نُتف واضحية
2.9K subscribers
33 photos
13 videos
20 files
382 links
قِمَطرٌ لتفاريق المذاكرات، وبوادر الخواطر، يصونها، ويدلّ عليها، ويرجو بالمثاقفة فيها التّمام والدّوام.
Download Telegram
Live stream started
Live stream finished (1 hour)
•|  إنّ اللهَ لا يغيِّرُ ما بقومٍ حتّىٰ يغيِّروا ما بأنفسِهم (13)   |•

* نفوذ الأمر:

ومهما تكلَّفْنا الفِرارَ مِن قبضةِ الحقِّ السّاطية، فنحن مسوقُون إليها، لا محالةَ، سنةَ اللهِ الّذي له الخلقُ والأمرُ ... وكتابُ اللهِ يَهتِكُ الأستار، ويبوحُ بالأسرار، وقد تأسَّس ذٰلك كلُّه علىٰ قاعدةِ قولِ اللهِ: ﴿إنّ اللهَ لا يغيِّرُ ما بقومٍ حتّىٰ يغيِّروا ما بأنفسِهم﴾. وإنّما على العاقلِ أن ينظُرَ في نفسِه، وما يحملُ بين جوانِحِه: هل يخشىٰ أن يغيِّر اللهُ ما به مِن نعمةٍ، وهل يريدُ أن يغيِّره اللهُ إلىٰ أعمالِ البِرِّ حقًّا؟! والحقيقةُ أنّنا لا نريدُ، لأنّ لازمَ ذٰلك شديدٌ، ونحن راضون أبدًا بالتّوسُّع مِن كلِّ مشتهًى جديدٍ، والتّقلُّل مِن كلِّ نفيسٍ تليدٍ ...

•┈┈• ❀ ❀ •┈┈•

نُتف واضحية
•|  إنّ اللهَ لا يغيِّرُ ما بقومٍ حتّىٰ يغيِّروا ما بأنفسِهم (14)   |•

* سواءٌ:

إنّ كتابَ اللهِ الجليلِ، يستوي النّاسُ في التزامِ أحكامِه، والخضوعِ لحَلِّه وإبرامِه، لا فضلَ لإمامٍ علىٰ مأمومٍ، ولا لحاكمٍ علىٰ محكومٍ، ولا لحميدٍ علىٰ مذمومٍ، ولا للائمٍ علىٰ ملومٍ، ونحن اليومَ لا ننظُرُ هٰذا النَّظَر، بل كلٌّ منّا يميلُ إلى المنصبِ الّذي تبوَّأَه، والحِليةِ الّتي عرَفه بها النّاسُ، فلا يتعلَّقُ مِن القرآنِ إلّا بما ينصُرُ آمالَه، ويزيّنُ أسمالَه، يجعلُ له بذٰلك الوسيلةَ إلىٰ ما عندَ اللهِ، إذ كان هو وسيلتَه إلىٰ ما عند النّاسِ، وقد أَبطَل اللهُ تبارَك اسمُه تلك الوسائلَ الزّائفةَ فقال: ﴿وما أموالُكم ولا أولادُكم﴾ الآيةَ، أي: ولا تجارتُكم، ولا جاهُكم، ولا حيلتُكم، ولا منزلتُكم، ولا جمالُكم، ولا دهاؤُكم، ولا قوّتُكم، ولا بأسُكم، ولا زِيُّكم، ولا شارتُكم، ولا ذَلاقتُكم، ولا لباقتُكم، ولا غيرُ ذٰلك ممّا تتفاخَرون به، ويروجُ به أمرُ بعضِكم علىٰ بعضٍ، واكتفىٰ بالأموالِ والأولادِ لأنّهما أشدُّ ما يتكاثرُ به النّاس، ويتباهَون، ومنه: ﴿وقال لَأُوتَيَنّ مالًا وولدًا﴾، ﴿وما أموالُكم ولا أولادُكم بالّتي تُقرِّبُكم عندنا زُلفىٰ إلّا مَن آمَن وعَمِل صالحًا﴾، فقد أَبطَل اللهُ كلَّ وسيلةٍ إليه إلّا وسيلةَ الإيمانِ والعملِ الصّالحِ. وجعَل الأنفسَ كلَّها خاضعةً لتخويفِه ووعدِه ووعيدِه.

ونادى اللهُ عزّ وجلّ النّاسَ نداءً سوَّىٰ بينهم فيه، وذكَّرهم بأوَّل أمرِهم أنّهم أبناءُ أبٍ واحدٍ وأمٍّ واحدةٍ، وحكَم أنّه لا فضلَ لأحدٍ منهم علىٰ أحدٍ إلّا بالتّقوىٰ: ﴿يا أيّها النّاسُ إنّا خلقْناكم مِن ذكرٍ وأنثىٰ وجعَلناكم شعوبًا وقبائلَ لتعارفوا إنّ أكرمكم عند اللهِ أتقاكم إنّ اللهَ عليمٌ خبيرٌ﴾، وجعَل درَجاتِهم بحسَبِ ما قدَّموا مِن عملٍ، وما سعَوا: ﴿ولكلٍّ درَجاتٌ ممّا عملوا وما ربُّك بغافلٍ عمّا يعملون﴾، ﴿هم درَجاتٌ عند اللهِ واللهُ بصيرٌ بما يعملون﴾.

وأراد اللهُ سبحانه هٰذا المعنىٰ عن طريقِ خطابِ النّبيّين الّذين هم أشرفُ الخلقِ بما خاطَب به غيرَهم مِن مطالبِ العبادةِ، فقال عن النّبيِّين: ﴿ولو أَشرَكوا لَحَبِط عنهم ما كانوا يعملون﴾، كما قال في غيرِهم: ﴿ومَن يُشرِك باللهِ فكأنّما خرَّ مِن السّماءِ فتَخَطَّفُه الطّيرُ أو تهوي به الرّيحُ في مكانٍ سحيقٍ﴾، وقال في النّبيِّين: ﴿ولقد كُذِّبت رسلٌ مِن قبلِك فصَبَروا علىٰ ما كُذِّبوا وأوذوا حتّىٰ أتاهم نصرُنا ولا مبدِّلَ لكلماتِ اللهِ ولقد جاءك مِن نبإ المرسلين﴾، ﴿حتّىٰ إذا استيأس الرُّسُلُ وظَنُّوا أنّهم قد كُذِّبوا جاءهم ...﴾، كما قال لغيرِهم: ﴿أحَسِب النّاسُ أن يُتـرَكوا أن يقولوا آمَنّا وهم لا يُفتَنون ...﴾، وأخبر عن الرّسلِ أنّهم يقولون: ﴿وما يكون لنا أن نعودَ فيها إلّا أن يشاءَ اللهُ ربُّنا وسع ربُّنا كلَّ شيءٍ علمًا ...﴾، وقال: ﴿وما أرسلنا قبلك مِن المرسلين إلّا إنّهم ليأكلون الطّعامَ ويمشون في الأسواقِ﴾، ﴿قالت لهم رسُلُهم إن نحن إلّا بشرٌ مثلُكم﴾، وقال لنبيِّه: ﴿إنّا أنزلنا إليك الكتابَ بالحقِّ لتحكمَ بين النّاسِ بما أراك اللهُ ولا تكن للخائنين خصيمًا واستغفر اللهَ إنّ اللهَ كان غفورًا رحيمًا ولا تجادل عن الّذين يختانون أنفسَهم﴾، وقال له: ﴿فاصبِرْ إنّ وعدَ اللهِ حقٌّ واستغفرْ لذنبِك وسبِّح بحمدِ ربِّك بالعشيِّ والإبكارِ﴾، ﴿قل إنّ صلاتي ونُسُكي ومحياي ومماتي للهِ ربِّ العالمين لا شريكَ له وبذٰلك أُمِرتُ وأنا أوّلُ المسلمين﴾، فلم يكن في هٰذا إلّا الدُّخُولُ في عَتَباتِ العبوديّة، والشُّمُولُ بأحكامِها، بل السَّبقُ في ذٰلك، والأمّةُ كلُّها تابعةٌ له في ما أُمِر به، وقال في الخيِّرين أبي بكرٍ وعمرٍ: ﴿لا ترفعوا أصواتَكم فوقَ صوتِ النّبيِّ ...﴾، وقال في أبي بكرٍ: ﴿ولا يأتلِ أولو الفضلِ منكم ...﴾، وقال في الصّحابة وهم سادةُ الأمّةِ: ﴿وتَحسِبُونه هيِّنًا وهو عند اللهِ عظيمٌ﴾، ﴿وتوبوا إلى اللهِ جميعًا أيُّها المؤمنون ...﴾، فما نبتغي بعدهم مِن مزيّةٍ، وما نحن فيهم إلّا كالدَّهماءِ والحطب ...

فكن ما شئتَ أيُّها القارئُ لهٰذه الكلماتِ، فاعلم أنّك أحقرُ وأذلُّ مِن أن تكونَ في عَلْياءِ هٰؤلاء الأشرافِ، ولم يستنكفوا عن عبادةِ اللهِ، ولا عن تلاوةِ كلامِ اللهِ، ولا عن إسلامِ الوجوهِ لله، ولا عن الخوفِ مِن عقابِ الله، ولا نَدُّوا عن خطابِ اللهِ، فلا تحملنَّك الرُّعُونةُ، ولا يجرمنَّك الهوىٰ أن تجني علىٰ نفسِك المسكينةِ! ولَخيرٌ لك أن ترحمَ ضعفَك وتخشى التَّلَف، وأن تضَعَ مِن الكِبْرِ والصَّلَف.

•┈┈• ❀ ❀ •┈┈•

نُتف واضحية
Live stream started
Live stream finished (43 minutes)
نُتف واضحية
•|  إنّ اللهَ لا يغيِّرُ ما بقومٍ حتّىٰ يغيِّروا ما بأنفسِهم (14)   |• * سواءٌ: إنّ كتابَ اللهِ الجليلِ، يستوي النّاسُ في التزامِ أحكامِه، والخضوعِ لحَلِّه وإبرامِه، لا فضلَ لإمامٍ علىٰ مأمومٍ، ولا لحاكمٍ علىٰ محكومٍ، ولا لحميدٍ علىٰ مذمومٍ، ولا للائمٍ…
•|  إنّ اللهَ لا يغيِّرُ ما بقومٍ حتّىٰ يغيِّروا ما بأنفسِهم (15)   |•

* مِيزان دقيق:

إنّ القرآنَ الكريمَ هو الّذي يعرِّفُك نفسَك، ويعرِّفُك كيف تغيِّرُها، ليغيِّرَك اللهُ، وإلىٰ أيِّ شيءٍ تغيِّرُها، وما الّذي تتركُه، وما الّذي تبقيه، وما الّذي تأخذ به؟! فالقرآنُ فيه وصفُ الأَدْواء، وبيانُ الدَّواء، وقد أنزله اللهُ إلينا ليهتديَ بهداه، ونتّبع خُطاه، وجعَله روحًا مِن أمرِه، وضَمِن لمَن استمسَك به النّجاةَ، والسّعادةَ، فتبيَّن أنّ فيه أسبابَ كلِّ خيرٍ، ﴿قد جاءتكم موعظةٌ مِن ربِّكم وشفاءٌ لما في الصّدور وهدًى ورحمةٌ للمؤمنين﴾، ﴿ولكن جعَلناه نورًا نهدي به مَن نشاءُ مِن عبادِنا﴾، ﴿وأَنذِرْ به الّذين يخافون أن يُحشَروا إلىٰ ربِّهم ليس لهم مِن دونِه وليٌّ ولا شفيعٌ لعلّهم يتّقون﴾، ﴿وذكِّرْ به أن تُبسَل نفسٌ بما كسَبتْ ليس لها مِن دونِ اللهِ وليٌّ ولا شفيعٌ وإن تَعدِلْ كلَّ عدلٍ لا يُؤخَذْ منها﴾ الآيةَ.

* موسم عناية:

وشهرُ رمضانَ: شهرُ القرآن، فإذا أردتَّ أن تُفلِح في شَهرِك فتَعرِفَ نفسَك، وتُصلِحَ مِن أمرِك، وتُغيِّرَ مِن حالِك، وتثبِّتَ ما حباك الله به مِن خيرٍ، فاشغَلْ شهرَك بقراءةِ القرآنِ، واجعل لنفسِك معه عهدًا جديدًا، عهدَ المصاحبةِ، والأنسِ، والتّبصُّرِ، واقرأْ قراءةً تتعرَّفُ بها نفسَك، وتكتشفُ بها حقيقةَ أمرِك، وتَبلُغُ بها نعتَ كُنهِك، مِن دونِ محاباةٍ ولا حسنِ ظنٍّ، ثمّ تُقلِقك ممّا أنت فيه، وتُسخِطُ أمرَك الرّديء، وتزعجك إلى التّحوّلِ، فتنقلُك إلىٰ أن تبحثَ عن الخَلاصِ، وتسلُكَ سبلَه. فذٰلك الّذي أراد اللهُ لك مِن تشريعِ الصّيام، وأن جعَله شهرًا ترتاحُ فيه النّفوسُ للعبادةِ، وتَخِفُّ للاجتهادِ، وبنىٰ ذٰلك علىٰ قولِه سبحانه: ﴿شهرُ رمضان الّذي أنزل فيه القرآن هدًى للنّاسِ وبيّناتٍ مِن الهدىٰ والفرقان﴾، فليمتلئْ قلبُك مِن هٰذه الآيةِ، فهمًا لمعناها، وتصديقًا لخبَرها، وطلَبًا لتحقيقِها في نفسِك، ولتُبصِرْ مواقعَك منها، ولتشتغلْ جوارحُك سعيًا في امتثالِها، فما أجلَّ ربَّنا إذْ يدعونا إلىٰ ذٰلك وما أَرحَمه!

ولَئِن مضىٰ عليك مِن الشّهرِ ثُلُثاه، إنّ الثُّلُثَ الباقيَ لكثيرٌ، وإنّ ما ترجوه لَفِيه، وحسبُك ليلةُ القدر، فأَحسِن في ما بقي، واعمرْ لياليَك مِن التّلاوة والقيام والتّدبُّر، والمكافحة، تَنَل أجرَك في ما مضىٰ وما بقي، وفي روايةٍ عند البخاريِّ (813) لحديثِ أبي سعيدٍ الخدريِّ المعروفِ في اعتكافِ النّبيِّ ﷺ والتماسِه ليلةَ القدرِ أنّه قال: اعتَكَف رسولُ اللهِ ﷺ عشرَ الأُوَلِ مِن رمَضان، واعتكَفْنا معه، فأتاه جبريلُ فقال: «إنّ الّذي تَطلُبُ أمامَك»، فاعتَكَف العشرَ الأوسَطَ، فاعتَكَفْنا معه، فأتاه جبريلُ فقال: «إنّ الّذي تطلُبُ أمامَك».

إنّ الّذي نطلُبُ: أمامَنا، وفي ما بقي ما يستدركُ به المستدركُ، ويلحقُ المسبوقُ العَزُومُ، والغنيمةُ مُغريةٌ حقًّا، وفي التّخلُّفِ الحِرمانُ والخِذلان.

•┈┈• ❀ ❀ •┈┈•

نُتف واضحية
•|  إنّ اللهَ لا يغيِّرُ ما بقومٍ حتّىٰ يغيِّروا ما بأنفسِهم (16)   |•

* تحذير:

إنّ منتهىٰ دائِنا: إلىٰ فسادٍ في تعلُّقِ القلوبِ صرَفها عن مطالبِها، ثمّ فسادٍ في الهِمَم قطَع بها دونَ المسير. فأمّا تعلُّقُ القلوبِ فبالعاجلةِ، وأمّا الهِمَمُ: فدنيئةٌ نازلةٌ، لا تعلو إلىٰ قُنَنِ الصّلاحِ، ولا تصطبـرُ علىٰ لأواءِ الكفاح.

فإذا اجتمَع ذٰلك إلىٰ ما جُبِلت عليه النّفوسُ مِن كراهةِ التّقويمِ، والنّفورِ عن التّهذيبِ والإصلاح، والامتناعِ مِن المكاشَفة، ثمّ ضُمّ إلى الغفلةِ الّتي منها خُلِق الإنسانُ، وكان ضعيفًا ... فكيف تَفْتَكُّ!!

وكلُّها غيرَ الغفلةِ صلاحُها بتذكُّر الآخرةِ، وسماعِ قوارعِها، وزلازلِها، ومِن سِياطِ القلوبِ في ذٰلك قولُ الحقِّ تبارَك اسمُه: ﴿ألا يظُنُّ أولٰئك أنّهم مبعوثون ليومٍ عظيمٍ يومَ يقومُ النّاسُ لربِّ العالمين﴾، ﴿وكلُّهم آتيه يومَ القيامةِ فردًا﴾.

وأمّا الغفلةُ فالدّاءُ المستحكِمُ الدَّويُّ.

إنّ الغفلةَ أعظمُ الدّاءِ، وإنّ أوّلَ الدّواءِ: أن تُوجِس خيفةً مِن المرَض العُضالِ، وتخشىٰ منه الوبالَ، فتسارعَ في العلاجِ، وتَحرِصَ على التّغييرِ جَهدَك، فأمّا الغافلُ فلا يبلُغُ منه ذٰلك إلّا ما شاء اللهُ.

إنّ الغافلَ الّذي ليس له مِن نفسِه ما يُقلِقُه ويُزَلزِلُه ويُرِيه ضعفَه ويخوِّفُه ... لا طمَعَ فيه! لأنّه ليس مستعدًّا للتّغييرِ، ولا يَرىٰ مِن شيءٍ يحتاجُ إلىٰ إصلاحٍ، فخِطابُه بذٰلك ضربٌ في حديدٍ باردٍ ... وإنّما يَشعُر بذٰلك اليَقِظُ الحيُّ، الّذي يرىٰ ويَسمَع، و﴿إنّما تنذر مَن اتّبع الذّكرَ وخشي الرّحمٰن بالغيب﴾.

إنّ حِجابَ الغفلةِ لا بدَّ أن يُهتَك يومًا، فإمّا أن يَهتِكَه صاحبُه بعزمِ القلبِ، فيكونَ مِن النّاجين، وإمّا أن يثّاقَلَ، أو يَكرَهَ، أو يَشغَلَه ما احلَولىٰ مِن المَرتَعِ الوخيمِ، فتَهتِكَ حِجابَه الملائكةُ، إذْ يقبضون روحَه، وقد جاء الأجلُ، وهنالك تنقطعُ الأمانِيُّ، وتنقشعُ سحائبُ الغُرورِ، ويَرى الأمورَ علمَ اليقين، ويُقالُ له لو أغناه شيئًا: ﴿لقد كنتَ في غفلةٍ مِن هٰذا فكشَفْنا عنك غطاءَك فبصَرُك اليومَ حديدٌ﴾، وذٰلك التّبكيتُ الشّديدُ.

عِشْ ما بدا لك سالمًا
في ظلِّ شاهقةِ القصورْ

يُسعىٰ عليك بما اشتهيـ
ـتَ لدى الرّواحِ أو البُكورْ

فإذا النّفوسُ تقَعقَعتْ
في ظلِّ حشرجةِ الصُّدُورْ

فهناك تعلمُ موقنًا
ما كنتَ إلّا في غُرُورْ


إنّ المرءَ ما وهَب له اللهُ عقلًا وتفكيرًا، لا تَتوطَّنُه الغفلةُ، ولا يُسَرُّ بها قلبُه، كيف وله مِن نفسِه ما لا يزالُ يحدِّثُه بمَواقعِ الحِمىٰ، وينجِّيه مِن مَزالِقِ العَمىٰ.

* وصيّة:

إنّ القرآنَ نزَل لتحريكِ القلوبِ، وإزعاجِ الأفئدةِ، وشفاءِ النّفوسِ، وقطعِ مادةِ الفسادِ، وقلقلةِ الضّمائرِ، ومخالفةِ العوائدِ، ومعارَضةِ الأهواءِ، وشحذِ الهِمَم، وإنّ في القرآنِ صلاحَ الأمورِ، وتمامَ النُّورِ، ولكن! إنّما ينال ذٰلك منه مَن كان حيَّ الضَّمير، مريد التّغيير: ﴿إنّ في ذٰلك لذكرىٰ لمن كان له قلبٌ أو ألقى السّمعَ وهو شهيد﴾، و«لو طهرت قلوبُكم ما شَبِعت مِن كلامِ الله»!

ولا يرغبُ في الخَلاصِ إلّا مَن أقرَّ بسوءِ ما هو فيه، واقتضىٰ أن يكونَ علىٰ أحسنِ حالٍ، أو اعتـرَف بخيرِ ما هو فيه، وخشي عليه مِن الزّوال، وكذٰلك المؤمنُ التّقيُّ النّقيُّ، وكان النّبيُّ ﷺ يدعو فيقولُ: «اللّٰهمّ إنّي أعوذُ بك مِن زوالِ نعمتِك، وتحوُّلِ عافيتِك، وفُجاءةِ نِقمتِك، وجميعِ سَخَطِك».

فأمّا مَن كان يَرىٰ أنّه سالمٌ، وأنّه ناجٍ مِن الفتنةِ، أو لا يشعُرُ بما هو فيه، ولا يخافُ مِن شيءٍ، ولا يرجو شيئًا، فهٰذا مريضٌ أو ميّت! واللهُ قد قال: ﴿لتنذرَ مَن كان حيًّا ويحقَّ القولُ على الكافرين﴾، ﴿وأَنذِرْ به الّذين يخافون أن يُحشَروا إلىٰ ربِّهم ليس لهم مِن دونِه وليٌّ ولا شفيعٌ لعلّهم يتّقون﴾.

فليتزوَّد العاقلُ بكتابِ الله، يتعرَّفُ به نفسَه، بنقصِه، وانحرافِه، ويتعرَّفُ ربَّه، يتعرَّفُه بأسمائِه ونعوتِ جلالِه وأفعالِه، وخلقِه العظيم، وفضلِه العميم، وشرعِه الحكيم، ويتعرَّفُ كتابَه ورسلَه، ومرضاتَه وسُبُلَه، وحياتَه ومماتَه، وربوتَه ونباتَه.

وليتعلَّم منه الدّينَ، والإيمانَ، والعلمَ، والحكمةَ، والأدبَ، والخُلُقَ الجميلَ، والبيانَ الرّائعَ، والدّعاءَ والتّبتُّل، وليأخذ مِن أدعيةِ النّبيِّين والصّالحين، وما فيه مِن أخبارِ الخاسرين والمفلحين، فكلُّ ذٰلك هو ليُعتبَر، ﴿قل نزَّله روحُ القُدُسِ مِن ربِّك بالحقِّ ليثبّت الّذين آمَنوا وهدًى وبشرىٰ للمسلمين﴾.

وأختمُ بقولِ اللهِ: ﴿لقد أنزلنا إليكم كتابًا فيه ذكرُكم أفلا تعقلون﴾.

تمّت.

•┈┈• ❀ ❀ •┈┈•

نُتف واضحية
لا تنسوا إخوانكم المستضعفين في غزّة هاشم، وأكناف بيت المقدس، والمكلومين المضطهدين في سائر الشام، واليمن، والسودان، وجميع البلاد ...

هل ينسى المرء نفسه، أو يغفل عن جُرحه النّازف ...؟!

(إنّ وليّي الله اّلذي نزّل الكتاب وهو يتولّى الصّالحين)، (وكفى بالله وليّا وكفى بالله نصيرا). وإنّما ينصرنا الله إذا نحن حرّكنا أسباب النصر، وأعملنا المطيّ فيه، (ولينصرنّ الله من ينصره إنّ الله لقويّ عزيز).
Live stream started
Live stream finished (25 minutes)
Live stream started
Live stream finished (37 minutes)
أعنذر عن الدرس اليوم ... رجوت الفراغ من الشغل، فقد أخذ الوقت كله.
Live stream started
Live stream finished (45 minutes)