حتَّىٰ تسْتأنِسوا 💙
317 subscribers
104 photos
2 videos
11 files
14 links
هذا العُمر إنما هو سُلَّم إلى السماء لا إلى غيرها! 💙
Download Telegram
هذا النص لا يطرح مقارنةً بين الشخصيتين، فلا مجال لذلك، ليس فقط لأن كلٌ منهما كفةٌ قائمة بذاتها وقيمها، بل لأن إجراء مقارنة هنا غير منطقي كأن تقول : البحر أوسع أم القطار أسرع؟
...
بينما أفكر بأي الشخصيات أو الكتب أحيّ ليل هذا الشتاء الطويل، وبحروفِ مَن أشعل مدفئةً في قلبي، وأحيك سترةً يلتحف بها عقلي؟
فإذا بكتابٍ للطيبِ صالح، وكتابٌ للرافعي، يجلسانِ على مقربة من بعضهما، خيّل إليّ كأن شخوصهما خرجت من على الورق، ثم جلسوا على كرسيين يرقباني أيهم سأختار؟
طالعتُ الكرسي الذي يجلس عليه الطيب صالح، فكأنني سمعته يقول: مرحباً ابنة الوطن!
هل يحاول أن يذكرني الطيب صالح، بأننا أبناء وطنٍ واحد، وأنه إن كان علي أن أختار فلا بد أن أختاره؟ أم أنها فقد مجرد تحية لا تطوي عن شيء؟
أحاول أن مد يدي نحو كتابه، أتذكر كيف أنه يرسم صورة الوطن وهويته عن طريق شخوص رواياته، كيف يحكي عن السنابل في الحقل، وعن النخيل الذي يجزم أنه مثله، مخلوق له أصل، له جذور، له هدف! كيف يحكي عن النيل وعن القرى القابعة تحت منحناه، وعند ذكر النيل! التفتُ إلى صوت الرافعي غير بعيد، قائلاً : أما النيل فلمصرٌ عليه حق، ولقلمي عليه حق، فما بخلتُ عليه، إذ لم يبخل عليّ..
هل كان الرافعي يقصد بحديثه ذاك، أن بيننا قرابة النيل وأن الطيب ليس يفوقه في هذا الفضل من قلبي إلا قليلاً؟
أم أنه ذكر هذا الأمر على ذكرِ النيل ولا يطوي على شيء؟
حاولتُ أن أمد يدي إلى كتابه، فكأنني أمد يدي إلى السماء، وكأن الكتاب ارتفع بتلك المعاني العالية، إلى طبقةٍ غير طبقات الأرض..
سمعتُ الطيب صالح يقول: "أريد أن آخذ حقي من الحياة عنوة، أريد أن أعطي بسخاء"
وافقه الرافعيّ قائلاً : نعم! "فإن أنت لم تزد شيئاً على الدنيا، كنت زائداً عليها"
واصل الطيب صالح: "ثمة آفاق كثيرة لا بد أن تزار، ثمة ثمار يجب أن تُقطف، كتب مثيرة تقرأ.."
هل يلمح الطيب صالح بأن أتناول كتابه، وأبحر في تلك الآفاق البديعة، وأقطفُ الثمار، ربما من دومةِ ود حامد!
واصل الطيب صالح :" ثمة صفحات بيضاء في سجل العمر، سأكتب فيها جملاً واضحة بخط جرئ."
تنحنح الرافعي، ثم قال :
"هذا العُمر، إنما هو سلّم إلى السماء لا إلى غيرها"..
أخذتُ تنهيدة قوية بعد هذا الحوار ثم رنوت بناظري إلى الطيب صالح قائلة : سلامٌ عليك! "لا.. لست أنتَ الحجر يلقى في الماء لكنك البذرة تبذر في الحقل "
ثم نظرت إلى الرافعي قائلة: شكراً! لأني عندما دخلت الأدب من بابك،دخلته من أوسع أبوابه :") 💙

#إيناس_عبد_الحافظ
كل شيءٍ في الطريق يدعو للكتابة..
الناسُ حكاياتٌ متحركة
وفي داخلي يقبع راوٍ  لا يصمتُ أبداً!💙


#إيناس_عبد_الحافظ
ليلٌ طويل

"يبدأ ليل الشتاء هادئاً.. ثم يعصف في آخره بقوة على كل من لايملك أربعة جدران يقينه شر يومه! "

يهدأ الشارع، إلا من همهمات لأم تحاول عبثاً أن تصطاد النوم لطفلها الجائع المتكوّر على حِجرها، كباقايا عظام تلتحف ثوباً رفيعاً من الجلد، وجمجمةٍ كبيرة.

(١)                                     
التجاعيدُ على خديه كأنها تشكيل الحروف على المصحف، يظهر من بعيد قطنٌ على رأسه يتوّجه بقُبعةٍ بُنية اللون يهِش بها نهاراً أشعة الشمس، كما تهش الفزاعة الطيور من حقول القطن. يُشابك أصابع يديه ثم يرفعهما فوق رأسه كإعصارٍ دمّر الحقل،  تنهّد تنهيدة طويلة ثم أردف :" ها هو الليل يأتي حاملاً عصاه ويتوجه نحوي.."
  مال بيده على الابريق فبدأ الابريق بسكب الدموع فمسحها الشيخ على يديه ووجهه، فهدأ الابريق وكفّ عن البكاء. يجلسُ كقمرٍ وسط صفحة مِصلاته، سماءٌ في قلبه تطالع سماء ربه..

(٢)                                  
"على طرف الشارع قلبٌ قلق  يربت على قلبٍ تائه كورقة شجرة عصف بها الهواء بعيداً عن شجرتها الأم "

همست الصغيرة بعد أن غطت نفسها بالطرف المتبقي من ثوب أمها :" انظري يا أمي القمر يبدو كعروس في ثوبها الأبيض، والنجوم شبائنها "
ما الذي يجعله يختبئ ويترك الهواء يعصف بنا آخر الليل؟
أحاطت الأم صغيرتها بجناحيها  وهمست: ربما يربكه كل هذا التحديق!
  (٣)                             
 بينما يجوب القمر بمصباحه، سلّط ضوءه على طفلٍ صغير، يجلس مُلتحفاً بقطعة كرتون، كجنديّ صغير يحتمي من العدو، كان عدوه الجوع، لكن تلك الليلة احتفل الجندي الصغير بقطعة زلابية حازها بالجنيهات التي اكتسبها من بيع المناديل.

(٤)                              
        
الثانية صباحاً
"عصف الهواء بجيوشٍ تركض نحو معركةٍ ساحتها تلك الأجساد النحيلة، وجدت من فتحات ملابسهم الممزقة خندقاً، انكّبت داخله"
سرت رعشة قاطعت دعاء الشيخ المضطرب، رمت الجيوش بقذائفها فشققت شفتيه، ولكنها لم تفلح في شق طريق الحرب التي تقيمها دعوته مع الأقدار!

أطبقت الصغيرة يديها على أذنيها لتهرب من صوت المعركة التي يقيمها الهواء داخل قميصها القصير، تسمع صليل سيوفه تجرح صدرها ومعدتها، تستغيث بأمها، وطرف ثوبها المهترئ..

على بُعد أمتار قطعة كرتون تتلوى على الأرض كأنها تنتحب، يصرخ القمر : فُقد جنديّ آخر.  
(٥)                              
السابعة صباحاً
الشمس تضحك، لا ذنب لها في اختفاء القمر ليلة أمس!
اختفى القمر من السماء واختفى الآخر من مِصلاته واختفى قلبٌ وجناحٌ كان يضمه، تحت وطأة جيوش الأمس.

#إيناس_عبد_الحافظ
Forwarded from حتَّىٰ تسْتأنِسوا 💙 (Enas Abd Alhafiz)
آخرُ ساعة..

تأخذُ ورقة بيدك المرتجفة كأنها لكهل، وبقلبٍ كثير الرجاء كأنه لطفل، وبروحٍ فتية، كأنها لشابٍ في مقتبل العُمر..

لا يزال لسانك رطباً، ويُكثر الصلاة على النبيّ ﷺ، ترتقبُ آخر ساعة، وكأنها موعد النجاة، ونهاية اليوم الذي بعده بداياتٍ جديدة، الفرصة التي تفتح أبوابها في نهاية كل أسبوع، لتؤنس روحك التي جثتْ عليها الوُحشة.
تكاد الأحرف تكون لبداً على القلم، يبوح القلبُ بأمانيّ ودعوات كثيرة، يتلعثم القلم، يخطُّ _بحياءٍ شدديد_ عند مقدمة القائمة التي تعُّدها : المغفرة والجنة!
تكاد تسمع قهقهة الشيطان بالقرب منك، بنبرة سخرية لا تخفى عليك، يوصل وسوسته لتُعاتب شغاف قلبك:
تطلب المغفرة والجنة!
وأنت أنت!!
بعدما فعلتَ كذا وكذا؟  أنت الجاني كثيرُ المقال قليلٌ الفِعال؟
تذوب حرجاً، تتدحرجُ دمعاتٍ خجولة بلهبٍ ساخن على مجرى خديك، كأنها نابعة من بركان.
بصوتٍ هاديء مشّبعٌ بالرجاء والإيمان، يصدر من داخلك، يتلو ويردد : " إن الذين اتقوا إذا مسهم طائفٌ من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون"
تُبصر حينها أن الشيطان لا يزال مرابطاً، ينتظر غفلةً منك، حتى يصطادك في شباكه، فتذنب، تبتعد، وتبتئس، ويسعد هو!
لكن اللّه يُبصِّرُك ويُذكِّرك، تسترجع الأبواب التي دخل عليك منها الشيطان بطائفٍ منه، تُغلِّقها، تتوب وتعود، فيعود مذموماً، مدحوراً!
تضيءُ أنوار اليقين في قلبِك، ما زال باب التوبة مفتوحاً حتى تغرغر، وما دام في هذا العُمر بقية، ولو دقيقة واحدة، فهي أمل كبيرٌ في رحمة اللّه!
تنشرح!
تُكمل قائمة دعواتك، تطلب من خيري الدنيا والآخرة، وتستحضر :
"إن ربي قريبٌ مجيب "

#إيناس_عبد_الحافظ
" دمية تحت شجرة الزيتون"

مسحتْ التراب الذي يغطي وجهها، ووجه أختها، ووجه الدمية، ثم ابتسمت و قالت بصوتٍ حنونٍ ودافء كشجرةِ الزيتون التي تُحيط بهما:
أنظري! ما زالت الدمية بخير، ما زال أنفها الأفطس الكبير صامداً.
ضحكت أختها كأنها حررت حمامة بيضاء من سجن وجهها الأغبر، ثم قالت:
وانظري ما زالت أذناها الكبيرتان تستمعانِ حديثنا، ولم يرعبها هذا الصوت الجهور!  ألا تذكِّرك هذه الدمية به؟ نفسُ الملامح بإستثناء الأنف الأفطس طبعاً!
أنظري إلى العينين الجاحظتين كأنهما لبومة، إلا أنها ليست حكيمة...
وإلى الجسد الطويل كأنه سارية، إلا أنه مُظلم.

بحركةٍ ضجرة رمتْ الدمية على كومٍ من الحجارة، تناثرت الحجارة بعيداً عن بعضها ثم قالت: وانظري! إن ملامحها ترتسم بنفسِ بروده عندما يقوم بهذا الفعل...

قاطع صوتهما صوت أقدامٍ تضربُ الأرض بغضب، جذبتها رائحة البراءة التي تغطي ذاك المكان، وروح الطفولة التي تفوح منها، أزاح غصن الزيتون الذي كانا يختبئان تحته، نظر إليهما نظرة باردة، ثم إلى الدمية التي ترتسم بنفسِ ملامحه التي ذكرنها، ثم بحركةٍ سريعة، كما يرتد الطَرف، صوّب نحوهما رصاصتين، وولى مُدبراً.
بقيت الدمية هناك تستمعُ صوت مذياعٍ بعيد، يأتي منه صوت تميم يُنشد بصوتٍ حنون ودافء كشجرةِ الزيتون التي كانت تُحيط بهما:
"ها هم أمامك، متن نصٍ أنت حاشية عليه وهامش!
في القدس، رغمَ تتابعِ النَّكَباتِ، ريحُ براءةٍ في الجوِّ، ريحُ طُفُولَةٍ،
فَتَرى الحمامَ يَطِيرُ يُعلِنُ دَوْلَةً في الريحِ بَيْنَ رَصَاصَتَيْنْ..
في القدس من في القدس إلا أنت!"

#إيناس_عبد_الحافظ
١/ شعبان/ ١٤٤٤ هـ

"أرى الحزن ينبش قلبك، وعيناك تصارعان دمعاً كاد أن يفيض"

أكتب إليك رسالتي، اقرأها وارتقِ من حزنك:
غُلًّقت أبواب الخلق حولك، وباب الله يبعُد منك سجدة،اُسجد واَقترب، فمن سجدَ وجد.
أراك يا صديقي ككل شهرٍ يسبق رمضان، تُمنِّي نفسك أن يكون رمضانك هذا مختلفاً، تكتب الوعود وتخاف أن تخلفها.
اِعلم يا صديقي أن المسافات إلى الله تقطع بالصدق؛ فاصدقِ الله يصدقك، واعرِفه في الرخاء؛ يعرفك في الشدة.
امشِ إليه هذا الشهر، ليهرول قلبك إليه في شهر رمضان، تخلّص من كل شيءٍ يعرقلك من الوصول إليه.
ذنبك الذي تعلمه وتكرهه، تُب منه الآن، أزِح الثقل لتدخل رمضان خفيف الروحِ، سليم القلب. وتذكر أن للتائب امتحاناً، فكُن تلميذاً نجيباً.
السر يا صديقي، أن تتحرى رمضان قبل قدومه، أن تفرش له قلبك يقيناً، وتحضِّر له من التقوى زاداً، ومن القرآن نوراً، سيكون حينها وقع رمضانك مختلفاً، سيفرح بهذه الضيافة الموّقرة التي أعددتها له، فتنالك رحمةً من قبسِ رضاه، فيزِدك نوراً على نور؛ فتبصر ذاتك، وتعي دواخلك، وتفهم مقاصدك، ويهديك اللّه صراطاً به تستقيم.
وأخيراً :
"مِل يا صديقي عن الاعوجاج، واستقم بالله وحده". 💙
#إيناس_عبد_الحافظ
كيف حالُ قلبك؟
لا تفتأ تُشِر  ببوصلته إلى السماء، لن تضيع مهما زلزلك موجُ الأرضِ ومن فيها. أُقصد به الله وحده فمن قصدَ حصد.
اِعلم يا صديقي أن من يتحرى الخير يُعطه، ومن يتوقَ الشر يوقه. خُض المعارك ضد أهوائك، أُزّ نفسك أزاً، لا تجعلها تهُن عليك، لا يُتعبّنك طول الطريق فتمِلّ، ثبّت نظرك على السماء، عندما يرفرف الهلال عليها، تكون هذه إشارة نهاية المعركة ضد الأهواء، وبداية الغنيمة الرمضانية، بنفسٍ سامية عليّا..
في رمضان، تتولى هذه الروح السامية زمام أمورك، فقوّها يا صديقي منذُ الآن على هذه الخلافة الصعبة، لتخلف بحكمةٍ وبصيرة، تعلو معها النفس وتحصِّل مبتغاها.
عندما تحكم هذه الروح السامية التي قوّمتها منذ شعبان، ثم تتولى الخلافة الثلاثين يوماً، حينها وفقط حينها، ستتهذب هذه النفس طيلة أيام العُمر، وما هو هذا العُمر إلا أياماً معدودات..

رمضان يا صديقي، هو فصل من فصول السنة؛ الذي ترمض وتتساقط فيه الذنوب من القلب، واحدةً تلو الأخرى تجرُّ كل واحدةٍ أختها، حتى يغدو القلب أبيض كالصفا، وعندها يُعلن القلب أن فصل رمضان قد مرّ عليه مروراً حسياً. وتنتهي آثار الندوب والخدوش والآثام، فتستلقي عندها بسلام!
المهم يا صديقي، ألّا تستلقي وسط هذه المعركة مهما طالت، أكمل ولو مزقك المنع، ولو تآمرت عليك النفس الأمّارة، أكمل ولو حبواً، بعد ألفِ سقوط وسقوط..
أكمل، ولا تنسى :
"مِل يا صديقي عن الاعوجاج، واستقم بالله وحده."

#إيناس_عبد_الحافظ
Forwarded from حتَّىٰ تسْتأنِسوا 💙 (Enas Abd Alhafiz)
_ إلى منتصف قلبك الجريح تماماً، أرجو أن تخيطه هذه الرسالة، وتصنع رقعةً دافئة ترممه :

"أعلم أن الأمد قد طال، والصبر قتّال، لكن من تصبّر صبره الله..
أعلم أنك على شفا حفرة من الغرق، لكن الدعاء طوق نجاة..
أراك يا صديقي تحمل على عاتقك حِملاً ثقيلاً كاد يطرحك أرضاً، ينزل الله في آخر الليل؛ خصيصاً من أجلك، ليحمل عنك ذاك الثقل، إذهب إليه ولو مقدار شِبر، سيأتيك هرولة..
مِل يا صديقي عن الاعوجاج، واستقم بالله وحده..
أعلم أن جرحك العميق ينزف، وأنك لا تقوى على العلاج، لكن الإيمان ضِمادة آمنة لا توجع."

_في منتصف قلبي الجريح تماماً، مرت رسالتك غرزةً بعد غرزة، فصنعت رقعةً دافئة..
" شكراً لكشفك سر الليل، صرتُ أتحول من عارجٍ في النهار إلى مُحلقٍ في الليل.
الصبرُ جمرٌ يا صديقي! لكني أمسك بيدي الأخرى ثلجة الإيمان."

#إيناس_عبد_الحافظ
آخرُ ساعة..

تأخذُ ورقة بيدك المرتجفة كأنها لكهل، وبقلبٍ كثير الرجاء كأنه لطفل، وبروحٍ فتية، كأنها لشابٍ في مقتبل العُمر..

لا يزال لسانك رطباً، ويُكثر الصلاة على النبيّ ﷺ، ترتقبُ آخر ساعة، وكأنها موعد النجاة، ونهاية اليوم الذي بعده بداياتٍ جديدة، الفرصة التي تفتح أبوابها في نهاية كل أسبوع، لتؤنس روحك التي جثتْ عليها الوُحشة.
تكاد الأحرف تكون لبداً على القلم، يبوح القلبُ بأمانيّ ودعوات كثيرة، يتلعثم القلم، يخطُّ _بحياءٍ شدديد_ عند مقدمة القائمة التي تعُّدها : المغفرة والجنة!
تكاد تسمع قهقهة الشيطان بالقرب منك، بنبرة سخرية لا تخفى عليك، يوصل وسوسته لتُعاتب شغاف قلبك:
تطلب المغفرة والجنة!
وأنت أنت!!
بعدما فعلتَ كذا وكذا؟  أنت الجاني كثيرُ المقال قليلٌ الفِعال؟
تذوب حرجاً، تتدحرجُ دمعاتٍ خجولة بلهبٍ ساخن على مجرى خديك، كأنها نابعة من بركان.
بصوتٍ هاديء مشّبعٌ بالرجاء والإيمان، يصدر من داخلك، يتلو ويردد : " إن الذين اتقوا إذا مسهم طائفٌ من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون"
تُبصر حينها أن الشيطان لا يزال مرابطاً، ينتظر غفلةً منك، حتى يصطادك في شباكه، فتذنب، تبتعد، وتبتئس، ويسعد هو!
لكن اللّه يُبصِّرُك ويُذكِّرك، تسترجع الأبواب التي دخل عليك منها الشيطان بطائفٍ منه، تُغلِّقها، تتوب وتعود، فيعود مذموماً، مدحوراً!
تضيءُ أنوار اليقين في قلبِك، ما زال باب التوبة مفتوحاً حتى تغرغر، وما دام في هذا العُمر بقية، ولو دقيقة واحدة، فهي أمل كبيرٌ في رحمة اللّه!
تنشرح!
تُكمل قائمة دعواتك، تطلب من خيري الدنيا والآخرة، وتستحضر :
"إن ربي قريبٌ مجيب "

#إيناس_عبد_الحافظ
" دمية تحت شجرة الزيتون"

مسحتْ التراب الذي يغطي وجهها، ووجه أختها، ووجه الدمية، ثم ابتسمت و قالت بصوتٍ حنونٍ ودافء كشجرةِ الزيتون التي تُحيط بهما:
أنظري! ما زالت الدمية بخير، ما زال أنفها الأفطس الكبير صامداً.
ضحكت أختها كأنها حررت حمامة بيضاء من سجن وجهها الأغبر، ثم قالت:
وانظري ما زالت أذناها الكبيرتان تستمعانِ حديثنا، ولم يرعبها هذا الصوت الجهور!  ألا تذكِّرك هذه الدمية به؟ نفسُ الملامح بإستثناء الأنف الأفطس طبعاً!
أنظري إلى العينين الجاحظتين كأنهما لبومة، إلا أنها ليست حكيمة...
وإلى الجسد الطويل كأنه سارية، إلا أنه مُظلم.

بحركةٍ ضجرة رمتْ الدمية على كومٍ من الحجارة، تناثرت الحجارة بعيداً عن بعضها ثم قالت: وانظري! إن ملامحها ترتسم بنفسِ بروده عندما يقوم بهذا الفعل...

قاطع صوتهما صوت أقدامٍ تضربُ الأرض بغضب، جذبتها رائحة البراءة التي تغطي ذاك المكان، وروح الطفولة التي تفوح منها، أزاح غصن الزيتون الذي كانا يختبئان تحته، نظر إليهما نظرة باردة، ثم إلى الدمية التي ترتسم بنفسِ ملامحه التي ذكرنها، ثم بحركةٍ سريعة، كما يرتد الطَرف، صوّب نحوهما رصاصتين، وولى مُدبراً.
بقيت الدمية هناك تستمعُ صوت مذياعٍ بعيد، يأتي منه صوت تميم يُنشد بصوتٍ حنون ودافء كشجرةِ الزيتون التي كانت تُحيط بهما:
"ها هم أمامك، متن نصٍ أنت حاشية عليه وهامش!
في القدس، رغمَ تتابعِ النَّكَباتِ، ريحُ براءةٍ في الجوِّ، ريحُ طُفُولَةٍ،
فَتَرى الحمامَ يَطِيرُ يُعلِنُ دَوْلَةً في الريحِ بَيْنَ رَصَاصَتَيْنْ..
في القدس من في القدس إلا أنت!"

#إيناس_عبد_الحافظ
Forwarded from حتَّىٰ تسْتأنِسوا 💙 (Enas Abd Alhafiz)
أحب المراقبة من بُعد..
في أي شيء..
ففي يوم العيد، أحب أن أرى الناس من بُعد، وهم يصطفون للصلاة، بمختلف أعمارهم، وأطوالهم، أتخيّل كل واحد منهم بجناحين من السعادة، يكتم في داخله فرحةً تدغدغ جسده، ينهون الصلاة، ثم يُحلقون!
أحب النظر إلى الستِ أساور، التي تصطف بانتظام في يد طفلةٍ صغيرة، ترنِّح يدها أعلى وأسفل، يميناً ويساراً؛ لتسمع خشخشتها، أراها وكأنها ستةُ شموس، يتمردن على الطبيعة في سماءٍ صغيرة، مساحتها يدُ طفلة!
الأشياء من على البُعد، أجمل بكثيرٍ من قُربها _ في نظري _ فالبعد يجعلني أرى لها بُعداً تخيّلياً رائعاً، فكذلك بُعد القمر عنّا يجعل لنا مساحة تخيّل رائعة، أنه وعاء حليب، أو جدة ترتدي ثوباً أبيضاً، لتبدأ في سرد القصص للعالم أجمع،عندما كنتُ طفلة، كنتُ أقول أن الهلال هو قمرٌ صائم، فاختزل الصوم وزنه، أعجبني هذا التفسير، وأحببتُ تشبيه القرآن له بالعرجون القديم..
تنتقل هذه الظاهرة، حتى في الأوقات والمواقف التي تروّعني، والتي أظن أني هالكة فيها لا محالة، فأنسلخ من وسط المعركة، ثم أنظر من فوق أمتار لأجد أن العدو ليس مخيفاً إلى هذا الحد، وأنظر إليّ، أجدني أملك كل مقوّمات الفوز، وكل ما كنتُ أحتاجه :هو النظر من بعيد!
النظر من بُعد يُكسب الوضوح التام، والمصداقية الخالصة، للأشياء، والأشخاص، والمواقف،...
القُرب حدّ الغرق، يُعطي حجماً غير حقيقي، وشكلاً غير صحيح ، وصفاتٍ خاطئة، ومسمياتٍ خاطئة، ثم حُكماً غير عادل..
النظر من بُعد، دائماً يبقي لك مساحة أمان ، وتمعّن، وحفنة خيالٍ رائعة..
بعض الصفات تقود الأعين التي تراقب من بُعد لتقترب، تُخبرها أن هذا الجمال به المزيد والمزيد من الأسرار، ومواضع جمال أخرى لا تُرى إلا من قريب، هذه الصفات قد تكون فضول، وقد تكون حُب، وقد تكون استكشاف، لا يفقه الفرق بينها إلا موّفق..
رغم أن البُعد مريح وبلا قيود، إلا أن الناس يفضلون القرب والتسّلح بالحذر، مقابل الخوض في التفاصيل التي لا تُرى من بعيد،التي تُخبرهم بها تلك الصفات..
فالجمال الذي يزدانُ به البحر من بُعد، لم يكن كافياً، ورغم إحتمالية الغرق الكبيرة، لم يمتنع الناس من الغوص في داخله!.

#إيناس_عبد_الحافظ.
_ إلى منتصف قلبك الجريح تماماً، أرجو أن تخيطه هذه الرسالة، وتصنع رقعةً دافئة ترممه :

"أعلم أن الأمد قد طال، والصبر قتّال، لكن من تصبّر صبره الله..
أعلم أنك على شفا حفرة من الغرق، لكن الدعاء طوق نجاة..
أراك يا صديقي تحمل على عاتقك حِملاً ثقيلاً كاد يطرحك أرضاً، ينزل الله في آخر الليل؛ خصيصاً من أجلك، ليحمل عنك ذاك الثقل، إذهب إليه ولو مقدار شِبر، سيأتيك هرولة..
مِل يا صديقي عن الاعوجاج، واستقم بالله وحده..
أعلم أن جرحك العميق ينزف، وأنك لا تقوى على العلاج، لكن الإيمان ضِمادة آمنة لا توجع."

_في منتصف قلبي الجريح تماماً، مرت رسالتك غرزةً بعد غرزة، فصنعت رقعةً دافئة..
" شكراً لكشفك سر الليل، صرتُ أتحول من عارجٍ في النهار إلى مُحلقٍ في الليل.
الصبرُ جمرٌ يا صديقي! لكني أمسك بيدي الأخرى ثلجة الإيمان."

#إيناس_عبد_الحافظ
٤/ شعبان/ ١٤٤٥ هـ

"أرى الحزن ينبش قلبك، وعيناك تصارعان دمعاً كاد أن يفيض"

أكتب إليك رسالتي، اقرأها وارتقِ من حزنك:
غُلًّقت أبواب الخلق حولك، وباب الله يبعُد منك سجدة،اُسجد واَقترب، فمن سجدَ وجد.
أراك يا صديقي ككل شهرٍ يسبق رمضان، تُمنِّي نفسك أن يكون رمضانك هذا مختلفاً، تكتب الوعود وتخاف أن تخلفها.
اِعلم يا صديقي أن المسافات إلى الله تقطع بالصدق؛ فاصدقِ الله يصدقك، واعرِفه في الرخاء؛ يعرفك في الشدة.
امشِ إليه هذا الشهر، ليهرول قلبك إليه في شهر رمضان، تخلّص من كل شيءٍ يعرقلك من الوصول إليه.
ذنبك الذي تعلمه وتكرهه، تُب منه الآن، أزِح الثقل لتدخل رمضان خفيف الروحِ، سليم القلب. وتذكر أن للتائب امتحاناً، فكُن تلميذاً نجيباً.
السر يا صديقي، أن تتحرى رمضان قبل قدومه، أن تفرش له قلبك يقيناً، وتحضِّر له من التقوى زاداً، ومن القرآن نوراً، سيكون حينها وقع رمضانك مختلفاً، سيفرح بهذه الضيافة الموّقرة التي أعددتها له، فتنالك رحمةً من قبسِ رضاه، فيزِدك نوراً على نور؛ فتبصر ذاتك، وتعي دواخلك، وتفهم مقاصدك، ويهديك اللّه صراطاً به تستقيم.
وأخيراً :
"مِل يا صديقي عن الاعوجاج، واستقم بالله وحده". 💙
#إيناس_عبد_الحافظ
كيف حالُ قلبك؟
لا تفتأ تُشِر  ببوصلته إلى السماء، لن تضيع مهما زلزلك موجُ الأرضِ ومن فيها. أُقصد به الله وحده فمن قصدَ حصد.
اِعلم يا صديقي أن من يتحرى الخير يُعطه، ومن يتوقَ الشر يوقه. خُض المعارك ضد أهوائك، أُزّ نفسك أزاً، لا تجعلها تهُن عليك، لا يُتعبّنك طول الطريق فتمِلّ، ثبّت نظرك على السماء، عندما يرفرف الهلال عليها، تكون هذه إشارة نهاية المعركة ضد الأهواء، وبداية الغنيمة الرمضانية، بنفسٍ سامية عليّا..
في رمضان، تتولى هذه الروح السامية زمام أمورك، فقوّها يا صديقي منذُ الآن على هذه الخلافة الصعبة، لتخلف بحكمةٍ وبصيرة، تعلو معها النفس وتحصِّل مبتغاها.
عندما تحكم هذه الروح السامية التي قوّمتها منذ شعبان، ثم تتولى الخلافة الثلاثين يوماً، حينها وفقط حينها، ستتهذب هذه النفس طيلة أيام العُمر، وما هو هذا العُمر إلا أياماً معدودات..

رمضان يا صديقي، هو فصل من فصول السنة؛ الذي ترمض وتتساقط فيه الذنوب من القلب، واحدةً تلو الأخرى تجرُّ كل واحدةٍ أختها، حتى يغدو القلب أبيض كالصفا، وعندها يُعلن القلب أن فصل رمضان قد مرّ عليه مروراً حسياً. وتنتهي آثار الندوب والخدوش والآثام، فتستلقي عندها بسلام!
المهم يا صديقي، ألّا تستلقي وسط هذه المعركة مهما طالت، أكمل ولو مزقك المنع، ولو تآمرت عليك النفس الأمّارة، أكمل ولو حبواً، بعد ألفِ سقوط وسقوط..
أكمل، ولا تنسى :
"مِل يا صديقي عن الاعوجاج، واستقم بالله وحده."

#إيناس_عبد_الحافظ

https://www.instagram.com/enas.hafiz.5?igsh=YzljYTk1ODg3Zg==
Forwarded from حتَّىٰ تسْتأنِسوا 💙 (Enas Abd Alhafiz)
"هذا العُمر إنما هو سُلَّم إلى السماء لا إلى غيرها "

دائماً ما كان الموت، الرسول الذي لا يضل طريقه ولا يغفل عن رسالته، يعظ دون كلام، ورغم كثرة وقوعه لا يؤلف..
لكن موت الأتراب له شأنٌ خاص في هذه الرسالة، وهذا الانذار، أن مرحلة الشباب هذه قد تكون البداية والنهاية!
ينزع الأمل في البقاء الطويل.. ويكرر : ما هذا العُمر إلا أياماً معدودات!
حينها فقط! يتداعى إلى خاطري قوله صلى الله عليه وسلم مَا أَنَا في الدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ، ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا.

كل هذا.. كمن استظل تحت شجرة!
كل هذا الركض، الهموم العابرة، الأحزان، الخصام، العتاب،اللهو، ثُقل القلب....
تنتهي عند : راح وتركها!
و يتداعى إلى خاطري أيضآ قوله صلى الله عليه وسلم : ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه في اليم فلينظر بم يرجع.
بم يرجع!
لا شيء، لا تزن عند اللّه جناح بعوضة!
فأما الزبد، فيذهب جُفاء، وأما ما ينفع الناس، فيمكث في الأرض!
فاللهم ارحم أصدقائنا، وأقربائنا الذين ذهبوا إليك في شبابهم، وأبدلهم الجِنان، وارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه..
واجعل الموت خير واعظٍ لنا! واجعل شبابنا يُفنى في طاعتك ومرضاتك، واهدنا طريقاً به نستقيم..

#إيناس_عبد_الحافظ
Forwarded from حتَّىٰ تسْتأنِسوا 💙 (Enas Abd Alhafiz)
آخرُ ساعة..

تأخذُ ورقة بيدك المرتجفة كأنها لكهل، وبقلبٍ كثير الرجاء كأنه لطفل، وبروحٍ فتية، كأنها لشابٍ في مقتبل العُمر..

لا يزال لسانك رطباً، ويُكثر الصلاة على النبيّ ﷺ، ترتقبُ آخر ساعة، وكأنها موعد النجاة، ونهاية اليوم الذي بعده بداياتٍ جديدة، الفرصة التي تفتح أبوابها في نهاية كل أسبوع، لتؤنس روحك التي جثتْ عليها الوُحشة.
تكاد الأحرف تكون لبداً على القلم، يبوح القلبُ بأمانيّ ودعوات كثيرة، يتلعثم القلم، يخطُّ _بحياءٍ شدديد_ عند مقدمة القائمة التي تعُّدها : المغفرة والجنة!
تكاد تسمع قهقهة الشيطان بالقرب منك، بنبرة سخرية لا تخفى عليك، يوصل وسوسته لتُعاتب شغاف قلبك:
تطلب المغفرة والجنة!
وأنت أنت!!
بعدما فعلتَ كذا وكذا؟  أنت الجاني كثيرُ المقال قليلٌ الفِعال؟
تذوب حرجاً، تتدحرجُ دمعاتٍ خجولة بلهبٍ ساخن على مجرى خديك، كأنها نابعة من بركان.
بصوتٍ هاديء مشّبعٌ بالرجاء والإيمان، يصدر من داخلك، يتلو ويردد : " إن الذين اتقوا إذا مسهم طائفٌ من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون"
تُبصر حينها أن الشيطان لا يزال مرابطاً، ينتظر غفلةً منك، حتى يصطادك في شباكه، فتذنب، تبتعد، وتبتئس، ويسعد هو!
لكن اللّه يُبصِّرُك ويُذكِّرك، تسترجع الأبواب التي دخل عليك منها الشيطان بطائفٍ منه، تُغلِّقها، تتوب وتعود، فيعود مذموماً، مدحوراً!
تضيءُ أنوار اليقين في قلبِك، ما زال باب التوبة مفتوحاً حتى تغرغر، وما دام في هذا العُمر بقية، ولو دقيقة واحدة، فهي أمل كبيرٌ في رحمة اللّه!
تنشرح!
تُكمل قائمة دعواتك، تطلب من خيري الدنيا والآخرة، وتستحضر :
"إن ربي قريبٌ مجيب "

#إيناس_عبد_الحافظ
" هويةٌ مطموسة"

أراك تتسوّل الود من الناس، تجود بك كلّك، حتى لم يتبقَ منك شيء، تخلط بين الإيثار والتفريط!
اِعلم يا صديقي، أنك لو أشعلت أصابعك العشرين من أجل الناسِ _في الله_فُزت بعونه ونوره،
ولو أشعلتها من أجل الناس _لعرض الحياة الدنيا_أحرقت نفسك!
وسينفر الناس من رائحة الحريق، ثم ينثرون رمادك غير آبهين بروحك المشتعلة...

أراك يا صديق، تقف أمام مرآتك كل صباح،تتخير ما يرضي هذا في طبعك، وذاك في لبسك، وآخر في كلامك، تتطبع ببعضٍ صفات ليست منك لتنال بها ود لحظة، فتجد نفسك تتكلم بلسان غير لسانك، ولبس لا يلائم ذوقك، هويّةٌ مطموسة مشوشة!
اعلم يا صديق، أن من وطّن قلبه بين الناس؛ قلقَ واغترب!
ومن وطّنه عند ربه؛ أمِن وسكَن.

لا تشعِّب قلبك بين الناس، فيبقى جوفك فارغاً، امسك عليك وعاءك، جُد بوقتٍ له، لا يوحشنّك فُرقة الناس، واستأنس بالله وحده، تعافى من الحاجة المُلّحة لجماهيرٍ تصطف حولك، تفعل كل ما تفعل من أجل تصفيقهم، وتترك ما تترك من أجل تجنب تعنيفهم.
ما نفعك بالأضواء التي تحوم حولك، إن انطفأ النور الذي بداخلك؟
وما ضرك إن خفتت هذه الأضواء، وسطع سراجٌ في قلبك ممتدٌ نوره من وإلى السماء!
يا صديقي : من لم يجعل الله لو نور فما له من نور.
واعلم، أن من تحرَّى الود من الله، سيجعل الله له وداً من أهل السماوات والأرض.
فهوّن عليك، ولا تلتفت، وامضِ حيثُ أُمرت.

#إيناس_عبد_الحافظ
Forwarded from حتَّىٰ تسْتأنِسوا 💙 (Enas Abd Alhafiz)
"من ظلمة الفكِر إلى ظلمة الكهف "

كانوا فتية، لم يكونوا مجموعة شيوخٍ قادتهم الحِكمة، كانوا شباباً في مقتبل العمر والقوة والحلم..
أتساءل عن حال كونهم فِتية!
فأجد أنّ روح الفتية وحماسهم، أقرب إلى تبني الفكرة، وقلوبهم التي لم تفسد بعد، كانت أحرى بنزول الإيمان منزلاً مباركاً فيها،
لم يتورطوا بعد في الشرك الذي خاض فيه مجتمعهم إلى أخمص قدميه..
كانوا فتية بروحٍ فتيّة، وبصيرة قادرة على رؤية الفساد،
ولما رأى الله منهم ذاك الصدق والإيمان والهدى، والاستعداد لحملِ هذه الرسالة وعواقبها؛ زادهم هُدى..

لكنهم في النهاية فتية، عددهم دون العشرة، مقابل مجتمعٍ كامل لا يقبل حتى أن يسمع الفكرة، فكانوا في تلك الحال أشد حاجةً للرحمة والرشد، فنادوا اللّه : " ربنا آتنا من لدنك رحمةً وهيئ لنا من أمرنا رشداً"
نشر الله لهم رحمته في "كهف" آنسهم في أكثر الأماكن وحشة، آمن قلوبهم من خوف، كانت نومتهم ثم قيامهم بعد تلك المدة، دليلٌ قاطع  على حتمية البعث، الحقيقة التي أراد الفتية إثباتها وآمنوا بها قبل ثلاثمائة سنة وتسع سنين، فجعلهم اللّه هم الآية!

أتساءل كيف صبر أولئك الفتية على هجر الوطن، والأهل، والفرار إلى كهفْ! مجرد مغارة في جبل بعيدٍ عن الناس، أي شجاعة تلك! وأي ربطٍ على القلوب حَظوا به!
فتداعى إلى خاطري : " واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ۖ ولا تعدُ عيناك عنهم"
فأيقنت أن المرء مع رفاقه الأخيار، قد يدخلُ مغاراتٍ وينام في كهوفٍ، ويقطع مسافاتٍ وطرُقاً موحشة، في سبيل الأُنس بالله، فكل فردٍ من فتية الكهف كان يقوم مقام الأمة لأصحابه، وأنهم رغم الوحشة التي قذفها فيهم المجتمع، كانوا إيناساً لبعضهم البعض..
و قد قال تعالى :" ولا تعدُ عيناك عنهم"، إمعاناً في ملازمة تلك الرفقة..
وأيقنتْ أن الدين هو الوطن، حتى ولو كانوا في بطن كهف، وأن وطناً لا يملكون أحقية إظهار دينهم فيه، هو غربة ولو كانوا بين الأهل!
فكانوا أشد قوةً، وثباتاً، وقدرةً على تلك الهجرة! من ظلمة الفكِر إلى ظلمة الكهف..
ثم بعد ثلاثمائة سنة وتسع سنين، استيقظوا كشمسٍ تشرقُ وتحرق، مبددةً ذاك الظلام!
#إيناس_عبد_الحافظ
Forwarded from حتَّىٰ تسْتأنِسوا 💙 (Enas Abd Alhafiz)
" يزيح الشوق غطاء النهار الذي كان يختبئُ تحته، ينفض غبار الذكريات، يتأبط  حقيبته المعبأة بالأسماء.. وينطلق ركضاً في الظلام "
____

ينادي منادٍ : أيها الناس أغلقوا القلوب جيّداً، ليهجمنّ الشوق على كل مستيقظٍ ومستيقظة، أيّها الناس أطفئوا أعينكم، الأرق صديق الشوق، والشوق صديق وفيّ؛ ليزورنّكم تحت ضيافة الليل.
_______

يقفز الشوق قفزاتٍ كبيرة بين  أسطح المنازل ، يُنزل الأسماء من حقيبته عند باب كل قلب، يفتحُ القلب.. يئنّ ويئنّ، يفوح عطر الاسم في المكان، يفتح شريط الذكريات من أوله إلى آخره، إذ لا آخر له؛ فهو يتجدد عند كل ليلة حينما يوزع الشوق الأسماء.
_
في الصباح كل من زاره الشوق ليلة أمس، يطبع على ملامحه  شيءٌ من بقايا من يُشتاق إليه.. لا يزول إلا باللقاء.

يجتمع الناس حول المُصاب بالشوق : حدِّثنا عن الشوق؟
يفرُّك عينيه الحمراوين.. يتنهدّ تنهيّدة حارة تسبقها ال "آه".. ثم يقول : يأتي الشوق محملاً بجمرات يلقيها على القلب ثم يطلب منه أن يمشي حافياً..
_
ينادي المنادي : اتقوا الشوق..اتقوا الشوق.
رحم الله قلب كل إمرءٍ سلب الشوق منه عافيته!

#إيناس_عبد_الحافظ
"النجاةُ عرفة"

ينادي منادٍ : "ألا إن للّه نفحات، ألا فتعرضوا لها "
يهرول الجميع، لا وقت للمشي، لا وقت للتحايل والأعذار هذه المرة، سرى القوم، وسبقَ الركب، السابقون السابقون!

يقف الجميع تحت السماء وهي تتنزّل بالبركاتِ، والرحمات، والأملاك في هذا اليوم، ينزل الغيثُ فيغسل الأرواح التي فترت، ويملأ الكفوف الدَاعية، ويؤمّن على الأفواه التي تضجُّ بمقدارٍ كثيف من الأماني التي أثقلت الكتوف.. 
يقف الناس، يجددون العهد الذي نقضوه بعد رمضان، يطلبون المغفرة على ظلم أنفسهم، يستدركون ما فاتهم من الحرمان، يتاجرون في موسم البركة، ويوم مِداد الخير..
فينادي منادٍ : أيها الناس، ربِح البيع!

اليوم، لا شيطان كبير يعرقل المشي، أو يلهي القلوب عن الطريق، يقف من على البُعد، أحقر ما يكون، وأحزن ما يكون وأدحر، خرس صوته عن الوسوسة، وخارت قواه عن المكر والغيّ، يرى الناس يسارعون إلى المغفرة، ويقف هو محروماً، مذءوماً، مدحوراً!
ينادي منادٍ : النجاةُ عرفة!

يقفُ الناس، يلبُّون النداء..
لبيك اللهم لبيك!
هذه القلوب المتعبة بين يديك، ثبتها، انعشها، واسلل سخيمتها!

لبيك اللهم!
اِقبل التوبة، واغسل الحوبة، وأجِب الدعوة..

لبيك اللهم!
هذه الأرواح مشتاقةٌ لرؤية بيتك، مشتاقةٌ للطواف والمبيتِ..

لبيك اللهم!
ارزقنا رؤية بيتك في الدنيا، ولا تحرمنا رؤية وجهك الكريم في الجنة.

الحمد لله..
على مواسم الرحمات، على النعم المتوالية، على النفحات التي نقتات منها كلما جفّت أرواحنا وفتِئت، الحمد للّه على البلاغ. 💙

#إيناس_عبد_الحافظ