجهاد في سبيل الله، يجاهدون أعداء الله ليرجعوا إلى دين الله، ويستقيموا عليه، لا للانتقام منهم، ولا للانتصار لأنفسهم، ولكن ليدخلوا في دين الله عز وجل.
🔹والجهاد في سبيل الله: هو القتال لتكون كلمة الله هي العليا، لا للانتقام، القتال للانتقام ليس إلا مدافعة عن النفس أو أخذًا بالثأر فقط، لكن الجهاد حقيقة: هو أن يقاتل الإنسان لتكون كلمة الله هي العليا، أما الجهاد انتصارًا للنفس، أو دفاعًا عن النفس فقط فليس في سبيل الله، لكن لا شك أن من قاتل دفاعًا عن نفسه فإنَّه إن قُتِلَ فهو شهيد، وإن قتل صاحبه فصاحبه في النار، كما جاء في الحديث عن النبي ﷺ فيمن أراد أن يأخذ مالك قال: «لَا تُعْطِهْ». قال: يا رسول الله، أرأيت إن قاتَلَني؟ قال: «قَاتِلْهُ»، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: «فَأَنْتَ شَهِيدٌ» قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: «فَهُوَ فِي النَّارِ»(٢).
#سلسله_تدبير_وتفسير_سورة_الحجرات 💛🍃
◀️ ﷽
﴿إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ ثُمَّ لَمۡ یَرۡتَابُوا۟ وَجَـٰهَدُوا۟ بِأَمۡوَ ٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلصَّـٰدِقُونَ﴾ [الحجرات ١٥]
🔲 نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير سورة الحجرات .الآية هي قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا﴾ [الحجرات ١٥]، ﴿إِنَّمَا﴾ أداة حصر تفيد إثبات الحكم في المذكور، ونفيه عما سواه، أي: ما المؤمنون إلا هؤلاء، والمراد ما المؤمنون حقَّا الذين تم إيمانهم إلا هؤلاء الذين آمنوا بالله ورسوله.
▫️﴿آمَنُوا﴾ أقرُّوا إقرارًا مستلزمًا للقبول والإذعان، وليس مجرد الإقرار كافيًا، بل لا بد من قبول وإذعان، والدليل على أن مجرد الإقرار ليس بكاف: أن النبيَّ ﷺ أخبر عن عمه أبي طالب أنه في النار(١)، مع أنه مؤمن بالرسول عليه الصلاة والسلام مصدق به، يقول في لاميته المشهورة:
لَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ ابْنَنَا لَا مُكَذَّبٌ ∗∗∗ لَدَيْنَا وَلَا يُعْنَى بِقَــــوْلِالْأَبَاطِلِويقول عن دين الرسول:
وَلَقَـــدْ عَلِمْتُ بِأَنَّ دِينَ مُحَمَّدٍ ∗∗∗ مِنْ خَــــــيْرِ أَدْيَانِ الْــــبَرِيَّــــةِدِيـــــنَالكنه -والعياذ بالله- لم يقبل هذا الدين، ولم يذعن به، وكان آخر ما قال: إنه على الشرك؛ على ملة عبد المطلب.
🔹فالذين آمنوا بالله ورسوله: هم الذين أقروا إقرارًا تامًّا بما يستحقه الله عز وجل، وبما يستحقه الرسول عليه الصلاة والسلام وقبلوا ذلك وأذعنوا له.﴿ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا﴾ كلمة ﴿ثُمَّ﴾ هنا في موقع من أحسن المواقع، ﴿ثُمَّ﴾ تدل على الترتيب بمهلة؛ يعني: ثم استقروا وثبتوا على الإيمان مع طول المدة: و﴿لَمْ يَرْتَابُوا﴾ أي: لم يلحقهم شك في الإيمان بالله ورسوله. وهنا ننبه إلى مسألة يكثُر السؤال عنها في هذا الوقت، وإن كان أصلها موجودًا في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام؛ وهي الوساوس التي يلقيها الشيطان في قلب الإنسان، يلقي الشيطان في قلب الإنسان أحيانًا وساوس وشكوكًا في الإيمان؛ في القرآن، في الرسول، في الرب عز وجل، وساوس يحب الإنسان أن يُمزَّق لحمُه ويكْسَر عظمُه ولا يتكلم بذلك، فما موقف الإنسان من هذا؟موقف الإنسان من هذا: أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وينتهي، يُعرِض عن هذا، ولا يفكر فيه إطلاقًا، وقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن مثل هذه الوساوس صريح الإيمان، أي: خالص الإيمان، هذا إنما كان صريح الإيمان؛ لأن الشيطان لا يأتي لإنسان شاك يشككه في دينه، وإنما يأتي لإنسان ثابت مستقر ليشككه في دينه فيفسده عليه، وأما المؤمن الذي استقر الإيمان في قلبه، واطمأن قلبه بالإيمان؛ فإنه هو الذي يأتيه الشيطان ليفسد عليه، أمَّا من ليس بمؤمن فإن الشيطان لا يأتيه بمثل هذه الوسواس؛ لأنه منته منه.
🔸والمهم أن قوله: ﴿ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا﴾ يدل على أنهم ثبتوا على الإيمان، ولو طالت المدة، فإذا قال قائل: ما هي الطريق التي توجب للإنسان ثبوت الإيمان واستقراره؟قلنا: أولًا: أن يتفكر في مخلوقات الله سبحانه وتعالى، وأن هذه المخلوقات العظيمة لم تكن وليدة الصدفة، ولم تكن وليدة بنفسها، وأن يتفكر أيضًا في شريعة الله وكمالها، وأن يتفكر في سيرة النبي ﷺ وآياته، وما إلى ذلك، وكذلك أيضًا يُكثِر من ذكر الله عز وجل، فإن بذكر الله تطمئن القلوب، ويكثر من الطاعات والأعمال الصالحة؛ لأن الطاعات والأعمال الصالحة تزيد في الإيمان كما هو مذهب أهل السنة والجماعة رحمهم الله.
◾﴿وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [الحجرات ١٥]، هذا أيضًا معطوف على قوله: ﴿آمَنُوا﴾ أي: هم الذين مع إيمانهم بالله عز وجل، ويقينهم وعدم ارتيابهم يريدون أن يصلحوا عباد الله، بماذا؟ بالجهاد في سبيل الله، يجاهدون أعداء الله ليرجعوا إلى دين الله، ويستقيموا عليه، لا للانتقام منهم، ولا للانتصار لأنفسهم، ولكن ليدخلوا في دين الله عز وجل.
🔹والجهاد في سبيل الله: هو القتال لتكون كلمة الله هي العليا، لا للانتقام، القتال للانتقام ليس إلا مدافعة عن النفس أو أخذًا بالثأر فقط، لكن الجهاد حقيقة: هو أن يقاتل الإنسان لتكون كلمة الله هي العليا، أما الجهاد انتصارًا للنفس، أو دفاعًا عن النفس فقط فليس في سبيل الله، لكن لا شك أن من قاتل دفاعًا عن نفسه فإنَّه إن قُتِلَ فهو شهيد، وإن قتل صاحبه فصاحبه في النار، كما جاء في الحديث عن النبي ﷺ فيمن أراد أن يأخذ مالك قال: «لَا تُعْطِهْ». قال: يا رسول الله، أرأيت إن قاتَلَني؟ قال: «قَاتِلْهُ»، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: «فَأَنْتَ شَهِيدٌ» قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: «فَهُوَ فِي النَّارِ»(٢).
«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
صورة من WR_Mirvt
,( الدرس الخامس عشر )
#سلسله_تدبير_وتفسير_سورة_الحجرات 💛🍃
◀️ ﷽
﴿قُلۡ أَتُعَلِّمُونَ ٱللَّهَ بِدِینِكُمۡ وَٱللَّهُ یَعۡلَمُ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَمَا فِی ٱلۡأَرۡضِۚ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمࣱ﴾ [الحجرات ١٦]
🔲 نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير سورة الحجرات.الآية هي قوله تعالى﴿قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ [الحجرات: ١٦]، هذا إنكار لقول الذين قالوا: آمنا؛ يعني: أتعلِّمون الله تعالى بأنكم آمنتم وهو عليم بكل شيء؟ و﴿تُعَلِّمُونَ اللَّهَ﴾ بمعني تخبِّرون الله، وليس المراد ترفعون جهله عن حالكم؛ لأنَّه يعلم حالهم عز وجل، ويعلم أنهم مؤمنون أو غير مؤمنين، لكن ﴿تُعَلِّمُونَ﴾ هنا بمعنى أيش؟ تخبِّرون، وليس بمعنى: ترفعون الجهل عن الله عز وجل؛ لأن الله ليس جاهلًا بحالهم، بل هو عالم.
◾﴿أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ﴾ حينما قلتم: آمنا؟ ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ ومنه - أي مما في السموات والأرض- حالكم إن كنتم مؤمنين أو غير مؤمنين.
🔘 وفي هذه الآية: إشارة إلى أن النطق بالنية في العبادات مُنكَر؛ لأن الإنسان الذي يقول: أريد أن أصلي، يعلم الله سبحانه وتعالى بما يريد من العمل، والله يعلم، والذي يقول: أريد أن أصوم كذلك، والذي يقول: نويت أن أتصدَّق كذلك، والذي يقول: نويت أن أحج كذلك أيضًا؛ ولهذا لا يُسَنُّ النطق بالنية في العبادات كلها؛ لا في الحج ولا في الصدقة، ولا في الصوم، ولا في الوضوء، ولا في الصلاة، ولا غير ذلك، لماذا؟ لأن النية محلها القلب والله عالم بذلك لا حاجة أن تخبر الله به.
🔹﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾.﴿مَا فِي السَّمَاوَاتِ﴾ عام، ﴿وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ عام كل شيء يعلمه الله، وقد تقدم لنا الكلام مرارًا على هذه الصفة العظيمة من صفات الله، والتي هي من أوسع صفاته جل وعلا.
▫️﴿وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ ﴿بِكُلِّ شَيْءٍ﴾ خفي أو بيِّن، عام أو خاص، هو عالم به جل وعلا.ثم قال تعالى: ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا﴾ [الحجرات ١٧] إلى آخر آيات، إلى آخر السورة، ونكملها إن شاء الله في اللقاء القادم؛ لأن الوقت قد حصرنا، ولنتفرغ إلى الأسئلة.
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
#سلسله_تدبير_وتفسير_سورة_الحجرات 💛🍃
◀️ ﷽
﴿قُلۡ أَتُعَلِّمُونَ ٱللَّهَ بِدِینِكُمۡ وَٱللَّهُ یَعۡلَمُ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَمَا فِی ٱلۡأَرۡضِۚ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمࣱ﴾ [الحجرات ١٦]
🔲 نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير سورة الحجرات.الآية هي قوله تعالى﴿قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ [الحجرات: ١٦]، هذا إنكار لقول الذين قالوا: آمنا؛ يعني: أتعلِّمون الله تعالى بأنكم آمنتم وهو عليم بكل شيء؟ و﴿تُعَلِّمُونَ اللَّهَ﴾ بمعني تخبِّرون الله، وليس المراد ترفعون جهله عن حالكم؛ لأنَّه يعلم حالهم عز وجل، ويعلم أنهم مؤمنون أو غير مؤمنين، لكن ﴿تُعَلِّمُونَ﴾ هنا بمعنى أيش؟ تخبِّرون، وليس بمعنى: ترفعون الجهل عن الله عز وجل؛ لأن الله ليس جاهلًا بحالهم، بل هو عالم.
◾﴿أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ﴾ حينما قلتم: آمنا؟ ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ ومنه - أي مما في السموات والأرض- حالكم إن كنتم مؤمنين أو غير مؤمنين.
🔘 وفي هذه الآية: إشارة إلى أن النطق بالنية في العبادات مُنكَر؛ لأن الإنسان الذي يقول: أريد أن أصلي، يعلم الله سبحانه وتعالى بما يريد من العمل، والله يعلم، والذي يقول: أريد أن أصوم كذلك، والذي يقول: نويت أن أتصدَّق كذلك، والذي يقول: نويت أن أحج كذلك أيضًا؛ ولهذا لا يُسَنُّ النطق بالنية في العبادات كلها؛ لا في الحج ولا في الصدقة، ولا في الصوم، ولا في الوضوء، ولا في الصلاة، ولا غير ذلك، لماذا؟ لأن النية محلها القلب والله عالم بذلك لا حاجة أن تخبر الله به.
🔹﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾.﴿مَا فِي السَّمَاوَاتِ﴾ عام، ﴿وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ عام كل شيء يعلمه الله، وقد تقدم لنا الكلام مرارًا على هذه الصفة العظيمة من صفات الله، والتي هي من أوسع صفاته جل وعلا.
▫️﴿وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ ﴿بِكُلِّ شَيْءٍ﴾ خفي أو بيِّن، عام أو خاص، هو عالم به جل وعلا.ثم قال تعالى: ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا﴾ [الحجرات ١٧] إلى آخر آيات، إلى آخر السورة، ونكملها إن شاء الله في اللقاء القادم؛ لأن الوقت قد حصرنا، ولنتفرغ إلى الأسئلة.
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
صورة من WR_Mirvt
( الدرس السادس عشر )
#سلسله_تدبير_وتفسير_سورة_الحجرات 💛🍃
◀️ ﷽
﴿یَمُنُّونَ عَلَیۡكَ أَنۡ أَسۡلَمُوا۟ۖ قُل لَّا تَمُنُّوا۟ عَلَیَّ إِسۡلَـٰمَكُمۖ بَلِ ٱللَّهُ یَمُنُّ عَلَیۡكُمۡ أَنۡ هَدَىٰكُمۡ لِلۡإِیمَـٰنِ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِینَ﴾ [الحجرات ١٧]
إذن نقول: نتكلم بما ييسره الله عز وجل فيما بقي من تفسير سورة الحجرات؛ يقول الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ﴾.
🔸في هذه الآية تكررت (أن) ثلاث مرات ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الحجرات ١٧] تكررت مرتين، وهي على تقدير الباء؛ أي: يمنون عليك -يا محمد- بإسلامهم، هذا هو التقدير، وحذف الجار مع (أن) و(أن) مطرد، كما قاله ابن مالك رحمه الله في الألفية، في الخلاصة يقول رحمه الله: إن حذف الجار مع (أن) و(أن) يطرد، مع أمن اللبس.
🔹﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا﴾ أي: بأن أسلموا؛ أي: بإسلامهم، ويعني بذلك قومًا أسلموا بدون قتال، فجعلوا يمنون على الرسول عليه الصلاة والسلام، يذكرون الفضائل ويقولون: إننا نحن آمنَّا بك، ولم نقاتلْك، كما قاتلك الناس، مع أن المصلحة لمن؟ المصلحة لهم؛ ولهذا قال الله تعالى: ﴿بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ﴾.
◾وقوله: ﴿بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ﴾ هذا إضراب لإبطال ما سبق؛ أي: ليس لكم منة على الرسول عليه الصلاة والسلام بإسلامكم، بل المنة لله عز وجل عليكم أن هداكم للإيمان، ولا شك أن هذا أعظم منة؛ أن يمن الله تعالى على العبد بالهداية للإيمان، مع أن الله أضل كثيرًا من الأمة عنه، فإن بني آدم منهم تسع مئة وتسعة وتسعون كلهم في النار، وواحد من الألف في الجنة، فمن وُفِّق؛ لأن يكون من أهل الجنة؛ فذلك منة من الله عليه عظيمة؛ ولهذا كان الأنصار رضي الله عنهم؛ حينما جمعهم النبي ﷺ -يوم قسم غنائم حنين- كلما ذكر لهم شيئًا قالوا: الله ورسوله أمَنُّ، قال: «أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلَّالًا فَهَدَاكُمُ اللَّهُ بِي؟» قالوا: الله ورسوله أَمَنُّ، قال: «أَلَمْ أَجِدْكُمْ مُتَفَرِّقينَ فَجَمَعَكُمُ اللَّهُ بِي؟» قالوا: الله ورسوله أمن(١)، كلما ذكر شيئًا قالوا: الله ورسوله أمَنُّ، فالمنة لله علينا، على كل من هداه الله، على كل من أنعم الله عليه بنعمة، فالمنة لله عز وجل عليه.
▫️وقوله: ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ أي: إن كنتم من ذوي الصدق، القائلين بالصدق؛ فاعرفوا هذا أن المنة لله عليكم.﴿بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾.
(١) متفق عليه؛ البخاري (٤٣٣٠)، ومسلم (١٠٦١ / ١٣٩) من حديث عبد الله بن زيد بن عاصم.
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
#سلسله_تدبير_وتفسير_سورة_الحجرات 💛🍃
◀️ ﷽
﴿یَمُنُّونَ عَلَیۡكَ أَنۡ أَسۡلَمُوا۟ۖ قُل لَّا تَمُنُّوا۟ عَلَیَّ إِسۡلَـٰمَكُمۖ بَلِ ٱللَّهُ یَمُنُّ عَلَیۡكُمۡ أَنۡ هَدَىٰكُمۡ لِلۡإِیمَـٰنِ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِینَ﴾ [الحجرات ١٧]
إذن نقول: نتكلم بما ييسره الله عز وجل فيما بقي من تفسير سورة الحجرات؛ يقول الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ﴾.
🔸في هذه الآية تكررت (أن) ثلاث مرات ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الحجرات ١٧] تكررت مرتين، وهي على تقدير الباء؛ أي: يمنون عليك -يا محمد- بإسلامهم، هذا هو التقدير، وحذف الجار مع (أن) و(أن) مطرد، كما قاله ابن مالك رحمه الله في الألفية، في الخلاصة يقول رحمه الله: إن حذف الجار مع (أن) و(أن) يطرد، مع أمن اللبس.
🔹﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا﴾ أي: بأن أسلموا؛ أي: بإسلامهم، ويعني بذلك قومًا أسلموا بدون قتال، فجعلوا يمنون على الرسول عليه الصلاة والسلام، يذكرون الفضائل ويقولون: إننا نحن آمنَّا بك، ولم نقاتلْك، كما قاتلك الناس، مع أن المصلحة لمن؟ المصلحة لهم؛ ولهذا قال الله تعالى: ﴿بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ﴾.
◾وقوله: ﴿بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ﴾ هذا إضراب لإبطال ما سبق؛ أي: ليس لكم منة على الرسول عليه الصلاة والسلام بإسلامكم، بل المنة لله عز وجل عليكم أن هداكم للإيمان، ولا شك أن هذا أعظم منة؛ أن يمن الله تعالى على العبد بالهداية للإيمان، مع أن الله أضل كثيرًا من الأمة عنه، فإن بني آدم منهم تسع مئة وتسعة وتسعون كلهم في النار، وواحد من الألف في الجنة، فمن وُفِّق؛ لأن يكون من أهل الجنة؛ فذلك منة من الله عليه عظيمة؛ ولهذا كان الأنصار رضي الله عنهم؛ حينما جمعهم النبي ﷺ -يوم قسم غنائم حنين- كلما ذكر لهم شيئًا قالوا: الله ورسوله أمَنُّ، قال: «أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلَّالًا فَهَدَاكُمُ اللَّهُ بِي؟» قالوا: الله ورسوله أَمَنُّ، قال: «أَلَمْ أَجِدْكُمْ مُتَفَرِّقينَ فَجَمَعَكُمُ اللَّهُ بِي؟» قالوا: الله ورسوله أمن(١)، كلما ذكر شيئًا قالوا: الله ورسوله أمَنُّ، فالمنة لله علينا، على كل من هداه الله، على كل من أنعم الله عليه بنعمة، فالمنة لله عز وجل عليه.
▫️وقوله: ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ أي: إن كنتم من ذوي الصدق، القائلين بالصدق؛ فاعرفوا هذا أن المنة لله عليكم.﴿بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾.
(١) متفق عليه؛ البخاري (٤٣٣٠)، ومسلم (١٠٦١ / ١٣٩) من حديث عبد الله بن زيد بن عاصم.
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
Photo
( الدرس السابع عشر )
#سلسله_تدبير_وتفسير_سورة_الحجرات 💛🍃
◀️ ﷽
﴿إِنَّ ٱللَّهَ یَعۡلَمُ غَیۡبَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَٱللَّهُ بَصِیرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ﴾ [الحجرات ١٨]
🔲 نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير سورة الحجرات.الآية هي قوله تعالى﴿إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [الحجرات: ١٨]، أخبر الله بهذه الآية أنه يعلم كل ما غاب في السماوات والأرض، وما ظهر فهو من باب أولى.
◾وأخبر عز وجل أنه من جملة ما يعلمه عملُ بني آدم؛ ولهذا قال: ﴿وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾، وهذه الآية تفيدُ مسألة عظيمة في سلوك الإنسان وعمله، وهو أن يعلم بأن الله تعالى بصير بعمله محيط به، فيخشى الله ويتقيه.نسأل الله تعالى أن يَمُنَّ علينا وعليكم بالهداية والتوفيق.
ويا حبذا لو أن أحدكم تكلم على هذه السورة، واستنبط ما فيها من الآداب العظيمة، وجمعها، حتى تكون مرجعًا له عند الحاجة، ولقد رأيت بعض الناس ألَّف تأليفًا مستقلًّا فيما يستنبط من هذه الآيات الكريمة من الآداب والأخلاق، وهي جديرة بذلك.نسأل الله أن يَمُنَّ علينا وعليكم بالأخلاق الفاضلة، والآداب العالية؛ إنه على كل شيء قدير.
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
وبكدة نكون ختمنا #سلسله_تدبير_وتفسير_سورة_الحجرات ان شاء الله هنبداء مع بعض سلسله طويله شويتين وهي جزء عم كاملاً ان شاء الله هذه السلسلة صدقة جاري لي ولوالدي وللمؤمنين والمؤمنات الاحياء منهم والاموات وزملائي في القناة جزانا الله واياكم خيراً كثيراً ❤️
#سلسله_تدبير_وتفسير_سورة_الحجرات 💛🍃
◀️ ﷽
﴿إِنَّ ٱللَّهَ یَعۡلَمُ غَیۡبَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَٱللَّهُ بَصِیرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ﴾ [الحجرات ١٨]
🔲 نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير سورة الحجرات.الآية هي قوله تعالى﴿إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [الحجرات: ١٨]، أخبر الله بهذه الآية أنه يعلم كل ما غاب في السماوات والأرض، وما ظهر فهو من باب أولى.
◾وأخبر عز وجل أنه من جملة ما يعلمه عملُ بني آدم؛ ولهذا قال: ﴿وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾، وهذه الآية تفيدُ مسألة عظيمة في سلوك الإنسان وعمله، وهو أن يعلم بأن الله تعالى بصير بعمله محيط به، فيخشى الله ويتقيه.نسأل الله تعالى أن يَمُنَّ علينا وعليكم بالهداية والتوفيق.
ويا حبذا لو أن أحدكم تكلم على هذه السورة، واستنبط ما فيها من الآداب العظيمة، وجمعها، حتى تكون مرجعًا له عند الحاجة، ولقد رأيت بعض الناس ألَّف تأليفًا مستقلًّا فيما يستنبط من هذه الآيات الكريمة من الآداب والأخلاق، وهي جديرة بذلك.نسأل الله أن يَمُنَّ علينا وعليكم بالأخلاق الفاضلة، والآداب العالية؛ إنه على كل شيء قدير.
(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
وبكدة نكون ختمنا #سلسله_تدبير_وتفسير_سورة_الحجرات ان شاء الله هنبداء مع بعض سلسله طويله شويتين وهي جزء عم كاملاً ان شاء الله هذه السلسلة صدقة جاري لي ولوالدي وللمؤمنين والمؤمنات الاحياء منهم والاموات وزملائي في القناة جزانا الله واياكم خيراً كثيراً ❤️