القولُ سَهلٌ باللّسانِ وإنّما
‏بالفعلِ يُمتَحنُ الفتى ويُصنَّف

كَم لَيلَةٍ سِرتُ في البَيداءِ مُنفَرِداً
وَاللَيلُ لِلغَربِ قَد مالَت كَواكِبُهُ

سَيفي أَنيسي وَرُمحي كُلَّما نَهِمَت
أُسدُ الدِحالِ إِلَيها مالَ جانِبُهُ .

- عنترة بن شداد

وهَذَا اللّيلُ أوسَعَني حَنينًا
‏فَمَزّقَ ما تَبَقّى مِنْ ثَبَاتِي
‏تَلُوحُ الذّكرَياتُ بِكُلَّ دَربٍ
‏لِأَهرُبَ مِنْ شَتَاتِي لِلشّتاتِ
‏ومَابٍي غيرُ شوقٍ لا يُداوى
‏وبَعضُ الشّوقِ أَشبَهُ بِالمَمَاتِ

وما ندمتُ على ماكُنتُ أفعلهُ
وسوفَ أُكمِلُ أيّامي بلاندمِ
هي الحياةُ محطّات وأعبرها
كما البقيةُ في سعدٍ وفي ألمِ

فتىً جاهدَ الدّنيا وجاهدَ أهلَها
وفي نفسِهِ لمْ يَدرِ كيفَ يُجاهِدُ

اني رأيتٌ الحُزن يأتي يُبشرني
في منامي وليلةُ من اسعد الليلٍ
رأيتٌ بها مستقبلي وبعدها أجلي
ياحزني قد فرحت فالماذا قتلتني

دَاوَيت بِالأَمْسِ أَروَاحَاً مَجرُوحَةً
وَالْيَوم تَرجُو رُوحِي مَن يُدَاوِيهَا

.

فكَمْ من عظيمٍ بكى في الظلام،
وظنَّ الهزيمةَ حكمَ الأيام.
ولكنْ بصبرٍ على كلِّ ألم،
تجلّى نجاحُهُ فوقَ الأنام

فَكَيْفَ أَقْتُلُ يَأْسِي أَوْ أُرَاوِغُهُ
مَا دَامَ يَسْكُنُ في رُوْحِي وَأَحْلامِي؟

‏قل للّذي نامَ والأحزانُ تَخنقهُ
‏وهمّهُ في ظَلام الليّل يُشقيهُ
‏هَون على قلبكَ المحزونُ انّ
‏لهُ ربًا سَيملؤهُ نُورًا و يَرويهُ

وفاضَ الزمانُ وابتلى فؤادي
وزارني يأسٌ ولم يتركني
وجارَ بجواري هجرٌ يلسعُني
فكأنَّ همومَ الكونِ قد أحبَّتْني

فكَأنَّ الهمومَ قد تأتي بأشكالٍ
فربما كانت مشاعرٌ وأوهام

وربما كانت كالأُنسِ أعوامًا
ولقلبِ الاثنينِ كأنَّ محتام

ويصبح الحزنُ بداخلِ الكلامِ
مرسومًا ويصبحُ بشكلِ أسهامٍ

والقلبُ يقبلُ ولا يرفضُ مهما
بلغَ الجرحُ كثرةَ الحزنِ والأحلامِ

فليُطِل دهري في قسوته ما شاء
أسيرُ نحو فنائي دونما وَجَلِ
لم يَعُد يأبهُ القلبُ لو أمطرت أملاً
فما تبقَّى سوى جسدٍ بلا أملِ

مالي وَما النَّومِ يَهجرُ مُقلَتي
وَ يَزودُ اللَّيلُ الطَويلُ شتاتِي
وَ يَعمِّقُ الجُرحَ الَّذيِ لَم ينبَري
وَ يَزيدُني شَوقاً لِيَومِ مَمَاتِي
فَالقلبُ مَقتولٌ بأسوَءِ عِلَّةٍ
إن ماتَ قَلبِي مَا تُفيدُ حَياتي ؟

قد يُخطِئُ الإنسانُ مرةً واحدةً في حياتِهِ،
فيظلُّ يُكَفِّرُ عن هذا الخطأِ إلى الأبدِ

يا طيرُ خذْ أحلامي وطرْ بها
واحملْ بها كلَّ المآسي والهمومْ
واجعلْ بدلَ الحزنِ قضيّتَنا
فرحًا كما فرِحَتْ قَومٌ بعدَ قومْ
ولا تلعَ في كبدي المآسي
فإنّي من الأقرباءِ لدغَةُ المسمومْ
وإنّي كرهتُ العتابَ لمَن أحبُّهمُ
ولا يفيدُ الحبيبَ إذا به لومْ
فإنّي وإنْ كانَ الحزنُ عدوِّي
فقدْ كسبتُ منَ الفرحِ شرفَ الخصومْ

الألم يغيّر الناس ، فيجعلهم يثقون أقلّ، ويفكّرون أكثر، وينعزلون أطول.
ـ جبران خليل جبران

يُراجعُ نفسَهُ في اللّيلِ وَحدهْ،
ويَغرقُ في السُكونِ بِلا مُساندْ
تُحيطُهُ الظُنونُ كأنّهُ غُصنٌ
تَكسّرَ قبلَ أنْ يَجدَ المَراسِي

لاْ تَرتَجِ الذلَّ منْ خيرِ الأنامِ
وَكُنْ لنفسِكَ مَعِزَّةً لاْ تُنالِ
وَارفعْ كرامتَكَ إلىْ ثُرَيَّا مُحلِّقًا
فوقَ السماءِ رغمَ كلِّ حالٍ
فإنْ حَدَّثوكَ وْأُعجِبتْ بقولِهمْ
تَذَكَّرْ كرامتَكَ فوقَ كلِّ إذلالِ