إن أسخفَ ما يعانيه المرء في طباعه أن يكونَ ميالا للتّصديقِ، مريضا به، أن يرغب رغبةً خالصةً نقيةً بتصديقِ كل ما يصدر عن الآخرين، بغض النظر عما يصدر عن الآخرين، تصديقًا يعفيهِ من الشكِّ في ما يقولون، والمفاضلة بينهم والتفرقة بين خيِّرهمْ وأشرّهم ومن الرزية ببعضهم بل قل بأغلبهم وما يظهرون وما يبطنون، فيُريحهُ من مداخل شيطانِهِ عليهِ. وهو طبعٌ لا محالة نابع عن طيبِ نفسٍ وجمالٍ داخليّ أصيل ولكنه طبعٌ سخيفٌ متعب لأنه تصديق يُدخلُ على الحقائقِ والمُثُلِ التي رسخت بداخلهِ الشك فيهزها ويشوب صفاءَ رؤياها كما يشوبُ الماء التراب، ويخالطُها فيفسدَها ويجعل منها شيئا آخر ينفي عنها أصلها.

هذه الحقائق التي لا تُخالِطُ إلا نفسها لتكونَ، وتُقصدُ لذاتها، وتدل على نفسها بنفسِها وتنبذُ كل باطلٍ وتفنِدُهُ، كيف ننفي عنها ما هو منها: أنها يُضرب بها الباطل، فتظهرُ هي ويفنى هو! كيف لطبع انسانيّ ما أن يجعل من ضدين سواسية، لإرضاء عاطفةٍ ما بشرية؟

#في_استنطاق_الداء

‏كلما توسعت ثقافة المرء، زادت ملاحظته للعيوب والأعطاب من حوله. أول ما يستلزمه هذا التحول هو انتقائية مضاعفة لما يستحق النقد.. من يفشل ببناء هذه الانتقائية سيغرق بما هو ثانوي وينجر لمقارعة الصبيان ويضيع بالأزقة الضيقة. الثقافة الواسعة شيء وبراعة إدارتها بمواجهة الواقع شيء آخر تماما.

‏ليس كل خطأ أهلا للتصويب أو جديرا بالاهتمام. الانجرار لما هو ثانوي ليس ابتعادا عن الجوهر وحسب، بل تعميةً عليه أحيانا.

| بلال عوني
#في_تشخيص_الدواء

تتجمَّلُ الدُّنيا -للناظر والغافلِ على حد السواءِ- بكلِّ لقاءٍ بين حبيبيْنِ. بكل جمعٍ لنجمينِ شتيتينِ. بكلِّ ضمّةٍ تجذبُ سابِحينِ. تزدادُ حُسنًا والصدقُ أنقى والحبُّ أعمُّ والوئامُ أكثر اليومَ فيها قليلا من الأمسِ. أرأيتَ كلما انتفت المسافة ما بينهما واستحكَمَ تأسُّسُ جمعهما، دوائر الوجودِ ما دونهما تتحول جنانا ترتوي وتخضرُّ بشرًا بقدوم خطوهما.
يكتمل كل منهما بالآخرِ، لا اكتمال له بغيرهِ، ويسكُنُ، وتنفتحُ بالتماسِّ في روحهِ مغاليقُ العطاءِ فينهمرُ كالمطرِ، يُغاثُ فيُغيثُ، ينارُ فينيرُ كالشمسِ والقمرِ! تنتهي رحلة البحثِ، وتهدئ آلامها، وتستكينُ شجونها وتمسحُ يد الحب على آثار الجروح فإذا هي البلسمُ. ويستعد رحمُ الحياة للولادات المُباركة، والزرعِ الطيِّبِ. وكبديل للنهايات، تلوحُ بدايات سعيدةٌ في الأفق، وضحكاتٌ بريئة طفولية وحب غامر يتوالد ويتعاظمُ وينمو ويزدهرُ ويتسلقُ شجرة الدعاء حتى إذا بلغ فرعها يفتح من علوٍّ بابا من أبواب السماء، طريقا مقدسة غايتها الله! ..

لأننا معًا -يدي بيدك، قلبي يُجاورُ قلبكَ- يظلُّنا الله تحت ظلهِ.

#زينة_الحياة_الدنيا
#لحون #سنن

من البلاغة القرآنية التعبير عن العدم بذكر النسيان لا الغياب، فالغياب حضور غير ضمني، بينما النسيان هو وجه العدم الحقيقي، فشخص ميت هو غير غائب لأنه علامة في ذاكرة آخر تخلق بدورها تشكيلاتٍ جديدة، حتى أن العامية تستقي ذلك بقول "عايشين على سيرة فلان"، وعندما تتمنى مريم عليها السلام في القرآن من شدة الألم أن تكون عدمًا وتموت لا تقول يا ليتني كنت عدمًا بل تتمنى أن تكون "نسيًا منسيًا" بعد أن تقول يا ليتني مت قبل هذا، الموت وحده لا يكفي لاكتمال عدمها، بل أن تكون "نسيًا منسيًا" فتسقط من ذاكرة الوجود كأنها ما جاءت، وفي سورة الإنسان يستهل الله حديثه بسؤالٍ تقريري عن مجيء الإنسان من العدم بقوله "هل أتى على الإنسان حينٌ من الدهر لم يكن شيئًا مذكورًا" فلم يقل هنا لم يكن شيئًا موجودًا، وعدم الذكر هو تمام اكتمال المعنى للعدم بلفظة تفوق في بلاغتها اللفظة الضد لكلمة عدم (وجود).
وأتذكر في ذلك بلاغة درويش عندما قال عن إنسان كأنه ما جاء ولا عبر :
تُنسى كأنك لم تكن تُنسى كمصرع طائرٍ ككنيسة مهجورة تُنسى كحب عابرٍ وكوردة في الثلج تُنسى.

-محمود أبو عادي

"ولا تُجالِس العابثين"

من وصية أبي بكر رضي الله عنه لقائد عسكره يزيد بن أبي سفيان رضي الله عنه (ابن الأثير).

فإنِّي حينَ أجِدُكِ أفْقدُ اللُّغة، وحينَ أفْقدُكِ أجِدُها!

#عجائب

والله يعلمُ أنَّما بحثُنَا في المعاني وتجريدها ومواقعها وتركيبها وماهيَّتها ليس إلا حُبًّا وسعيًا للإحسانِ، واستنباط الحيلة للإنسانِ، واستقصاءِ النور حتى نعود بهِ ظافرين وندل عليهِ الباحثين والمشتاقةَ قلوبُهم. وأنما اتبعنا الأسبابَ في كل تفاصيل أيامنا حُبًّا وشغفًا بهندسةِ الخالِقِ العظيمة في الكون وفي أنفسنا، وأثرِ يدهِ الجليلة على الطينِ وما حولهُ.
ما تفلسفت عقولنا لمجردِ تزيين الحرف، لا واللّٰه، ولا لنيلِ قبول البشرِ وإعجابهم! بلْ انتصارا لرفعة الفكرِ وبيانًا وتبيينًا لجماليّة الحقِّ وإعلاءً له على هذه الفوضى المحيطة بعُقولنا، المفسدة لجل شؤوننا.
وما بذلنا استكبارا، نستعيذُ بجلالهِ من سعيٍ كذاك، ولكن تواضعا لربِّ العظمة والعزة. والعارفُ بمسالك البذل يعلم أنه ما كانَ بذلُنا ليستقيمَ لو أنَّ فيهِ شيئا من الكِبَرِ. ماكانَ قطافه ليكون دانيًا. ماكان طعمُهُ ليكونَ حُلوًا! وحسبنا اللّٰه في الذي قد قصدناه والذي قد كتبناهُ. نسأله خير ما أعطى ومباركة فيه وخلاصا له وحده. وألا ينسينا البشرُ أننا لله وأنا إليه راجعون!

#جدوى
#نفثة

ولكِنَّ الفَردَ لا يَستَطِيعُ أنْ يُحَقِّقَ وُجُودَهُ، ويَستَيقِنَ مِن قُدرَتِهِ على العَمَلِ والإنتاجِ إلا باتِّساعِ فَردِيَّتِهِ اتِّساعًا يُعطِيهِ مِنَ الحُرِّيَّةِ ما يَكفُلُ له إرضاءَ نَفسِهِ في بَعضِ آمالِها التي يُريدُ أنْ تَتَحَقَّقَ، فإذا استطاعَ الفَردُ أنْ يُحَقِّقَ بَعضَ آمالِهِ تَحقِيقًا كامِلًا، استَيقَنَ مِن حَقِيقَةِ وُجُودِه، فإذا استَيقَنَ مِن حَقِيقَةِ وُجُودِهِ بذلك، كانت قُدرَتُهُ على الحَياةِ أبلَغَ وأقوَى وأمتَنَ، وبذلك يَكُونُ دائِمًا ثابِتًا في تَقدِيرِ أعمالِهِ وإتقانِها وإيجادِها بالقُوَّةِ الصَّارِمَة، فإذا أمكَنَ ذلك، وَجَدَتْ نَفسُهُ في الحَياةِ المُضطَرِمَةِ مَنفَذًا تَستَعِينُ به على تَلَطُّفِ الحَياةِ أو تَبرِيدِ السَّعِيرِ المُلتَهِبِ الذي يَكتَنِفُها بألسِنَتِهِ المُتَكَلِّمَةِ بألفاظٍ مِنَ النَّارِ اللذَّاعَةِ.

[أهوال النفس || جمهرة المقالات]

وما أقدر ضجيج هذا العالم على طيِّنا داخِلَهُ طيًّا، وجرّنا لِسوافه الأمور جرّا،
وابتلاعنا وهضمنا ليطرحنا منهكين مستنزفين، وتشتيت رياحنا وتبديد أصواتنا الضائعة داخلهُ هباء..

ولكن حاشى! لعل الضجيجَ على كثافته الهباءُ، ولعل أصواتنا المنفردة المُتفرِّدة الضئيلةَ الخيرُ الذي يمكثُ في الأرضِ. لعل الضجيج، ضجيجُ زبدٍ ما يلبثُ أن ينحلَّ في صفاء صفحةِ الماء؟

ثم ما أقدرهُ أن يكون مُعينا على التناسي والنِّسيان ورفيقا للذاكرة القاصرة القصيرة وحليفا على تقليب قلوبنا لتجحدَ التثبُّتَ والثبات، وتتوقّفَ عن النُّموِّ والنَّبات. وما أنسبَهُ شريكا لنا في كلّ هروب، أكان هروبا من كل ما يتكلَّفُ استيعابه جُهدا وحُبُّه صدقا وسعيا وتأملا.. أو هروبا من أنفُسِنا.
ضجيجٌ ككأسِ الخمرِ يُذهِلُ من منهُ ينهلُ بشغفٍ عن ذاتهِ، ويذهبُ بوعيِهِ، ويستدرجُهُ لكأس ثانيةٍ وثالثة ورابعة إلى لا نهاية العدِّ..

مصابنا في ديننا وقيمنا وأفهامنا ما يلبثُ أن يصبح مرضا عضالا عند الفرد وفي الجماعة..

#في_استنطاق_الداء

أحفظُ وعيي في دائرة آمنة. أرسم حوافها جيِّدا كلما هم بمغادرتها أو كادَ. فيرتدُّ إليَّ طائعا.
أُواسيهِ بمصابيحَ قد اعتنيتُ بإنارتها من ذواتِ الأشياءِ، وزودتها بأطايبِ مستخلصاتها.
أُؤنسه بالنورِ الذي ينبعثُ متصلا من المركزِ، فيبقى إليه منجذبًا، تحته منكسرا. أجعلُ النور فيها قبلتهُ، وحسبُهُ، وأقول لهُ هامسةً: تذكر، ليس من خُططي أن أصل.

#لحون

تعودكُ الخيباتُ وقوفا جبانًا في مُنتصفِ الأشياءِ، دون أن يبدوَ الأمرُ كارتِكابِ جُرمٍ أو اقترافِ ذنبٍ.. عادي.

المُتاحُ مخيِّبٌ بِطبعِهِ والمُأمَّلُ بِطبعِهِ غيرُ متاحٍ ..

أو هكذا يرتسمُ الأمرُ لمن قد تلبسَ شعورُ الخيبةِ شجرة روحه فأسقط ثمارها قبل مواسمِ النضوج. هذا سادتي ما يمليهِ شيطانُ اليأسِ الذي أوطأ سقف الجميعِ فأصبحَ الزيفُ بديلا مرضيا عن الحقيقةِ..

#في_استنطاق_الداء

غالبا تكونُ المنهجية التي يتمُّ بها التسلسلُ والانتقالُ من فكرة إلى أخرى أهم من الفكرة نفسها. العلاقات التي تنبني بين الأفكار والتي تحدد بداياتها ونهاياتها ومقاصد النهايات تختفي في كواليس المتون لكنها دائما أجمل وأهمُّ!

#أدب
#أرأيت #في_فنون_الكتابة

ْ
قرأت في اللسان والميزان لطه عبد الرحمـٰن جملة ستظل عالقة بذهني ما حييت، لا أذكرها بحرفيتها لكن معناها هو كالآتي: "ليس الأصل هو المفردات بل العلاقات" ، هذه الجملة قد نمر عليها مرور من لا يكترث لكنها ذات دلالات فلسفية جد عميقة، لم تكن لي الوسائل الكفيلة في شرحها حين قرأتها حينئذ، لكن بعد اطلاعي على نظرية الفئة وجانب من اللسانيات المعرفية وجدتها مبدأ أساسيا في قوانين الذهن البشري وليست مجرد نظرية عابرة، نجد صداها عند كبار اللغويين والمفكرين العرب، الجرجاني، الجابري، المسدي، الحاج صالح الخ.. تلتقي هذه العبارة مع عبارة يطرحها فلاسفة الذهن البشري والرياضيات وهي:
can objects be entirely eliminated and replaced by a network of relations

تحاول نظرية الفئة ما أمكنها ذلك من سبيل الاستغناء عن الأشياء بدراسة نسق التحولات والعلاقات بين الاشياء، فالأهم هو كيف يتصرف الشيء في حضور شيء آخر، أي دراسة سلوكه الخارجي في سياق تفاعله مع الأشياء الاخرى، الأمر لا يقف عند هذا الحد بل يمكن مقارنة العلاقات بين الأشياء فيما بينها..

| طارق المالكي
arabicontology.com

فكان صبره صبر أمة كاملة لا صبر رجل فرد، وكان يضرب بالسياط ونفسه فوق معنى الضرب، فلو قرضوه بالمقاريض ونشروه بالمناشير لما نالوا منه شيئا؛ إذ لم يكن جسمه إلا ثوبا عليه، وكان الرجل هو الفكر ليس غير.

| الرافعي في حديثه عن ابن حنبل، وحي القلم
#مقتبس

النهار لا يتكون من الضوء، بل من إرادتي.

| إيتيل عدنان
#مقتبس

أما الفضيلة فهي تهنأ بتمامها وتنتصب في كامل عظمة جسدها في الأعمار المتقدمة الموغلة في السنين، وبعد تجاربَ معينة.. وهي لا تنفك عن الغر لا محالة وتلمحُ عنه بيسر إلا أنها تكتمل اكتمالا رائعًا بعد الاحتكاك بالدنيا والانفاق من الصبر على الشدائد.. ولا يعرف هذا حق المعرفة إلا من سكن هذا الجسد كل هذه الاعوام وخبره، ومن عايش هذه النفس وألفها وحادثته وحادثها. وما أندَر ظهورها ذاك وأبهاه!

#سنن

ما يكتُبُه العقلُ الذي آنس بالفِكرِ الإيمانَ أهمُّ معرفيا من حيثُ القيمة.
وما يكتبه العقلُ الذي مايزال يبحثُ عن إيمانه، وعن نفسه، وعن قيمه، وعن الحقيقة، مهمّ كذلك، لكن من حيث التجربة.

#أرأيت
#جدوى

Adam could do no dishonesty..
He didn't want anything. You had to crave something to be dishonest.

لم يكن لآدم أن يتصنع شيئا. فهو كان زاهدا في الأشياء.
ينقصك الطمع لتقيم باطلا.

East of Eden | p63
#John_steinbeck
#مترجم

هبْ جميع الدنيا أتت لك عفوًا

وأفادت وأن نجمك سعد

وافترض أن قد عشت مائة عام

وبلغتَ المنى فماذا بعدُ.

| رباعيات الخيام
#شعر

وإذا خانتك كلُّ الصناعات، فاصنع شيئا واحدًا أخيرًا ؛

البسمة في أسوء اللحظات.

#تذكير

ْ
أنعمَ عليكَ أولاً بالإيجادِ،
وثانيًا بتوالي الإمدادِ.

| الحكم العطائية