فتاوى الشيخ فركوس
14.5K subscribers
16 photos
2 videos
1 file
599 links
قال ابن القيم رحمه الله :
‏و تبليغ سنته إلى الأمة أفضل من تبليغ السهام إلى نحور العدو .(بدائع التفسير (2/416)
Download Telegram


الفتوى رقم: ٩٤٢

الصنـف: فتاوى العقيدة - التوحيد وما يُضادُّه - الأسماء والصفات

في بيان المنطوق الصريح وغير الصريح
من قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ هو السَمِيعٌ البَصِيرٌ﴾

السـؤال:

في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ هُوَ السَمِيعٌ البَصِيرٌ﴾ [غافر: ٢٠]، ما هي دلالة المطابقة، ودلالة التضمُّن، ودلالة الالتزام في هذه الآية؟ وجزاكم الله خيرا.

الجـواب:

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:

فلفظ الجلالة «الله» يدلُّ على خصوص المستحِقِّ للعبادة على وجه المطابقة وهو نفس ذات الرب سبحانه، فاسم «الله» دالٌّ بالمطابقة على ذات رب العالمين، وعلى صفة الأُلوهية خاصة.

وكذلك «السميع» و«البصير» ونحوهما من أسمائه الحسنى دالَّة على ذاتِ الرب سبحانه بالعَلَمية وعلى صفة السمع والبصر بالوصفية المختصَّة؛ لأنَّ اسمي «السميع» و«البصير» لا يدلاَّن إلاَّ على خصوص صفة السمع والبصر بالمطابقة دون غيرها من الصفات كالحياة والإرادة وغيرهما.

وتدلُّ صفتا «السمع» و«البصر» الذاتيتين المعنويتين بالتضمُّن على ذاتِ الله تعالى؛ لأنَّ دلالتهما على الذات جزء المعنى أو بعضُه.

وكذلك يقال في اسم «السميع» يدلُّ على صفة السمع لوحدها، و«البصير» يدلُّ على صفة البصر لوحدها على فرض عدم دلالتهما على الذات يسمَّى تضمُّنًا؛ لأنَّ الاسم دلَّ على جزء معنى «السميع» وهو صفة السمع، ويدلُّ -أيضًا- بالتضمُّن على ذات الله تعالى وحدها على فرض عدم دلالته على صفة السمع، وكذلك القول في اسم «البصير»، فكانت دلالة اسم «السميع» و«البصير» على ذات الله تعالى دلالة تضمُّنية؛ لأنَّ لكل من اسم «السميع» أو «البصير» له جزءان: ذاتٌ وصفة السمع، أو ذاتٌ وصفة البصر، ودلالته على الذات جزء المعنى وبعضه.

أمَّا دلالة اللفظ بالالتزام فهو: أن يدلَّ على معنى خارجٍ عن مُسمَّى اسمه، له تعلُّق وثيق به، فاسم «السميع» أو «البصير» يدلُّ كلُّ واحدٍ منهما على صفات الله الأخرى، غير داخلة في مدلول اللفظ مطابقة وتضمنًا، فهي تدلُّ عليها بالالتزام: فالسميع يدلُّ على الحياة والقدرة والعلم وغيرها من صفات الكمال بالالتزام، إذ أنَّ كُلَّ صفةٍ لَهُ دالَّة على كمالٍ يستلزم كمالاً، فله من كل اسم مدح من دلالته الخاصة على الصفة الموافقة للفظه ومعناه، ودلالةٌ على الكمال من لزوم من اتصف بها أن يتصف بغيرها من صفات الكمال.

وعليه فيقال تلخيصا لما تقدم: «كل اسم يدل على ذاته والصفة المختصة به بطريق المطابقة وعلى أحدهما بطريق التضمن وعلى الصفة الأخرى بطريق اللزوم»(١).

والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٠٣ رمضان ١٤٢٩ﻫ
الموافق ﻟ: ٠٣ سبتمبر ٢٠٠٨م

(١) مجموع الفتاوى لابن تيمية: (٧/ ١٥٢).



فركوس:


قناة سلفية تعتني بنشر فتاوى الشيخ فركوس
https://telegram.me/ferkouss


الفتوى رقم: ١٦٠

الصنف: فتاوى المعاملات المالية

في حكم التعويض بسبب الحوادث

السؤال:

أُصيبَ عاملٌ ـ غيرُ مُؤمَّنٍ ـ في ورشةِ عملٍ بحادثٍ تَسبَّبَ في جُرْحٍ عميقٍ لعضوٍ مِن أعضائه قُدِّرَتْ نسبةُ العجزِ فيه ﺑ: ١٨%؛ فهل يَلْزَم صاحِبَ الورشةِ أَنْ يُعوِّضَ لهذا العامل؟ علمًا بأنَّ صاحِبَ الورشةِ لا يَزالُ يدفعُ للعاملِ أجرةً شهريةً مِن غيرِ عملٍ بسببِ ذاك الحادث، أفتونا مأجورين.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على مَن أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:

فاعْلَمْ أنه إذا كان المتسبِّبُ صاحِبَ الورشةِ بإهماله للوسائل الوقائية التي تحول دون الوقوع في الخطر؛ فإنه يَضْمَنُ بسبب تقصيره وتَعَدِّيه إذا ما أُصِيبَ أَحَدُ عُمَّاله وتَضَرَّرَ بسَببِ العمل الخالي مِن الوقاية المطلوبة.

غير أنه ممَّا يجدر التنبيهُ إليه أنَّ الأصل في المجروح أَنْ لا دِيَةَ له حتَّى يبرأ ويَصِحَّ، فإِنْ بَرَأَ وصحَّ وعاد إلى هيئته الطبيعيةِ الأولى فليس فيه دِيَةٌ ولا تعويضٌ سوى أجرِ الطبيب وثَمَنِ الدواء، أمَّا إِنْ لم يَعُدْ إلى هيئته الأولى فإنه يُقدَّرُ له دِيَةٌ بحسَبِ ٢٠٠٤م

قَصَ مِن عضوِه، فإِنْ كان تقديرُ العجز الجزئيِّ الدائم ﺑ: ١٨% بعد البُرْءِ فهو مَحَلُّ اعتبارٍ، وإلَّا فيُعادُ تقديرُه مِن جديدٍ بحضرةِ المعنيِّ بالأمر، وما انتهَتْ إليه الخبرةُ الطبِّيَّةُ فإنه يُعوَّضُ على قيمتها مكوَّنةً بحسَبِ طبيعة الضرر وحجمِ العجز، وإذا سَبَقَ وأَنْ دَفَعَ له طيلةَ فترةِ عَجْزِه عن العمل أجرةً شهريةً ـ بِصفته عاملًا ـ بِنِيَّةِ تغطيةِ ضَرَرِه فإنه يُحْتَسبُ ذلك بعد تقويم الخبرة الطبِّيَّة.

والعلم عند الله تعالى؛ وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ١٦ ربيع الأوَّل ١٤٢٥ﻫ
الموافق ﻟ: ٦ ماي ٢٠٠٤م

فتاوى الشيخ فركوس:


قناة سلفية تعتني بنشر فتاوى الشيخ فركوس
https://telegram.me/ferkouss


الفتوى رقم: ١٦٦

الصنف: فتاوى متنوِّعة

في حكم تعلُّم الرياضة وممارستها مع وجودِ مُنْكَراتٍ

السؤال:

ما حكم تعلُّمِ الرياضة الحديثة المستمَدَّة مِنَ البلدان الأوروبية في المعاهد العليا للرياضة، علمًا أنه تَقترِنُ بها جملةٌ مِنَ المُنكَرات الميدانية، خاصَّةً المشاركات النسوية لها، مع ارتدائهنَّ للألبسة الرياضية المكشوفة والضيِّقة، ممَّا يثير الغرائزَ والفتنة؛ فما حكمُ العمل في هذا الميدان؟ وهل أُواصِلُ دراستي أم أَنقطِعُ عنها؟ وما هو البديلُ في رأيكم؟ أثابكم الله خيرًا ونَفَع بكم الإسلامَ والمسلمين.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فاعْلَمْ أنَّ الأصل في الرياضات والمسابَقاتِ الهادفة إلى تقوية البدن والمحافَظةِ على الجسد لا يخرج عن الحِلِّ والجواز، والتحريمُ إِنِ اقترن بها فطارئٌ لوجودِ عارضٍ مِنْ فسادٍ، ما عَدَا بعضَ الرياضاتِ التي يَقترِنُ بها محذورٌ شرعيٌّ يرجع ـ عادةً ـ إلى الضرر أو الظلم: كرياضةِ «اليوجا» و«تاي شي شوان»(١) وغيرهما، القائمةِ على معتقَداتٍ فاسدةٍ وطقوسٍ وثنيةٍ مُنافِيةٍ لجناب التوحيد الخالص لله تعالى، أو كالملاكَمةِ ـ بمختلفِ أنواعها وأشكالها ـ القائمةِ على الضرب العنيف المبرِّح على سائر أعضاء البدن، وخاصةً الوجه المنهي عنه بنصِّ قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْتَنِبِ الوَجْهَ»(٢)، ونحو ذلك.

ولا يخفى أنَّ مُعظَمَ هذه الرياضاتِ ومختلفَ الدراسات التي حولها ظهرَتْ في بلاد الغرب بصورةٍ مُؤسِفةٍ تسير باتِّجاهٍ معاكِسٍ لتعاليمِ الشريعة ونِظام الإسلام؛ إذ ـ بغضِّ النظر عمَّا تَقدَّمَ مِنْ محظوراتٍ ـ فهي مشتمِلةٌ ـ أيضًا ـ على محرَّماتٍ أخرى مِنْ كشفِ العَوْرات للذكور والإناث، ومِنَ الكلام الفاحش البذيء، ومِنْ سبِّ الدِّين والقذف والشتم المُخْزي، كما أنَّ مِثْلَ هذه الرياضاتِ ـ في الجملة ـ تثير الفتنَ وتنمِّي الأحقادَ والضغائن والتنافر والتصادم والتلاكم؛ نتيجةَ التحزُّبات المُنبثِقةِ مِنْ طبيعةِ هذه الرياضات، وتصدُّ المُشاهِدَ ـ فضلًا عن اللاعب ـ عن ذِكْرِ الله، ويَكثُرُ فيها القِيلُ والقال، كما تُضيَّعُ ـ بسببها ـ الصلاةُ أو أوقاتُها، فضلًا عن ارتكاب المحرَّمات، كُلُّ هذه المَفاسِدِ والنتائج السيِّئة الناشئةِ عنها لا تهدف إلى تحقيقِ المسوِّغات المُبيحة للرياضة في الشريعة، القائمةِ على أساسِ إيجاد القوَّة الجسدية، والمحافَظةِ عليها وتنميتِها وتنشيطها، والتدريبِ على إزالة الأمراض المُزْمِنة، وتحقيقِ المعاني السامية، بل الذي يُرى هو العكسُ؛ فهي تُخالِفُ ما عليه المُثُلُ الإسلامية وما تدعو إليه مِنَ التآلف والتآخي وتزكيةِ النفس والضمائر مِنَ الأحقاد والتنابز والتنافر والتدابر وغيرِها ممَّا يتنافى وتعاليمَ الشريعة.

وإذا تَبيَّنَ ذلك فالمُضِيُّ فيها ـ مع وجودِ هذه المنهيَّاتِ ـ تعاوُنٌ على الإثم والعدوان بلا شكٍّ؛ إذ «التَّحْرِيمُ يَتْبَعُ الخُبْثَ وَالضَّرَرَ» كما في القواعد، ومجالاتُ الحلالِ والبرِّ كثيرةٌ، والواجبُ الانتقالُ إلى ما هو أَنْفَعُ وخيرٌ، ممَّا يَسُدُّ مَسَدَّه ويُغْني عنه؛ إذ «فِي الحَلَالِ مَا يُغْنِي عَنِ الحَرَامِ».

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ١٦ ذي القعدة ١٤٢١ﻫ
الموافق ﻟ: ١٠ فيفري ٢٠٠١م

 


(١) انظر الفتوى رقم: (١١٧٦) الموسومة ﺑ: «في حكم رياضة: «تاي شي شوان»» على الموقع الرسميِّ لفضيلة الشيخ أبي عبد المعزِّ محمَّد علي فركوس ـ حفظه الله ـ.

(٢) أخرجه البخاريُّ في «العتق» باب: إذا ضَرَبَ العبدَ فلْيَجتنِبِ الوجهَ (٢٥٥٩)، ومسلمٌ في «البرِّ والصِّلَة والآداب» (٢٦١٢)، واللفظُ لأحمد (٧٣٢٣)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.

فتاوى الشيخ فركوس:



قناة سلفية تعتني بنشر فتاوى الشيخ فركوس
https://telegram.me/ferkouss
الفتوى رقم: ١٧٨

الصنف: فتاوى متنوِّعة - الرقائق

في شروط التوبة من المعاصي

السؤال:

أنا شابٌّ ممَّنِ ابْتُلِيَ بالفتنة كثيرًا فأغواني الشيطانُ فوقعتُ في فاحشة الزنى، ولكِنْ ندمتُ على فعلتي هذه وعُدْتُ إلى الله تائبًا مُنيبًا وأصبحتُ مِنَ المُواظِبينَ على الصلاة، سؤالي هو: هل تكون توبتي مقبولةً؟ مع العلم أنَّ الحدود انعدمَتْ في وقتنا الحاليِّ، وجزاكم اللهُ خيرًا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:

فاعْلَمْ أنَّ الله يقبل التوبةَ عن عباده لقوله تعالى:﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر: ٥٣]، ولقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا. يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا. إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الفرقان: ٦٨ ـ ٧٠]، ويفرح بها كما وَرَدَ في الحديث: «لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ أَحَدِكُمْ مِنْ أَحَدِكُمْ بِضَالَّتِهِ إِذَا وَجَدَهَا»(١)، وقولِه صلَّى الله عليه وسلَّم: «التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ»(٢)، وللتوبة شروطٌ منها: الرجوعُ إلى الله والإنابةُ إليه، وذلك بالتخلِّي عن الذنوب والمعاصي، والندمِ على كُلِّ ذنبٍ سالفٍ، وعدَمِ الإصرار على العودة إلى الذنب في  مقبل العمر لقوله تعالى: ﴿وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران: ١٣٥]، وعليك أَنْ تعمل جاهدًا على تزكية نَفْسِك وتطهيرِها بأخذها بالآداب المزكِّية، وتجنيبِها مايُدنِّسُها مِنْ سيِّئِ المُعْتقَدات وفاسدِ الأقوال والأفعال، فتدفعها إلى الطاعة وتصرفها عن الشرِّ والفساد، ويتمُّ إصلاحُها وتأديبُها بالتوبة والصدق فيها لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ﴾ [التحريم: ٨]، كما تُلْزِمُ نَفْسَك بمُراقَبةِ الله تعالى في كُلِّ لحظاتِ حياتك حتَّى تَتيقَّنَ اطِّلاعَ المولى عزَّ وجلَّ عليك لقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: ١]، ولقوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ﴾[البقرة: ٢٣٥]، ولقوله تعالى: ﴿وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ﴾[يونس: ٦١]، وقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «اعْبُدِ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ»(٣)، ومِنْ طُرُقِ إصلاحها وتزكيتها مُحاسَبةُ النفس، فإِنْ رَأَيْتَ نَقْصًا في عبادتك جَبَرْتها بالنوافل إِنْ كانَتْ ممَّا يَنْجَبِرُ، وإلَّا استغفرتَ وندمتَ وأَنَبْتَ وعملتَ مِنَ الخير ما تراهُ مُصْلِحًا لِمَا أفسدتَ، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾[الحشر: ١٨]، هكذا أهلُ التقوى والصلاح: يخافون ربَّهم مِنْ فوقِهم ويُحاسِبون أَنْفُسَهم علىتفريطها ويلومونها على تقصيرها ويُلْزِمُونها التقوى وينهونها عن الهوى؛ تجاوبًا مع قوله تعالى: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الهَوَى. فَإِنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأْوَى﴾ [النازعات:٤٠ ـ ٤١].

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٢١ صفر ١٤٢٦ﻫ
الموافـق ﻟ: ٣١ مارس ٢٠٠٥م

 

(١) أخرجه مسلمٌ في «التوبة» (٢٦٧٥) مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.

(٢) أخرجه ابنُ ماجه في «الزهد» باب ذِكْرِ التوبة(٤٢٥٠) مِنْ حديثِ عبد الله بنِ مسعودٍ رضي الله عنه. قال ابنُ حجرٍ في «فتح الباري» (١٣/ ٤٧١): «سَنَدُه حَسَنٌ»، وحسَّنه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٣٠٠٨).

(٣) أخرجه البخاريُّ في «الإيمان» بابُ سؤالِ جبريلَ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم عن الإيمان والإسلام والإحسان وعلمِ الساعة (٥٠) مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه، ومسلمٌ في «الإيمان» (٨) مِنْ حديثِ عمر بنِ الخطَّاب رضي الله عنه.


فتاوى الشيخ فركوس:



قناة سلفية تعتني بنشر فتاوى الشيخ فركوس
الفتوى رقم: ٢٣٣

الصنف: فتاوى متنوِّعة

في حكم الموادِّ الدراسية المغشوش فيها

السؤال: أنا طالبٌ جامعيٌّ، كنت أغشُّ في الامتحانات، مع العلم أنِّي تحصَّلتُ على شهادة البكالوريا من دون غشٍّ، فهل شهادتي الجامعية باطلةٌ؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فكُلُّ الموادِّ التي وَقَع فيها الغشُّ يجب عليك أَنْ تدرسها مِنْ جديدٍ وتُمْتَحن فيها، بالنظر إلى تعذُّرِ إجراء استدراكاتٍ على الامتحانات المغشوشِ فيها في المؤسَّسات الرسمية؛ لذلك كان حريًّا ـ لتصحيح وضعيَّتك ـ أَنْ يُباشِرَ أيُّ شخصٍ مؤهَّلٍ إجراءَ امتحانٍ شفهيٍّ أو كتابيٍّ على وجه الصدق والأمانة؛ لأنَّ الغشَّ والخيانة والغدر صفاتٌ ذميمةٌ قبيحةٌ، والقبحُ لا يليق خُلُقًا للمسلم ولا وصفًا له بحالٍ مِنَ الأحوال؛ إذ طهارةُ نفسِه مُنبثِقةٌ مِنَ الإيمان والعمل الصالح، وهي تتنافى مع كُلِّ ما فيه شرٌّ وعدوانٌ، وذلك بالتوبة عن هذا الفعل المنهيِّ عنه شرعًا الذي وقَعْتَ فيه وسائرِ الذنوب، مع تعقُّبه بشروط التوبة المتمثِّلة في التخلِّي عن جميعِ الذنوب والندمِ عليها وعدمِ الإصرار عليها، وعدمِ العودة إليها، والإكثار مِنَ الاستغفار والعمل الصالح؛ لقوله تعالى: ﴿إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾[الفرقان: ٧٠]، ولقوله تعالى: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾[النور: ٣١].

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ١٥ جمادى الأولى ١٤٢٦ﻫ
المـوافـق ﻟ: ٢٢ جـوان ٢٠٠٥م


فتاوى الشيخ فركوس:



قناة سلفية تعتني بنشر فتاوى الشيخ فركوس
https://telegram.me/ferkouss

في_حكم_الزيادة_على_الثقب
الواحد_في_أذن_الأنثى

#السؤال:

انتشر في أوساطِ النساءِ ثَقْبُ الأُذُنِ أَكْثَرَ مِن مرَّةٍ، قد تصل إلى خمسِ ثقوبٍ في الأُذُنِ الواحدةِ لأجلِ وَضْعِ الأقراط فيها للتزيُّن؛ فنَوَدُّ سؤالَكم عن حُكْمِ هذا العمل، وهل هو مِن التزيُّن المُباح للمرأة؟ وبارَكَ اللهُ فيكم.

#الجواب:

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فالأصلُ أنه لا يجوز للمرأة تغييرُ شيءٍ مِن خِلْقتها بزيادةٍ أو نَقْصٍ الْتماسَ الحُسْنِ، لا للزوج ولا لغيره، إلَّا ما اسْتَثْنَاه النصُّ أو ما يحصل به الضررُ والأذى الحسِّيُّ أو المعنويُّ. وثَقْبُ أُذُنِ الأنثى للزِّينة جائزٌ، مُحقِّقٌ للمصلحة في التحلِّي بالمُباح للصغيرة والكبيرة على حَدٍّ سواءٍ، ولا يُعَدُّ ذلك مِن التغيير لخَلْقِ اللهِ المحرَّمِ لأنَّ الإسلام أَذِنَ لها بالتحلِّي لقوله تعالى: ﴿أَوَ مَن يُنَشَّؤُاْ فِي ٱلۡحِلۡيَةِ وَهُوَ فِي ٱلۡخِصَامِ غَيۡرُ مُبِينٖ ١٨﴾ [الزخرف]، وثَقْبُ أُذُنها وسيلةٌ للتحلِّي، ويشهد لذلك قولُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لعائشةَ رضي الله عنها في حديثِ أُمِّ زَرْعٍ: «كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ»، مع قولِ أُمِّ زرعٍ: «أَنَاسَ مِنْ حُلِيٍّ أُذُنَيَّ»(١)، أي: مَلَأَهُما مِن الحُلِيِّ حتَّى صارَ يَنُوسُ فيها، أي: يتحرَّك ويَجُولُ، وفي الصحيحين لَمَّا حرَّض النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم على الصدقة «جَعَلَتِ المَرْأَةُ تُلْقِي خُرْصَهَا...»(٢) الحديث، والخُرْصُ: هو الحَلْقةُ الموضوعةُ في الأُذُن.

ويكفي في جوازِ ثَقْبِ الأنثى أُذُنَيْها أنَّ اللهَ ورسوله عَلِمَ بفعلِ الناسِ وأَقَرَّهم عليه؛ فلو كان ممَّا نهى عنه لَبيَّنه الشرعُ؛ إذ «تَأْخِيرُ البَيَانِ عَنْ وَقْتِ الحَاجَةِ لَا يَجُوزُ»(٣).

هذا، وأمَّا الزيادةُ على الثُّقب الواحد في كِلا الأُذُنين فتحتاج إلى دليلٍ يُسْنِد حُكْمَها؛ لأنَّ المقرَّر أنَّ: ما أَذِن فيه الشرعُ ـ استثناءً ـ فيُقْصَرُ على أقصى ما يدلُّ عليه ولا يُتعدَّى مَحَلُّه، بل إنَّ الزيادة عليه تشويهٌ ومُثْلَةٌ مُخالِفةٌ للأصل المتقدِّم، فضلًا عن التشبُّه بأهل الفِسْق والفجور مِن اليهود والنصارى، وقَدْ ثَبَتَ في الحديث: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ»(٤).

والعلمُ عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٣٠ ربيع الأوَّل ١٤٢٩ﻫ
الموافق ﻟ: ٠٦ أبريل ٢٠٠٨م


الشيخ فركوس
____🎀_________ http://ferkous.com/home/?q=fatwa-884


الفتوى رقم: ٢

الصنف: فتاوى الصلاة - أحكام الصلاة

في حكم الصلاة باللباس الأحمر

السؤال:

ما حكمُ الصلاةِ باللباسِ الأحمرِ؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على مَن أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:

فمسألةُ لُبْسِ الأَحْمَرِ في الصلاةِ راجعةٌ ـ في الأصل ـ إلى حُكْمِ لُبْسِ الأحمر، وما عليه المالكيةُ والشافعيةُ وغيرُهم الجوازُ مُطلقًا؛ لحديثِ البراءِ بنِ عازبٍ رضي الله عنهما قال: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْبُوعًا، بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، لَهُ شَعَرٌ يَبْلُغُ شَحْمَةَ أُذُنِهِ، رَأَيْتُهُ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ، لَمْ أَرَ شَيْئًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ»(١)، ولحديثِ أبي جُحَيْفَةَ رضي الله عنه: أنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «خَرَجَ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ مُشَمِّرًا، فَصَلَّى إِلَى العَنَزَةِ بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ»(٢)، ولحديثِ عامرٍ الْمُزَنِيِّ رضي الله عنه بإسنادٍ فيه اختلافٌ قال: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى يَخْطُبُ عَلَى بَغْلَةٍ وَعَلَيْهِ بُرْدٌ أَحْمَرُ»(٣).

وفي المسألةِ أدلَّةٌ مانعةٌ مِنْ لُبْسِ الأحمرِ، غايةُ ما فيها ـ إِنْ صحَّتْ ـ أنها تُفيدُ الكراهةَ دون التحريمِ، وهي ـ في حقيقتها ـ غيرُ صالحةٍ للاحتجاجِ لِمَا في أسانيدِها مِنَ مَقالٍ، فضلًا عن مُعارَضتِها للأحاديثِ الصحيحةِ الثابتة، وما صحَّ مِن هذه الأحاديثِ فهو قابلٌ للتأويلِ.

لذلك، يمكن تعليلُ النهيِ عن لُبْسِ الأحمرِ بالتعليلاتِ التالية، وكُلُّها لا تخلو مِنْ نظرٍ:

ـ فإذا علَّلْنا المنعَ بأنَّ الحمرةَ هي حِبُّ الشيطانِ وزينتُه لِمَا وَرَدَ في البابِ مِن أحاديثَ ـ لو صحَّتْ ـ فقَدْ لَبِسَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم الحُلَّةَ الحمراءَ في غيرِ مرَّةٍ؛ فيَبْعُدُ منه أَنْ يَلْبَسَ ما حذَّرَنا مِن لُبْسِه. ولا يمكن التذرُّعُ بعدمِ تَعارُضِ الخاصِّ مِنَ القولِ مع فِعْلِه؛ لأنَّ العلَّةَ المذكورةَ مُشْعِرَةٌ بعدمِ الاختصاص، بلِ النبيُّ صلَّى الله عليه وآلِه وسلَّم أحَقُّ الناسِ بتجنُّبِ ما يُلابِسُه الشيطانُ، بناءً على أنَّ الأصلَ أنَّ: «مَا يَثْبُتُ لِأُمَّتِهِ فَيَثْبُتُ لَهُ مَا لَمْ يَرِدْ دَلِيلٌ خَاصٌّ بِهِ»، ولا خصوصَ يُصاحِبُه.

ـ وإذا علَّلْنا النهيَ بمنعِ التشبُّهِ بالكُفَّارِ لِما رواهُ مسلمٌ مِن حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو قال: «رَأَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ فَقَالَ: «إِنَّ هَذِهِ مِنْ ثِيَابِ الكُفَّارِ فَلَا تَلْبَسْهَا»»(٤)؛ فإنَّ النهيَ يَتوجَّهُ إلى نوعٍ خاصٍّ مِن الحمرةِ وهي الحمرةُ الحاصلةُ عن صِباغِ العُصْفُرِ على ما قرَّره ابنُ القيِّمِ ـ رحمه الله ـ جمعًا بينه وبين ما ثَبَتَ في الصحيحين مِنْ أَنَّهُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كَانَ يَلْبَسُ حُلَّةً حَمْرَاءَ(٥).

وبنفسِ التوجيهِ يُجَابُ على ما ثَبَتَ مِنَ النهيِ عنِ المَيَاثِرِ(٦) الحُمْرِ(٧)؛ فإنَّ غايةَ ما تدلُّ عليه تحريمُ المِيثَرةِ الحمراءِ، قال أبو عُبَيْدٍ: «وأمَّا المَياثِرُ الحُمْرُ التي جاء فيها النهيُ فإنها كانَتْ مِن مَراكِبِ الأعاجم مِن ديباجٍ أو حريرٍ»(٨)، وقال ابنُ الأثير: «ويدخل فيه مَياثِرُ السُّرُوج؛ لأنَّ النهي يَشْمَلُ كُلَّ مِيثَرَةٍ حَمْرَاءَ، سواءٌ كانَتْ على رَحْلٍ أو سَرْجٍ»(٩).

قلت: وليس فيه ما يدلُّ على تحريمِ ما عَدَاها مع ما ثَبَتَ مِنْ لُبْسِه صلَّى الله عليه وسلَّم للحُلَّةِ الحمراءِ مرَّاتٍ.

ـ وإذا علَّلْنا النهيَ عن لُبْسِ الأحمرِ لأجلِ التشبُّهِ بالنساءِ لكونِه مِنْ زينتِهنَّ أو مِنْ أجلِ الشهرةِ وخَرْمِ المروءةِ؛ فإنَّ النهيَ ـ كما لا يخفى ـ غيرُ واقعٍ على ذاتِ الحمرةِ بل على غيرِها، ويُعارِضُ ذلك ـ أيضًا ـ لُبْسُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لها ـ كما تَقَدَّم ـ.

ـ أمَّا ما قرَّره ابنُ القيِّمِ ـ جمعًا بين الأحاديثِ ـ مِنْ أنَّ الحُلَّةَ الحمراءَ بُرْدانِ يمانيَّان منسوجان بخطوطٍ حُمْرٍ وسُودٍ، فإنَّ هذا الجمعَ يَفْتقرُ إلى دليلٍ؛ لِما عُلِمَ أنَّ الصحابيَّ ـ وهو مِنْ أهلِ اللغةِ واللسانِ ـ قد وَصَفَها بأنها حمراءُ؛ فينبغي حَمْلُها على الأحمرِ البَحْت؛ لأنه هو المعنى الحقيقيُّ لها، وحَمْلُ مَقالةِ ذلك الصحابيِّ على لغةِ قومِه آكَدُ، و«لَا يُصَارُ إِلَى المَعْنَى غَيْرِ الحَقِيقِيِّ إِلَّا بِدَلِيلٍ صَارِفٍ»(١٠) على ما هو مقرَّرٌ في موضعِه.

لذلك ينبغي استصحابُ الإباحةِ العقليةِ المقوَّاةِ بأفعالِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الثابتةِ المُجيزةِ للُبْسِه لها لا سيَّما وقد ثَبَتَ لُبْسُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لذلك بعد حَجَّةِ الوداعِ التي لم يَلْبَثْ ـ بعدها ـ سوى أيَّامٍ يسيرةٍ.

وهذا الرأيُ ذَهَبَ إليه جمعٌ م
ِنَ الصحابةِ والتابعين، وبه قال المالكيةُ والشافعيةُ ـ على ما قدَّمْنا ـ وارتضاهُ الشوكانيُّ ـ رحمه الله ـ بقوله: «والحقُّ أَنْ يَتوجَّهَ النهيُ عن المُعَصْفَرِ إلى نوعٍ خاصٍّ مِن الأحمرِ وهو المصبوغُ بالعُصْفُرِ؛ لأنَّ العُصْفُرَ يُصْبَغُ صِباغًا أَحْمَرَ؛ فما كان مِن الأحمر مصبوغًا بالعُصْفُرِ فالنهيُ مُتوجِّهٌ إليه، وما كان مِن الأحمر غيرَ مصبوغٍ بالعُصْفُرِ فلُبْسُه جائزٌ»(١١).

فإِنِ استقرَّ الحكمُ على هذا فإنَّ الصلاةَ باللباسِ الأحمرِ صحيحةٌ مِنْ غيرِ كراهيةٍ.

والعلمُ عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ١٥ ذو الحجَّة ١٤١٧ﻫ
الموافق ﻟ: ٢٢ أفريل ١٩٩٧م

(١) رواه البخاريُّ في «المناقب» بابُ صفة النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم (٣٥٥١)، ومسلمٌ في «الفضائل» (٢٣٣٧)، مِن حديث البَراء بنِ عازبٍ رضي الله عنهما.

(٢) رواه البخاريُّ في «الصلاة» باب الصلاة في الثوب الأحمر (٣٧٦)، ومسلمٌ في «الصلاة» (٥٠٣)، مِن حديث أبي جُحَيْفَة رضي الله عنه.

(٣) أخرجه أبو داود في «اللباس» باب الرخصة في الحمرة (٤٠٧٣) مِن حديث عامرٍ المُزَنيِّ رضي الله عنه. وقال الألبانيُّ في «صحيح أبي داود» (٤٠٧٣): «صحيحٌ».

(٤) رواهُ مسلمٌ في «اللباس والزينة» (٢٠٧٧) مِن حديث عبد الله بنِ عمرٍو رضي الله عنهما.

(٥) كما سَبَقَ في حديث البَراء بنِ عازبٍ، وحديثِ أبي جُحَيْفةَ رضي الله عنهم، (هامش: ١، ٢).

(٦) المَياثِر: جمعُ مِيثَرَةٍ مِن الوَثارة، قال ابنُ الأثير في «النهاية» (٥/ ١٥٠): «يقال: وَثُرَ وَثارةً فهو وثيرٌ، أي: وطيءٌ ليِّنٌ، وأصلُها: مِوْثَرةٌ؛ فقُلِبَتِ الواوُ ياءً لكسرةِ الميم، وهي مِن مَراكِبِ العَجَم، تُعْمَلُ مِن حريرٍ أو دِيباجٍ».

(٧) انظر الحديث الذي رواهُ البخاريُّ في «اللباس» باب المِيثَرَةِ الحمراء (٥٨٤٩) مِن حديث البَراء بنِ عازبٍ رضي الله عنهما.

(٨) «غريب الحديث» للقاسم بنِ سلَّام (١/ ٢٢٨)، وانظر: «الصِّحاح» للجوهري (٢/ ٨٤٤).

(٩) «النهاية» لابن الأثير (٥/ ١٥١).

(١٠) انظر: «نيل الأوطار» للشوكاني (٢/ ١١٤).

(١١) «السيل الجرَّار» للشوكاني (١٠٢)، وانظر: «نيل الأوطار» للشوكاني (٢/ ١١٤).


فتاوى الشيخ فركوس:



قناة سلفية تعتني بنشر فتاوى الشيخ فركوس
https://telegram.me/ferkouss
في حكم البخَّاخات الهوائية حالَ الصيام

التبويب الفقهي للفتاوى: فتاوى الصيام > المفطرات



الفتوى رقم: ٧٦

الصنف: فتاوى الصيام - المفطِّرات

في حكم البخَّاخات الهوائية حالَ الصيام

السؤال:

سائلةٌ تُعاني مِنْ مرضِ الربو، وتريد معرفةَ ما إذا كان يجوز لها استعمالُ بخَّاخةٍ هوائيةٍ تعمل على توسيع المسالك الهوائية عن طريقِ استنشاق الدواء الموجودِ بها، وذلك في رمضان أو في غيره، أي: حين تكون صائمةً. وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فإذا كانَتْ مكوِّناتُ هذه البخَّاخةِ عبارةً عن هواءٍ مصنَّعٍ يُساعِدُ على فتحِ وتوسيعِ المجاري في القصباتِ الهوائية؛ فلا أرى مانعًا مِنِ استعماله في رمضانَ وغيرِه، ولا يمكن تَعدادُه مِنَ المفطِّراتِ.

أمَّا إذا كانَتْ تحتوي على مكوِّناتٍ تتركَّب مِنْ موادَّ بخاريةٍ تتحوَّل باستعمالها إلى سوائلَ يُشْعَر بمَذاقِها وبنزولها إلى الحلق فالمَعِدَةِ حالَ الاستعمال وبالتفاعل؛ فإنها تُعَدُّ مِنَ المفطِّراتِ؛ وعليه فإِنْ كان استعمالُها بهذا الاعتبار الأخير نهارَ رمضانَ في الشهر مرَّةً أو مرَّتين فحكمُه حكمُ المريض الذي يقضي ما أفطره، أمَّا إذا كان الاستعمالُ في غالب الشهر أو بحيث يتجاوزُ المعتادَ فحُكْمُه حكمُ المريض المزمن الذي تترتَّب عليه الفديةُ.

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٢٦ ذي القعدة ١٤٢٦ﻫ
الموافق ﻟ: ٢٨ ديسمـبر ٢٠٠٥م

 
فتاوى الشيخ فركوس:



قناة سلفية تعتني بنشر فتاوى الشيخ فركوس
https://telegram.me/ferkouss
في حكم صيامِ مَنْ علِمَتْ أنها تطهر مِنْ حيضها بعد الفجر

التبويب الفقهي للفتاوى: فتاوى الصيام > أحكام الصيام



الفتوى رقم: ٧٨

الصنف: فتاوى الصيام - أحكام الصيام

في حكم صيامِ مَنْ علِمَتْ أنها تطهر مِنْ حيضها بعد الفجر

السؤال:

الحائضُ إذا علِمَتْ بأنها طاهرٌ في الصباح: هل تصومُ ذلك اليومَ وتقضيه لأنها لم تُبيِّتِ النيَّةَ مِنَ الليل أم أنَّ صيامَها صحيحٌ؟ وجزاكم اللهُ خيرًا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فإذا علِمَتِ الحائضُ أنها تطهر بعد الفجر في أوَّلِ نهارِ رمضان ولم تكن مُفْطِرَةً صحَّ صيامُها ولا قضاءَ عليها؛ لأنَّ تبييتَ النيَّة مِنَ الليل غيرُ مقدورٍ عليه في حقِّها، وقِيلَ: هذه الصورةُ مخصَّصةٌ مِنْ حديثِ حفصة رضي الله عنها عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: «مَنْ لَمْ يُجْمِعِ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ»(١)؛ فالخبرُ فيه دليلٌ على وجوبِ تبييت النيَّة وإيقاعِها في جزءٍ مِنْ أجزاء الليل، غيرَ أنه محمولٌ على مَنْ دَخَل ذلك تحت قدرته؛ إذ «لَا تَكْلِيفَ إِلَّا بِمَقْدُورٍ»، ويُستثنى مِنْ ذلك كُلُّ مَنْ لم يدخل تحت القدرة فظَهَر له وجوبُ الصيام عليه مِنَ النهار: كالصبيِّ يحتلم والمجنونِ يُفيق والكافرِ يُسلم، وكمَنِ انكشف له في النهار أنَّ ذلك اليومَ مِنْ رمضان عملًا بحديثِ سَلَمَةَ بنِ الأكوعِ رضي الله عنه عند الشيخين: أَمَرَ النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ أَنْ: «أَذِّنْ فِي النَّاسِ: أَنَّ مَنْ كَانَ أَكَلَ فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ»(٢)، وحديثِ الرُّبَيِّعِ بنتِ معوِّذ بنِ عفراء رضي الله عنهما قالت: «أَرْسَلَ النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الأَنْصَارِ: «مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلْيَصُمْ»»، قَالَتْ: «فَكُنَّا نَصُومُهُ بَعْدُ وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا، وَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ العِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهُ ذَاكَ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الإِفْطَارِ»(٣).

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

 

(١) أخرجه أبو داود في «الصوم» باب النيَّة في الصيام (٢٤٥٤)، والترمذيُّ في «الصوم» بابُ ما جاء: لا صيامَ لمَنْ لم يعزم مِنَ الليل (٧٣٠)، والنسائيُّ في «الصيام» (٢٣٣٢)، وابنُ ماجه في «الصيام» بابُ ما جاء في فرض الصوم مِنَ الليل (١٧٠٠)، مِنْ حديثِ حفصة رضي الله عنها. وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٦٥٣٨).

(٢) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الصوم» بابُ صيامِ يومِ عاشوراءَ (٢٠٠٧)، ومسلمٌ في «الصيام» (١١٣٥)، مِنْ حديثِ سَلَمةَ بنِ الأكوع رضي الله عنه.

(٣) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الصوم» بابُ صومِ الصبيان (١٩٦٠)، ومسلمٌ في «الصيام» (١١٣٦)، مِنْ حديثِ الربيِّع بنتِ معوِّذ بنِ عفراء رضي الله عنهما.


فتاوى الشيخ فركوس:



قناة سلفية تعتني بنشر فتاوى الشيخ فركوس
https://telegram.me/ferkouss
في شرح معنى قوله صلَّى الله عليه وسلَّم « الَّذِينَ يُفْطِرُونَ قَبْلَ تَحِلَّةِ صَوْمِهِمْ »

التبويب الفقهي للفتاوى: فتاوى الصيام > فتاوى الحديث وعلومه > أحكام الصيام



الفتوى رقم: ٧٩

الصنف: فتاوى الحديث وعلومه

في شرح معنى قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «الَّذِينَ يُفْطِرُونَ قَبْلَ تَحِلَّةِ صَوْمِهِمْ»

السؤال:

عن أبي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ أَتَانِي رَجُلَانِ فَأَخَذَا بِضَبْعَيَّ فَأَتَيَا بِي جَبَلًا وَعْرًا فَقَالَا لِيَ: «اصْعَدْ» فَقُلْتُ: «إِنِّي لَا أُطِيقُهُ»، فَقَالَا: «إِنَّا سَنُسَهِّلُهُ لَكَ»، فَصَعِدْتُ حَتَّى إِذَا كُنْتُ فِي سَوَاءِ الْجَبَلِ إِذَا أَنَا بأَصْوَاتٍ شَدِيدَةٍ فَقُلْتُ: «مَا هَذِهِ الأَصْوَاتُ؟» قَالُوا: «هَذَا عُوَاءُ أَهْلِ النَّارِ»، ثُمَّ انْطُلِقَ بِي فَإِذَا أَنَا بِقَوْمٍ مُعَلَّقِينَ بِعَرَاقِيبِهِمْ، مُشَقَّقَةٌ أَشْدَاقُهُمْ، تَسِيلُ أَشْدَاقُهُمْ دَمًا، قَالَ: قُلْتُ: «مَنْ هَؤُلَاءِ؟» قَالَ: «هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُفْطِرُونَ قَبْلَ تَحِلَّةِ صَوْمِهِمْ»».

هل يمكن شرحُ الحديث؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فهذه رُؤْيَا مناميةٌ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ أَتَانِي رَجُلَانِ...»، الحديث(١)، ورؤياهُ لا تكون إلَّا حقًّا، والوعيدُ الواردُ في الحديث يَلْحَقُ مَنْ يُفْطِرون قبل وقتِ الإفطار، أي: قبل غروب الشمس الشرعيِّ وليس قبل الأذان، وهو المقصودُ مِنْ قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «قَبْلَ تَحِلَّةِ صَوْمِهِمْ».

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٢٠ ذي القعدة ١٤٢٦ﻫ
المـوافق ﻟ: ٢٢ ديسمـبر ٢٠٠٥م

 

(١) أخرجه ابنُ خزيمة (١٩٨٦)، وابنُ حبَّان (٧٤٩١)، والحاكم (١٥٦٨)، والبيهقيُّ (٨٠٠٦)، مِنْ حديثِ أبي أمامة الباهليِّ رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في «السلسلة الصحيحة» (٣٩٥١).

فتاوى الشيخ فركوس:



قناة سلفية تعتني بنشر فتاوى الشيخ فركوس
https://telegram.me/ferkouss


الفتوى رقم: ٨٠

الصنف: فتاوى الصيام - المفطِّرات

في صحَّة صومِ مَنْ أصبح جُنُبًا

السؤال:

إذا جامَعَ الرجلُ زوجتَه في شهر رمضانَ في الليل بعد المغرب واغتسل بعد الفجر: فهل صومُه باطلٌ؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فالنهيُ عن صومِ الجُنُبِ في حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا فَلَا يَصُومُ»(١) منسوخٌ بحديثِ عائشة وأمِّ سَلَمةَ رضي الله عنهما: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُدْرِكُهُ الفَجْرُ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ أَهْلِهِ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ وَيَصُومُ»(٢)، متَّفقٌ عليه، وزاد مسلمٌ في حديثِ أمِّ سلمةَ: «وَلَا يَقْضِي»(٣)، وفيه دليلٌ على صحَّةِ صومِ مَنْ دَخَل في الصباح وهو جُنُبٌ مِنْ جماعٍ، وقد رَجَع أبو هريرة عنه وأفتى بقولِ عائشة وأمِّ سَلَمة رضي الله عنهم(٤).

وممَّا يدلُّ على النسخ: ما أخرجه مسلمٌ وغيرُه عن عائشة رضي الله عنها: أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَفْتِيهِ ـ وَهِيَ تَسْمَعُ مِنْ وَرَاءِ الْبَابِ ـ فَقَالَ: «يَا رَسُولَ اللهِ، تُدْرِكُنِي الصَّلَاةُ وَأَنَا جُنُبٌ، أَفَأَصُومُ؟» فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَأَنَا تُدْرِكُنِي الصَّلَاةُ وَأَنَا جُنُبٌ فَأَصُومُ»، فَقَالَ: «لَسْتَ مِثْلَنَا يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ»، فَقَالَ: «وَاللهِ، إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَخْشَاكُمْ للهِ وَأَعْلَمَكُمْ بِمَا أَتَّقِي»(٥).

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٢٨ ذي الحجَّة ١٤٢٦ﻫ
الموافق ﻟ: ٢٨ يناير ٢٠٠٦م

 

(١) أخرجه أحمد (٧٣٨٨) مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه. وصحَّحه أحمد شاكر في تحقيقه ﻟ «مسند أحمد» (١٣/ ١١٨)، والألبانيُّ في «السلسلة الصحيحة» (٣/ ١١). وأخرجه مسلمٌ في «الصيام» (١١٠٩) بلفظ: «مَنْ أَدْرَكَهُ الْفَجْرُ جُنُبًا فَلَا يَصُمْ».

(٢) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الصوم» باب الصائمِ يصبح جُنُبًا (١٩٢٦)، ومسلمٌ في «الصيام» (١١٠٩)، مِنْ حديثِ عائشة وأمِّ سَلَمة رضي الله عنهما.

(٣) (١١٠٩).

(٤) أخرجه مسلمٌ في «الصيام» (١١٠٩).

(٥) أخرجه مسلمٌ في «الصيام» (١١١٠) مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها.

فتاوى الشيخ فركوس:



قناة سلفية تعتني بنشر فتاوى الشيخ فركوس
https://telegram.me/ferkouss
الفتوى رقم: ٧٣٩

الصنف: فتاوى الصيام - المفطِّرات

في حكم الصائمة التي أخَّرَتِ الاغتسالَ مِنْ حيضها إلى وقت المغرب

السؤال:

إنَّ زوجتي طَهُرَتْ مِنَ الحيض، ولكِنْ لم تغتسل بسببِ نقص الماء، وأخَّرَتْ غُسْلها إلى وقت الصبح، لكنَّ ضِيقَ الوقت وازدحامَ الأشغال حَالَ دون الاغتسال إلى وقت المغرب؛ فهل صيامُها صحيحٌ؟ وشكرًا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فالمسألةُ المطروحةُ لها شِقَّان: أحَدُهما يتعلَّقُ بالصوم والآخَرُ بالصلاة:

ـ أمَّا صومُها بعد انقطاعِ دم الحيض فصحيحٌ لعدمِ اشتراط الغُسل للصيام، أمَّا حديثُ أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: «مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا فَلَا يَصُومُ»(١) فمنسوخٌ بحديثِ عائشة وأمِّ سَلَمةَ رضي الله عنهما: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُدْرِكُهُ الفَجْرُ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ أَهْلِهِ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ وَيَصُومُ»(٢) متَّفقٌ عليه، وزاد مسلمٌ في حديثِ أمِّ سلمة رضي الله عنها: «وَلَا يَقْضِي»(٣)، ولكنَّ الأَوْلَى لها أَنْ تكون على طهارة الاغتسال وتتطهَّر مِنْ حيضتها؛ لقوله تعالى: ﴿وَلَا تَقۡرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطۡهُرۡنَۖ فَإِذَا تَطَهَّرۡنَ فَأۡتُوهُنَّ مِنۡ حَيۡثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ ﴾ [البقرة: ٢٢٢]، وهذا يدلُّ على كمالِ صَوْمِهَا.

ـ غيرَ أنَّ الشِّقَّ الثانيَ هو الأَوْلَى بالاعتبار لأنَّ مَدَارَ الأعمال كُلِّها على الصلاة؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الصَّلَاةُ؛ فَإِنْ صَلَحَتْ صَلَحَ لَهُ سَائِرُ عَمَلِهِ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَسَدَ سَائِرُ عَمَلِهِ»(٤)، ومِنْ شرط الصلاةِ الوضوءُ، فإِنْ تَعذَّر فالتيمُّمُ، فإِنْ لم تفعل حتَّى خَرَج وقتُها فهي آثمةٌ على الترك ولا يَلْزَمها قضاءٌ على أصحِّ قولَيِ العلماء؛ عملًا بما تَقرَّر أصوليًّا أنَّ «القَضَاءَ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ لَا بِالأَمْرِ الأَوَّلِ»، وإنما تَلْزَمها التوبةُ بشروطها مع الإكثار مِنَ النوافل والصالحات لتتدارَك ما قد فاتها مِنْ أمرِ الصلاة، فإِنْ كان الماءُ لا يكفي أهلَ البيت في الغُسل ولجأَتْ إلى التيمُّم للصلاة أجزأَتْها صلاتُها كاملةً، وهي في ذلك موافِقةٌ لأمرِ الشرع؛ لقوله تعالى: ﴿فَلَمۡ تَجِدُواْ مَآءٗ فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدٗا طَيِّبٗا ﴾ [النساء: ٤٣؛ المائدة: ٦]، ولا يخفى أنَّ اليسير مِنَ الماء الذي يحتاج إليه عمومُ الأسرة تجري فيه أحكامُ المعدوم.

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ١٠ رمضان ١٤٢٨ﻫ
الموافق ﻟ: ٢٢ سبتمبر ٢٠٠٧م

 

(١) أخرجه أحمد (٧٣٨٨) مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه. وصحَّحه أحمد شاكر في تحقيقه ﻟ «مسند أحمد» (١٣/ ١١٨)، والألبانيُّ في «السلسلة الصحيحة» (٣/ ١١). وأخرجه مسلمٌ في «الصيام» (١١٠٩) بلفظ: «مَنْ أَدْرَكَهُ الْفَجْرُ جُنُبًا فَلَا يَصُمْ».

(٢) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الصوم» باب الصائمِ يصبح جُنُبًا (١٩٢٦)، ومسلمٌ في «الصيام» (١١٠٩)، مِنْ حديثِ عائشة وأمِّ سَلَمة رضي الله عنهما.

(٣) (١١٠٩).

(٤) أخرجه الطبرانيُّ في «الأوسط» (١٨٥٩) مِنْ حديثِ أنسٍ رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٢٥٧٣).

فتاوى الشيخ فركوس:



قناة سلفية تعتني بنشر فتاوى الشيخ فركوس
https://telegram.me/ferkouss


الفتوى رقم: ٢٠٢

الصنف: فتاوى الصيام - القضاء

في حكم الإفطار في رمضان لعذرٍ مع عدم القدرة على الفدية

السؤال:

امرأةٌ غيرُ متزوِّجةٍ في عائلةٍ جدِّ فقيرةٍ، وهي في حالةِ مرضٍ خطيرٍ مسموحٌ لها بالإفطار في رمضان ولا تستطيع الفديةَ، فما حكمُها؟ وشكرًا وأجرُكم على الله.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فهذه المرأةُ إِنْ كان مرضُها ظرفيًّا فالواجبُ عليها صيامُ أيَّامٍ أُخَرَ لقوله تعالى: ﴿فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٖ فَعِدَّةٞ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾ [البقرة: ١٨٤]. أمَّا إِنْ كان مرضُها مُزْمِنًا فعليها الفديةُ: عن كُلِّ يومٍ تعطي للمسكين مقدارَ نصفِ صاعٍ مِنْ بُرٍّ، أي: ما يعادل الكيلوغرامَ الواحدَ مِنَ الدقيق، فإِنْ عجَزَتْ عن الإطعام وتَكفَّل بالفدية غيرُها نيابةً عنها في الإطعام أجزأها، والنيابةُ في الأموال جائزةٌ، فإِنْ لم تجد مَنْ ينوب عنها في دفعِ الفدية فإنَّ الإطعام يبقى في ذِمَّتها حتَّى تقدر، فإِنْ تُوُفِّيَتْ مِنْ غيرِ قدرةٍ على الإطعام فلا شيءَ عليها لقوله تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَا ﴾ [البقرة: ٢٨٦] وقولِه عزَّ وجلَّ: ﴿لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا مَآ ءَاتَىٰهَا ﴾[الطلاق: ٧].

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٤ رمضان ١٤٢٤ﻫ
الموافق ﻟ: ١١ أكتوبر ٢٠٠٣م

 
فتاوى الشيخ فركوس:



قناة سلفية تعتني بنشر فتاوى الشيخ فركوس
https://telegram.me/ferkouss
الخطأ ضرب

الفتوى رقم: ٢٩٣

الصنف: فتاوى الصيام - أحكام الصيام

في وجوب الصوم والإفطار مع الجماعة

السؤال:

هل ما يقوم به بعضُ الناس مِنَ الإفطار قبل الأذان بحجَّةِ أنَّ الأذان لا يُرْفَع في الوقت الشرعيِّ غيرُ جائزٍ؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فإنه يُفرَّق ما بين صومِ رمضان وهو الصومُ الجماعيُّ وغيرِه مِنَ الصوم الواجب في غير الجماعة والمُستحَبِّ التطوُّعيِّ الفرديِّ:

ـ أمَّا الصيام المفروض الذي يكون جماعةً فينبغي على المسلم أَنْ يصوم ويُفْطِر مع جماعة الناس وإمامهم؛ لحديثِ أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: «الصَّوْمُ يَوْمَ تَصُومُونَ، وَالفِطْرُ يَوْمَ تُفْطِرُونَ، وَالأَضْحَى يَوْمَ تُضَحُّونَ»(١)؛ فصرَّح بوجوبِ أَنْ يكون الصومُ والإفطار والأضحية مع الجماعة وعُظْمِ الناس، سواءٌ في ثبوت رمضانَ أو العيد، أو في غروب الشمس أو طلوع الفجر؛ فيجب على الآحادِ اتِّباعُ الإمام والجماعةِ فيها، ولا يجوز لهم التفرُّدُ فيها؛ جمعًا لكلمة الأمَّة وتوحيدًا لصفوفها وإبعادًا للآراء الفردية المفرِّقة لها؛ فإنَّ يد الله مع الجماعة.

ـ أمَّا صيام الواجب والتطوُّع الفرديِّ فيُوكَلُ إلى كُلٍّ بحسَبِ دخولِ وقت المغرب أو وقت طلوع الفجر؛ عملًا بقوله تعالى: ﴿وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلۡخَيۡطُ ٱلۡأَبۡيَضُ مِنَ ٱلۡخَيۡطِ ٱلۡأَسۡوَدِ مِنَ ٱلۡفَجۡرِ﴾ [البقرة: ١٨٧]، ولقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا، وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَا هُنَا، وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ؛ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ»(٢)، وفي ذلك أحاديثُ أخرى.

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٢٠ ذي القعدة ١٤٢٦ﻫ
المـوافق ﻟ: ٢٢ ديسمـبر ٢٠٠٥م

 

(١) أخرجه أبو داود في «الصوم» باب: إذا أخطأ القومُ الهلالَ (٢٣٢٤)، والترمذيُّ في «الصوم» بابُ ما جاء في أنَّ الفطر يومَ تُفْطِرون، والأضحى يومَ تُضَحُّون(٦٩٧)، وابنُ ماجه في «الصيام» بابُ ما جاء في شهرَيِ العيد (١٦٦٠)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في «السلسلة الصحيحة» (٢٢٤).

(٢)    مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الصوم» باب: متى يَحِلُّ فطرُ الصائم؟ (١٩٥٤)، ومسلمٌ في «الصيام» (١١٠٠)، مِنْ حديثِ عمر بنِ الخطَّاب رضي الله عنه.

فتاوى الشيخ فركوس:



قناة سلفية تعتني بنشر فتاوى الشيخ فركوس
https://telegram.me/ferkouss


الفتوى رقم: ٧٣٩

الصنف: فتاوى الصيام - المفطِّرات

في حكم الصائمة التي أخَّرَتِ الاغتسالَ مِنْ حيضها إلى وقت المغرب

السؤال:

إنَّ زوجتي طَهُرَتْ مِنَ الحيض، ولكِنْ لم تغتسل بسببِ نقص الماء، وأخَّرَتْ غُسْلها إلى وقت الصبح، لكنَّ ضِيقَ الوقت وازدحامَ الأشغال حَالَ دون الاغتسال إلى وقت المغرب؛ فهل صيامُها صحيحٌ؟ وشكرًا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فالمسألةُ المطروحةُ لها شِقَّان: أحَدُهما يتعلَّقُ بالصوم والآخَرُ بالصلاة:

ـ أمَّا صومُها بعد انقطاعِ دم الحيض فصحيحٌ لعدمِ اشتراط الغُسل للصيام، أمَّا حديثُ أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: «مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا فَلَا يَصُومُ»(١) فمنسوخٌ بحديثِ عائشة وأمِّ سَلَمةَ رضي الله عنهما: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُدْرِكُهُ الفَجْرُ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ أَهْلِهِ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ وَيَصُومُ»(٢) متَّفقٌ عليه، وزاد مسلمٌ في حديثِ أمِّ سلمة رضي الله عنها: «وَلَا يَقْضِي»(٣)، ولكنَّ الأَوْلَى لها أَنْ تكون على طهارة الاغتسال وتتطهَّر مِنْ حيضتها؛ لقوله تعالى: ﴿وَلَا تَقۡرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطۡهُرۡنَۖ فَإِذَا تَطَهَّرۡنَ فَأۡتُوهُنَّ مِنۡ حَيۡثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ ﴾[البقرة: ٢٢٢]، وهذا يدلُّ على كمالِ صَوْمِهَا.

ـ غيرَ أنَّ الشِّقَّ الثانيَ هو الأَوْلَى بالاعتبار لأنَّ مَدَارَ الأعمال كُلِّها على الصلاة؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الصَّلَاةُ؛ فَإِنْ صَلَحَتْ صَلَحَ لَهُ سَائِرُ عَمَلِهِ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَسَدَ سَائِرُ عَمَلِهِ»(٤)، ومِنْ شرط الصلاةِ الوضوءُ، فإِنْ تَعذَّر فالتيمُّمُ، فإِنْ لم تفعل حتَّى خَرَج وقتُها فهي آثمةٌ على الترك ولا يَلْزَمها قضاءٌ على أصحِّ قولَيِ العلماء؛ عملًا بما تَقرَّر أصوليًّا أنَّ «القَضَاءَ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ لَا بِالأَمْرِ الأَوَّلِ»، وإنما تَلْزَمها التوبةُ بشروطها مع الإكثار مِنَ النوافل والصالحات لتتدارَك ما قد فاتها مِنْ أمرِ الصلاة، فإِنْ كان الماءُ لا يكفي أهلَ البيت في الغُسل ولجأَتْ إلى التيمُّم للصلاة أجزأَتْها صلاتُها كاملةً، وهي في ذلك موافِقةٌ لأمرِ الشرع؛ لقوله تعالى: ﴿فَلَمۡ تَجِدُواْ مَآءٗ فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدٗا طَيِّبٗا ﴾[النساء: ٤٣؛ المائدة: ٦]، ولا يخفى أنَّ اليسير مِنَ الماء الذي يحتاج إليه عمومُ الأسرة تجري فيه أحكامُ المعدوم.

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ١٠ رمضان ١٤٢٨ﻫ
الموافق ﻟ: ٢٢ سبتمبر ٢٠٠٧م

 

(١) أخرجه أحمد (٧٣٨٨) مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه. وصحَّحه أحمد شاكر في تحقيقه ﻟ «مسند أحمد» (١٣/ ١١٨)، والألبانيُّ في «السلسلة الصحيحة» (٣/ ١١). وأخرجه مسلمٌ في «الصيام» (١١٠٩) بلفظ: «مَنْ أَدْرَكَهُ الْفَجْرُ جُنُبًا فَلَا يَصُمْ».

(٢) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الصوم» باب الصائمِ يصبح جُنُبًا (١٩٢٦)، ومسلمٌ في «الصيام» (١١٠٩)، مِنْ حديثِ عائشة وأمِّ سَلَمة رضي الله عنهما.

(٣) (١١٠٩).

(٤) أخرجه الطبرانيُّ في «الأوسط» (١٨٥٩) مِنْ حديثِ أنسٍ رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٢٥٧٣).


فتاوى الشيخ فركوس:



قناة سلفية تعتني بنشر فتاوى الشيخ فركوس
https://telegram.me/ferkouss


الفتوى رقم: ٩١٩

الصنف: فتاوى الصيام - أحكام الصيام

في حكمِ أخذِ الحبوب المانعة للحيض لأداءِ صيامِ رمضان

السؤال:

ما حكمُ أخذِ الحبوب المانعة مِنْ نزول الحيض في شهر رمضان لأجل صيام الشهر كاملًا، ومِنْ غير اللجوء إلى القضاء؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فالرأي المعتبَرُ ـ عندي ـ بقاءُ المرأة على طبيعتها مِنْ غيرِ استعمالِ حبوبِ تأخير الحيض تقصُّدًا لأداء رمضان، وهي مأجورةٌ في تعبُّدها لله بترك الصيام وغيرِه مِنَ العبادات لِمانعِ الحيض الذي قدَّره اللهُ تعالى لها، ولا يفوتها الأجرُ إِنْ شاء اللهُ، ثمَّ تتعبَّدُ اللهَ تعالى بالقضاء، علمًا أنَّ باب الذِّكر مفتوحٌ لها في أيَّام حَيْضتها وهو مِنْ أفضلِ الأعمال، وقد كان صلَّى الله عليه وسلَّم يذكر اللهَ في كُلِّ أحواله(١)، وفي حالةِ ما إذا استعملَتِ الحبوبَ وصامَتْ صحَّ صومُها ولا يَلْزَمُها قضاءٌ ولا مطالبةٌ.

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ١ جمادى الثانية ١٤٢٩ﻫ
الموافق ﻟ: ٥ جوان ٢٠٠٨م

 

(١) انظر الحديثَ الذي أخرجه مسلمٌ في «الحيض» (٣٧٣) مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها.

فتاوى الشيخ فركوس:



قناة سلفية تعتني بنشر فتاوى الشيخ فركوس
https://telegram.me/ferkouss