أَبُو عُمَيْر - عِمْرَان الزُبَيْدي
12K subscribers
389 photos
144 videos
15 files
226 links
اثبتوا فالحق جلي
Download Telegram
كنت مع صديقي ذاهبين إلى مكان تجمعنا الأسبوعي مع بقية الأصدقاء.

وفي طريقنا جلبنا معنا طعامًا -كعادتنا- وكنت قد أخبرته بأن يقف عند أي دكان لنشتري الماء إذ أننا نسينا طلب ذلك من المطعم، ورغم أنني قد ذكّرته مرتين إلا أنه نسي وٱنا كذلك حتى وصلنا إلى وجهتنا فتذكرت وعاتبته ممازحًا.

وما إن جلسنا وتناولنا الطعام وإذ برجلٍ أعجمي يسوق دراجته الهوائية ويحمل عليها صندوق فيه عبوات من الماء وفول سوداني يتجول به ليكسب رزقه.

جاء الرجل نحونا وسلّم علينا واشترينا منه ما نحتاجه، وانتهى الموقف على ذلك.

هو حقيقةً يبدو موقفًا عابرًا ولكنه يعني الكثير لمن تأمل فيه وتدبّر!.

الأمر بالنسبة للرجل قد يكون عاديًا؛ إذ ما الغريب في أن أجد أُناسًا في طريقي يريدون ماءً أو شيئًا آخر مما في جعبتي؟ التجارة بيع وطلب والناس في دربي كثر، فالأمر طبيعي!.

لكن كيف ستكون نظرته إلى الأمر لو علم أنّ هؤلاء الذين باعهم ما باعهم قد مروا على مطعمٍ وغفلوا عن شراء الماء من عنده، ثم مضوا في طريقهم على أساس أن يقفوا عند أقرب دكان يجدونه ولم يقفوا، وقد ذكّر أحدهم الآخر مرتين أثناء الطريق ولكن أنساهم الله تعالى ذلك؛ بل حتى أنّ أحدهم -أنا- قد أرسل لصديقٍ له لم يصل بعد بأن يشتري الماء وهو قادم؟!.

ومع هذا كله لم يشأ الله جل في علاه إلّا أن نشتري من عنده هو!.

حين أتفكّر بالموقف أشعر برغبة عامرة بالبكاء والله! وأقول لنفسي:

يا إلهي! كم من أفضال الله تعالى ونعمائه قد أغدق بها علينا ونحن بجهلنا ظنناها قد جاءت ببذلنا؟!.

كم من لقمةٍ أو شربةٍ أو درهمٍ كسبناه بتقديرٍ إلهي بديع قد خفيَ علينا وظننا أنه شيء طبيعي كما خفيَ عن صاحب الدراجة؟!.

كم من بليّةٍ كانت ستقع بنا في وقتٍ كنا ننعم فيه بالأمن ولكنّ الله تعالى رفعه عنا بتقديره العظيم؟!.

سبحانك ربّي سبحانك!!.

سبحانك ما قدرناك حق قدرك، ولا حمدناك حق حمدك، ولا شكرناك حق شكرك،.

سبحانك ما أعظمك وأكرمك وألطفك وأرحمك!.

الحمد والشكر لك على ما علمناه وما لم نعلمه من فضلك ونعمك علينا يا أكرم الأكرمين.
........
29 - شؤال - 1444 هـ
#اثبتوا_فالحق_جلي
شعور الاطمئنان عند التوجه إلى الله تعالى في حال التيه والضعف وقلة الحيلة بالافتقار والانكسار والشكاية هو في حد ذاته دليل على وجوده سبحانه وتعالى.

فالإنسان بطبيعة حياته المادية لا يطمئن إلا إذا رأى بعينه أسبابًا تدعوه للاطمئنان.

فحقيقة شعوره بالسكينة والراحة والاطمئنان بفعل شيءِ -الذِكر والتضرع- لا يترتب عليه تولّد نتائج مادية لحظية ملموسة تدفعه للاطمئنان؛ هو من أدلة وجود الله تعالى بلا ريب.

قد يقول قائل: *ولماذا لا تكون هذه الراحة والطمأنينة نتاج الوهم؟! إذ أنه قد صدق بوجود ذات قادرة على فعل كل شيء فلجأ إليها في خياله فاطمأن!*.

قلت: في ذات السؤال تكمن الإجابة!.

فلماذا يحتاج الإنسان إلى وجود شيء يعتقد فيه الكمال أصلًا؟ هذه الحاجة الملحّة في داخله ما مصدرها؟ ما سبب وجودها؟.

إذ أنّ هذا الإنسان يعيش في واقعٍ مادي لا يشاهد فيه سوى المسببات والأسباب والعِلل ويرصد نتائج كل ذلك، فحياته قائمة على وجود سبب مشاهد يؤدي إلى نتيجة مشاهدة؛ فمن أين أتت حاجته إلى اختلاق وجود هكذا ذات -كما تزعم- فضلًا عن تصديق وجودها؟!.

بل إنّ الذي يؤمن بوجود إله -بمختلف دياناتهم- قد يخاف ويتردد حتى وهو يسلك السبل ويأخذ بالأسباب الملموسة ولا يطمئن حتى يرى النتيجة!.

فكيف لكائن بهذا الذكاء وهذا التعقيد ويعيش في هكذا واقع مبني على الرصد والعِلل أن يشعر بالأمان والطمأنينة بفعل شيء لا يجد بفعله نتائج مادية لحظية ملموسة؟!.

لا، وفوق كل هذا هو يشعر بتلك الراحة والطمأنينة وهو يعيش أصعب الظروف وأحلكها!.

فإن لم يكن كل هذا سببه الفطرة المودعة في داخله لتدفعه دفعًا إلى البحث عن من أودعها والاطمئنان بوجوده فما تكون إذن؟!

قد يقول قائل: *ولكن هذا الشعور المزعوم يشعر به حتى أهل الديانات الباطلة! '.

قلت: صحيح، لأنّ الحقيقة واحدة عند الجميع، وجود إله يركنون إليه، وإن اختلفت تصوراتهم عنه، وأما مبحث أيهم الإله الحق فهو أمر مختلف، وهذا لا ينفي وجود الباعث لفعلهم ذلك؛ فطرتهم أو بقاياها.

فسبحان من قال وقوله الصدق: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}

والحمد لله رب العالمين.
........
6 - ذو القعدة - 1444 هـ

#اثبتوا_فالحق_جلي