لا يستطيع القضاة اختيار القضايا التي تأتيهم، عندما تصل قضية إلى المحكمة، فإن القاضي الذي يُكلَّف بها ليس هو الشخص الذي ارتكب الجريمة، وليس شاهدًا على الجريمة، وليس متأثرًا بالجريمة، لكنه يصير مسؤولًا عن تلك الجريمة، وعند ذلك، يكون على القاضي أن يختار العواقب التي تترتب عليها: عليه أن يُحدد المقياس الذي يقيس به تلك الجريمة، وأن يحرص على تطبيق ذلك المقياس، إننا مسؤولون طيلة الوقت عن أحداث وتجارب لا تقع لائمتها علينا، هذا جزء من الحياة .
إن الاستجواب الصادق للنفس أمر صعب، وهو يستلزم أن تطرح على نفسك أسئلة لا تريحك الإجابة عليها، وبحسب تجربتي، فإن احتمال أن تكون تلك الإجابات حقيقية صادقة يزداد كلما كانت الأسئلة غير مُريحة لأصحابها .
أخذت مشاعر الإستسلام تجتاحني، إن كنتُ سأنهار، فإنّني سأتشبّث بمسراتي الصّغيرة، بِقَدر استطاعتي، على الأقل .
أرفع نفسي، كحجرةٍ في قاع حفرة، أسحها إلى أن يجف الماء من صدري، أرفعها، بكُل ما أستطيع من قوة، لا أريدها أن تبقى في ظلمةٍ لن تنجو منها، أرفع نفسي، وكأنها الشيء الوحيد المتبقي هنا، لا أهتم للأوجه، للمسافات، أو الخطى البعيدة، أحملها وفي كُل مرةٍ تقع، ينهار شيءُ ما داخل روحي، وأحاول بكل الدموع التي سقطت، بأن أروي الأرض وأروي ببعضه عطشي، أحاول الصمود، الوقوف في منتصف هذا الطريق، ومع أن المحاولة تزيد الأمور سوءًا، أرى بأني لا استسلم، أقع في الدقيقة تسعة وخمسون مرة، ولكني أقف في المرة الستين، لا يوجد أملُ في هذهِ السماء، ولا الأشجار تستطيع تلطيف المكان، وحتى التراب الذي يمدّنا بالقوة، نسقط بسببه أحيانًا، أرفع نفسي، لأن لا أحدًا هنا يفعلها، أتشاءم وأضحك في ذات الوقت، ولكني في النهاية أقاوم كُل لحظةٍ حزينة، بعشر لحظاتٍ تبُث في صدري برودة ثلجِ لم أعرف مثله من قبل، أحضن نفسي، كطفلٍ لا يعرف سوى عائلته، يدور حولهم، ويضحك حين يضحكون، أُراقب نفسي، ما الخطأ الذي لم يكن خطأً في عيني؟ وما هو الخير في الأشياء الصحيحة؟ وما هي الأسباب التي رمت بي هنا؟ هل سأنجو.. وإن نجوت، أين سيكون الوقوع القادم؟
في نهاية الأمر، أنا لا أريد إلا حديثاً حقيقياً يندفع من القلب كفيضان، لا تهمني تلك الأشياء التي تُقال في العشاءات الكاذبة، ولا تلك التي يجبرنا العمر على ترديدها كدرسٍ قديم، لن أبحث في هذا الحديث عن مبارزة بين رأيين، ولن أستميت في تحقيق فوز مؤقت بفكرة بائدة، أنا مُتيم بالفهم، بدهشة الصدق في أوّل الكلام، حين ينهمر الاعتراف بالحقائق المُطلقة - كما الدموع- على خد الوقت . .
أُريده حديثا خرافياً نتذكره لاحقاً فنحتفي به كمناسبةٍ سنوية عظيمة، أن نضع له بروازاً لائقاً فى قلوبنا، ونقول للحياة، هذهِ اللحظة المُدهشة لقد صنعناها بخيوط أرواحنا، أُريد حديثاً حقيقياً ينتصر على الضجر الطويل، وكذب الوعود، والابتسامات السامة، والأيام التي لا تمر، أريد أن نتراشق الشتائم اللاذعة، أو نتبادل العناق، أن نكسر الصحون، أو نجمع القطع المكَسورة معاً، أيّ شيء في المنتصف، لا يصلح للتوثيق .
أُريده حديثا خرافياً نتذكره لاحقاً فنحتفي به كمناسبةٍ سنوية عظيمة، أن نضع له بروازاً لائقاً فى قلوبنا، ونقول للحياة، هذهِ اللحظة المُدهشة لقد صنعناها بخيوط أرواحنا، أُريد حديثاً حقيقياً ينتصر على الضجر الطويل، وكذب الوعود، والابتسامات السامة، والأيام التي لا تمر، أريد أن نتراشق الشتائم اللاذعة، أو نتبادل العناق، أن نكسر الصحون، أو نجمع القطع المكَسورة معاً، أيّ شيء في المنتصف، لا يصلح للتوثيق .
أيّام مُصابةٌ بالعقْم بشكلٍ خارق، عوضًا عن أن أفرح بها، عوضًا عن أن أُطلق صيحة انتصارٍ وأحوّل هذا الجفاف إلى حفل، عوضًا عن أن أرى فيها تجسيدًا لإكتمالي ونضجي وانفصالي أخيرًا عن كلّ شيء، فإنّي أدع للحسرة وسوء المزاج أن يكتسحاني، لفرط ما هو عنيدٌ فينا الشيخُ الهرم، العاجزُ عن الامّحاء .
كلما استمعت إلى هذا اللحن البطيء والجميل، تعود تلك الأيام لي، لم تكن من التي أصفها بالأيام السعيدة في حياتي، لما كانت حياتي عليه، كميّة مشوشة من الرغبات غير المُشبعة، كنتُ أصغر وأكثر جوعاً ووحدة، لكنّي كنتُ نفسي، مكتفٍ بالحد الأدنى من الأساسيات .
قلتُ في نفسي أَنه يجبُ علي أَنّ أعمل شيئاً خاصاً، فالأيامُ تسير مُسرِعة، لدرجةِ اشتبهت أن هُناك شخصاً ما ذكيٌ جداً، في مكانٍ ما، ينهبُ مخزون أيامي .
أريد أن أكتب كثيرًا عن هذا العام، عن المحاولات التي لا تنتهي ولا أعلم مصيرها، عن الخذلان الذي لا يُعَد، عن التفكير والخوف، عن كل طريق لم يؤول لنهاية مرجوّة، وعن الأحلام التي لا أعلم هل ستتحقق أم سأظل أشقى بها !
عن وقوفي بين البين والضياع الذي أشعره بكل خطوة، عن الرفاق الذين لم يعودوا بالشكل الذي كانوا عليه، أثقلني هذا العام، لكنّه أنضجني أكثر، علمّني أن الإنجازات ليس شرطًا أن تكون ضخمة وملموسة، وأن صمودي رُغم ما أُلاقيه إنجاز، وتمسّكي بالأمل رُغم ما يدفعني للعكس إنجاز، وحفاظي على قلبي أخضرًا رغم زُرقته مما يُكابده إنجاز، وأن الحرب الأكبر والجهاد الأعظم أن تقسو عليّ الأشياء فلا تعلمني إلا اللين والرقّة، علمني هذا العام أن الأشياء التي لن توضع في شهادات ولن يعرفها العالم هي التي تُشكلنا، لو كان لي أُمنية بالعام الجديد، فهي ألّا أضِل، أن تتضّح لي حقيقة الأمور من البداية، ألّا أهب للتجارب والناس عمري، فأعود بالنهاية خاليًا حتى من نفسي .
عن وقوفي بين البين والضياع الذي أشعره بكل خطوة، عن الرفاق الذين لم يعودوا بالشكل الذي كانوا عليه، أثقلني هذا العام، لكنّه أنضجني أكثر، علمّني أن الإنجازات ليس شرطًا أن تكون ضخمة وملموسة، وأن صمودي رُغم ما أُلاقيه إنجاز، وتمسّكي بالأمل رُغم ما يدفعني للعكس إنجاز، وحفاظي على قلبي أخضرًا رغم زُرقته مما يُكابده إنجاز، وأن الحرب الأكبر والجهاد الأعظم أن تقسو عليّ الأشياء فلا تعلمني إلا اللين والرقّة، علمني هذا العام أن الأشياء التي لن توضع في شهادات ولن يعرفها العالم هي التي تُشكلنا، لو كان لي أُمنية بالعام الجديد، فهي ألّا أضِل، أن تتضّح لي حقيقة الأمور من البداية، ألّا أهب للتجارب والناس عمري، فأعود بالنهاية خاليًا حتى من نفسي .
مهما بدا لك الأمر ممتلئ بالشجاعة وأنت تتحدث عنه، لا تجعل من أوجاع الآخرين مادة لك، لا تنكأ الجرح بنبرة الواعظ، لا تمزق أفئدتهم مرتين، لا تُطبق نظرياتك على آلامهم، لا تشير بيديك على أخطائهم، لا تتحدث بصوت العارف الذي لا يُخطئ، لا تفع ل ذلك كله، و تعلّم لباقة الصمت وغض الطرف عما يؤلم الآخرين .
أحسست بعينيه تنظران إلي، شعرت كأني أعرفه منذُ الأزل، ولم أفهم كيف أن ارتباطاً وثيقاً حساساً كهذا جمعنا بمثل هذهِ السرعة، في الحياة لحظات نادرة ينفتح خلالها باب لتحصل على لقاء لم تعد تنتظره، لقاء مع الشخص الذي يُكمّلك، ويتقبّلك كما أنت، في شموليتك، ويحس بتقلباتك، ومخاوفك، وغيظك، وغضبك، وشلال الوحل الكالح الذي يسقط فوق رأسك، ويتقبل كل ذلك، و يُهدّئك ويمد إليك بمرآة لا تخشى أن تنظر إلى وجهك فيها، تكفي لحظة واحدة، نظرة واحدة.،لقاء واحد، كي تتغير حياتك، يكفي الشخص المُناسب في اللحظة المُناسبة، يكفي أن تتواطأ النزوة مع الصدفة .
تنهار عليك جدران البيت، ومع ذلك، لو لم يبقى في البيت شيء واقف سوى الباب وحده، فإنّ كل ما عليك فعله هو أن تعبر من خلاله، وها أنت في الداخل مجدّداً .
Forwarded from معًا إلى الجنة .
لاتنسوا قراءة سورة الكهف فإنها نورٌ ما بين الجمعتين .