منصور الحذيفي
3K subscribers
217 photos
24 videos
1 file
35 links
مقالات وخواطر وشعر.

كل ما يُكتب هنا من قولي.

حسابي على تويتر: https://twitter.com/mansour1917?s=21

قناة المختارات: https://t.me/mansour519

قناتي (في أعماق الكتابة): https://t.me/ketaba19
Download Telegram
علاقة القارئ بالكلمات تتجدد كلما أقبل على القراءة وتعاهدَها وارتبطَ بها، بِغَضِّ النظر عن نوعية ما يقرأ، هذه العلاقة الحية باللغة تُذكي مشاعره كما تُذكي أفكاره؛ لأن الألفاظ بحدِّ ذاتها تنطوي على مفاهيم غنية متنوعة، تُحدثُ ولا بُدّ حراكاً ذهنياً وعاطفياً، هذا الثراء وهذه الحياة في ظلال اللغة لها ولا شك أثرٌ كبير في وعي القارئ وتفهّمه للأمور، وفي نتاجه وما يُبدعه إن كان منتجاً أو كاتباً..
‏وكلما ارتفع مستوى ما يقرأ زادَ ذلك الأثر وجادت قريحةُ القارئ بالأروع والأعلى من الأفكار والأساليب التعبيرية.
كثيراً ما يؤدي الواحد منا أعمالاً يوميةً عظيمة، ولو لم يلتفت إليها أحد، ولو كانت في نظر الآخرين أعمالاً تافهة لا تستحق الذكر.. فليست قيمة العظيم في مقدار ما يُسلَّط عليه من الأضواء، كلا، العظمة لها قيمتها الذاتية، الغنية عن صخب الإعلان والتصفيق!
‏كلما استحضرتَ هذه الحقيقة سكَنَت نفسك، واطمأَنَّت إلى التقدُّم في دأبٍ وصمت، وكنتَ أمضى في أعمالك، وأكثر توجهاً إلى الحقائق العميقة، وبُعداً عن المظاهر الخدَّاعة!
لو كان المالُ في وِفاقٍ مع الأدب لكان الأدباء أسعدَ الناس وأهنأَهم عيشا. 😄
ما حَطَّ من قدر النِّعَم وحجبها عن القلوب شيءٌ مثل التعلق بالمال والطمع في المزيد منه.
الذي لا يتحرك إلا بالثناء يوشك أن يتوقّف.. ليس فقط لقلة الثناء، بل لأنه كلما سمع ثناءً تشوَّفَ لأكثر وأبلغ منه، ولم يعُد يرضيه القليل منه، وإذا لم يكن الدافع ذاتياً فما أسرع ما يكلّ ويملّ ويستسلم للفشل.
قد يظهر لك فجأةً عدوٌّ لا تدري كيف اكتسبتَ عداوته، لعلك كنت تُنجِز وتتقدم وتُنتِج وأنت في غفلة عن نار الحسد التي كانت تُلهِب قلبَه أمَداً طويلاً، حتى أنضجَت أحقادَه فتبدَّت على صفحةِ وجهه وسقَطاتِ لسانه ونظرات عينيه..
كنتَ مشغولاً بأعمالك عنه، في نفس الوقت الذي كان فيه مشغولاً بك!
أزعم أن لكتب الأوائل قنطرةٌ، وقد أسمّيها عَقبة، من جاوزها أو اقتحمها وجدَ لكلامهم أعظمَ النفع واستمتع به أوفر الاستمتاع، وتفتّحَت له ثقافةُ العرب، وضاءت له جوانب شعرهم وبيانهم وحياتهم بما لا يقع تحت وصف، وندِم على تفريطه في حق تلك الكتب الثمينة، وعلى حرمان نفسِه من كنوزها وبركاتها، وكثيرٌ منا محجوبٌ عنها وعن تذوُّقها بعُجمة الأساليب الحديثة، وببعده عن اللغة الغنية التي كُتبَت بها، ولو اقتطع من عُمره مدةً يُعالج فيها ما استوعر عليه من تلك الكتب، ويتمرّسُ ببيانها، ويتداوى بها من داء الأساليب المستحدثة، ويعود إلى تلك الأصول الركينة، والمناهل العذبة.. أقول إن من عزَمَ على نفسه هذه العزيمة الصادقة، فسيرى بنفسه الفرق بين القراءة لأولئك الجهابذة من العلماء والبلغاء، وبين ما يقرؤه ويقصر نفسه عليه من كتب المتأخرين.. وليست هذه دعوة لترك كتب المتأخرين، كيف والكاتب ممن يقرؤها وينتفع ويستمتع بها، لكنها دعوةٌ للعودة إلى تلك الأُسسِ المتينة الراسخة والانطلاق منها، دعوةٌ للتأصيل قبل التكميل، والتأسيس قبل البناء، ومن ذاقَ عرف، ومن عرفَ اغترَف..!

وفقني الله وإياك لذلك، ولما هو خير منه، وهداني وإياك سواء السبيل.

-الصورة التقطتها من مكتبة إمام الدعوة بمكة المكرمة.. برفقة كتاب الحيوان للجاحظ..
على نُدرة ما يتزوَّدُ به الواحد منا من العلم والأدب والثقافة إلا أننا نجد لذلك في نفوسنا من اللذة والسلوى ما قد تعجز ألسنتنا وأقلامنا عن وصفه.. فكيف لو سلكنا مسلك العلماء وغُصنا في بحور العلم والأدب غوصَهم!
كم من السعادة يكمن في أن تتذكر أن هنالك كتاباً أو درساً تترقب أن تعود لتقرأه أو تسمعه، وكم من الكدر والشعور بالفراغ والتفاهة يكمن في أن يقتصر وجودك في هذه الحياة الدنيا على هموم المأكل والمشرب وما هو مثل ذلك وما دونه!

أمَا والله ما على ذوي الهمم ملامٌ أن يُدافعوا الهمومَ بالعلوم.. فنِعمَ العونُ والشرف للإنسان: علمه وأدبه.. وما عند الله خيرٌ وأبقى لمن علَت همته أكثر فأكثر، يقول النابغة الجعدي -رضي الله عنه-:
(أَنْشَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
بَلَغْنَا السَّمَاءَ مَجْدُنَا وجُدودُنا ... وَإِنَّا لَنَرْجُو فَوْقَ ذَلِكَ مَظْهَرَا

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِلَى أَيْنَ يَا أَبَا لَيْلَى؟"، فَقُلْتُ إِلَى الْجَنَّةِ، فَقَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ).
مِلْ مع حبك للعالِم الفلاني والأديب الفلاني أو لفلانٍ من الناس كما تشاء، لكن لا تجعل حبك له حجةً على الآخرين في قبول ما يأتي به، ولا في إلزامهم بتقديره وتبجيله كما تقدره أنت وتُبجله، ولا تجعل حبك له أيضاً سببا في معاداة أنداده وخصومه.. خذْ الأمر بأريحية أكثر، وكن منصفاً واسعَ النظرة مستقِلَّ الفِكر.
يسقط الرجل من عيون الأحرار الكرام إذا أكثر الحديث عن النساء..
‏لا أدري كم نسبة الأحرار الكرام الذين لا يفعلون ذلك، فلعلهم صاروا (أقلّية)!
‏لكن قيَم الكرامة والرجولة لا تقِلّ ولا تذل مهما قلَّ أهلها.
رحلةٌ إلى الفوّارة وحَرَّةِ بني مسعود

الزمان: عصر الجمعة الثاني من شهر ذي القعدة من سنة خمس وأربعين وأربعمئة وألف للهجرة.
الوجهة: الفوّارة- وحَرَّة بني مسعود من ديار هُذيل- شمال شرق مكة المكرمة.

كنا قد تواعدنا أنا وبعض الأصدقاء على هذه الرحلة قبل أيام، لم نتعب في الترتيب لها، علّقَ أحد الأصدقاء بأن خيرَ الرحلات ما جاء هكذا عفواً دون كثيرِ اهتمامٍ أو طويلِ تأهُّب.. ها هم الرفاق يتفقون على أن تكون نقطة التجمُّع والانطلاق هي (مسجد الجعرانة) الذي يسمى (مسجد الميقات)؛ لكونه في منطقة (الحِل) فيخرج إليه أهل مكة من الأحياء القريبة منه ليُحرموا بالعمرة.. كنتُ أولَ الواصلين، قُبيل الساعة الثالثة بعد الظهر، ثم وصل الرفاق، وهم ثلاثة، وركبنا السيارة التي اختيرت خصِّيصى لمثل هذه الرحلة، (جيب باجيرو متسوبيشي)، فالوادي الذي نقصده وعِرُ المسالك جدا، ونحن نقتحمه بعد أيامٍ من سيلٍ تاريخيٍ جرّارٍ، قد حفرَ الوادي حفراً، وقلَّبَ صخورَه العظيمة، وعلا فوقَ الجسر المسلَّح الذي يقطع الوادي لتعبر السيارات عليه إلى حرة بني مسعود وما وراءها من قرى الفوّارة وصولاً إلى (عشيرة) لينفذ إلى طريق (الطائف-الرياض)..

لم يذهب وقتٌ طويل منذ أن انطلقنا من (مسجد الجعرانة) حتى وصلنا الوادي المسمى باللهجة المحلية وادي (احْوَرَه)، وهو أحد روافد وادي (مَرّ الظهران) الذي يقع عليه سد (وادي فاطمة).

ربما استغرق الطريق حوالي ساعة، كان الوادي عند وصولنا مزدحماً جداً بمُرتاديه من العوائل، وذلك بعد أن انتشرت مقاطع تُصوِّر جمالَ النهر (أو النُّهَير) الذي يجري فيه.. بالكاد وجدنا مكاناً في الوادي الضيق إلى جوار الماء، وفرَشنا فَرشتنا في ظلِّ سيارتنا، إذ ما تزال أشعة الشمس قوية ونحن في بداية وقت العصر، يمَّمنا وجوهَنا قِبَل القبلة وصلينا العصر.. وتناولنا القهوةَ والشاي مع شيء من التمر والفُشار، وتجاذبنا أطرافَ الأحاديث ساعةً أو تزيد، ثم حرصتُ على أن أتمشّى حافياً على حجارة الوادي النظيفة وأخوض في نهره الصغير، لما في ذلك من المتعة والصحة التي تشعر بها فوراً، وكان الماء بارداً على الرغم من بعض الحرارة المحسوسة في الجو، كان أكثر من في الوادي استمتاعاً وسعادةً هم الأطفال، كانوا يلعبون في الماء ويخرجون ليتقلّبوا في التراب النقي فيلتصق بهم ثم يعودون إلى الماء فيستَلقون فيه ويرشُّ بعضهم بعضاً، وأنا أمشي في الماء بهدوء الكبار وأتأملهم بقلب الصبيّ، وأسترجع ذكرياتٍ عزيزة كانت لي في مثل هذه الأودية، فأدرك فرقَ السنين بيني وبينهم وإن لم تُبارح نفسي تَماماً هذه الطفولة العابثة..
طوينا فرشتَنا قبيل المغرب، وعدنا إلى السيارة وخرجنا من الوادي وأكملنا الصعود إلى الحَرّة، حَرَّةِ بني مسعود، وهي أرضٌ بركانية فسيحة جداً، ومستوية، ربما يصح أن نسميها (هضبة)، تتميز تضاريسها بالصخور والأحجار السوداء الحادة، مع وجود حُفرٍ صغيرة في كل صخرة وحجر.. وفي أعلى تلك الحرّة توقَّفنا.. وترجّلنا من السيارة، وأخذنا نبحث عن شجر (البشام) الذي ينبت في مثل هذه المناطق الجبلية، ومن أغصانه تُقطَف (المساويك، جمع مِسواك).. فلم نجده، ووجدنا أنواعاً من النباتات أخذ أحد الرفاق يُسميها لنا واحدةً إثر الأخرى، بخبرته الطويلة في معرفة النباتات واستزراعها، حتى وقف بي على نبتةٍ عطرية، تفوحُ أوراقها وزهراتها الصفراء المبهجة بزكيِّ العبق، اسمها (السَّكَب)، فقطفتُ منها ما زيَّنتُ به (جيب ثوبي) على الصدر، وعندما عُدتُ إلى البيت أهديتها لأمي -حفظها الله- التي تحب هذه الرياحين وتسعد بها جدا..

في هذه الحرَّة الخالية، الحافلة مع ذلك بأنواعٍ من النباتات، وشيءٍ من الخضرة وتجمّعات الماء -التي نسميها في لهجتنا: نِقاع، جمع نَقعة- بعدما جادها الغيث فغسل عنها الغبار المتكدس طوال العام.. أقول إني وجدت في هذا الخلاء الممتد مدَّ البصر= راحتي وسلوتي ونشاطي الروحي والجسدي، ومَن لازمَ المدينة مدةً طويلة ثم خرج إلى الصحراء وعانق الطبيعة عرفَ ما أصِف.. فإني -والله- منذ فترة طويلة لم أشعر بما شعرت به هناك.. كان كل شيء يدعوني للتأمل والفناء فيه ونسيان الهموم والسباحة في ملكوت الله الواسع العجيب.. وما حلَّ المساء في تلك الربوع، وتضيَّفَت الشمس للغروب، وآذن الأصيل بالرحيل، وغَشّتِ الظلمةُ بقايا النور في الأفق وعلى رؤوس الجبال= إلا وأنا في قمة الحضور الذي يشبه الغياب! ونهاية اليقظة التي هي بداية الغيبوبة!
ملحق الصور:

الصورة الأولى لحرة بني مسعود والطريق الذي يقطعها.. مأخوذة من حساب المصور المبدع الرحّالة الأستاذ: إبراهيم سرحان..

والصورة الثانية مأخوذة من الإنترنت لمسجد ميقات الجعرانة

وبقية الصور من تصويري.