نحن و العالم
54 subscribers
428 photos
9 videos
72 files
43 links
قناة تهتم بالتطور الفكري و الاداري عبرالتأريخ
Download Telegram
وأشار ستانلي إلى أن جميع المحطات الساحلية في أفريقيا قد وصلتها الشركات التجارية ما عدا في شرق أفريقيا حيث الوجود العربي والهندي يحتل تلك المنطقة (ج1 ص 19)
وعليه فإن ما تبقى للاستكشاف والاستغلال التجاري في أفريقيا هو أحواض الأنهار الكبرى : النيل والنيجر والكنغو وشاري (ج1 ص 19)
وعدد السكان الذين ستخدمهم خطوط السكة حديد عام 1877م (ج1 ص20)
( THE CONGO FOUNDING OF ITS FREE STATE1 ص 16)
ظل ستانلي يرسل هذه التقارير الواعدة إلى صحف أوروبا وظلت قوى التمويل الدولية تتابع هنري مورتون ستانلي إلى حين عودته إلى أوروبا للاجتماع به للبدء في مشروع استعمار الكونغو ، أما في السودان فقد كانت هذه القوى موجودة من خلال حكومة الخديوي إسماعيل الغارقة في الديون الفاقدة للسيادة وقد تم تنصيب غردون حكمدارا ، وعليه كانت المهمة في السودان وما تقتضيه من مواجهات وحروب أسهل وأقصر طريقا مما سيحدث في الكونغو بعد 13 عاما من القتال ضد سليمان الزبير.
في آخر العام في 26 ديسمبر 1877م وصل الإيطالي رومولو جيسي الخرطوم حاملا خطابات تزكية لغردون ، ولم يكن رومولو جيسي بحاجة لمثل هذه الخطابات ، خاصة وأن رومولو جيسي كان قد عمل قبل سنة واحدة فقط مع غردون في استكشافات الاستوائية بل كانت المعرفة بينهما تمتد إلى أكثر من ذلك إلى سنوات حرب القرم 1854م حين كان غردون ضابطا صغيرا حديث التخرج وتعرف حينها على رومولو جيسي الذي كان يعمل مترجما للقوات البريطانية.
ونلقي مزيدا من الضوء على الأهداف التجارية لرحلة رومولو جيسي الثانية.
ففي ديسمبر 1877م ومن الخرطوم كتب جيسي عن الأهداف التجارية لرحلته فقال عن فرص تجارة للشركات الإيطالية : ( سأبذل كل ما في وسعي للبحث عن الفرص الممكنة لشركة كارلو إيربا في ميلان ، وآمل أن أتمكن من عقد صفقات لصالحها بأفضل الشروط وعلي أن أسعى حتى لا يظل رأس المال مجمدا . لقد أخبروني أنه في كركوج ( حيث من المفترض أن أمر ) توجد كميات كبيرة من التمر هندي وحالما أصل فسأقوم بإرسال عينات إلى إيطاليا خاصة وأن الملاحة النهرية من هناك حتى الخرطوم لا توجهها عوائق بينما الطريق التجاري من كردفان أكثر خطورة وقد عانى الكثير من التجار من الخسائر فيه. آمل أن تفوضني شركة إيربا رعاية مصالحها ولتأسيس ممثلية لها هنا ، وأملي الوحيد أن نتمكن نحن الإيطاليين من الحصول على مواد خام من أفريقيا لصناعاتنا . إن كل الممثليات التجارية هنا تربح كثيرا فلماذا لا نفعل نحن نفس الشيء ؟ ( سبع سنوات في السودان – جيسي ص 146 )
هذه هي يوميات الرجل الذي سيعهد إليه بعد عام من الآن مطاردة وتحطيم طبقة الجلابة (التجار) الشماليين في بحر الغزال ودارفور ، جاء إلى السودان مستكشفا في المرة الأولى وعمل مع غردون لمصلحة الجمعيات الجغرافية الأوروبية على حساب الخزينة المصرية في مشروع لو استغلت كل الموارد العسكرية والمالية التي خصصت له لفتحت كل منطقة البحيرات ولضمت إلى الإمبراطورية المصرية ، ثم ها هو يأتي هذه المرة باحثا عن الفرص التجارية للبيوتات التجارية والمصانع الإيطالية
وقال أيضا :لو لم أخسر في ضياع أغراضي لما ترددت في شراء شحنة كاملة من التمر هندي والمطاط الهندي INDIAN RUBBER وإرسالها لإيطاليا ، وأنا مقتنع أن التجارة في هذه المواد متاح مباشرة من هذه المناطق إلى إيطاليا ( جيسي - سبع سنوات في السودان- ص 149)
ولا يملك المرء إلا أن يعترف بأن رومولو جيسي كان ذا عقلية تجارية قادرة على رصد فرص التجارة ، فالمطاط الهندي الذي تحدث عن وجوده في منطقة كرجوج على النيل الأزرق سيكون من أهم صادرات الكنغو بعد سنوات قليلة حين يكتمل تأسيس مشروع دولة الكنغو الحرة والتي سيكون رائدها هنري مورتون ستانلي المتوجه إلى أوروبا عائدا من رحلته الاستكشافية في الكونغو ، وسنرى كيف أنه وفور وصوله سيحضر إليه مندوبو الملك ليوبولد ملك بلجيكيا ليوجها له الدعوة لمقابلة الملك في بروكسل بأسرع ما تيسر
مذبحة عنبر جودة : صورة بشعة لحكام السودان
مذبحة عنبر جودة 16 -18 فبراير 1956 ، هى واحدة من ابشع االجرائم التى ارتكبتها الحكومات السودانية المتعاقبة على الحكم فى فترة مابعد الاستقلال ، بل هى ضربة البداية المميتة بحق مواطن هذا البلد المغلوب على امره ، ظلت لعنة تطارد حكام هذا البلد وحكوماته المتعاقبة ، اذ انها انتهت لإغلاق الملف دون محاسبة وكل الذى حدث ان تقدم اسماعيل الازهرى بإستقالة حكومته وهى اول حكومة وطنية بعد الاستقالال .
تتلخص وقائع الماساة البشعة والتى المت باهل منطقة جودة جنوب كوستى فى الآتى :
جودة مشروع زراعى يتبع لشركة ابوالعلا ومزارعيه هم اهل المنطقة ولكل نصيبه من عائدات الانتاج وفقا لإتفاقات محددة بين الاطراف المتشاركة . فى الثلاثة اعوام الاخيرة التى سبقت الكارثة لم يقبض المزارعون حقوقهم المشروعة ، وكل الذى فعلوه هو ان طالبوا الإدارة بصرف مستحقاتهم وقد تجمعوا من كل القرى التابعة للمشروع ، ارسلت الحكومة قوة منالشرطة بقيادة صول مع محاولة للوصول لحل ، تطور التجمهر الى ملاسنات تارة وتهدئة تارة اخرى ، غير ان الامر تطور بسرعة كبيرة الى اشتباك بين الشرطة والمزارعيين سقط فيه قتلى من الجانيب بما فيهم قائد قوة الشرطة .
حين وصلت اخبارالاشتباكات القتلى الى كوستى ، سارعت الجهات الحكومية بإرسال قوة كبيرة تتبعها مجموعة من الشاحنات الثقيلة (قندرانات) ، بعد وصول القوة لموقع الحدث القت القبض على مجموعات كبيرة من المزارعين تم حصرعددهم بمايزيد عن ثلاثمائة . تم الزج بهم على ظهور الشاحنات تحت حراسة نيران اسلحة فتاكة ، فى اليوم التالى 17 فبرائروعند العاشرة ليلا وقفت الشاحنات فى داخل حامية كوستى ، تم انزال الشحنة البشرية امام مخزن للمبيدات الحشرية (جمكسين ) تم دفعهم للدخول بقوة السلاح ، اكتظ بهم ذلك المستودع بل تكدسوا وتلاصقوا بمالايدع حتى مجالا للتنفس وليس هناك فتحات لدخول الهواء ، لم تستجيب قوة الحراسة لمناداتهم بالإستغاثة ، بعد مرور ساعتين بدأت الانفاس تخمد ، عند الصباح مات الجميع عدا ثلاثة وضعوا انوفهم عند فتحات صغيرة فى حائط الزنك ، احد الناجين قال : انه ظل يطرق الزنك بيده وعمل الحارث على زجره بأن خرق الجدار بالسنك ( سكين فى مقدمة البدقية) الشى الذى مكنه من وضع انفه على الفتحة .
فى صباح 18 فبرائر1956 امرت السلطات بحفر مقبرة جماعية كبيرة وتم تجريد الجثامين من الملابس والاحذية ثم رموابهم فى تلك الحفرة ومن ثم اهالوا عليهم التراب وانتهى كل شى . بجانب مرقدهم الاخير تم حرق ملابسهم واحذيتهم الجلدية (مراكيب) قال شهود عيان ان النيران طلت تلتهمها لمدة ثلاثة ايام بلياليها .
الناجين الثلاثة رووا حكايات مرعبة عن اللحظات الاخيرة لرفاقم احدهم مازال حي يرزق بمدينة ربك .
انها غضبة مسؤول كبير لقريب له قتل ، بل هى لحظة الثأر والانتقام الرهيب .
مابين حكومة الحزبين الكبيرين والتاجر الاول فى السودان ، مالك مشروع جودة فى ذلك الزمن تتكدس سجلات ووقائع تلك المذبحة الرهيبة ، وفى الدار الكبيرة فى شارع الموردة بام درمان والتى تعود ملكيتها فى الاصل لاسرة مالك مشروع جودة يكمن سر آخر ، فقد تحولت فى منتصف ثمانينيات القرن الماضى الى مقر لحزب لطالما رفع اهل جودة رايات الولاء له .
انها ربما تكون من الاحداث والمآسى الغامضة فى تاريخ هذا البلد وربما صفقة فى بلد يعشق البعض من اهلها عبادة الافراد وقد تكون علاقة الحب القوية بين السادة والعبيد ، وربما صفقة ،قانون التعويض فيها : ذراع فى الارض بذراع فى الجنة ، وقد تكون من الحق المقدس لورثة السيادة . اشياء اخرى كثيرة تدور فى الاذهان ربما سبب منها !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!؟.
ظلت جودة لعنة تطارد حكام السودان وحكوماته المتعاقبة . مضت دون محاسبة ، ومالم يفتح ملفها ويرد الحق لاهله فإن الذنب يظل ينهش جسد هذا البلد . وعلى قدر اعمالكم تحاسبون .
معا لرد الحقوق لاهلها لاجل وطن معافى لا علو فيه لأحد
Stephanie F. Beswick استفني. ف. بيزويك
ترجمة وتلخيص: بدر الدين حامد الهاشمي
مقدمة
هذ هو الجزء الثاني من ترجمة وتلخيص لمقال عن حادثة عنبر جودة للدكتورة س. ف. بيزويك أستاذة التاريخ المشاركة بجامعة بول بولاية انديانا في الولايات المتحدة، وهي متخصصة في تاريخ الشرق الأوسط وأفريقيا والنساء الأفريقيات والإمبريالية البريطانية. ولم نشأ ترجمة عنوان المقال حرفيا لطوله، ولخطله الذي لا يخفى إذ أنه يقرر في العنوان أن الذي قتل المعتقلين "البقارة" هم رجال الشرطة " الشايقية"! هكذا ... قولا واحدا!
تناول بعض الكتاب تلك الحادثة في بعض المنتديات الإسفيرية السودانية، ولكن لا علم لي بأي دراسات تاريخية جادة عن "حادثة عنبر جودة" بأقلام مؤرخين سودانيين من المهنيين أو الهواة، ولكن خلدت تلك الحادثة قصيدة الشاعر الراحل صلاح أحمد إبراهيم الشهيرة والتي تصف ما حدث لعمال مشروع زراعي خاص يقع على النيل الأبيض بالقرب من كوستي أعلنوا الاضراب عن العمل ورفضوا تسليم المحصول لصاحب المشروع فقامت الشرطة بحبسهم في غرف ضيقة سيئة التهوية فقضوا اختناقا. وهناك أيضا مسرحية د. عبد الله علي إبراهيم المعنونة "تصريح لمزارع من جودة" والتي نشرها عام 1991م نادي المسرح السوداني. وأتى الشاعر الراحل محجوب شريف أيضا على ذكر "عنبر جودة" في بيت في قصيدته "مهر الدم". وعلمت مؤخرا من خبير أن للأستاذ حسن العبيد مدني كتابا توثيقيا عن تفاصيل تلك الحادثة ومن كتبوا عنها صدر في عام 2008م.
المترجم
جاء في شهادة المفتش الزراعي بيزوك أنه:
"كان ينبغي على شركة عبد المنعم محمد أن تدفع للمزارعين نصيبا مجزيا من الأرباح، إلا أنها لم تفعل، ولم يعط المزارعون حقهم حتى بعد أن جف عرقهم، وبعد مرور وقت طويل على بيع القطن الذي زرعوه. وكانت تلك الشركة قد استثمرت عائد بيع أقطانها في إنشاء مصانع جديدة لمعاصر الزيت من السمسم والفول السوداني وبذرة القطن، ولم يبق عندها ما تعطيه للمزارعين نظير عملهم. ولم يكن أمام المزارعين إزاء ذلك الوضع سوى الاحتجاج".
وفي غضون تلك الأحداث، قامت في الجزيرة حركة إحتجاجية ضخمة إنتهت بإعلان إضراب عام في المشروع ضد الحكومة السودانية. وفي ظل تلك الأجواء الإحتجاجية ساد شعور عند مزارعي جودة بأنهم لن ينالوا حقوقهم من مالك المشروع. ورفض المزارعون الإستمرار في لقط القطن أو تسليم ما تم لقطه منه حتى تتم تسوية مستحقاتهم للسنوات الثلاث الماضية. وكان مما زاد من حدة تلك المطالب أن أسعار القطن في عامهم المنصرم كانت متدنية جدا، وكان المزارعون في حالة مزرية من الفقر والعوز، وكانوا يسعون لزيادة نصيبهم من عائد القطن، خاصة بعد تحسن أسعاره في العام التالي. ومع مرور الأيام بدأ المزارعون في تهديدنا.
كنا نجد ومنذ بداية يناير وحتى فبراير (1956م) ملصقات ومنشورات عديدة في كل أنحاء المشروع تدعو المزارعين للثورة، ووردت فيها عبارات مثل " يا جماهير المزارعين... حطمواأغلال من اضطهدوكم..." وقبل يومين من قيام الإِضْرَابُتضاعفت موجات البيانات والمنشورات المكتوبة بخط اليد والتي علقت على الأعمدة وعلى القنوات. جاء في تلك المنشورات تحذيرات شخصية ليجاء فيها عبارات من شاكلة: " يومك جا يا بيزوك". واكتفت الحكومة بإلقاء باللوم لتلك الإضرابات على الشيوعيين دون أن تفكر في حل عملي لمشاكل المزارعين."
ومع إزدياد حدة تطور الاحداث قامت الشرطة بتفريق المتظاهرين وفض الإضراب في شمال الجزيرة عن طريق التهديد واعتقال قادة الإضراب الذين كانوا يسعون لقيام إضرابات مماثلة في جنوب الجزيرة أيضا، وملاحقتهم في كل المشاريع لأسابيع عديدة حتى وصلوا مشروع جودة، والتي كانت آخر مشروع في جنوب الجزيرة، حيث جرت فيه معركة المضربين الأخيرة. ففي أواخر فبراير من عام 1956م واجه المضربون رجال الشرطة، إلا أن الصحافة في تلك الأيام لم تغط تفاصيل تلك المواجهة لأن مالك المشروع (عبد الحافظ عبد المنعم) كان قد منع مفتشه الزراعي بيزوك من أن يخبر أحدا في السودان بما جرى. وهنا يدلي الرجل– ولأول مرة- بشهادته فيما حدث في جودة.
معركة جودة
"في صباح يوم 20 فبراير 1956م كنت جالسا في مكتبي حين تلقيت مكالمة هاتفية من الجبلين تفيد بأن ناظر الخط في طريقه إلينا ومعه رجال شرطة بغرض الحديث إلى المضربين وتسوية مشاكلهم ومنع قيام الإضراب. يجب القول هنا بأنه وإلى ذلك التاريخ كان المزارعون قد توفقوا عن لقط القطن منذ بداية الشهر الماضي. وحضر الناظر وفي معيته رجال شرطة مسلحين بالبنادق، بينما توجهت سيارة نقل (لوري) وبها رجل شرطة وأربعة رجال آخرين إلى وسط المشروع حيث يجمع القطن ليرحل، وحيث تجمع المزارعون المحتجون وهم مسلحين بالحراب والفئوس. وتجمع في ذات المكان عدد من أناس كثر أتوا من مناطق مختلفة من الجزيرة، ولا يعلم أحدا على وجه الدقة من أين أتوا، غير أنه كان من الواضح أن الغرض الأساس لذلك الجمع من الناس هو منع أي أحد من العمال من أنيجمع أو يحمل القطن لخارج المشروع.

لم أكن خائفا أو قلقا أبدا، غير أن تلك الملصقات والمنشورات كانت قد أثارت الخوف والهلع في نفوس المفتشين والعاملين الآخرين في المشروع. وفجأة أتى اللوري الذي كان يقل الرجال الأربعة الذين رافقوا رجل الشرطة لمقابلة المحتجين، وهم يصيحون قائلين بأن المضربين قتلوا شرطي الناظر وقطعوه إربا إربا. وعلى الفور اتصل الناظر هاتفيا طالبا مددا من رجال الشرطة المسلحين، فوصل بعد وقت وجيز نحو عشرين أو ثلاثين شرطيا مدججين بالسلاح. لابد أنهم كانوا في منطقة الجبلين وما حولها. وتوجهوا من فورهم نحو منطقة تجمع المضربين وبدأوا في إطلاق النار على الجمع دون تمييز. كان رجال الشرطةأولئك من الشايقية، وكان المحتجون من البقارة (لم تذكر المؤلفة كيف تأتي للمفتش الزراعي التحقق من ذلك. المترجم) وهم يحملونفئوسا وحجارة وبنادق عتيقة (ذكرت المؤلفة أن تلك ربما كانت بنادق قديمة هربت من أثيوبيا في الثلاثينيات حين كان أفراد قبيلتي النزّى والوقداب يعملون في تجارة الأسلحة والرقيق. المترجم). سقط في تلك المواجهة بين رجال الشرطة والمضربين نحو أربعين شخصا.
بعد مضي بعض الوقت عاد رجال الشرطة إلى مكاتبنا وهم يقولون أنهم قد أفلحوا في "تسوية الأمر". وعلمنا أنهم فقدوا رجلين أو ثلاثة، ولم يذكروا عدد القتلى من المضربين، ولكنه كان عددا كبيرا. وأتذكر أن رجال الشرطة كانوا من الشايقية لأن ذلك سيكتسب أهمية في ما تلى من أحداث.
وفي صباح اليوم التالي توجه كثير من رجال الشرطة الذين أتوا لجودة شرقا إلى النيل الأزرق، وتوجهت أنا بمفردي لموقع المعركة لجلب ما قد يكون قد جمع من القطن، إذ كان المفتشان الآخران قد لاذا بالفرار. لم تكن الحكومة تعلم تماما عدد من سقط في معركة الأمس، وبالفعل كان العدد كبيرا رغم أن كثيرا من الجثث كانت قد أزيلت من مكان الواقعة قبل حضور السلطات (سجلت المؤلفة في ثبت المراجع أن الحكومة كانت قد أصدرت بيانا عن الحادث قالت فيه أن ثلاثة من رجال الشرطة قد سقطوا وأن ثلاثة آخرين أصيبوا في الأحداث. وكان من المتعذر إحصاء عدد من قتلوا أو أصيبوا من المضربين إذ أن كثيرا منهم كانوا قد فروا في إتجاه الحقول المجاورة. ولكن أعلن فيما بعد أن 150 مزارعا قد قتلوا وأصيب أكثر من 500 منهم. المترجم).
وفي الصباح الباكرلليوم التالي للمعركة سمعنا أصواتا عالية لثلاثة سيارات نقل من على بعد أميال. وتوقفت تلك السيارات بميدان واسع كان يستخدم مهبطا لطائرات الرش، ونزل منها عدد كبير من رجال الشرطة الشايقية قاموا وعلى الفور بإعتقال كل من كان موجودا في تلك المنطقة، والذين كان عددهم أقل مما كان موجودا بالأمس، وكانوا كلهم من رجال ونساءالنزّىوالوقداب الذين يقطنون تلك المنطقة وليسوا كلهم من مزارعي المشروع. وأمرتهم الشرطة بالجلوس أرضا في ذلك الميدان لساعات طويلة تحت أشعة الشمس الحارقة. وكان على رأس تلك الفرقة المهاجمة قاض باكستاني كانت مهمته تنحصر في فحص وثائق الاتحاد والاشراف على ترحيل كل المعتقلين إلى كوستي حيث سيتم التحقيق معهم.
قال بيزوك عن ذلك:
"شاهدنا ما كان يجري من شرفة دارنا ... كنا ننظر إلى نحو ستمائة شخص جالسين حول منزلنا فيما بدا لنا منظرا بالغ الغرابة. وكنا نقول بأن الشرطة لو اعتقلت المضربين في غضون ساعات المعركة بالأمس لكان تحت قبضتها كل من دبروا ذلك الإضراب، بيد أنهم أضاعوا الفرصة بتأجيل الأمر إلى اليوم التالي".
وكانت ستيلا زوجة بيزوك قلقة على صحة النساء المعتقلات تحت أشعة الشمس، وترى أنهن برئيات ولا دخل لهن في ما جرى من اضطراباتفألحت على زوجها كي يذهب إلى القاضي الباكستاني ويقنعه بأن لا دخل لهؤلاء النسوة بما جرى أو يجري في المنطقة، وأنها تشهد بأن كثيرا من المعتقلين كانوا بالقرب من منزلها أثناء معركة الأمس. وطلب منها القاضي أن تحدد له هؤلاء ففعلت بأن وضعت يدها على عدد كبير من رجال النزّى فأطلق القاضي سراحهم فورا، وبذا أنقذت حياتهم.
جاء في شهادة بيزوك ما يلي:
"وفي حوالي الرابعة عصرا أطلق سراح كل النسوة المعتقلات، بينما أمر القاضي بترحيل 278 رجلا (كان من بينهم رجل عجوز يبيع بيض الدجاج في المنطقة!) إلى كوستي التي تبعد مئة ميلا في سيارات نقل كنا نستخدمها في نقل القطن".
مجزرة كوستي
عثر في صباح اليوم التالي على جثث 194 من البقارة المعتقلين في سجن بكوستي. إن أحد أغراض هذا المقال المهمة هو إثبات أن حادثة جودة لم تكن حادثة عرضية كما زعمت الحكومة. وتبين كثيرا من الروايات المروعة المنشورة عن مصير أولئك الرجال وبوضوح أن رجال الشرطة الشايقية قد مارسوا ضدهم انتقاما بشعا بسبب مقتل زملائهم في جودة. فقد حبسوا 281 رجلا في عنبر واحد مغلق الأبواب والنوافذ، ولم يستخدم منذ ثلاثة أشهر مضت، قيل أن مساحته لا تتجاوز 120 مترا مربعا (12x 10 أمتار). وكانت درجة الحرارة في كوستى في ذلك اليوم 104 درجة فهرنهايت (40 درجة مئوية). ولم يستجب رجال الشرطة لنداءات واستغاثات المسجونين، بل سخروا منها وتهكموا عليها. وقضى بعضهم نحبه وهم في حالة صراخ هيستيري، بينما تكومت أجساد الكثيرين منهم فوق بعضها طوال الليل. وأوضحت الجروح التي وجدت لاحقا في أيدي وأرجل المسجونين، والدماء التي سالت على الجدران عنف المحاولات اليائسة والمحمومة التي قام بها بعضهم للوصول إلى نسمة هواء قبل أن ينهاروا من قلة الهواء وفرط الحر.
نجا ثلاثة من المسجونين من الموت، وروى هؤلاء أن رجال الشرطة كان يقولون لهم ردا على صيحات استغاثتهم بأن الموت أفضل لهم.
كان المسجونون يحاولون كسر النوافذ طلبا للهواء، غير أن رجال الشرطة ظنوا أن تلك كانت محاولة للهرب فأطلقوا الأعيرة النارية على النوافذ. وشهد أحد الناجين بأن المعتقلين كانوا قد أحدثوا في البدء ضجةإحتجاجية عالية عندإدخالهم لذلك العنبر لم يأبه لها رجال الشرطة والذين أمروهم بالسكوت. ومع مرور الوقت واشتداد الحر وتناقص الهواء وحدوث الاختناق بدأ المعتقلون يناشدون الشرطة أن يعطوهم بعض الماء، إلا أن مطلبهم قوبل بالتجاهل التام. ونحو منتصف الليل بدأ الكثيرون في الانهيار فأضطر بعضهم لخلع ملابسهم ووقف قليل منهم على أجساد زملائهم طلبا لنسمة هواء. وجاء في شهادة ذلك الناجي أنه نجح في خرق أحد النوافذ وأفلح في الخروج من العنبر فأطلقت عليه الشرطة أعيرة نارية. لم ينج من تلك المجزرة غير 93 فردا. وذكر أحد الأطباء الذين شاهدوا ما حدث للمعتقلين بأنه كان يصعب التفريق بين الأحياء والأموات في ذلك الجمع البائس من المعتقلين المحشورين في ذلك العنبر الضيق (وردت تلك الشهادة في صحيفتي "هيرالد" و"سيدني مورنق هيرالد" الاستراليتين في يوم 24 و25 فبراير 1956م).
وكان أخذ رجال الشرطة للقانون في أيديهم وتحويلهم قوة الشرطة ل "قوة ارهابية" هو أحد المسائل المركزية في البلاد حتى في السنوات التي سبقت الاستقلال، وظلت كذلك لعقود بعده.
وصرح علي عبد الرحمن وزير الداخلية حينها معلقا على الأحداث التي وقعت في الجنوب بأن "هنالك الكثير من الاحتكاك بين الشرطة والإدارة"، وصرح آخر بأن الشرطة في الأقاليم تعد نفسها محاسبة فقط من قبل قائدها في الخرطوم، وأن السودان قد يتحول إلى "دولة بوليسية"، خاصة في المناطق الأقل نموا وتطورا، حيث تسود الأمية والتخلف وقلة التدريب في أوساط رجال الشرطة، خاصة في جنوب السودان، والذي يجاور مشروع جودة. ولعل رجال الشرطة (الشايقية) الذين اعتقلوا المزارعين البقارة كانوا يظنون أن بمقدورهم فرض ما يرونه من عقوبة على هؤلاء الناس دون مساءلة من حاكم الإقليم. وأوردت ثلاثة من صحف الخرطوم عقب تلك الحادثة نبأ اجتماع لقادة النقابات في الخرطوم دعوا فيه لإنهاء إجراءات الشرطة التعسفية.
ربما كان للتنافس العرقي بين الشايقية والبقارة يد في ما حدث في جودة. فالسياسة في السودان كما ذكرنا من قبل كانت تقوم على حزبين كبيرين تدعمهما طائفة الأنصار (وغالب أفرادها من البقارة) وطائفة الختمية (وغالب أفرادها من من الشايقية، وهم الفئة الأكثر في قوة الشرطة). وكان رئيس الوزراء ووزير داخليته من الختمية كذلك. وللصراع بين الطائفتين واتباعهما جذورا تاريخية معروفة تمتد إلى القرن التاسع عشر.
لم تدع الحكومة فرصة الأوضاع الأمنية المتفجرة بالبلاد من قتل في كوستي ومظاهرات تلت ذلك الحادث تمر دون إستغلال، فقامت باعتقال عدد من قادة النقابات المحتجة والتجمعات السياسية (مثل بعض زعماء الجبهة المعادية للاستعمار) والنقابات المهنية المعارضة، وبعض النواب البرلمانيين، وحكمت على من نجا من الموت في عنبر جودة بثمانية عشر شهرا سجنا. وأفلحت تلك الاجراءت في صد المتظاهرين عن النزول للشوارع أو عن الاحتجاج على ممارسات الشرطة.
حفل التقرير الذي وزعته الحكومة في محاولتها تبرير وتفسير ما جرى في جودة وكوستي بكثير من الأخطاء. فقد جاء فيه أنه كان يظن أن هؤلاء المزارعين ربما كانوا قد أصيبوا بنوع من العدوى أو الخمج (infection) في أثناء هربهم... وأن الحادث قد يكون قد حدث نتيجة إهمال من قبل عناصر تفتقر إلى الخبرة... وأن الحادث كان نتيجة لمؤامرة دبرها الشيوعيون وأذنابهم من العناصر المخربة الخ الخ.
رغم حرص الحكومة على جذب الاستثمار للبلاد وإشاعة صورة له كبلد آمن مستقر إلا أن نبأ تلك الحادثة عم كل الصحف ووسائل الإعلام العالمية في كثير من دول العالم كمصر وأوروبا ,امريكا وأستراليا. فقد سارع هنري كابوت لودج مندوب الولايات المتحدة في الأمم المتحدةبزيارة السودان في يوم 26 فبراير من عام 1956م لبحث أمر مساعدات الأمم المتحدة للبلاد، واستقبله عمال السكة حديد (وكانوا في حالة اضراب) بمظاهرة صاخبة دعوا فيها لسقوط "حكومة الاقطاع". ولمنع انتشار أخبار تلك الحادثة أمر عبد الحافظ عبد المنعم (رئيس مجلس إدارة مشروع الجزيرة ومالك مشروع جودة) موظفه بزويك وزوجه بأن لا يدليا بأي حديث لصحفي أو لغيره عن ما شاهداه، بل ووصل بطائرة خاصة لجودة قادما من الخرطوم حيث أمرهما بمغادرة جودة فورا إلى الخرطوم ثم القاهرة. وفي مطار الخرطوم قابلهما عدد من الصحفيين الأجانب منهم نويل باركر مراسل "لندن تايمز"، وكانت إجابتهما الثابتة على كل سؤال وجه لهما هو "لا تعليق... لا تعليق... لا تعليق"!
ذكرت أستيلا بيزويكفي شهادتها أنه في صبيحة اليوم التالي لنقل المزارعين المعتقلين من جودة إلى كوستي أنها وزوجها سمعا نبأ المجزرة من راديو استراليا، والذي وصفها بأنها "ثقب كوستي الأسود".
وفي آخر المطاف قامت الحكومة بإعتقال ضابطين من ضباط الشرطة وعدد من جنودهما ووجهت اليهما تهمة التسبب في مقتل معتقلين نتيجة الإهمال. وكانت تلك محض حركة مسرحية بغرض إمتصاص الغضب الشعبي (والعالمي) لما حدث، إذ سرعان ما أسقطت تلك التهم وأفرج عن المعتقلين. ثم أعلنت الحكومة عن تكوين لجنة تحقيق في الحادث خلصت إلى وجوب منح تعويض مؤقت لأسر من فقدوا أرواحهم في الحادثة. وحتى تلك المحاولة لم يكتب لها أن تتم. بيد أن بعض الجهات في كوستي وغيرها قامت بمد يد العون لأسر الضحايا.
لم تتم أي نوع من المحاسبة أو العقاب لكبار الإداريين في المنطقة، بل ترقوا في المناصب، وظل عبد الحافظ عبد المنعم رئيسا لمجلس إدارة مشروع الجزيرة (على الأقل حتى عام 1961م).
د. علي حمد ابراهيم
حول كتاب (ثقب كوستى الاسود) أو مأساة عنبر جودة للمؤلفة ستيلا بزويك
04-29-2014 02:49 PM
احد ابناء مدينة جودة وشاهد عيان.

ابدأ بشكر الاستاذ الهاشمى على محاولاته المستمرة فى التنقيب عن بعض القضايا التى وقعت فى المجتمع السودانى فى الماضى غير البعيد ولم تجد فرصتها فى التوضيح والتوثيق لاسباب معروفة وموضوعية لعل ابرزها غياب الدراية والوسائل الخاصة بالتدوين والتوثيق . المقال الذى ترجمه الاستاذ الهاشمى عن حادثة مشروع جودة التى اشتهرت باسم عنبر جودة حمل اخطاء تاريخية معيبة لا تليق باستاذة جامعية بل وابنة مدير عام مشروع جودة وكانت موجودة فى مدينة جودة اثناء تلك الحوادث . ولكنها كانت صغيرة السن وقتها . وواضح انها كتبت من ذاكرتها الصغيرة تلك عن تلك الاحداث ونقلت روايات شفاهية ممعنة فى الجهل بما جرى وما كان يجرى من احداث سبقت وتلت وقوع الكارثة. والمقال يعكس أن اسرة المستر بزويك مدير مشروع جودة كانت معزولة عن مجتمع مشروع جودة الصغير الذى كان رب الاسرة ، المستر بزويك ، اهم شخصية فيه . لقد شاهدت المستر بزويك كثيرا فى مدينة جودة فى ايام ازدهارها يتجول بعربته اللاندروفر فى حقول القطن الخضراء الزاهية وهو فى بنطاله الكاكى الشورت ، وقميصه الابيض ، وهو فى قمة وسامته . وكان شخصا ودودا مع مزارعيه. لقد كنت طالبا فى المرحلة الاعدادية الوسطى القديمة . وكنت صبيا ناضجا وملما بما كان يجرى من تطورات قادت فى النهاية الى الحادثة العرضية التى راح ضحية لها عشرون دستة من البشر على وصف الشاعر الملهم السفير صلاح احمد ابراهيم فى قصيدته المشهورة بهذا العنوان . قلت كنت ملما بما كان يجرى من حولى لاننى كنت اعايش ما كان يجرى صباح مساء من وقائع لأن اسرتى كانت فى قلب الاحداث . فجدى لأمى ، الشيخ اسماعيل يونس ، كان عمدة و زعيم البادية التى تسكنها عشائر ( نزّى ) ، احدى عشائر بوادى دار محارب . وهى العشيرة الاكبر فى المنطقة ، و الحاكمة . وخالى كان وكيل البادية بينما كان والدى احد كبار شيوخ الادارة الاهلية . من هنا جاءت معرفتى بما كان يجرى امام عينى كشاهد عيان شاف كل حاجة ، وليس مثل شاهد الاستاذ الزعيم عادل امام الذى لم يشاهد أى حاجة . ابدا بايراد الاخطاء الكبيرة فى مقال الدكتورة ستيلا بزوبك اولا . واقول ان المزارعين فى مشروع جودة لم يكونوا من البقارة حصرا . بل كانوا من الذين جلبهم من كل اصقاع السودان الازدهار الذى احدثته مشارع القطن الخصوصية التى انشأتها الرأسمالية الوطنية السودانية مع بداية خمسينات القرن الماضى . كانوا من الفور والبرقو والمسيرية والحسانية والوغداب والمسلمية والاحامدة . ولكن الاغلبية كانت من قبيلة نزىّ – بتشديد الزاى وهى القبيلة سيدة المنطقة وصاحبة عموديتها والاكثر ثراء فى الثروة الحيوانية. وتعود اصول هذه العشيرة الكبيرة الى قبيلة الشكرية النزاوية قيل انها هاجرت الى المنطقة فى زمن السلطنة الزرقاء واصبح يقال عنها شكرية النيل الابيض . اما ما ذكرته المؤلفة عن افراد الشرطة الشايقية الذين قتلوا المزارعين تشفيا . فيعود الى واقعة حقيقية هى اتهام اهل الضحايا لضابط بوليس مركز كوستى ، الضابط محمود غندور ، الشايقى الاصل والذى امر بحبس المزارعين فى عنبر صغير كان تحت الانشاء فى حامية تابعة للجيش فى مدينة كوستى عندما تعذر وجود مكان آخر يستوعبهم حتى صباح اليوم التالى الذى كان مقررا فيه مثولهم امام قاضى التحقيق ، اتهامه بالتشفى غضبا على مقتل زميله صول الاادارة السمانى يوسف الذى قتل فى الصدام الاول فى مدينة جودة . خطا الضابط غندور تمثل فى عدم اهتمامه لصراخ المزارعين العالى وهم يطلبون جرعة ماء عندما اشتد بهم الاختناق . لقد حكم القاضى على الضابط غندور بالاعدام . ولكنه برئ فى مرحلة الاستئناف واعيد للخدمة . و قد سمعت نكتة وانا طالب فى مدرسة خورطقت الثانوية القريبة من مدينة الابيض فحواها ان الضابط غندور الذى نقل مديرا لسجن المدينة رفض التوقيع على كشف استلام المساجين وهم داخل عنابرهم واصر على استلامهم فى فناء السجن المفتوح . وعندما سئل عن السبب فى ذلك الطلب رد بأنه لم يصدق انه قد نجا من الاعدام فى ماساة عنبر جودة . عدد الذين قتلوا فى صدام مدينة جودة كان هو خمسة من رجال الشرطة و عدد مماثل من المزارعين فى نقطة تجميع جوالات القطن فى الكيلو اربعة بمدينة جودة . اما المصابين فكانوا خمسة عشر فردا اخفاهم ذووهم من عين الشرطة خوفا من الاعتقال . اما الذين ماتوا فى العنبر بالاختناق فقد كان عددهم 194 من مختلف الجنسيات وليس فيهم بقارة كما تزعم المؤلفة غير الملمة لأنها كانت صغيرة وغير مندغمة فى المجتمع الذى حدثت فيه المأساة . الخطأ الآخر فى المقال المترجم هو الحديث المبالغ فيه عن موت مئات المزارعين واصابة 500 منهم فى الحادثة . بل ذكر مؤلف سودانى يسارى حكايات عن الحادث من نسج خياله كان الحادث وقع فى جزر واق لواق .
فقد زعم ذلك المؤلف الاسطورى ان خمسمائة مزارعا قد ماتوا بالعطش عندما هربوا من بطش البوليس . لقد كان أول الموتى بالاختناق عمى عبد الفراج عبد الله ابراهيم . وكان اعمامى صالح حامد يونس وابراهيم حامد ومضوى تاج الدين ، كانوا من الناجين من عنبر الموت . اما حديث المؤلفة عن النساء المعتقلات فهذا تهريف لا اساس له من الصحة. لم تعتقل و لا امرأة واحدة . عدد الذين قضوا بالاختناق فى العنبر من عشيرتنا كان هو 68 خصا كا على راسهم عمى اسماعيل عساكر رئيس اتحاد المزارعين الذى فجر المشكلة مع ادارة المشروع . بينما كان اول قتيل فى ميدان تجميع الاقطان السيد محمد ابوشاتين سكرتير الاتحاد. لقد نشرت رواية عن الحادثة الدامية اسميتها عشرون دستة من البشر فى تناول ادبى روائى نفذت فى ايام من معدودة من المكتبات . صحيفة ( الايام) السودانية وصفت الرواية بأنها رواية لكل الاجيال. وكان لتقريظ الصحف السودانية الاثر المباشر فى انتشار الرواية السريع ولم يتيسر لى صدار طبعات اخرى منها حتى اليوم .
السبب المباشر للصدام الدموى كان هو تاخير صرف مستحقات المزارعين لموسمين متواليين بسبب الكساد الذى ضرب اسواق الاقطان العالمية مما جعل المشترين يحجمون عن شراء الاقطان السودانية .
صحيح كان للحزب الشيوعى دور كبير فى تحريك الاحداث فى جودة وفى كل مشاريع القطن الخاصة فى ظل التنافس السياسى القائم وقتها بينه وبين القوى التقليدية وهو امر كان مفهوما و متوقعا . وقد حوكم عدد من اقطاب الحزب بالسجن فى هذه الاحداث كان على راسهم الاستاذ حسن الكاهر زروق بتهمة النشاط الهدام مما كانت توصف به نشاطات الحزب الشيوعى التى كانت الاكثر فعالية من نشاطات القوى التقليدية التى كانت وما زالت ختى اليوم معزولة عن نبض ووجدان الشارع الشعبى . من الكتاب الذين تناولوا هذه المأساة تناولا ادبيا الدكتور عبد الله على ابراهيم فى مسرحية بذات الاسم . اذكر ان الاستاذ الكبير داعبنى عندما علم بروايتى عن نفس الموضوع وصلتى المباشرة به بوصفى شاهد عيان ، اذكر قوله لى : يازول هوى ، انا تانى موضوع عنبر جودة ده عودى فيه عود مرة ! واختم واقول للاستاذ الهاشمى لا عزاء لك غير عزاء حسن النية . فقد ترجمت بحسن نية عملا هزيلا لا يكافئ قيمة الحبر الذى اسلته فى هذه الترجمة , ولكن يبقى لك اجر الاجتهاد والمناولة . ويبقى لنا اجر الصبر على تلقى هذا الهتر الباطل الحنبريت كما كان يقول استاذى الاريب عبد الله الطيب على قبره شآبيب من رحمة الله ورضوانه
خربشات زول اغبش
September 26, 2014 •
شهداء سبتمر وعنبر جوده

في بداية استقلال السودان وبعد شهر من طرد الانجليز وتحديدا في يوم 19/2/1956 حدثت في السودان حادثه كأول عمل سوداني خاااالص يتم بايدي الشرطه والمسئولين الجدد في دولة السودان المستقله تلك الحادثه المشئومه اصحبت وصمه وعار في جبين رأس الدوله في تلك الفتره وتألم لها كل السودان كالجسد الواحد الزي اذا اشتكي منه عضو
تلك الحادثه هي حادثه عنبر جوده او كما يسميها الشاعر صلاح احمد ابراهيم ب (عشرون دسته من البشر) والتي تعود تفاصيلها الي مدينه جوده او مشروع جوده في كوستي حيث تم قتل 198 ب حبسهم في عنبر مساحته 7*20 متر ليس فيه لا ماء ولا فتحه هواء ولا اي من المنافع حتي قال فيهم عليه رحمة الله صلاح احمد ابراهيم
لو انهم فراخ تصنع من اوركه الحساء
لنزلاء الفندق الكبير لوضعو في قفص لا يمنع الهواء
وقدم لهم الحب الماء
كانت تلك احداث جوده الغابره اما بالنسبه لشهداء او ضحايا سبتمبر كما يقولون فهي ليست ببعيده عن م حصل في تلك الفتره حيث قتل م يقارب ال 260 شخص م بين طالب وطالبه اعمارهم لا تتعدي العشرون قتلو وفي كامل البراءه برصاص امن حكومتنا الامينه ليس لانهم رفعو السلاح في وجهها في اقاصي الجنوب او في غرب دارفور ولكن لانهم خرجوا يطلبون عيشاً هنيئاَ واسعارا زهيده وواقع اجمل من هذا الزي يعيشون ولكن كان الرصاص اقرب وكان الطوفان اسرع فلم يجدو الرحيم ولم يجدو من وكل برحمتهم وحمايتهم اذ وجدو اناس ليسو بأناس يحملون ف قلوبهم اي رحمه او حتي لطف باطفال غدرو بهم في وضح النهار وتم قتلهم مع سبق الاصرار والترصد وبعد كل هذا القافله تسير ونحن كاالكلاب نعوي ولا حياء لمن نادينا فيد الرقيب لا ترحم ويد الحاكم لا تبطش من يخطئ ولكنها تقتل من يقف في وجهها مطالبا بادني حقوقه في العيش الكريم
ف احداث عنبر جوده كان الضابط علي الفضلي وقليل من المسئولين هم السبب ولكن هنا وفي هذا الفاجعه الكل مسئول والكل يجب ان يحاسب فالقتل هنا طال عدد من مدن السودان وعلي مدي بصر ولي امرنا فالحساب عسير واليوم اتي لا محاله
اول تابين لشهداء جوده تم بعد اكثر من خمسة عشره سنه ولشهداء سبتمبر نوعدهم باننا سنقيم لكم السرادق كل عام حتي يزهب الطاغيه او نزهب نحن
اجل ماتو فهم قومي من الفلاته والبرقو
وان قتلو وان شنقو و اختنقو
فان الطين ينفجر ولن ينفي له حق
وهذي الارض م خلقت ليمشي فوقها الرق
ومن ضربات افؤؤسها جبين الفجر ينشق
سيبقي الغصن مزدهراَ
ويندي فوقه العرق
وينمو صدرها الدامي
وبالازهار ياتلق
مجزرة الضعين للحاضرين واللاحقين منا حتي لا ننساها
كُتب يوم 26.03.2012
بقلم:شول طون ملوال بورجوك