تشرق الشمس وليلُ الموت لم ينجَلِ، وظلامُ الخوف والنارُ يُظلّل غزة وأهلها. وفي ليلةٍ دامية جديدة في سجل الإبادة المستمرة، يُمعن الاحتلال في القصف والقتل الجماعي، مستهدفًا بيوت المدنيين وجموع النازحين؛ حتى المستشفيات والخيام لم تسلم، تُقصف كأنها ساحات حرب، وتُحرَق لتقتل من احتمى بها، فلا مأمن ولا ملجأ.
الشهداء بالمئات، لا يُعرَّفون بأسمائهم ولا تُذكر وجوههم، بل يُسجَّلون أرقامًا في أرشيف الفقد الجماعي.

وفي مشهدٍ موازٍ، تمتدّ الأيدي التي كان يُفترض بها النصرة لتصافح المجرمين؛ أولئك الذين أُغرقت أكفّهم بدماء أطفال غزة دون خجلٍ أو رجفة. لا خزيَ يردعهم، كأن الدم لا لون له، وكأن الأرواح لا وزن لها.
صار الذلُّ طبعًا، والخضوع مبدأً، والهوان دينًا جديدًا. شعبٌ محاصر يفوق عدده المليونين، يُقتل ويُجوَّع وحده، بينما أمةٌ كاملة تقف متعاجزة، لا تُحرّك ساكنًا، ولا تقدر أن تمرّر شربة ماء أو كسرة خبز.

جرائم تتوالى وتُعرض بالصوت والصورة، قصف دمويّ في وضح النهار، نُقل مباشرةً أمام أعين العالم الذي اعتاد نعيَّ الدماء لا وقف نزيفها. اُستهدف مستشفى ناصر الطبي، آخر ما تبقّى للجرحى من ملاذٍ في مجزرة غادرة ارتقى فيها المسعفون والجرحى والصحفيون على أعتاب المستشفى..
فظائعٌ تزداد بشاعة وتُعرض أمام العالم، بينما الإنسانية تُسقِط قِناعها، والمؤسسات الدولية تلتزم الصمت المُذِل ما دام الدم غزّيًا، ليُترك القاتل بلا حساب، منتهكًا كلَّ الحرمات، ومحوِّلًا الإبادة إلى واقعٍ مشروع.

يُدنَّس الأقصى جهارًا؛ تُرفرف فيه رايات الصهاينة، وتتعالى أبواقهم وصلواتهم، يدخل وزراء الاحتلال وأعضاء كنيست يلوّحون بسيادتهم المزعومة تحت حراب الجنود، فلا يسمعون إلا صمتًا مطبقًا.

في الماضي، كان مشهد تدنيس الأقصى كفيلًا بإشعال انتفاضةٍ تعمّ البلاد، وكان ليُخرج لنا مهنّدًا جديدًا يشغل الأقصى باله.
أما اليوم؟ يتكرر التدنيس مرارًا، فلا صدى ولا غضب، لا انتفاضة ولا هبّة، ولا حتى استنكارٌ باهت! أيّ زمنٍ هذا الذي صار فيه الأقصى غريبًا بين أهله؟