الفيلسوف الجديد
19K subscribers
142 photos
32 videos
41 files
97 links
الفيلسوف الجديد: من أجل إجتهادٍ فلسفي.


- مقالات
- أبحاث
- دراسات
- كتب فلسفيّة



للتواصل معي
@dan_mh

للكتب والمصادر الفلسفية
@philosophybookss

باروخ سبينوزا
@spinoza_2021

نيتشه
@Nietzsche1

كامو
@Camus_Al

دليل قنواتنا
@audiobooks_new
Download Telegram
الإنسان العادي ليس مهيأ للمعرفة الفلسفية، ولن تكون الفلسفة أبداً من نصيبه. أما الذين يقولون إن ثمة حقائق يجب حجبها عن العوام فليسوا بحاجة إلى التنبيه إلى أن العوام لا يقرأون، فهم يعملون ستة أيام في الأسبوع، وفي السابع يذهبون إلى الحانة.
باختصار، لا تُكتَب الأعمال الفلسفية إلا للفلاسفة، وعلى كل إنسان نزيه أن يحاول أن يُصبح فيلسوفاً، دون أن يتباهى بأنه فيلسوف.

فولتير
كتاب: قاموس فولتير الفلسفي
︎"بليز باسكال" يعمق العجز البشري
العام بوضع العجز المعرفي أيضا، قائلا:

- و الذي يكمل عجزنا عن معرفة الأشياء هو أنها بسيطة بذاتها و أننا مركبون من طبيعتين متناقضتين و مختلفتي التنوع: النفس و الجسد. و الواقع أنه يستحيل أن يكون الجزء المفكر فينا إلا روحانيا، و متى زعموا أننا جسديون فحسب، فهذا مما ينفي عنا أكثر فأكثر معرفة الأشياء، إذ ليس ما ينافي المعقول كالقول إن المادة تعرف نفسها، فليس باستطاعتنا أن نعرف كيف تعرف نفسها."

- من كتاب "خواطر بليز باسكال".
▪️ العودة إلى الفلسفات القديمة
▪️ لوك فيري
▪️ ترجمة يوسف اسحيردة



- نشهد اليوم عودة قوية لكل من علم النفس الايجابي ونظريات التنمية البشرية إلى الحِكم القديمة، لا سيما البوذية والرواقية باعتبارها نماذج من فلسفات السعادة. فلكي نتحدث عن السعادة الحقيقية، لابد من توفر شرطين أساسين سبق وأن تطرقت إليهما الفلسفات القديمة بإفاضة : يجب،أولا، أن يكون هناك تطابق تام بين رغباتنا والواقع، بين طموحاتنا الأكثر تجدرا والكوسموس (le cosmos) . لكن يجب أيضا، وهذا هو الشرط الثاني، ألا يكون هذا التطابق عابرا فقط، كما هو حال الرغبات المؤقتة كالشرب والنوم والأكل، بل متماسكا وحتى مستمرا لغاية آخر يوم في حياتنا إذا ما تمكنا من الاشتغال، بما فيه الكفاية، على تحديد رغباتنا الأساسية حتى نصل إلى هذا الانسجام المستمر في الزمن.

غير أن الرياح لا تجري دائما بما تشتهيه السفن، فمن البديهي أن رغباتي والواقع ليسا دائما على وفاق، هذا أقل ما يمكن قوله، وعلى كل حال، ليس هناك أي سبب ليكونا كذلك. هذا ما يجعل الرواقيين لا يكلون من دعوة الناس إلى تغيير رغباتهم بدلا من نظام العالم، وذلك عن طريق ممارسة نوعين من التمرينات الحكيمة، والتي قام علم النفس الايجابي، في السنوات الأخيرة، بإحيائها.

التمرين الأول يتعلق بتعلم الاستمتاع بالحاضر، بممارسة ما يعرف باللاتينية ب"carpe diem" أي انتهاز الفرصة، حب ما هو كائن، هنا والآن. الماضي يجرنا إلى الوراء من خلال شعور قوي، هو الحنين إلى الزمن الجميل، في حين أن المستقبل يسرقنا من اللحظة الراهنة عن طريق شعور لا يقل قوة، هو الأمل. لكن، في حقيقة الأمر، لا وجود للماضي، والمستقبل لم يحن بعد، وحده الحاضر يُوجد، وكما يقول سنيكا، بكثرة ما نهرب منه، " نضيع فرصة العيش". من هذا المنظور، يتوجب على المرء تعلم قول "نعم" للواقع، كيفما كان. يُحكى أن ابيكتيتيوس كان يدعي القدرة على تحمل كافة أنواع التعذيب. وعندما صار، في يوم من الأيام، عبدا مملوكا لسيد غليظ القلب، قرر هذا الأخير، ومن أجل اختبار مدى صحة الفلسفة الرواقية، بتعذيبه عن طريق كسر رجله بمهل. يقال أن ابكتيتوس صمد حتى النهاية في وجه الألم دون أن يشتكي – من هنا المعنى المتداول لكلمة "رواقي"، باعتبار الرواقي هو ذلك الشخص الذي لا ينحني في وجه نوائب الزمن.

أما التمرين الثاني، فيحث على " عدم التَّعَلُّق". الرواقيون والبوذيون يعتبرون أنه من واجب المرء تعلم عدم التعلق، سواء بالكائنات أو بالأشياء، سواء بالممتلكات المادية أو بالأشخاص الذين يحبهم من قبيل الزوجة والأبناء، أي الأقارب بصفة عامة. التعلق هو الجنون بعينه، إذا ما اعتبرنا أن حقيقة الكون تكمن في زوال كل شيء وانقطاعه. ألم يقل الفيلسوف الإغريقي هرقلطيس : " كل شيء يمضي ولا شيء يبقى إلى الأبد"؟ إذا حدث وارتبطتُ بشيء ما أو بشخص معين، سيأتي زمن تنتهي فيه هذه العلاقة مخلفة وراءها كافة أنواع الأحزان. علم النفس الايجابي، ومن خلال استلهام هذه الفلسفات القديمة، ينصحنا، في نهاية المطاف، بإتباع نفس خطوات الاشتغال على الذات من أجل الوصول إلى انسجام تام مع الواقع، كنوع من رد الاعتبار للقدماء في مواجهة المجتمع الحديث. من هنا تلك النصائح التي يعرضها هذا النوع من علم النفس في المجلات والكتب الأكثر مبيعا : الاستمتاع باللحظة الراهنة، تعلم فن اللامبالاة، الحذر من الارتباط والتعلق، الإقامة في الجسد، القيام ببعض التصرفات الجيدة كل يوم، التوقف عن اجترار الماضي، الابتعاد عن الأمل الذي يبعدنا عن الحاضر باعتباره الحقيقة الوحيدة لصالح مستقبل غير متوقع، تعلم حب الذات والاكتفاء به، الاستغراق في الـتأمل..

هل أتوفر على الجرأة اللازمة التي تجعلني أعترف بأن هذه الدعوات من أجل العودة إلى الفلسفات القديمة لا تقنعني أبدا؟ أولا، لأنني شخص يحب التاريخ والمشاريع المستقبلية، الذكريات والآمال الجميلة. ثانيا، كما سبق أن اعترف الدالاي لاما نفسه بذلك، لأن حياة الرهبان وحدها توفر إمكانية التحرر من كافة العلاقات والارتباطات، والتي تظل أمرا لا مفر منه ما دمنا نعيش وسط مجتمع ونملك أصدقاء وأحبابا. ولكي أكون صريحا معكم، فأنا لست مستعدا لكي أصبح راهبا.

المصدر : Le Figaro Magazine, 2 juillet 2017, Ces sages qui nous aident à vivre
▪️ " لا شيء خارِج النَّص "
▪️ مدخلٌ إلى فلسفةِ "جاك دريدا "



- لا يزال "جاك دريدا" الفيلسوف الأكثر إثارة للجدل في القرن العشرين وفي قرننا الحالي. يقترن اسمه في المقام الأول بالنظرية التفكيكية. وهي نظرية ذات نهج مُعقَّد ودقيق لكيفية قراءة وفهم طبيعة النصوص المكتوبة. والمقولة الأشهر لدريدا : "لا شيء خارج النص". ولنفهم ما تعنيه هذه العبارة لابُدّ من نظرة فاحصة عن نهج دريدا التفكيكي بشكل عام.

- يرى دريدا أنّنا عندما نختار كتاباً ما لمطالعته ، ككتاب فلسفة أو رواية مثلاً ، فإننا نتخيّل أن مابين أيدينا موضوع يمكن أن نفهمه وأن نُفسِّره كعمل متكامل قائم بحدِّ ذاته. فعلى سبيل المثال : تخيّل أنك ذهبت إلى المكتبة وحصلت على كتاب "في علم الكتابة" لمؤلِّفه "جاك دريدا" ، فإنك تتوقع بأنه سيكون لديك فكرة عامة وشاملة بمجرد قراءتك لهذا الكتاب. والواقع - برأي دريدا نفسه - أن النصوص لا تعمل على هذه الشاكلة بما في ذلك النصوص البديهية والبسيطة. لأنه - أي دريدا - يعتقد بأن كل النصوص تحتوي على ثغرات وتناقضات ، ولذا فإن مهمة التفكيكية هي إيجاد تلك الثغرات والتناقضات ، ومن خلال اكتشاف هذه الثغرات يتم توسيع دائرة فهمنا لتلك النصوص.

- النظرية التفكيكية إذن هي طريقة لقراءة النصوص وإظهار المفارقات والتناقضات الخفية إلى العلن ، أو بعبارة أخرى ( قراءة مابين السطور ). ويجب الأخذ في الاعتبار أنها - أي التفكيكية - ليست مجرد طريقة لقراءة الفلسفة والأدب ، فنظرية دريدا تثير التساؤل حول العلاقة بين اللغة والفكر والأخلاق.

- ومن المصطلحات التقنيّة المهمة التي تدور حولها نظرية دريدا : مصطلح "الإرجاء" أو "التأجيل" ، ومصطلح "الاختلاف". لنبدأ بفكرة "التأجيل" : نقول مثلاً ( رأى صديقي ) و نضيف ( سيارة بيضاء ) ثم نكمل ( في الشارع ) ونتابع الحديث (.....). مع كل كلمة نضيفها يطرأ تغييراً على معنى العبارة ، ويتغيّر معنى كلمة ( سيارة ) ، وبالتالي فإن كل معلومة تُضاف تؤدي إلى تأجيل المعنى الكامل للعبارة. وهناك أمر آخر يجب أخذه في الاعتبار : حيث أن كلمة ( سيارة ) لا يرتكز معناها على السيارة الحقيقية الموجودة في العالم الخارجي ، لأن الكلمة تأخذ معناها من خلال موقعها في نسق اللغة ونظامها. ولذلك فكلمة ( سيارة ) لا تكتسب معناها بسبب الرابط الخفي بينها وبين السيارة الحقيقية بل تكتسب معناها من اختلافها عن كلمة ( دراجة ) أو ( عربة ) مثلاً ، وذلك ما يسميه دريدا ( الاختلاف ).

- النتيجة التي نتوصّل إليها من خلال مفهومي "التأجيل"
و "الاختلاف" : إن معنى أي شيء نقوله دائماً مؤجَّل لأنه يعتمد على ما سنضيفه ، والأمر الذي سنضيفه يعتمد معناه على ما سنضيفه لاحقاً ؛ وهكذا. ثم إن أي كلمة نقولها يعتمد معناها على الأمور الأخرى التي لا تعنيها أيضاً.

- لقد اعتاد الفلاسفة منذ القدم على اعتبار الكتابة انعكاس شاحب للكلمة المنطوقة. وتلك الأخيرة كانت تعدّ الوسيلة الأساسية للتواصل آنذاك. لكن دريدا يرى عكس ذلك : إذ عنده أن الكلمة المكتوبة تُظهِر أموراً لا يمكن للكلمة المنطوقة أن تكشفها. حتى أنه يُعتقد في الماضي أن المعنى يأتي من خلال الحضور ، ذلك أننا حين نتكلّم مع شخص ما بشكل مباشر ، وحصل التباس معين أثناء الحديث ، فإننا نستطيع أن نطلب من هذا الشخص أن يوضِّح ويزيل الالتباس ، وهذا أدى إلى الاعتقاد بأن المعنى بشكل عام يظهر من خلال هذا الحضور ؛ أي حضور الشخص بشكل مباشر. لكن دريدا يرى أننا حين نتعامل مع النص المكتوب ، فإننا نتحرِّر من طغيان هذا الحضور ، فمثلاً عندما نقرأ نصّاً لا يكون مؤلِّفه حاضراً ، فإننا نتخلّص من تفسيراته وأعذاره ، ونبدأ بملاحظة التناقضات والطرق المسدودة في النص.

- فعندما يقول دريدا "لاشيء خارج النص" فهو لا يعني أن كل ما يهم هو عالم الكتب والكتابة ، وأن العالم الحقيقي ليس مهماً ، إذ أنه لا يُقلِّل من أهمية القضايا الاجتماعية الكامنة وراء النص. بل إن ما يرفضه دريدا هو القراءة التقليدية والتاريخية وتقسيم العصور ، لأنها تبحث في مؤثرات غير لغوية وتبعد الباحث عن الاختلافات اللغوية في النصوص. فكل شيء يوجد في المغايرة والتأجيل وسلسلة الاختلافات. أي أن النص يخلق واقعه ويفرض نفسه ويُكوِّن مجاله.
إذا تزوجتَ فستندم، وإذا لم تتزوج فستندم أيضًا؛ سواء تزوجتَ أو لم تتزوج فستندم في الحالتين... صدِّق امرأة فستندم، لا تصدِّقها فستندم أيضًا؛ سواء صدَّقتَ امرأة أو لم تصدقها فستندم. اشنق نفسك فستندم، لا تشنق نفسك فستندم أيضًا؛ سواء شنقتَ نفسك أو لم تشنقها ستندم في الحالتين. هذا، يا سادة، هو ملخَّص وفحوى الفلسفة برُمَّتها. الأمر ليس أنني أرى، في بعض الأحيان، كل شيء من وجهة نظر أبدية، مثلما يقول سبينوزا، بل أنا أعيش في حالة الأبدية على الدوام.

يعتقد كثيرون أنهم يعيشون في هذه الحالة لأنهم بعد أن يقدِموا على فعلٍ أو آخر، يجمعون النقيضين أو يتوسَّطوا بينهما. لكنَّ هذا فَهْم خاطئ؛ لأن الأبدية الحقيقية لا تقع بعد اختيار إما/أو، بل قبله. لهذا، تكون أبديتهم تتابُعًا مؤلمًا للحظاتٍ عابرة؛ لأنهم يُستهلَكون بندمٍ ثنائي. إن فلسفتي، على الأقل، يسهُل فهمها؛ إذ إن لديَّ مبدأً واحدًا، وحتى إنني لا أتزحزح عنه... أنا لا أتزحزح عن أي مبدأ؛ لأنني إذا فعلتُ هذا فسأندم، وإذا لم أفعل فسأندم أيضًا. لذا، إذا بدا لأيٍّ من مستمعيَّ الأجلاء أن ثمة شيئًا فيما أقوله، فهذا يُثبت فقط أنه لا يمتلك مهارةَ الفلسفة؛ وإذا بدا أن حجَّتي تحرِز أيَّ تقدُّم، فهذا يُثبت أيضًا الفكرة نفسها. لكن أولئك القادرين على متابعةِ ما أقوله، مع أنني لا أحرِز أيَّ تقدُّم، فيمكنني أن أكشف لهم الآن عن الحقيقة الأبدية التي بفضلها تظل هذه الفلسفة داخل حدودها، ولا تعترف بفلسفةٍ أعلى منها. لأنه إذا ما زُحزِحتُ عن مبدئي فسيصبح من المستحيل أن أتوقَّف؛ لأنني إذا توقَّفت فسأندم، وإذا لم أتوقَّف فسأندم أيضًا، وهكذا. لكن لأنني لا أبدأ أبدًا، لا يمكن أن أتوقف أبدًا؛ فتحرُّكي الأبدي يتماثل مع توقُّفي الأبدي.

لقد أظهرت التجربة أن البداية ليست شيئًا صعبًا على الإطلاق بالنسبة إلى الفلسفة. على النقيض تمامًا، تبدأ الفلسفة بلا شيء ومن ثَم يمكنها دائمًا أن تبدأ. ما يشكِّل صعوبةً، بالنسبة إلى الفلسفة والفلاسفة، هو التوقف. تتفادى فلسفتي هذه الصعوبةَ؛ لأنه إذا ما اعتقد أيُّ شخص أنني عندما أتوقَّف الآن أنني أتوقف فعلًا، فهو يبرهن على نقص قدرته على الاستبصار التنبؤي. فأنا لا أتوقَّف الآن، بل توقفت في اللحظة التي بدأت فيها. لهذا، تتسم فلسفتي بالإيجاز، كما أنه من المستحيل دحضها؛ لأنه إذا ما ناقضني أي شخص فلي الحق في أن أدعوَه بالمجنون. لذا، يبدو أن الفيلسوف يعيش في حالة الأبدية على الدوام وليس لساعاتٍ محدَّدة فقط مثل سينتينيس ذي الذكرى المحمودة.

سورين كيركجارد،
«إما/أو».
ترجمة: دعاء شاهين.
- لماذا يُطلق على درجة الدكتوراه "دكتوراه الفلسفة" بصرف النظر عن التخصص :


- تعني "دكتوراه الفلسفة " Doctor of Philosophy والتي يرمز لها " PhD "
- أن الشخص الذي يحملها قد وصل إلى الدرجة العلمية الأعلى في تخصصه ، هذه الدرجة العلمية هي امتلاك فلسفة ذلك التخصص، أي امتلاك القدرة على التفكير والإبداع بمنهج ذلك التخصص، والقدرة على التنظير له، والوصول إلى النظرية العلمية الخالصة والمجردة للتخصص، هذا المستوى النظري الأعلى لعلم ما، يسمى فلسفة ذلك العلم ، وكلمة فلسفة هنا ليس لها علاقة بالتخصص الأكاديمي للفلسفة ، فعندما تحصل على دكتوراه الفلسفة في الطب أو الهندسة أو الرياضيات أو الأدب أو التاريخ أو علم النفس أو الصيدلة أو أي تخصص آخر، فهذا يعني أنك امتلكت ناصية ذلك العلم وأصبحت حكيماً فيه (بالمعنى اليوناني القديم للحكمة وهي امتلاك المعرفة من أجل ذاتها)، وامتلكت أصوله ومناهجه وقواعده النظرية.
- أما كلمة "دكتور" فهي ترجع إلى أصل لاتيني Doctor، وهي تعني عالم لاهوتي لديه القدرة على عرض المذهب الديني الرسمي للديانة الكاثوليكية Doctrine وتعليمه للناس والدفاع عنه، وهي قريبة في معناها من الفقيه والأصولي في الحضارة الإسلامية.
- وكانت درجة الدكتوراه تمنحها الكنيسة لرجال الدين المتخصصين في اللاهوت منذ العصور الوسطى، ثم تحولت إلى الدرجة العليا التي تمنحها الجامعات في التخصصات غير الدينية في العصور الوسطى المتأخرة؛ وكي يتم التمييز بين الدكتوراه الأصلية التي كانت تعني درجة في علم اللاهوت المتخصص، والدكتوراه في التخصصات الأخرى غير الدينية، سميت الأخيرة بدكتوراه الفلسفة، تمييزاً لها عن دكتوراه اللاهوت، لأن العلمين الأساسيين في أوروبا آنذاك كانا العلم الديني المسمى اللاهوت، والعلم الدنيوي أو المدني وهو الفلسفة وما تشمله من كل العلوم الفرعية الأخرى؛ وقد كانت الفلسفة تضم كل العلوم، حتى بدأ الانفصال التدريجي بينهما ابتداءً من القرن السابع عشر للميلاد.
إن النظرية التي لا تصير واقعا, ولا ينقلها البشر إلى الفعل المشخص, إنما هي تخيل تعسفي محض, دون أي حقيقة... لذا لا فائدة لهذا المجتمع من مثقف يراكم معرفة نظرية أو تنظيرية منفصلا عن الحياة وعن الناس ..

- أنطونيو غرامشي.
▪️الفلسفة… مفهوم إجرائي في حياتنا المعاصرة
▪️ نور الدين ثنيو




الفلسفة في حياتنا المعاصرة صارت مفهوما إجرائيا، لأن النظري والتطبيقي يجاري الواحد منهما الآخر، ويتلازمان ويحضران معا سواء عند التفكير أو عند العمل. والفلسفة على ما نعرف حتى في الدراسات الأكاديمية تنطوي على جانب نظري مثل المنطق، وعلى جانب عملي مثل الأخلاق.
أما الجانب الإجرائي فيحيل إلى ضرورة التعامل مع الفلسفة كنظر وتفكير واستخلاص نتائج، في مجالات يمكن معالجتها مثل القانون والعدالة والحق والقضاء، أو مثل السياسة والتدبير والحكامة.. التي تقتضي الرؤية الشاملة والعامة، لا لنَقِف على العموميات والكلام الإنشائي والمبتذل، بل لننفذ أكثر إلى المبادئ والأسس والأصول والمعاني والمغازي والغايات.
فلسفة القانون هي من هذا النوع، فلسفة السياسة هي أيضا من هذا النوع الإجرائي، التي تتطلب الرؤية والمنهج وطريقة مقاربة علمية وما بعدها… وسائر المفاهيم والمجالات التي تنضح بها حياتنا المعاصرة. إذا ربطنا الفلسفة بالقانون ونحن نريد أن نعالج موضوعا قانونيا، أو قضائيا، أو يتعلق بحقوق وواجبات الإنسان بما هو إنسان، وبانتمائه إلى مؤسسة، فإننا نقَيّم التشريعات وأهميتها بالنسبة للشخصيتين معا، أي الشخصية الطبيعية والشخصية المعنوية، وإن الخلل الذي يحدث بينهما هو التَّخلف والانحطاط والفشل، ولا يمكن أن تحدث نهضة وتقدم وحل إلا بإعادة المنطق والمعقولية والفهم إلى عناصر التوازن المطلوب بين الشخصية الإنسانية و والمؤسسة كشخصية اعتبارية، خاصة منها الدولة لاعتبارها حاصل مجموع مؤسسات ومرافق عامة على ما تشهد عليه الدول المتقدمة. وغني عن البيان، أن إشكالية فلسفة القانون عندما ينظر إليها على هذا النحو، وتجري معالجة قضايا القانون والقضاء والعدالة، وفق معادلة التوازي والتلازم بين الشخصية البشرية والشخصية الاعتبارية، يوفر لنا إمكانية الحديث عن الشرعية والمشروعية وفق معيار مَنْ يَسْتَغل مَنْ، ومَنْ يَنْهَب مَنْ؟ ومن يَعْتَدي على من؟ فتاريخ العالم العربي منذ استقلال دوله، يراوح عند إخفاقه في ضبط العلاقة السليمة بين الإنساني البشري والاعتباري المعنوي المؤسساتي، ولعلّ واحدة من أسباب هذا الإخفاق، كما نحاول أن نوضّح هنا، تتمثل في غياب الجدلية الاجتماعية والسياسية بين الشخصيتين، بالقدر الذي تساعدهما على الاستقلال الذاتي، ليس لتظهر المسؤولية بوضوح فقط، بل ليتضح معيار الشرعية والمشروعية : فالإثراء بلا سبب غير شرعي، وتولي مناصب لغير مؤهليها غير مشروع. والقانون لمن يمتلك فلسفة وقدرة على التفكير في العدالة، يتحول إلى سلطة حقيقية ليس لدى مؤسسة الدولة وحسب، بل لدى الإنسان نفسه، الذي يحق له بناء على فهم فلسفي للقانون، أن يطعن ويحتج على قرارات يراها غير صائبة، وإلا صار هو نفسه متواطئا مع ما هو غير شرعي وغير مشروع وغير أخلاقي وغير سياسي، لأننا وَضْعَنا الحديث والمعاصر على ما تَطَوّرنا إليه طوال القرن العشرين إلى اليوم، فَرَضَ العلوم والمعارف من أجل بناء وتكوين ليس الدول فحسب، بل الأفراد من أجل أن ينتقلوا من كائنات إلى شخصيات بهويات قائمة بذاتها، تشملهم مسؤولية نجاح وتعثر تجارب التقدم والتنمية والتطور، فالشخص مع الدولة وبها وليس متواطئا ضدها بوعي أو من دونه.

لم يعد البحث العلمي يلح على العودة إلى ما نعرفه من تراثنا العربي والغربي، القديم والحديث بقدر ما يجب أن نبحث عن أسباب التخلف، ولماذا لا تأتي النتائج وفق القرارات والبرامج والخطط

فلسفة القانون مثلا، تحيل إلى علاقة القانون بالفلسفة وعلاقة الفلسفة بالقانون، فالفلسفة كمفهوم يدُلُّ على التفكير في الكليات والغايات، وفي قيم الأشياء والجماليات وطرق النقد وكيفية الاستعمال والحُكْم على الأفعال والسياسات والأفكار. الفلسفة كنظرية معرفة يدرسها العرب في المؤسسات التعليمية ويتعمقون فيها في الجامعات، لكن يبقى دائما هذا التَّعلم في حالته الاستكشافية والتعرف عليه لا يرتقى إطلاقا إلى مستوى الوعي به كمَلَكَة معنوية ونفسية وعقلية تساعد الإنسان على حسن استخدام العقل، لأن الفلسفة بما هي كذلك تظهر وتعبر عن وجود العقل، وأن معالجة قضايا الدولة والمجتمع عبر التفكير الفلسفي، يؤكد حالة من العقلانية في حياة الإنسان في المجتمع وفي الدولة على السواء.
رائدنا في هذا المقال هو التواصل مع الواقع في كل مستوياتِه وصُعُدِه لأن الزمن المعاصر، على ما يظهر ويتجلّى، لا يترك التاريخ يمر، بل كل التجارب والخبرات والأمثلة تترسَّب في أمْكِنة معينة ومحددة، يسهل الوصول إليها فورا أو لاحقا، لأنها محفوظة في أجهزة الأرشيف والتوثيق التي تبقى على راهنتيها. فالواقع المكثف يوفر إمكانات هائلة لمن يعرف كيف يصغي ويتابع الأحداث والوقائع، خاصة عندما يلتزم الباحث نفسه بما يمليه عليه العقل وملكات الذات برُمَّتها.

1
لا ريب أن فلسفة الأخلاق في صلتها بالدين والسياسة تضيف أبعادا وأعماقا ومستويات يسهل الوصول إليها، على ما فعل مثلا ميشال فوكو في مؤلفاته التي أرخت وبحثت في موضوعات الجنس والجنون والمعتقلات التي تَقَصَّاها في حقبها التاريخية.. غير أن الحياة الراهنة تقدم لنا الواقع بكل ما ينطوي عليه من تاريخ لم يمض وبَقِي ينتظر من يتعقبه ويعالجه ويجيل النظر إليه من أجل اكتشافه والاطلاع عليه. فأركيولوجية أو حفريَات المعرفة متوفرة في ما هو عياني ودنيوي وموضوعي ووضعي وواقعي يمكن الوقوف العلمي عليه وبأقل الأخطاء على ما كان يحدث في السابق.
والأمر هنا، لا يتعلق بالعقل وموضوعاته وتكويناته فحسب، بل ما وراء العقل وما يتعلق بالميتافيزيقا وما تبطن سريرة الإنسان وجوفه. فقد توفرت وسائل وأدوات وآليات وطرق الحصول على المعرفة وفهم الأشياء والوعي بالكلمات لحد السيطرة على الواقع، والفلسفة بما هي إدراك للأصول وحدس الغايات، كما أن القانون بما هو خاصية تجريد التصرفات وضبط القواعد العامة، كل ذلك يساهم في معرفة ما يجري في الواقع بعيدا عن الخطابات الإنشائية وأشكال التعبير الأسطوري.
عنوان هذا المقال يحيل الى «المفهوم» وهو مَعْنى نظري، كما يحيل إلى «إجرائي» وهو معنى عملي، أي بلوغنا درجة من الوعي المعرفي والعملي لا يمكن فصمهما، والفلسفة بما تشير إليه من هذا الربط هي التي تبقينا على السكة الصحيحة لتصحيح الأوضاع والحالات ورفع الظلم والحيف عن مَن هم بعيدين عن الوظائف الحكومية ومؤسسات الدولة ونفوذها. فالأزمنة المعاصرة الفائقة التطور والسرعة وإدراك العلاقات بين الأشياء والكلمات، تغنينا عن الحديث والكلام المكرر عنْ مَا الفلسفة؟ وما الأخلاق؟ وما الدين؟ وما العلم؟ وما التاريخ؟ … كل ذلك صار معروفا ومتداولا كحد أدنى للثقافة العامة والمشتركة بين البشر في آخر عهدهم بالتطور الحاصل في المجتمع والدولة.. ولم يعد البحث العلمي يلح على العودة الى ما نعرفه من تراثنا العربي والغربي، القديم والحديث لأن كل ذلك صار لحظة واحدة، بقدر ما يجب أن نبحث عن أسباب التخلف، ولماذا لا تأتي النتائج وفق القرارات والبرامج والخطط.. السبب الأكبر وفق ما نتصور في هذا المقال هو غياب الرؤية والإحاطة الشاملة والقدرة على استخلاص المعاني وفق ما تلح عليه الفلسفة في مداولاتها الأخيرة.

2
" تلك القوة الحاكمة بداخلنا، حيثما كانت في تَوافُقٍ مع الطبيعة، تتخذ موقفًا مرنًا من الظروف، وتُكيِّف نفسَها دائمًا بسهولةٍ ويسر مع ما يَعرِض لها من أحداث؛ فهي لا تتطلب مادةً معينة لعملها، بل تتجه إلى غرضها بأسلوبٍ تكيفي فتحوِّل أي عقبةٍ في طريقها إلى مادةٍ لاستعمالها. إنها أشبه بنارٍ تسيطر على أي شيءٍ يسقط في جوفها. قد تنطفئ الجذوة النحيلة إثر ذلك، أمَّا النار المُضطرِمة فتتملَّك المادة التي تُركَم عليها، وتلتهمها وتنزو فوقها بفضل هذه المادة نفسها.
إن العقل ليتكيف ويدور حول أي عائقٍ للفعل لكي يخدم هدفه؛ فيُحوِّل ما هو عائقٌ عن عمل مُعيَّن إلى مُعينٍ على ذلك العمل، ويحول العقبة في طريقٍ ما إلى تقدُّمٍ على تلك الطريق."
__________
✍️ ماركوس أوريليوس
📖 من كتاب: التأملات
الماركسية هي نظرية فلسفية واقتصادية وسياسية تأسست على أساس أفكار كارل ماركس وفريدريش إنجلز. تركز الماركسية على تحليل النظام الاقتصادي الرأسمالي والتقييم النقدي له.

تطورت الفكرة الماركسية في الفلسفة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، حيث قام كارل ماركس وفريدريش إنجلز بتطوير نظريتهما الفلسفية والاقتصادية التي أصبحت تعرف باسم الماركسية.

تركز الماركسية على دراسة الصراع بين الطبقات الاجتماعية، مع التركيز على العلاقات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تسيطر على الإنتاج وتوزيع الثروة في المجتمع.

تعتمد الماركسية على تفسير النشاط الاقتصادي والتاريخي من خلال الصراعات الاقتصادية بين الطبقات الاجتماعية، حيث ترى أن التاريخ يتطور من خلال الصراع بين الطبقات الاجتماعية.

تؤمن الماركسية بأن الوعي الاجتماعي يتشكل استناداً إلى الظروف المادية للحياة، وأن الأفراد يتحركون وفقاً لمصالحهم الطبقية.

تهدف الماركسية إلى تحقيق التحرر الشامل للطبقات العاملة، وتعتبر الثورة الشيوعية وسيلة لتحقيق هذا التحرر، من خلال إسقاط النظام الرأسمالي وإقامة مجتمع شيوعي يضمن التوزيع العادل للثروة والسلطة.

بشكل عام، الماركسية في الفلسفة تسعى إلى فهم الواقع بطريقة نقدية وتحليلية، وتهدف إلى تحقيق التغيير الاجتماعي نحو مجتمع أكثر عدالة وتسامحاً.
Forwarded from فريدريك نيتشه (محمد سلمان)
▪️#نيتشه_عدو_الأخلاق_الغربية : فقرات قصيرة من أجل فهم فلسفة نيتشه.

▪️ترجمة وإعداد يوسف اسحيردة
.


- تنطلق فلسفة نيتشه برمتها من ملاحظة دقيقة حول التناقض الصارخ الموجود في الحضارة الاغريقية بين الطريقة التي اتبعها الكُتاب الإغريق القدماء في التعامل مع الانفعالات، و الطريقة التي سيتبعها سقراط وتلامذته لاحقا من أجل التعامل معها (الفلسفة في العصر المأساوي الإغريقي). ما يسميه نيتشه بالديونوسية ليس سوى التعامل التراجيدي (المأساوي) مع هذه الانفعالات العنيفة من طرف هوميروس وسوفوكليس والبقية، في مقابل التعامل الأخلاقاوي والتقشفي عند كل من سقراط وأفلاطون. فقد حاول هؤلاء بكل قواهم ردع ومحاربة الانفعالات وكل ما هو حسي لصالح النظام، الوعي، العقل (اللوغوس)...بكلمة وحيدة: لصالح الفضيلة. في حين أن الإغريق، إبان العصر التراجيدي، كانوا يعتبرون بأن أساس الواقع ليس هو العقل، وإنما الانفعالات، الرغبات، الفوضى، اللامعقول، الصراع، التناقض...

- قام نيتشه بالاستدلال على هذه التأملات مستاعينا بفكر شوبنهاور، زاده الفلسفي الوحيد. وبالتالي احتفظ بثنائية الإرادة_التمثل : كنه الواقع هو الارادة (الرغبة) العمياء وبدون غاية، والتي تدفع الإنسان (مجرد لعبة غير واعية في يد الإرادة) نحو أهداف واعية ومضللة. جوهر الواقع عند نيتشه هو الانفعالات (الواقع اللاواعي، الفوضوي، اللامعقول...)، وبأن التفكير الواعي ( العقل، الفلسفة، الأخلاق) ليس سوى تجريد ثانوي وسطحي.

- فكرة نيتشه المركزية هي أن الغرب، مع سقراط والفلسفة، قام بحل مشكلة الشر، الحرب، المعاناة، بكلمة واحدة الانفعالات، عن طريق الطعن في مصداقية الجسد، الحس والحياة، وبالتالي تجريم كل هذه الأشياء لصالح العقل، المنطق، العدل، الوعي، الفضيلة. إلا أن هذه الاستعانة المتواصلة بالعقل، والتي يدعوها نيتشه بالأخلاق، ليست سوى نفي للانفعالات، وفي نهاية التحليل، مجرد مرض عضال : "الضعف" أو "الانحطاط" اللذان، في ظل غياب سيطرة محكمة على الانفعالات، يحاولان نفيها وتأثيمها (وهو ما يسميه نيتشه بالضغينة) من خلال جعلها مصدرا لكل الشرور.

- انطلاقا من الفكرة السابقة، قام نيتشه بتشبيه المسيحية بأفلاطونية معدة على مقياس الشعب، وبالتالي بداية هجومه الشرس والشهير على الأخلاق المسيحية. القيم والمثل، في نظره، لا تملك وجودا مفارقا كالخير في ذاته، ولكنها مجرد أعراض جسد مريض وتقييمات منحطة.

- تأويل اللغة المشفرة التي تحول حالات جسدية وانفعالية إلى مثل أخلاقية تخفي خلفها مصدرها الحقيقي، هو ما يدعوه نيتشه بالجينالوجيا، والتي تقوم بتعقب مصدر الوعي داخل اللاوعي، مصدر المثل داخل الجسد، مصدر القيم داخل الانفعالات..وبالتالي داخل إرادة القوة. مفهوم إرادة القوة يعني تنظيما لمختلف الرغبات: أن تريد ليس معناه فقط أن ترغب بهذا الشيء أو ذاك بشكل واعي ومحدد بدقة، ولكن أن تنمي قوتك، باستغلال جيد لكل النزوات المتصارعة على السيادة داخل جسدك.

- أن تكون قويا معناه أن تسيطر على الفوضى التي تخلفها الرغبات المتناحرة داخلك: تنمية القوة هذه ( وليس السلام الداخلي الذي يمر عن طريق نفي الرغبات)، هي ما يدعوها نيتشه بالفرح، أو بالمزاج الجميل، والذي هو دليل على التمتع بصحة عظيمة. في المقابل، يعتبر نيتشه العقلانية والأخلاق الغربية مجرد أعراض لمرض مستشري في جميع المجالات : المؤسسات، الإيديولوجيات السياسية، العلوم، الفن، الفلسفة، علم اللاهوت...كلها تعمل وفقا لما يسميه نيتشه ب "المثل التقشفية" التي تدعو إلى الزهد،النفي، الاتهام. ما يفسر سبب الحرب التي شنها نيتشه على فاجنر،الفلاسفة، المسيحية، وكل المثل والايديولوجيات "المعادية للحياة". المثل ليست سوى أصنام مقعرة هدفها التنكر للحياة وتمجيد اللاشيء : العدمية. كل قيم ومثل الغرب منذ لحظة سقراط حتى شوبنهاور لم يكن لها من هم لها سوى محاربة هذه الحياة.

- فيما وراء الخير والشر، يدعو نيتشه إلى إنشاء قيم إثباتية (الديونوسية) ويتناول فكرته العملاقة حول العود الأبدي للمطابق والمتشابه، والتي يتصدى من خلالها لفكرة التقدم والخلاصة التي استحوذت على العالم الغربي-المسيحي. الإنسان الأعلى هو الإنسان القادر على حب كل الواقع مهما كان مرعبا وإشكاليا، كل القدر، كل ما هو موجود، كل ما يأتي ويضمحل، كل ما يعود، رغم غياب كل معنى أو خلاص.
الفيلسوف الجديد
Photo
▪️ نعوم تشومسكي ..المثقف عندما يمتهن الصدق
▪️ علي حسين


قبل ايام دخل المفكر الأمريكي الشهير نعوم تشومسكي إلى المستشفى في البرازيل بعد إصابته بسكتة دماغية حادة.
وقالت زوجته فاليريا تشومسكي إن زوجها البالغ من العمر 95 عامًا إن تشومسكى يعاني من صعوبة في التحدث
‎واضافت فاليريا للصحافة إن زوجها يتابع الأخبار وعندما يرى صور الحرب في غزة يرفع ذراعه اليسرى في إشارة رثاء وغضب.
واليوم صباحا غصت مواقع التواصل الاجتماعي بخبر رحيل المفكر الشهير ، وعند البحث في ابرز وكالات الأنباء العالمية لم اعثر على اي خبر عن وفاة تشومسكي ، كما ان الخبر لم يؤكد من قبل المقربين منه
يوصف نعوم تشومسكي بانه اشهر فيلسوف معاصر ، لكنه يسخر من هذا الوصف ويقول انه لغوي صنع شهرته من اللغة التي يرى انها عملية ابداعية جعلت من البشر " مبدعون وخلاقون " باستمرار .. المفكر المشاغب كما تصفه وسائل الاعلام ، بشعره الابيض المعتنى بتسريحه وقمصتلة الكتان ، وتلك اللمعة الطفولية المشاغبة في عينيه ، منذ ان قرر في العاشرة من عمره ان يكتب مقالات لمجلة المدرسة يدافع فيها عن الفوضويين في الحرب الاهلية الاسبانية ، الصبي الذي كان يتمرد على سلطة العائلة فيهرب بالقطار الى نيويورك حيث يمضي بضعة ايام يساعده عمه في كشك الصحف ، ويستمع الى حوارات ونقاشات العمال والطلبة حول الادب والسياسة .. يرفض ان يقال له انه صاحب نظرية :" هذا المصطاح عفى عليه الزمن . لقد كان ماركس صاحب نظرية ، فالرجل قام بعمل وصفي له وجاهته ، كما جاء ببعض المفاهيم المفيدة ، وليس من شك في ان عمله يفيدنا بشأن امور كثيرة . واما الآخرون فقد كانت لديهم افكار ، فيها الصائبة وفيها الخاطئة ، لكن لم تكن لديهم نظريات " .
يصفه الروائي الامريكي الشهير نورمان ميللر الذي تقاسم الزنزانة معه عام 1967 عقب تظاهرات جرت امام البنتاغون ، بالعبقري رغم كونه آنذاك لم يتجاوز الثلاثين ، ويكتب عنه في روايته " جيوش الظلام بانه " : رجل نحيل ، حاد الملامح ، ينم عن التقشف ، وذو سيماء تدل على الاستقامة الاخلاقية الدمثة ، لكن المطلقة " .
عندما يطرح عليه سؤال : هل انت ماركسي ، يجيب مبتسما :" انك حين تعرف نفسك بالماركسي او الفرويدي ، او اي شيء آخر ، فانك تتعبد أمام ضريح مقدس " .
ولد نعوم تشومسكي في السابع من كانون الاول عام 1928 في فيلادلفيا ، وكان ابوه قد هاجر الى اميركا من قرية صغيرة في اوكرانيا ، وسيتخصص الاب بدراسة اللاهوت ، فيما ستهتم الام المولدة في بيلاروسيا بكتب الاطفال حيث اصدرت عددا منها ، رفض والده الخدمة في الجيش ، وبدء حياته في امريكا عاملا في متجر للحلويات ، قبل ان يتعين معلم في مدرسة ابتدائية ، واصل دراسته ليصبح استاذا في اللاهوت ، أغدقت الأم الحب على ابنها البكر وأورثته حبها للقراءة ، ونقل إليه والده صفة التمرد وعشق الاناقة ، يصف والديه بانها ديمقراطيان على طريقة روزفلت ، تعلق بعمه الذي كان يملك مكتبة لبيع الصحف والكتب وعن طريقه قرأ الماركسية وشغف بها في فترة شبابه .
نشأ وسط مصاعب الأزمة الاقتصادية، وتفوق في الدراسة مع اهتمامه بكتب الفلسفة وعلم النفس ، في الثانية عشر من عمره ، كتب الفتى الخارق الذكاء كما تسميه امه كتابا من ثلثمائة صفحة، تنتقل فيه من سبينوزا الى كانط الى هيغل ولم ينته بماركس وفرويد ، وألقى خطبة تحريضيّة في المدرسة عن اهمية الحركة الفوضوية ، عثر في مكتبة عمه على نسخة من كتاب " الله والدولة " للفوضوي الروسي الشهير ميخائيل باكونين ، ومنه تلقى اول دروس التمرد على الدولة والمجتمع ، وقد وجد في الكتاب الكثير من العبارات الثورية التي استهوته ، وظل لسنوات يحفظ عبارة باكونين ويرددها :" ألا فلتشتعل الثورات في كل مكان لجلب الدفء للعراة والخبز للجياع ، ولتكن منارة للمشردين واتونا للظالمين " ، وسيعود تشومسكي في الستينيات وهو يناصر حركة الشباب ليتذكر ذلك الشاب المراهق الذي كان مغرما بالفوضوية وافكار باكونين فيكتب :" تنبأ باكونين بان احد عناصر الثورة الاجتماعية سيكون تلك الشريحة الذكية والنبيلة بحق من صفوف الشباب ، الذين يتبنون قضية الناس بقناعات بالغة وطموحات متقدة .وقد يرى المرء في بروز حركة الطلاب خطوة على طريق تجقيق هذه النبوءة في السابعة عشر من عمره بدأ الدراسة في جامعة بنسلفانيا ، حيث تفرغ للفلسفة والمنطق واللغات ، وسيحصل على درجاته العلمية الثلاث " البكلوريوس والماجستير والدكتوراه " من جامعة بنسلفانيا . عام 1952 ينشر مقالته الاكاديمية الاولى عن انظمة التحليل اللغوي والتي انتقد فيها التيارات الفلسفية التي تعالج علم اللغة واتهمها بالقصور ، مع حلول الستينيات كان تشومسكي قد صمم لنفسه حياة هادئة ، بيت صغير وعائلة احبها ، وعملا علميا ثابتا في معهد " ماستشوست " للتقنية ، لكنه سرعان ما يتذكر الشاب المتمرد الذي اغرم بكتابات باكونيين وماركس ، فنجده يلتفت صوب حرب فيتنام ويجاهر برفضه لها ،
الفيلسوف الجديد
Photo
رغم ان هذا الامر كان عملا غير أمنا انذاك ، بعدها اعلن رفضه دفع الضرائب ، وساعد في تشكيل جماعة " قاوم " التي حثت الشباب الامريكيين على عدم تأدية الخدمة العسكرية .
سيواصل تشومسكي عمله البحثي الذي بدأه عام 1957 بصدور اول كتبه " البنى النحوية " الذي يدحض فيه الفكرة القائلة ان عقلنا عبارة عن صفحة بيضاء ، ويُظهر اننا مرتبطون عصبيا باللغة ، وان اللغة بنية سطحية وبنية عميقة ، وتعبر البنية السطحية عن نفسها باستخدام التحولات الصوتية ، وتمثل البنية العميقة التحولات المعنوية ، وان العلاقة بين البنية السطحية والبنية العميقة هي عملية من التحولات المتتالية ولذا يسمى النحو الذي بناه تشومسكي بالنحو التحويلي ، ولعل اهم ما يميز نظريات تشومسكي اللغوية هي نظرته للغة بوصفها عملية ابداعية في استخداماتها اليومية . الكلام الذي يتبادله الناس في الشوارع كل يوم هو في راي تشومسكي ابداع ، وهو يقول في هذا الصدد :" من ثم فان عملية الاستخدام المعتاد للغة هو عملية ابداعية . وهذا الجانب الابداعي لا ستخدام اللغة المعتادة هو العامل الاساسي الذي يميز اللغة البشرية عن اي نسق اتصال حيواني معروف ، تلك النظرة تجعل الانسان هو محور الوجود ، وليس انتاجه . فالبشر اهم مما يننتجونه ، والبشر مبدعون وخلاقون باستمرار " . رغم ان مؤلفات تشومسكي في اللغة وضعته في موقع متفرد ، حتى ان البعض يذهب الى ان موقعه هذا لم يسبقه اليه احد في تاريخ علم اللغة ، وظل حتى هذه اللحظة يملك سلطة لا تنازع في كل معالم النظرية النحوية ، لكن شهرته وشعبيته لا تتعلق فقط من عمله الاساسي في اللغويات فقط ، وانما باعتباره احد المدافعين عن الحرية ومن اشد منقدي السياسات الاميركية منذ حرب فيتنام حتى حرب العراق ، ولهذا نجد ان كتاباته السياسية تثير الانتباه دائما لكونها تحمل تلك النظرة الثاقبة التي تسعى للكشف عن اعمال المؤسسات السياسية القوية الموجودة في عالمنا اليوم .يؤمن تشومسكي في كل كتاباته ان المفكر هو الشخص الذي لا يسير كالاعمى في النهج الذي يسير عليه المجتمع ، بل يتحرى عن كل شيء ، وقد بدد كتابه " فهم السلطة " اسطورة امريكا الدولة التي تقدم نفسها كداعمة للديمقراطية ، حيث يصف الأمر بانه عبارة عن وهم : " فامريكا في الواقع تدعم الديمقراطية التي ترغب بها " ، وتشومسكي يقول انه لا ينتقد الحكومات لان :" السلطة الحقيقية في مجتمعاتنا لا تكمن في النظام السياسي بل في الاقتصاد الشخصي : اي المكان الذي تتخذ فيه القرارات الخاصة بنوع المنتجات وكمياتها ، وحجم الاستهلاك ومناطق الاستثمار " ، وما دام الحال على هذا النحو فلن تكون هناك ديمقراطية حقيقية لان راس المال في ايدي الاقلية وليس الغالبية ، والمال هو اساس المجتمعات وليس السلطة السياسية . يقول تشومسكي : " لم يتاطر الاقتصاد ابدا بما يتناسب مع ما هو افضل للناس القائمين على العمل فعلا بل على ما هو افضل للراسمالية نفسها ".. وهو يصر على ان الحكومات اليوم يديرها " بعض اصحاب النفوذ الذين يتطلعون الى انفسهم "
تشومسكي لا يتفق مع علماء الاجتماع الذين يزعمون ان البشر متعلقون بالانانية بطريقة ما ،ويرى انه اذا نظرنا الى نتائج طبيعة الانسان سوف ترى كل شيء " رى تضحية هائلة بالنفس ، ترى شجاعة كبيرة ن وترى النزاهة وترى التدميرية " .
في الايام الاخيرة ظهر نعوم تشومسكي الذي بدى من خلال الانترنيت متعبا ، لم يحلق لحيته منذ شهور ، وقد شغل ظهوره الصحافة ومتابعين كثر ، فيما تمكن الباحثون من الاطلاع على رؤية احد ابرز مفكري العصر الحديث ، ان لم يكن اهمهم في ما جرى للعالم وهو يواجه حرب أوكرانيا وما يجري في غزة من جرائم . وقد طالب منذ سنوات بانهاء الظلم الذى يواجهه الفلسطينيون. مؤكدا على إن غياب العدالة في فلسطين اثره في جميع أنحاء العالم .
تشومسكي الذي ظل يسخر من براغماتية المجتمع الامريكي يحذر من كوارث النفعية :" نحن يتهددنا خطر الفناء ، وخطر الموت بفعل السلبية التي غرستها فينا الحياة السلبية نتيجة ابتعادنا عن مسؤولية اتخاذ القرار "
تشومسكي الذي عاش طوال حياته مهموم بالفلسفة يرى انها يمكن ان تكون رأس الحربة في جهود اصلاح العالم ، وهو يؤكد انه يجد نفسه اقرب الى مقولة ماركس :" فسر الفلاسفة العالم باشكال مختلفة حتى الان ، إلا ان الهدف – بالأحرى – هو تغييره – " يقول انه لن يقاوم اغراء هذه المقولة ، فالمهمة التي تواجه المواطن المسؤول تكمن في واجب تغيير العالم ، وهو يرى ان التفسير والتحليل الذي يوفره الفيلسوف ، والمفكر بشكل عام ، يشكل مكونا اساسيا لاي محاولة جادة تهدف تغيير العالم :" في وسع الفلاسفة قيادة مجهود تغيير العالم ، وسيخونون بدورهم مسؤولية منوطة بهم ان لم يفعلوا .
أنا أعتبر أنّ الترجمة هي التمرين الفلسفي الحقيقي راهنا؛ وما عداه هو اعتياش على فتات الترجمات من دون قدرة على خوض معركة تأويلية عميقة مع مشاكلها. لا يتعلق الأمر بالتنظير للترجمة أو بالحثّ الأخلاقي أو المنهجي عليها من أجل سدّ ثغرات في المكتبة الفلسفية أو الفكرية بالعربية. بل بشيء آخر أكثر جسامة: إنّ الترجمة هي نمط التفلسف الحالي. ولا يجب أن نستعمل الترجمات الرديئة أو التقنية باعتبارها دليلا ضدّ ماهية الترجمة. إنّ الرداءة هي دوماً جزء من الاستعمال العمومي للعقل. وما سمّاه كانط «العقل الكسول» وما سمّاه هيدغر «الهُمْ» هو في الأغلب الأعمّ العقل اليومي الذي يدير شؤون الحياة الثقافية في مجتمعاتنا المعاصرة. أمّا سبب «ارتباطي بالفيلسوف الألماني هيدغر» فهو في الحقيقة جزء من ارتباطي بكلّ ما هو «ألماني» في الفلسفة منذ كانط: نعني بذلك السيطرة على النتائج الفلسفية لما سمّاه جان غرايش، أحد شرّاح هيدغر الفرنسيين المرموقين، دخول الإنسانية الحديثة في «العصر التأويلي للعقل». ولكوننا نحن العرب نتوفّر على ذاكرة تراثية عميقة ليس لنا اليوم ولا ينبغي أن يكون لنا معها إلاّ علاقة «تأويليّة» بالمعنى النيتشوي لهذا المصطلح، أي علاقة إبداعيّة جذرية، فإنّي ولّيت وجهي نحو الفلسفة الألمانية من كانط إلى هابرماس بحثا عن أكثر ما يمكن من أدوات التأويل التي تحتاج إليها ثقافتنا العالمة الحالية. لكنّني لا أعتبر ذلك مجرّد تمرين مدرسي أو مجرّد إنتاج «ثقافي»؛ بل أعتبر ذلك نمطاً عسيرا ومخصوصا من التفلسف الخاص بنا في هذا الحقبة من تاريخ عقولنا. وهيدغر، خاصة كما يتكلم في كتابه العظيم، «الكينونة والزمان» (1927)، والذي وُصف في الغرب بأنّه أكبر حدث فلسفي منذ كتاب هيغل «فينومينولوجيا الروح» (1807)، والذي كنت خصّصت له أوّل عمل لي في الدراسات العليا سنة 1987، ـ هيدغر هذا ليس شخصاً أو مجرد «عميد» في الحقبة النازية، بل هو أفلاطون القرن العشرين: حيث أنّ الأغلبية الساحقة من المصطلحات والتحدّيات الفلسفية التي تهيمن على نمط اشتغال الفلاسفة في العالم راهنا، في أيّ بقعة من عصر التقنية، هي متأتّية من نصوص هيدغر. ولذلك فإنّ ترجمة «الكينونة والزمان»، أو ترجمة بعض أهمّ النصوص التي تركت بصمتها على التقليد الفلسفي العظيم الذي أسّسه الألمان من كانط إلى اليوم، مثل «الدين في حدود مجرد العقل» أو «جنيالوجيا الأخلاق» أو «نظرية الفعل التواصلي».. هو موقف فلسفي واع بذاته، وليس مهنة. نعني: نوعا مخصوصا من الاضطلاع بمشاكلنا الروحية والتأويلية العميقة بطريقة «فلسفية».

* فتحي المسكيني
وحده من يتفلسف، أي من يحتمل كينونته في العالم في جملتها بوصفها أمرا يدعو إلى التساؤل، بإمكانه أن يمسك بثقل انفعال المسافة بين مجرّد الحياة (مثل النبات والحيوان) وبين معنى العيش (مثل الفانين، ولكن القادرين أو المحكوم عليهم بأن يسائلوا عن معنى حياتهم). ومن ثمّة نفهم أنّ التفلسف لم يكن في أوّل أمره ادّعاء للحكمة (مثل الآلهة) أو علماً نظريّا معزولا عن عالم البشر، بل كان دوما "فنّا في العيش" البشري، باعتباره امتيازاً لا يتمتع به إلاّ "الفانون" أي الكائنات المتناهية التي أرادت أن تجعل من "تناهيها" فضيلة ميتافيزيقية وليس "خطأ" لاهوتيّا. وكان الرومان، كما بيّن ذلك فوكو الأخير في دروس تأويلية الذات، يعتبرون الفيلسوف "مستشارا في الوجود". وذلك يعني مستشارا في التدرّب على الإمساك المناسب بذلك الخيط الرفيع بين مجرّد الحياة وبين معنى العيش، وهو ما يتطلّب قدرة كبيرة على "التعايش" مع هذا النوع من "التجربة".

- فتحي المسكيني،
ما الفرق بين أن نحيا وأن نعيش؟
أن تكون فيلسوفًا لا يعني أن يكون لديك أفكار حاذقة, ولا حتى أن تؤسِس مدرسة؛ بل أن تحب الحكمة بحيث تحيا وفقًا لإملاءاتها, حياة بساطة و استقلال و سماحة و صدق. أن تكون فيلسوفًا هو أن تحلّ بعض مشكلات الحياة, لا حلًا نظريًا فقط, بل عمليًا أيضًا.

- هنري ديفيد ثورو
«والدن، أو الحياة في الغابات»
ترجمة: عادل مصطفى.
الاستاطيقا "علم الجمال Aesthetics:"

كان هَمّ الفلاسفة الجمالي هو البحث عن المبدأ العميق الخافي وراء القيم الجمالية المختبئة وراء المرئيات وتجعل النفس البشرية تُعجب وترتاح وتستمتع عند رؤية هذا الشيء، وتفتقده وتتوحش له إذا غاب، إذا فالجمال إحساس داخلي يعود للفرد ذاته متذوقا كان أو فنان مبدع أو ناقد وعالم متخصص في علم الإدراك أو الحس والشعور والوعي ونظرياتها، شخص ذو عين ثاقبة في جماليات الفنون هي "استاطيقيا" كما أسماه الفيلسوف والعالم الألماني الكساندر بومقارتن 1735م كمادة فلسفية في كلية العلوم للبحث في الانفعالات والمشاعر ونشاطات وعلاقات الجمال النفسية والاجتماعية، وتناولها فلاسفة عظام مثل.

فيثاغوس: يرى أنه يكمن الجمال في العدد المتحرك في نسق عددي حسابي هندسي مكاني "التناسب".
وارسطو: رأى أن الجميل هو الشي النبيل. والفن الجميل هو الذي يعمل من أجل الجمال فقط Pure art، ويرى أن التناسق والانسجام والوضوح هي أهم خصائص كتلة الشيء الجميل.
وعرّف افلاطون الجمال بأنه: "جمال الشيء هو الذي يرغمنا على الإعجاب به والرغبة فيه، والذي يرتبط بأبعاد ذات علاقة باستمرارية الانسان وأيضا بالحق والخير والأخلاق ".
وعند يبتز وكوزان وهتشسن الجمال هو "الوحدة مع التنوع".
وعند ديكارت يكمن الجمال في العلاقة بين التذوق الفني والادراك العقلي يصل إلى معرفة الله سبحانه والارتباط به. ورأى ديكارت أن الجمال شيء نسبي ذاتي، وللإحساس الشخصي دور في تحقيق الجمال.
ويرى كانط أن الجمال ينبع من وجدان الإنسان وأنه مرهون بطريقة بناء للعمل الفني في تشابك العلاقات بعضها ببعض في تكوين واحد وهو شيء يدركه العقل ولا تدركه العاطفة، نظرة مجرّدة من النفعية والغرضية، وحدد الجمال في أربعة هي الكيفية، الكمية، النسبية، الشكل من أجل تمييز الجميل والعلمي والأخلاقي والعملي.
هيجل: يرى أن الفن هي أعلى أشكال الجمال، وهو تعبير عن الروح، وهو جزءٌ من النفس والدين والعقل، وصنّف جماليات العمارة فنونا رمزية، وفنون النحت كلاسيكية وضم في الفنون الرومانسية الرسم والموسيقى والشعر.
وليم هوجارت ربط الجمال بالإحساس الذي يميز الجمال الخالص والجمال النفعي. والطبيعة هي أم مصادر الجمال ومنها يكتسب الأفراد الحساسية الجمالية التي لها دور في إصدار الأحكام الجمالية والمقارنات المختلفة للأشياء.
ليبنز ‏يرى أن الجمال هو إدراك خفي روحي، والبشر متفاوتون في إدراكهم للجمال الذي هو أزلي في الكون. ويرى أن تنمية الفرد جماليا مصدرها الذات وما يرتبط بها من أبعاد معنوية‏. ويعتبر أن إدراك الجمال أمر نسبي يتوقف على الفرد والمجتمع والتغيرات المؤثرة عليه سواء كانت هذه المؤثرات داخلية او خارجية من المحيطة بالإنسان. كما يختلف مفهوم الجماليات وفقا لنوع الأجناس وأدراك الجمال يرتبط بالدوافع والرغبات للفرد ومدى تعاطفه الجمالي مع المثير الجماعي الخارجي.
سنتيانا ‏ربط الإجراءات الجمالي بالتكوين العضوي للجسم البشري كأنما يميل الإنسان إلى رؤية نفسه في القطعة الفنية، بما يتفق مع تكوينه العضوي يعد جميلا من الناحية الفنية وما لا يتفق مع ذلك التكوين يعد مرفوضا.
ويرى توفيق الحكيم أن الجمال هو "جمع أشياء متشابهة لا كل التشابه، مختلفة لا كل الاختلاف".

ومن النقاد من حددوا الجمال لا بشكله الظاهر وانما بتأثيره على النفس فقالت أثل بفر: "قد تختلف اشكال الجمال وأساليبه لكن له في النفس أثرا واحدا يعرف به: "نشاط هادئ، أو هدوء نشيط". ويرى بعض النقاد ان "الجميل هو الذي يرضي الجميع من غير قاعدة"، ومصدر الجمال هو الطبيعة والفنان. والجمال شيء نسبي فمنهم من قسمه الى حسي وروحي او ظاهر وباطن.

والجمال بصفه عامة في الفن هو حصيلة دراسية وخبرة وتأمل وتحصيل وتجارب وممارسة ومحاولة كشف العلاقات الدائمة للجمال والإبداع في اختيار العناصر والعزف بالقيم بصريا، وكل ما يدركه الإنسان ويُسر له ويبتهج به ويحسه معنىً وشعور وعاطفة. الجمال هو الكمال للعين والدلال للقلب والمسرّة للروح، وهو عكس القبح وكل ما يزعج النفس وتفر منه الروح. الجمال شيء نسبي يتفاوت من جيل لجيل ومكان لمكان وإنسان للآخر، والشخص نفسه متقلّب في أحكامه الجمالية حسب مزاجه، إنها عملية غامضة ومعقدة وغير مستقرة.
-فلسفة الأخلاق-

يُلقي علينا المُفَكِر الفلسفي فريدريك نيتشه وجهة ثورية على المفهوم الأخلاقي عبر تاريخ الفكر الإنساني. وما نقصده في ذلك هو عموم الأطروحة النيتشوية في الأخلاق، فكما يُعلَمْ ان هذا المفكر يطرح بروح ثورية قِبال الأخلاق الإنسانية ويعتبرها سياق صناعة بشرية كما يعتبرها جملة من المفكرين. ويجب ان لا تأخذ مجراها اكثر فنقوم بِدحض هذا السياق ونبني غيره لكي نُكمن مشروعية الإنسان الجديد او الإنسان المتطور. وذلك جدير بالأهمية البالغة، نناقش اليوم جانب من فلسفته الأخلاقية..
الأخلاق تمتثل بروحية جوفية عند الإنسان، فهي نشاط داخلي يُـحدد وفق معطيات تفكرية او فطرية او بيئية.. تؤدي الى الفعل او الشعور لامرٍ ما، فإذا كان المعطى تأثر مظهري فقط لخرج الأمر عن نطاق الأخلاق، وذلك لان حصيلة المعطى هو مؤثرات حابية الى الإحساس "والإستيلاء العاطفي يُدمر عدالة الإنسان المتمثلة بأخلاقه". بمعنى ان هذه البواذل تنصاع بروحية منطقية دفعت لذلك. إذاً ما يعنيه نيتشه هو ليس اخلاق اساساً.
اضافةً.. لو كانت الأخلاق تختلف بحسب المظاهر والأشكال لتصنفت على انها انانية كائنية لا تُبالي إلا بِرغبتها اتجاه الكائن المحدد. وبِـهذا تخرج عن غرض المنطق، وذلك غير ممكن لان كنة الأخلاق تتمحور جسامتها على اساس العدالة والمنطق والخير. فإذا انحاز الغرض عن نطاق ذلك يخرج تلقائياً عن إنسانية الإنسان وهنا يُحكم عليها بالسوء والخطأ وليسَ "اخلاق."
هذه المعطيات التي تؤدي الى وجه الأخلاق تترتب بحسب ابعاد، اهمها هو المنطق والعدالة. بعد ذلك نشعر بالتوجه الثاني -معطيات ثانوية- ونلحظ صورة "التعاطف الشكلي." بمعنى تأثر الأخلاق بالعوامل الخارجية. كالأمثلة المطروحة: ينزعج الإنسان من دهس قطة في الشارع بينما قِبال ذلك لا ينزعج اذا دُهِسَ صرصور. لِذى بالإمكان ان نقول ان هذا الشيء له وجه ضمن المعطيات الثانوية للأخلاق. وذلك له ملمح ضمن حدود التخيير، بمعنى يُمكن ان يفعل الإنسان خيراً ويحصل على ما لا يناسب ذلك، اي المحصول لا يُناسب المبذول. او العكس.. يمكن ان يفعل الإنسان سوءًا ويحصل على الخير الفارق. وذلك يُعين ويختص بالنفس وعدالتها، وما يطابق موقفها وفق الموقف. جدلاً نفترض الآن إن اختفت كل تلك المعطيات وبقى الوجه الآخر ضمن التوجه الثانوي كما سميناه "التعاطف او التأثر الشكلي".. حل ذلك هو ان إذا اختفت يختفي ما يناسب تأثيرها "بمنطق و عدالة" وذلك مستنداً بالحالة. هذا الأمر لا يُمكن ان نحكم عليه بـعيب للإنسان ويقتصر من قيمته، بل هو وجه لمفهوم صياغة الأخلاق الإنسانية. اي حتى الأخلاق تُعنى بخيرها وصادر مرادها الإيجابي. بإمكاننا ان نضرب مثالاً ونقول: هل نُميز اللون الأحمر إذا لم يكن في الوجود لون غيره! "لا يمكن ان يرضخ بوح وجود او مفهوم واحد لِـخاصية واحدة." إذًا من شروط صيغة الأخلاق الإنسانية هذا الترابط، ولذلك ما يعنيه نيتشه هو لون واحد من المعطيات الثانوية للأخلاق، وليس بغطرسة حجم الدلالة الذي وضفه وعناه فريدريك. فإذا زاد مقدار هذا اللون تلونت الأخلاق بالسوء وخرجت عن حيزها. لِذى لا يُمكن ان تكون الأخلاق محضة الخير بشكل مطلق، وهذا ما حكم علينا بنسبية الأخلاق.
السؤال هنا: الأخلاق نسبية لتمحور مفهومها وسط كائن ناقص؟ ام ان هذا النقصان يمكن ان يرد في الإثنين.. اي من "ذاتية الأخلاق و الإنسان" ؟

علي الرومي